عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
يتبع الجزء الثامن
- 41 - الخليفة يخرج ابن مسعود من المسجد عنفا
أخرج البلاذري في الأنساب 5: 36 قال: حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن أبي مخنف وعوانة في إسنادهما: إن عبد الله بن مسعود حين ألقى مفاتيح بيت المال إلى الوليد بن عقبة قال: من غير غير الله ما به . ومن بدل أسخط الله عليه، وما أرى صاحبكم إلا وقد غير وبدل، أيعزل مثل سعد بن أبي وقاص ويولى الوليد ؟ وكان يتكلم بكلام لا يدعه وهو: إن أصدق القول كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار (1) فكتب الوليد إلى عثمان بذلك وقال: إن يعيبك ويطعن عليك، فكتب إليه عثمان يأمره بإشخاصه فاجتمع الناس فقالوا: أقم ونحن نمنعك أن يصل إليك شئ تكرهه، فقال: إن له علي حق الطاعة ولا أحب أن أكون أول من فتح باب الفتن. وفي لفظ أبي عمر: إنها ستكون أمور وفتن لا أحب أن أكون أول من فتحها. فرد الناس وخرج إليه (2). قال البلاذري: وشيعه أهل الكوفة فأوصاهم بتقوى الله ولزوم القرآن فقالوا له: جزيت خيرا فلقد علمت جاهلنا، وثبت عالمنا، وأقرأتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، فنعم أخو الاسلام أنت ونعم الخليل، ثم ودعوه وانصرفوا، وقدم ابن مسعود المدينة وعثمان يخطب على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما رآه قال: ألا إنه قد قدمت عليكم دويبة سوء من يمشي على طعامه يقئ ويسلح، فقال ابن مسعود: لست كذلك ولكني صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر ويوم بيعة الرضوان. ونادت عائشة: أي عثمان ! أتقول هذا لصاحب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هذه جملة من كلمة ابن مسعود وقد أخرجها برمتها أبو نعيم في حلية الأولياء 1: 138 وهي كلمة قيمة فيها فوائد جمة . (2) الاستيعاب 1: 373 .
/ صفحة 4 / رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ ثم أمر عثمان به فأخرج من المسجد إخراجا عنيفا، وضرب به عبد الله ابن زمعة الأرض، ويقال: بل احتمله " يحموم " غلام عثمان ورجلاه تختلفان على عنقه حتى ضرب به الأرض فدق ضلعه، فقال علي: يا عثمان ! أتفعل هذا بصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول الوليد بن عقبة ؟ فقال: ما بقول الوليد فعلت هذا ولكن وجهت زبيد بن الصلت الكندي إلى الكوفة فقال له ابن مسعود: إن دم عثمان حلال، فقال علي: أحلت عن زبيد على غير ثقة . وفي لفظ الواقدي: إن ابن مسعود لما استقدم المدينة دخلها ليلة جمعة فلما علم عثمان بدخوله قال: يا أيها الناس إنه قد طرقكم الليلة دويبة، من يمشي على طعامه يقئ ويسلح، فقال ابن مسعود: لست كذلك ولكنني صاحب رسول الله يوم بدر، و صاحبه يوم بيعة الرضوان، وصاحبه يوم الخندق، وصاحبه يوم حنين . قال: وصاحت عائشة: يا عثمان ! أتقول هذا لصاحب رسول الله ؟ فقال عثمان: اسكتي . ثم قال لعبد الله ابن زمعة: أخرجه إخراجا عنيفا، فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتى جاء به باب المسجد فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه، فقال ابن مسعود: قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان . قال البلاذري: وقام علي بأمر ابن مسعود حتى أتى به منزله، فأقام ابن مسعود بالمدينة لا يأذن له عثمان في الخروج منها إلى ناحية من النواحي، وأراد حين برئ الغزو فمنعه من ذلك وقال له مروان: إن ابن مسعود أفسد عليك العراق، أفتريد أن يفسد عليك الشام ؟ فلم يبرح المدينة حتى توفي قبل مقتل عثمان بسنتين، وكان مقيما بالمدينة ثلاث سنين . وقال قوم: إنه كان نازلا على سعد بن أبي وقاص، ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه أتاه عثمان عائدا فقال: ما تشتكي ؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي ؟ قال: رحمة ربي . قال: ألا أدعو لك طبيبا ؟ قال: الطبيب أمرضني . قال: أفلا آمر لك بعطائك ؟ (1) قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا مستغن عنه ؟ قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على الله . قال: إستغفر لي يا أبا عبد الرحمن، قال: أسأل الله أن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قال ابن كثير في تاريخه 7: 163: كان قد تركه سنتين .
/ صفحة 5 / يأخذ لي منك بحقي، وأوصى أن لا يصلي عليه عثمان فدفن بالبقيع وعثمان لا يعلم فلما علم غضب، وقال: سبقتموني به ؟ فقال له عمار بن ياسر: إنه أوصى أن لا تصلي عليه . فقال ابن الزبير (1) : لأعــرفنك بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي وفي لفظ ابن كثير في تاريخه 7: 163: جاءه عثمان في مرضه عائدا فقال له: ما تشتكي ؟ قال ذنوبي . قال فما تشتهي ؟ قال: رحمة ربي . قال: لا آمر لك بطبيب ؟ قال: الطبيب أمرضني . قال: ألا آمر لك بعطائك ؟ - وكان قد تركه سنتين - فقال: لا حاجة لي . فقال: يكون لبناتك من بعدك، فقال: أتخشى على بناتي الفقر ؟ إني أمرت بناتي أن يقرأن كل ليلة سورة الواقعة وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من قرأ الواقعة كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا . وقال البلاذري: كان الزبير وصي ابن مسعود في ماله وولده، وهو كلم عثمان في عطائه بعد وفاته حتى أخرجه لولده، وأوصى ابن مسعود أن يصلي عليه عمار بن ياسر، وقوم يزعمون أن عمارا كان وصيه ووصية الزبير أثبت . وأخرج البلاذري من طريق أبي موسى القروي بإسناده: إنه دخل عثمان على ابن مسعود في مرضه فاستغفر كل واحد منهما لصاحبه، فلما انصرف عثمان قال بعض من حضر: إن دمه لحلال . فقال ابن مسعود: ما يسرني أنني سددت إليه سهما يخطئه وأن لي مثل أحد ذهبا . وقال الحاكم وأبو عمرو ابن كثير: أوصى ابن مسعود إلى الزبير بن العوام فيقال: إنه هو الذي صلى عليه ودفنه بالبقيع ليلا بإيصائه بذلك إليه ولم يعلم عثمان بدفنه، ثم عاتب عثمان الزبير على ذلك، وقيل: بل صلى عليه عثمان، وقيل: عمار (2) . وفي رواية توجد في شرح ابن أبي الحديد 1: 236: لما حضره الموت قال: من يتقبل مني وصية أوصيه بها على ما فيها ؟ فسكت القوم وعرفوا الذي يريد فأعادها فقال عمار: أنا أقبلها، فقال ابن مسعود: أن لا يصلي علي عثمان . قال: ذلك لك، فيقال: ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كذا والصحيح كما في شرح ابن أبي الحديد 1: 236: فتمثل الزبير . (2) المستدرك 3: 313، الاستيعاب 1: 373، تاريخ ابن كثير 7: 163 .
/ صفحة 6 / إنه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك فقال له قائل: إن عمارا ولي الأمر . فقال لعمار: ما حملك على أن لم تؤذني ؟ فقال: عهد إلي أن لا أوذنك .. إلخ . وذكر كل ما رويناه عن البلاذري مع زيادة، فراجع . وفي لفظ اليعقوبي: إعتل ابن مسعود فأتاه عثمان يعوده فقال له: ما كلام بلغني عنك ؟ قال: ذكرت الذي فعلته بي إنك أمرت بي فوطئ جوفي فلم أعقل صلاة الظهر ولا العصر ومنعتني عطائي. قال: فإني أقيدك من نفسي فافعل بي مثل الذي فعل بك. قال: ما كنت بالذي أفتح القصاص على الخلفاء. قال: فهذا عطاؤك فخذه، قال: منعتنيه وأنا محتاج إليه. وتعطينيه وأنا غني عنه، لا حاجة لي به. فانصرف فأقام ابن مسعود مغاضبا لعثمان حتى توفي. تاريخ اليعقوبي 2: 147 . وأخرج محمد بن إسحاق بن محمد بن كعب القرظي: إن عثمان ضرب ابن مسعود أربعين سوطا في دفنه أبا ذر. شرح ابن أبي الحديد 1: 237 . وفي تاريخ الخميس 2: 268: حبس (عثمان) عبد الله بن مسعود وأبي ذر عطاءهما وأخرج أبا ذر إلى الربذة وكان بها إلى أن مات . وأوصى (عبد الله) إلى الزبير وأوصاه أن يصلي عليه ولا يستأذن عثمان لئلا يصلي عليه، فلما دفن وصل عثمان ورثته بعطاء أبيهم خمس سنين . وأجاب بأن عثمان كان مجتهدا ولم يكن من قصده حرمانه، إما التأخير إلى غاية أدبا، إما مع حصول تلك الغاية أو دونها وصل به ورثته ولعله كان أنفع له . وفي السيرة الحلبية 2: 87 من جملة ما انتقم به على عثمان: إنه حبس عبد الله ابن مسعود وهجره، وحبس عطاء أبي بن كعب، وأشخص عبادة بن الصامت من الشام لما شكاه معاوية، وضرب عمار بن ياسر وكعب بن عبدة ضربه عشرين سوطا ونفاه إلى بعض الجبال، وقال لعبد الرحمن بن عوف: إنك منافق .. الخ . قال الأميني ؟ لعلك لا تستكنه هذه الجرأة ولا تبلغ مداها حتى تعلم أن ابن مسعود من هو، فهنالك تؤمن بأن ما فعل به حوب كبير لا يبرر من ارتكب به أي عذر معقول فضلا عن التافهات . 1 - أخرج مسلم وابن ماجة من طريق سعد بن أبي وقاص قال نزل قوله تعالى:
/ صفحة 7 / ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين " الأنعام 52 " في ستة نفر منهم عبد الله بن مسعود . راجع تفسير الطبري 7: 128، المستدرك للحاكم 3: 319، تاريخ ابن عساكر 6: 100، تفسير القرطبي 16: 432، 433، تفسير ابن كثير 2: 135، تفسير ابن جزي 2: 10، تفسير الدر المنثور 3: 13، تفسير الخازن 2: 18، تفسير الشربيني 1: 404، تفسير الشوكاني 2: 115 . 2 - أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 3: 108 ط ليدن من طريق عبد الله بن مسعود نزول قوله تعالى: الذين استجابوا الله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم " آل ب عمران 172 " في ثمانية عشر رجلا هو أحدهم . وذكر ابن كثير والخازن في تفسيرهما: إن ابن مسعود ممن نزلت فيهم الآية . 3 - ذكر الشربيني والخازن نزول قوله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة. في ابن مسعود وعمار وسلمان. يأتي تفصيله بعيد هذا في ترجمة عمار . 4 - عن علي عليه السلام مرفوعا: عبد الله يوم القيامة في الميزان أثقل من أحد . وفي لفظ: والذي نفسي بيده لهما (يعني ساقي ابن مسعود) أثقل في الميزان من أحد . وفي لفظ: والذي نفسي بيده لساقا عبد الله يوم القيامة أشد وأعظم من أحد وحراء . راجع مستدرك الحاكم 3: 317، حلية الأولياء 1: 127، الاستيعاب 1: 371، صفة الصفوة 1: 157، تاريخ ابن كثير 7: 163، الإصابة 2: 370، مجمع الزوائد للهيثمي 9: 289، وقال: أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجالهم رجال الصحيح غير أم موسى وهي ثقة، ورواه من طريق البزار والطبراني فقال: رجالهما رجال الصحيح . كنز العمال 6: 180، 181، ج 7: 55 نقلا عن الطبراني والضياء وابن خزيمة وصححه . 5 - عن علقمة وعمر في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من سره أن يقرأ القرآن
/ صفحة 8 / غضاً. أو: رطبا، كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد . أخرجه أبو عبيد في فضائله. أحمد. الترمذي. النسائي. البخاري في تاريخه. ابن أبي خزيمة. ابن أبي داود. ابن الأنباري. عبد الرزاق. ابن حبان. الدار قطني ابن عساكر. أبو نعيم. الضياء المقدسي. البزار. الطبراني. أبو يعلى. وغيرهم. راجع سنن ابن ماجة 1: 63، حلية الأولياء 1: 124، مستدرك الحاكم 3: 318، الاستيعاب 1: 371، صفة الصفوة 1: 156، طرح التثريب 1: 85، الإصابة 2: 369، مجمع الزوائد 9: 287، كنز العمال 6: 181 . 6 - عن أبي الدرداء مرفوعا في حديث: رضيت لأمتي ما رضي الله لها وابن أم عبد، وسخطت لأمتي ما سخط الله لها وابن أم عبد . أخرجه البزار والطبراني ورجال البزار ثقات كما قاله الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 290، ورواه الحاكم في المستدرك 3: 317، 318 وأبو عمر في الاستيعاب 1: 371 ويوجد في كنز العمال 6: 181 و ج 7: 56 . 7 - عن عبد الله بن مسعود قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: آذنك على أن ترفع الحجاب وتسمع سوادي (1) حتى أنهاك. قال ابن حجر: أخرجه أصحاب الصحاح. مسند أحمد 1: 388، سنن ابن ماجة 1: 63، حلية الأولياء 1: 126، الاستيعاب 1: 371، تاريخ ابن كثير 7: 162، الإصابة 2: 369 . 8 - أخرج الترمذي من طريق عبد الله في حديث قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تمسكوا بعهد ابن أم عبد. وفي لفظ أحمد: تمسكوا بعهد عمار، وما حدثكم ابن مسعود فصدقوه . راجع مسند أحمد 5: 385، حلية الأولياء 1: 128، تاريخ ابن كثير 2: 162، الإصابة 2: 369، كنز العمال 7: 55 . 9 - سئل علي (أمير المؤمنين) عن ابن مسعود قال: علم القرآن وعلم السنة ثم انتهى وكفى به علما . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كذا في جميع المصادر والسواد بالكسر: السرار. يقال: ساودت الرجل أي ساورته. وحسبه ناشر حلية الأولياء غلطا فجعله في المتن " سرارى " وقال في التعليق: في الأصلين: سوادي .
/ صفحة 9 / راجع حلية الأولياء لأبي نعيم 1: 129، المستدرك للحاكم 3: 318، الاستيعاب 1: 373، صفة الصفوة 1: 157 . 10 - أخرج الحاكم في المستدرك 3: 315 من طريق حبة العرني قال: إن ناسا أتوا عليا فأثنوا على عبد الله بن مسعود فقال: أقول فيه مثل ما قالوا وأفضل: من قرأ القرآن وأحل حلاله، وحرم حرامه، فقيه في الدين، عالم بالسنة . 11 - أخرج الترمذي بإسناد رجاله ثقات من طريق حذيفة بن اليمان: إن أشبه الناس هديا ودلا وسمتا بمحمد صلى الله عليه وسلم عبد الله . وفي لفظ البخاري: ما أعرف أحدا أقرب سمتا وهديا ودلا برسول الله صلى الله عليه وسلم من ابن أم عبد، وزاد الترمذي: ولقد علم المحفوظون من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ابن أم عبد أقربهم إلى الله زلفى. وفي لفظ أبي نعيم: إنه من أقربهم وسيلة يوم القيمة . وفي لفظ أبي عمر: سمع حذيفة يحلف بالله ما أعلم أحدا أشبه دلا وهديا برسول الله من حين يخرج من بيته إلى أن يرجع إليه من عبد الله بن مسعود، ولقد علم المحفوظون من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنه من أقربهم وسيلة إلى الله يوم القيامة . وفي لفظ علقمة: كان يشبه بالنبي في هديه ودله وسمته . راجع صحيح البخاري كتاب المناقب . مسند أحمد 5: 389، المستدرك 3: 315، 320 حلية الأولياء 1: 126، 127، الاستيعاب 1: 372، مصابيح السنة 2: 283، صفة الصفوة 1: 156، 158، تاريخ ابن كثير 2: 162، تيسير الوصول 3: 297 الإصابة 2: 369، كنز العمال 7: 55 . 12 - أخرج الشيخان والترمذي عن أبي موسى قال: قدمت أنا وأخي من اليمن وما نرى ابن مسعود إلا أنه رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم لما نرى من دخوله و دخول أمه على النبي صلى الله عليه وسلم . راجع المستدرك للحاكم 3: 314، مصابيح السنة: 2: 284، تيسير الوصول 3: 279 نقلا عن الشيخين والترمذي، تاريخ ابن كثير 7: 162، مرآة الجنان لليافعي 1: 87، الإصابة 8: 369 قال: عند البخاري في التاريخ بسند صحيح . 13 - أخرج أحمد في مسنده 4: 203 من طريق عمرو بن العاصي قال: مات
/ صفحة 10 / رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحب عبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر . وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 290 بلفظ: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راض عنه . حكاه عن أحمد والطبراني فقال . رجال أحمد رجال الصحيح، وأخرجه ابن عساكر من طريق عثمان بن أبي العاص الثقفي كما في كنز العمال: 7: 56 . 14 - أخرج البخاري من طريق عبد الله بن مسعود قال: أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعين سورة وإن زيد بن ثابت لصبي من الصبيان. وفي لفظ: أحكمتها قبل أن يسلم زيد بن ثابت وله ذؤابة يلعب مع الغلمان. وفي لفظ: ما ينازعني فيها أحد. حلية الأولياء 1: 125، والاستيعاب 1: 373، تهذيب التهذيب 6: 28 وصححه كنز العمال 7: 56 نقلا عن ابن أبي داود . 15 - أخرج البغوي من طريق تميم بن حرام (1) قال: جالست أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت أحدا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أحب إلي أن أكون في صلاحه من ابن مسعود، الإصابة لابن حجر 2: 370. وأخرجه البخاري في تاريخه 1 قسم 2 ص 152 ولفظه: أدركت أبي بكر وعمر وأصحاب محمد عليهم السلام فما رأيت أحدا .. الخ . 16 - عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة: كان عبد الله صاحب سواد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني سره . وعن أبي الدرداء: ألم يكن فيكم صاحب السواد عبد الله ؟ . وعن عبد الله بن شداد: إن عبد الله كان صاحب السواد والوساد والسواك والنعلين (2) راجع طبقات ابن سعد 3: 108، حلية الأولياء 1: 126، الاستيعاب 1: 371، صفة الصفوة 1: 156، طرح التثريب 1: 75 . 17 - عن أبي وائل قال ابن مسعود: إني لأعلمهم بكتاب الله وما أنا بخيرهم و ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في تاريخ البخاري: حذلم . (2) كان يلزم رسول الله صلى الله عليه وآله ويحمل نعليه. قاله ابن حجر في تهذيب التهذيب 6: 28 .
/ صفحة 11 / ما في كتاب الله سورة ولا آية إلا وأنا أعلم فيم أنزلت ومتى نزلت. قال أبو وائل: فما سمعت أحدا أنكر ذلك عليه. أخرجه الشيخان والنسائي كما في تيسير الوصول 3: 279، وأبو عمر في الاستيعاب 1: 372، وذكره اليافعي في مرآته 1: 87 . وهذا علمه وهديه وسمته وصلاحه وزلفته إلى نبي العظمة صلى الله عليه وآله، أضف إلى ذلك كله سابقته في الاسلام وهو سادس ستة، وهجرته إلى الحبشة ثم إلى المدينة، وشهوده بدرا ومشاهد النبي صلى الله عليه وآله كلها، وهو أحد العشرة المبشرة بالجنة كما في رواية أبي عمر في الاستيعاب، ولعلك لا تشك بعد سيرك الحثيث في غضون السيرة والتاريخ في أنه لم يكن له دؤب إلا على نشر علم القرآن وسنة الرسول وتعليم الجاهل، وتنبيه الغافل، وتثبيت القلوب، وشد أزر الدين، في كل ذلك هو شبيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في هديه و سمته ودله، فلا تجد فيه مغمزا لغامز، ولا محلا للمز لامز، وقد بعثه عمر إلى الكوفة ليعلمهم أمور دينهم، وبعث عمارا أميرا وكتب إليهم: إنهما من النجباء من أصحاب محمد من أهل بدر، فاقتدوا بهما واسمعوا من قولهما، وقد آثرتكم بعبد الله بن مسعود على نفسي (1) وقد سمعت ثناء أهل الكوفة عليه بقولهم: جزيت خيرا، فلقد علمت جاهلنا وثبت عالمنا، وأقرأتنا القرآن، وفقهتنا في الدين، فنعم أخو الاسلام أنت ونعم الخليل . كان ابن مسعود أول من جهر بالقرآن بمكة، اجتمع يوما أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فقالوا: والله ما سمعت قريش هذا القرآن يجهر لها به قط، فمن رجل يسمعهموه ؟ فقال عبد الله بن مسعود: أنا . قالوا: إنا نخشاهم عليك، إنما نريد رجلا له عشيرة يمنعونه من القوم إن أرادوه، قال: دعوني فإن الله سيمنعني، قال: فغدا ابن مسعود حتى أتى المقام في الضحى، وقريش في أنديتها، حتى قام عند المقام ثم قرأ: بسم الله الرحمن الرحيم . رافعا بها صوته . الرحمن علم القرآن . قال: ثم استقبلها يقرؤها . قال: وتأملوه، فجعلوا يقولون: ماذا قال ابن أم عبد ؟ قال: ثم قالوا: إنه ليتلو بعض ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم فقاموا إليه، فجعلوا يضربون في وجهه، وجعل يقرأ حتى بلغ منها ما شاء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الاستيعاب 1: 373، ج 2 436، الإصابة 2: 369 .
/ صفحة 12 / الله أن يبلغ، ثم انصرف إلى أصحابه وقد أثروا في وجهه، فقالوا له: هذا الذي خشينا عليك، فقال: ما كان أعداء الله أهون علي منهم الآن . ولئن شئتم لأغادينهم بمثلها غدا، قالوا: لا، حسبك قد أسمعتهم ما يكرهون (1) . وقد هذبته تلكم الأحوال وكهربته، فلم يسق لمغضبة على باطل، ولم يحده طيش إلى غاية، فهو إن قال فعن هدى، وإن حدث فعن الصادع الكريم صدقا، وإن جال ففي مستوى الحق، وإن صال فعلى الضلالة، وعرفه بذلك من عرفه من أول يومه، وكان معظما مبجلا لدى الصحابة وكانوا يحذرون خلافه والرد عليه ويعدونه حوبا قال أبو وائل: إن ابن مسعود رأى رجلا قد أسبل إزاره فقال: ارفع إزارك . فقال: و أنت يا ابن مسعود ! فارفع إزارك . فقال: إني لست مثلك إن بساقي حموشة وأنا آدم الناس فبلغ ذلك عمر فضرب الرجل ويقول: أترد على ابن مسعود ؟ (2) . وأخرج أبو عمر بن الاستيعاب 1: 372 بالإسناد عن علقمة قال: جاء رجل إلى عمر وهو بعرفات فقال: جئتك من الكوفة وتركت بها رجلا يحكي المصحف عن ظهر قلبه فغضب عمر غضبا شديدا وقال: ويحك ومن هو ؟ قال عبد الله بن مسعود . قال: فذهب عنه ذلك الغضب وسكن وعاد إلى حاله وقال: والله ما أعلم من الناس أحدا هو أحق بذلك منه . فلماذا يحرم هذا البدري العظيم عطاؤه سنين ؟ ثم يأتيه من سامه سوء العذاب وقد خالجه الندم ولات حين مندم متظاهرا بالصلة فلا يقبلها ابن مسعود وهو في منصرم عمره، ويسأل ربه أن يأخذ له منه بحقه، ثم يتوجه إلى النعيم الخالد معرضا عن الحطام الزائل، موصيا بأن لا يصلي عليه من نال منه ذلك النيل الفجيع . لماذا فعل به هذا ؟ ولماذا شتم على رؤس الاشهاد ؟ ولماذا أخرج من مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهانا عنفا، ولماذا ضرب به الأرض فدقت أضالعه ؟ ولما بطشوا به بطش الجبارين ؟ . كل ذلك لأنه امتنع عن أن يبيح للوليد بن عقبة الخالع الماجن من بيت مال ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سيرة ابن هشام 1: 337 . (2) الإصابة 2: 370، كنز العمال: 55 .
/ صفحة 13 / الكوفة يوم كان عليه ما أمر به، فألق مفاتيح بيت المال لما لم يجد من الكتاب والسنة وهو العليم بهما مساغا لهاتيك الإباحة ولا لأثرة الآمر بها، وعلم أنها سوف تتبعها من الأعطيات التي لا يقرها كتاب ولا سنة، فتسلل عن عمله وتنصل، وما راقه أن يبوء بذلك الإثم، فلهج بما علم، وأبدى معاذيره في إلقاء المفاتيح، فغاض تلكم الأحوال داعية الشهوات، وشاخص الهوى الوليد بن عقبة، فكتب في حقه ونم وسعي، فكان من ولائد ذلك أن ارتكب من ابن مسعود ما عرفت، ولم تمنع عن ذلك سوابقه في الاسلام وفضائله وفواضله وعلمه وهديه وورعه ومعاذيره وحججه، فضلا على أن يشكر على ذلك كله، فأوجب نقمة الصحابة على من نال ذلك منه، وإنكار مولانا أمير المؤمنين عليه السلام وصيحة أم المؤمنين في خدرها، ولم تزل البغضاء محتدمة على هذه وأمثالها حتى كان في مغبة الأمر ما لم يحمده خليفة الوقت وزبانيته الذين جروا إليه الويلات . ولو ضرب المسيطر على الأمر صفحا عن الفظاظة في الانتقام، أو أعار لنصح صلحاء الأمة أذنا واعية، أولم يستبدل بجراثيم الفتن عن محنكي الرجال، أولم ينبذ كتاب الله وسنة نبيه وراء ظهره، لما استقبله ما جرى عليه وعلى من اكتنفه من الوأد والهوان لكنه لم يفعل ففعلوا، ولمحكمة العدل الإلهي غدا حكمها البات . ولابن مسعود عند القوم مظلمة أخرى وهي جلده أربعين سوطا في موقف آخر، لماذا كان ذلك ؟ لأنه دفن أبا ذر لما حضر موته في حجته . وجد بالربذة في ذلك الوادي القفر الوعر ميتا كان في الغارب والسنام من العلم والإيمان . وجد صحابيا عظيما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقربه ويدنيه قد فارق الدنيا . وجد عالما من علماء المسلمين قد غادرته الحياة . وجد مثالا للقداسة والتقوى، فتمثل أمام عينيه تلك الصورة المكبرة التي كان يشاهدها على العهد النبوي . وجد شبيه عيسى بن مريم في الأمة المرحومة هديا وسمتا ونسكا وزهدا وخلقا، طرده خليفة الوقت عن عاصمة الاسلام . وجد عزيزا من أعزاء الصحابة على الله ورسوله وعلى المؤمنين قد أودى على مستوى الهوان في قاعة المنفى مظلوما مضطهدا .
/ صفحة 14 / وجد في قارعة الطريق جثمان طيب طاهر غريب وحيد نازح عن الأوطان تصهره الشمس، وتسفي عليه الرياح، وذكر قول رسول الله: رحم الله أبا ذر يمشي وحده ويموت وحده، ويحشر وحده . فلم يدع العلم والدين ابن مسعود ومن معه من المؤمنين أن يمروا على ذلك المنظر الفجيع دون أن يمتثلوا حكم الشريعة بتعجيل دفن جثمان كل مسلم فضلا عن أبي ذر الذي بشر بدفنه صلحاء المؤمنين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فنهضوا بالواجب فأودعوه في مقره الأخير والعيون عبرى، والقلوب واجدة على ما ارتكب من هذا الانسان المبجل، فلما هبطوا يثرب نقم على ابن مسعود من نقم على أبي ذر، فحسب ذلك الواجب الذي ناء به ابن مسعود حوبا كبيرا، حتى صدر الأمر بجلده أربعين سوطا، وذلك أمر لا يفعل بمن دفن زنديقا لطم جيفته فضلا عن مسلم لم يبلغ مبلغ أبي ذر من العظمة والعلم والتقوى والزلفة، فكيف بمثل أبي ذر وعاء العلم، وموئل التقوى، ومنبثق الإيمان، وللعداء مفعول قد يبلغ أكثر من هذا . أي خليفة هذا لم يراع حرمة ولا كرامة لصلحاء الأمة وعظماء الصحابة من البدريين الذين نزل فيهم القرآن، وأثنى عليهم النبي العظيم ؟ وقد جاء في مجرم بدري قوله صلى الله عليه وآله وسلم لما قال عمر: إئذن لي يا رسول الله فأضرب عنقه: مهلا يا ابن الخطاب إنه قد شهد بدرا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: إعملوا ما شئتم فإني غافر لكم (1) واختلق القوم حديثا لإدخال عثمان في زمرتهم لفضلهم المتسالم عليه عند الأمة جمعاء، كأن الرجل آلى على نفسه أن يطل على الأمة الداعية إلى الخير، الآمرة بالمعروف والناهية عن المنكر، بالذل والهوان، ويسر بذلك سماسرة الأهواء من بني أبيه، فطفق بمراده، والله من ورائهم حسيب . والمدافع إن أعوزته المعاذير تشبث بالطحلب فقال: (2) حداه إلى ذلك الاجتهاد . ذلك العذر العام المصحح للأباطيل، والمبرر للشنايع، والوسيلة المتخذة لإغراء ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أحكام القرآن 3: 535 . (2) راجع التمهيد للباقلاني ص 221، الرياض النضرة 26 145، الصواعق ص 68، تاريخ الخميس 2: 268 .
/ صفحة 15 / بسطاء الأمة، وذلك قولهم بأفواهم، وإن ربك يعلم ما تكن صدورهم وما يعلنون، وإن الانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره .
-42- 1 - أخرج البلاذري في الأنساب 5: 48 بالإسناد من طريق أبي مخنف قال: كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجوهر، فأخذ منه عثمان ما حلي به بعض أهله فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك وكلموه فيه بكلام شديد حتى أغضبوه فخطب فقال: لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام: فقال له علي: إذا تمنع من ذلك ويحال بينك وبينه . وقال عمار بن ياسر: أشهد الله إن أنفي أول راغم من ذلك . فقال عثمان: أعلي يا ابن المتكاء (1) تجترئ ؟ خذوه، فأخذ ودخل عثمان ودعا به فضربه حتى غشي عليه ثم أخرج فحمل حتى أتي به منزل أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يصل الظهر والعصر والمغرب فلما أفاق توضأ وصلى وقال: الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله، وقام هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان عمار حليفا لبني مخزوم فقال: يا عثمان أما علي فاتقيته وبني أبيه، وأما نحن فاجترأت علينا وضربت أخانا حتى أشفيت به على التلف، أما والله لئن مات لأقتلن به رجلا من بني أمية عظيم السرة، فقال عثمان: وإنك لهاهنا يا ابن القسرية ؟ قال: فإنهما قسريتان وكانت أمه وجدته قسريتين من بجيلة، فشتمه عثمان وأمر به فأخرج، فأتى أم سلمة فإذا هي قد غضبت لعمار، وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت وأخرجت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وثوبا من ثيابه ونعلا من نعاله ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه ونعله لم يبل بعد . فغضب عثمان غضبا شديدا حتى ما درى ما يقول فالتج المسجد وقال الناس: سبحان الله، سبحان الله . وكان عمرو بن العاص واجدا على عثمان لعزله إياه عن مصر وتوليته إياها عبد الله بن سعد بن أبي سرح فجعل يكثر التعجب والتسبيح . وبلغ عثمان مصير هشام بن الوليد ومن مشى معه من بني مخزوم إلى أم سلمة وغضبها لعمار فأرسل إليها: ما هذا الجمع ؟ فأرسلت إليه دع ذا عنك يا عثمان ! ولا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المتكاء: البظراء. المفضاة. التي لا تمسك البول. العظيمة البطن .
/ صفحة 16 / تحمل الناس في أمرك على ما يكرهون. واستقبح الناس فعله بعمار وشاع فيهم فاشتد إنكارهم له . وفي لفظ الزهري كما في أنساب البلاذري ص 88: كان في الخزائن سفط فيه حلي وأخذ منه عثمان فحلى به بعض أهله فأظهروا عند ذلك الطعن عليه وبلغه ذلك فخطب فقال: هذا مال الله أعطيه من شئت وأمنعه من شئت فأرغم الله أنف من رغم فقال عمار: أنا والله أول من رغم أنفه من ذلك . فقال عثمان: لقد اجترأت علي يا ابن سمية ؟ ! و ضربه حتى غشي عليه فقال عمار: ما هذا بأول ما أوذيت في الله . وأطلعت عائشة شعرا من رسول صلى الله عليه وسلم ونعله وثيابا من ثيابه - فيما يحسب وهب - ثم قالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم . وقال عمرو بن العاص: هذا منبر نبيكم وهذه ثيابه وهذا شعره لم يبل فيكم وقد بدلتم وغيرتم . فغضب عثمان حتى لم يدر ما يقول . 2 - قال البلاذري في الأنساب 5: 49 إن المقداد بن عمرو وعمار بن ياسر وطلحة والزبير في عدة من أصحاب رسول الله صلى ا لله عليه وسلم كتبوا كتابا عددوا فيه أحداث عثمان و خوفوه ربه وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع فأخذ عمار الكتاب وأتاه به فقرأ صدرا منه فقال له عثمان: أعلي تقدم من بينهم ؟ فقال عمار: لأني أنصحهم لك . فقال: كذبت يا ابن سمية ! فقال: أنا والله ابن سمية وابن ياسر . فأمر غلمانه فمدوا بيديه ورجليه ثم ضربه عثمان برجليه وهي في الخفين على مذاكيره فأصابه الفتق، وكان ضعيفا كبيرا فغشي عليه . وذكره ابن أبي الحديد في الشرح 1: 239 نقلا عن الشريف المرتضى من دون غمز فيه . وقال أبو عمر في الاستيعاب 2: 422: وللحلف والولاء الذين بين بني مخزوم وبين عمار وأبيه ياسر كان اجتماع بني مخزوم إلى عثمان حين نال من عمار غلمان عثمان ما نالوا من الضرب حتى انفتق له فتق في بطنه ورغموا وكسروا ضلعا من أضلاعه، فاجتمعت بنو مخزوم وقالوا: والله لئن مات لقتلنا به أحدا غير عثمان . صورة مفصلة قال ابن قتيبة: ذكروا إنه اجتمع ناس من أصحاب رسول الله عليه السلام كتبوا كتابا / صفحة 17 / ذكروا فيه ما خالف فيه عثمان من سنة رسول الله وسنة صاحبيه . 2 - وما كان من هبته خمس أفريقية لمروان وفيه حق الله ورسوله، ومنهم ذوو القربى واليتامى والمساكين . 3 - وما كان من تطاوله في البنيان حتى عدوا سبع دور بناها بالمدينة دارا لنائلة ودارا لعائشة وغيرهما من أهله وبناته . 4 - وبنيان مروان القصور بذي خشب وعمارة الأموال بها من الخمس الواجب لله ولرسوله . 5 - وما كان من إفشائه العمل والولايات في أهله وبني عمه من بني أمية من أحداث وغلمة لا صحبة لهم من الرسول ولا تجربة لهم بالأمور . 6 - وما كان من الوليد بن عقبة بالكوفة إذ صلى بهم الصبح وهو أمير عليها سكران أربعة ركعات ثم قال لهم: إن شئتم أن أزيدكم ركعة زدتكم . 7 - وتعطيله إقامة الحد عليه وتأخيره ذلك عنه . 8 - وتركه المهاجرين والأنصار لا يستعملهم على شئ ولا يستشيرهم واستغنى برأيه عن رأيهم . 9 - وما كان من الحمى الذي حمى حول المدينة . 10 - وما كان من إدراره القطائع والأرزاق والأعطيات على أقوام بالمدينة ليست لهم صحبة من النبي عليه السلام ثم لا يغزون ولا يذبون . 11 - وما كان من مجاوزته الخيزران إلى السوط، وإنه أول من ضرب بالسياط ظهور الناس، وإنما كان ضرب الخليفتين قبله بالدرة والخيزران . ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان وكان ممن حضر الكتاب عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وكانوا عشرة، فلما خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلى عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمار حتى بقي وحده فمضى حتى جاء دار عثمان فاستأذن عليه فأذن له في يوم شات فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أمية فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له: أنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال: نعم. قال: ومن كان معك ؟ قال: معي نفر تفرقوا فرقا منك. قال: ومن هم ؟ قال: أخبرك بهم. قال: فلم / صفحة 18 / اجترأت علي من بينهم ؟ فقال مروان: يا أمير المؤمنين ! إن هذا العبد الأسود (يعني عمارا) قد جرأ عليك الناس وإنك إن قتلته نكلت به من وراءه. قال عثمان: إضربوه. فضربوه وضربه عثمان معهم حتى فتقوا بطنه فغشي عليه فجروه حتى طرحوه على باب الدار، فأمرت به أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم فأدخل منزلها وغضب فيه بنو المغيرة وكان حليفهم، فلما خرج عثمان لصلاة الظهر عرض له هشام بن الوليد بن المغيرة فقال: أما والله لئن مات عمار من ضربه هذا لأقتلن به رجلا عظيما من بني أمية فقال عثمان: لست هناك . قال: ثم خرج عثمان إلى المسجد فإذا هو بعلي وهو شاك معصوب الرأس فقال عثمان: والله يا أبا الحسن ! ما أدري أشتهي موتك أم أشتهي حياتك ؟ فوالله لئن مت ما أحب أن أبقى بعدك لغيرك، لأني لا أجد منك خلفا ولئن بقيت لا أعدم طاغيا يتخذك سلما وعضدا ويعدك كهفا وملجأ، لا يمنعني منه إلا مكانه منك ومكانك منه، فأنا منك كالابن العاق من أبيه إن مات فجعه وإن عاش عقه، فإما سلم فنسالم وإما حرب فنحارب، فلا تجعلني بين السماء والأرض . فإنك والله إن قتلتني لا تجد مني خلفا، ولئن قتلتك لا أجد منك خلفا، ولن يلي أمر هذه الأمة بادئ فتنة . فقال علي: إن فيما تكلمت به لجوابا ولكني عن جوابك مشغول بوجعي فأنا أقول كما قال العبد الصالح: فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون . قال مروان: إنا والله إذا لنكسرن رماحنا ولنقطعن سيوفنا ولا يكون في هذا الأمر خير لمن بعدنا، فقال له عثمان: اسكت، ما أنت وهذا ؟. الإمامة والسياسة 1 ص 29 . وذكره مختصرا ابن عبد ربه في العقد الفريد 2: 272 نقلا عن أبي بكر بن أبي شيبة من طريق الأعمش قال: كتب أصحاب عثمان عيبه وما ينقم الناس عليه في صحيفة فقالوا: من يذهب بها إليه ؟ قال عمار: أنا . فذهب بها إليه فلما قرأها قال: أرغم الله أنفك قال: وبأنف أبي بكر وعمر قال: فقام إليه فوطئه حتى غشي عليه ثم ندم عثمان وبعث إليه طلحة والزبير يقولان له: إختر إحدى ثلاث: إما أن تعفو، وإما أن تأخذ الأرش، وإما أن تقتص، فقال: والله لا قبلت واحدة منها حتى ألقى الله . 3 - قال البلاذري في الأنساب 5: 54: وقد روي أيضا: إنه لما بلغ عثمان موت أبي ذر بالربذة قال: رحمه الله. فقال عمار بن ياسر: نعم فرحمه الله من كل أنفسنا. فقال / صفحة 19 / عثمان: يا عاض أير أبيه أتراني ندمت على تسييره ؟ وأمر فدفع في قفاه وقال: ألحق بمكانه فلما تهيأ للخروج جاءت بنو مخزوم إلى علي فسألوه أن يكلم عثمان فيه فقال له علي: يا عثمان ! إتق الله فإنك سيرت رجلا (1) صالحا من المسلمين فهلك في تسييرك، ثم أنت الآن تريد أن تنفي نظيره، وجرى بينهما كلام حتى قال عثمان: أنت أحق بالنفي منه فقال علي: رم ذلك إن شئت . واجتمع المهاجرون فقالوا: إن كنت كلما كلمك رجل سيرته ونفيته فإن هذا شئ لا يسوغ . فكف عن عمار . وفي لفظ اليعقوبي: لما بلغ عثمان وفاة أبي ذر قال: رحم الله أبا ذر . قال عمار: نعم رحم الله أبا ذر من كل أنفسنا . فغلظ ذلك على عثمان وبلغ عثمان عن عمار كلام فأراد أن يسيره أيضا، فاجتمعت بنو مخزوم إلى علي بن أبي طالب عليه السلام وسألوه إعانتهم فقال علي: لا ندع عثمان ورأيه . فجلس عمار في بيته، وبلغ عثمان ما تكلمت بنو مخزوم فأمسك عنه . تاريخ اليعقوبي 2: 150 . 4 - قال البلاذري في الأنساب 5: 49: إن عثمان مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل: قبر عبد الله بن مسعود فغضب على عمار لكتمانه إياه موته إذ كان المتولي للصلاة عليه والقيام بشأنه فعندها وطئ عمارا حتى أصابه الفتق . وذكره ابن أبي الحديد في شرحه 1: 239 نقلا عن الشريف المرتضى من دون غمز فيه . وفي لفظ اليعقوبي: توفي " ابن مسعود " وصلى عليه عمار بن ياسر وكان عثمان غائبا فستر أمره فلما انصرف رأى عثمان القبر فقال: قبر من هذا ؟ فقيل: قبر عبد الله ابن مسعود، قال: فكيف دفن قبل أن أعلم ؟ فقالوا: ولي أمره عمار بن ياسر وذكر أنه أوصى أن لا يخبر به ولم يلبث إلا يسيرا حتى مات المقداد (1) فصلى عليه عمار وكان أوصى إليه ولم يؤذن عثمان به فاشتد غضب عثمان على عمار وقال: ويلي على ابن السوداء أما لقد كنت به عليما. تاريخ اليعقوبي 2: 147 . وفي طبقات ابن سعد 3: 185 ط ليدن: إن عقبة بن عامر هو الذي قتل عمارا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يعني سيدنا أبا ذر الغفاري . (2) اتفقوا على أنه مات سنة ثلاث وثلاثين، وتوفي ابن مسعود قبله بسنة أو أقل أو أكثر .
/ صفحة 20 / وهو الذي كان ضربه حين أمره عثمان ابن عفان . قال الأميني: هذه أفاعيل الخليفة في رجل نزل فيه القرآن شهيدا على طمأنينته بالإيمان والرضا بقنوته آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة، في رجل هو أول مسلم إتخذ مسجدا في بيته يتعبد فيه (1) في رجل تضافر الثناء عليه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مشفوعا بالنهي المؤكد عن بغضه ومعاداته وسبه وتحقيره وانتقاصه بألفاظ ستقف عليها إنشاء الله تعالى . وقد أكبرته الصحابة الأولون ونقمت على من آذاه وأغضبه وأبغضه، وفعل به كل تلكم المناهي ولم يؤثر عن عمار إلا الرضا بما يرضي الله ورسوله والغضب لهما والهتاف بالحق والتجهم أمام الباطل رضي الناس أم غضبوا، ولم يزل على ذلك كله منذ بدء أمره الذي أوذي فيه هو وأبواه، فكان مرضيا عند الله إيمانهم وخضوعهم وبعين الله ما قاسوه من المحن فعاد ذكرهم وردا لنبي الاسلام فلم يزل يلهج بهم ويدعو لهم ويقول: اصبروا آل ياسر ! موعدكم الجنة. من طريق عثمان بن عفان (2) . ويقول: أبشروا آل ياسر ! موعدكم الجنة. من طريق جابر (3) . ويقول: أللهم اغفر لآل ياسر وقد فعلت. رواه عثمان أيضا (4) . وكانت بنو مخزوم يخرجون بعمار وبأبيه وأمه - وكانوا أهل بيت إسلام - إذا حميت الظهيرة يعذبونهم برمضاء مكة فيمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: صبرا آل ياسر ! موعدكم الجنة . صبرا آل ياسر ! فإن مصيركم إلى الجنة (5) . نعم: كان عمارا هكذا عند مفتتح حياته الدينية إلى منصرم عمره الذي قتلته فيه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) طبقات ابن سعد 3: 178 ط ليدن، وذكره ابن كثير في تاريخه 7: 311 . (2) أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد 9: 293 فقال: رجاله ثقات، وأخرجه الطبراني عن عمار، والبغوي وابن مندة والخطيب وأحمد وابن عساكر عن عثمان كما في كنز العمال 6: 185 . (3) مجمع الزوائد نقلا عن الطبراني 9: 293 فقال: رجاله رجال الصحيح غير إبراهيم وهو ثقة . (4) مسند أحمد 1: 62، مجمع الزوائد 9: 293 فقال: رجاله رجال الصحيح . وأخرجه البيهقي والبغوي والعقيلي والحاكم في الكنى وابن الجوزي وابن عساكر كما في كنز العمال 7: 72 . (5) سيرة ابن هشام 1: 342، حلية الأولياء 1: 140، طرح التثريب 1: 87، وأخرجه الحارث والضياء والحاكم والطيالسي والبغوي وابن مندة وابن عساكر كما في كنز العمال 7: 72 .
/ صفحة 21 / الفئة الباغية. وقد أخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: ويحك يا ابن سمية تقتلك الفئة الباغية . وفي لفظ: تقتل عمار الفئة الباغية، وقاتله في النار . وفي لفظ: ويح عمارا وويح ابن سمية تقتله الفئة الباغية . وفي لفظ معاوية: تقتل عمارا الفئة الباغية . وفي لفظ عثمان: تقتلك الفئة الباغية، قاتل عمار في النار . وفي لفظ: تقتل عمارا الفئة الباغية عن الطريق، وإن آخر رزقه من الدنيا ضياح من لبن . وفي لفظ عمار: أخبرني حبيبي صلى الله عليه وسلم إنه تقتلني الفئة الباغية، وأن آخر زادي مذقة من لبن . وفي لفظ حذيفة: إنك لن تموت حتى تقتلك الفئة الباغية الناكبة عن الحق، يكون آخر زادك من الدنيا شربة لبن. وفي لفظ: ويح عمار تقتله الفئة الباغية، يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار . وفي لفظ أنس: ابن سمية تقتله الفئة الباغية قاتله وسالبه في النار . وفي لفظ عائشة: أللهم بارك في عمار، ويحك ابن سميه تقتلك الفئة الباغية، و آخر زادك من الدنيا ضياح من لبن . وفي لفظ: ويح ابن سمية ليسوا بالذين يقتلونك إنما تقتلك الفئة الباغية . جاء هذا الحديث من طرق كثيرة تربو حد التواتر منها طريق عثمان بن عفان. عمرو بن العاص. معاوية بن أبي سفيان. حذيفة بن اليمان. عبد الله بن عمر. خزيمة بن ثابت. كعب بن مالك. جابر بن عبد الله. ابن عباس. أنس بن مالك. أبي هريرة الدوسي عبد الله بن مسعود. أبي سعد. أبي أمامة. أبي رافع. أبي قتادة. زيد بن أبي أوفى. عمار بن ياسر. عبد الله بن أبي هذيل. أبي اليسر. زياد بن الفرد. جابر بن سمرة. عبد الله ابن عمرو بن العاص. أم سلمة. عائشة. راجع طبقات ابن سعد 3: 180، سيرة ابن هشام 2: 114، مستدرك الحاكم 3: 386، 387، 391، الاستيعاب 2: 436 وقال: تواترت الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم / صفحة 22 / إنه قال: تقتل عمارا الفئة الباغية. وهذا من إخباره بالغيب وأعلام نبوته وهو من أصح الأحاديث. طرح التثريب 1: 88 وصححه، تيسير الوصول 3: 278، شرح ابن أبي الحديد 2: 274، تاريخ ابن كثير 7: 267، 270 مجمع الزوائد 9: 296 وصححه من عدة طرق، تهذيب التهذيب 7: 409 وذكر تواتره، الإصابة 2: 512 وقال: تواترت الأحاديث، كنز العمال 6: 184، ج 7، 73، 74، ونص على تواتره السيوطي في الخصايص كما مر في الجزء الثالث 250 ط 2 . وأخرجه البخاري، ومسلم، وأحمد، والبزار، وعبد الرازق، والطبراني، و الدار قطني، وأبو يعلى، وأبو عوانة، والإسماعيلي، والضياء المقدسي، وأبو نعيم، وتمام، وابن قانع، وابن مندة، والبارودي، والبرقاني، وابن عساكر، والخطيب . هذا عمار بين البدء والختام المحمودين وهو بينهما كما أثنى عليه الذكر الحكيم بقوله تعالى: أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة (الزمر 9) أخرج ابن سعد في الطبقات 3: 178 ط ليدن وابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس: إنها نزلت في عمار بن ياسر . وذكر الزمخشري في تفسيره 3: 22: إنها نزلت في عمار وأبي حذيفة بن المغيرة المخزومي . وذكر القرطبي في تفسير 15: 239 عن مقاتل: إن من هو قانت: عمار بن ياسر وذكر الخازن في تفسيره 3: 53: إنها نزلت في ابن مسعود وعمار وسلمان . وذكره الخطيب الشربيني في تفسيره 3: 410 . وذكر الشوكاني في تفسيره 4: 442 حديث ابن سعد وابن مردويه وابن عساكر . وزاد الآلوسي عليه في تفسيره 23: 247 قوله: و أخرج جويبر عن ابن عباس إنها نزلت في عمار وابن مسعود وسالم مولي أبي حذيفة . وعن عكرمة: الاقتصار على عمار . وعن مقاتل: المراد بمن هو قانت: عمار وصهيب و ابن مسعود وأبو ذر . وجل ما ذكره الآلوسي مأخوذ من الدر المنثور 5: 323 . (آية ثانية): أخرج ابن ماجة في قوله تعالى: ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ . الآية (الأنعام 52) إنها / صفحة 23 / نزلت في عمار وصهيب وبلال وخباب . راجع تفسير الطبري 7: 127، 128، تفسير القرطبي 16: 432، تفسير البيضاوي 1: 380، تفسير الزمخشري 1: 453، تفسير الرازي 4: 50، تفسير ابن كثير 2: 134، تفسير ابن جزي 2: 10، الدر المنثور 3: 14، تفسير الخازن 2: 18، تفسير الشربيني 1: 404، تفسير الشوكاني 2: 115 . (آية ثالثة) أخرج جمع من الحفاظ نزول قوله تعالى: إلا من أكره وقلبه مطمأن بالإيمان (سورة النحل: 106) في عمار. وقال أبو عمر في الاستيعاب. هذا مما اجتمع أهل التفسير عليه. وقال القرطبي: نزلت في عمار في قول أهل التفسير. وقال ابن حجر في الإصابة: اتفقوا على أنه نزل في عمار . قال ابن عباس (في لفظ الواحدي) نزلت في عمار بن ياسر وذلك أن المشركين أخذوه وأباه ياسرا وأمه سمية وصهيبا وبلالا وخبابا وسالما، فأما سمية فإنها ربطت بين بعيرين ووجئ قبلها بحربة، وقيل لها: إنك أسلمت من أجل الرجال . فقتلت، وقتل زوجها ياسر، وهما أول قتيلين قتلا في الاسلام، وأما عمار فإنه أعطاهم ما أرادوا بلسانه مكرها فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأن عمارا كفر . فقال: كلا إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، وأخلط الإيمان بلحمه ودمه، فأتى عمار رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يبكي فجعل رسول الله عليه السلام يمسح عينيه وقال: إن عادوا لك فعد لهم بما قلت . فأنزل الله تعالى هذه الآية . أخرج حديث نزولها في عمار، ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والطبري عن ابن عباس . وعبد الرزاق وابن سعد وابن جرير وابن أبي حاتم والحاكم وصححه وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر من طريق أبي عبيدة بن محمد عمار عن أبيه . وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن عساكر عن أبي مالك . راجع طبقات ابن سعد 3، 178، تفسير الطبري 14: 122، أسباب النزول للواحدي ص 212، مستدرك الحاكم 2: 357، الاستيعاب 2: 435، تفسير القرطبي 10: 180، تفسير الزمخشري 2: 176، تفسير البيضاوي 1: 683، تفسير الرازي 5: 365، تفسير ابن جزي 2: 162، تفسير النيسابوري هامش الطبري 14: 122، بهجة / صفحة 24 / المحافل 1: 94، تفسير ابن كثير 2: 587، الدر المنثور 4: 132، تفسير الخازن 3: 143، الإصابة 2: 512، تفسير الشوكاني 3: 191، تفسير الآلوسي 14: 237 . (آية رابعة) ذكر الواحدي من طريق السدي أن قوله تعالى: أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ثم هو يوم القيامة من المحضرين (القصص: 61) نزل في عمار والوليد بن المغيرة . راجع أسباب النزول للواحدي ص 255، تفسير القرطبي 13: 303، تفسير الزمخشري 2: 386، تفسير الخازن 3: 43، تفسير الشربيني 3: 105 . (آية خامسة) أخرج أبو عمر من طريق ابن عباس في قوله تعالى: أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس (الأنعام: 122) إنه عمار بن ياسر . وأخرج نزولها في عمار ابن أبي شيبة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ راجع الاستيعاب 2: 435، تفسير ابن جزي 2: 20، تفسير ابن كثير 2: 172 تفسير البيضاوي 1: 400، تفسير السيوطي 3: 43، تفسير الشربيني 1: 429، تفسير الخازن 2: 32، تفسير الشوكاني 2: 152 . أما الأحاديث الواردة في الثناء عليه فحدث عنها ولا حرج وإليك نزرا منها: 1 - عن ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث: إن عمارا ملئ إيمانه من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه . راجع حلية الأولياء 1: 139، تفسير الزمخشري 2: 176، تفسير البيضاوي 1: 683، بهجة المحافل 1: 94، تفسير الرازي 5: 365، تفسير الخازن 3: 143، كنز العمال 6: 184، و ج 7، 75، تفسير الآلوسي 14: 237 . 2 - أخرج ابن عساكر من طريق علي: عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه، وخلط الإيمان بلحمه ودمه، يزول مع الحق حيث زال، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا (كنز العمال 6: 183). 3 - أخرج البزار من طريق عائشة قالت: ما أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا لو شئت لقلت فيه ما خلا عمارا فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ملئ إيمانا / صفحة 25 / إلى مشاشه . وفي لفظ أبي عمر: ملئ عمار ايمانا إلى أخمص قدميه . وفي لفظ له: إن عمار بن ياسر حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنيه إيمانا . ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 9: 295 وقال: رجاله رجال الصحيح، وأخرجه ابن ماجة من طريق علي كما في طرح التثريب 1: 87، وأخرجه ابن ديزيل والنسائي من طريق عمرو بن شرحبيل عن رجل مرفوعا كما في تيسير الوصول 3: 279، والبداية والنهاية 7: 311، ولفظه: لقد ملئ عمار إيمانا من قدمه إلى مشاشه . ورواه عبد الرزاق والطبراني وابن جرير وابن عساكر كما في كنز العمال 6: 184 . وأخرجه أبو عمر بالألفاظ الثلاثة في الاستيعاب 2: 435 . 4 - أخرج ابن ماجة وأبو نعيم من طريق هاني بن هاني قال: كنا عند علي فدخل عليه عمار فقال: مرحبا بالطيب المطيب سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عمار ملئ إيمانا إلى مشاشه . سنن ابن ماجة 1: 65، حلية الأولياء 1: 139، الإصابة 2: 512 . 5 - أخرج ابن سعد في الطبقات 3: 187 ط ليدن مرفوعا: إن عمارا مع الحق والحق معه، يدور عمار مع الحق أينما دار، وقاتل عمار في النار . وأخرج الطبراني والبيهقي والحاكم من طريق ابن مسعود مرفوعا: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق . ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 270، والسيوطي في الجامع الكبير كما في ترتيبه 6: 184، وفي لفظ إبراهيم بن الحسين بن ديزيل في سيرة علي: جاء رجل إلى ابن مسعود فقال: أرأيت إذا نزلت فتنة كيف أصنع ؟ قال: عليك بكتاب الله . قال: أرأيت إن جاء قوم كلهم يدعون إلى كتاب الله ؟ فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق . وأخرج أبو عمر في الاستيعاب 2: 436 من طريق حذيفة: عليكم بابن سمية فإنه لن يفارق الحق حتى يموت . أو قال: فإنه يدور مع الحق حيث دار . 6 - أخرج ابن ماجة من طريق عطاء بن يسار عن عائشة مرفوعا: عمار ما عرض عليه أمران إلا اختار الأرشد منهما .
/ صفحة 26 / وفي لفظ أحمد من طريق ابن مسعود مرفوعا: ابن سمية ما عرض عليه أمران قط إلا أخذ بالأرشد منهما . وفي لفظ آخر له من طريق عائشة: لا يخير بين أمرين إلا اختار أرشدهما . وفي لفظ الترمذي: ما خير عمار بين أمرين إلا اختار أرشدهما . راجع مسند أحمد 1: 389 و ج 6: 113، سنن ابن ماجة 1: 66، مصابيح البغوي 2: 288، تفسير القرطبي 10: 181، تيسير الوصول 3: 279، شرح ابن أبي الحديد 2: 274، كنز العمال 6: 184، الإصابة 2: 512 . 7 - أخرج الترمذي من طريق علي قال: إستأذن عمار على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إئذنوا له: مرحبا بالطيب المطيب . فقال: حسن صحيح . وأخرجه الطبراني وابن أبي شيبة وأحمد في المسند 1: 100، 126، 138، والبخاري في تاريخه 4: 229 من القسم الثاني، وابن جرير وصححه والحاكم والشاشي وسعيد بن منصور وأبو نعيم في حلية الأولياء 1: 140، والبغوي في المصابيح 2: 288، وأبو عمر في الاستيعاب 2: 435، وابن ماجة في السنن 1: 65، وابن كثير في البداية 7: 311، وابن الديبع في التيسير 3: 278، والعراقي في طرح التثريب 1: 87، و السيوطي في الجامع الكبير 7: 71 . 8 - عن أنس بن مالك مرفوعا: إن الجنة تشتاق إلى أربعة: علي بن أبي طالب، وعمار بن ياسر، وسلمان الفارسي، والمقداد . وفي لفظ الترمذي والحاكم وابن عساكر: إشتاقت الجنة إلى ثلاثة: علي وعمار وسلمان . وفي لفظ لابن عساكر: إشتاقت الجنة إلى ثلاثة: إلى علي وعمار وبلال . أخرجه أبو نعيم في الحلية 1: 142، والحاكم في المستدرك 3: 137، وصححه هو والذهبي، والترمذي والطبراني كما في تفسير القرطبي 10: 181، وتاريخ ابن كثير 7: 311، ومجمع الزوائد للهيثمي 9: 307، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه 3: 306 وفي ج 6: 198، 199، وأبو عمر في الاستيعاب 2: 435 . 9 - أخرج البزار من طريق علي مرفوعا: دم عمار ولحمه حرام على النار أن تطمعه . وفي لفظ ابن عساكر: دم عمار ولحمه حرام على النار أن تأكله أو تمسه .
/ صفحة 27 / مجمع الزوائد 9: 295، كنز العمال 6: 184، ج 7: 75 . 10 - أخرج ابن هشام مرفوعا: ما لهم ولعمار ؟ يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، إن عمارا جلدة ما بين عيني وأنفي، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه . سيرة ابن هشام 2: 115، العقد الفريد 2: 289، شرح ابن أبي الحديد 3: 274 ولفظه: ما لقريش ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار، قاتله وسالبه في النار، وبهذا اللفظ ذكره ابن كثير في تاريخه 7: 268 . 11 - أخرج الطبراني وابن عساكر من طريق عائشة مرفوعا: كم من ذي طمرين لا ثوب له لو أقسم على الله لأبره، منهم: عمار بن ياسر . (مجمع الزوائد 9: 294، كنز العمال 6: 184) . 12 - أخرج أحمد من طريق خالد بن الوليد مرفوعا: من عادى عمارا عاداه الله، ومن أبغض عمارا أبغضه الله . صححه الحاكم والذهبي بطريقين، وصححه الهيثمي . وفي لفظ: من يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله، ومن يسفه عمارا يسفهه الله . صححه الحاكم والذهبي . وفي لفظ: من يسب عمارا، يسبه الله ومن يعاد عمارا يعاده الله، صححه الحاكم والذهبي . وفي لفظ لأحمد: من يعاد عمارا يعاده الله عز وجل، ومن يبغضه يبغضه الله عز وجل، ومن يسبه يسبه الله عز وجل . وفي لفظ الحاكم: من يحقر عمارا يحقره الله ومن يسب عمارا يسبه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله . وفي لفظ ابن النجار: من سب عمارا سبه الله، ومن حقر عمارا حقره الله، ومن سفه عمارا سفهه الله . وفي لفظ ابن عساكر: من يبغض عمارا يبغضه الله، ومن يلعن عمارا يلعنه الله . وفي لفظ الطبراني: من يعادي عمارا يعاديه الله، ومن يبغض عمارا يبغضه الله، ومن يسب عمارا يسبه الله، ومن يسفه عمارا يسفهه الله، ومن يحقر عمارا يحقره الله / صفحة 28 / وفي لفظ الطبراني أيضا: من يحقر عمارا يحقره الله، ومن يسب عمارا يسبه الله، ومن ينتقص عمارا ينتقصه الله، ومن يعاد عمارا يعاده الله . قال الهيثمي: رجاله ثقات . أخرج هذا الحديث على اختلاف ألفاظه جمع كثير من الحفاظ وأئمة الفن راجع مسند أحمد 4: 89، مستدرك الحاكم 3: 390، 391، تاريخ الخطيب 1: 152، الاستيعاب 2: 435، أسد الغابة 4: 45، طرح التثريب 1: 88، تاريخ ابن كثير 7: 311، الإصابة 2: 512، كنز العمال 6: 185، ج 7: 71 - 75 . 13 - عن حذيفة أنه قيل له: إن عثمان قد قتل فما تأمرنا ؟ قال: ألزموا عمارا قيل: إن عمارا لا يفارق عليا قال: إن الحسد هو أهلك للجسد، وإنما ينفركم من عمار قربه من علي . فوالله لعلي أفضل من عمار أبعد ما بين التراب والسحاب، وإن عمارا من الأخيار . أخرجه ابن عساكر في كنز العمال 7: 73 . 14 - عن عبد الله بن جعفر قال: ما رأيت مثل عمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر كانا لا يحبان أن يعصيا الله طرفة عين، ولا يخالفان الحق قيد شعرة . أخرجه الطبراني كما في مجمع الزوائد 9: 292 . 15 - ذكر الأبشيهي في المستطرف 1: 166 في حديث: هبط جبرئيل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد (وكان يسأل عن أصحابه) إلى أن قال: من هذا الذي بين يديك يتقي عنك ؟ قال: عمار بن ياسر . قال: بشره بالجنة حرمت النار علي عمار .
هذا عمار : إذا درست هذه كلها فهل تجد من الحق أن يعمل معه تلكم الفظاظات مرة بعد أخرى ؟ وهل تجد مبررا لشئ منها ؟ فإن زعمت أنها تأديب من خليفة الوقت فإن التأديب لا يسوغ إلا على إسائة في الأدب، وزور من القول، ومناقضة للحق، ومضادة للشريعة، ويجل عمار عن كل ذلك، فلم يصدر منه غير دعاء إلى الحق، وأذان بالحقيقة، وتضجر لمظلوم، وعمل بالوصية واجب، ورسالة عن أناس مؤمنين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فهل حظر الاسلام شيئا من هذه فأراد الخليفة أن يعيد عمارا إلى نصاب الحق ؟ أو أن الخليفة مفوض في النفوس كما يرى أنه مفوض في الأموال / صفحة 29 / فيراغم فيها عامة المسلمين بإرضاء من يجب إرغامهم من أناس لا خلاق لهم ؟ وكذلك يفعل بالنفوس فعل المستبدين ولوازم الدكتاتورية ومقتضيات الملك العضوض . ولو كان الخليفة ناصبا نفسه للتأديب فهل أدب أمثال عبيد الله بن عمر، والحكم ابن أبي العاص، ومروان بن الحكم، والوليد بن عقبة، وسعيد بن العاص، ونظرائهم من رجال العيث والفساد المستحقين للتأديب حينا بعد حين ؟ وهو كان يرنو إلى أعمالهم من كثب، لكنه لم يصدر منه إلا إرضائهم وتوفير العطاء لهم والدفاع عنهم، وتسليطهم على النفوس والأموال حتى أوردوه مورد الهلكة، ولقد ادخر تأديبه كله لصلحاء الأمة مثل عمار وأبي ذر وابن مسعود ومن حذا حذوهم، فإلى الله المشتكى . وإنك لو أمعنت النظرة في أعماله وأفعاله لتجدنه لا يقيم وزنا لأي صالح من الأمة، ولقد ترقى ذلك أو تسافل حتى أنه جابه مولانا أمير المؤمنين عليه السلام غير مرة بقوارص كلماته ومما قال له مما مر في صفحة " 18، 19 " قوله: أنت أحق بالنفي منه . وقوله: لئن بقيت لا أعدم طاغيا يتخذك سلما وعضدا ويعدك كهفا وملجأ . يريد بالطاغي أبا ذر وعمار وأمثالهما ويجعل الإمام عليه السلام سلما وعضدا وكهفا وملجأ لمن سماهم الطغاة . كبرت كلمة تخرج من أفواههم . كأن الرجل لم يصاحب النبي الأعظم صلى الله عليه وآله، أولم يع إلى ما هتف به من فضائل مولانا أمير المؤمنين عليه السلام من أول يومه آناء الليل وأطراف النهار في حله ومرتحله، في ظعنه وإقامته، عند أفراد من أصحابه أو في محتشد منهم، ولدى الحوادث والوقايع وعند كل مناسبة، وفي حروبه ومغازيه . وكأنه لم يشهد بلاء مولانا الإمام عليه السلام في مأزق الاسلام الحرجة، ولم يشهد كراته وقد فر أصحابه، وتفانيه في سبيل الدعوة عند خذلان غيره، واقتحامه المهالك لصالح الاسلام حيث ركنوا إلى دعة، وتقهقر بهم الفرق، وثبطهم الخول . يزعم القوم أن الخليفة كان حافظا للقرآن وأنه كان يتلوه في ركعة في لياليه ولو صح ما يقولون فهلا كان يمر بآية التطهير ومولانا الإمام عليه السلام أحد الخمسة الذين أريدوا بها ؟ وبآية المباهلة وهو نفس النبي فيها ؟ إلى آيات أخرى نازلة فيها بالغة إلى / صفحة 30 / ثلاثمائة آية كما يقوله حبر الأمة عبد الله بن العباس (1) أو أنه كان يمر بها على حين غفلة من مفادها ؟ أو يمر بها وقد بلغ منه اللغوب من كثرة التلاوة فلا يلتفت إليها ؟ أو أنه كان يرتلها ملتفتا إلى مغازيها ؟ ولكن ... أنا لا أدري بماذا يعلل قوارص الخليفة عليا عليه السلام ابنا حجر وكثير وأمثالهما المعللون أقوال الخليفة وأفعاله في مثل أبي ذر وابن مسعود ومالك الأشتر، بأن مصلحة بقائهم في الأوساط الإسلامية مع الحرية في المقال لا تكافئ المفسدة المترتبة عليه من سقوط أبهة الخلافة . على أنه ما كان عند القوم إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهل يجرهم الحب المعمي والمصم إلى أن يقولوا بمثل ذلك في حق عظيم الدنيا والدين مولانا أمير المؤمنين عليه السلام ؟ فهل كانت مفسدة هنا لك مترتبة على مقام الإمام في المدينة حتى يكون نفيه عنها أولى ؟ وهل هو إلا الصلاح كله ؟ وهل المصالح النوعية والفردية يستقى من غيره ؟ ولعمر الحق إن أبهة تسقط لمكان أمير المؤمنين عليه السلام وفضله ونزاهته وعلمه وإصلاحه لحرية بالسقوط، وأيم الله لو وسع أولئك المدافعون عن تلكم العظائم لدنسوا ساحة قدس الإمام بالفرية الشائنة، واتهموه بمثل ما اتهموا به غيره من صلحاء الأمة وأعلام الصحابة والخيرة الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، ولكن ... ولو كان خليفة يعير لنصائح الإمام عليه السلام أذنا واعية لصانه عن المهالك، ولم تزل الأبهة مصونة له، والعز والنجاح ذخرا له ولأهل الاسلام، وكان خيرا له من ركوبه النهابير التي جرعته الغصص وأودت به وجرت الويلات على الأمة حتى اليوم، ولكنه ... لا جرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون، إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا . |