عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
ـ 9 ـ كتمان الخليفة حديث النبي صلى الله عليه وآله أخرج أحمد في مسنده 1: 65 عن أبي صالح قال: سمعت عثمان رضي الله عنه يقول على المنبر: أيها الناس إني كتمتكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم كراهية تفرقكم عني، ثم بدا لي أن أحدثكموه ليختار امرؤ لنفسه ما بدا له، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول: رباط يوم في سبيل الله تعالى خير من ألف يوم فيما سواه من المنازل. وأخرج في المسند 1: 601 ؟، 65 عن مصعب قال: قال عثمان بن عفان رضي الله عنه وهو يخطب على منبره: إني محدثكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كان يمنعني أن أحدثكم إلا الضن بكم وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: حرس ليلة في سبيل الله تعالى أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها. وأخرج في المسند 1: 57 عن حمران قال: توضأ عثمان رضي الله عنه على البلاط ثم قال: لأحدثنكم حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لولا آية في كتاب الله ما حدثتكموه سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من توضأ فأحسن الوضوء ثم دخل فصلى غفر له ما بينه و بين الصلاة الأخرى حتى يصليها. وذكرها غير واحد من الحفاظ أخذا من مسند أحمد. قال الأميني: ليت مخبرا يخبرني عن مبرر هذا الشح عن تعليم أمة محمد صلى الله عليه وآله بتلكم الأحاديث، والناس في حاجة أكيدة إلى الحديثين في فضل الجهاد والمرابطة الذين بهما قام عمود الدين، ومطط أديمه، ودخلت هيبته القلوب، وكانوا يومئذ يتسابقون على الجهاد لكثرة ما انتهى إليهم من فضله، ولتعاقب الفتوح التي مرنتهم على الغزو وشوقتهم إلى توسيع دائرة المملكة، وحيازة الغنائم، فلو كان الخليفة يروي لهم شيئا مما لم يزل له نقر في آذانهم، ونكت في قلوبهم لازدادوا إليه شوقا، وازدلفوا إليه رغبة، وكان يعلم العالم منهم من لم يعلم، لا أنهم كانوا يتفرقون عنه كما حسبه الخليفة، ولو كان يريد تفرقهم عنه إلى الجهاد فهو حاجة الخليفة إلى مجتمعه وحاجة المجتمع إلى الخليفة الذي يكتنفون به، فهي مقصورة من الجانبين على التسرب إلى الجهاد والدفاع والدعوة إلى الله تعالى، وإلى دينه الحق وصراطه المستقيم، لا أن يجتمعوا حوله فيأنسونه / صفحة 152 / بالمعاشرة والمكاشرة، إذن فلا وجه للضنة بهم عن نقل تلكم الروايات. وأما ثالث الأحاديث فهو من حاجة الناس إلى أميرهم في ساعة السلم، وأي نجعة في الأمير هي خير من بعث الأمة على إحسان الوضوء، والصلاة بعده التي هي خير موضوع وهي عماد الدين، ووسيلة إلى المغفرة، ونجح الطلباب، وأحد أصول الاسلام، فلماذا يشح به الخليفة ؟ فيحرم أمته عن تلكم المثوبات والأجور. وأما الآية التي بعثته على التنويه بالحديث، فليته كان يدلنا عليها ويعرب عنها، وقد كانت موجودة منذ نزولها، وفي أبان شح الخليفة على رواية الحديث، فما الذي جعجع به إلى هذا التاريخ ؟ وأرجأ روايته إلى الغاية المذكورة ؟ ولعله أراد ما نص عليه أبو هريرة فيما أخرجه الجصاص في آيات الأحكام 1: 116 عن أبي هريرة أنه قال: لولا آية في كتاب الله عز وجل ما حدثتكم، ثم تلا: " إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى " قال الجصاص: فأخبر أن الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من البينات والهدى الذي أنزله الله تعالى. وهب أن الآية لم تنزل، فهل الحكم الذي هتف به رسول الله صلى الله عليه وآله يسدل عليه ستار الاخفاء إلى أن يرتئي الخليفة أن يبوح به ؟. أنا لا أدري السر في هذه كلها، و لعل عند الخليفة ما لا أعلمه. م وهل كان مبلغ جهل الصحابة الأولين بالسنة هذا الحد بحيث كان يخفي عليهم مثل الحديثين ؟ وكان علمهما يخص بالخليفة فحسب والخليفة مع هذا كان يعلم جهل جميعهم بذلك وإنه لو كتمه لما بان. على إن كاتم العلم وتعاليم النبوة بين اثنين رحمة يزوى عنه، وذموم تتوجه إليه، وإليك في المقامين أحاديث جمة فمن الفريق الثاني ما ورد: 1 عن ابن عمر مرفوعا: علم لا يقال به، ككنز لا ينفق منه. أخرجه ابن عساكر. 2 - عن ابن مسعود مرفوعا: علم لا ينفع، ككنز لا ينفق منه. أخرجه القضاعي. 3 عن أبي هريرة مرفوعا: مثل الذي يتعلم العلم، ثم لا يحدث به كمثل الذي يكنز الكنز فلا ينفق منه. أخرجه الطياسي والطبراني والمنذري.
/ صفحة 153 / 4 ـ عن أبي سعيد مرفوعا: كاتم العلم يلعنه كل شئ حتى الحوت في البحر و الطير في السماء. أخرجه ابن الجوزي في العلل. 5 - عن ابن مسعود مرفوعا: أيما رجل آتاه الله علما فكتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني. 6 - عن أبي هريرة مرفوعا: ما آتي الله تعالى عالما علما إلا أخذ عليه الميثاق أن لا يكتمه. أخرجه ابن النظيف وابن الجوزي. 7 - عن ابن مسعود مرفوعا: من كتم علما عن أهله ألجم يوم القيامة لجاما من نار. أخرجه ابن عدي. 8 - عن أبي هريرة مرفوعا: ما من رجل يحفظ علما فيكتمه إلا أتى يوم القيامة ملجما بلجام من نار. أخرجه ابن ماجة. 9 - عن أبي سعيد مرفوعا: من كتم علما مما ينفع الله به الناس في أمر الدين ألجمه يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه ابن ماجة والمنذري. 10 - عن أبي هريرة مرفوعا: مثل الذي يتعلم العلم ثم لا يحدث به كمثل رجل رزقه الله مالا فكنزه فلم ينفق منه. أخرجه أبو خيثمة في العلم وأبو نصر في الابانة 11 - عن ابن عمر مرفوعا: من بخل بعلم أوتيه أتي به يوم القيامة مغلولا ملجوما بلجام من نار. أخرجه ابن الجوزي في العلل. 12 - وفي لفظ ابن النجار عن ابن عمرو: من علم علما ثم كتمه ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. وفي لفظ الخطيب: من كتم علما ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه ابن حبان والحاكم والمنذري. 13 - عن ابن مسعود مرفوعا: من كتم علما ينتفع به ألجمه الله يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني في الكبير وابن عدي في الكامل والسجزي والخطيب. 14 - عن ابن عباس مرفوعا: من كتم علما يعلمه الجم يوم القيامة بلجام من نار. أخرجه الطبراني في الكبير. 15 - عن قتادة: ميثاق أخذه الله على أهل العلم فمن علم علما فليعلمه الناس، و / صفحة 154 / إياكم وكتمان العلم، فإن كتمان العلم هلكة. أخرجه عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم كما في تفسير الشوكاني 1: 375. 16 - عن الحسن قال: لولا الميثاق الذي أخذه الله على أهل العلم ما حدثتكم بكثير مما تسألون عنه. أخرجه ابن سعد. وحسبك من الفريق الأول قوله صلى الله عليه وآله: 1 - رحم الله امرءا سمع مني حديثا فحفظ حتى يبلغه غيره. أخرجه ابن حبان. 2 - رحم الله امرءا سمع منا حديثا فوعاه ثم بلغه من هو أوعى منه. أخرجه ابن عساكر. 3 - اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي، يروون أحاديثي وسنتي و يعلمونها الناس. أخرجه الطياسي والرامهرمزي والخطيب بن النجار. 4 - رحمة الله على خلفائي، قيل: من خلفاؤك يا رسول الله ؟ قال: الذين يحيون سنتي ويعلمونها الناس. أخرجه أبو نصر في الابانة وابن عساكر والمنذري في الترغيب. 5 - نظر الله امرءا سمع منا حديثا فبلغه غيره. أخرجه المنذري. راجع مسند أحمد مسانيد الصحابة المذكورين، مسند الطيالسي، الترغيب والترهيب للمنذري، كتاب العلم لأبي عمر، إحياء العلوم للغزالي، مجمع الزوائد للحافظ الهيثمي ج 1، كنز العمال كتاب العلم. نعم: لعل الخليفة اتبع في كتمانه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله رأي الشيخين قبله في نهيهما عن إكثار الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله كما فصلنا القول فيه في ج 6 ص 294 ط 2، و لست أدري إن قلة رواية الخليفة وقد بلغت عدتها كما ذكرها السيوطي في تاريخ الخلفاء ص 100، وابن العماد الحنبلي في الشذرات 1: 136 مائة وستة وأربعين حديثا أهي لقلة منته في السنة، وصفر يده من العلم بها ؟ أو لشحه على بثها وضنه بالأمة ؟ والله يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون. - 10 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 26 بالإسناد من طريق الزهري: إن عثمان كان / صفحة 155 / يأخذ من الخيل الزكاة فأنكر ذلك من فعله وقالوا: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق. وقال ابن حزم في المحلى 5: 227: قال ابن شهاب: كان عثمان بن عفان يصدق الخيل. وأخرجه عبد الرزاق عن الزهري كما في تعاليق الآثار للقاضي أبي يوسف ص 87. قال الأميني: ليت هذه الفتوى المجردة من الخليفة كانت مدعومة بشئ من كتاب أو سنة، لكن من المأسوف عليه إن الكتاب الكريم خال عن ذكر زكاة الخيل، والسنة الشريفة على طرف النقيض مما أفتى به، وقد ورد فيما كتبه رسول الله صلى الله عليه وآله في الفرائض قوله: ليس في عبد مسلم ولا في فرسه شئ. وجاء عنه صلى الله عليه وآله قوله: عفوت لكم عن صدقة الخيل والرقيق. وفي لفظ ابن ماجة: قد تجوزت لكم عن صدقة الخيل والرقيق. وقوله: ليس على المسلم صدقة في عبده ولا في فرسه. وفي لفظ البخاري: ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة. وفي لفظ له: ليس على المسلم صدقة في عبده وفرسه. وفي لفظ مسلم: ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة. وفي لفظ له: ليس على المرء المسلم في فرسه ولا مملوكه صدقة. وفي لفظ أبي داود: ليس في الخيل والرقيق زكاة إلا زكاة الفطر في الرقيق. وفي لفظ الترمذي: ليس على المسلم في فرسه ولا في عبده صدقة. وفي لفظ النسائي: كلفظ مسلم الأول. وفي لفظ له: لا زكاة على الرجل المسلم في عبده ولا في فرسه. وفي لفظ له: ليس على المرء في فرسه ولا في مملوكه صدقة. وفي لفظ: ليس على المسلم صدقة في غلامه ولا في فرسه. ولفظ ابن ماجة كلفظ مسلم الأول. وفي لفظ أحمد: ليس في عبد الرجل ولا في فرسه صدقة. وفي لفظ البيهقي: لا صدقة على المسلم في عبده ولا في فرسه.
/ صفحة 156 / وفي لفظ عبد الله بن وهب في مسنده: لا صدقة على الرجل في خيله ولا في رقيقه. وفي لفظ ابن أبي شيبة: ولا في وليدته. وفي رواية للطبراني في الكبير والبيهقي في السنن 4: 118 من طريق عبد الرحمن ابن سمرة: لا صدقة في الكسعة والجبهة والنخة (1) . ومن طريق أبي هريرة: عفوت لكم عن صدقة الجبهة والكسعة والنخة. راجع صحيح البخاري 3: 30، 31، صحيح مسلم 1: 361، صحيح الترمذي 1: 80، سنن أبي داود 1: 253، سنن ابن ماجة 1: 555، 556، سنن النسائي 5: 35، 36، 37، سنن البيهقي 4، 117، مسند أحمد 1: 62، 121، 132، 145، 146، 148، ج 2: 243، 249، 279، 407، 432، كتاب الأم للشافعي 2: 22، موطأ مالك 1: 206، أحكام القرآن للجصاص 3: 189، المحلى لابن حزم 5: 229، عمدة القاري للعيني 4: 383. ولو كان في الخيل شئ من الزكاة لوجب أن يذكر في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله الذي فصل فيه الفرايض تفصيلا (2) وقد أعطاه كبرنامج يعمل به في الفرايض وعليه كان عمل الصحابة، ومنه أخذ أبو بكر ما كتبه دستورا يعول عليه في الصدقات (3)، وكان مولانا أمير المؤمنين عليه السلام يهتف بتلك السنة الثابتة، وعليها كان عمله عليه السلام، وعليها أضفقت الصحابة وجرت الفتيا من التابعين، وبها قال عمر بن عبد العزيز، وسعيد بن المسيب، و عطاء، ومكحول، والشعبي، والحسن، والحكم بن عتيبة، وابن سيرين، والثوري، والزهري، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأهل الظاهر، وأبو يوسف، ومحمد ابن الحنفية(4). وقال ابن حزم: وذهب جمهور الناس إلى أن لا زكاة في الخيل أصلا. وقال مالك والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد، وجمهور العلماء: لا زكاة في الخيل بحال. ا هـ. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الجبهة الخيل. الكسعة: البغال والحمير. النخة. المربيات في البيوت. (2) راجع سنن البيهقي 4: 85 90، مستدرك الحاكم 1: 390 398. (3) راجع مصابيح السنة للبغوي 1: 119. (4) راجع المحلى لابن حزم 5: 229، عمدة القاري 4: 383.
/ صفحة 157 / نعم: للحنفية هاهنا تفصيل مجرد عن أي برهنة ضربت عنه الأمة صفحا قالوا: لا زكاة في الخيل الذكور، ولو كثرت وبلغت ألف فرس، وإن كانت إناثا، أو إناثا و ذكورا سائمة غير معلوفة فحينئذ تجب فيها الزكاة. وصاحب الخيل مخير إن شاء أعطى عن كل فرس منها دينارا أو عشرة دراهم، وإن شاء قومها فأعطى من كل مائتي درهم خمسة دراهم. كذا حكاه ابن حزم في المحلى 5: 288، وأبو زرعة في طرح التثريب 4: 14، وملك العلماء في بدايع الصنايع 1: 34، والنووي في شرح مسلم. وهذا التفصيل ما كان قط يعرفه الصحابة والتابعون لأنهم لم يجدوا له أثرا في كتاب أو سنة، وكان من الحقيق إن كان للحكم مدرك يعول عليه أن يعرفوه، وأن يثبته رسول الله صلى الله عليه وآله في كتابه، وكذلك أبو بكر من بعده، وهذا كاف في سقوطه، و لذلك خالف أبا حنيفة فيه أبو يوسف ومحمد وقالا بعدم الزكاة في الخيل كما ذكره الجصاص في أحكام القرآن 3: 188، وملك العلماء في البدايع 2: 34، والعيني في العمدة 4: 383. وغاية جهد أصحاب أبي حنيفة في تدعيم قوله بالحجة أحاديث لم يوجد في شئ منها ما جاء به من الرأي المجرد، ألا وهي: 1 - أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من طريق أبي هريرة مرفوعا: ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها. فذكر الوعيد الذي في منع حقها وحق الإبل والبقر والغنم، وذكر في الإبل: ومن حقها حلبها يوم وردها، ثم قال: قيل: يا رسول الله ! فالخيل ؟ قال: الخيل لثلاثة: هي لرجل وزر. وهي لرجل أجر. وهي لرجل ستر. فأما الذي هي له وزر: فرجل ربطها رياء وفخرا ونواء على أهل الاسلام فهي له وزر، وأما الذي هي له ستر: فرجل ربطها في سبيل الله. ثم لم ينس حق الله في ظهورها، ولا رقابها فهي له ستر. وأما الذي هي له أجر: فرجل ربطها في سبيل الله لأهل الاسلام. الحديث. وفي لفظ مسلم بدل قوله: ثم لم ينس حق الله..الخ: و لم ينس حق الله في ظهورها وبطونها في عسرها ويسرها. استدل به ابن التركماني المارديني في الجوهر النقي ط ذيل سنن البيهقي 4 : / صفحة 158 / 120 وقال: يدل عليه ظاهر قوله: ثم لم ينس حق الله.. إلخ. مع قرينة قوله في أول الحديث: ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته، وما من صاحب إبل لا يؤدي زكاتها، وما من صاحب عنم لا يؤدي زكاته. ونحن لا نعرف وجه الدلالة في ظاهر قوله: ثم لم ينس. مع ضم القرينة إليه على ما أفتى به أبو حنيفة، وغيرنا أيضا لا يرى فيه دلالة على الزكاة في الخيل كما قاله البيهقي في السنن 4: 119. 2 - أخرج البيهقي في سننه الكبرى 4: 119 عن أبي الحسن علي بن أحمد بن عبدان عن أبيه، عن أبي عبد الله محمد بن موسى الاصطخري، عن إسماعيل بن يحيى بن بحر الأزدي، عن الليث بن حماد الاصطخري، عن أبي يوسف القاضي، عن غورك بن الحصرم أبي عبد الله، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيل السائمة في كل فرس دينار. قال البيهقي: تفرد به غورك، وأخبرنا أبو بكر بن الحارث قال: قال عمر بن علي الحافظ يعني الدارقطني: تفرد به غورك عن جعفر، وهو ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء. قال الأميني: في رجال الاسناد: أحمد بن عبدان مجهول. قاله مسلمة بن قاسم وفيه: 2 - محمد بن موسى الاصطخري: شيخ مجهول، روى عن شعيب خبرا موضوعا قاله ابن حجر. 3 - إسماعيل بن يحيى الأزدي: ضعفه الدارقطني، وحكاه عنه ابن حجر. و 4 - وليث بن حماد الاصطخري: ضعفه الدارقطني، ونقله عنه الذهبي وابن حجر. و 5 - أبو يوسف القاضي: قال البخاري: تركوه، وعن المبارك: إنه وهاه. وعن يزيد بن هارون: لا تحل الرواية عنه. وقال الفلاس: صدوق كثير الخطأ، إلى آخر ما مر من ترجمته في هذا الجزء ص 30، 31. 6 - غورك السعدي: قال الدارقطني: ضعيف جدا، وذكره الذهبي في الميزان(1). ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع ميزان الاعتدال 2: 323، 360، لسان الميزان 1: 192، 441، ج 4: 421، 493، ج 5: 401، ج 6: 300.
/ صفحة 159 / ومما يوهن هذه الرواية عدم إخراج ابن أبي يوسف القاضي فيما جمعه من الأحاديث عن والده وأسماه بالآثار. وذكرها الذهبي في لميزان 2: 223 فقال: ضعف الدارقطني الليث وغيره في إسناده. على أن الرواية خالية عن تفصيل الذي جاء به أبو حنيفة من نفي الزكاة في ذكور الخيل ولو كثرت ووجوبها إن كانت إناثا، أو إناثا وذكورا. إلى آخر ما تقول به. 3 - أخرج ابن أبي شيبة في مسنده من طريق عمر مرفوعا في حديث طويل قال: فلا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل شاة لها ثغاء ينادي: يا محمد ! يا محمد ! فأقول: لا أملك لك من الله شيئا قد بلغت. ولا أعرفن أحدكم يأتي يوم القيامة يحمل فرسا له حمحمة ينادي يا محمد ! يا محمد ! فأقول: لا أملك لك من الله شيئا. الحديث. استدل به على وجوب الزكاة في الخيل ابن التركماني المارديني في الجوهر النقي يل سنن البيهقي 4: 120. وقال: فدل على وجوب الزكاة في هذه الأنواع. ا هـ. أمعن النظر في الحديث لعلك تعرف وجه الدلالة على ما ارتآه الرجل، وما أحسبك أن تعرفه، غير أن حب المارديني إمامه أبا حنيفة أعماه وأصمه، فحسب إنه أقام البرهنة على ما خرق به الرجل إجماعة، وتقول تجاه النص الأغر، و السنة الثابتة، وكل هذه من جراء رأي من صدق الخيل بعد عفو الله ورسوله عنها. 4 - فعل عمر بن الخطاب وأخذه الزكاة من الخيل، وليس في فعله أي حجة للحنفية ولا لغيرهم، لأنه لم يكن فيما عمله التفصيل الذي ذكره القوم، على إنه كان يأخذ ما أخذه من الخيل تطوعا لا فريضة باستدعاء من أرباب الخيل كما مر في الجزء السادس ص 155 ط 2، وما كان يخافه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، ويحذر به عمر في أخذه الزكاة من الخيل من أن يعود جزية يوجبها أناس في المستقبل، فكان كما توسم سلام الله عليه على عهد عثمان، فالتفصيل المذكور أحدوثة في الدين خارجة عن السنة الثابتة، وهو كما قال ابن حزم في المحلى 5: 228: وأتوا بقول في صفة زكاتها لا نعلم أحدا قاله قبلهم. وقولهم هذا يخالف القياس الذي هو أساس مذهبهم. قال ابن رشد في ممهدات المدونة الكبرى 1: 263: والقياس إنه لما اجتمع أهل العلم في البغال والحمير على / صفحة 160 / إنه لا زكاة فيها وإن كانت سائمة، واجتمعوا في الإبل، والبقر، والغنم على الزكاة فيها إذا كانت سائمة: واختلفوا في الخيل سائمة وجب ردها إلى البغال والحمير لا إلى الإبل والبقر والغنم، لأنها بها أشبه لأنها ذات حافر كما إنها ذوات حوافر، وذو الحافر بذي الحافر أشبه منه بذي الخف أو الظلف، ولأن الله تبارك وتعالى قد جمع بينها فجعل الخيل والبغال والحمير صنفا واحدا لقوله: والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة وجمع بين الأنعام وهي الإبل والبقر والغنم فجعلها صنفا واحدا لقوله: والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون ولقوله عز وجل: الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون. - 11 - قال ابن حجر في فتح الباري 2: 361: روى ابن المنذر عن عثمان بإسناد صحيح إلى الحسن البصري قال: أول من خطب قبل الصلاة عثمان، صلى بالناس ثم خطبهم (1) فرأى ناسا لم يدركوا الصلاة، ففعل ذلك، أي صار يخطب قبل الناس، وهذه العلة غير التي إعتل بها مروان، لأن عثمان رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة، و وأما مروان فراعى مصلحتهم في استماعهم الخطبة، لكن قيل: إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع خطبته لما فيها من سب ما لا يستحق السب، والافراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه، ويحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك أحيانا بخلاف مروان فواظب عليه. وذكره الشوكاني في نيل الأوطار 3: 362. وأخرج ابن شبه عن أبي غسان قال: أول من خطب الناس في المصلى على منبر عثمان بن عفان. وقال ابن حجر: يحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرة ثم تركه حتى أعاده مروان. فتح الباري 2: 359، نيل الأوطار 3: 374. وذكره السيوطي في الأوائل، وتاريخ الخلفاء ص 111، والسكتواري في محاضرة الأوائل ص 145: إن أول من خطب في العيدين قبل الصلاة عثمان رضي الله عنه. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) على الباحث مناقشة الحساب حول هذه الكلمة.
/ صفحة 161 / قال الأميني: إن الثابت في السنة الشريفة إن الخطبة في العيدين تكون بعد الصلاة، قال الترمذي في الصحيح 1، 70: والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم إن صلاة العيدين قبل الخطبة ويقال: إن أول من خطب قبل الصلاة مروان بن الحكم. ا هـ. وإليك جملة مما ورد فيها: 1 - عن ابن عباس قال: أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه صلى يوم فطر أو أضحى قبل الخطبة ثم خطب. صحيح البخاري 2: 116، صحيح مسلم 1: 325، سنن أبي داود 1: 178، 179، سنن ابن ماجة 1: 385، سنن النسائي 3: 184، سنن البيهقي 3: 296. 2 - عن عبد الله بن عمر قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم ثم أبو بكر ثم عمر يصلون العيدين قبل الخطبة. وفي لفظ الشافعي: إن النبي وأبا بكر وعمر كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة، وفي لفظ للبخاري: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي في الأضحى والفطر ثم يخطب بعد الصلاة. صحيح البخاري 2: 111، 112، صحيح مسلم 1: 326، موطأ مالك 1: 146، مسند أحمد 2: 38، كتاب الأم للشافعي 1: 208، سنن ابن ماجة 1: 387، سنن البيهقي 3: 296، سنن الترمذي 1: 70، سنن النسائي 3: 183، المحلى لابن حزم 5: 85، بدايع الصنايع 1: 276. 3 - عن أبي سعيد الخدري قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج يوم العيدين فيصلي بالناس ركعتين ثم يسلم فيقف على رجليه. الخ. سنن ابن ماجة 1: 389، المدونة الكبرى لمالك 1: 155، سنن البيهقي 3: 297. 4 - عن عبد الله بن السائب قال: حضرت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى بنا العيد ثم قال: قد قضينا الصلاة فمن أحب أن يجلس للخطبة فليجلس، ومن أحب أن يذهب فليذهب. سنن ابن ماجة 1: 386، سنن أبي داود 1: 180، سنن النسائي 3: 185، / صفحة 162 / سنن بيهقي 3: 301، المحلى 5: 86. 5 - عن جابر بن عبد الله قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قام يوم الفطر فصلى فبدأ بالصلاة قبل الخطبة ثم خطب الناس. صحيح البخاري 2: 111، صحيح مسلم 1: 325، سنن أبي داود 1: 178، سنن النسائي 3: 186، سنن البيهقي 2: 296، 698. 6 - عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وعبد الله بن عمر وأنس بن مالك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي قبل الخطبة. المدونة الكبرى 1: 155. 7 - عن البراء بن عازب قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم النحر بعد الصلاة. صحيح البخاري 2: 110، سنن النسائي 3: 185. 8 - عن أبي عبيد مولى ابن أزهر قال: شهدت العيد مع علي بن أبي طالب و عثمان محصور فجاء فصلى ثم انصرف فخطب. موطأ مالك 1: 147، كتاب الأم للشافعي 1: 171 ذكر من طريق مالك شطرا منه. هذه الأحاديث تكشف عن استمرار رسول الله صلى الله عليه وآله على هذه السنة المرتبة و لم يعز إليه غيرها قط، وعلى ذلك مضى الشيخان ومولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام وعثمان نفسه ردحا من أيامه كما جاء في رواية ابن عمر من إن النبي وأبا بكر وعمر وعثمان كانوا يصلون في العيدين قبل الخطبة (1) وظاهر هذا اللفظ وإن كان مطلقا إلا الجمع بينه وبين ما جاء من مخالفة عثمان للقوم وإنه أول من قدم الخطبة إنه كان أولا على وتيرتهم حتى بدا له أن يغير الترتيب ففعل، ويؤيده سكوت ابن عمر نفسه عن عثمان فيما مر ص 161 من قوله: كان النبي ثم أبو بكر ثم عمر يصلون العيد قبل الخطبة. فإن كان عثمان أيضا مستمرا على سيرتهم وسنتهم لذكره ولم يفصل بينهم وبهذا يتأتى الجمع أيضا بين حديثي ابن عباس من قوله: شهدت العيد مع النبي و أبي بكر وعمر فبدؤا بالصلاة قبل الخطبة. ومن قوله: صلى رسول الله ثم خطب و أبو بكر وعمر وعثمان (2) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كتاب الأم للشافعي 1: 08 2، صحيح البخاري 2: 112. (2) مسند أحمد 1: 345، 346، صحيح مسلم 1: 324.
/ صفحة 163 / وليتني أدري كيف يتقرب إلى المولى سبحانه بصلاة بدلوا فيها سنة الله التي لا تبديل لها، قال الشوكاني في نيل الأوطار 2: 363: قد اختلف في صحة العيدين مع تقدم الخطبة ففي مختصر المزني عن الشافعي ما يدل على عدم الاعتداد بها وكذا قال النووي في شرح المهذب: إن ظاهر نص الشافعي إنه لا يعتد بها. قال: وهو الصواب. ثم تابع عثمان المسيطرون من الأمويين من بعده فخالفوا السنة المتبعة بتقديم الخطبة لكن الوجه في فعل عثمان غيره في من تبعه، أما هو فكان يرتج عليه القول فلا يروق المجتمعين ما يتكلفه من تلفيقه غير المنسجم فيتفرقون عنه فقدمها ليصيخوا إليه وهم منتظرون بالصلاة ولا يسعهم التفرق قبلها. قال الجاحظ: صعد عثمان بن عفان رضي الله عنه المنبر فارتج عليه فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام خطيب، وستأتيكم الخطب على وجهها وتعلمون إن شاء الله (1) . قال البلاذري في الأنساب 5: 24: إن عثمان لما بويع خرج إلى الناس فخطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس إن أول مركب صعب، وإن بعد اليوم أياما وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، فما كنا خطباء وسيعلمنا الله. وهذا اللفظ أخرجه ابن سعد في طبقاته 3: 43 ط ليدن، وفي لفظ أبي الفدا في تاريخه ج 1: 166: لما بويع عثمان رقى المنبر وقام خطيبا فحمد الله وتشهد ثم ارتج عليه فقال: إن أول كل أمر صعب وإن أعش فستأتيكم الخطب على وجهها ثم نزل. وروى أبو مخنف كما في أنساب البلاذري: إن عثمان لما صعد المنبر قال: أيها الناس ! إن هذا مقام لم أزور له خطبة ولا أعددت له كلاما وسنعود ونقول إن شاء الله. وعن غياث بن إبراهيم: إن عثمان صعد المنبر فقال: أيها الناس إنا لم نكن خطباء وإن نعش تأتكم الخطبة على وجهها إن شاء الله. وروي إن عثمان خطب فقال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا وسيأتي الله به. ا هـ. وذكره اليعقوبي في تاريخه 2: 140 فقال: صعد عثمان المنبر وجلس في الموضع ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) البيان والتبيين 1: 272، و ج 2: 195.
/ صفحة 164 / الذي كان يجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يجلس أبو بكر ولا عمر فيه، جلس أبو بكر دونه بمرقاة، وجلس عمر دون أبي بكر بمرقاة (1) فتكلم الناس في ذلك فقال بعضهم: اليوم ولد الشر، وكان عثمان رجلا حييا فارتج عليه فقام مليا لا يتكلم ثم قال: إن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام يشقق الخطب، وإن تعيشوا فستأتيكم الخطبة. ثم نزل. وفي لفظ ملك العلماء في بدايع الصنايع 1: 262: إن عثمان لما استخلف خطب في أول جمعة فلما قال: الحمد لله. ارتج عليه فقال: أنتم إلى إمام فعال أحوج منكم إلى إمام قوال، وإن أبا بكر وعمر كانا يعدان لهذا المكان مقالا وستأتيكم الخطب من بعد، واستغفر الله لي ولكم. ونزل وصلى بهم الجمعة. ولعله لحراجة الموقف عليه كان يماطل الخطبة باستخبار الناس وسؤالهم عن أخبارهم وأسعارهم وهو على المنبر كما أخرجه أحمد في المسند 1: 73 من طريق موسى بن طلحة. وذكره الهيثمي في المجمع 2: 187 فقال: رجاله رجال الصحيح. ولا يبرر عمل الخليفة ما احتج به ابن حجر فيما مر عن فتح الباري ص 160 من إنه رأى مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة.. الخ. لأن هذه المصلحة المزعومة كانت مرموقة على العهد النبوي لكنه صلى الله عليه وآله لم يرعها لما رآه من مصلحة التشريع الأقوى، فهذا الرأي تجاه ما ثبت من السنة نظير الاجتهاد في مقابلة النص، ولو سوغنا تغيير الأحكام، وما قرره الشرع الأقدس بآراء الرجال، فلا تبقى قائمة للاسلام، فلا فرق بينه وبين ما ارتآه مروان في كونهما بدعة مستحدثة، وإن ضم إليه شنعة أخرى من سب من لا يحل سبه. هذا مجمل القول في أحدوثة الخليفة، وأما من عداه من آل أمية، فكانوا يسبون ويلعنون مولانا أمير المؤمنين عليا صلوات الله عليه في خطبهم على صهوات المنابر، فلا تجلس لهم الناس وينثالون عنهم، فقدموا الخطبة ليضطر الناس إلى الاستماع له بالرغم من عدم استباحتهم ذلك القول الشائن، لما وعوه من حديث رسول الله صلى الله عليه وآله الصحيح المأثور من طريق ابن عباس وأم سلمة من قوله: من سب عليا فقد سبني، ومن ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) وذكره غير واحد من مؤلفي القوم.
/ صفحة 165 / سبني فقد سب الله تعالى (1) أخرج أئمة الصحاح من طريق أبي سعيد الخدري قال: أخرج مروان المنبر يوم العيد، فبدأ بالخطبة قبل الصلاة، فقام رجل فقال: يا مروان ! خالفت السنة، أخرجت المنبر يوم عيد، ولم يكن يخرج به، وبدأت بالخطبة قبل الصلاة، ولم يكن يبدأ بها. فقال مروان: ذاك شئ قد ترك. فقال أبو سعيد: أما هذا فقد قضى ما عليه سمعت رسول الله يقول: من رأى منكرا فاستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع بلسانه فبقلبه، وذلك أضعف الأيمان. وفي لفظ الشافعي في كتاب الأم من طريق عياض بن عبد الله قال: إن أبا سعيد الخدري قال: أرسل إلي مروان وإلى رجل قد سماه، فمشي بنا حتى أتى المصلى، فذهب ليصعد فجبذته (2) إلي فقال: يا أبا سعيد ؟ ترك الذي تعلم. قال أبو سعيد: فهتفت ثلاث مرات، فقلت: والله لا تأتون إلا شرا منه. وفي لفظ البخاري في صحيحه: خرجت مع مروان وهو أمير المدينة في أضحى أو فطر، فلما أتينا المصلى إذا منبر بناه كثير بن الصلت، فإذا مروان يريد أن يرتقيه قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه فجبذني فارتفع فخطب قبل الصلاة، فقلت له: غيرتم والله فقال: أبا سعيد ! قد ذهب ما تعلم. فقلت ما أعلم والله خير مما لا أعلم، فقال: إن الناس لم يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة فجعلتها قبل الصلاة (3) وفي لفظ قال أبو سعيد: قلت: أين الابتداء بالصلاة ؟ فقال: لا يا أبا سعيد ! قد ترك ما تعلم، قلت، كلا والذي نفسي بيده لا تأتون بخير مما أعلم. ثلاث مرات. قال ابن حزم في المحلي 5: 86: أحدث بنو أمية تقديم الخطبة قبل الصلاة واعتلوا بأن الناس كانوا إذا صلوا تركوهم، ولم يشهدوا الخطبة، وذلك لأنهم كانوا يلعنون علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فكان المسلمون يفرون وحق لهم، فكيف ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المستدرك 3: 121، وستوافيك طرقه ومصادره. (2) جبذ: جذب. (3) راجع صحيح البخاري 2: 111، صحيح مسلم 1: 242، سنن أبي داود 1: 178، سنن ابن ماجة 1: 386، سنن البيهقي 3: 297، مسند أحمد 3: 10، 20، 52، 54، 92، بدايع الصنايع 1: 276.
/ صفحة 166 / وليس الجلوس واجبا ؟. وقال ملك العلماء في بدايع الصنايع 1: 276: وإنما أحدث بنو أمية الخطبة قبل الصلاة لأنهم كانوا يتكلمون في خطبتهم بما لا يحل، وكان الناس لا يجلسون بعد الصلاة لسماعها فأحدثوها قبل الصلاة ليسمعها الناس. وبمثل هذا قال السرخسي في المبسوط 2: 37. وقال السندي في شرح سنن ابن ماجة 1: 386: قيل: سبب ذلك إنهم كانوا يسبون في الخطبة من لا يحل سبه، فتفرق الناس عند الخطبة إذا كانت متأخرة لئلا يسمعوا ذلك فقدم الخطبة ليسمعها. وقال الشوكاني في نيل الأوطار 3: 363: قد ثبت في صحيح مسلم من رواية طارق بن شهاب عن أبي سعيد قال: أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان وقيل: أول من فعل ذلك معاوية، حكاه القاضي عياض. وأخرجه الشافعي (1) عن ابن عباس بلفظ: حتى قدم معاوية فقدم الخطبة. ورواه عبد الرزاق عن الزهري بلفظ: أول من أحدث الخطبة قبل الصلاة في العيد معاوية. وقيل: أول من فعل ذلك زياد بالبصرة في خلافة معاوية، حكاه القاضي أيضا. وروى ابن المنذر عن ابن سيرين: إن أول من فعل ذلك زياد بالبصرة. قال: ولا مخالفة بين هذين الأثرين، وأثر مروان، لأن كلا من مروان وزياد كان عاملا لمعاوية فيحمل على إنه ابتدأ ذلك، وتبعه عماله. ا هـ. لا شك إن كلا من هؤلاء الثلاثة جاء ببدعة وتردى بالفضيحة، لكن كل التبعة على من جرأهم على تغيير السنة فعلوا على أساسه، ولعبوا بسنن المصطفى حتى الصلاة. أخرج الشافعي في كتاب الأم 1: 208 من طريق وهب بن كبسان قال: رأيت ابن الزبير يبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم قال: كل سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غيرت حتى الصلاة. فإن كان ما ينقم على الخليفة من هذا الوجه أمرا واحدا فهو في بقية الأمويين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخرجه في كتاب الأم 1: 208 من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي، ولعل حديث ابن عباس مذكور في غير هذا الموضع.
/ صفحة 167 / أمران: مخالفة السنة. والابتداع بسب أمير المؤمنين. فهم مورد مثل السائر: أحشفا وسوء كيلة. أنا لا أعجب من هؤلاء الثلاثة إن جاءوا بالبدع، فإن بقية أعمالهم تلائم هاتيك الخطة، فإن الخلاعة والتهتك مزيج نفسياتهم، والمعاصي المقترفة ملأ أرديتهم فلا عجب منهم إن غيروا السنة كلها، ولا أعجب من مروان إن قال لأبي سعيد بكل ابتهاج: ترك الذي نعلم. أو قال: قد ذهب ما تعلم، ولا عجب إن بدلوا الخطبة المجعولة للموعظة وتهذيب النفوس، الخطبة التي قالوا فيها: وجبت لتعليم ما يجب إقامته يوم العيد والوعظ والتكبير كما في البدايع 1: 276 بدلوها بما هو محظور شرعا أشد الحظر من الوقيعة في أمير المؤمنين، وأول المسلمين، وحامية الدين، الإمام المعصوم، المطهر بنص الكتاب العزيز، نفس النبي الأقدس بصريح القرآن، وعدل الثقل الأكبر في حديث الثقلين، صلوات الله عليه، ولعلك لا تعجب من الخليفة أيضا تغييره سنة الله و سنة رسوله بعد أن درست تاريخ حياته، وسيرته المعربة عن نفسياته، وهو وهم من شجرة واحدة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار. لكن العجب كله ممن يرى هؤلاء وأمثالهم من سماسرة الشهوات والميول عدولا بما أنهم من الصحابة، والصحابة كلهم عدول عندهم، وأعجب من هذا أن يحتج في غير واحد من أبواب الفقه بقول هؤلاء وعملهم. نعم: وافق شن طبقه. - 12 - أخرج البيهقي في السنن الكبرى 8: 33 من طريق الزهري: إن ابن شاس الجذامي قتل رجلا من أنباط الشام، فرفع إلى عثمان رضي الله عنه فأمر بقتله، فكلمه الزبير رضي الله عنه وناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهم، فنهوه عن قتله، قال: فجعل ديتة ألف دينار. وذكره الشافعي في كتاب الأم 7: 293. وأخرج البيهقي من طريق الزهري، عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنه: إن رجلا مسلما قتل رجلا من أهل الذمة عمدا، ورفع إلى عثمان رضي الله عنه فلم يقتله وغلظ عليه الدية مثل دية المسلم. وقال أبو عاصم الضحاك في الديات ص 76: وممن يرى قتل المسلم بالكافر عمر
/ صفحة 168 / ابن عبد العزيز، وإبراهيم، وأبان بن عثمان بن عفان، وعبد الله، رواه الحكم عنهم، و ممن أوجب دية الذمي مثل دية المسلم عثمان بن عفان. قال الأميني: إن عجبي مقسم بين إرادة الخليفة قتل المسلم بالكافر، وبين جعل عقل الكافر مثل دية المسلم، فلا هذا مدعوم بحجة، ولا ذلك مشفوع بسنة، وأي خليفة هذا يزحزحه مثل الزبير المعروف سيرته والمكشوف سريرته عن رأيه في الدماء وينهاه عن فتياه ؟ غير إنه يفتي بما هو لدة رأيه الأول في البعد عن السنة، ويسكت عنه الزبير وأناس نهوا الخليفة عما ارتآه أولا واكتفوا بحقن دم المسلم وما راقهم مخالفة الخليفة مرة ثانية، وهذه النصوص النبوية صريحة في إن المسلم لا يقتل بالكافر، و إن عقل الكتابي الذمي نصف عقل المسلم، وإليك لفظ تلكم النصوص في المسألتين أما الأولى منهما فقد جاء: 1 - عن أبي جحيفة قال: قلت لعلي بن أبي طالب: هل عندكم شئ من العلم ليس عند الناس ؟ قال: لا والله ما عندنا إلا ما عند الناس إلا أن يرزق الله رجلا فهما من القرآن أو ما في هذه الصحيفة، فيها الديات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأن لا يقتل مسلم بكافر. وفي لفظ الشافعي: لا يقتل مؤمن بكافر. فقال: لا يقتل مؤمن عبد ولا حر ولا امرأة بكافر في حال أبدا، وكل من وصف الإيمان من أعجمي وأبكم يعقل ويشير بالإيمان ويصلي فقتل كافرا فلا قود عليه، وعليه ديته في ماله حالة، وسواء أكثر القتل في الكفار أو لم يكثر، وسواء قتل كافرا على مال يأخذه منه أو على غير مال، لا يحل والله أعلم قتل مؤمن بكافر بحال في قطع طريق ولا غيره. راجع صحيح البخاري 10: 78، سنن الدارمي 2: 190، سنن ابن ماجة 2: 145، سنن النسائي 8: 23، سنن البيهقي 8: 28، صحيح الترمذي 1: 169، مسند أحمد 1: 79، كتاب الأم للشافعي 6: 33، 92، أحكام القرآن للجصاص 1: 165، الاعتبار لابن حزم ص 190، تفسير ابن كثير 1: 210 فقال ذهب الجمهور إلى أن المسلم لا يقتل بالكافر لما ثبت في البخاري عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يقتل مسلم بكافر. ولا يصح حديث ولا تأويل يخالف هذا، وأما أبو حنيفة فذهب إلى أنه يقتل به لعموم آية المائدة.
/ صفحة 169 / قال الأميني: يعني من آية المائدة قوله تعالى: وكتبنا عليهم فيها إن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص الآية: 45. وقد خفي على المجتهد في تجاه النصوص الصحيحة الثابتة أن عموم الآية لا يأباها عن التخصيص، وقد خصصها هو نفسه بمخصصات، أجاب عن هذا الاستدلال الواهي كثير من الفقهاء وفي مقدمهم الإمام الشافعي قال في كتاب الأم 7: 295 في مناظرة وقعت بينه وبين بعض أصحاب أبي حنيفة: قلنا: فلسنا نريد أن نحتج عليك بأكثر من قولك إن هذه الآية عامة، فزعمت أن فيها خمسة أحكام مفردة وحكما سادسا جامعا فخالفت جميع الأربعة الأحكام التي بعد الحكم الأول و الحكم الخامس والسادس جماعتها في موضعين: في الحر يقتل العبد. والرجل يقتل المرأة. فزعمت أن عينه ليس بعينها ولا عين العبد، ولا أنفه بأنفها ولا أنف العبد، ولا أذنه بأذنها ولا أذن العبد، ولا سنه بسنها ولا سن العبد، ولا جروحه كلها بجروحها ولا جروح العبد، وقد بدأت أولا بالذي زعمت أنك أخذت به فخالفته في بعض ووافقته في بعض، فزعمت أن الرجل يقتل عبده فلا تقتله به، ويقتل ابنه فلا تقتله به، ويقتل المستأمن فلا تقتله به، وكل هذه نفوس محرمة. قال " يعني المدافع عن أبي حنيفة ": اتبعت في هذا أثرا. قلنا: فتخالف الأثر الكتاب ؟ قال: لا قلنا: فالكتاب إذا على غير ما تأولت ؟ فلم فرقت بين أحكام الله عز وجل على ما تأولت ؟ قال بعض من حضره: دع هذا فهو يلزمه كله. قال: والآية الأخرى: قال الله عز وجل: ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل (1) دلالة على أن من قتل مظلوما فلوليه أن يقتل قاتله. قيل له: فيعاد عليك ذلك الكلام بعينه في الابن يقتله أبوه، والعبد يقتله سيده، و المستأمن يقتله المسلم. قال: فلي من كل هذه مخرج. قلت: فاذكر مخرجك. قال: إن الله تبارك و تعالى لما جعل الدم إلى الولي كان الأب وليا فلم يكن له أن يقتل نفسه. قلنا: أفرأيت إن كان له ابن بالغ أتخرج الأب من الولاية وتجعل للابن أن يقتله ؟ قال: لا أفعل. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الاسراء، آية: 33 / صفحة 170 / قلت: فلا تخرجه بالقتل من الولاية ؟ قال: لا. قلت: فما تقول في ابن عم لرجل قتله وهو وليه ووارثه لو لم يقتله وكان له ابن عم هو أبعد منه ؟ أفتجعل للأبعد أن يقتل الأقرب ؟ قال: نعم قلنا: ومن أين وهذا وليه وهو قاتل ؟ قال: القاتل يخرج بالقتل من الولاية. قلنا: والقاتل يخرج بالقتل من الولاية ؟ قال نعم. قلنا: فلم لم تخرج الأب من الولاية وأنت تخرجه من الميراث ؟ قال: اتبعت في الأب الأثر. قلنا: فالأثر يدلك على خلاف ما قلت، قال: فاتبعت فيه الإجماع. قلنا: فالاجماع يدلك على خلاف ما تأولت فيه القرآن، فالعبد يكون له ابن حر فيقتله مولاه أيخرج القاتل من الولاية ويكون لابنه أن يقتل مولاه ؟ قال: لا، بالاجماع. قلت: فالمستأمن يكون معه ابنه أيكون له أن يقتل المسلم الذي قتله ؟ قال، لا، بالاجماع. قلت: أفيكون الإجماع على خلاف الكتاب ؟ قال: لا. قلنا: فالاجماع إذا يدلك على إنك قد أخطأت في تأويل كتاب الله عز وجل، وقلنا له: لم يجمع معك أحد على أن لا يقتل الرجل بعبده إلا من مذهبه أن لا يقتل الحر بالعبد ولا يقتل المؤمن بالكافر، فكيف جعلت إجماعهم حجة، وقد زعمت أنهم أخطؤا في أصل ما ذهبو إليه. والله أعلم. 2 - عن قيس بن عباد قال: إنطلقت أنا والأشتر إلى علي فقلنا: هل عهد إليك رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا لم يعهده إلى الناس عامة ؟ قال: لا إلا ما في كتابي هذا. فأخرج كتابا فإذا فيه: لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده. أخرجه أبو عاصم في الديات ص 27، وأحمد في المسند 1: 119، 122، و أبو داود في سننه 2: 249، والنسائي في سننه 8: 24، البيهقي في السنن الكبرى 8: 29، 194، والجصاص في أحكام القرآن 1: 65، وابن حازم في الاعتبار ص 189، وذكره الشوكاني في نيل الأوطار 7: 152 وقال: هو دليل على أن المسلم لا يقاد بالكافر، أما الكافر الحربي فذلك إجماع كما حكاه البحر وأما الذمي فذهب إليه الجمهور لصدق اسم الكافر عليه، وذهب الشعبي والنخعي وأبو حنيفة وأصحابه إلى إنه يقتل المسلم بالذمي. ثم بسط القول في أدلتهم وذيفها بأحسن بيان. فراجع. 3 - عن عائشة قالت: وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابان وفي أحدهما : / صفحة 171 / لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده. أخرجه أبو عاصم في الديات ص 27، والبيهقي في سننه الكبرى 8: 30. 4 - عن معقل بن يسار مرفوعا: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده، و المسلمون يد على من سواهم تتكافأ دماؤهم. أخرجه البيهقي في سننه الكبرى 8: 30. 5 - عن ابن عباس مرفوعا: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهد في عهده. أخرجه ابن ماجة في سننه 2: 145. 6 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر بن العاصي مرفوعا: لا يقتل مسلم بكافر. وفي لفظ أحمد: لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده. أخرجه أبو عاصم الضحاك في الديات ص 51، وأبو داود في سننه 2: 249، وأحمد في مسنده 2، 211، والترمذي في سننه 1: 169، وابن ماجة في سننه 2: 145، والجصاص في أحكام القرآن 1: 169 بلفظ أحمد، وذكره الشوكاني في نيل الأوطار 7: 150 فقال: رجاله رجال الصحيح. وقال في 151: هذا في غاية الصحة فلا يصح عن أحد من الصحابة شئ غير هذا إلا ما رويناه عن عمر إنه كتب في مثل ذلك أن يقاد به ثم ألحقه كتابا فقال: لا تقتلوه ولكن اعتقلوه (1) . 7 - عن عمران بن الحصين مرفوعا: لا يقتل مؤمن بكافر. قال الشافعي في كتاب الأم 6: 33: سمعت عددا من أهل المغازي، وبلغني عن عدد منهم أنه كان في خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح: لا يقتل مؤمن بكافر. وبلغني عن عمران بن الحصين رضي الله تعالى عنه إنه روى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أخبرنا مسلم بن خالد عن ابن أبي حسين عن مجاهد وعطاء وأحسب طاووسا والحسن إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة عام الفتح: لا يقتل مؤمن بكافر. وأخرجه البيهقي في السنن 8: 29 فقال: قال الشافعي رحمه الله صلى الله عليه وسلم: وهذا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أسلفنا في ج 6: 121، 122 ما يعرب عن عدم وقوف الخليفة على حكم المسألة.
/ صفحة 172 / عام عند أهل المغازي إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تكلم به في خطبته يوم الفتح وهو يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم مسندا من حديث عمر بن شعيب وحديث عمران بن الحصين. وذكره الشوكاني في نيل الأوطار 7: 153 فقال: إن السبب في خطبته صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بقوله: لا يقتل مسلم بكافر. ما ذكره الشافعي في " الأم " حيث قال: وخطبته يوم الفتح كانت بسبب القتيل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد فخطب النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لو قتلت مسلما بكافر لقتلته به. وقال: لا يقتل مؤمن بكافر. الخ. 8 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا: لا يقتل مؤمن بكافر، ولا ذو عهده في عهده. أخرجه الجصاص في أحكام القرآن 1: 165. (أما الثانية) ففيها: عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى (1) وفي لفظ أبي داود: كانت قيمة الدية على عهد رسول الله ثمانمائة دينار، ثمانية آلاف درهم، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلمين، قال: فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال: إن الإبل قد غلت. ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار. الحديث سنن أبي داود 2: 251. وفي لفظ آخر لأبي داود: دية المعاهد نصف دية الحر. 2: 257. وفي لفظ أبي عاصم الضحاك في الديات ص 51: دية الكافر على النصف من دية المسلم، ولا يقتل مسلم بكافر. قال الخطابي في شرح سنن ابن ماجة في ذيل الحديث 2: 142: ليس في دية أهل الكتاب شئ أثبت من هذا، وإليه ذهب مالك وأحمد، وقال أصحاب أبي حنيفة: ديته كدية المسلم. وقال الشافعي: ثلث دية المسلم. والوجه الأخذ بالحديث ولا بأس بإسناده. وأخرج النسائي في سننه 8: 45 من طريق عبد الله بن عمر مرفوعا: عقل الكافر نصف عقل المؤمن. وأخرجه الترمذي في سننه 1: 169. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سنن ابن ماجة 2: 142، سنن النسائي 8: 45.
/ صفحة 173 / هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وآله، وإليها ذهب الجمهور، وعليها جرت الفقهاء من المذاهب، غيران لأبي حنيفة شذوذا عنها في المسألتين أخذا بما يعرب عن قصوره عن فهم السنة، وعرفان الحديث، وفقه الكتاب، وقد ذكر غير واحد من أعلام المذاهب أدلته في المقامين وزيفها، وبسط القول في بطلانها، وحسبك في المقام كلمة الإمام الشافعي في كتاب الأم 7: 291 فإنه فصل القول فيها تفصيلا وجاء بفوائد جمة. فراجع وعمدة ما ركن إليه أبو حنيفة في المسألة الأولى تجاه تلكم الصحاح مرسلة عبد الرحمن بن البيلماني، وقد ضعفها الدارقني وابن حازم في الاعتبار ص 189 وغيرهما، وذكر البيهقي في سننه 8: 30: باب بيان ضعف الخبر الذي روي في قتل المؤمن بالكافر. و ذكر لها طرقا وزيفها بأسرها. - 13 - قال ملك العلماء في بدايع الصنايع 1: 111: إن عمر رضي الله عنه ترك القراءة في المغرب في إحدى الأوليين فقضا هافي الركعة الأخيرة وجهر، وعثمان رضي الله عنه ترك القراءة في الأوليين من صلاة العشاء فقضاها في الأخريين وجهر. وقال في صفحة 172: روي عن عمر رضي الله عنه: إنه ترك القراءة في ركعة من صلاة المغرب فقضاها في الركعة الثالثة وجهر. وروي عن عثمان رضي الله عنه: إنه ترك السورة في الأوليين فقضاها في الأخريين وجهر. قال الأميني: إن ما ارتكبه الخليفتان مخالف للسنة من ناحيتين، الأولى: الاجتزاء بركعة لا قراءة فيها. والثانية: تكرير الحمد في الأخيرة أو الأخريين بقضاء الفائتة مع صاحبة الركعة، وكلاهما خارجان عن السنة الثابتة لا يتجزأ بالصلاة التي يكونان فيها، أما الناحية الأولى فإليك نبذة مما ورد فيها: 1 - عن عبادة بن الصامت مرفوعا: لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن فصاعدا. وفي لفظ: لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب إمام أو غير إمام. وفي لفظ الدارمي: من لم يقرأ بأم الكتاب فلا صلاة له.
/ صفحة 174 / راجع صحيح البخاري 1: 302، صحيح مسلم 1: 155، صحيح أبي داود 1: 131، سنن الترمذي 1: 34، 41، سنن النسائي 2: 137، 138، سنن الدارمي 1: 283، سنن ابن ماجة 1: 276، سنن البيهقي 2: 38، 61، 164، مسند أحمد 5: 314، 321، كتاب الأم 1: 93، المحلى لابن حزم 3: 236، المصابيح للبغوي 1: 57 وصححه، المدونة الكبرى 1: 70. 1 - عن أبي هريرة مرفوعا: لا صلاة لمن لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج، غير تمام. وفي لفظ: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فهي خداج " ثلاثا " غير تمام. وفي لفظ الشافعي: كل صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج. الحديث. وفي لفظ أحمد: أيما صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، ثم هي خداج، ثم هي خداج. راجع مسند أحمد 2: 241، 285، كتاب الأم للشافعي 1: 93، موطأ مالك 1: 81، المدونة الكبرى 1: 70، صحيح مسلم 1: 155، 156، سنن أبي داود 1: 130، سنن ابن ماجة 1: 277، سنن الترمذي 1: 42، سنن النسائي 2: 135، سنن البيهقي 2: 38، 39، 40، 159، 167، مصابيح السنة 1: 57. 3 - عن أبي هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يخرج فينادي: لا صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب فما زاد. أخرجه أحمد في المسند 2: 428، الترمذي في صحيحه 1: 42، أبو داود في سننه 1: 130، البيهقي في سننه 2: 37، 59، والحاكم في المستدرك 1: 239 وقال: صحيح لا غبار عليه. 4 - عن عائشة مرفوعا: من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج. أخرجه أحمد في مسنده 6: 146، 275، وابن ماجة في سننه 1: 277. ويوجد في كنز العمال 4: 95، 96 من طريق عائشة، وابن عمر، وعلي، وأبي أمامة نقلا عن أحمد، وابن ماجة، والبيهقي، والخطيب، وابن حبان، وابن عساكر، وابن عدي. 5 - عن أبي سعيد الخدري مرفوعا: لا صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة الحمد / صفحة 175 / وسورة في فريضة أو غيرها. صحيح الترمذي 1: 32، سنن ابن ماجة 1: 277، كنز العمال 5: 95. 6 - عن أبي سعيد قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نقرأ بفاتحة الكتاب وبما تيسر. سنن البيهقي 2: 60، سنن أبي داود 1: 130، تيسير الوصول 2: 223. 7 - عن أبي قتادة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب. وفي لفظ مسلم وأبي داود: كان يصلي بنا فيقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورتين. الحديث. راجع صحيح البخاري 2: 55، صحيح مسلم 1: 177، سنن الدارمي 1: 296، سنن أبي داود 1: 128، سنن النسائي 2: 165، 166، سنن ابن ماجة 1: 275، سنن البيهقي 2: 59، 63، 66، 193، مصابيح السنة 1: 57 وصححه. 8 - عن سمرة بن جندب قال: حفظت سكتتين في الصلاة. وفي لفظ: حفظت سكتتين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: سكتة إذا كبر الإمام حتى يقرأ، وسكتة إذا فرغ من فاتحة الكتاب وسورة عند الركوع. سنن أبي داود 1: 124، صحيح الترمذي 1: 34، سنن الدارمي 1: 283، سنن ابن ماجة 1: 278، سنن البيهقي 2: 196، مستدرك الحاكم 1: 215، مصابيح السنة 1: 56، تيسير الوصول 2: 229. 9 - عن رفاعة بن رافع قال: جاء رجل يصلي في المسجد قريبا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعد صلاتك فإنك لم تصل. فعاد فصلى كنحو مما صلى فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أعد صلاتك فإنك لم تصل. فقال: علمني يا رسول الله كيف أصلي ؟ قال: إذا توجهت إلى القبلة فكبر ثم اقرأ بأم القرآن وما شاء الله أن تقرأ، فإذا ركعت فاجعل راحتيك على ركبتيك ومكن ركوعك وإمداد ظهرك فإذا رفعت فأقم صلبك، وارفع رأسك حتى ترجع العظام إلى مفاصلها، فإذا سجدت فمكن سجودك فإذا رفعت فاجلس على فخذك اليسرى، ثم اصنع ذلك في كل ركعة وسجدة حتى تطمئن. وفي لفظ أحمد: فإذا أتممت صلاتك على هذا فقد أتممتها، وما انتقصت / صفحة 176 / من هذا من شئ فإنما تنقصه من صلاتك. سنن أبي داود 1: 137، سنن البيهقي 2: 345، مسند أحمد 4: 340، كتاب الأم للشافعي 1: 88، مستدرك الحاكم 1: 241، 242، المحلى لابن حزم 3: 256. وأخرج البخاري مثله من طريق أبي هريرة في صحيحه 1: 314، وكذلك مسلم في صحيحه 1: 117، وذكر ره البيهقي في سننه 2: 37، 62، 122 نقلا عن الشيخين. 10 - عن وائل بن حجر قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم وأتي بإناء " إلى أن قال ": فدخل في المحراب فصف الناس خلفه وعن يمينه وعن يساره ثم رفع يديه حتى حاذتا شحمة أذنيه ثم وضع يمينه على يساره وعند صدره ثم افتتح القراءة فجهر بالحمد ثم فرغ من سورة الحمد فقال: آمين. حتى سمع من خلفه ثم قرأ سورة أخرى ثم رفع يديه بالتكبير حتى حاذتا بشحمة أذنيه، ثم ركع فجعل يديه على ركبته " إلى أن قال ": ثم صلى أربع ركعات يفعل فيهن ما فعل في هذه. مجمع الزوائد 2: 134. 11 - عن عبد الرحمن بن أبزي قال: ألا أريكم صلاة رسول الله ؟ فقلنا: بلى:. فقام فكبر ثم قرأ ثم ركع فوضع يديه على ركبتيه حتى أخذ كل عضو مأخذه ثم رفع حتى أخذ كل عضو مأخذه، ثم سجد حتى أخذ كل عضو مأخذه، ثم رفع حتى أخذ كل وعضو مأخذه، ثم سجد حتى أخذ كل عضو مأخذه، ثم رفع فصنع في الركعة الثانية كما صنع في الركعة الأولى. ثم قال: هكذا صلاة رسول الله. أخرجه أحمد في المسند 3: 407، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2: 130 فقال: رجاله ثقات. 12 - عن عبد الرحمن بن غنم قال: إن أبا ملك الأشعري قال لقومه: قوموا حتى أصلي بكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم فصففنا خلفه وكبر ثم قرأ بفاتحة الكتاب فسمع من يليه ثم كبر فركع ثم رفع رأسه فكبر، فصنع ذلك في صلاته كلها. (صورة مفصلة بلفظ أحمد) : إن أبا ملك الأشعري جمع قومه فقال: يا معشر الأشعريين اجتمعوا واجمعوا نساءكم وأبناءكم أعلمكم صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صلى لنا بالمدينة. فاجتمعوا وجمعوا نساءهم وأبناءهم فتوضأ وأراهم كيف يتوضأ فأحصى الوضوء إلى أماكنه حتى لما / صفحة 177 / إن فاء الفئ وانكسر الظل قام فأذن وصف الرجال في أدنى الصف، وصف الولدان خلفهم، وصف النساء خلف الولدان، ثم أقام الصلاة فتقدم فرفع يديه وكبر فقرأ بفاتحة الكتاب وسورة يسر بهما ثم كبر فركع فقال: سبحان الله وبحمده. ثلاث مرات ثم قال: سمع الله لمن حمده، واستوى قائما، ثم كبر وخر ساجدا، ثم كبر فرفع رأسه، ثم كبر فسجد، ثم كبر فانتهض قائما، فكان تكبيره في أول ركعة ست تكبيرات وكبر حين قام إلى الركعة الثانية، فلما قضى صلاته أقبل على قومه بوجهه فقال: احفظوا تكبيري وتعلموا ركوعي وسجودي فإنها صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي كان يصلي لنا كذي الساعة من النهار. أخرجه أحمد في المسند 5: 343، وعبد الرزاق والعقيلي كما في كنز العمال 4: 221، وذكره الهيثمي في المجمع 2: 130. 13 - أخرج أبو حنيفة وأبو معاوية وابن فضيل وأبو سفيان عن أبي نضرة عن سعيد عن النبي عليه السلام قال: لا تجزي صلاة لمن لم يقرأ في كل ركعة بالحمد لله وسورة في الفريضة وغيرها. أحكام القرآن للجصاص 1: 23. 14 - عن أنس بن مالك: كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين. كتاب الأم للشافعي 1: 93. 15 - عن علي بن أبي طالب قال: من السنة أن يقرأ الإمام في الركعتين الأوليين من صلاة الظهر بأم الكتاب وسورة سرا في نفسه، وينصت من خلفه ويقرأون في أنفسهم ويقرأ في الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب في كل ركعة ويستغفر الله ويذكره ويفعل في العصر مثل ذلك. بهذا اللفظ حكاه السيوطي عن البيهقي كما في كنز العمال 4: 251 وفي السنن الكبرى للبيهقي 2: 168 لفظه: إنه كان يأمر أو يحث أن يقرأ خلف الإمام في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة، وفي الركعتين الأخريين بفاتحة الكتاب. وقريبا من هذا اللفظ أخرجه الحاكم في المستدرك 1: 239. 16 - عن عائشة قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير والقراءة بالحمد لله رب العالمين. / صفحة 178 / راجع صحيح مسلم 1: 142، سنن أبي داود 2: 125، سنن ابن ماجة 1: 271، سنن البيهقي 2: 113. 17 - عن أبي هريرة قال: في كل الصلاة يقرأ، فما أسمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أسمعنا كم، وما أخفى علينا أخفينا عليكم. وفي لفظ: في كل صلاة قراءة. مسند أحمد 2: 348، صحيح مسلم 1: 116، سنن أبي داود 1: 127، سنن النسائي 2: 163، سنن البيهقي 2: 40 عن مسلم، وفي ص 61 عن البخاري، تيسير الوصول 2: 228. 18 - عن أبي هريرة قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفتتح القراءة بالحمد لله رب العالمين. أخرجه ابن ماجة في سننه 1: 271. وأخرجه الدارمي من طريق أنس بن مالك مع زيادة في سننه 1: 83، والنسائي في سننه 2: 133، والشافعي في كتاب الأم 1: 93. 19 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو بن العاصي مرفوعا: كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج. وفي لفظ أحمد: فهي خداج، ثم هي خداج، ثم هي خداج. أخرجه أحمد في المسند 2: 204، 215، وابن ماجة في سننه 1: 278. 20 - أخرج أبو داود في سننه 1: 119 من طريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إنه كان إذا قام إلى الصلاة كبر ورفع يديه حذو منكبيه، و يصنع ذلك إذا قضى قراءته وإذا أراد أن يركع. 21 - كان أبو حميد الساعدي في عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أبو قتادة فقال أبو حميد: أنا أعلمكم بصلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان رسول الله إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يقرأ حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا ثم يقرأ ثم يكبر فيرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ثم يركع " ثم ذكر كيفية الركوع والسجدتين " فقال: ثم يصنع في الركعة الأخرى مثل ذلك. سنن أبي داود 1: 116، سنن الدارمي 1: 313، سنن ابن ماجة 1: 283 و ذكر شطرا منه، سنن البيهقي 2: 72، مصابيح السنة 1: 54.
/ صفحة 179 / 22 - عن جابر بن عبد الله قال: يقرأ في الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة وفي الأخريين بفاتحة الكتاب. قال: وكنا نحدث إنه لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب فما فوق ذاك. وفي لفظ الطبراني: سنة القراءة في الصلاة أن يقرأ في الأوليين بأم القرآن وسورة، وفي الأخريين بأم القرآن. سنن البيهقي 2: 63 فقال: وروينا ما دل على هذا عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود وعائشة. وأخرجه ابن أبي شيبة كما في كنز العمال 4: 209، 250، ورواه الطبراني باللفظ المذكور كما في مجمع الزوائد 2: 115. 23 - عن جابر بن عبد الله: من صلى ركعة لم يقرأ فيها بأم القرآن فلم يصل إلا وراء إمام. صحيح الترمذي 1: 42، وصححه، موطأ مالك 1: 80، المدونة الكبرى لمالك 1: 70، سنن البيهقي 2: 160، تيسير الوصول 2: 223. 24 - عن عبد الله بن عمر مرفوعا: من صلى مكتوبة أو سبحة فليقرأ بأم القرآن وقرآن معها، ومن صلى صلاة لم يقرأ فيها فهي خداج. ثلاثا. أخرجه عبد الرزاق كما في كنز العمال 4: 96 وحسنه. 25 - عن أبي هريرة مرفوعا: لا تجزئ صلاة لمن لم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب. وفي لفظ الدار قطني وصححه: لا تجزئ صلاة لا يقرأ الرجل فيها فاتحة الكتاب. وفي لفظ أحمد: لا تقبل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب. كنز العمال 4: 96 نقلا عن جمع من الحفاظ. 26 - عن أبي الدرداء: إقرأ في الركعتين الأوليين من الظهر والعصر والعشاء الآخرة في كل ركعة بأم القرآن وسورة، وفي الركعة الآخرة من المغرب بأم القرآن كنز العمال 4: 207. 27 - عن حسين بن عرفطة مرفوعا: إذا قمت في الصلاة فقل: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين. حتى تختمها، قل هو الله أحد إلى آخرها. أخرجه الدار قطني كما في كنز العمال 4: 96. 28 - عن ابن عباس: لا تصلين صلاة حتى تقرأ بفاتحة الكتاب وسورة، ولا / صفحة 180 / تدع أن تقرأ بفاتحة الكتاب في كل ركعة. أخرجه عبد الرزاق في الكنز 4: 208. 29 - عن ابن سيرين قال: إن ابن مسعود كان يقرأ في الظهر والعصر في الركعتين الأوليين بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة، وفي الأخريين بفاتحة الكتاب. ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 2: 117 فقال: رجاله ثقات إلا أن ابن سيرين لم يسمع من ابن مسعود. 30 - عن زيد بن ثابت قال: القراءة سنة لا تخالف الناس برأيك. أخرجه الطبراني في الكبير كما في مجمع الزوائد 2: 115. هذه سنة نبي الاسلام في قراءة الفاتحة في كل ركعة من الفرائض والنوافل وعلى هذه فتاوى أئمة المذاهب وإليك نصوصها:
قال إمام الشافعية في كتاب " الأم " 1: 93: سن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ القارئ في الصلاة بأم القرآن، ودل على إنها فرض على المصلي إذا كان يحسن أن يقرؤها. فذكر عدة من الأحاديث فقال: فواجب على من صلى منفردا أو إماما أن يقرأ بأم القرآن في كل ركعة لا يجزيه غيرها، وإن ترك من أم القرآن حرفا واحدا ناسيا أو تساهيا لم يعتد بتلك الركعة، من ترك منها حرفا لا يقال له قرأ أم القرآن على الكمال وقال في صفحة 89 فيمن لا يحسن القراءة: فإن لم يحسن سبع آيات وأحسن أقل منهن لم يجزه إلا أن يقرأ بما أحسن كله إذا كان سبع آيات أو أقل، فإن قرأ بأقل منه أعاد الركعة التي لم يكمل فيها سبع آيات إذا أحسنهن. قال: ومن أحسن أقل من سبع آيات فأم أو صلى منفردا ردد بعض الآي حتى يقرأ به سبع آيات أو ثمان آيات، وإن لم أر عليه إعادة، ولا يجزيه في كل ركعة إلا قراءة ما أحسن مما بينه وبين أن يكمل سبع آيات أو ثمان آيات من أحسنهن. وقال (1) : وأقل ما يجزئ من عمل الصلاة أن يحرم ويقرأ بأم القرآن يبتدئها ب " بسم الله الرحمن الرحيم " إن أحسنها، ويركع حتى يطمأن راكعا، ويرفع حتى يعتدل قائما، ويسجد حتى يطمئن ساجدا على الجبهة، ثم يرفع حتى يعتد جالسا، ثم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ذكره المزني في مختصره هامش كتاب الأم 1: 90، 91.
/ صفحة 181 / يسجد الأخرى كما وصفت، ثم يقوم حتى يفعل ذلك في كل ركعة، ويجلس في الرابعة ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويسلم تسليمه يقول: السلام عليكم، فإذا فعل ذلك أجزأته صلاته وضيع حظ نفسه فيما ترك، وإن كان يحسن أم القرآن فيحمد الله و يكبره مكان أم القرآن لا يجزئه غيره، وإن كان يحسن غير أم القرآن قرأ بقدرها سبع آيات لا يجزئه دون ذلك، فإن ترك من أم القرآن حرفا وهو في الركعة رجع إليه وأتمها، وإن لم يذكر حتى خرج من الصلاة وتطاول ذلك أعاد. وقال في كتاب " الأم " 1: 217: إن من ترك أم القرآن في ركعة من صلاة الكسوف في القيام الأول أو القيام الثاني لم يعتد بتلك الركعة، وصلى ركعة أخرى وسجد سجدتي السهو، كما إذا ترك أم القرآن في ركعة واحدة من صلاة المكتوبة لم يعتد بها.
(رأي مالك) وقال أمام المالكية كما في المدونة الكبرى 1: 68: ليس العمل على قول عمر حين ترك القراءة (1) فقالوا له: إنك لم تقرأ ؟ فقال: كيف كان الركوع والسجود ؟ قالوا حسن. قال: فلا بأس إذن. وأرى أن يعيد من فعل هذا وإن ذهب الوقت. وقال في رجل ترك القراءة في ركعتين من الظهر أو العصر أو العشاء الآخرة: لا تجزئه الصلاة و عليه أن يعيد، ومن ترك القراءة في جل ذلك أعاد، وإن قرأ في بعضها وترك في بعضها أعاد أيضا، وإذا قرأ في ركعتين وترك القراءة في ركعتين، فإنه يعيد الصلاة من أي الصلات كانت. وقال: من نسي قراءة أم القرآن حتى قرأ سورة فإنه يرجع فيقرأ أم القرآن ثم يقرأ سورة أيضا بعد قراءته أم القرآن. وقال: لا يقضي قراءة نسيها من ركعة في ركعة أخرى. وقال فيمن ترك أم القرآن في الركعتين وقد قرأ بغير أم القرآن: يعيد صلاته، وقال في رجل ترك القراءة في ركعة في الفريضة. يلغي تلك الركعة بسجدتيها ولا يعتد بها. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مر حديثه في الجزء السادس صفحة 100 ط 1 و 108 ط 2.
/ صفحة 182 / (رأي الحنابلة) قال ابن حزم في المحلى 3: 236: وقراءة أم القرآن فرض في كل ركعة من كل صلاة إماما كان أو مأموما أو منفردا، والفرض والتطوع سواء، والرجال والنساء سواء. ثم ذكر جملة من أدلة المسألة. وذكر في ص 243 فعل عمر وما يعزى إلى علي وحاشا من ذلك فقال: لا حجة في قول أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال في ص 250: من نسي التعوذ أو شيئا من أم القرآن حتى ركع أعاد متى ذكر فيها وسجد للسهو إن كان إماما أو فذا، فإن كان مأموما ألغى ما قد نسي إلى أن ذكر، وإذا أتم الإمام قام يقضي ما كان ألغى ثم سجد للسهو، ولقد ذكرنا برهان ذلك في من نسي فرضا في صلاته فإنه يعيد ما لم يصل كما أمر، ويعيد ما صلى كما أمر. قال: ومن كان لا يحفظ أم القرآن وقرأ ما أمكنه من القرآن إن كان يعلمه، لا حد في ذلك وأجزأه، وليسع في تعلم أم القرآن فإن عرف بعضها ولم يعرف البعض قرأ ما عرف منها فأجزأه، وليسع في تعلم الباقي، فإن لم يحفظ شيئا من القرآن صلى كما هو يقوم ويذكر الله كما يحسن بلغته ويركع ويسجد حتى يتم صلاته ويجزيه، وليسع في تعلم أم القرآن. وقال الشوكاني في نيل الأوطار 2: 233: إختلف القائلون بتعيين الفاتحة في كل ركعة هل تصح صلاة من نسيها ؟ فذهبت الشافعية وأحمد بن حنبل إلى عدم الصحة وروى ابن القاسم عن مالك: إنه إن نسيها في ركعة من صلى ركعتين فسدت صلاته، وإن نسيها في ركعة من صلى ثلاثية أو رباعية فروي عنه إنه يعيدها ولا تجزئه، وروي عنه: إنه يسجد سجدتي السهو، وروي عنه: إنه يعيد تلك الركعة ويسجد للسهو بعد السلام، ومقتضى الشرطية التي نبهناك على صلاحية الأحاديث للدلالة عليها: إن الناسي يعيد الصلاة كمن صلى بغير وضوء ناسيا. اه. وأما أبو حنيفة إمام الحنفية فإن له في مسائل الصلاة آراء ساقطة تشبه أقوال المستهزأ بها وحسبك برهنة صلاة القفال (1)، وسنفصل القول في تلكم الآراء الشاذة ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) ذكرها ابن خلكان في تاريخه في ترجمة السلطان محمود السبكتكين.
/ صفحة 183 / عن الكتاب والسنة، وقد اجتهد في المسألة تجاه تلكم النصوص قال الجصاص في " أحكام القرآن " 1: 18: قال أصحابنا الحنفية جميعا رحمهم الله: يقرأ بفاتحة الكتاب وسورة في كل ركعة من الأوليين، فإن ترك قراءة فاتحة الكتاب وقرأ غيرها فقد أساء وتجزيه صلاته. ا ه. قال ابن حجر في فتح الباري: إن الحنفية يقولون بوجوب قراءة الفاتحة لكن بنوا على قاعدتهم إنها مع الوجوب ليست شرطا في صحة الصلاة لأن وجوبها إنما ثبت بالسنة والذي لا تتم الصلاة إلا به فرض والفرض عندهم لا يثبت بما يزيد على القرآن وقد قال تعالى: فاقرأوا ما تيسر منه. فالفرض قراءة ما تيسر، وتعين الفاتحة إنما يثبت بالحديث فيكون واجبا يأثم من يتركه وتجزئ الصلاة بدونه، وهذا تأويل على رأي فاسد، حاصله رد كثير من السنة المطهرة بلا برهان ولا حجة نيرة، فكم موطن من المواطن يقول فيها الشارع: لا يجزئ كذا، لا يقبل كذا، لا يصح كذا، و يقول المتمسكون بهذا الرأي يجزئ، ويقبل، ويصح، ولمثل هذا حذر السلف من أهل الرأي. ا هـ. وذكره الشوكاني في نيل الأوطار 2: 230. ونظرا إلى الأهمية الواردة في قراءة أم الكتاب في الصلوات كلها، وأخذا بظاهر: لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب، ذهب من ذهب من القوم إلى وجوبها على المأموم أيضا مطلقا أو في الصلوات الجهرية، قال الترمذي في الصحيح 1: 42: قد اختلف أهل العلم في القراءة خلف الإمام، فرأى أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم و التابعين من بعدهم القراءة خلف الإمام، وبه يقول مالك وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق، وروي عن عبد الله بن المبارك إنه قال: أنا أقرأ خلف الإمام والناس يقرأون إلا قوم من الكوفيين، وأرى أن من لم يقرأ صلاته جائزة، وشدد قوم من أهل العلم في ترك قراءة فاتحة الكتاب وإن كان خلف الإمام فقالوا: لا تجزئ صلاة إلا بقراءة فاتحة الكتاب وحده كان أو خلف الإمام. ا هـ. وقد جاء مع ذلك عن عبادة بن الصامت مرفوعا: إني أراكم تقرأون وراء إمامكم فلا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأها. وفي لفظ أبي داود: لا تقرؤا بشئ من القرآن إذا جهرت إلا بأم القرآن.
/ صفحة 184 / وفي لفظ النسائي وابن ماجة: لا يقرأن أحد منكم إذا جهرت بالقراءة إلا بأم القرآن. وفي لفظ الحاكم: إذا قرأ الإمام فلا تقرأوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها. وفي لفظ الطبراني: من صلى خلف الإمام فليقرأ بفاتحة الكتاب. وعن أنس بن مالك مرفوعا: أتقرأون في صلاتكم خلف الإمام بقرآن والإمام يقرأ ؟ فلا تفعلوا وليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه. وعن أبي قلابة مرسلا: أتقرأون خلفي وأنا أقرأ فلا تفعلوا ذلك، ليقرأ أحدكم بفاتحة الكتاب في نفسه سرا (1) . قال ابن حزم في المحلى 3: 239: اختلف أصحابنا فقالت طائفة: فرض على المأموم أن يقرأ أم القرآن في كل ركعة أسر الإمام أو جهر، وقالت طائفة: هذا فرض عليه فيما أسر فيه الإمام خاصة ولا يقرأ فيما جهر فيه الإمام، ولم يختلفوا في وجوب قراءة أم القرآن فرضا في كل ركعة على الإمام والمنفرد. وأخرج البيهقي أحاديث صحاح تدل على إن القراءة تسقط مع الإمام جهر أو لم يجهر. وذكر قول من قال: يقرأ خلف الإمام مطلقا ثم قال: هو أصح الأقوال على السنة وأحوطها. راجع السنن الكبرى 2: 159 166. هذا تمام القول في الناحية الأولى من ناحيتي مخالفة عمل الخليفتين في الصلاة للسنة الشريفة، ومن ذلك كله، يعلم حكم الناحية الثانية وإن الأمة مطبقة على إن تدارك الفائتة من قراءة ركعة في ركعة أخرى لم يرد في السنة النبوية، وإن رأي الرجلين غير مدعوم بحجة، لا يعمل به، ولا يعول عليه، ولا يستن به قط أحد من رجال الفتوى، والحق أحق أن يتبع. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مسند أحمد 2: 302، 308، ج 5: 313، 316، 322، سنن الترمذي 1: 42، المحلى لابن حزم 3: 236، مستدرك الحاكم 1: 238، 239، سنن النسائي 2: 141، سنن البيهقي 2: 164، 165، مصابيح السنة 1: 60. |