عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
- 22 - عن خالد الربعي قال : مكتوب في التوراة : إن السماء والأرض لتبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين صباحا . الروض الفائق للحريفيش ص 255 . لعل هذه الخاصة لعمر بن عبد العزيز خاصة بتوراة الربعي فإن توراة موسى عليه السلام ما كانت موجودة في تلكم العصور، فلا يقف عليها الربعي وغيره، وأما التوراة المحرفة فأي حجة لما فيها من أساطير، على إن نسخ التوراة الموجودة الآن على اختلاف طبعاتها خالية عن هذا العز والمختلق . وحسبك في عرفان خطر عمر بن عبد العزيز قول الإمام أحمد بن حنبل لما سئل : أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز : فقال : لغبار لحق بأنف جواد معاوية بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم خير من عمر بن عبد العزيز (1) وقال عبد الله بن المبارك : تراب في أنف معاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز . و في لفظ : لتراب في منخري معاوية مع رسول الله خير وأفضل من عمر بن عبد العزيز(2). فما خطر رجل يكون تراب منخر ابن هند أو منخر جواده أفضل منه حتى يذكر في التوراة ؟ أو تبكي عليه السماء والأرض أربعين يوما ؟ فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين .
- 23 - رعاء الشاة في خلافة عمر بن عبد العزيز قال اليافعي في - روض الرياحين - ص 165 : حكي إنه لما ولي عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه الخلافة قال رعاء الشاة في رأس الجبال : من هذا الخليفة الصالح الذي قد قام على الناس ؟ فقيل لهم : وما أعلمكم بذلك ؟ قالوا : إنه إذا قام خليفة صالح كف الذئاب والأسد عن شياهنا . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) شذرات الذهب 1 : 65 . (2) تاريخ ابن كثير 8 : 139، الصواعق ص 127 .
/ صفحة 121 / قال الأميني ما أعرف السباع المفترسة في القرون الخالية بصالح الخلفاء من طالحهم، حتى كفت عن الفرس والعدوان جريا على الصالح العام ؟ وما أجهل به الانسان الظلوم الجهول حتى حاد عنه وخاصمه وعانده وحاربه وقاتله ؟ ولو كانت هذه السيرة مطردة في السباع في كل أدوار الحياة، ولم يكن هذا الشعور الحي من خاصة سباع عصر عمر بن عبد العزيز ورعاءه ؟ لكانت لها أن تفني شياه الدنيا ولم تبق منها شيئا يوم معاوية ويزيد وهلم جرا، أو ارجع إلى الوراء القهقرى .
- 24 - كان عمر بن عبد العزيز يأتي المساجد المهجورة في الليل فيصلي فيها ما يسر الله عز وجل، فإذا كان وقت السحر وضع جبهته على الأرض، ومرغ خده على التراب، ولم يزل ييكي إلى طلوع الفجر، فلما كان في بعض الليالي فعل ذلك على العادة، فلما فرغ ورفع رأسه من صلاته وتضرعه وجد رقعة خضراء قد اتصل نورها بالسماء مكتوب فيها : هذه برائة من النار من الملك العزيز لعبده عمر بن عبد العزيز . وأخرج ابن أبي شيبة بإسناده عن عبد العزيز بن أبي سلمة : إن عمر بن عبد العزيز لما وضع عند قبره هبت ريح شديدة فسقطت صحيفة بأحسن كتاب فقرأوها فإذا فيها : بسم الله الرحمن الرحيم، براءة من الله لعمر بن عبد العزيز من النار . فأدخلوها بين أكفانه ودفنوها معه . تاريخ ابن كثير 9 : 210، الروض الفائق للحريفيش ص 256 . وروى ابن عساكر في ترجمة يوسف بن ماهك قال : بينما نحن نسوي التراب على قبر عمر بن عبد العزيز إذ سقط علينا من السماء كتاب فيه : بسم الله الرحمن الرحيم، أمان من الله لعمر بن عبد العزيز من النار . قال الأميني : سوف يتبين الرشد من الغي يوم العرض الأكبر .
- 25 - امرأة تلد بدعاء مالك ابن أربع سنين أخرج البيهقي في السنن الكبرى 7 : 443 بإسناده عن هاشم المجاشعي قال : بينما
/ صفحة 122 / مالك بن دينار - المتوفى 123 وقيل غير ذلك - يوما جالس إذ جاءه رجل فقال : يا أبا يحيى ! ادع لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد، فغضب مالك و أطبق المصحف ثم قال : ما يرى هؤلاء القوم إلا أنا أنبياء، ثم دعا فقال : أللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجها عنها الساعة، وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاما، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب، ثم رفع مالك يده ورفع الناس أيديهم، وجاء الرسول إلى الرجل فقال : أدرك امرأتك، فذهب الرجل، فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ابن أربع سنين قد استوت أسنانه ما قطعت أسراره . قال الأميني : ليس من المستحيل التلفظ بالمحال، لكن التقوى أو الحياء يزع كل منهما الانسان عن أن يلهج بما هو خارج عن مستوى المعقول . ألا من مسائل هذا الراوي عن إن رحم المرأة هل فيها تمطط فتبلغ من السعة ما يقل ابن أربع سنين وقد استوت أسنانه ونبت شعره ويركب الرقاب ؟ وهب إن فيها تمططا فهل ما يحويها من بنية البدن له مثل ذلك التمطط ؟ فيجب عليه أن يكون في هيئة الحامل إذن تضخما أكثر من النساء العاديات، فهل كانت أم الغلام هكذا ؟ أو إنها بقيت على حالتها وهي كرامة أخرى لأحد من عباد الله ؟ سبحان الذي تولى كلائة هذه المرأة المسكينة عن أن تنكسر عظامها، وتنقطع عروقها، وينفتق جلدها ولحمها، وقد فعل سبحانه ما أراد في الزمن من الماضي . ورحم الله مالك بن دينار لولا دعائه للمرأة المسكينة لكان يبقى جنينها في بطن أمه أربعين عاما أو إلى ما شاء الله . ثم هل كان المولود في بطن أمه أنثى فأبد له دعاء ابن دينار ذكرا ؟ أو أنه كان ذكرا ولا صلة للدعاء المذكور به، وأن الله هو الذي يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور ؟ وإن من المقطوع به إن في تلك الساعة كان قد أفرزت خلقة المولود وصور مثاله فلم يبق فيه بعد مجال للتغير والتأثر وإنه إما ذكر أو أنثى، فلا محل من الإعراب لدعاء ابن دينار : [وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاما] غير أنه دعا، وهل كانت له هذه / صفحة 123 / الدعوة المستجابة بعد الولادة أخذا بقوله : إنك تمحو ما تشاء وتثبت ؟ لعلها له وليس على الله بعزيز، ولا يسئل عما يفعل، وهو على كل شئ قدير .
- 26 - قال الجريري سعيد بن إياس المتوفى 144 : كان عبد الله بن شقيق العقيلي أبو عبد الرحمن البصري مجاب الدعوة كانت تمر به السحابة فيقول : أللهم لا تجوز كذا و كذا حتى تمطر . فلا تجوز ذلك الموضع حتى تمطر . حكاه ابن أبي خيثمة في تاريخه [تهذيب التهذيب 5 : 254] . قال الأميني : لعلك لا تستبعد إجابة دعوة ولي من أولياء الله وتراها غير عزيز على المولى سبحانه كرامة لصالحي عباده، بيد إن هذه النسبة تبعد من العقيلي بعد المشرقين بعد ما عرفه الملأ ممن نصب العداء لسيد العترة قال ابن خراش : كان عثمانيا يبغض عليا، وقال أحمد بن حنبل : كان يحمل على علي (1) فأي كرامة لابن أنثى لا يوالي سيد العرب أمير المؤمنين فضلا عن أن يعاديه بعد ما ثبت عن النبي الأقدس من الدعوة المستجابة بقوله في علي عليه السلام : اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، (2) وبعد عهد النبي صلى الله عليه وآله إليه سلام الله عليه إنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق (3) وبعد قوله صلى الله عليه وآله : يا علي لا يبغضك مؤمن ولا يحبك منافق (4) وبعد قوله صلى الله عليه وآله : لا يحب عليا المنافق، ولا يبغضه مؤمن (5) وبعد قوله صلى الله عليه وآله : لولاك يا علي ! ما عرف المؤمنون بعدي (6) وبعد قوله صلى الله عليه وآله : والله لا يبغضه أحد من أهل بيتي ولا من غيرهم من الناس إلا وهو خارج من الإيمان (7) وبعد قوله صلى الله عليه وآله: ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تهذيب التهذيب 5 : 254 . (2) راجع حديث الغدير في الجزء الأول من كتابنا هذا . (3) راجع ما أسلفناه في الجزء الثالث ص 161 . (4) راجع ما مر في الجزء الثالث 162 . (5) راجع ص 163 من الجزء الثالث . (6) راجع ص 164 من الجزء الثالث . (7) يأتي في مسند المناقب بمصادره .
/ صفحة 124 / يا علي أنت سيد في الدنيا سيد في الآخرة، حبيبك حبيبي وحبيبي حبيب الله، وعدوك عدوي وعدوي عدو الله، والويل لمن أبغضك بعدي(1) . وبعد قوله صلى الله عليه وآله : يا علي طوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب فيك (2) وبعد قوله صلى الله عليه وآله لعلي عليه السلام : من أحبك أحبني، ومن أبغضك أبغضني (3) إلى أحاديث جمة . فكيف يسع لمسلم يصدق رسول الله صلى الله عليه وآله في أقواله هذه أن يذعن بكرامة ابن شقيق مبغض علي عليه السلام والمتحامل عليه بالوقيعة فيه، ويراه مستجاب الدعوة، نافذ المشيئة في السحاب . نعم يسوغه الغلو في الفضائل لا عن دراية وأما الجريري راوي هذه المهزأة فقد عرفت في ما مر في هذا الجزء : إنه اختلط قبل موته بثلاث سنين، وهذه الرواية من آيات اختلاطه .
- 27 - أخرج أبو نعيم في (حلية الأولياء) 3 : 5 بالإسناد عن عبد الواحد بن زيد قال : كنت مع أيوب السختياني (4) على حراء فعطشت عطشا شديدا حتى رأى ذلك في وجهي فقال . ما الذي أرى بك ؟ قلت : العطش، وقد خفت على نفسي، قال : تستر علي ؟ قلت : نعم . قال : فاستحلفني فحلفت له أن لا أخبر عنه ما دام حيا، قال : فغمز برجله على حراء فنبع الماء فشربت حتى رويت وحملت معي من الماء قال : فما حدثت به أحدا حتى مات . وفي [الروض الفائق] ص 126 : كان جماعة مع أيوب السختياني في سفر فأعياهم طلب الماء فقال أيوب : أتسترون علي ما عشت ؟ فقالوا : نعم . فدور دائرة فنبع الماء قال : فشربنا فلما قدموا البصرة أخبر به حماد بن زيد . قال عبد الواحد بن زيد : شهدت معه ذلك اليوم . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مستدرك الحاكم 3 ص 128 وصححه ووثق الذهبي رواته . (2) مستدرك الحاكم 3 ص 135 وصححه . (3) مستدرك الحاكم 3 ص 142 صححه الحاكم والذهبي . (4) توفي سنة 121 توجد ترجمته في حلية الأولياء 3 : 3 - 14
/ صفحة 125 /
- 28 - أتى رجل من أهل خراسان حبيب بن محمد العجمي البصري يريد مكة وقال له : يا شيخ ! اشتر لي دارا ودفع إليه مالا وخرج إلى مكة فأخذ حبيب المال فتصدق به فلما قدم الرجل قال له : إذهب بي إلى الدار التي اشتريتها فأرنيها فقال له : إنك لا تراها اليوم ولكن إذا مت تراها فقال له الخراساني : اكتب إلي عهدتها حتى أذهب بها إلى خراسان فكتب له حبيب : بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما اشترى حبيب قصرا في الجنة كذا وكذا، وارتفاعه كذا كذا في الجنة . ثم ختم الكتاب ودفعه إليه فأخذه الرجل فذهب به إلى خراسان إلى أهله فقالوا له : أنت مجنون لولا إنك ضيعت مالك لذهب بك إلى الدار، ولكن هذا شأن مجنون، فبقي الرجل ما شاء الله، فلما حضره النزع قال لأهله : إجعلوا هذا الكتاب في كفني، فلما مات وضعوه في أكفانه وحملوه إلى القبر فأصبح حبيب بالبصرة وإذا الكتاب عنده في بيته وفي ذيله : يا أبا محمد ! إن الله قد سلم إليه القصر الذي اشتريته له فذهب إلى أهل الرجل وقال لهم : إن الله قد سلم إلى أبيكم القصر، وهذه العهدة فبصروا بها فإذا هي الكتاب الذي وضعوه معه في القبر . أخرجه ابن عساكر في تاريخه 4 : 32 وقال مهذبه : قد روى الحافظ هذه القصة بإسناده من طريقين مطول ومختصر والمعنى واحد، وهذه القصة كانت لحبيب، وأرجو أن ؟ لا يحوم حولها المدعون فيجعلونها سلما لأكل مال الناس بالباطل، فإن أحوال أمثال حبيب لا يقاس عليها ولا تكون قاعدة للعمل .
- 29 - ذكر الإمام أبو محمد ضياء الدين الشيخ أحمد الوتري الشافعي المتوفى بمصر في عشر الثمانين والتسعمائة في كتابه (روضة الناظرين) ص 8 نقلا عن خليل بن محمد الصياد إنه قال : غاب أبي فتألمت فجئت إلى معروف - الكرخي المتوفى 200 / 1 / 4 - فقلت : غاب أبي فقال : ما تريد ؟ قلت : رجوعه . قال : أللهم إن السماء سماؤك، والأرض أرضك وما بينهما لك ائت بمحمد، فأتيت باب الشام فإذا هو واقف فقلت : أين كنت ؟ / صفحة 126 / قال : كنت الساعة بالأنبار (1) ولا أعلم ما صار . عجبا العقول تسوغ مثل هذا لكل معروف ومنكر، ولا تسوغه في أمير المؤمنين علي صلوات الله عليه يوم حضر تغسيل سلمان بالمدائن وكان سلام الله عليه بالمدينة . راجع الجزء الخامس ص 15 - 21 ط 2 .
- 30 - أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة 4 : 245 عن حذيفة بن قتادة المرعشي المتوفى 207 قال : قال : كنت في المركب فكسر بنا فوقعت أنا وامرأة على لوح من ألواح المركب فمكثنا سبعة أيام فقالت المرأة : أنا عطشى . فسألت الله تعالى أن يسقينا فنزلت علينا من السماء سلسلة فيها كوز معلق فيه ماء فشربت، فرفعت رأسي أنظر إلى السلسلة فرأيت رجلا في الهواء متربعا فقلت : من أنت ؟ قال : من الإنس . قلت : فما الذي بلغك هذه المنزلة ؟ قال : أثرت مراد الله عز وجل على هواي فأجلسني كما تراني . وإن تعجب فعجب من أقوام يقبلون هذا ويبهظهم حديث البساط لمولانا أمير المؤمنين عليه السلام.
- 31 - أخرج ابن الجوزي في صفة الصفوة 2 : 205 عن أحمد بن نصر الخزاعي (2) أحد أئمة السنة الإمام الشهير المتوفى 231، قال : رأيت مصابا قد وقع فقرأت في أذنه فكلمتني الجنية من جوفه : يا أبا عبد الله ! بالله دعني أخنقه، فإنه يقول : القرآن مخلوق . ما ألطفها من دعاية إلى المبدأ الباطل ؟ ولله در الجنية العالمة التي بلغ من علمها إنها قالت بعدم خلق القرآن . ونحن نشكر الله سبحانه على إبطال هذه السخافة القديمة على ممر الأيام فلم تجد اليوم جانحا إليها ولا محبذا إياها . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الأنبار، مدينة قرب بلخ . ومدينة على الفرات في غربي بغداد بينهما عشرة فراسخ . (2) قتل في خلافة الواثق لامتناعه عن القول بخلق القرآن ونفى التشبيه فعلقت على أذنه رقعة فيها : بسم الله الرحمن الرحيم هذا رأس أحمد بن نصر بن مالك دعاه عبد الله الإمام هارون وهو الواثق بالله أمير المؤمنين إلى القول بخلق القرآن ونفي التشبيه فأبى إلا المعاندة فعجله الله إلى ناره .
/ صفحة 127 /
- 32 - ذكر الخطيب وابن الجوزي بالإسناد عن إبراهيم بن إسماعيل بن خلف قال : كان أحمد بن نصر خلي، فلما قتل في المحنة وصلب رأسه أخبرت : أن الرأس يقرأ القرآن، فمضيت فبت بقرب من الرأس مشرفا عليه، وكان عنده رجالة وفرسان يحفظونه، فلما هدئت العيون سمعت الرأس تقرأ : الم أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون فاقشعر جلدي . وعن أحمد بن كامل القاضي عن أبيه أنه قال : وكل برأس أحمد من يحفظه بعد أن نصب برأس الجسر، وإن الموكل به ذكر : إنه يراه بالليل يستدير إلى القبلة بوجهه فيقرأ سورة يس بلسان طلق، وإنه لما أخبر بذلك طلب فخاف على نفسه فهرب . وعن خلف بن سالم أنه قال : عندما قتل أحمد بن نصر وقيل له : ألا تسمع ما الناس فيه يا أبا محمد ؟ قال : وما ذلك ؟ قال : يقولون إن رأس أحمد بن نصر يقرأ القرآن، قال : كان رأس يحيى بن زكريا يقرأ (1) . لا تبهظ الخطيب وابن الجوزي هذه الأضحوكة، ولا أحسب إنهما يصدقانها ولكن لما كان يبهظهما وأمثالهما ما يؤثر (2) من أن رأس مولانا أبي عبد الله السبط الشهيد صلوات الله عليه كان يقرأ القرآن الكريم على عامل السنان، ولقد كانت هذه الأكرومة متسالما عليها في العصور الخالية، فنحتوا هذه الأفائك تجاهها تخفيفا لتلك المنزلة الكريمة الخاصة ببضعة المصطفى صلى الله عليه وآله .
- 33 - عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال : إن سائر الأنبياء تفتخر بي، وأنا افتخر بأبي حنيفة، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ بغداد 5 : 179، صفة الصفوة 2 : 205 . (2) سيوافيك حديثه في مسند المناقب ومرسلها إنشاء الله تعالى .
/ صفحة 128 / وهو رجل تقي عند ربي، وكأنه جبل من العلم، وكأنه نبي من أنبياء بني إسرائيل، فمن أحبه فقد أحبني، ومن أبغضه فقد أبغضني . وعنه صلى الله عليه وآله : إن آدم افتخر بي، وأنا أفتخر برجل من أمتي اسمه نعمان، وكنيته أبو حنيفة، هو سراج أمتي . أسلفنا الروايتين مع جملة مما اختلقته يد الغلو في الفضائل لأبي حنيفة في الجزء الخامس ص 239 - 241 وذكرنا هنالك إن أمة من الحنفية بلغت مغالاتها فيه حدا ذهبت إلى أعلميته من رسول الله صلى الله عليه وآله في القضاء . وذكر الحريفيش في الروض الفائق ص 215 : إن من ورع أبي حنيفة رضي الله عنه إن شاة سرقت في عهده فلم يأكل لحم شاة مدة تعيش الشاة فيها . لا أدري لأي خرافة أضحك ؟ الفخر النبي صلى الله عليه وآله برجل استتيب من الكفر مرتين (1) والنبي مفخرة العالمين جميعا صلى الله عليه وآله وفي أمته من باهى به الله كمولانا أمير المؤمنين عليه السلام ليلة مبيته على فراش رسول الله صلى الله عليه وآله (2) ؟ أم لكون الرجل أعلم من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقضاء ؟ أنا لا أدري من أين جاء أبو حنيفة بهذا العلم والفقه ؟ أهو فقه إسلامي والنبي صلى الله عليه وآله مستقاه ومنبثق أنواره ؟ أم هو مما اتخذه من غير المسلمين من رجال كابل أو بابل أو ترمذ (3) فأحر به أن يضرب عرض الجدار، وأي حاجة للمسلمين إلى فقه غيرهم وقد أنعم الله عليهم بقضاء الاسلام وفقهه ؟ وفيهما القول الحاسم وفصل الخطاب . أم لورع الرجل الموصول بفقهه الناجع في قصة الشاة المسروقة الذي لا يصافقه عليه فيه أي فقيه متورع، وقد أباح الاسلام أكل لحم الشياه في جميع الأحيان، وفي كلها أفراد منها مسروقة في الحواضر الإسلامية وأوساطها، لكن هذا الفقيه لا يعرف ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع الجزء الخامس ص 280 ط 2 . (2) أسلفنا حديثه في الجزء الثاني 48 ط 2 . (3) إيعاز إلى محتد أبي حنيفة، ، قال الحافظ أبو نعيم الفضل بن دكين وغيره : أصله من كابل . وقال أبو عبد الرحمن المقري : إنه من أهل بابل وقال الحارث بن إدريس : أصله من ترمذ .
/ صفحة 129 / عدم تنجز الحكم في الشبهات إذا كانت غير محصورة خارجا أكثر أطرافها من محل الابتلاء، ولعله كان يعلم ذلك لكن عمله هذا من حيله التي هو أخبر بها عن نفسه، قال أبو عاصم النبيل : رأيت أبا حنيفة في المسجد الحرام يفتي، وقد اجتمع الناس عليه وآذوه، فقال : ما هاهنا أحد يأتينا بشرطي ؟ فقلت : يا أبا حنيفة ! تريد شرطيا ؟ قال : نعم . فقلت : اقرأ علي هذه الأحاديث التي معي، فقرأها فقمت عنه ووقفت بحذاءه فقال لي : أين الشرطي ؟ فقلت له : إنما قلت : تريد . لم أقل لك : أجئ به فقال : انظروا أنا أحتال للناس منذ كذا وكذا وقد احتال علي هذا الصبي (1) . أراد الإمام الأعظم بالقصة التظاهر بالورع ونصبها فخا لاصطياد الدهماء كقصته الأخرى المحرابية التي حكاها حفص بن عبد الرحمن قال : صليت خلفه فلما صلى وجلس في المحراب فقال له رجل : أيحل أن تصلي وفيه تصاوير ؟ قال : أصلي فيه منذ خمس وأربعين سنة فما علمت إن فيه تصاوير، ثم أمر بالصور فطمست . وقال له رجل : ما أحسن سقف هذا المسجد ؟ قال : ما رأيته وأنا فيه أكثر من أربعين سنة (2) . ولعل رأيه في الشاة مما يوقف القارئ على سر عدم دخول آرائه مدينة الرسول صلى الله عليه وآله قال محمد بن مسلمة المديني وقيل له : إن رأي أبي حنيفة دخل هذه الأمصار كلها ولم يدخل المدينة . قال : لأن رسول الله صلى الله عليه وآله قال : على كل ثقب من أثقابها ملك يمنع الدجال من دخولها . وكلام هذا من كلام الدجالين، فمن ثم لم يدخلها (3) . وفي فقه أبي حنيفة شذوذ تقصر عنها قصة الشاة، قد خالف فيها السنة الثابتة حتى قال وكيع بن الجراح (4) : وجدت أبا حنيفة خالف مائتي حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) غير أن عبد الله بن داود الحريبي المغالى في حب إمامه يقول : ينبغي للناس ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أخبار الظراف لابن الجوزي ص 103 . (2) مناقب أبي حنيفة تأليف الحافظ الكردري 1 : 251 . (3) أخبار الظراف لابن الجوزي ص 35 . (4) أبو سفيان الكوفي الحافظ كان ثقة حافظا متقنا مأمونا عاليا رفيع القدر كثير الحديث وكان يفتي، توفي سنة مائة وست وتسعين . (5) الانتقاء لابن عبد البر صاحب الاستيعاب ص 150 .
/ صفحة 130 / أن يدعو في صلاتهم لأبي حنيفة لحفظه الفقه والسنن عليهم (1) . وقال صاحب [مفتاح السعادة] 2 : 70 : سمعت من أثق به يروي عن بعض الكتب إن ثابتا - والد أبي حنيفة - توفي وتزوج أم الإمام أبي حنيفة رحمه الله الإمام جعفر الصادق، وكان أبو حنيفة رحمه الله صغيرا، وتربى في حجر جعفر الصادق، وأخذ علومه منه، وهذه إن ثبتت فمنقبة عظيمة لأبي حنيفة . عقبه الحسن النعماني في تعليق (المفتاح) فقال : كيف يتجه إن الإمام كان صغيرا و تربى في حجر الإمام الصادق لأن جعفر الصادق توفي سنة ثمان وأربعين ومائة عن ثمان وستين سنة، والإمام أبو حنيفة توفي سنة خمسين ومائة وولد على قول الأكثر (2) سنة ثمانين، فتكون سنة ولادتهما واحدة، وبين وفاتيهما سنتان، فثبت إنهما من الاقران لا إن الإمام صغير، والإمام جعفر الصادق كبير . وفي غضون ما الفه الموفق بن أحمد، والحافظ الكردري في مناقب أبي حنيفة، وما ذكره بعض الحنفية في معاجم التراجم لدى ترجمته حرافات وسفاسف جمة تشوه سمعة الاسلام المقدس، ولا يسوغه العقل والمنطق إن لم يشفعهما الغلو في الفضائل، ومن أعجب ما رأيت ما ذكره الإمام أبو الحسين الهمداني في آخر [خزانة المفتين] من إن الإمام أبو حنيفة لما حج حجة الوداع أعطى بسدنة الكعبة مالا عظيما حتى أخلوا له البيت، فدخل وشرع للصلاة، وافتتح القرائة كما هو دأبه على رجله اليمنى حتى قرأ نصف القرآن، ثم ركع، وقام في الثانية على رجله اليسرى حتى ختم القرآن ثم قال : إلهي عرفتك حق المعرفة لكن ما قمت بكمال الطاعة، فهب نقصان الخدمة بكمال المعرفة، فنودي من زاوية البيت : عرفت فأحسنت المعرفة، وخدمت فأخلصت الخدمة، غفرنا لك ولمن اتبعك، ولمن كان على مذهبك إلى قيام الساعة (3) قال الأميني : ليت شعر أي كمية من الزمن استوعبها الإمام حتى ختم الكتاب العزيز في ركعتيه، وقد أخلي له البيت في يوم من أيام الموسم والناس عندئذ مزدلفون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) تاريخ ابن كثير 10 : 107 . (2) وقال بعض : إنه ولد سنة إحدى وستين . (3) مفتاح السعادة 2 : 82 .
/ صفحة 131 / حول البيت، يتحرون التبرك بالدخول فيه ؟ ! وكيف وسع السدنة منع أولئك الجماهير عن قصدهم، وكبح رغباتهم الأكيدة طيلة تلك البرهة الطويلة ؟ ! ثم ما هذا الدؤب من الإمام على قرائة نصف القرآن الأول على رجله اليمنى، ونصفه الآخر على رجله اليسرى ؟ أهو حكم متخذ من الكتاب ؟ أم سنة متبعة صدع بها النبي الأعظم ؟ أم بدعة لم نسمعها من غير الإمام ؟ وهل في الألعاب الرياضية المجعولة لحفظ الصحة والابقاء على قوة البدن ونشاطه مثل ذلك ؟ أنا لا أدري . ثم كيف وسعت الإمام تلك الدعوى الباهظة العظيمة أمام رب العالمين سبحانه، وهو الواقف على السرائر والضمائر ؟ وما أجرأه على دعوى لم يدعها نبي من الأنبياء حتى خاتمهم صلى الله عليه وآله وعليهم على سعة معرفتهم ؟ ولا شك إن معرفته صلى الله عليه وآله أوسع، وقد أغرق فيها نزعا، ومع ذلك لم يؤثر عنه صلى الله عليه وآله تقحم الإمام في مناجات أو دعاء، ولا يصدر مثل هذا إلا عن إنسان معجب بنفسه، مغتر بعلمه، غير عارف بالله حق المعرفة . والمغفل صاحب الرواية يحسب إن الإمام ادعاها في عالم الشهود فصدقه عليها هاتف عالم الغيب، وليس هذا الهتاف المنسوج بيد الاختلاق الأثيمة إلا دعاية على الإمام وعلى مذهبه الذي هو أتفه المذاهب الاسلامية فقها، ولو كانت الأمة تصدق هذه البشارة لمعتنقي ذلك المذهب، ويراها من رب البيت لا من الأساطير المزورة لوجب عليها أن يكونوا حنفيين جمعاء، غير إن الأمة لا تصافق على صحتها، رضي بذلك الإمام أم لم يرض . وأعجب من هذا ما ذكره العلامة البرزنجي قال : ذهب بعض الحنفية إلى أن كلا من عيسى والمهدي يقلدان مذهب الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، وذكره بعض مشايخ الطريقة ببلاد الهند في تصنيف له بالفارسية شاع في تلك الديار، وكان بعض من يتوسم بالعلم من الحنفية، ويتصدر للتدريس يشهر هذا القول ويفتخر به ويقرره في مجلس درسه بالروضة النبوية . وحكى الشيخ علي القاري عن بعضهم أنه قال : إعلم أن الله قد خص أبا حنيفة بالشريعة والكرامة، ومن كراماته : إن الخضر عليه السلام كان يجئ إليه كل يوم وقت الصبح ويتعلم منه أحكام الشريعة إلى خمس سنين، فلما توفي أبو حنيفة ناجى الخضر ربه / صفحة 132 / قال : إلهي إن كان لي عندك منزلة فائذن لأبي حنيفة حتى يعلمني من القبر على حسب عادته حتى أعلم شرع محمد صلى الله عليه وسلم على الكمال ليحصل لي الطريقة والحقيقة، فنودي : أن اذهب إلى قبره وتعلم منه ما شئت فجاء الخضر وتعلم منه ما شاء كذلك إلى خمس وعشرين سنة أخرى حتى أتم الدلائل والأقاويل، ثم ناجى الخضر ربه وقال : يا إلهي ماذا أصنع فنودي : أن اذهب إلى صعالك واشتغل بالعبادة إلى أن يأتيك أمري إلى أن قال له : اذهب إلى البقعة الفلانية وعلم فلانا علم الشريعة ففعل الخضر عليه السلام ما أمر، ثم بعد مدة ظهر في مدينة ما وراء النهر شاب وكان اسمه أبا القاسم القشيري وكان يخدم أمه ويحترمها إلى أن قال : فأمر الله الخضر أن اذهب إلى القشيري وعلمه ما تعلمت من أبي حنيفة رضي الله عنه لأنه أرضى أمه فجاء الخضر إلى أبي القاسم وقال : أنت أردت السفر لأجل طلب العلم وقد تركته لرضا أمك وقد أمرني الله تعالى أن أجئ إليك كل يوم على الدوام وأعلمك فكل يوم يجئ إليه الخضر حتى ثلاث سنين و علمه العلوم التي تعلم من أبي حنيفة في ثلاثين سنة، حتى علمه علم الحقايق والدقايق ودلائل العلم وصار مشهور دهره وفريد عصره حتى صنف ألف كتاب وصار صاحب كرامة وكثر مريدوه وتلاميذه، فكان له مريد كبير متدين لا يفارق الشيخ فعد له الشيخ ألف كتاب من مصنفاته ووضعه في الصندوق وأعطى لذلك المريد وقال : قد بدا لي أمر فاذهب وارم هذا الصندوق في جيحون، فحمل المريد الصندوق وخرج من عند الشيخ وقال في نفسه : كيف أرى مصنفات الشيخ في الماء ؟ لكن أذهب وأحفظ الكتب و أقول للشيخ : رميتها . وحفظ الكتب وجاء وقال للشيخ : رميت الصندوق في الماء : قال الشيخ : وما رأيت في تلك الساعة من العلامات ؟ قال : ما رأيت شيئا قال الشيخ : اذهب وارم الصندوق . فذهب المريد إلى الصندوق وأراد أن يرميه فلم يهن عليه ورجع إلى الشيخ مثل الأول وقال : رميته ؟ قال : نعم قال : وما رأيت ؟ قال : لم أر شيئا . قال الشيخ : ما رميته فاذهب وارمه فإن لي فيها سرا مع الله ولا ترد أمري . فذهب المريد ورمى الصندوق فخرج من الماء يد وأخذ الصندوق قال المريد له من أنت ؟ فنادى في الماء : إني وكلت أن أحفظ أمانة الشيخ، فرجع المريد وجاء إلى الشيخ فقال : رميت ؟ قال : نعم .
/ صفحة 133 / قال : وما رأيت ؟ قال : رأيت الماء قد انشق وخرج منه يد وأخذ الصندوق وقد صرت متحيرا وما السر في ذلك ؟ قال الشيخ : السر في ذلك إنه إذا قربت القيامة وخرج الدجال ونزل عيسى ببيت المقدس فيضع الانجيل بجنبه ويقول : أين الكتاب المحمدي ؟ أو قد أمرني الله أن أحكم بينكم بكتابه ولا أحكم بالإنجيل فيطلبون الدنيا ويطوفون البلاد فلم يوجد كتاب من كتب الشرع المحمدي فيتحير عيسى ويقول : إلهي : بماذا أحكم بين عبادك ولم يوجد غير الانجيل فينزل جبريل ويقول : قد أمر الله أن تذهب إلى نهر جيحون وتصلي ركعتين بجنبه وتنادي : يا أمين صندوق أبي القاسم القشيري ! سلم إلي الصندوق وأنا عيسى بن مريم وقد قتلت الدجال فيذهب عيسى إلى جيحون ويصلي ركعتين ويقول مثل ما أمره جبريل، فيشق الماء ويخرج الصندوق ويأخذه ويفتحه ويجد فيه ختمه وألف كتاب فيحيي الشرع بذلك الكتاب، ثم سأل عيسى جبريل : بم نال أبو القاسم هذه المرتبة ؟ فقال : برضاء والدته . نقل من كتاب أنيس الجلساء (1) . وقد أطنب الشيخ علي القاري في رد هذه الأسطورة بعدة صحائف إلى أن قال في ص 230 : ثم إن مثل هؤلاء لفرط تعصبهم وعنادهم ليس مطمح نظرهم إلا تفضيل أبي حنيفة ولو بما لا أصل له، ولو بما يؤدي إلى الكفر وليس عندهم علم بفضائله الجمة التي ألفت فيها الكتب (2) فيرضون بالأكاذيب والافترائات التي لا يرضاها الله ورسوله ولا أبو حنيفة نفسه، ولو سمعها أبو حنيفة رضي الله عنه لأفتى بكفر قائلها وفي فضائل أبي حنيفة المقررة المحررة كفاية لمحبيه ولا يحتاج في إثبات فضله إلى الأقوال الكاذبة المفتراة المؤدية إلى تنقيص الأنبياء، ومن العجائب إنه وقع للقهستاني مع فضله وجلالته شئ من ذلك فقال في شرح خطبة النقابة : إن عيسى إذا نزل عمل بمذهب أبي حنيفة كما ذكره في الفصول الستة . وليت شعري ما الفصول الستة ؟ وما الدليل على هذا القول ؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون .. الخ . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الاشاعة في أشراط الساعة تأليف السيد محمد البرزنجي المدني 221 - 225 . (2) الكتب المؤلفة في فضائل أبي حنيفة حوت بين دفتيها لدة هذه الترهات والأكاذيب المزخرفة وما أكثرها ؟ ولو لم يكن الباطل الذي لا أصل له مأخوذا به فيها إذا لم تلق منها باقية .
/ صفحة 134 / وفي مفتاح السعادة 1 : 275، و ج 2 : 82 : إن أبا حنيفة رحمه الله تعالى رأى كأنه ينبش قبر النبي صلى الله عليه وآله ويجمع عظامه إلى صدره فهالته الرؤيا فقال ابن سيرين : هذه رؤيا أبي حنيفة فقال : أنا أبو حنيفة فقال ابن سيرين : اكشف عن ظهرك فكشف فرأى خالا بين كتفيه فقال : أنت الذي قال عليه الصلاة والسلام : يخرج في أمتي رجل يقال له : أبو حنيفة بين كتفيه خال يحيي الله تعالى ديني على يديه، ثم قال ابن سيرين : لا تخف إنه صلى الله عليه وآله مدينة العلم وأنت تصل إليها فكان كما قال . إقرأ وابك على أمة محمد المرحومة بأي أناس بليت، وبأي خلق منيت ؟ ! ما حيلة الجاهل الغر وما ينجيه عن هذه السخائف والأساطير ؟ !
- 34 - روى الذهبي في تذكرة الحفاظ 1 : 174 عن خالد بن الفزر قال : كان حياة بن شريح - أبو زرعة المصري شيخ الديار المصرية المتوفى 158 - من البكائين : وكان ضيق الحال جدا، فجلست وهو متخل يدعو فقلت : لو دعوت أن يوسع الله عليك فالتفت يمينا وشمالا فلم ير أحدا فأخذ حصاة فرمى إلي بها فإذا هي تبرة ما رأيت أحسن منها . وقال : ما خير في الدنيا إلا للآخرة، ثم قال : هو أعلم بما يصلح عباده فقلت : وما أصنع بهذا ؟ قال : استنفقها . فهبته والله أن أرده .
- 35 - ذكر اليافعي في (رياض الرياحين) عن إبراهيم الخراساني المتوفى 163 قال : قال : احتجت يوما إلى الوضوء فإذا أنا بكوز من جوهر، وسواك من فضة ألين من الخز فاستكت وتوضأت وتركتها وانصرفت، قال : وبقيت في بعض سياحاتي أياما لم أر فيها أحدا من الناس ولا طيرا ولا ذا روح، وإذا بشخص لا أدري من أين خرج فقال لي : قل لهذه الشجرة تحمل دنانير . فقلت : احملي دنانير . فلم تحمل، ثم قال لها : احملي وإذا بشماريخ الشجرة دنانير معلقة، فاشتغلت انظر إليها، ثم التفت فلم أر الشخص وذهبت الدنانير من الشجرة .
/ صفحة 135 / قال الأميني : إقرأ وابك على الاسلام وعلى تاريخه، وانظر كيف شوهت صفحاته .
- 36 - أخرج الحافظ يعقوب بن أبي شيبة في ترجمة أبي يوسف يعقوب بن أبي سلمة القرشي الشهير بالماجشون المتوفى 164 بالاسناد عن ابن الماجشون قال : قال عرج بروح الماجشون فوضعناه على سرير الغسل فدخل غاسل إليه يغسله فرأى عرقا يتحرك في أسفل قدمه، فأقبل علينا وقال : أرى عرقا يتحرك ولا أرى أن اعجل عليه فاعتللنا على الناس بالأمر الذي رأيناه، وفي الغد جاء الناس وغدا الغاسل عليه فرأى العرق على حاله فاعتذرنا إلى الناس، فمكث ثلاثا على حاله والناس يترددون إليه ليصلوا عليه ثم استوى جالسا وقال : ايتوني بسويق فأتي به فشربه فقلنا له : خبرنا ما رأيت ؟ فقال : نعم عرج بروحي فصعد بي الملك حتى أتى سماء الدنيا فاستفتح ففتح له، ثم عرج هكذا في السموات حتى انتهى إلى السماء السابعة فقيل له : من معك ؟ قال : الماجشون . فقيل له : لم يأن له بعد بقي من عمره كذا وكذا سنة، وكذا وكذا شهرا، وكذا وكذا يوما، وكذا وكذا ساعة، ثم حبط بي فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر عن يمينه، وعمر عن يساره، وعمر بن عبد العزيز بين يديه، فقلت للملك الذي معي : من هذا ؟ قال : عمر بن عبد العزيز . قلت : إنه لقريب من رسول الله فقال : إنه عمل بالحق في زمن الجور وأنهما عملا بالحق في زمن الحق . وأخرجه ابن عساكر في تاريخ الشام، وذكره ابن خلكان في تاريخه 2 : 461، واليافعي في مرآة الجنان 1 : 351، وابن حجر في تهذيب التهذيب 11 : 389، وأبو الفلاح الحنبلي في شذرات الذهب 1 : 259 . قال الأميني : ما كنت أحسب أن يوجد في الأمة الإسلامية من يتهم الملك الموكل بقبض الأرواح بالجهل بآونة الوفيات، وقد وكل به من عند العزيز العليم فقال سبحانه : قل يتوفاكم ملك الموت الذي وكل بكم (1) أو من يقذفه بالاستبداد في نزع روح أحد قبل إرادة المولى سبحانه وتعالى وفي الكتاب المنزل قوله : الله يتوفى الأنفس حين ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة السجدة : 11 .
/ صفحة 136 / موتها (1) وهو الذي يحيي ويميت (2) وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا (3) لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين (4) هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلا وأجل مسمى (5) ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون (6) ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى (7) ما ترك على ظهرها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى (8) فيمسك التي قضى عليها الموت و يرسل الأخرى إلى أجل (9) إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون (10) . فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا (11) . كما إني ما كنت أشعر إمكان حركة جارحة من جوارح الميت بعد نزع روحه، فلم أدر بأي صلة بالروح المقبوضة كان يتحرك العرق الماجشوني خلال ثلاثة أيام، والي أي مركز حساس كانت صلة ذلك العرق النابض وما كنت أدري إن السموات العلى لها أبواب مغلقة يقف عندها ملك الموت في كل عروجه بروح من الأرواح فيستفتح فتفتح له . وليتني أدري هل هذا السير البطئ - ثلاثة أيام - لملك الموت في استصحابه روح الماجشون يخص بالماجشون فحسب أو هو الشأن المطرد في عامة الأرواح ؟ نعم كل هذه تسوغها الدعاية إلى السلطات الأموية الغاشمة التي كانت تحكم ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الزمر : 42 . (2) سورة المؤمنون : 80 . (3) سورة آل عمران : 145 . (4) سورة الدخان : 8 . (5) سورة الأنعام : 3 . (6) سورة الأعراف : 34 . (7) سورة النحل : 61 . (8) سورة فاطر : 45 . (9) سورة الزمر : 42 . (10) سورة نوح : 54 . (11) سورة فاطر : 45 .
/ صفحة 137 / على الأمة في تلكم الأيام .
- 47 - رقعة من الله إلى أحمد إمام الحنابلة مرض بشر بن الحارث وعادته آمنة الرملية فبينما هي عنده إذ دخل الإمام أحمد ابن حنبل يعوده كذلك فنظر إلى آمنة فقال لبشر : فاسألها تدعو لنا فقال لها بشر : ادعي الله لنا، فقالت : أللهم إن بشر بن الحارث وأحمد بن حنبل يستجيران بك من النار فأجرهما يا أرحم الراحمين . قال الإمام أحمد رضي الله عنه : فلما كان من الليل طرحت إلى رقعة من الهواء مكتوب فيها : بسم الله الرحمن الرحيم قد فعلنا ذلك ولدينا مزيد . أخرجه ابن عساكر في تاريخه 2 : 48، وابن الجوزي في صفة الصفوة 4 : 278 .
- 38 - ذكر ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 143 بالإسناد عن أبي حفص القاضي قال : قدم على أبي عبد الله أحمد بن حنبل رجل من بحر الهند فقال : إني رجل من بحر الهند خرجت أريد الصين فأصيب مركن فأتاني راكبان على موجة من أمواج البحر فقال لي أحدهما : أتحب أن يخلصك الله على أن تقرئ أحمد بن حنبل منا السلام ؟ قلت : ومن أحمد ؟ ومن أنتما يرحمكما الله ؟ قال : أنا إلياس وهذا الملك الموكل بجزاير البحر، وأحمد بن حنبل بالعراق. قلت : نعم . فنفضني البحر نفضة فإذا أنا بساحل الأبلة فقد جئتك أبلغك منهما السلام .
- 39 - قال أبو طالب علي بن أحمد : دخلت يوما على أبي عبد الله وهو يملي وأنا أكتب فاندق قلمي فأخذ قلما فأعطانيه فجئت بالقلم إلى أبي علي الجعفري فقلت : هذا قلم أبي عبد الله أعطانيه فقال لغلامه : خذ القلم فضعه في النخلة عسى تحمل . فوضعه فيها فحملت . مختصر طبقات الحنابلة ص 11 .
/ صفحة 138 /
- 40 - قال ابن كثير في تاريخه 10 : 335 : يروى أنه لما أقيم - أحمد بن حنبل - ليضرب - لما ضربه المعتصم - إنقطعت تكة سراويله فخشي أن يسقط سراويله فتكشف عورته فحرك شفتيه فدعا الله فعاد سراويله كما كان، ويروى أنه قال : يا غياث المستغيثين، يا إله العالمين، إن كنت تعلم أني قائم لك بحق فلا تهتك لي عورة .
- 41 - روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 297 بإسناده عن فاطمة بنت أحمد قالت : وقع الحريق في أخي صالح وكان قد تزوج إلى قوم مياسير فحملوا إليه جهازا شبيها بأربعة آلاف دينار فأكلته النار فجعل صالح يقول : ما غمني ما ذهب مني إلا ثوب لأبي كان يصلي فيه أتبرك به وأصلي فيه قالت : فطفى الحريق ودخلوا فوجدوا الثوب على سرير قد أكلت النار ما حواليه والثوب سليم . قال ابن الجوزي : قلت : وهكذا بلغني عن قاضي القضاة علي بن الحسين الزينبي إنه وقع الحريق في دارهم فاحترق ما فيها إلا كتابا كان فيه شيئ بخط أحمد . وقال : قلت : ولما وقع الغرق ببغداد في سنة أربع وخمسين وخمسمأة وغرقت كتبي سلم لي مجلد فيه ورقتان بخط الإمام أحمد . وقال الذهبي في ذيل العبر عند ذكر ما وقع سنة 725، واليافعي في المرآة : ومن الآيات أن مقبرة الإمام أحمد بن حنبل غرقت سوى البيت الذي فيه ضريحه فإن الماء دخل في الدهليز علو ذراع ووقف بإذن الله وبقيت البواري عليها غبار حول القبر، صح هذا عندنا، وجر السيل أخشابا كبارا وحيات غريبة الشكل . مرآت الجنان 4 : 273، شذرات الذهب 6 : 66، صلح الإخوان للخالدي ص 98 . قال الأميني : وكفى شاهدا على صدق هذه الكرامة عدم وجود أي أثر من ذلك / صفحة 139 / المرقد المعظم اليوم، وقد جرفته السيول، وعفت رسمه، كأن لم يكن، وغدا حديث أمس الدابر .
- 42 - روى ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 454 قال : حدثني أبو بكر بن مكارم بن أبي يعلى الحربي وكان شيخا صالحا قال : كان قد جاء في بعض السنين مطر كثير جدا قبل دخول رمضان بأيام فنمت ليلة في رمضان فأريت في منامي كأني قد جئت على عادتي إلى قبر الإمام أحمد بن حنبل أزوره فرأيت قبره قد التصق بالأرض حتى بقي بينه وبين الأرض مقدار ساف (1) أو سافين فقلت : إنما تم هذا على قبر الإمام أحمد بن كثرة الغيث فسمعته من القبر وهو يقول : لا بل هذا من هيبة الحق عز وجل لأنه عز وجل قد زارني، فسألته عن سر زيارته إياي في كل عام فقال عز وجل : يا أحمد ! لأنك نصرت كلامي فهو ينشر ويتلى في المحاريب . فأقبلت على لحده اقبله ثم قلت : يا سيدي ما السر في إنه لا يقبل قبر إلا قبرك ؟ فقال لي : يا بني ليس هذا كرامة لي، ولكن هذا كرامة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لأن معي شعرات من شعره صلى الله عليه وسلم ألا ومن يحبني يزورني في شهر رمضان قال ذلك مرتين . مرت في زيارة إمام الحنابلة أحمد في الجزء الخامس ص 175 - 178 لدة هذه من آيات الغلو . فراجع ويا حبذا لو صدقت الأحلام .
- 43 - ذكر ابن الجوزي في مناقب أحمد ص 454 عن عبد الله بن أحمد يقول : رأيت أبي في المنام فقلت : ما فعل الله بك ؟ قال : غفر لي . قلت : جاءك منكر ونكير ؟ قال : نعم، قالا لي : من ربك ؟ قلت : سبحان الله أما تستحيان مني ؟ فقالا لي : يا أبا عبد الله ! أعذرنا بهذا أمرنا . قال الأميني : ما أجرأ الإمام على الملكين الكريمين في ذلك المأزق الحرج ؟ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الساف والسافة : الصف من الطين أو اللين ج آسف وسافات .
/ صفحة 140 / وما أجهله بالناموس المطرد من سؤال القبر وإنه بأمر من الله العلي العزيز ؟ حتى جابه الملكين بذلك القول الخشن، ما أحمد وما خطره ؟ وقد جاء في الرواية : إن عمر ارتعد منهما لما دخلا عليه (1) وكان عمر بمحل من المهابة على حد قول عكرمة : إنه دعا حجاما فتنحنح عمرو كان مهيبا فأحدث الحجام، فأعطاه عمر أربعين درهما(2). وعلى الملكين أن يشكرا الله سبحانه على أن كف الإمام عن أن يصفعهما فيفقأ عينهما كما فعل موسى بملك الموت في مزعمة أبي هريرة (3) فرجع إلى ربه فقال : أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت، فرد الله إليه عينه . كما في سنن النسائي 4 : 118 . وفي لفظ الطبري في تاريخه 1 : 224 : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى أتى موسى فلطمه ففقأ عينه قال : فرجع فقال : يا رب ! إن عبدك موسى فقأ عيني، ولولا كرامته عليك لشققت عليه . فقال: ائت عبدي موسى فقل له : فليضع كفه على متن ثور فله بكل شعرة وارت يده سنة، وخيره بين ذلك وبين أن يموت الآن . قال : فأتاه فخيره فقال له موسى : فما بعد ذلك ؟ قال : الموت . قال : فالآن إذا . قال : فشمه شمة قبض روحه، قال : فجاء بعد ذلك إلى الناس خفيا . وأخرج الحكيم الترمذي مرفوعا : إن ملك الموت كان يأتي الناس عيانا حتى جاء موسى فلطمه ففقأ عينه فصار يأتي الناس بعد ذلك خفية . ذكره الشعراني في مختصر تذكرة القرطبي ص 29 . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) قال السيد الجرداني في مصباح الظلام ج 2 ص 56 : إن الله تعالى أعطى عليا علم البرزخ فلما مات عمر بن الخطاب رضي الله عنه جلس علي على قبره ليسمع قوله للملكين، فلما دخلا عليه ارتعد منهما ثم أجاب فقالا له : نم . فقال : كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرعدة ؟ وقد صحبت النبي صلى الله عليه وسلم ولكن أشهد عليكما الله وملائكته أن لا تدخلا على مؤمن إلا في أحسن صورة ففعلا . فقال له علي بن أبي طالب : نم يا ابن الخطاب ! فجزاك الله من المسلمين خيرا لقد نفعت الناس في حياتك ومماتك. اقرأ واضحك . (2) طبقات ابن سعد 3 : 206، تاريخ بغداد 14 : 215، تاريخ عمر لابن الجوزي ص 99، كنز العمال 6 : 331 . (3) راجع صحيح البخاري 1 : 158 في أبواب الجنائز، و ج 2 : 163 باب وفاة موسى، صحيح مسلم 2 : 309 باب فضائل موسى، مسند أحمد 1 : 315، العرائس للثعلبي ص 139 .
/ صفحة 141 / ما أعيى هذا الملك [المأخوذ فيه البأس والشدة من الله شديد البطش] حتى تمكن منه إنسان فصفعه وفقأ عينه ؟ ثم لم يزل الخوف مزيج نفسيته حتى تخفى عن الذين هم في قبضته، ورهن تصرفه، حيث وكل بهم وبقبض أرواحهم، ولا كرامة لهم على الله ككرامة موسى النبي عليه السلام فيحاذر الصفعة منهم . وإن تعجب فعجب إن مرسل ملك الموت وهو الله سبحانه لم لم يعطه بأسا يفوق كل بأس وهو يعلم من خلق، وإن فيهم من يجرأ على رسوله فيصفعه فيفقأ عينه، وفيهم من يخافه الرسول فيخفي نفسه عنه ؟ أكان ذلك غفلة ؟ أم أن خزانة القدرة قد نفدت ؟ أم لم يكن يعلم ما يقع - وهو علام الغيوب - حتى وقعت الواقعة ؟ أم لم يكن في صفوف الموظفين بعالم الملكوت أي تدريب حتى يتمكنوا مقابلة الشدايد إلى عهد موسى، ثم اطرد التدريب بإخفاء الموظف نفسه عند تنفيذ وظيفته ؟ ! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا . وهلم معي إلى النبي المعصوم موسى على نبينا وآله وعليه السلام ونراه كيف يتجرأ على ملك الموت، وهو يعلم إنه رسول من الله العظيم، وإنه إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، وإنه لا تجديه الصفعة والفقأة، وعلى فرض أن يهرب عنه هذا الرسول أو ينسحب عنه بانتظام فإنه يأتيه غيره أشد منه بأسا، لأن الله سبحانه مميته لا محالة، ولا مرد لمجري قضائه، وهب إنه تخلص من بأس هذا الملك فهل يتخلص من بأس مرسله المنتقم القهار، وقد أثار غضبه بمجابهة ممثله ؟ أبعد الله الإفك والزور عليه سبحانه وعلى رسوله وملائكته، وانتقم من كل أفاك أثيم . أضف إلى ذلك كله ما قاله سيدنا الحجة شرف الدين العاملي في كتاب أبي هريرة ص 86 مما لفظه : ونحن لم برئنا من أصحاب الرس وفرعون موسى وأبي جهل وأمثالهم ولعناهم بكرة وأصيلا ؟ أليس ذلك لأنهم آذوا رسل الله حين جاؤوهم بأوامره ؟ فكيف نجوز مثل فعلهم على أنبياء الله وصفوته من عباده ؟ حاشا لله إن هذا لبهتان عظيم . ثم إن من المعلوم إن قوة البشر بأسرهم، بل قوة جميع الحيوانات منذ خلقها / صفحة 142 / الله تعالى إلى يوم القيامة لا تثبت أمام قوة ملك الموت فكيف (والحال هذه) تمكن موسى عليه السلام من الوقيعة فيه ؟ وهلا دفعه الملك عن نفسه، مع قدرته على إزهاق روحه، وكونه مأمورا من الله تعالى بذلك ؟ ومتى كان للملك عين يجوز أن تفقأ ؟ ! ولا تنس تضييع حق الملك وذهاب عينه ولطمته هدرا إذ لم يؤمر الملك من الله بأن يقتص من موسى صاحب التوراة التي كتب الله فيها : إن النفس بالنفس، والعين بالعين، والأنف بالأنف، والأذن بالأذن، والسن بالسن والجروح قصاص (1) ولم يعاتب الله موسى على فعله هذا بل أكرمه إذ خيره بسببه بين الموت والحياة سنين كثيرة بقدر ما تواريه يده من شعر الثور . وما أدري ما الحكمة في ذكر شعر الثور بالخصوص ؟ ! الخ . هذه جملة مما وجدنا من كرامات الإمام أحمد، وكم وكم لها من نظير ؟ وأنت حدث العاقل بما لا تقبله عقله فإن صافقك عليه فهو معتوه، لكن القوم عقلاء وقبلوها، ونحن إذا عزونا ما هو أخف وأخف وطئة من هذه مما يساعده العقل والمنطق والاعتبار إلى أئمة أهل بيت الوحي عليهم السلام الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، فهنالك الجلبة واللغط، والتركاض والصخب، وهتاف من شتى الجوانب : هذا لا يكون، هذا غير معقول، حديث واه، هذا قول غلاة الشيعة، هذا قول الرافضة، هذا لا يصح وإن صح إسناده، إسناده صحيح غير إن في قلبي منه شيئا، هذا لا يصح وإن جاء بألف طريق . إلى أمثال هذه التهجمات الفارغة .
- 44 - إمام المالكية يرى النبي صلى الله عليه وآله كل ليلة ذكر الحريفيش في (الروض الفائق) ص 270 قال : قال المثنى بن سعيد القصير : ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) إشارة إلى الآية 45 من سورة المائدة وقد وجدنا في الفقرة ال 23 من الأصحاح 21 من اصحاحات الخروج من التوراة الموجودة في أيدي اليهود والنصارى في هذه الأيام ما هذا لفظه : إن حصلت أذية تعطى نفسا بنفس، وعينا بعين، وسنا بسن، ويدا بيد، ورجلا برجل، وكيا بكي، وجرحا بجرح، ورضا برض .
/ صفحة 143 / سمعت مالكا - إمام المالكية - يقول : ما بت ليلة إلا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم فيها . قال الأميني : هل يكذب الإمام في دعواه الذي لا يعلم إلا من قبله ؟ أو يرمى ابن سعيد بالإفك وإن كان قصيرا ؟ أو يعاتب الحريفيش في نقله وإن كان مصغرا ؟ وللإمام مالك موقف خطر مع الملكين العظيمين : منكر ونكير، لا يقل عن موقف الإمام أحمد معهما ذكره الشعراني في الميزان 1 : 46 قال : لما مات شيخنا شيخ الاسلام الشيخ ناصر الدين اللقاني رآه بعض الصالحين في المنام فقال له : ما فعل الله بك ؟ فقال : لما أجلسني الملكان في القبر ليسألاني أتاهم الإمام مالك فقال : مثل هذا يحتاج إلى سؤال في إيمانه بالله ورسوله ؟ تنحيا عنه، فتنحيا عني . قال الأميني : ألا من معبر يعبر هذه الأحلام ؟ ولعل كل فرد من المعبرين يقول : أضغاث أحلام وما نحن بتأويل الأحلام بعالمين . وإن اتخذها الحفاظ كأصل مسلم استندوا إليها عند المغالاة في الفضائل . كأن الملكين لم يكن عندهما عرفان بمن يحتاج إلى سؤال في إيمانه، ولم يكن هنالك ناموس مطرد من المولى سبحانه يتبعانه، أعوذ بالله من ضئولة العقل .
- 45 - قال ابن الجوزي في المنتظم 10 : 248 : رأى شخص إن يدين خرجتا من محراب مسجد فقال : ما هذه اليدان ؟ فقيل : هذه يد آدم بسطها ليعانق أبا العلاء الحافظ - الحسن بن أحمد المتوفى 569 - وإذا بأبي العلاء قد أقبل، قال : فسلمت عليه فرد علي السلام وقال : يا فلان ! رأيت ابني أحمد حين قام على قبري يلقنني ؟ أما سمعت صوتي حين صبحت ؟ على الملكين ؟ فما قدرا أن يقولا شيئا فرجعا . نظرا إلى هذه المزعمة يجب أن يكون أبو العلاء أشجع من عمر الذي خاف النكيرين وارتعد منهما، ثم لما قالا له : نم . قال : كيف أنام وقد أصابني منكما هذه الرعدة وقد صحبت النبي صلى الله عليه وآله (1) ولعلهما قبلا وصية عمر لما أنشدهما أن لا يأتيا مؤمنا إلا بصورة جميلة ففعلا، فلم يهبهما أبو العلاء فصاح عليهما، وخاشنهما الإمام ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مر تمام القصة في ص 140 من هذا الجزء .
/ صفحة 144 / أحمد، وطردهما مالك عن ناصر الدين اللقاني، أو أنهما أتى عليهما الشيخوخة والهرم منذ عهد الخليفة إلى هذه العصور المتأخرة، وبلغ منهما الضعف فأخفق بسالتهما، فلم يهب جانبهما، وإلى الغاية لم ينكشف لنا سر تسليط المولى سبحانه هؤلاء الأعلام على الملكين الكريمين، وفيه اختلال النظام المقرر المطرد الإلهي، نعوذ بالله من هذه المزاعم التافهة كلها .
- 46 - قال الحافظ الجزري في طبقات القراء 2 : 271 : توفي ابن الأخرم محمد بن النضر الدمشقي سنة 241 / 2 بدمشق قال عبد الباقي : وصليت عليه في المصلى بعد صلاة الظهر وكان يوما صائفا وصعدت غمامة على جنازة من المصلى إلى قبره فكانت شبه الآية . قال الأميني : وفي كل شيء له آية * تـــدل عـلى إنه واحد
- 47 - ذكر الحريفيش في الروض الفائق ص 126 عن ذي النون المصري أنه قال : رأيت شابا عند الكعبة يكثر الركوع والسجود فدنوت منه وقلت له : إنك لتكثر الصلاة، فقال : أنتظر الإذن من ربي في الانصراف، قال : فرأيت رقعة سقطت فيها مكتوب : من العزيز الغفور إلى عبدي الصادق : إنصرف مغفورا لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر . قال الأميني : لقد جنى من نزلت إليهم هذه الرقاع (1) حيث لم يوصوا بالتحفظ عليها لتستفيد بها الأمة وتتبرك بها في أجيالها المتأخرة وتتخذها معتبرا عوضا عن أن تكون خبرا، وتزدان بها متاحف الآثار، لكن لهم عذرا وهو إنهم لم يشاهدوها فلم يوصوا بها، وإنما هي شباك طنبت لاقتناص الأغرار من أمة محمد صلى الله عليه وآله . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) وما أكثرها وألطفها ؟ راجع ما مر في هذا الجزء ص 121، 125، 137، وما يأتي . |
|