عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
(ومنها) : أخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى 4: 110 ط ليدن عن ابن عمر أنه كان يقول: لا أقاتل في الفتنة وأصلي وراء من غلب . وقال ابن حجر في فتح الباري 13: 39: كان رأي ابن عمر ترك القتال في الفتنة ولو ظهر أن إحدى الطائفتين محقة والأخرى مبطلة . وقال ابن كثير في تاريخه 9: 5: كان في مدة الفتنة لا يأتي أميرا إلا صلى خلفه ، وأدى إليه زكاة ماله . يترائا هاهنا من وراء ستر رقيق تترس ابن عمر بأغلوطته هذه عن سبة تقاعده عن حرب الجمل وصفين مع مولانا أمير المؤمنين ، ذاهلا عن أن هذه جناية أخرى لا يغسل بها دنس ذلك الحوب الكبير ، متى كانت تلكم الحروب فتنة حتى يتظاهر ابن عمر تجاهها بزهادة جامدة لاقتناص الدهماء ؟ والأمر كما قال حذيفة اليماني ذلك الصحابي العظيم: لا تضرك الفتنة ما عرفت دينك ، إنما الفتنة إذا اشتبه عليك الحق والباطل (2) أو كان ابن عمر بمنتأى عن عرفان دينه ؟ أو كان على حد قوله تعالى: يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها ؟ وهل كان ابن عمر لم يعرف من القرآن قوله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ، فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله ، فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا ، إن الله يحب المقسطين (3) وقد أفحمه رجل عراقي بهذه الآية وحيره فلم يحر ابن عمر جوابا غير أنه تخلص منه بقوله: مالك ولذلك ؟ إنصرف عني . وسيوافيك تمام الحديث . هلا كان ابن عمر بان له الرشد من الغي ، ولم يك يشخص الحق من الباطل ؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح البخاري 2: 239 ، صحيح مسلم 3: 52 ، 53 . (2) فتح الباري 13: 40 . (3) سورة الحجرات . آية 9 .
/ صفحة 47 / وهلا كان يعرف الباغية من الفئتين ؟ وهل كان يزعم بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبر عن الفتن بعده وإنها تغشى أمته كقطع الليل المظلم (1) وترك الأمة مغمورة في مدلهماتها ، هالكة في غمراتها ، ولم يعبد لها طريق النجاة ، وما رشدها إلى مهيع الحق ، ولم ينبس عما ينجيها ببنت شفة ؟ حاشى نبي الرحمة عن ذلك ، وهو صلى الله عليه وآله لم يبق عذرا لأي أحد من عرفان الباغية من الطائفتين في تلكم الحروب ، ولم يك يخفى حكمها على أي ديني قال مولانا أمير المؤمنين: لقد أهمني هذا الأمر وأسهرني ، وضربت أنفه وعينيه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد صلى الله عليه ، إن الله تبارك وتعالى لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض وهم سكوت مذعنون ، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر ، فوجدت القتال أهون علي من معالجة الأغلال في جهنم (2) . أكان في أذن ابن عمر وقر عن سماع ذلك الهتاف القدسي بمثل قوله صلى الله عليه وآله لعائشة: كأني بك تنبحك كلاب الحوأب تقاتلين عليا وأنت له ظالمة . وقوله لزوجاته: كأني بإحداكن قد نبحها كلاب الحوأب ، وإياك أن تكوني أنت يا حميراء . وقوله لها: انظري أن لا تكوني أنت . وقوله للزبير: إنك تقاتل عليا وأنت ظالم له . وقوله: سيكون بعدي قوم يقاتلون عليا على الله جهادهم ، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه ، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه ، ليس وراء ذلك شئ . [ حقا جاهد ابن عمر في الخلاف على قول رسول الله هذا بلسانه وقلبه ما استطاع ] . وقوله لعلي: يا علي ستقاتل الفئة الباغية وأنت على الحق ، فمن لم ينصرك يومئذ فليس مني . وقوله له: ستقاتل بعدي الناكثين والقاسطين والمارقين . وقوله له: أنت فارس العرب وقاتل الناكثين والمارقين والقاسطين . وقوله لأم سلمة لما رأى عليا: هذا والله قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح الترمذي 9: 49 ، مستدرك الحاكم 4: 438 ، 440 ، كنز العمال 6: 31 ، 37 . (2) كتاب صفين ص 542 .
/ صفحة 48 / وعهده إلى علي عليه السلام أن يقاتل بعده القاسطين والناكثين والمارقين (1) . وقوله لأصحابه: إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله قال أبو بكر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال: لا . قال عمر: أنا هو يا رسول الله ؟ قال: لا ، ولكن خاصف النعل . وكان أعطى عليا نعله يخصفها (2) . وقوله لعمار بن ياسر: تقتلك الفئة الباغية . وقد قتلته فئة معاوية . وقول أبي أيوب الأنصاري وأبي سعيد الخدري وعمار بن ياسر: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين . قلنا يا رسول الله ؟ أمرت بقتال هؤلاء مع من ؟ قال: مع علي بن أبي طالب . إلى أحاديث أخرى ذكرناها في الجزء الثالث ص 165 - 170 هب أن ابن عمر لم يكن يسمع شيئا من هذه الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وآله ، أوما كان يسمع أيضا أوما كان يصدق أولئك الجم الغفير من البدريين أعاظم الصحابة الأولين الذين حاربوا الناكثين والقاسطين وملأ فمهم عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليهم ، وأمره إياهم بقتال أولئك الطوائف الخارجة على الإمام الحق الطاهر ؟ فأي مين أعظم مما جاء به ابن عمر في كتاب له إلى معاوية من قوله: أحدث (علي) أمرا لم يكن إلينا فيه من رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد: ففزعت إلى الوقوف . وقلت: إن كان هذا هدى ففضل تركته ، وإن كان ضلالة ، فشر منه نجوت(3). وهل ابن عمر كان يخفى عليه هتاف الصادع الكريم: علي مع الحق والحق مع علي ، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض يوم القيامة ؟ . أو قوله: علي مع الحق والحق معه وعلى لسانه ، والحق يدور حيثما دار علي . أو قوله لعلي: إن الحق معك والحق على لسانك . وفي قلبك وبين عينيك ، والإيمان مخالط لحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي ؟ . أو قوله مشيرا إلى علي: الحق مع ذا ، الحق مع ذا ، يزول معه حيثما زال ؟ أو قوله: علي مع القرآن والقرآن معه لا يفترقان حتى يردا علي الحوض ؟ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء الثالث . (2) راجع ج 7: 132 . (3) الإمامة والسياسة 1: 76 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 260 .
/ صفحة 49 / أو قوله لعلي لحمك لحمي ، ودمك دمي ، والحق معك ؟ . أو قوله ستكون بعدي فتنة فإذا كان ذلك فالزموا علي بن أبي طالب فإنه أول من يصافحني يوم القيامة ، وهو الصديق الأكبر ، وهو فاروق هذه الأمة ، يفرق بين الحق والباطل ، وهو يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب المنافقين ؟(1) . أو قوله لعلي وحليلته وشبليه: أنا حرب لمن حاربتم وسلم لمن سالمتم ؟ . أو قوله لهم: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم ؟ . أو قوله وهم في خيمة: معشر المسلمين أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة ، حرب لمن حاربهم ، ولي لمن والاهم ، لا يحبهم إلا سعيد الجد ، طيب المولد ، ولا يبغضهم إلا شقي الجد ، ردي الولادة ؟ . أو قوله وهو آخذ بضبع علي: هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور من نصره ، مخذول من خذله ؟ (2) أو قوله في حجة الوداع في ملأ من مائة ألف أو يزيدون: من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، أللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله وأحب من أحبه ، وأبغض من أبغضه ، وأدر الحق معه حيث دار ؟ (3) . إلى أخبار جمة ملأت بين الخافقين ، فهل ابن عمر كان بمنتأى عن هذه كلها فحسب تلكم المواقف حربا دنيوية أو فتنة لا يعرف وجهها ، قتالا على الملك (4) ؟ أو كان تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا ، وعلى كل تقدير لم يك رأيه إلا اجتهادا في مقابل النص لا يصيخ إليه أي ديني صميم . ومن المأسوف عليه أن الرجل ندم يوم لم ينفعه الندم عما فاته في تلكم الحروب من مناصرة علي أمير المؤمنين وكان يقول: ما أجدني آسى على شيئ من أمر الدنيا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية . وفي لفظ: ما آسى على شيئ إلا أني لم أقاتل مع علي الفئة الباغية . وفي لفظ: ما أجدني آسى على شيئ فاتني من الدنيا إلا أني لم أقاتل ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء الثالث ص 22 ، 156 - 159 - 165 ، الاستيعاب 2: 657 ، الإصابة 4: 171 . (2) راجع الجزء الأول ص 301 و ج 8: 90 ، أحكام القرآن للجصاص 1: 560 . (3) راجع ما مر في الجزء الأول من حديث الغدير . (4) راجع مسند أحمد 2: 70 ، 94 ، سنن البيهقي 8: 192 .
/ صفحة 50 / مع علي الفئة الباغية . وفي لفظ: قال حين حضرته الوفاة: ما أجد في نفسي من أمر الدنيا شيئا إلا أني لم أقاتل الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه . وفي لفظ ابن أبي الجهم: ما آسى على شيئ إلا تركي قتال الفئة الباغية مع علي رضي الله الله عنه(1) . وأخرج البيهقي في سننه 8: 172 من طريق حمزة بن عبد الله بن عمر قال: بينما هو جالس مع عبد الله بن عمر إذ جاءه رجل من أهل العراق فقال: يا أبا عبد الرحمن ! إني و الله لقد حرصت أن اتسمت بسمتك ، واقتدي بك في أمر فرقة الناس ، واعتزل الشر ما استطعت وإني أقرأ آية من كتاب الله محكمة قد أخذت بقلبي فأخبرني عنها أرأيت قول الله تعالى: وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحديهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين . أخبرني عن هذه الآية . فقال عبد الله: ومالك ولذلك ؟ انصرف عني ، فانطلق حتى توارى عنا سواده أقبل علينا عبد الله بن عمر فقال: ما وجدت في نفسي من شئ من أمر هذه الأمة ما وجدت في نفسي أني لم أقاتل هذه الفئة الباغية كما أمرني الله عز وجل . هذه حجة الله الجارية على لسان ابن عمر ونفثات ندمه ، وهل أثرت تلكم الحجج في قلبه ؟ وصدق الخبر الخبر يوما ما من أيامه ؟ أنا لا أدري .
وأما صلاته مع من غلب وتأمر فمن شواهد جهله بشأن العبادات وتهاونه بالدين الحنيف ، ولعبه بشعائر الله شعائر الاسلام المقدس ، قد استحوذ عليه الشيطان فأنساه ذكر الله ، اعتذر الرجل بهذه الخزاية عن تركه الصلاة وراء خير البشر أحد الخيرتين . أحب الناس إلى الله ورسوله ، علي أمير المؤمنين المعصوم بلسان الله العزيز ، وعن إقامته إياها وراء الحجاج الفاتك المستهتر ، وقد جاء من طريق سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل قال: اختلفت أنا وذر المرهبي (2) في الحجاج فقال: مؤمن . وقلت: كافر . قال الحاكم: وبيان ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الطبقات الكبرى ط ليدن 4: 136 ، 137 ، الاستيعاب 1: 369 ، 370 ، أسد الغابة 3: 229 ، الرياض النضرة 2: 242 . (2) كان من عباد أهل الكوفة ، أحد رجال الصحاح الستة .
/ صفحة 51 / صحته ما أطلق فيه مجاهد بن جبر رضي الله عنه فيما حدثناه من طريق أبي سهل أحمد القطان عن الأعمش قال: والله لقد سمعت الحجاج بن يوسف يقول: يا عجبا من عبد هذيل (يعني عبد الله بن مسعود) يزعم أنه يقرأ قرآنا من عند الله ، والله ما هو إلا رجز من رجز الأعراب ، والله لو أدركت عبد هذيل لضربت عنقه (1) وزاد ابن عساكر: ولأخلين منها المصحف ولو بضلع خنزير . وذكر ابن عساكر في تاريخه: 69 من خطبة له قوله: اتقوا الله ما استطعتم فليس فيها مثوبة ، واسمعوا وأطيعوا لأمير المؤمنين عبد الملك فإنها المثوبة ، والله لو أمرت الناس أن يخرجوا من باب من أبواب المسجد فخرجوا من باب آخر لحلت لي دمائهم و أموالهم . على أن ابن عمر هو الذي جاء بقوله عن رسول الله صلى الله عليه وآله: في ثقيف كذاب ومبير . أو قوله: إن في ثقيف كذابا ومبيرا (2) وأطبق الناس سلفا وخلفا على أن المبير هو الحجاج قال الجاحظ: خطب الحجاج بالكوفة فذكر الذين يزورون قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة فقال: تبا لهم إنما يطوفون بأعواد ورمة بالية هلا طافوا بقصر أمير المؤمنين عبد الملك ؟ ألا يعلمون أن خليفة المرأ خير من رسوله (3) ؟ وقال الحافظ ابن عساكر في تاريخه 4: 81: اختلف رجلان فقال أحدهما: إن الحجاج كافر ، وقال الآخر: إنه مؤمن ضال . فسألا الشعبي فقال لهما: إنه مؤمن بالجبت والطاغوت ، كافر بالله العظيم . وقال: وسئل عنه واصل بن عبد الأعلى فقال: تسألوني عن الشيخ الكافر . وقال: قال القاسم بن مخيمرة: كان الحجاج ينتفض من الاسلام . وقال: قال عاصم بن أبي النجود: ما بقيت لله تعالى حرمة إلا وقد انتهكها الحجاج . وقال: قال طاوس: عجبت لإخواننا من أهل العراق يسمون الحجاج مؤمنا . وقال الأجهوري: وقد اختار الإمام محمد بن عرفة والمحققون من اتباعه كفر ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مستدرك الحاكم 3: 556 ، تاريخ ابن عساكر 4: 69 . (2) صحيح الترمذي 9: 64 ، و ج 13: 294 ، مسند أحمد 2: 91 ، 92 ، تاريخ ابن عساكر 4: 50 . (3) النصايح لابن عقيل ص 81 ط 2 .
/ صفحة 52 / الحجاج . الاتحاف ص 22 . دع هذه كلها وخذ ما أخرجه الترمذي وابن عساكر من طريق هشام بن حسان أنه قال: أحصي ما قتل الحجاج صبرا فوجد مائة ألف وعشرون ألفا (1) ووجد في سجنه ثمانون ألفا محبوسون ، منهم ثلاثون ألف امرأة (2) وكانت هذه المجزرة الكبرى والسجن العام بين يدي ابن عمر ينظر إليهما من كثب ، أدرك أيام الحجاج كلها ومات وهو حي يذبح ويفتك . أمثل هذا الجائر الغادر الآثم يتأهل للايتمام به دون سيد العرب مثال القداسة والكرامة ؟ . وهل ابن عمر نسي يوم بايع الحجاج ما اعتذر به من امتناعه عن بيعة ابن الزبير لما قيل له: ما يمنعك أن تبايع أمير المؤمنين - ابن الزبير - فقد بايع له أهل العروض وعامة أهل الشام ؟ فقال: والله لا أبايعكم وأنتم واضعوا سيوفكم على عواتقكم تصيب أيديكم من دماء المسلمين (3) . هلا كان ابن عمر ونصب عينيه ما كانت تصيبه أيدي الحجاج وزبانيته من دماء المسلمين ، دماء أمة كبيرة من عباد الله الصالحين ، دماء نفوس زكية من شيعة آل الله ؟ فكيف ائتم به وبايعه ؟ وبأي كتاب أم بأية سنة ساغ له حنث يمينه يوم بايع ابن الزبير ومد يده إلى بيعته وهي ترجف من الضعف بعد ما بايعه رؤس الخوارج أعداء الاسلام ، المارقين من الدين: نافع بن الأزرق ، وعطية بن الأسود ، ونجدة بن عامر ؟ (4) . ليتني أدري وقومي أفي شريعة الاسلام حكم للغلبة يركن إليه المسلم في الصلاة التي هي عماد الدين وأفضل أعمال أمة محمد صلى الله عليه وآله ؟ أو أن الايتمام في الجمعة والجماعة يدور مدار تحقق البيعة وإجماع الأمة ، وعدم النزاع بين الإمام وبين من خالفه من الخوارج عليه ؟ أو أن هاتيك الأعذار - أعذار ابن عمر - أحلام نائم وأماني كاذبة لا طائل تحتها ؟ انظر إلى ضئولة عقل ابن عمر يحسب أن الأمة تتلقى خزعبلاته ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح الترمذي 9: 64 ، تاريخ ابن عساكر 4: 80 ، تيسير الوصول 4: 36 . (2) تاريخ ابن عساكر 4: 80 ، المستطرف 1: 66 . (3) سنن البيهقي 8: 192 . (4) سنن البيهقي 8: 193 .
/ صفحة 53 / بالقبول ، وتراه بها معذورا في طاماته ، ذاهلا عن أن هذه المعاذير أكثر معرة من بوادره والانسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره . كان الرجل يصلي مع الحجاج بمكة كما قاله ابن سعد (1) وقال ابن حزم في المحلى 4: 213: كان ابن عمر يصلي خلف الحجاج ونجدة (2) وكان أحدهما خارجيا ، والثاني أفسق البرية . وذكره أبو البركات في بدائع الصنائع 1: 156 . أليس أحق الناس بالإمامة أقرؤهم لكتاب الله وأعلمهم بالسنة ؟ أليس من السنة الصحيحة الثابتة قوله صلى الله عليه وآله: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله فإن كانوا في القرائة سواء فأعلمهم بالسنة ، فإن كانوا في السنة سواء فأقدمهم هجرة ، فإن كانوا في الهجرة سواء فأقدمهم سلما ؟ ! (3) أم لم يكن منها قوله صلى الله عليه وآله: إن سركم أن تقبل صلاتكم فليؤمكم خياركم ، فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم ؟ ! (4) . أو لم يكن يسر ابن عمر أن تقبل صلاته ؟ أم كان يروقه من صلاة الحجاج أنه وخطباؤه كانوا يلعنون عليا وابن الزبير ؟ (5) أم كان يعلم أن الصلاة وغيرها من القربات لا تنجع لأي مسلم إلا بالولاية لسيد العترة سلام الله عليه (6) وابن عمر على نفسه بصيرة ، ويراه فاقدا إياها ، بعيدا عنها ، فايتمامه عندئذ بالإمام العادل أو الجائر المستهتر سواسية ؟ . إن كان الرجل يجد الغلبة ملاك الايتمام فهلا إئتم بمولانا أمير المؤمنين عليه السلام وكان هو الغالب في وقعة الجمل ويوم النهروان ؟ ولم يكن في صفين مغلوبا وإنما لعب ابن العاصي فيها بخديعته فالتبس الأمر على الأغرار ، لكن أهل البصائر عرفوها فلم يتزحزحوا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الطبقات الكبرى 4: 110 . (2) نجدة بن عامر - عمير - اليماني من رؤس الخوارج زائغ عن الحق ، خرج باليمامة عقب موت يزيد بن معاوية ، وقدم مكة ، وله مقالات معروفة ، وأتباع انقرضوا ، قتل في سنة سبعين . لسان الميزان 6: 148 . (3) صحيح مسلم 2: 133 ، صحيح الترمذي 6: 34 ، سنن أبي داود 1: 96 . (4) نصب الراية 2: 26 . (5) راجع المحلى لابن حزم 5: 64 . (6) راجع الجزء الثاني ص 301 .
/ صفحة 54 / عن معتقدهم طرفة عين ، وقبل هذه الحروب انعقدت البيعة بخليفة الحق من غير معارض ولا مزاحم حتى يتبين فيه الغالب من المغلوب ، فكان إمام العدل عليه السلام هو المستولي على عرش الخلافة والمحتبي بصدر دستها ، فلماذا تركه عليه السلام ابن عمر ولم يأتم به وقد تم أمره ، بتمام شروط البيعة وملاك الايتمام على رأيه هو ؟ ! ومن نجدة الخارجي ؟ ومتى غلب على جميع الحواضر الإسلامية ؟ وما قيمته وقيمة الايتمام به ورسول الله صلى الله عليه وآله يعرف الخوارج بالمروق من الدين بقوله: يخرج قوم من أمتي يقرأون القرآن ليست قراءتكم إلى قراءتهم بشئ ، ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشئ ، ولا صيامكم إلى صيامهم بشئ ، يقرأون القرآن يحسبون أنه لهم ، وهو عليهم ، لا تجاوز صلاتهم تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية (1) . وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم: سيخرج قوم في آخر الزمان حدثاء الأسنان ، سفهاء الأحلام ، يقولون من خير قوله البرية ، يقرأون القرآن ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجرا لمن قتلهم عند الله يوم القيامة (2) . وبقوله صلى الله عليه وآله: سيكون في أمتي اختلاف وفرقة ، قوم يحسنون القيل ويسيئون الفعل ، يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يرجعون حتى يرتد على فوقه ، هم شر الخلق ، طوبى لمن قتلهم وقتلوه يدعون إلى كتاب الله وليسوا منه في شئ ، من قاتلهم كان أولى بالله منهم . قالوا: يا رسول الله ! ما سيماهم ؟ قال: التحليق (3) . وبقوله صلى الله عليه وآله: يخرج من قبل المشرق قوم كان هديهم هكذا يقرؤن القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ثم لا يرجعون إليه ووضع يده على صدره ، سيماهم التحليق لا يزالون يخرجون حتى يخرج آخرهم ، فإذا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) صحيح الترمذي 9: 37 ، سنن البيهقي 8: 170 ، وأخرجه مسلم وأبو داود كما في تيسير الوصول 4: 31 . (2) أخرجه الخمسة إلا الترمذي كما في تيسير الوصول 4: 32 ، والبيهقي في السنن الكبرى 8: 170 . (3) سنن أبي داود 2: 284 ، مستدرك الحاكم 2: 147 ، 148 ، سنن البيهقي 8: 171 ، وللشيخين عن أبي سعيد نحوه كما في تيسير الوصول 4: 33 .
/ صفحة 55 / رأيتموهم فاقتلوهم . مستدرك الحاكم 2: 147 . وبقوله صلى الله عليه وآله: يوشك أن يأتي قوم مثل هذا يتلون كتاب الله وهم أعداؤه ، يقرؤن كتاب الله محلقة رؤسهم ، فإذا خرجوا فاضربوا رقابهم . المستدرك 2: 145 . وبقوله صلى الله عليه وآله إن أقواما من أمتي أشدة ، ذلقة ألسنتهم بالقرآن ، لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فإذا لقيتموهم فاقتلوهم فإن المأجور من قتلهم . المستدرك 2: 146 . وبقوله صلى الله عليه وآله: الخوارج كلاب النار (1) من طريق صححه السيوطي في الجامع الصغير . فما قيمة صحابي لا ينتجع مما جاء عن النبي الأقدس صلى الله عليه وآله من الكثير الصحيح في الناكثين والقاسطين والمارقين ؟ ولم ير قط قيمة لتلكم النصوص ، ويضرب عنها صفحا ولم يتبصر بها في دينه ، ويتترس تجاه ذلك الحكم البات النبوي عن التقاعس عن تلك المشاهد بأنها فتنة . أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ؟ . لقد ذاق ابن عمر وبال أمره بتركه واجبه من البيعة لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام والتبرك بيده الكريمة التي هي يد رسول الله صلى الله عليه وآله وهو خليفته بلا منازع ، وبتركه الايتمام به والدخول في حشده وهو نفس الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم والبقية منه ، بذل البيعة لمثل الحجاج الفاجر فضرب الله عليه الذلة والهوان هاهنا حتى أن ذلك المتجبر الكذاب المبير لم ير فيه جدارة بأن يناوله يده فمد إليه رجله فبايعها . وأخذه الله بصلاته خلفه وخلف نجدة المارق من الدين ، وحسبه بذينك هوانا في الدنيا ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ، وكان من أخذه سبحانه إياه أن سلط عليه الحجاج فقتله وصلى عليه (2) ويا لها من صلاة مقبولة ودعاء مستجاب من ظالم غاشم ؟
ولابن عمر معذرة أخرى ، أخرج أبو نعيم في الحلية 1: 292 من طريق نافع عن ابن عمر أنه أتاه رجل فقال: يا أبا عبد الرحمن ؟ أنت ابن عمر وصاحب رسول ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مسند أحمد 4: 355 ، سنن ابن ماجة 1: 74 . (2) الاستيعاب 1: 369 ، أسد الغابة 3: 230 .
/ صفحة 56 / الله صلى الله عليه وآله فما يمنعك من هذا الأمر ؟ قال: يمنعني أن الله تعالى حرم علي دم المسلم قال: فإن الله عز وجل يقول: قاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله . قال: قد فعلنا وقد قاتلناهم حتى كان الدين لله ، فأنتم تريدون أن تقاتلوا حتى يكون الدين لغير الله . وأخرج في الحلية 1 ص 294 من طريق القاسم بن عبد الرحمن: إنهم قالوا لابن عمر في الفتنة الأولى: ألا تخرج فتقاتل ؟ فقال: قد قاتلت والأنصاب بين الركن والباب حتى نفاها الله عز وجل من أرض العرب ، فأنا أكره أن أقاتل من يقول لا إله إلا الله . دع ابن عمر يحسب نفسه أفقه من كل الصحابة من المهاجرين الأولين والأنصار الذين باشروا الحرب مع أمير المؤمنين عليه السلام في تلكم المعامع ، ولكن هل كان يجد نفسه أفقه من رسول الله صلى الله عليه وآله حيث أمر أصحابه بمناصرة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام فيها ، وأمره صلوات الله عليه بمباشرة هاتيك الحروب الدامية ونهى عن التثبط عنها . وهل كان صلى الله عليه وآله يعلم أن المقاتلين من الفئتين من أهل لا إله إلا الله فأمر بالمقاتلة مع علي عليه السلام ؟ أو عزب عنه علم ذلك فأمر بإراقة دماء المسلمين ؟ غفرانك اللهم . وهل علم صلى الله عليه وآله بأن نتيجة ذلك القتال أن يكون الدين لغير الله فحض عليه ؟ أو فاته ذلك لكن علمه ابن عمر فتجنبه ؟ أعوذ بالله من شطط القول . وما أشبه اعتذار ابن عمر اعتذار أبيه يوم أمره رسول الله صلى الله عليه وآله بقتل ذي الثدية رأس الخوارج فما قتله واعتذر بأنه وجده متخشعا واضعا جبهته لله . راجع الجزء السابع ص 216 . ثم إن كون الدين لغير الله هل كان من ناحية مولانا أمير المؤمنين علي وكان هو وأصحابه يريدونه ؟ أو من ناحية مناوئيه ومن بغى عليه من الفئة الباغية ؟ والأول لا يتفق مع ما جاء في الكتاب الكريم والسنة الشريفة في حق الإمام علي عليه السلام وفي مواليه وتابعيه ومناوئيه ، وفي خصوص الحروب الثلاث ، كما هو مبثوث في مجلدات كتابنا هذا ، وإن ذهل أو تذاهل عنها ابن عمر . وإن كان يريد الثاني فلماذا بايع معاوية بعد أن تقاعد عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام ؟ هذه أسئلة ووجوه لا أدري هل يجد ابن عمر عنها جوابا في محكمة العدل الإلهي ؟ / صفحة 57 / لا أحسب ، ولعله يتخلص عنها بضئولة العقل المسقط للتكليف . وأعجب من هذه كلها ما جاء به أبو نعيم في الحلية 1: 309 من قول ابن عمر: إنما كان مثلنا في هذه الفتنة كمثل قوم كانوا يسيرون على جادة يعرفونها فبينما هم كذلك إذ غشيتهم سحابة وظلمة ، فأخذ بعضهم يمينا وشمالا فأخطأ الطريق ، وأقمنا حيث أدركنا ذلك حتى جلى الله ذلك عنا فأبصرنا طريقنا الأول فعرفنا وأخذنا فيه ، إنها هؤلاء فتيان قريش يقتتلون على هذا السلطان وعلى هذه الدنيا ، ما أبالي أن لا يكون لي ما يقتل (1) بعضهم بعضا بنعلي هاتين الجرداوين . ليت شعري متى غشيت الأمة سحابة وظلمة فأقام الرجل حيث أدرك ذلك ؟ أعلى العهد النبوي وهو أصفا أدوار الجو الديني ؟ أم في دور الخلافة ؟ وقد بايع الرجل شيخ تيم وأباه ، وهما عنده خيرا خلق الله واحدا بعد واحد ، فلا يرى فيه غشيان الظلمة أو قبول السحابة ، واعطف على ذلك أيام عثمان فقد بايعه ولم يتسلل عنه حتى يوم مقتله كما مر في ص 23 من هذا الجزء ، فلم تكن أيام عثمان عنده أيام ظلمة وسحابة وإن كان من ملقحي فتنتها بما ارتآه ، فلم يبق إلا عهد الخلافة العلوية وملك معاوية بن أبي سفيان . أما معاوية فقد بايعه الرجل طوعا ورغبة وإن رآه رسول الله صلى الله عليه وآله ملكا عضوضا ولعن صاحبه . وبايع يزيد بن معاوية بعد ما أخذ مائة ألف من معاوية ، فلم يبق دور ظلمة عنده إلا أيام خلافة خير البشر سيد الأمة مولانا أمير المؤمنين علي عليه السلام ، وفيها أخذ بعضهم يمينا وشمالا فأخطأ الطريق ، وكانت الأدوار مجلاة قبل ذلك و بعده أيام إمارة معاوية ويزيد وعبد الملك والحجاج ، فقد أبصر الرجل طريقه المهيع الأول عند ذلك فعرفه وأخذ فيه وبايعهم . وهل هنا من يسائل الرجل عن الذين أخطأوا الطريق ببيعتهم وانحيازهم ؟ هل هم الذين بايعوا أمير المؤمنين عليه السلام ؟ وهم الصحابة العدول والبدريون من المهاجرين والأنصار ، والأمة الصالحة من التابعين من رجالات المدينة المشرفة وغيرها من الأمصار الإسلامية . أو الذين أكبوا على تلكم الأيدي العادية فبايعوها ؟ من طغام الشام ، سفلة الأعراب ، وبقية الأحزاب ، وأهل المطامع والشره . فيرى هل تحدوه القحة والصلف إلى ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) في تعليق الحلية: المعنى ما يقتل بعضهم بعضا عليه والله أعلم .
/ صفحة 58 / أن يقول بالأول ؟ ونصب عينه قول رسول الله صلى الله عليه وآله: إن تولوا عليا تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: إن تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يسلك بكم الطريق المستقيم . وقوله صلى الله عليه وآله: إن تستخلفوا عليا وما أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يحملكم على المحجة البيضاء . إلى أحاديث أخرى أوعزنا إليها في الجزء الأول ص 12 . أو أن النصفة تلقى على روعه فينطق وهو لا يشعر بما يقول فيقول بالثاني فينقض ما ارتكبه من بيعة القوم جميعا ؟ . ثم إن من غريب المعتقد ما ارتئاه من أن فتيان قريش كانوا يقتتلون على السلطان ويبغون بذلك حطام الدنيا وهو يعلم أن لهذا الحسبان شطرين ، فشطر لعلي أمير المؤمنين وأصحابه ، وهو الذي كانت الدنيا عنده كعفطة عنز كما لهج به صلوات الله عليه وصدق الخبر الخبر ، وكانت نهضته تلك بأمر من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهد منه إليه وإلى أصحابه كما تقدم في هذا الجزء والجزء الثالث . وشطر لطلحة والزبير ولمعاوية ، أما الأولان فيعرب عن مرماهما قول مولانا أمير المؤمنين عليه السلام في خطبة له: كل واحد منهما يرجو الأمر له ويعطفه عليه دون صاحبه لا يمتان إلى الله بحبل ، ولا يمدان إليه بسبب ، كل واحد منهما حامل ضب لصاحبه ، وعما قليل يكشف قناعه به ، والله لئن أصابوا الذي يريدون لينزعن هذا نفس هذا ، و ليأتين هذا على هذا ، قد قامت الفئة الباغية فأين المحتسبون ؟ . ولما خرج طلحة والزبير وعائشة إلى البصرة جاء مروان بن الحكم إلى طلحة و - الزبير وقال: على أيكما أسلم بالإمارة ، وأنادي بالصلاة ؟ فسكتا ، فقال عبد الله بن الزبير: على أبي . وقال محمد بن طلحة: على أبي . فأرسلت عائشة إلى مروان: أتريد أن ترمي الفتنة بيننا ؟ أو قالت: بين أصحابنا ، مروا ابن أختي فليصل بالناس . يعني عبد الله بن الزبير . مرآة الجنان لليافعي 1: 95 وأما معاوية فهو الذي صدق فيه ظنه بل تنجز يقينه ، وقد عرفه بذلك أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم وتعرفه إياك بغايته الوحيدة ونفسيته الذميمة كلماتهم ، وابن عمر لا يصيخ / صفحة 59 / إليها وقد أصمه وأعماه حب العبشميين ، فاتبع هواه وأضله ، وإليك نمازج من تلكم الكلم: 1 - قال هاشم المرقال مخاطبا أمير المؤمنين عليا عليه السلام: سر بنا يا أمير المؤمنين إلى هؤلاء القوم القاسية قلوبهم الذين نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وعملوا في عباد الله بغير رضا الله ، فأحلوا حرامه ، وحرموا حلاله ، واستهوى بهم الشيطان ، ووعدهم الأباطيل ، ومناهم الأماني حتى أزاغهم عن الهوى ، وقصد بهم قصد الردى ، وحبب إليهم الدنيا ، فهم يقاتلون على دنياهم رغبة فيها كرغبتنا في الآخرة ؟ إلخ . كتاب صفين ص 125 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 282 ، جمهرة الخطب 1: 151 . 2 - ومن كلام لهاشم المرقال أيضا: يا أمير المؤمنين ! فأنا بالقوم جد خبير ، هم لك ولأشياعك أعداء ، وهم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء ، وهم مقاتلوك ومجادلوك ، لا يبقون جهدا مشاحة على الدنيا ، وضنا بما في أيديهم منها ، ليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من طلب دم ابن عفان ، كذبوا ليسوا لدمه ينفرون ، ولكن الدنيا يطلبون . كتاب ابن مزاحم ص 103 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 278 . 3 - من خطبة ليزيد بن قيس الأرحبي: إن المسلم من سلم دينه ورأيه ، وإن هؤلاء القوم والله ما إن يقاتلوننا على إقامة دين رأونا ضيعناه ، ولا على إحياء حق رأونا أمتناه ، ولا يقاتلوننا إلا على هذه الدنيا ليكونوا فيها جبابرة وملوكا ، ولو ظهروا عليكم - لا أراهم الله ظهورا وسرورا - إذن لوليكم مثل سعيد (1) والوليد (2) وعبد الله بن عامر (3) السفيه يحدث أحدهم في مجلسه بذيت وذيت ، ويأخذ ماله الله ويقول: لا إثم علي فيه ، كأنما أعطي تراثه من أبيه . كيف ؟ إنما هو مال الله أفاءه علينا بأسيافنا ورماحنا ، قاتلوا عباد الله ! القوم الظالمين الحاكمين بغير ما أنزل الله ، ولا تأخذكم فيهم لومة لائم ، إنهم إن يظهروا عليكم يفسدوا عليكم دينكم ودنياكم ، وهم من قد عرفتم وجربتم ، والله ما - أرادوا باجتماعهم عليكم إلا شرا ، واستغفر الله العظيم لي ولكم . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سعيد بن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية والي معاوية على المدينة . (2) الوليد بن عقبة السكير أخو عثمان لأمه . (3) عبد الله بن عامر ولاه معاوية على البصرة ثلاث سنين .
/ صفحة 60 / كتاب صفين ص 279 ، تاريخ الطبري 6: 10 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 485 . 4 - من مقال لعمار بن ياسر بصفين: امضوا معي عباد الله إلى قوم يطلبون فيما يزعمون بدم الظالم لنفسه ، الحاكم على عباد الله بغير ما في كتاب الله ، إنما قتله الصالحون المنكرون للعدوان ، الآمرون بالاحسان . فقال هؤلاء الذين لا يبالون إذا سلمت لهم دنياهم ولو درس هذا الدين: لم قتلتموه ؟ فقلنا: لأحداثه . فقالوا: إنه ما أحدث شيئا وذلك لأنه مكنهم من الدنيا فهم يأكلونها ويرعونها ولا يبالون لو انهدت عليهم الجبال ، والله ما أظنهم يطلبون دمه إنهم ليعلمون أنه لظالم ، ولكن القوم ذاقوا الدنيا فاستحبوها واستمروها ، وعلموا لو أن صاحب الحق لزمهم لحال بينهم وبين ما يأكلون ويرعون فيه منها ، ولم يكن للقوم سابقة في الاسلام يستحقون بها الطاعة والولاية ، فخدعوا أتباعهم بأن قالوا: قتل إمامنا مظلوما . ليكونوا بذلك جبابرة وملوكا ، وتلك مكيدة قد بلغوا بها ما ترون ، ولولا هي ما بايعهم من الناس رجلان . كتاب صفين ص 361 ، تاريخ الطبري 6: 21 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 504 ، الكامل لابن الأثير 3: 123 ، تاريخ ابن كثير 7: 266 واللفظ لابن مزاحم . 5 - من خطبة لعبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي: يا أمير المؤمنين ! إن القوم لو كانوا الله يريدون ، ولله يعملون ، ما خالفونا ، ولكن القوم إنما يقاتلوننا فرارا من الأسوة وحبا للأثرة ، وضنا بسلطانهم ، وكرها لفراق دنياهم التي في أيديهم ، وعلى إحن في نفوسهم ، وعداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين ! بهم قديمة ، قتلت فيها آباءهم وإخوانهم . كتاب صفين ص 114 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 281 ، جمهرة الخطب 1: 148 . 6 - من كلام لشبث بن ربعي مخاطبا معاوية: إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو ما تطلب . إلى آخر ما يأتي في هذا الجزء . 7 - قال وردان غلام عمرو بن العاص له: اعتركت الدنيا والآخرة على قلبك ، فقلت: علي معه الآخرة في غير دنيا ، وفي الآخرة عوض من الدنيا ، ومعاوية معه الدنيا بغير آخرة ، وليس في الدنيا عوض الآخرة . فقال عمرو: يا قاتـــــل الله وردانـــــا وفتـنـتـــه * أبدى لعمرك ما في النفس وردان / صفحة 61 / لما تعـــــرضت الدنيا عرضت لها * بحرص نفسي وفي الأطباع ادهان نفس تعف وأخرى الحرص يقلبها * والمــــرء يأكــل تبنا وهو غرثان أما عــلي فــــدين ليـــــس يشركه * دنـــــيا وذاك لـــــه دنـيا وسلطان فاخترت من طمعي دنيا على بصر * وما معـــــي بالـذي أختار برهان إلى آخر أبيات مرت في ج 2: 128 ، ومر لعمرو بن العاص قوله: معـــاوي لا أعطيك ديني ولم أنل * بــــذلك دنيا فانظرن كيف تصنع فإن تعطني مصرا فأربح بصفقة * أخـــــذت بهــا شيخا يضر وينفع وما الدين والـــدنيا سواء وإنني * لآخـــــذ ما تعـطي ورأسي مقنع إلى آخر ما أسلفناه في ج 2: 44 . 8 - من كتاب لمحمد بن مسلمة الأنصاري إلى معاوية: وأما أنت فلعمري ما طلبت إلا الدنيا ، ولا اتبعت إلا الهوى . فإن تنصر عثمان ميتا فقد خذلته حيا . كتاب صفين ص 86 . 9 - قال نصر: لما اشترطت عك والاشعرون على معاوية ما اشترطوا من الفريضة والعطاء فأعطاهم (1) ، لم يبق من أهل العراق أحد في قلبه مرض إلا طمع في معاوية وشخص بصره إليه حتى فشا ذلك في الناس ، وبلغ ذلك عليا فساءه ، وجاء المنذر بن أبي حميصة الوادعي (2) وكان فارس همدان وشاعرهم فقال: يا أمير المؤمنين ؟ إن عكا والأشعريون طلبوا إلى معاوية الفرائض والعطاء فأعطاهم ، فباعوا الدين بالدنيا ، وإنا رضينا بالآخرة من الدنيا ، وبالعراق من الشام ، وبك من معاوية ، والله لآخرتنا خير من دنياهم ، ولعراقنا خير من شامهم ، ولإمامنا أهدى من إمامهم ، فاستفتحنا بالحرب ، وثق منا بالنصر ، واحملنا على الموت . ثم قال في ذلك: إن عكّـاً سألوا الفرائض والأشعر * سألـــــوا جـــــوائزا بثــنيــــه (3) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) اشترطوا على معاوية أن يجعل لهم فريضة ألفي رجل في ألفين ألفين ، ومن هلك فابن عمه مكانه [ كتاب صفين 493 ]. (2) الوادعي: نسبة إلى وادعة: بطن من همدان . (3) البثنية: منسوبة إلي قرية بالشام بين دمشق وأذرعات ، وإليها تنسب الحنطة البثنية ، وهي أجود أنواع الحنطة .
/ صفحة 62 / تــــــركوا الدين للعطاء وللفرض * فكــــــانوا بــــــذاك شــــر البريه وسألنــــــا حـسن الثواب من الله * وصبــــــرا عــــــلى الجهاد ونيه فلكــــــل مــــــا سألــــــه ونـــواه * كــــــلنا يحـــــسب الخلاف خطيه ولأهل العراق أحسن في الحرب * إذا مــــــا تــــــدانت السمهـــريه ولأهــــــل العـــــراق أحمل للثقل * إذا عــــــمت العــــــباد بلــيــــــه ليــــــس منــــا من لم يكن لك في * الله وليـــــا يا ذا الولا والوصيه فقال علي: حسبك رحمك الله ، وأثنى عليه خيرا وعلى قومه . وانتهى شعره إلى معاوية فقال معاوية: والله لأستميلن بالأموال ثقات علي ، ولأقسمن فيهم المال حتى تغلب دنياي آخرته . كتاب صفين ص 495 ، شرح ابن أبي الحديد 2: 293 . 10 - من كتاب لمولانا أمير المؤمنين إلى معاوية: واعلم يا معاوية ؟ أنك قد ادعيت أمرا لست من أهله لا في القدم ولا في الولاية ، ولست تقول فيه بأمر بين تعرف لك به أثرة ، ولا لك عليه شاهد من كتاب الله ، ولا عهد تدعيه من رسول الله ، فكيف أنت صانع ؟ إذا انقشعت عنك جلابيب ما أنت فيه من دنيا أبهجت بزينتها ، وركنت إلى لذتها ، وخلي فيها بينك وبين عدو جاهد ملح ، مع ما عرض في نفسك ، من دنيا قد دعتك فأجبتها ، وقادتك فاتبعتها ، وأمرتك فأطعتها ، فاقعس عن هذا الأمر ، وخذ أهبة الحساب ، فإنه يوشك أن يقفك واقف على ما لا يجنك منه مجن ، ومتى كنتم يا معاوية ! ساسة للرعية ؟ أو ولاة لأمر هذه الأمة بغير قدم حسن ؟ ولا شرف سابق على قومكم ، فشمر لما قد نزل بك ، ولا تمكن الشيطان من بغيته فيك ، مع أني أعرف أن الله ورسوله صادقان ، فنعوذ بالله من لزوم سابق الشقاء ، وإلا تفعل أعلمك ما أغفلك من نفسك ، فإنك مترف قد أخذ منك الشيطان مأخذه ، فجرى منك مجرى الدم في العروق . كتاب صفين ص 122 ، نهج البلاغة 2: 10 ، شرح ابن أبي الحديد 3: 410 . 11 - روي: أن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال لحبيب (1) بن مسلمة في ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نزيل الشام كان مع معاوية في حروبه .
/ صفحة 63 / بعض خرجاته بعد صفين: يا حبيب ! رب مسير لك في غير طاعة الله . فقال له حبيب: أما إلى أبيك فلا . فقال له الحسن: بلى والله ولقد طاوعت معاوية على دنياه وسارعت في هواه ، فلئن كان قام بك في دنياك لقد قعد بك في دينك ، فليتك إذا أسأت الفعل أحسنت القول فتكون كما قال الله تعالى: وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا . ولكنك كما قال الله تعالى: بل ران على قلوبهم ما كانوا يسكبون (1) . 12 - قال القحذمي: لما قدم معاوية المدينة ، قال: أيها الناس ؟ إن أبا بكر رضي الله عنه لم يرد الدنيا ولم ترده ، وأما عمر فأرادته الدنيا ولم يردها ، وأما عثمان فنال منها ونالت منه ، وأما أنا فمالت بي وملت بها ، وأنا ابنها وهي أمي وأنا ابنها ، فإن لم تجدوني خيركم فأنا خير لكم . العقد الفريد 2: 300 . إلى كلمات أخرى تعرب عن مدى غايات معاوية وتركاضه وراء حطام الدنيا وملكها العضوض . |
|