عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني ـ 9 ـ أخرج إمام الحنابلة أحمد في المسند 2: 401 عن نوح بن ميمون عن عبد الله بن عمر العمري عن جهم بن أبي الجهم عن مسور بن المخرمة عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه. قال الأميني: أما قلب الرجل فلا صلة لنا به لأن ما فيه من السرائر لا يعلمه إلا الله، نعم ربما ينم عنه ما جرى على لسانه، وإن شئت فسائل الإمام أحمد أكان الحق على لسان عمر لما جابه رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله الفظ حين أراد الكتف والدواة ليكتب للمسلمين كتابا لا يضلون بعده ؟ فحال بينه وبين ما أراده من هداية الأمة، و مهما كانت الكلمة القارصة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله منزه عنها في كل حين فلا يغلبه الوجع، ولا يهجر من شدة ما به، ولا سيما وهو في صدد تبليغ ما به من الهداية والصون عن الضلال، وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى. وانتظر لهذه الجملة بحثا ضافيا إنشاء الله تعالى. أم كان الحق على لسانه في المائة موردا التي أخطأ فيها جمعاء ؟ وقد فصلناها تفصيلا في نوادر الأثر من الجزء السادس، وقد اتخذناها مقياسا لمعرفة حال هذه الرواية وأمثالها مما نسجته يد الغلو في الفضائل. أضف إلى هذا ما في سنده من الضعف فإن فيه: نوح بن ميمون. قال ابن حبان: ربما أخطأ (1) وفيه: عبد الله بن عمر العمري. قال أبو زرعة عن أحمد إمام الحنابلة: إنه كان يزيد في الأسانيد ويخالف. وقال علي بن المديني: ضعيف. وقال يحيى بن سعيد: لا يحدث عنه. وقال يعقوب بن شيبة: في حديثه اضطراب. وقال صالح جزرة: لين مختلط الحديث وقال النسائي: ضعيف الحديث. وقال ابن سعد: كثير الحديث يستضعف. وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن حبان: كان ممن غلب عليه الصلاح حتى غفل عن الضبط فاستحق الترك. وقال البخاري في التاريخ: كان يحيى بن سعيد ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب التهذيب 10: 489.
/ صفحة 93 / يضعفه. وقال أبو أحمد الحاكم: ليس بالقوي عندهم. وقال المروزي: ذكره أحمد فلم يرضه (1) وفيه جهم بن أبي الجهم. قال الذهبي في ميزان الاعتدال: لا يعرف. - 10 - رؤيا رسول الله صلى الله عليه وآله في علم عمر أخرج البخاري في صحيحه 5: 255 في مناقب عمر عن عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: بينا أنا نائم شربت يعني اللبن حتى أنظر إلى الري يجري في ظفري أو في أظفاري ثم ناولت عمر. فقالوا: فما أولته ؟ قال العلم. وأخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ص 119، والبغوي في المصابيح 2: 270، وابن عبد البر في الاستيعاب 2: 429، والمحب الطبري في الرياض 2: 8. وفي لفظهم: بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت حتى رأيت الري يخرج من أظفاري ثم أعطيت فضلي عمر. قال الحافظ ابن أبي الجمرة الأزدي الأندلسي في بهجة النفوس 4: 244 عند شرحه الحديث: فانظر بنظرك إلى الذي شرب فضله عليه السلام كيف كان قوة علمه ؟ الذي لم يقدر أحد من الخلفاء يماثله، فكيف ؟ بغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم، وكيف ؟ ممن بعد الصحابة. إلى آخر ما جاء به من التافهات. قال الأميني: إن طبع الحال يستدعي أن تكون هذه الرؤيا بعد إسلام عمر وبعد مضي سنين من البعثة، وهل كان صلى الله عليه وآله طيلة هذه المدة خلوا من العلم ؟ وهو في دور الرسالة، أو كان في علمه إعواز أكمله هذا اللبن الساري ريه في ظفره أو أظفاره ؟ أو كان فيها إعلام بمبلغ علم عمر فحسب، وكناية عن إنه من مستقي الوحي ؟ فهل تخفى على من هو هذا شأنه جلية المسائل فضلا عن معضلاتها ؟ وهل يسعه أن يعتذر في الجهل بكتاب الله بقوله: ألهاني عنه الصفق بالاسواق ؟. وهلا تأثرت نفس الرجل بالعلم لما شرب من منهل علم النبي العظيم ؟ فما معنى قوله: كل الناس أفقه من عمر حتى ربات الحجال ؟ وأمثاله (2) وما الوجه في أخطاءه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب التهذيب 5: 7 32. (2) راجع ما مر في الجزء السادس ص 338 ط 2.
/ صفحة 94 / التي لا تحصى في الفتيا وغيرها ؟ مما سبق ويأتي إن شاء الله تعالى. ولقد تلطف المولى سبحانه على الأمة المرحومة إنه ولي أمرها بعد شرب تلك الكاس. وأنا لا أدري لو كان وليه قبل ذلك ماذا كان يصدر من ولائد الجهل ؟ وأي حد كانت تبلغ نوادر الأثر في علمه ؟ وليت مصطنع هذه المهزأة اصطنعها على وجه ينطبق حكمها على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى الخليفة، لكنه لا ينطبق على أي منهما كما بيناه، غير أن وظيفة الماين أن يأتي بأساطيره على كل حال، وإنما العتب على البخاري الذي يعتبرها ويدرجها في الصحيح غلوا منه في الفضائل، وأشد منه وأعظم على أمثال ابن أبي جمرة الأزدي من الذين يموهون الحقايق بزخرف القول على أغرار الأمة، ويحسبونه هينا وهو عند الله عظيم. - 11 - أخرج البخاري في صحيحه في كتاب بدء الخلق باب صفة إبليس وجنوده ج 5: 89، وفي كتاب المناقب باب مناقب عمر 5: 256 عن سعد بن أبي وقاص قال: استأذن عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده نساء من قريش يكلمنه ويستكثرنه عالية أصواتهن فلما استأذن عمر قمن يبتدرن الحجاب، فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك، فقال عمر: أضحك الله سنك يا رسول الله ! قال: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب. قال عمر: فأنت يا رسول الله ! كنت أحق أن يهبن، ثم قال " عمر " أي عدوات أنفسهن أتهبنني ولا تهبن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلن: نعم، أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده ما لقيك الشطان قط سالكا فجا إلا سلك فجا غير فجك. قال الأميني: ما أوقح هذا الراوي الذي ساق هذا الحديث في عداد الفضائل وهو بعده عند سياق السفاسف أولى، حسب أولا أن النساء كن لم يهبن رسول الله صلى الله عليه وآله وهبن عمر، فعلى هذا نسائله: أكن هذه النسوة نساؤه صلى الله عليه وآله ؟ كما ذكره شراح الحديث (1) ستر العوار الرواية، أم كن أجنبيات عنه صلى الله عليه وآله ؟ وعلى الأول فلا وجه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع إرشاد الساري 5: 290.
/ صفحة 95 / لهيبتهن إياه على الأسفار أو الاكثار أمامه، فإن للحلائل مع زوجاتهن شؤونا خاصة فتسترهن عن عمر فلكونه أجنبيا عنهن لا هيبة له. وعلى الثاني وهو الذي يعطيه سياق الحديث كقوله: وعنده نساء من قريش. و قوله صلى الله عليه وآله: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي. الخ. وقول عمر: فأنت يا رسول الله كنت. الخ. وقوله: يا عدوات أنفسهن. الخ. فكل هذه لا يلتئم مع كونهن نساؤه لتنكير النساء في الأول، وظهور قوله: كن عندي في أن حضورهن لديه من ولائد الاتفاق لا أنهن نساؤه الكائنات معه أطراف الليل وآناء النهار، وقلنا أيضا: إنه لا وجه للهيبة مع كونهن أزواجه، ولا هن على ذلك عدوات أنفسهن، فإن إبداء الزينة والجمال للزوجة عبادة لا معصية، فجلوسهن وهن أجنبيات عند رسول الله صلى الله عليه وآله سافرات على هذا الوجه إما لأنه صلى الله عليه وآله لم يحرم السفور، وإما لأنه حرمه ونسيه، أو أنه صلى الله عليه وآله تسامح في النهي عنه، أو أنه هابهن وإن لم يهبن، وكان مع ذلك يروقه أن ينتهين عما هن عليه، ولذلك استبشر لما بادرن الحجاب وأثنى على عمر، ولازم هذا أن يكون عمر أفقه من رسول الله صلى الله عليه وآله، أو أثبت منه على المبدأ، أو أخشن منه في ذات الله، أو أقوى منه نفسا. أعوذ بالله من التقول بلا تعقل. وأما ما عزي إليه صلى الله عليه وآله ثانيا من قوله: والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا غير فجك، فما بالشيطان يهاب الخليفة فيسلك فجا غير فجه ولا تروعه عظمة النبي صلى الله عليه وآله ولا قوة إيمانه ؟ فيسلك في فجه فلا يدعه أن ينهى عن المنكر، و يحدو بصواحب المنكر إلى أن يتظاهرون به أمامه. بل الشيطان لعنه الله يعرض له صلى الله عليه وآله ليقطع عليه صلاته وإن رجع عنه خائبا كما أخرجه البخاري في صحيحه ج 1 ص 143 في كتاب الصلاة باب ما لا يجوز من العمل في الصلاة. ومسلم في صحيحه ج 1 ص 204 باب جواز لعن الشيطان في الصلاة، أخرجا بالإسناد عن أبي هريرة قال: صلى رسول الله صلاة فقال: إن الشيطان عرض لي فشد علي بقطع الصلاة علي فأمكنني الله منه فذعته (1) الحديث. هب إن اللعين في هذه المرة لم يصب من رسول الله صلى الله عليه وآله لكنه تجرأ على مقامه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) فذعته: فخنقته والذعت والدعت بالمهملة والمعجمة: الدفع العنيف.
/ صفحة 96 / الأسمى وقد جاء في الصحيحين (1) عن أبي هريرة إن الشيطان إذا سمع الأذان للصلاة من أي مسلم كان أدبر هاربا وولى فرقا، وله ضراط هلع جزع. كيف يجرأ اللعين على رسول الله حتى في حال صلاته ؟ ولم يتجرأ قط على عمر لأن يسلك فجا غير فجه. وجاء فيما أخرجه أحمد والترمذي وابن حبان عن بريدة إن الشيطان ليفرق منك يا عمر ! (2) وفيما أخرجه الطبراني وابن مندة وأبو نعيم عن سديسة مولاة حفصة عن حفصة بنت عمر مرفوعا: إن الشيطان لم يلق عمر منذ أسلم إلا خر لوجهه (3) . إني وإن لا يروقني خدش العواطف بذكر مواقف الرجل التي لم يكن العامل الوحيد فيها إلا الشيطان، غير إني لست أدري هل الشيطان كان يفرق ويفر منه، و يخر على وجهه، ويسلك فجا غير فجه أيضا منذ أسلم إلى سنة الفتح الثامن من الهجرة النبوية ؟ إلى نزول آية " فهل أنتم منتهون " إلى يوم قول الرجل: انتهينا انتهينا ؟ إلى يوم النادي في دار أبي طلحة الأنصاري ؟ فعلى الباحث الوقوف على ما أسلفناه في الجزء السادس ص 251 - 261، وفي الجزء السابع ص 95 - 102 ط 2. ثم أين كانت تلك البسالة من رسول الله - الحاجزة بين الشيطان الرجيم وبين صلاته صلى الله عليه وآله لما عرض له وشد عليه - يوم كانت عنده نساء قريش فتخنقه وتردع النسوة ؟ فبهذه كلها تعلم مقدار هده الرواية ومقيلها من الصدق، ومبلغ صحيح البخاري من الاعتبار، وتعرف ما يفعله الغلو في الفضائل والحب المعمي والمصم. أضف إلى هذه المخاريق ما أسلفناه في الجزء الخامس في سلسلة الموضوعات مما وضعته يد الغلو في فضائل عمر. كذلك نقص عليك من أنباء ما قد سبق، وقد آتيناك من لدنا ذكرا، من أعرض عنه فإنه يحمل يوم القيامة وزرا " طه 99، 100 " * * * ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 1: 78 كتاب الأذان. صحيح مسلم ج 1: 153 باب فضل الأذان. (2) فيض القدير 2: 359. (3) الإصابة 4: 226، فيض القدير 2: 352 |