عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
وفد علي عليه السلام الأول أوفد الإمام عليه السلام في أول ذي الحجة سنة 36 بشير بن عمرو بن محصن الأنصاري ، وسعيد بن قيس الهمداني ، وشبث بن ربعي التميمي على معاوية وقال: ائتوا هذا الرجل فادعوه إلى الله ، وإلى الطاعة والجماعة. فأتوه ودخلوا عليه فتكلم بشير بن عمرو فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا معاوية: إن الدنيا عنك زائلة ، وإنك راجع إلى الآخرة ، وإن الله عز وجل محاسبك بعملك ، وجازيك بما قدمت يداك ، وإني أنشدك الله عز وجل أن تفرق جماعة هذه الأمة ، وأن تسفك دماءها بينها . فقطع عليه الكلام وقال: هلا أوصيت بذلك صاحبك ؟ فقال بشير: إن صاحبي ليس مثلك ، إن صاحبي أحق البرية كلها بهذا الأمر في الفضل ، والدين ، والسابقة في الاسلام والقرابة من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال: فيقول ماذا ؟ قال: يأمرك بتقوى الله عز وجل ، و إجابة ابن عمك إلى ما يدعوك إليه من الحق ، فإنه أسلم لك في دنياك ، وخير لك في عاقبة أمرك . قال معاوية: ونطل دم عثمان رضي الله عنه ؟ لا والله لا أفعل ذلك أبدا . فتكلم شبث بن ربعي فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا معاوية ! إني قد فهمت ما رددت على ابن محصن ، إنه والله ما يخفى علينا ما تغزو وما تطلب ، إنك لم تجد شيئا تستغوي به الناس ، وتستميل به أهواءهم ، وتستخلص به طاعتهم ، إلا قولك: " قتل إمامكم مظلوما فنحن نطلب بدمه " فاستجاب له سفهاء طغام ، / صفحة 308 / وقد علمنا أنك قد أبطأت عنه بالنصر ، وأحببت له القتل ، لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب ورب متمني أمر وطالبه ، الله عز وجل يحول دونه بقدرته ، وربما أوتي المتمني أمنيته وفوق أمنيته ، ووالله مالك في واحدة منهما خير ، لئن أخطأت ما ترجو ، إنك لشر العرب حالا في ذلك ، ولئن أصبت ما تمنى لا تصيبه حتى تستحق من ربك صلي النار ، فاتق الله يا معاوية ! ودع ما أنت عليه ، ولا تنازع الأمر أهله . فتكلم معاوية وكان من كلامه: فقد كذبت ولو مت أيها الأعرابي الجلف الجافي في كل ما ذكرت ووصفت ، انصرفوا من عندي ، فإنه ليس بيني وبينكم إلا السيف ، وغضب وخرج القوم وأتوا عليا وأخبروه بالذي كان من قوله (1) .
وفد علي عليه السلام الثاني ولما دخلت سنة 37 توادعا على ترك الحرب في المحرم إلى انقضائه طمعا في الصلح واختلف فيما بينهما الرسل في ذلك من دون جدوى ، فبعث علي عليه السلام عدي بن حاتم ، ويزيد بن قيس ، وشبث بن ربعي ، وزياد بن حنظلة إلى معاوية ، فلما دخلوا عليه تكلم عدي بن حاتم فحمد الله ثم قال: أما بعد: فإنا أتيناك ندعوك إلى أمر يجمع الله عز وجل به كلمتنا وأمتنا ، و يحقن به الدماء ، ويؤمن به السبل ، ويصلح به ذات البين ، إن ابن عمك سيد المسلمين أفضلها سابقة ، وأحسنها في الاسلام أثرا ، وقد استجمع له الناس ، وقد أرشدهم الله عز وجل بالذي رأوا ، فلم يبق أحد غيرك وغير من معك ، فانته يا معاوية ! لا يصبك الله وأصحابك بيوم مثل يوم الجمل . فقال معاوية: كأنك إنما جئت متهددا ، لم تأت مصلحا ، هيهات يا عدي ، كلا والله ، إني لابن حرب ما يقعقع لي بالشنان (2) أما والله إنك لمن المجلبين على ابن عفان رضي الله عنه ، وإنك لمن قتلته ، وإني لأرجو أن تكون ممن يقتل الله عز وجل به ، هيهات يا عدي بن ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 5: 242 ، الكامل لابن الأثير 3: 122 ، تاريخ ابن كثير 7: 256 . (2) القعقعة: تحريك الشيئ اليابس الصلب مع صوت . والشنان جمع شن بالفتح: القربة البالية . وإذا قعقع بالشنان للإبل نفرت ، وهو مثل يضرب لمن لا يروعه ما لا حقيقة له .
/ صفحة 309 / حاتم ! قد حلبت بالساعد الأشد . فقال له شبث بن ربعي وزياد بن حنظلة: أتيناك فيما يصلحنا وإياك ، فأقبلت تضرب الأمثال ، دع ما لا ينتفع به من القول والفعل ، وأجبنا فيما يعمنا وإياك نفعه . وتكلم يزيد بن قيس فقال: إنا لم نأتك إلا لنبلغك ما بعثنا به إليك ، ولنؤدي عنك ما سمعنا منك ، ونحن - على ذلك - لن ندع أن ننصح لك ، وأن نذكر ما ظننا أن لنا عليك به حجة ، وإنك راجع به إلى الألفة والجماعة ، إن صاحبنا من قد عرفت وعرف المسلمون فضله ، ولا أظنه يخفى عليك ، إن أهل الدين والفضل لم يعدلوا بعلي ، ولن يميلوا بينك وبينه فاتق الله يا معاوية ! ولا تخالف عليا ، فإنا والله ما رأينا رجلا قط أعمل بالتقوى ، ولا أزهد في الدنيا . ولا أجمع لخصال الخير كلها منه . فتكلم معاوية وقال: أما بعد: فإنكم دعوتم إلى الطاعة والجماعة ، فأما الجماعة التي دعوتم إليها فمعنا هي ، وأما الطاعة لصاحبكم فإنا لا نراها ، إن صاحبكم قتل خليفتنا ، وفرق جماعتنا وآوى ثأرنا وقتلتنا ، وصاحبكم يزعم أنه لم يقتله ، فنحن لا نرد ذلك عليه ، أرأيتم قتلة صاحبنا ؟ ألستم تعلمون أنهم أصحاب صاحبكم ؟ فليدفعهم إلينا فلنقتلهم به ثم نحن نجيبكم إلى الطاعة والجماعة . فقال له شبث: أيسرك يا معاوية ! أنك أمكنت من عمار تقتله ؟ فقال معاوية: وما يمنعني من ذلك ؟ والله لو أمكنت من ابن سمية ما قتلته بعثمان رضي الله عنه ، و لكن كنت قاتله بناتل مولى عثمان . فقال شبث: وإله الأرض وإله السماء ما عدلت معتدلا ، لا والذي لا إله إلا هو ، لا تصل إلى عمار حتى تندر الهام عن كواهل الأقوام ، وتضيق الأرض الفضاء عليك برحبها . فقال له معاوية: إنه لو قد كان ذلك كانت الأرض عليك أضيق ، وتفرق القوم عن معاوية فلما انصرفوا بعث معاوية إلى زياد بن حنظلة التميمي فخلا به . فحمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد يا أخا ربيعة ، فإن عليا قطع أرحامنا ، وآوى قتلة صاحبنا ، وإني أسألك النصر بأسرتك وعشيرتك ، ثم لك عهد الله عز وجل وميثاقه أن أوليك إذا / صفحة 310 / ظهرت أي المصرين أحببت . قال زياد: فلما قضى معاوية كلامه حمدت الله عز وجل وأثنيت عليه ثم قلت: أما بعد: فإني على بينة من ربي ، وبما أنعم علي ، فلن أكون ظهيرا للمجرمين . ثم قمت (1) وروى ابن ديزيل من طريق عمرو بن سعد بإسناده أن قراء أهل العراق ، وقراء أهل الشام عسكروا ناحية وكانوا قريبا من ثلاثين ألفا ، وأن جماعة من قراء العراق منهم عبيدة السلماني ، وعلقمة بن قيس ، وعامر بن عبد قيس ، وعبد الله بن عتبة بن مسعود وغيرهم جاؤا معاوية فقالوا له: ما تطلب ؟ قال: أطلب بدم عثمان . قالوا: فمن تطلب به ؟ قال: عليا . قالوا: أهو قتله ؟ قال: نعم وآوى قتلته . فانصرفوا إلى علي فذكروا له ما قال فقال: كذب ! لم أقتله وأنتم تعلمون أني لم أقتله ، فرجعوا إلى معاوية فقال: إن لم يكن قتله بيده فقد أمر رجالا ، فرجعوا إلى علي فقال: والله لا قتلت ولا أمرت ولا ماليت . فرجعوا فقال معاوية: فإن كان صادقا فليقدنا من قتلة عثمان ، فإنهم في عسكره وجنده . فرجعوا ، فقال علي: تأول القوم عليه القرآن في فتنة ووقعت الفرقة لأجلها ، وقتلوه في سلطانه وليس لي عليهم سبيل . فرجعوا إلى معاوية فأخبروه فقال: إن كان الأمر على ما يقول فما له أنفذ الأمر دوننا من غير مشورة منا ولا ممن ها هنا ؟ فرجعوا إلى علي فقال علي: إنما الناس مع المهاجرين والأنصار ، فهم شهود الناس على ولايتهم وأمر دينهم ، ورضوا وبايعوني ، ولست أستحل أن أدع مثل معاوية يحكم على الأمة ويشق عصاها ، فرجعوا إلى معاوية فقال: ما بال من ها هنا من المهاجرين والأنصار لم يدخلوا في هذا الأمر ؟ فرجعوا ، فقال علي: إنما هذا للبدريين دون غيرهم ، وليس على وجه الأرض بدري إلا وهو معي ، وقد بايعني وقد رضي ، فلا يغرنكم من دينكم وأنفسكم (2) ها هنا تجد الباغي متجهما تجاه تلك الدعوة الحقة كأنه هو بمفرده ، أو هو و طغام الشام والأجلاف الذين حوله بيدهم عقدة أمر الأمة ، تنحل وتعقد بمشيئتهم ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 6: 3 ، الكامل لابن الأثير 3: 124 ، تاريخ ابن كثير 7: 258 . (2) تاريخ ابن كثير 7: 258 .
/ صفحة 311 / والمهاجرون والأنصار والبدريون من الصحابة قط لا قيمة لهم ولا لبيعتهم وجماعتهم عنده في سوق الاعتبار ، يقول: إن الجماعة معه ، وإن الطاعة لا يراها هو ، على حين أنهما حصلتا له صلوات الله عليه رضي به ابن هند أو أبى ، وإن الجماعة التي كانت لعلي عليه السلام وبيعتهم إياه كانت من سروات المجد وأهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار ووجوه الأمصار والبلاد ، ولم يتحقق إجماع في الاسلام مثله ، وأما التي كانت لمعاوية في حسبانه فمن رعرعة الشام ، ورواد الفتن ، وسماسرة الأهواء ، ولم يكن معه كما قال سيدنا قيس بن سعد بن عبادة: إلا طليقا أعرابيا ، أو يمانيا مستدرجا ، وكان معه مائة ألف ما فيهم من يفرق بين الناقة والجمل كما مر حديثه في ص 195 ، فأي عبرة بموقف هؤلاء ؟ وأي قيمة لبيعتهم بعد شذوذهم عن الحق ونبذهم إياه وراء ظهورهم ؟ . من يكن ابن آكلة الأكباد وزبانيته حتى يكون لهم رأي في الخلافة ؟ ويطلبوا من أمير المؤمنين اعتزال الأمر ، ورده شورى بين المسلمين بعد أن العمد والدعائم من المسلمين رضوا بتلكم البيعة وعقدوها للإمام الحق على زهد منه عليه السلام فيها ، لكنهم تكاثروا عليه كعرف الفرس حتى لقد وطئ الحسنان ، وشق عطفاه ، فكان تدخل الطليق ابن الطليق في أمر الأمة الذي أصفق عليه رجال الرأي والنظر تبرعا منه من غير طلب ولا جدارة ، بل كان خروجا على الإمام الذي كانت معه جماعة المسلمين ، وانعقدت عليه طاعتهم ، فتبا لمن شق عصاهم ، وفت في عضدهم . وابن هند إن لم يكن ينازع للخلافة كما حسبه ابن حجر فما كانت تلك المحاباة وتغرير وجوه الناس ورجالات الثورات بولايات البلاد ؟ فترى يجعل مصر طعمة لعمرو ابن العاص ، وله خطواته الواسعة وراء قتل عثمان ، ويعهد على زياد التميمي أن يوليه أي المصرين أحب إذا ظهر ، غير أن التميمي كان على بينة من ربه فيما أنعم الله عليه لم يك ظهيرا للمجرمين ، وكذلك قيس بن سعد الأنصاري كتب إليه معاوية يعده بسلطان العراقين إذا ظهر ما بقي ، ولم أحب قيس سلطان الحجاز ما دام له سلطان (1) وقيس شيخ الأنصار ، وهم المتسربلون بالحديد يوم الجمل قائلين: نحن قتلة عثمان . ولنا حق النظر في قوله لشبث بن ربعي: وما يمنعني من ذلك والله لو أمكنت من ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 5: 228 .
/ صفحة 312 / ابن سمية ما قتلته بعثمان .. إلخ . من الذي أخبر معاوية عن عمار وعن قتله عثمان ومولاه ناتل ؟ وكان معاوية يومئذ بالشام ، ولينظر في البينة التي حكم بها على عمار ولعلها قامت بشهادة مزورة زورها نفس معاوية جريا على عادته في أمثال هذه المواقف. وإن صدق في دعواه وكان الأمر كما قرره هو فلا قود عندئذ إذ عمار من المجتهدين العدول لا يقتل إنسانا إلا من هدر الاسلام دمه ، يتبع أثره ، ولا ينقض حكمه ، كيف لا ؟ وقد ورد الثناء عليه في خمس آيات فصلناها في ج 9 ص 21 - 24 ، وجاء عن النبي الأعظم قوله صلى الله عليه وآله: إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه ، وخلط الإيمان بلحمه ودمه . وقوله صلى الله عليه وآله: عمار خلط الله الإيمان ما بين قرنه إلى قدمه ، وخلط الإيمان بلحمه ودمه ، يزول مع الحق حيث زال ، وليس ينبغي للنار أن تأكل منه شيئا . وقوله صلى الله عليه وآله: ملئ إيمانا إلى مشاشه . وفي لفظ: حشي ما بين أخمص قدميه إلى شحمة أذنيه إيمانا . وقوله صلى الله عليه وآله: إن عمارا مع الحق والحق معه ، يدور عمار مع الحق أينما دار ، وقاتل عمار في النار . وقوله صلى الله عليه وآله: إذا اختلف الناس كان ابن سمية مع الحق . وقوله صلى الله عليه وآله: دم عمار ولحمه حرام على النار أن تطعمه . وقوله صلى الله عليه وآله: ما لهم ولعمار ؟ يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار ، إن عمارا جلدة ما بين عيني وأنفي ، فإذا بلغ ذلك من الرجل فلم يستبق فاجتنبوه . نعم: صدق معاوية في قوله: ما يمنعني من ذلك ؟ وأي وازع للانسان عن قتل عمار إذا ما صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أقواله هذه وقوله: ما لقريش وعمار يدعوهم إلى الجنة ، ويدعونه إلى النار ، قاتله وسالبه في النار . وقوله: من عادى عمارا عاداه الله ، ومن أبغض عمارا أبغضه الله ، ومن يسفه عمارا يسفهه الله ، ومن يسب عمارا يسبه الله ، ومن يحقر عمارا حقره الله ، ومن يلعن عمارا لعنه الله ، ومن ينتقص عمارا ينتقصه الله (1) ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع تفصيل هذه الأحاديث في الجزء التاسع ص 24 - 28 .
/ صفحة 313 /
وفد معاوية إلى الإمام عليه السلام وبعث معاوية إلى علي حبيب بن مسلمة الفهري ، وشرحبيل بن السمط ، ومعن بن يزيد بن الأخنس فدخلوا عليه وتكلم حبيب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان خليفة مهديا ، يعمل بكتاب الله عز وجل ، وينيب إلى أمر الله تعالى ، فاستثقلتم حياته ، واستبطأتم وفاته ، فعدوتم عليه فقتلتموه رضي الله عنه ، فادفع إلينا قتلة عثمان - إن زعمت أنك لم تقتله - نقتلهم به ، ثم اعتزل أمر الناس ، فيكون أمرهم شورى بينهم ، يولي الناس أمرهم من أجمع عليه رأيهم . فقال له علي بن أبي طالب: وما أنت لا أم لك والعزل ، وهذا الأمر ؟ اسكت فإنك لست هناك ولا بأهل له . فقال وقال له: والله لتريني بحيث تكره . فقال علي . و ما أنت ولو أجلبت بخيلك ورجلك ؟ لا أبقى الله عليك إن أبقيت علي ، أحقرة وسوءا ؟ اذهب فصوب وصعد ما بدا لك . وقال شرحبيل: إني إن كلمتك فلعمري ما كلامي إلا مثل كلام صاحبي قبل ، فهل عندك جواب غير الذي أجبته به ؟ فقال علي: نعم ، لك ولصاحبك جواب غير الذي أجبته به . فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإن الله جل ثناؤه بعث محمد صلى الله عليه وسلم بالحق ، فأنقذ به من الضلالة ، و انتاش به من الهلكة ، وجمع من الفرقة ، ثم قبضه الله إليه ، وقد أدى ما عليه صلى الله عليه وسلم ثم استخلف الناس أبا بكر رضي الله عنه ، واستخلف أبو بكر عمر رضي الله عنه ، فأحسنا السيرة ، وعدلا في الأمة ، وقد وجدنا عليهما أن توليا علينا ، ونحن آل رسول الله صلى الله عليه وسلم فغفرنا ذلك لهما ، وولي عثمان رضي الله عنه فعمل بأشياء عابها الناس عليه ، فساروا إليه فقتلوه ، ثم أتاني الناس وأنا معتزل أمورهم ، فقالوا لي: بايع . فأبيت عليهم ، فقالوا لي: بايع ، فإن الأمة لا ترضى إلا بك ، وإنا نخاف إن لم تفعل أن يفترق الناس ، فبايعتهم ، فلم يرعني إلا شقاق رجلين قد بايعاني ، وخلاف معاوية الذي لم يجعل الله عز وجل له سابقة في الدين ، ولا سلف صدق في الاسلام ، طليق ابن طليق ، حزب من هذه الأحزاب ، لم يزل / صفحة 314 / لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين عدوا ، هو وأبوه ، حتى دخلا في الاسلام كارهين فلا غرو إلا خلافكم معه ، وانقيادكم له ، وتدعون آل نبيكم صلى الله عليه وسلم الذين لا ينبغي لكم شقاقهم ولا خلافهم ، ولا أن تعدلوا بهم من الناس أحدا ، إلا أني أدعوكم إلى كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإماتة الباطل ، وإحياء معالم الدين ، أقول قولي هذا ، و استغفر الله لي ولكم ولكل مؤمن ومؤمنة ومسلم ومسلمة. فقالا: إشهد أن عثمان رضي الله عنه قتل مظلوما . فقال لهما: لا أقول: إنه قتل مظلوما ، ولا أنه قتل ظالما . قالا: فمن لم يزعم أن عثمان قتل مظلوما فنحن منه برآء . ثم قاما فانصرفا ، فقال علي: إنك لا تسمع الموتى ولا تسمع الصم الدعاء إذا ولوا مدبرين ، وما أنت بهادي العمي عن ضلالتهم ، إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون (1) .
تعرب عن مرمى معاوية هلم معي ننظر في شطر من كتب ابن حرب المعربة عن مرماه الذي كان تركاضه وراءه ، هل فيها إيعاز أو تلويح أو تصريح بغايته المتوخاة في نزاعه الإمام الطاهر عليه السلام ، وإنه كان يروم الخلافة ويحوم حولها وينازع الأمر أهله ؟ رغم إنكار ابن حجر إياه إنكارا باتا نصرة له . إن النعمان بن بشير لما قدم على معاوية بكتاب زوجة عثمان تذكر فيه دخول القوم عليه ، وما صنع محمد بن أبي بكر عن نتف لحيته ، في كتاب رققت فيه وأبلغت حتى إذا سمعه السامع بكى حتى يتصدع قلبه . وبقميص عثمان مخضبا بالدم ممزقا ، وعقدت شعر لحيته في زر القميص ، قال: فصعد المنبر معاوية بالشام وجمع الناس ، ونشر عليهم القميص ، وذكر ما صنعوا بعثمان فبكى الناس وشهقوا حتى كادت نفوسهم أن تزهق ، ثم دعاهم إلى الطلب بدمه ، فقام إليه أهل الشام فقالوا: هو ابن عمك وأنت وليه ، ونحن الطالبون معك بدمه ، فبايعوه أميرا عليهم ، وكتب ، وبعث الرسل إلى كور الشام ، وكتب ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ الطبري 6: 4 ، الكامل لابن الأثير 3: 125 ، تاريخ ابن كثير 7: 258 .
/ صفحة 315 / إلى شرحبيل بن السمط الكندي وهو بحمص يأمره أن يبايع له بحمص كما بايع أهل الشام ، فلما قرأ شرحبيل كتاب معاوية دعا أناسا من أشرف أهل حمص فقال لهم: ليس من قتل عثمان بأعظم جرما ممن يبايع لمعاوية أميرا ، وهذه سقطة ، ولكنا نبايع له بالخلافة ، ولا نطلب بدم عثمان مع غير خليفة ، فبايع لمعاوية بالخلافة هو وأهل حمص ثم كتب إلى معاوية: أما بعد: فإنك أخطأت خطأ عظيما حين كتبت إلي أن أبايع لك بالإمرة ، وإنك تريد أن تطلب بدم الخليفة المظلوم وأنت غير خليفة ، وقد بايعت ومن قبلي لك بالخلافة . فلما قرأ معاوية كتابه سره ذلك ودعا الناس وصعد المنبر وأخبرهم بما قال شرحبيل ودعاهم إلى بيعته بالخلافة ، فأجابوه ولم يختلف منهم أحد ، فلما بايع القوم له بالخلافة واستقام له الأمر كتب إلى علي (1) . وفي حديث عثمان بن عبيد الله الجرجاني قال: بويع معاوية على الخلافة ، فبايعه الناس على كتاب الله وسنة نبيه ، فأقبل مالك ابن هبيرة الكندي - وهو يومئذ رجل من أهل الشام - فقام خطيبا وكان غائبا من البيعة فقال: يا أمير المؤمنين ! اخدجت هذا الملك ، وأفسدت الناس ، وجعلت للسفهاء مجالا ، وقد علمت العرب أنا حي فعال ، ولسنا بحي مقال ، وإنا نأتي بعظيم فعالنا على قليل مقالنا ، فابسط يدك أبايعك على ما أحببنا وكرهنا . فقال الزبرقان بن عبد الله السكوني: معــــــاوي أخــــــدجت الخــــلافة بالتي * شــــــرطت فــــقد بوا لك الملك مالك بــــــبيعة فــــــصل ليـــــس فيها غميزة * ألا كــــــل ملـــــك ضمه الشرط هالك وكــــــان كبــــــيت العــــــنكبوت مذبذبا * فــــــأصبح محجوبــــــا عـليه الأرائك وأصبــــــح لا يــــــرجوه راج لعــــــلـة * ولا تـنـتـــحي فيــــــه الرجال الصعالك وما خــــــير ملـــــك يا معاوية ! مخدج * تجـــرع فيــــــه الغــــيظ والوجه حالك إذا شــــــاء ردتــــــه السكــون وحمير * وهمدان والحي الخفاف السكاسك(2) جرت بين الإمام عليه السلام وبين معاوية مكاتبات نحن نأخذ من تلكم الكتب ما يخص ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الإمامة والسياسة 1: 69 ، 70 . (2) كتاب صفين لابن مزاحم ص 90 .
/ صفحة 316 / بالموضوع ، كتب عليه السلام إليه في أول ما بويع له بالخلافة: أما بعد: فقد علمت إعذاري فيكم ، وإعراضي عنكم ، حتى كان ما لا بد منه ، ولا دفع له ، والحديث طويل ، والكلام كثير ، وقد أدبر ما أدبر ، وأقبل ما أقبل ، فبايع من قبلك ، وأقبل إلي في وفد من أصحابك ، والسلام . وفي لفظ: أما بعد: فإن الناس قتلوا عثمان عن غير مشورة مني ، وبايعوني عن مشورة منهم واجتماع ، فإذا أتاك كتابي فبايع لي ، وأوفد إلي أشراف أهل الشام قبلك . وفي لفظ ابن قتيبة: أما بعد: فقد وليتك ما قبلك من الأمر والمال ، فبايع من قبلك ، ثم أقدم إلي في ألف رجل من أهل الشام . فكتب معاوية: أما بعد: فإنه : ليــــــس بيني وبين قيس عتاب * غير طعن الكلى وضرب الرقاب ومن كتاب له عليه السلام إلى معاوية: وقد بلغك ما كان من قتل عثمان رحمه الله ، وبيعة الناس عامة إياي ، ومصارع الناكثين لي ، فادخل فيما دخل الناس فيه ، وإلا فأنا الذي عرفت ، وحولي من تعلمه . والسلام . ومما كتب عليه السلام إليه مع جرير البجلي: فإن بيعتي بالمدينة لزمتك وأنت بالشام لأنه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ، فلم يكن للشاهد أن يختار ولا للغائب أن يرد ، وإنما الشورى للمهاجرين والأنصار ، فإذا اجتمعوا على رجل وسموه إماما ، كان ذلك لله رضا ، وإن خرج عن أمرهم خارج بطعن أو بدعة ردوه إلى ما خرج عنه ، فإن أبى قاتلوه على اتباعه غير سبيل المؤمنين ، وولاه الله ما تولى ، وأصلاه جهنم وساءت مصيرا . فادخل فيما دخل فيه المسلمون ، فإن أحب الأمور إلي قبولك العافية ، إلا أن تتعرض للبلاء ، فإن تعرضت له قاتلتك ، واستعنت بالله عليك ، وقد أكثرت في قتلة عثمان ، فإن أنت رجعت عن رأيك وخلافك ، ودخلت فيما دخل فيه المسلمون ، ثم حاكمت القوم إلي ، حملتك وإياهم على كتاب الله ، وأما تلك التي تريدها فهي خدعة الصبي عن اللبن .
/ صفحة 317 / وأعلم أنك من الطلقاء الذين لا تحل لهم الخلافة ، ولا تعقد معهم الإمامة ، ولا يدخلون في الشورى ، وقد بعثت إليك وإلى من قبلك جرير بن عبد الله البجلي ، وهو من أهل الإيمان والهجرة ، فبايعه ، ولا قوة إلا بالله . قدم جرير على معاوية بكتاب علي ، فلما أبطأ عليه معاوية برأيه استحثه بالبيعة ، فقال له معاوية: يا جرير ! إن البيعة ليست بخلسة ، وإنه أمر له ما بعده ، فأبلعني ريقي ، ودعا أهل ثقته فاستشارهم ، فقال له أخوه عتبة: إستعن على هذا الأمر بعمرو بن العاص ، فإنه من قد عرفت ، فكتب معاوية إلى عمرو ، وهو بفلسطين: أما بعد: فقد كان من أمر علي وطلحة والزبير ما قد بلغك ، وقد سقط إلينا مروان بن الحكم في نفر من أهل البصرة ، وقدم علينا جرير بن عبد الله في بيعة علي ، وقد حبست نفسي عليك ، فأقدم على بركة الله ، أذاكرك أمورا لا تعدم صلاح مغبتها إن شاء الله . فقال معاوية لجرير: إني قد رأيت رأيا ، قال جرير: هات . قال: اكتب إلى علي أن يجعل لي الشام ومصر جباية ، فإن حضرته الوفاة لم يجعل لأحد من بعده في عنقي بيعة ، وأسلم إليه هذا الأمر ، وأكتب إليه بالخلافة . قال جرير: اكتب ما شئت . فكتب إلى علي يسأله ذلك ، فلما أتى عليا كتاب معاوية عرف إنها خدعة منه ، وكتب إلى جرير بن عبد الله: أما بعد: فإن معاوية إنما أراد بما طلب ألا يكون لي في عنقه بيعة ، وأن يختار من أمره ما أحب ، وأراد أن يرثيك ويبطئك حتى يذوق أهل الشام ، وقد كان المغيرة بن شعبة أشار علي وأنا بالمدينة أن أستعمله على الشام ، فأبيت ذلك عليه (1) ولم يكن الله ليراني أن أتخذ المضلين عضدا ، فإن بايعك الرجل وإلا فأقبل ، والسلام (2) . ولما فشا كتاب معاوية في العرب كتب إليه أخو عثمان لأمه الوليد بن عقبة: معاوي إن الشام شامك فاعتصم * بشــامك ، لا تدخل عليك الأفاعيا وحــــــام عليها بالصوارم والقنا * ولا تــــك موهون الذراعين وانيا وإن عليا نــــــاظر ما تجــــــيـبه * فأهــــــد له حـربا تشيب النواصيا ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع ما أسلفناه في الجزء السادس 142 ط 2 . (2) كتاب صفين 38 ، 58 ، 59 ، الإمامة والسياسة 1: 82 ، وفي ط 72 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 136 ، 249 - 251 .
/ صفحة 318 / وإلا فســــلم إن في السلم راحة * لمن لا يريد الحرب فاختر معاويا وإن كتــــــابا يا بــن حرب كتبته * عـــلى طمع يزجي إليك الدواهيا سألــــــت عــليا فيه ما لن تناله * وإن نــــــلته لــــــم تبق إلا لياليـا وسوف ترى منه التي ليس بعدها * بقــــــاء فـلا تكثر عليك الأمانيا أمثــــــل عــــــلي تعـــتريه بخدعة * وقد كان ما جريت من قبل كافيا؟ وكتب إلى معاوية أيضا: معـــــــاوي إن المـلك قد جب غاربه * وأنـــــــت بمــا في كفك اليوم صاحبه أتاك كتاب مـــــــن عـــــــلي بخـــطة * هــــي الفصل فاختر سلمه أو تحاربه فـــــــلا تـــــــرج عند الواترين مودة * ولا تـــــــأمن اليــوم الذي أنت راهبه وحـــــــاربه إن حــاربت حر بن حرة * وإلا فسلـــــــم لا تـــــــدب عـــــقاربه فـــــــإن عـــــــليا غـــير ساحب ذيله * عــــلى خدعة ما سوغ الماء شاربه فـــــــلا تدعـــــن الملك والأمر مقبل * وتطـــــــلب مــــا أعيت عليه مذاهبه فـــــــإن كـــنت تنوي أن تجيب كتابه * فقـــــــبح ممـــــــليه وقـــــــبح كـاتبه وإن كنـــــــت تنــــــوي أن ترد كتابه * وأنـــــــت بـــــــأمر لا محـــالة راكبه فـــــــألق إلــــى الحي اليمانين كلمة * عـــــــدو ومـــــــا لاهم عــليه أقاربه أفـــــــانين: منهم قـــــــاتل ومحرض * بـــــــلا ترة كانـــــــت وآخر ســــالبه وكـــــــنت أميـــــــرا قبل بالشام فيكم * فحـــــــسبي وإياكم من الحق واجبه تجـــــــيبوا [ومن أرسى ثبيرا مكانه] * تـــــــدافع بحر لا تـــــــرد غـــواربه فأقـــــــلل وأكثر، ما لها اليوم صاحب * سواك فصرح لست ممن تواربه(2) فأقام جرير عند معاوية ثلاثة أشهر . وقيل: أربعة . وهو يماطله بالبيعة ، فكتب علي إلى جرير: سلام عليك ، أما بعد: فإذا أتاك كتابي هذا فاحمل معاوية على الفصل ، وخذه بالأمر الجزم ، وخيره بين حرب مجلية ، أو سلم مخزية ، فإن اختار الحرب فأنبذ إليهم على سواء إن الله لا يحب الخائنين ، وإن اختار السلم فخذ بيعته وأقبل إلي ، والسلام . ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) المواربة: المخارعة والمداهاة .
/ صفحة 319 / فكتب معاوية إلى علي جوابا عن كتابه مع جرير: أما بعد: فلعمري لو بايعك القوم الذين بايعوك وأنت برئ من دم عثمان لكنت كأبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين ، ولكنك أغريت بدم عثمان المهاجرين . وخذلت عنه الأنصار ، فأطاعك الجاهل ، وقوي بك الضعيف ، وقد أبي أهل الشام إلا قتالك ، حتى تدفع إليهم قتلة عثمان ، فإن فعلت كانت شورى بين المسلمين ، وإنما كان الحجازيون هم الحكام على الناس والحق فيهم ، فلما فارقوه كان الحكام على الناس أهل الشام ، ولعمري ما حجتك علي كحجتك على طلحة والزبير ، لأنهما بايعاك ولم أبايعك ، وما حجتك على أهل الشام كحجتك على أهل البصرة ، لأن أهل البصرة أطاعوك ، ولم يطعك أهل الشام . فكتب إليه الإمام عليه السلام: زعمت أنك إنما أفسد عليك بيعتي خفري (1) بعثمان ولعمري ما كنت إلا رجلا من المهاجرين ، أوردت كما أوردوا ، وأصدرت كما أصدروا ، وما كان ليجمعهم على ضلال ، ولا ليضربهم بالعمى ، وما أمرت فلزمتني خطيئة الأمر ، ولا قتلت فأخاف على نفسي قصاص القاتل . وأما قولك: إن أهل الشام هم حكام أهل الحجاز ، فهات رجلا من قريش الشام يقبل في الشورى ، أو تحل له الخلافة ، فإن سميت كذبك المهاجرون و الأنصار ، ونحن نأتيك به من قريش الحجاز . فارجع إلى البيعة التي لزمتك ، وحاكم القوم إلي . وأما تمييزك بين أهل الشام والبصرة ، وبينك وبين طلحة والزبير ، فلعمري فما الأمر هناك إلا واحد ، لأنها بيعة عامة ، لا يتأتى فيها النظر ، ولا يستأنف فيها الخيار . ومن كتاب كتبه معاوية إلى علي عليه السلام في أواخر حرب صفين: فإن كنت - أبا حسن - ! إنما تحارب على الإمرة والخلافة فلعمري لو صحت خلافتك لكنت قريبا من أن تعذر في حرب المسلمين ، ولكنها ما صحت لك ، أنى بصحتها وأهل الشام لم يدخلوا فيها ولم يرتضوها ؟ وخف الله وسطواته ، واتق بأسه ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الخفر: نقض العهد . الغدر .
/ صفحة 320 / ونكاله ، واغمد سيفك عن الناس ، فقد والله أكلتهم الحرب ، فلم يبق منهم إلا كالثمد (1) في قرارة الغدير . والله المستعان . فكتب علي عليه السلام إليه كتابا منه: وأما تحذيرك إياي أن يحبط عملي وسابقتي في الاسلام ، فلعمري لو كنت الباغي عليك لكان لك أن تحذرني ذلك ، ولكني وجدت الله تعالى يقول: فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله . فنظرنا إلى الفئتين ، أما الفئة الباغية فوجدناها الفئة التي أنت فيها ، لأن بيعتي لزمتك وأنت بالشام ، كما لزمتك بيعة عثمان بالمدينة ، وأنت أمير لعمر على الشام ، وكما لزمت يزيد أخاك بيعة عمر وهو أمير لأبي بكر على الشام . وأما شق عصا هذه الأمة ، فأنا أحق أن أنهاك عنه ، فأما تخويفك لي من قتل أهل البغي فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني بقتالهم وقتلهم وقال لأصحابه: إن فيكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله. وأشار إلي ، وأنا أولى من اتبع أمره ، وأما قولك: إن بيعتي لم تصح ، لأن أهل الشام لم يدخلوا فيها ، فكيف ؟ وإنما هي بيعة واحدة تلزم الحاضر والغائب ، لا يثنى فيها النظر ، ولا يستأنف فيها الخيار ، الخارج منها طاعن ، والمروي (2) فيها مداهن ، فاربع على ظلعك ، وانزع سربال غيك ، واترك ما لا جدوى له عليك ، فليس لك عندي إلا السيف ، حتى تفئ إلى أمر الله صاغرا ، وتدخل في البيعة راغما ، والسلام . ومن كتاب لمعاوية إلى علي عليه السلام: فدع اللجاج والعبث جانبا ، وادفع إلينا قتلة عثمان ، وأعد الأمر شورى بين المسلمين ، ليتفقوا على من هو لله رضا ، فلا بيعة لك في أعناقنا ، ولا طاعة لك علينا ، ولا عتبى لك عندنا ، وليس لك ولأصحابك إلا السيف . فأجابه الإمام عليه السلام بكتاب منه قوله: وزعمت أن أفضل الناس في الاسلام فلان وفلان ، فذكرت أمرا إن تم اعتزلك ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الثمد: الماء القليل يتجمع في الشتاء وينضب في الصيف . (2) روى في الأمر: نظر وفكر ، أي الذي يفكر ويروي فيها ويبطئ عن الطاعة مداهن أي: منافق .
/ صفحة 321 / كله ، وإن نقص لم يلحقك ثلمه ، وما أنت والفاضل والمفضول ؟ والسائس والمسوس ؟ وما للطلقاء وأبناء الطلقاء والتمييز بين المهاجرين الأولين ، وترتيب درجاتهم ، وتعريف طبقاتهم ؟ هيهات لقد حن قدح ليس منها ، وطفق يحكم فيها من عليه الحكم لها ، ألا تربع أيها الانسان ! على ظلعك ؟ وتعرف قصور ذرعك ، وتتأخر حيث أخرك القدر ؟ فما عليك غلبة المغلوب ، ولا لك ظفر الظافر . ومنه قوله عليه السلام: وذكرت إنه ليس لي ولا صحابي عندك إلا السيف ، فلقد أضحكت بعد استعبار ، متى ألفيت بني عبد المطلب عن الأعداء ناكلين ، وبالسيوف مخوفين ؟ ! ؟ ! فلبث قليلا يلحق الهيجا حمل (1) فسيطلبك من تطلب ، ويقرب منك ما تستبعد ، وأنا مرقل نحوك في جحفل من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان ، شديد زحامهم ، ساطع قتامهم متسربلين سرابيل الموت ، أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم ، وقد صحبتهم ذرية بدرية ، وسيوف هاشمية ، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك وأهلك ، وما هي من الظالمين ببعيد . ولما نزل علي عليه السلام الرقة قالت له طائفة من أصحابه: يا أمير المؤمنين ! اكتب إلى معاوية ومن قبله من قومك ، فإن الحجة لا تزداد عليهم بذلك إلا عظما . فكتب إليهم: من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية ومن قبله من قريش: سلام عليكم ، فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ، أما بعد: فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل ، وعرفوا التأويل ، وفقهوا في الدين ، وبين الله فضلهم في القرآن الحكيم ، وأنتم في ذلك الزمان أعداء للرسول تكذبون بالكتاب ، مجمعون على حرب المسلمين ، من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه ، حتى أراد الله تعالى إعزاز دينه ، وإظهار أمره ، فدخلت العرب في الدين أفواجا ، وأسلمت له هذه الأمة طوعا وكرها ، فكنتم فيمن دخل في هذا الدين إما رغبة أو رهبة ، على حين فاز أهل السبق بسبقهم ، وفاز المهاجرون الأولون بفضلهم ، ولا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) حمل ، هو حمل بن سعدانه الصحابي شهد صفين مع معاوية .
/ صفحة 322 / الدين ، ولا فضائلهم في الاسلام ، أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله وأولى به فيحوب ويظلم ، ولا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره ، ويعدو طوره ، ويشقي نفسه بالتماس ما ليس بأهله ، فإن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما وحديثا أقربها من الرسول ، وأعلمها بالكتاب ، وأفقهها في الدين ، أو لهم إسلاما ، وأفضلهم جهادا ، وأشدهم بما تحمله الأئمة من أمر الأمة اضطلاعا ، فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ، ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ، وأعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون ، وأن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ، فإن للعالم بعلمه فضلا ، وإن الجاهل لا يزداد بمنازعته العالم إلا جهلا ، ألا وإني أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه ، وحقن دماء هذه الأمة ، فإن قبلتم أصبتم رشدكم ، واهتديتم لحظكم ، وإن أبيتم إلا الفرقة وشق عصا هذه الأمة ، لم يزدادوا من الله إلا بعدا ، ولا يزداد الرب عليكم إلا سخطا ، والسلام . راجع الإمامة والسياسة 1: 20 ، 71 ، 72 ، 77 ، 78 ، كتاب صفين 34 ، 38 ، 58 ، 59 ، 62 - 65 ط مصر ، كامل المبرد 1: 155 ، 157 ، العقد الفريد 2: 233 . وفي ط 284 ، نهج البلاغة 2: 7 ، 8 ، 30 ، 35 ، 98 ، شرح ابن أبي الحديد 1: 77 ، 136 ، 248 ، 252 و ج 3: 300 ، 302 ، صبح الأعشى 1: 229 ، نهاية الإرب 7: 233 . ومر بعض هذه الكتب بتمامه في هذا الجزء . قال الأميني: ألم تعلم أيها القارئ الكريم عقيب ما استشففت هذه الكتب المترددة بين إمام الحق ورجل السوء " معاوية " أنه حين يسر حسوا في ارتغاء محتجا بقتل عثمان تارة ، وبإيواء قاتليه تارة أخرى ، وبطلبه حقن الدماء كمن لا يبتغيه هو ، أنه كان لا يبتغي إلا الخلافة ؟ وأنه يعدو إليها ضابحا ، ويضحي دونها كل غال ورخيص ، ويهب دونها الولايات ، ويمنح تجاهها المنائح ، ويهب الرضائخ ، ويستهوي بها النفوس الخائرة ، ومهملجي نهمة الحاكمية ، ويستهين بيعة المهاجرين والأنصار ، وهم إلب واحد لبيعة إمام الهدى صلوات الله عليه ، ويحسبهم قد فارقوا الحق وخبطوا في العمى ، ويرجح كفة الشام على كفة عاصمة الاسلام ، وأهلوه هم الصحابة العدول من المهاجرين والأنصار ، على أنه ليس للطليق ابن الطليق أن يتدخل في شأن هم أثبتوا دعائمه، / صفحة 323 / وشيدوا معالمه ، ومن الذي منحه النظر في أمر هذا شأنه ؟ ومتى كان له ولطغام الشام أن يجابهوا إمرة الحق التي نهض بها أهل الحل والعقد ؟ ولم يباشر الحرب هنالك إلا بعد أن أتم الإمام عليه السلام عليه الحجة ، وألحب له الطريق ، وأوقفه على حكم الله البات وأمره النهائي ، غير أن معاوية في أذنه وقر عن سماع كلم الحق والبخوع لها ، والملك عقيم .
يعرب عن مرمى ابن هند مر في سالف القول ص 317 إن معاوية قال لجرير: يجعل علي له الشام ومصر جباية ، ويكون الأمر له بعده ، حتى يكتب إليه بالخلافة ، وكتب بذلك إليه عليه السلام ، وكتب إليه عليه السلام يسأله إقراره على الشام فكتب إليه علي عليه السلام: أما بعد: فإن الدنيا حلوة خضرة ، ذات زينة وبهجة ، لم يصب إليها أحد إلا شغلته بزينتها عما هو أنفع له منها ، وبالآخرة أمرنا ، وعليها حثثنا ، فدع يا معاوية ! ما يفنى ، واعمل لما يبقى ، واحذر الموت الذي إليه مصيرك ، والحساب الذي إليه عاقبتك ، واعلم أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيرا حال بينه وبين ما يكره ، ووفقه لطاعته ، وإذا أراد بعبد سوءا أغراه بالدنيا وأنساه الآخرة ، وبسط له أمله ، وعاقه عما فيه صلاحه ، وقد وصلني كتابك فوجدت ترمي غير غرضك ، وتنشد غير ضالتك ، وتخبط في عماية ، وتتيه في ضلالة ، وتعتصم بغير حجة ، وتلوذ بأضعف شبهة . فأما سؤالك المتاركة والاقرار لك على الشام ، فلو كنت فاعلا ذلك اليوم لفعلته أمس ، وأما قولك: إن عمر ولاكه فقد عزل من كان ولاه صاحبه (1) وعزل عثمان من كان عمر ولاه (2) ولم ينصب للناس إمام إلا ليرى من صلاح الأمة ما قد كان ظهر لمن قبله أو أخفي عنه عيبه ، والأمر يحدث بعده الأمر ، ولكل وال رأي واجتهاد (3) وكتب الرجل إليه عليه السلام ثانية - قبل ليلة الهرير بيومين أو ثلاثة - يسأله إقراره على ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يريد خالد بن الوليد كان ولاه أبو بكر فعزله عمر . (2) عزل عثمان عمال عمر كلهم غير معاوية . (3) نهج البلاغة 2: 44 ، شرح ابن أبي الحديد 4: 57 .
/ صفحة 324 / الشام وذلك أن عليا عليه السلام قال: لأناجزنهم مصبحا . وتناقل الناس كلمته ، ففزع أهل الشام لذلك ، فقال معاوية: قد رأيت أن أعاود عليا وأسأله إقراري على الشام ، فقد كنت كتبت إليه ذلك فلم يجب إليه (1) ولأكتبن ثانية ، فألقى في نفسه الشك والرقة ، فكتب إليه . أما بعد: فإنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك ما بلغت ، لم يجنها بعضنا على بعض ، ولئن كنا قد غلبنا على عقولنا ، لقد بقي لنا منها ما نندم به على ما مضى ، ونصلح به ما بقي ، وقد كنت سألتك الشام على أن لا تلزمني لك بيعة وطاعة فأبيت ذلك علي ، فأعطاني الله ما منعت ، وأنا أدعوك اليوم إلى ما دعوتك إليه أمس ، فإني لا أرجو من البقاء إلا ما ترجو ، ولا أخاف من الفناء إلا ما تخاف ، وقد والله رقت الأجناد وذهبت الرجال ، ونحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضل إلا فضل لا يستذل به عزيز ، ولا يسترق به حر ، والسلام . فأجابه علي عليه السلام: أما بعد فقد جاءني كتابك تذكر أنك لو علمت وعلمنا أن الحرب تبلغ بنا وبك لم يجنها بعضنا على بعض ، فإني لو قتلت في ذات الله وحييت ، ثم قتلت ثم حييت سبعين مرة لم أرجع عن الشدة في ذات الله ، والجهاد لأعداء الله ، وأما قولك: إنه قد بقي من عقولنا ما نندم على ما مضى فإني ما تنقصت عقلي ، ولا ندمت على فعلي ، وأما طلبك إلي الشام فإني لم أكن لأعطيك اليوم ما منعتك أمس ، وأما قولك: إن الحرب قد أكلت إلا حشاشات أنفس بقيت ، ألا ومن أكله الحق فإلى الجنة ، ومن أكله الباطل فإلى النار . الكتاب (2) . وكتب معاوية إلى ابن عباس: أما بعد: فإنكم معشر بني هاشم لستم إلى أحد أسرع منكم بالمساءة إلى أنصار ابن عفان حتى أنكم قتلتم طلحة والزبير لطلبهما بدمه ، واستعظامهما ما نيل منه ، ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كذب الرجل وقد أجابه الإمام (ع) بما سمعت غير أنه كتمه على أصحابه خوفا من أن يهتدي به بعض إلى الحق ويفارق الباطل . (2) الإمامة والسياسة 1: 88 وفي ط 95 ، كتاب صفين ص 538 ، مروج الذهب 2 60 ، 61 ، نهج البلاغة 2: 12 ، شرح ابن أبي الحديد 3: 424 .
/ صفحة 325 / فإن كان ذلك منافسة لبني أمية في السلطان ، فقد وليها عدي وتيم (2) فلم تنافسوهم وأظهرتم لهم الطاعة . وقد وقع من الأمر ما قد ترى ، وأدالت هذه الحرب بعضنا على بعض حتى استوينا فيها ، فما يطعمكم فينا يطعمنا فيكم ، وما يؤيسنا منكم يؤيسكم منا ، ولقد رجونا غير الذي كان ، وخشينا دون ما وقع ، ولستم ملاقينا اليوم بأحد من حدكم أمس ، ولا غدا بأحد من حدكم اليوم ، وقد قنعنا بما في أيدينا من ملك الشام ، فاقنعوا بما في أيديكم من ملك العراق ، وأبقوا على قريش ، فإنما بقي من رجالها ستة: رجلان بالشام ، ورجلان بالعراق . ورجلان بالحجاز ، فأما اللذان بالشام فأنا وعمرو . وأما اللذان بالعراق فأنت وعلي . وأما اللذان بالحجاز فسعد وابن عمر (3) فإثنان من الستة ناصبان لك ، واثنان واقفان فيك ، وأنت رأس هذا الجمع ، ولو بايع لك الناس بعد عثمان كنا إليك أسرع منا إلى علي . فكتب ابن عباس إليه: أما بعد: فقد جاءني كتابك وقرأته ، فأما ما ذكرت من سرعتنا بالمساءة إلى أنصار عثمان وكراهتنا لسلطان بني أمية ، فلعمري لقد أدركت في عثمان حاجتك حين استنصرك فلم تنصره حتى صرت إلى ما صرت إليه ، وبيني وبينك في ذلك ابن عمك وأخو عثمان الوليد بن عقبة ، وأما طلحة والزبير فإنهما أجلبا عليه ، وضيقا خناقه ، ثم خرجا ينقضان البيعة ويطلبان الملك ، فقاتلناهما على النكث وقاتلناك على البغي ، وأما قولك: إنه لم يبق من قريش إلا ستة فما أكثر رجالها ، وأحسن بقيتها ، وقد قاتلك من خيارها من قاتلك ، ولم يخذلنا إلا من خذلك ، وأما إغراؤك إيانا بعدي وتيم ، فإن أبا بكر وعمر خير من عثمان كما أن عثمان خير منك ، وقد بقي لك منا ما ينسيك ما قبله وتخاف ما بعده ، وأما قولك: إنه لو بايعني الناس استقمت ، فقد بايع الناس عليا وهو خير مني فلم تستقم له: وما أنت وذكر الخلافة يا معاوية ؟ وإنما أنت طليق وابن طليق ، والخلافة للمهاجرين الأولين ، وليس الطلقاء منها في شيئ ، والسلام (1) وفي لفظ ابن قتيبة: فما ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) يعني أبا بكر وعمر . (2) يعني سعد بن أبي وقاص ، وعبد الله بن عمر . (3) الإمامة والسياسة 1: 85 ، وفي ط 96 ، شرح ابن أبي الحديد 2: 289 .
/ صفحة 326 / أنت والخلافة ؟ وأنت طليق الاسلام ، وابن رأس الأحزاب ، وابن آكلة الأكباد من قتلى بدر . وخطب معاوية بعد دخوله الكوفة وصلح الإمام السبط سلام الله عليه فقال: يا أهل الكوفة ! أتراني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج ؟ وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون . ولكنني قاتلتكم لأتأمر عليكم وعلى رقابكم ، وقد آتاني الله ذلك وأنتم كارهون ، ألا إن كل مال أو دم أصيب في هذه الفتنة فمطلول ، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين . شرح ابن أبي الحديد 4: 6 ، تاريخ ابن كثير 8: 131 واللفظ للأول . قال معروف بن خربوذ المكي: بينا عبد الله بن عباس جالس في المسجد ونحن بين يديه إذ أقبل معاوية فجلس إليه فأعرض عنه ابن عباس فقال له معاوية: مالي أراك معرضا ؟ ألست تعلم أني أحق بهذا الأمر من ابن عمك ؟ قال: لم ؟ لأنه كان مسلما وكنت كافرا ؟ قال: لا ، ولكني ابن عم عثمان . قال: فابن عمي خير من ابن عمك . قال: إن عثمان قتل مظلوما . قال: وعندهما ابن عمر فقال ابن عباس: فإن هذا والله أحق بالأمر منك . فقال معاوية: إن عمر قتله كافر وعثمان قتله مسلم . فقال ابن عباس: ذاك والله أدحض لحجتك . مستدرك الحاكم 3: 467 . قال الأميني: إن هذه الكلم لتعطي القارئ دروسا ضافية من تحري معاوية للخلافة لا غيرها من أول يومه ، ولم يكن في وسع ابن آكلة الأكباد دفع شيئ مما كتب إليه من ذلك ، وإنه كان يريد على فرض قصوره النيل لكل الأمنية القناعة ببعضها ، فيصفو له ملك الشام ومصر ، وللإمام عليه السلام ما تحت يده من الحواضر الإسلامية وزرافات الأجناد ، عسى أن يتخذ ذلك وسيلة للتوصل إلى بقية الأمل في مستقبل أيامه ، وكانت هذه القسمة ابتداعا في أمر الخلافة الإسلامية ، وتفريقا بين صفوفها ، لم تأل إلى سابقة في الدين ، ولا أمضاها أهله في دور من الأدوار ، وإنما هي فصمة في الجماعة ، وتفريق للطاعة ، وتفكيك لعرى الاسلام ، وتضعيف لقواه ، وبيعة عامة تلزم القاصي والداني لا يستثنى منها جيل دون جيل ، ولا يجوز انحياز أمة عنها دون أمة ، وإنما هو الخليفة الأخير الذي أوجبت الشريعة قتله كما مر حديثه الصحيح الثابت ، / صفحة 327 / وإنه هو معاوية نفسه ، فما كان يسع الإمام عليه السلام والحالة هذه إلا قتال هذا الطاغية أو يفئ إلى أمر الله . |
|