عقائد الشيعة الإمامية / العلامة الأميني
- 48 - قال بكر بن عبد الرحمن رحمه الله : كنا مع ذي النون المصري - المتوفى 245 - في البادية فنزلنا تحت شجرة أم غيلان فقلنا : ما أطيب هذا الموضع لو كان فيه رطب ؟ فتبسم ذو النون وقال : تشتهون رطبا ؟ وحرك الشجرة وقال : أقسمت عليك بالذي أنبتك وخلقك شجرة إلا ما نثرت علينا رطبا جنيا، ثم حركها فنثرت رطبا فأكلنا وشبعنا، ثم نمنا وانتبهنا وحركنا الشجرة فنثرت علينا شوكا . الروض الفائق ص 126، مرآت الجنان لليافعي 2 : 151 وقال : ذكره خلائق من الصالحين، ورواه عنهم كثير من العلماء العاملين . قال الأميني : إلى المولى سبحانه نبتهل في أن يهب لأولئك الصالحين والعلماء العاملين عقلا وافيا يزعهم عن الخضوع للخرافات .
- 49 - روى ابنا عساكر وكثير : إن أحمد بن أبي الحواري (1) كان قد عاهد أبا سليمان الداراني ألا يغضبه ولا يخالفه فجاءه يوما وهو يحدث الناس فقال : يا سيدي ! هذا قد سجروا التنور، فماذا تأمر ؟ فلم يرد عليه أبو سليمان لشغله بالناس، ثم أعادها أحمد ثانية وقال له في الثالثة : إذهب فاقعد فيه . ثم اشتغل أبو سليمان في حديث الناس، ثم استفاق فقال لمن حضره : إني قلت لأحمد : إذهب فاقعد في التنور وإني أحسب أن يكون قد فعل ذلك، فقوموا بنا إليه فذهبوا فوجدوه جالسا في التنور ولم يحترق منه شئ ولا شعرة واحدة . تاريخ ابن كثير 10 : 348 . ألا تعجب من ابن كثير يسجل أمثال هذه الأسطورة كحقايق ثابتة ثم لما يبلغ به السير والبحث إلى فضيلة معقولة من فضائل أهل بيت الوحي عليهم السلام أربد وجهه، وأزبد فمه، وعاد صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء، وأطلق لسانه البذي على من جاء بذلك الذكر الشذي ؟ كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أحد الأعلام يروي عنه أبو داود وابن ماجة وأبو حاتم توفي 246 .
/ صفحة 146 /
- 50 - عن أبي الحسن علي بن الموفق المتوفى 265 قال : خرجت يوما لاؤذن فأصبت قرطاسا فأخذته ووضعته في كمي فأذنت وأقمت وصليت فلما صليت قرأته فإذا فيه مكتوب : بسم الله الرحمن الرحيم يا علي بن الموفق ! تخاف الفقر وأنا ربك ؟ . تاريخ الخطيب البغدادي 12 : 112، صفة الصفوة لابن الجوزي 2 : 218 . كان حقا على الحافظين الخطيب وابن الجوزي أن يذكرا شطرا من حياة هذا الرجل بعد الكتاب المذكور المغمورة باليسار والنعمة لتكون تصديقا للخبر وشاهدا على صحة المزعمة، لكنهما أغفلا عن ذلك فلم يقم لنا شاهد ولا حجة .
- 51 - قال أبو يحيى زكريا بن يحيى الناقد (1) : إشتريت من الله حوراء بأربعة آلاف ختمة، فلما كان آخر ختمة سمعت الخطاب من الحوراء وهي تقول : وفيت بعهدك فها أنا التي قد اشتريتني . تاريخ بغداد للخطيب 8 : 462، المنتظم لابن الجوزي 6 : 8، مناقب أحمد لابن الجوزي ص 510 . ليس لك أن تناقش في المدة التي ختم أبو يحيى فيها الأربعة آلاف ختمة، فإن من الممكن عند القوم أن يختمها في بضع دقايق فإن أبا مدين المغربي كان يختم في اليوم والليلة سبعين ألف ختمة . راجع الجزء الخامس ص 35 .
- 52 - ذكر الشعراني في طبقات الأخيار 1 : 158 نقلا عن كتاب (الجواهر) لسهل بن عبد الله التستري المتوفى 283 أنه قال : أشهدني الله تعالى ما في العلى وأنا ابن ست سنين، ونظرت في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السماء وأنا ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أحد الأعلام المجتهدين وأئمة الحديث من تلمذة أحمد بن حنبل إمام الحنابلة توفي سنة 285 .
/ صفحة 147 / ابن تسع سنين، ورأيت في السبع المثاني حرفا معجما حار فيه الجن والإنس ففهمته، وحمدت الله على معرفته، وحركت ما سكن وسكنت ما تحرك بإذن الله تعالى وأنا ابن أربع عشرة سنة . قال الأميني : ليت شعري متى ما أشهد الله ما في العلى نبيه الأعظم صاحب الرسالة الخاتمة ؟ ومتى ما نظر صلى الله عليه وآله في اللوح المحفوظ وفك طلسم السماء ؟ وهل رأى ذلك الحرف المعجم الذي حار فيه الجن والإنس وفهمه، وهل حرك وسكن بإذن الله ؟ أيم الله إن هذه الأساطير المشمرجة لا يبوح بها إلا من يتخبطه الشيطان من المس وإن هي إلا سم ناقع على روح الاسلام، تمس كرامة الأولياء، وتشوه سمعة الأمة المسلمة، وتسود صحيفة تاريخها عند الأمم، وتضحك الملأ على عقلية أولئك المؤلفين الذين جمعت بيراعهم أشتات التاريخ الاسلامي .
- 53 - عن سهل بن عبد الله قال : صعدت جبل قاف فرأيت سفينة نوح مطروحة فوقه . و قيل لأبي يزيد رضي الله عنه : هل بلغت جبل قاف ؟ فقال : جبل قاف أمره قريب بل جبل كاف وجبل صاد وجبل عين وهي محيطة بالأرض حول كل أرض جبل بمنزلة حائطها، وجبل قاف بهذه الأرض وهي أصغر الأرضين، وهو أيضا أصغر الجبال، وهو جبل من زمردة خضراء وقيل : إن خضرة السماء من خضرته . وروي : إن الدنيا كلها خطوة للولي . وحكي : إن وليا من أولياء الله تعالى احتاج إلى النار فرفع يده إلى القمر فاقتبس منه جذوة في خرقة كانت معه(1). قال الأميني : حقا قيل : الجنون فنون : وأيم الله يميت القلب ويجلب الهم ضياع التاريخ الاسلامي بيد هؤلاء المعشوذين الذين شوهوا صحائفه بأمثال هذه الترهات التي لم يخلق مثلها في أساطير الأولين . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) روض الرياحين لليافعي 172 .
/ صفحة 148 /
- 54 - قال سهل بن عبد الله رضي الله عنه : أول ما رأيت من العجائب والكرامات إني خرجت يوما إلى موضع خال فطاب لي المقام فيه فوجدت من قلبي قربا إلى الله تعالى وحضرت الصلاة وأردت الوضوء وكانت عادتي من صباي تجديد الوضوء لكل صلاة، فكأني اغتممت لفقد الماء، فبينما أنا كذلك وإذا دب يمشي على رجليه كأنه إنسان معه جرة خضراء قد أمسك بيديه عليها، فلما رأيته من بعيد توهمت إنه آدمي حتى دنا مني وسلم علي ووضع الجرة بين يدي، فجاءني اعتراض العلم فقلت : هذه الجرة والماء من أين هو ؟ فنطق الدب وقال : يا سهل ! إنا قوم من الوحوش قد انقطعنا إلى الله تعالى بعزم المحبة والتوكل، فبينما نحن نتكلم مع أصحابنا في مسألة إذ نودينا : ألا إن سهلا يريد ماء ليجدد الوضوء . فوضعت هذه الجرة بيدي وإذا بجنبي ملكان فدنوت منهما فصبا فيها الماء من الهواء وأنا أسمع خرير الماء . إلى آخر القصة . روض الرياحين ص 104، 105 . قال الأميني : سل عن هذه العجائب الدب الطلق الذلق صاحب الجرة الخضراء، أو بقية الوحوش المنقطعة إلى الله بعزم المحبة والتوكل، أو سل الملكين إن سهل لك السبيل إليهما، وإن لم تجدهما فسل عقلك واتخذه حكما، واستعذ بالله من هذه الأوهام المخزية .
- 55 - قال عبد الله بن حنيف رحمه الله : دخلت بغداد قاصدا الحج ولم آكل الخبز أربعين يوما ولم أدخل على الجنيد وكنت على طهارة فرأيت ظبيا على رأس البئر وهو يشرب وكنت عطشانا، فلما دنوت إلى البئر ولى الظبي فإذا الماء في أسفل البئر فمشيت وقلت : يا سيدي مالي محل هذا الظبي ؟ فنوديت من خلفي : جربناك فلم تصبر فارجع وخذ فرجعت فإذا البئر ملآنة ماء فملأت ركوتي فكنت أشرب منه وأتطهر إلى المدينة ولم أنفد، ولما استقيت سمعت هاتفا يقول : إن الظبي جاء بلا ركوة ولا حبل، وأنت / صفحة 149 / جئت معك الركوة . فلما رجعت من الحج دخلت الجامع فلما وقع بصر الجنيد علي قال : لو صبرت ولو ساعة لنبع الماء من تحت رجليك . الروض الفائق ص 127 . قال الأميني : أوهام متراكمة بعضها فوق بعض، وهل ترك الجنيد للأنبياء والرسل علما بالمغيب لم يبح به، وهل أتي البئر العميقة ولي من الأولياء بلا ركوة ولا حبل كالظباء اللاتي يفقدنهما ولا يسعهن التأهب بأمثالهما، وأما الانسان العادي فليس له وهو سار في عالم الأسباب إلا أن يحمل معه أدوات حاجته، هكذا خلق الله البشر، وهو ظاهر كثير من الأحاديث الشريفة . وحسبك سيرة النبي الأعظم والمرسلين من الأنبياء صلوات الله عليهم أجمعين . وكلهم لله أولياء، وجميعهم أفضل من ابن حنيف .
- 56 - أخرج الحافظ أبو نعيم في حلية الأولياء 10 : 370 قال : سمعت أبا نصر يقول : سمعت أحمد بن محمد النهاوندي يقول : مات للشبلي (1) ابن كان اسمه غالبا، فجزت أمه شعرها عليه، وكان للشبلي لحية كبيرة فأمر بحلق الجميع، فقيل له : يا أستاذ ! ما حملك على هذا ؟ فقال : جزت هذه شعرها على مفقود، فكيف لا أحلق لحيتي أنا على موجود ؟ قال الأميني : أهلا بالناسك الفقيه، ومرحبا بالأولياء أمثال هذا المتخلع الجاهل بحكم الشريعة، وزه بمدون أخبارهم، ومنتفي آثار الأوحديين منهم كأبي نعيم، كيف خفي على هذا الفقيه البارع في مذهب مالك فتوى مالك وحرمة حلق اللحية، وإصفاق بقية الأئمة معه على ذلك ؟ كيف خفي عليه الحكم ؟ وهو ذلك الفقيه المتضلع الذي أجاب في دم الحيض المشتبه بدم الاستحاضة بثمانية عشر جوابا للعلماء، وقد جالس الفقهاء عشرين سنة (2) ؟ وهلا وقف وهو مدرس الحديث عشرين عاما على المأثورات النبوية الدالة على حرمة حلق اللحية المروية من عدة طرق ؟ منها : 1 - عن عائشة مرفوعا : عشر من الفطرة فذكر منها : إعفاء اللحية . وجاء من ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أبو بكر دلف بن جحدر فقيه عالم محدث توفي 334 / 5 . (2) راجع تهذيب التهذيب .
/ صفحة 150 / طريق أبي هريرة أيضا . صحيح مسلم 1 : 153، سنن البيهقي : 149، سنن أبي داود 1 : 9، 10، صحيح الترمذي 10 : 216، مشكل الآثار 1 : 297، المعتصر من المختصر 2 : 220، طرح التثريب 1 : 73، نيل الأوطار 1 : 135 عن أحمد ومسلم والنسائي والترمذي . 2 - عن ابن عمر مرفوعا : اعفوا اللحى، واحفوا الشوارب، خالفوا المشركين . صحيح مسلم 1 : 153، سنن النسائي 1 : 16، جامع الترمذي 10 : 221 بلفظ : احفوا الشوارب واعفوا اللحى، سنن البيهقي 1 : 149 عن الصحيحين، المحلى لابن حزم 2 : 222، تاريخ الخطيب 4 : 345 . 3 - عن ابن عمر مرفوعا : خالفوا المشركين، وفروا اللحى، واحفوا الشوارب . أخرجه البخاري في صحيحه، ومسلم في الصحيح 1 : 153 بلفظ : خالفوا المشركين، وحفوا الشوارب وأوقوا اللحى . سنن البيهقي 1 : 150، نيل الأوطار 1 : 141 قال : متفق عليه . 4 - عن أبي هريرة مرفوعا : جزوا الشوارب، وأرخوا اللحى، وخالفوا المجوس صحيح مسلم 1 : 153، سنن البيهقي 1 : 150، تاريخ الخطيب 5 : 317 بلفظ : أحفوا الشوارب واعفوا اللحى، زاد المعاد لابن القيم 1 : 63 بلفظ : قصوا الشوارب . وفي ص 64 بلفظ : جزوا الشوارب . نيل الأوطار 1 : 141 عن أحمد ومسلم . 5 - عن ابن عمر قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بإحفاء الشوارب وإعفاء اللحى . صحيح مسلم 1 : 153، صحيح الترمذي 10 : 221، سنن أبي داود 2 : 195، سنن البيهقي 1 : 151 . 6 - عن أبي أمامة قال : قلنا : يا رسول الله ! إن أهل الكتاب يقصون عثانينهم (1) ويوفرون سبالهم فقال : قصوا سبالكم، ووفروا عثانينكم، وخالفوا أهل الكتاب . أخرجه أحمد في المسند 5 : 264 . 7 - من حديث ابن عمر في المجوس : إنهم يوفرون سبالهم، ويحلقون لحاهم، فخالفوهم . أخرجه ابن حبان في صحيحه كما ذكره العراقي في تخريج الإحياء للغزالي المطبوع في ذيله ج 1 ص 146 . 8 - عن أنس : أحفوا الشوارب، واعفوا اللحى، ولا تشبهوا باليهود . أخرجه الطحاوي كما في شرح راموز الحديث : 1 : 141 . 9 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) جمع العثنون : اللحية .
/ صفحة 151 / من عرضها وطولها . صحيح الترمذي 10 : 220 . وكيف عزب عن الشبلي ما ذهب إليه القوم من أن حلق اللحية من تغيير خلق الله الوارد في قوله تعالى : ولآمرنهم فليغيرن خلق الله (1) . وقد أفرط جمع في الأخذ به فقال بحرمة حلق اللحية والشارب للمرأة أيضا . قال الطبري : لا يجوز للمرأة تغيير شيئ من خلقتها التي خلقها الله عليها بزيادة أو نقص التماس الحسن لا للزوج ولا لغيره، كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما توهم البلج أو عكسه، ومن تكون لها سن زائدة فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية أو شارب أو عنفقة فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيرا أو حقيرا فتطوله أو تغزره بشعر غيرها، فكل ذلك داخل في النهي، وهو من تغيير خلق الله تعالى . قال : ويستثنى من ذلك ما يحصل به الضرر والأذية كمن يكون لها سن زائدة أو طويلة تعيقها في الأكل، أو إصبع زائدة تؤذيها أو تؤلمها فيجوز ذلك، والرجل في هذا الأخير كالمرأة (2) . وقال القرطبي في تفسيره 5 : 393 في تفسير الآية : لا يجوز لها [للمرأة] حلق لحية أو شارب أو عنفقة إن نبتت لها، لأن كل ذلك تغيير خلق الله . وكيف خفي على الشبلي ما انتهى إلى ابن حزم الظاهري من الإجماع الذي نقله في كتابه [مراتب الإجماع] ص 157 على إن حلق جميع اللحية مثلة لا تجوز، ولا سيما للخليفة، والفاضل، والعالم، وعد في ص 52 ناتف اللحية ممن لا تقبل شهادته . وهلم إلى كلمات أعلام الفقه : 1 - قال الحافظ العراقي في طرح التثريب 1 : 83 : من خصال الفطرة إعفاء اللحية، وهو توفير شعرها وتكثيره، وإنه لا يؤخذ منه كالشارب . من عفا الشيئ إذا كثر وزاد . وفي الصحيحين من حديث ابن عمر الأمر بذلك (اعفوا اللحى) وفي رواية : أوفوا . وفي رواية : وفروا . وفي رواية : ارخوا وهي بالخاء المعجمة على المشهور وقيل بالجيم . من الترك والتأخير، وأصله الهمزة فحذف تخفيفا كقوله : ترجي من تشاء منهن . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة النساء : 119 . (2) فتح الباري 10 : 310 .
/ صفحة 152 / واستدل به الجمهور على أن الأولى ترك اللحية على حالها، وأن لا يقطع منها شيئ وهو قول الشافعي وأصحابه، وقال القاضي عياض : يكره حلقها وقصها وتحريقها . وقال القرطبي في المفهم : لا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها قال القاضي عياض : وأما الأخذ من طولها فحسن . قال : وتكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في قصها، وجزها قال : وقد اختلف السلف هل لذلك حد : فمنهم من لم يحدد شيئا في ذلك إلا أنه لا يتركها لحد الشهرة ويأخذ منها، وكره مالك طولها جدا، ومنهم من حدد بما زاد على القبضة فيزال، ومنهم من كره الأخذ منها إلا في حج أو عمرة . 2 - قال الغزالي في الإحياء 1 : 146 : قوله صلى الله عليه وسلم : اعفوا اللحى . أي كثروها وفي الخبر : إن اليهود يعفون شواربهم، ويقصون لحاهم، فخالفوهم وكره بعض العلماء الحلق ورآه بدعة . وقال في ص 148 : وقد اختلفوا فيما طال منها فقيل : إن قبض الرجل على لحيته وأخذ ما فضل عن القبضة فلا بأس، فقد فعله ابن عمر وجماعة من التابعين، واستحسنه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة وقالا : تركها عافية أحب لقوله صلى الله عليه وسلم : اعفوا اللحى . والأمر في هذا قريب إن لم ينته إلى تقصيص اللحية وتدويرها من الجوانب، فإن الطول المفرط قد يشوه الخلقة ويطلق ألسنة المغتابين بالنبز إليه، فلا بأس بالاحتراز عنه على هذه النية . 3 - قال ابن حجر في فتح الباري 10 : 288 عند ذكر حديث نافع : كان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه : الذي يظهر أن ابن عمر كان لا يخص هذا التخصيص بالنسك، بل كان يحمل الأمر بالاعفاء على غير الحالة التي تشوه فيها الصورة بإفراط طول شعر اللحية أو عرضه، فقد قال الطبري : ذهب قوم إلى ظاهر الحديث فكرهوا تناول شيئ من اللحية من طولها ومن عرضها، وقال قوم : إذا زاد على القبضة يؤخذ الزائد، ثم ساق بسنده إلى ابن عمر إنه فعل ذلك، وإلى عمر إنه فعل ذلك برجل، ومن طريق أبي هريرة إنه فعله، وأخرج أبو داود من حديث جابر بسند حسن قال : كنا نعفي السبال إلا في حج أو عمرة . وقوله : نعفي . بضم أوله وتشديد الفاء أي نتركه وافرا، وهذا يؤيد ما نقل عن ابن عمر فإن السبال بكسر المهملة وتخفيف الموحدة جمع سبلة بفتحتين وهي ما طال من شعر اللحية فأشار جابر / صفحة 153 / إلى أنهم يقصرون منها في النسك ثم حكى الطبري اختلافا فيما يؤخذ من اللحية، هل له حد أم لا ؟ فأسند عن جماعة الاقتصار على أخذ الذي يزيد منها على قدر الكف، وعن الحسن البصري : إنه يؤخذ من طولها وعرضها ما لم يفحش، وعن عطاء نحوه قال : وحمل هؤلاء النهي على منع ما كانت الأعاجم تفعله من قصها وتخفيفها، قال : وكره آخرون التعرض لها إلا في حج أو عمرة، وأسنده عن جماعة واختار قول عطاء، وقال : إن الرجل لو ترك لحيته لا يتعرض لها حتى أفحش طولها وعرضها لعرض نفسه لمن يسخر به، واستدل بحدث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأخذ من لحيته من عرضها وطولها، وهذا أخرجه الترمذي، ونقل عن البخاري أنه قال في رواية عمر بن هارون : لا أعلم له حديثا منكرا إلا هذا، وقد ضعف عمر بن هارون مطلقا جماعة . وقال عياض : يكره حلق اللحية وقصها وتجذيفها، وأما الأخذ من طولها وعرضها إذا عظمت فحسن، بل تكره الشهرة في تعظيمها كما يكره في تقصيرها كذا قال : وتعقبه النووي بأنه خلاف ظاهر الخبر في الأمر بتوفيرها قال : والمختار تركها على حالها وأن لا يتعرض لها بتقصير ولا غيره . وكان مراده بذلك في غير النسك لأن الشافعي نقص على استحبابه فيه . وقال في ص 289 : أنكر ابن التين ظاهر ما نقل عن ابن عمر فقال : ليس المراد أنه كان يقتصر على قدر القبضة من لحيته بل كان يمسك عليها فيزيل ما شذ منها فيمسك من أسفل ذقنه بأصابعه الأربعة ملتصقة فيأخذ ما سفل عن ذلك ليتساوى طول لحيته، قال أبو شامة : وقد حدث قوم يحلقون لحاهم وهو أشد مما نقل عن المجوس إنهم كانوا يقصونها . وقال النووي : يستثنى من الأمر بإعفاء اللحى ما لو نبتت للمرأة لحية فإنه يستحب لها حلقها، وكذا لو نبت لها شارب أو عنفقة . 4 - قال المناوي في [فيض القدير] 1 : 198 : اعفوا اللحى وفروها، فلا يجوز حلقها ولا نتفها، ولا قص الكثير منها، كذا في التنقيح، ثم زاد الأمر تأكيدا مشيرا إلى العلة بقوله : ولا تشبهوا باليهود في زيهم الذي هو عكس ذلك، وفي خبر ابن حبان بدل اليهود : المجوس . وفي آخر : المشركين . وفي آخر : آل كسرى . قال الحافظ العراقي : / صفحة 154 / والمشهور أنه من فعل المجوس فيكره الأخذ من اللحية، واختلف السلف فيما طال منها فقيل : لا بأس أن يقبص عليها ويقص ما تحت القبضة كما فعله ابن عمر، ثم جمع من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين، وكرهه الحسن وقتادة، والأصح كراهة أخذ ما لم يتشعث ويخرج عن السمت مطلقا . 5 - قال السيد علي القاري في شرح الشفا للقاضي (1) : حلق اللحية منهي عنه، وأما إذا طالت زيادة على القبضة فله أخذها . 6 - في شرح الخفاجي على الشفا 1 : 343 : وتقصير اللحية حسن كما مر، و هيئته تحصل بقص ما زاد على القبضة، ويؤخذ من طولها أيضا، وأما حلقها فمهني عنه لأنه عادة المشركين . 7 - قال الشوكاني في [نيل الأوطار] 1 : 136 : إعفاء اللحية توفيرها كما في القاموس، وفي رواية للبخاري : وفروا اللحى . وفي رواية أخرى لمسلم : أوفوا اللحى . وهو بمعناه، وكان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشارع عن ذلك وأمر بإعفائها . قال القاضي عياض : يكره حلق اللحية وقصها وتحريقها، وأما الأخذ من طولها وعرضها فحسن . ثم نقل الأقوال في حد ما زاد . وقال في ص 142 : قد حصل من مجموع الأحاديث خمس روايات : اعفوا . وأوقوا . وأرخوا . وارجوا . ووفروا . ومعناها كلها تركها على حالها . قوله : خالفوا المجوس . قد سبق إنه كان من عادة الفرس قص اللحية فنهى الشرع عن ذلك . 8 - في شرح راموز الحديث 1 : 141 : أشار إلى العلة في خبر ابن حبان : المجوس بدل اليهود، وفي آخر : المشركين . وفي أخرى : كسرى . قال العراقي : المشهور : إنه فعل المجوس، فكره الأخذ من اللحية، واختلف السلف فيما طال . ثم نقل الأقوال التي ذكرناها . 9 - أحسن كلمة تجمع شتات الفتاوى وآراء أئمة المذاهب في المسألة ما أفاده الأستاذ محفوظ في [الابداع في مضار الابتداع] (2) ص 405 قال : ومن أقبح العادات ما اعتاده ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) هامش شرح الخفاجي 1 : 343 . (2) تأليف الأستاذ الكبير الشيخ علي محفوظ أحد مدرسي الأزهر الشريف (الطبعة الرابعة ) / صفحة 155 / الناس اليوم من حلق اللحية وتوقير الشارب، وهذه البدعة كالتي قبلها سرت إلى المصريين من مخالطة الأجانب واستحسان عوائدهم حتى استقبحوا محاسن دينهم وهجروا سنة نبيهم محمد صلى الله عليه وآله فعن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله قال : خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب . وكان ابن عمر إذا حج أو اعتمر قبض على لحيته فما فضل أخذه . رواه البخاري وروى مسلم عن ابن عمر أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله قال : أحفوا الشوارب واعفوا اللحى [إلى أن قال بعد ذكر عدة من أحاديث الباب] : والأحاديث في ذلك كثيرة وكلها نص في وجوب توقير اللحية وحرمة حلقها والأخذ منها على ما سيأتي . ولا يخفى أن قوله : خالفوا المشركين وقوله : خالفوا المجوس . يؤيدان الحرمة فقد أخرج أبو داود وابن حبان وصححه عن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله : من تشبه بقوم فهو منهم . وهو غاية في الزجر عن التشبه بالفساق أو بالكفار في أي شئ مما يختصون به من ملبوس أو هيأة، وفي ذلك خلاف العلماء منهم من قال بكفره وهو ظاهر الحديث . ومنهم من قال : لا يكفر ولكن يؤدب . فهذان الحديثان بعد كونهما أمرين دالان على أن هذا الصنع من هيآت الكفار الخاصة بهم إذ النهي إنما يكون عما يختصون به . فقد نهانا صلى الله عليه وآله عن التشبه بهم عاما في قوله : من تشبه . ومن افراد هذا العام حلق اللحية . وخاصا في قوله : وفروا اللحى خالفوا المجوس، خالفوا المشركين . ثم ما تقدم من الأحاديث ليس على إطلاقه فقد روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يأخذ من لحيته من عرضها وطولها . وروى أبو داود والنسائي : إن ابن عمر كان يقبض على لحيته فيقطع ما زاد على الكف . وفي لفظ : ثم يقص ما تحت القبضة . وذكره البخاري تعليقا . فهذه الأحاديث تقيد ما رويناه آنفا . فيحمل الاعفاء على إعفائها من أن يأخذ غالبها أو كلها . وقد اتفقت المذاهب الأربعة على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها والأخذ القريب منه . الأول : مذهب الحنفية قال في [الدر المختار] : ويحرم على الرجل قطع لحيته / صفحة 156 / وصرح في النهاية بوجوب قطع ما زاد على القبضة (بالضم) وأما الأخذ منها وهي دون ذلك كما يفعله بعض المغاربة ومخنثة الرجال فلم يبحه أحد . وأخذ كلها فعل يهود الهند ومجوس الأعاجم ا ه وقوله : وما وراء ذلك يجب قطعه . هكذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه كان يأخذ من اللحية من طولها وعرضها، كما رواه الإمام الترمذي في جامعه، ومثل ذلك في أكثر كتب الحنفية . الثاني : مذهب السادة المالكية حرمة حلق اللحية وكذا قصها إذا كان يحصل به مثلة . وأما إذا طالت قليلا وكان القص لا يحصل به مثلة فهو خلاف الأولى أو مكروه كما يؤخذ من شرح الرسالة لأبي الحسن وحاشيته للعلامة العدوي رحمهم الله . الثالث : مذهب السادة الشافعية، قال في شرح العباب : فائدة قال الشيخان : يكره حلق اللحية . واعترضه ابن الرفعة بأن الشافعي رضي الله عنه نص في الأم على التحريم . وقال الأذرعي : الصواب تحريم حلقها جملة لغير علة بها . ا ه . ومثله في حاشية ابن قاسم العبادي على الكتاب المذكور . الرابع : مذهب السادة الحنابلة نص في تحريم حلق اللحية . فمنهم من صرح بأن المعتمد حرمة حلقها . ومنهم من صرح بالحرمة ولم يحك خلافا كصاحب الانصاف، كما يعلم ذلك بالوقوف على شرح المنتهى وشرح منظومة الآداب وغيرهما . ومما تقدم تعلم أن حرمة حلق اللحية هي دين الله وشرعه الذي لم يشرع لخلقه سواه، وأن العمل على غير ذلك سفه وضلالة، أو فسق وجهالة، أو غفلة عن هدي سيدنا محمد صلى الله عليه وآله ا ه نعم : لم يكن الشبلي ولا الحافظ الذي يثني عليه بحلق لحيته في حب الله، ولا الحفاظ الآخرون الذين أطنبوا القول حول لحية أبي بكر الصديق محتاجين إلى اللحية، بل كانوا يفتقرون إلى عقل تام كما جاء فيما ذكره السمعاني في الأنساب في [الرستمي] عن مطين بن أحمد قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت له : يا نبي الله ! أشتهي لحية كبيرة . فقال : لحيتك جيدة وأنت محتاج إلى عقل تام .
/ صفحة 157 /
- 57 - عمود نور من السماء إلى قبر الحنبلي ذكر ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب 3 : 46 في ترجمة أبي بكر عبد العزيز بن جعفر الحنبلي المعروف بغلام الخلال المتوفى سنة 363 قال : حكى أبو العباس ابن أبي عمرو الشرابي قال : كان لنا ذات ليلة خدمة أمسيت لأجلها، ثم إني خرجت منها نوبة الناس وتوجهت إلى داري بباب الأزج، فرأيت عمود نور من جوف السماء إلى جوف المقبرة فجعلت أنظر إليه ولا ألتفت خوفا أن يغيب عني إلى أن وصلت إلى قبر أبي بكر عبد العزيز فإذا أنا بالعمود من جوف السماء إلى القبر : فبقيت متحيرا ومضيت وهو على حاله . قال الأميني : أبو بكر الحنبلي هذا هو شيخ الحنابلة وعالمهم في عصره صاحب التصانيف وهو الراوي عن الخلال عن الحمصي عن إمام الحنابلة أحمد : إنه سئل عن التفضيل فقال : من قدم عليا على أبي بكر فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وآله، ومن قدمه على عمر فقد طعن على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أبي بكر، ومن قدمه على عثمان فقد طعن على أبي بكر وعمر وعثمان وعلى أهل الشورى والمهاجرين والأنصار . وليت مثقال ذرة من ذلك النور الخيالي الممتد من قبر الرجل سطع على مكمن بصيرته أبان حياته، فلا يخضع لكلمة شيخه التافهة هذه التي تخالف الكتاب والسنة وإن مقدار الرجل ينبو عن التدخل في هذا الشأن العظيم الذي ليس هو من رجاله لكن (حن قدح ليس منها) أنى يقع قوله في التفضيل مع آيتي المباهلة والتطهير ؟ ومقتضى الأولى اتحاد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام مع صنوه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله فيما يمكن اتحاد شخصين فيه، وليست هي إلا الفضائل والفواضل والمكارم والمآثر ما خلا النبوة فما ظنك برجل يوازنه صلى الله عليه وآله فيما ذكرناه من الفضل ؟ أليس من السخف أن يقال : من قدم عليا . إلخ ؟ ومقتضى الثانية عصمته صلوات الله عليه عن جميع الذنوب والمعاصي، وهل يوازي المعصوم من يجترح السيئات ويقترف الآثام ؟ لكن صاحب النور يروي : من قدم عليا .. إلخ . ولا يبالي بما يروي . فمقتضى المقام أن يقال : من قدم أحدا على مولانا أمير المؤمنين فقد طعن على / صفحة 158 / الكتاب الكريم ومن صدع به صلى الله عليه وآله ومن أنزله جلت عظمته . وأنى يقع قول صاحب النور المروي عن إمامه أحمد أمام السنة المتواترة الواردة من شتى النواحي في فضل الإمام صلوات الله عليه المتقدمة في الأجزاء السابقة من هذا الكتاب (1) ؟ فمن قدمه سلام الله عليه على أبي بكر وصاحبيه فقد جاء بالحجة البالغة، والنور الساطع، وأخذ بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها .
- 58 - أخرج الخطيب في تاريخه 1 : 275 قال : حدثنا أبو بكر محمد بن محمد الطاهري قال : سمعت أبا الحسين ابن سمعون (2) يذكر أنه خرج من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم قاصدا بيت المقدس، وحمل في صحبته تمرا صيحانيا، فلما وصل إلى بيت المقدس ترك التمر مع غيره من الطعام في الموضع الذي كان يأوي إليه، ثم طالبته نفسه بأكل الرطب فأقبل عليها باللائمة وقال : من أين لنا في هذا الموضع رطب ؟ فلما كان وقت الإفطار عمد إلى التمر ليأكل منه فوجده رطبا صيحانيا ! فلم يأكل منه شيئا، ثم عاد إليه من الغد عشية فوجده تمرا على حالته الأولى فأكل منه . وذكره ابن العماد في الشذرات 3 : 126 .
- 59 - ابن سمعون يخبر عما يراه النائم أخرج ابن الجوزي في المنتظم 7 : 199 من طريق أبي بكر الخطيب البغدادي عن أبي طاهر محمد بن علي بن العلاف قال : حضرت أبا الحسين ابن سمعون يوما في مجلس الوعظ وهو جالس على كرسيه يتكلم، وكان أبو الفتح القواس جالسا إلى جنب الكرسي فغشيه النعاس ونام، فأمسك أبو الحسين عن الكلام ساعة حتى استيقظ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) وسيوافيك قول أحمد وجمع آخرين من أئمة الحديث : لم يرد في حق أحد من الصحابة بالأسانيد الحسان أكثر مما جاء في حق علي بن أبي طالب . وقول حبر الأمة ابن عباس : ما نزل في أحد من كتاب الله ما نزل في علي . (2) الواعظ الشهير الإمام القدوة الناطق بالحكمة كما في المنتظم والشذرات توفي 387 .
/ صفحة 159 / أبو الفتح ورفع رأسه فقال له أبو الحسين : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في نومك ؟ قال : نعم، فقال أبو الحسين : لذلك أمسكت عن الكلام خوفا أن تنزعج وتنقطع عما كنت فيه .
- 60 - قال ابن الجوزي في المنتظم 7 : 198 : حكي أن الرصاص الزاهد كان يقبل رجل ابن سمعون دائما فلا يمنعه فقيل له في ذلك فقال : كان في داري صبية خرج في رجلها الشوكة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم فقال لي : قل لابن سمعون : يضع رجله عليها فإنها تبرأ، فلما كان من الغد بكرت إليه فرأيته قد لبس ثيابه فسلمت عليه فقال : بسم الله فقلت : لعل له حاجة أمضي معه وأعرض عليه في الطريق حديث الصبية فجاء إلى داري فقال : بسم الله . فدخلت وأخرجت الصبية إليه وقد طرحت عليها شيئا فترك رجله عليها، وانصرف وقامت الجارية معافاة فأنا أقبل رجله أبدا . - 61 - كان أبو المعالي البغدادي المتوفى 496 من الصلحاء الزهاد، ذكر إنه أصابته فاقة شديدة في شهر رمضان فعزم على الذهاب إلى بعض الأصحاب ليستقرض منه شيئا قال : فبينما أنا أريده إذا بطائر قد سقط على كتفي وقال : يا أبا المعالي ! أنا الملك الفلاني لا تمض إليه نحن نأتيك به . قال : فبكر إلي الرجل . رواه ابن الجوزي في المنتظم 9 : 136، وابن كثير في تاريخه 12 : 163 . ألا تعجب من ابن الجوزي لا يمر على منقبة من مناقب آل الرسول صلى الله عليه وآله إلا وحكم عليها بالوضع أو الضعف أو الوهن، لكنه يرسل هذه الخزعبلات إرسال المسلم، ولا ينبس في إسنادها ببنت شفة، ولا في متونها بما يقتضيه المقام من التنفيذ والاحالة ؟ كل ذلك لأنه غال فيمن يحبهم، وقال لمن يشنأهم .
- 62 - قال صاحب مفتاح السعادة 2 : 194 : قال - أبو حامد الغزالي (1) - في بعض ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أبو حامد محمد بن محمد الطوسي الشافعي حجة الاسلام الغزالي صاحب كتاب (إحياء العلوم) ولد بطوس 450 وتوفي 505 .
/ صفحة 160 / مؤلفاته : كنت في بدايتي منكرا لأحوال الصالحين ومقامات العارفين حتى حظيت بالواردات، فرأيت الله تعالى في المنام فقال لي يا أبا حامد ! قلت : أو الشيطان يكلمني ؟ قال : لا . بل أنا الله المحيط بجهاتك الست ثم قال : يا أبا حامد ! ذر أساطيرك وعليك بصحبة أقوام جعلتهم في أرضي محل نظري، وهم أقوام باعوا الدارين بحبي . فقلت : بعزتك إلا أذقتني برد حسن الظن بهم . فقال : قد فعلت ذلك والقاطع بينك وبينهم تشاغلك بحب الدنيا، فاخرج منها مختارا قبل أن تخرج منها صاغرا، فقد أمضيت عليك نورا من أنوار قدسي، فقم وقل . قال : فاستيقظت فرحا مسرورا وجئت إلى شيخي يوسف النساج فقصصت عليه المنام فتبسم وقال : يا أبا حامد ! هذا ألواحنا في البداية فمحوناها، بلى إن صحبتني سأكحل بصر بصيرتك بأثمد التأييد حتى ترى العرش ومن حوله، ثم لا ترضى بذلك حتى تشاهد ما لا تدركه الأبصار، فتصفو من كدر طبيعتك، وترتقى على طور عقلك، وتسمع الخطاب من الله تعالى - كما كان لموسى عليه السلام - : أنا الله رب العالمين . قال الأميني : مادح نفسه يقرءك السلام . ليت شعري هل كان يضيق فم الشيطان عن أن يقول : أنا الله المحيط بجهاتك الست، كما لم تضق أفواه المدعين للربوبية في سالف الدهر ؟ فمن أين عرف الغزالي بصرف الدعوى إنه هو الله ؟ ولماذا لم يحتمل بعد إنه هو الشيطان ؟ وإن كان قد صدق الرؤيا وأذعن بأن الله هو الذي خاطبه فلماذا لم يدع الأساطير وقد خوطب ب : ذر الأساطير . ولم ينسج على نول النساج شيخه إلا التافهات ؟ وليته كان يوجد في صيدلية النساج كحل آخر تحد بصر الغزالي وبصيرته حتى لا يبوء بإثم كبير مما في إحيائه من رياضيات غير مشروعة محبذة من قبله كقصة لص الحمام وغيرها، وحديث منعه عن لعن يزيد اللعين في باب آفات اللسان إلى أمثاله الكثير الباطل . وما أحد أثمد النساج الذي يترك من اكتحل به لا يرضى بعد رؤيته العرش ومن حوله، حتى يشاهد ما لا تدركه الأبصار، ويسمع الخطاب - كما سمعه موسى - : أنا الله رب العالمين ؟ وأنا إلى الغاية لا أدري إن موسى عليه السلام المشارك له في السماع هل / صفحة 161 / شاركه في الرؤية ؟ ولعل صاحب الهذيان يجد نفسه مربية على نبي الله موسى الذي هو من أولي العزم من الرسل، وخوطب بقول الله العزيز : لن تراني يا موسى ! هكذا فليكن السالك المجاهد الغزال .
- 63 - قال الشيخ الإمام الزاهد شمس الدين أبو عبد الله محمد بن محمد الجلالي النسائي الشافعي : رأيت في بعض تصانيف الشيخ الإمام مسعود الطرازي : إن الإمام أبا حامد الغزالي رحمه الله كان قد أوصى أن يلحده الشيخ أبو بكر النساج الطوسي تلميذ الشيخ الإمام أبي القاسم الكرساني قال : فلما ألحده وخرج من اللحد خرج متغيرا منتقع اللون فقيل له في ذلك فلم يخبر بشئ، فأقسموا عليه بالله إلا ما أخبرتهم فقال : إني لما وضعته في اللحد شاهدت يدا يمنى قد خرجت من تجاه القبلة وسمعت هاتفا يقول : ضع يد محمد الغزالي في يد سيد المرسلين محمد المصطفى العربي صلى الله عليه وآله فوضعتها فيها ثم خرجت كما ترون أو كما قال قدس الله روحه العزيز (1) . لقد علم الغزالي أن للنساج عليه يدا واجبة بتكحيله بأثمده المتقدم ذكره، فكان منه بدء هدايته، فأحب أن يكون هو المجهز له في الغاية، وعرف إن الرجل نسيج وحده في وشي الخرافات، فأوصى إليه ما أوصى، وأحسب إن يد الغزالي التي وضعها في يد النبي محمد صلى الله عليه وآله غير التي حمل القلم الذي خط به كتاب (الإحياء) المشحون بالأباطيل والأضاليل أو غيره من كتبه التي تحوي أمثال قصة الرؤية والاثمد .
- 64 - عن الإمام أبي الحسن المعروف بابن حرازم - ويقال : ابن حرزم - وكان مطاعا في بلاد المغرب إنه لما وقف على [إحياء العلوم] للغزالي أمر بإحراقه . وقال : هذا بدعة مخالف للسنة، فأمر بإحضار ما في تلك البلاد من نسخ الإحياء، فجمعوا وأجمعوا على إحراقها يوم الجمعة، وكان إجماعهم يوم الخميس، فلما كان ليلة الجمعة رأى ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) مفتاح السعادة 2 : 207 .
/ صفحة 162 / أبو الحسن في المنام كأنه دخل من باب الجامع، ورأى في ركن المسجد نورا وإذا بالنبي صلى الله عليه وآله وأبي بكر وعمر جلوس والإمام الغزالي قائم وبيده (الإحياء) وقال : يا رسول الله ! هذا خصمي ثم جثا على ركبتيه وزحف عليهما إلى أن وصل إلى النبي صلى الله عليه وآله فناوله (كتاب الإحياء) وقال : يا رسول الله ! انظر فيه فإن كان فيه بدعة مخالفة لسنتك كما زعم تبت إلى الله، وإن كان شيئا تستحسنه حصل لي من بركتك فأنصفني من خصمي، فنظر فيه رسول الله صلى الله عليه وآله ورقة ورقة إلى آخره ثم قال : والله إن هذا شيئ حسن، ثم ناوله أبا بكر رضي الله عنه فنظر فيه كذلك، ثم قال : نعم، والذي بعثك بالحق يا رسول الله ! إنه لحسن . ثم ناوله عمر رضي الله عنه فنظر فيه كذلك ثم قال كما قال أبو بكر رضي الله عنه . فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله بتجريد أبي الحسن وضربه حد المفتري فجرد وضرب ثم شفع فيه أبو بكر بعد خمسة أسواط وقال : يا رسول الله ! إنما فعل ذلك اجتهادا في سنتك وتعظيما . فعفا عنه أبو حامد عند ذلك، فلما استيقظ (أبو الحسن) من منامه وأصبح أعلم أصحابه بما جرى ومكث قريبا من الشهر متألما من الضرب ثم سكن عنه الألم ومكث إلى أن مات وأثر السياط على ظهره وصار ينظر كتاب (الإحياء) ويعظمه وينتحله أصلا أصيلا . وفي لفظ اليافعي : وبقيت متوجعا لذلك خمسا وعشرين ليلة، ثم رأيت النبي صلى الله عليه وآله جاء ومسح علي وتوبني فشفيت ونظرت في (الإحياء) ففهمته غير الفهم الأول . و ذكره السبكي في طبقاته 4 : 132 وقال : هذه حكاية صحيحة حكاها لنا جماعة من ثقات مشيختنا عن الشيخ العارف ولي الله سيدي ياقوت الشاذلي، عن شيخنا السيد الكبير ولي الله أبي العباس المرسي، عن شيخه الشيخ الكبير ولي الله أبي الحسن الشاذلي قدس الله تعالى أسرارهم (1) وذكره المولى أحمد طاش كبرى زاده في مفتاح السعادة 2 : 209، واليافعي في مرآت الجنان 3 : 322 : وقال السبكي في طبقاته : 4 : 113 : كان في زماننا شخص يكره الغزالي ويذمه ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) كذا حكى عن السبكي والمطبوع من طبقاته يخالفه في بعض الألفاظ .
/ صفحة 163 / ويستعيبه في الديار المصرية فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام وأبا بكر وعمر رضي الله عنهما بجانبه والغزالي جالس بين يديه وهو يقول : يا رسول الله ! هذا يتكلم في، وإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : هاتوا السياط، وأمر به فضرب لأجل الغزالي، وقام هذا الرجل من النوم وأثر السياط على ظهره، ولم يزل كان يبكي ويحكيه للناس . وسنحكي منام أبي الحسن ابن حرزم المغربي المتعلق بكتاب (الإحياء) وهو نظير هذا . قال الأميني : نعما هي لو صدقت الأحلام ؟ إنا نحن نربأ صاحب الرسالة عن الاصفاق على تصديق مثل هذا الكتاب الذي هو في كثير من مواضيعه على الطرف النقيض لما صدع به من شريعته المقدسة، وليست أباطيل الغزالي بألغاز لا يحلها إلا الفني فيها، وإنما هي سرد متعارف يعرفها كل من وقف عليها من أهل العلم، وليس فهمها قصرا على قوم دون آخرين، فهي فتق لا يرتق، وصدع لا يرأب . قال ابن الجوزي في المنتظم 9 : 169 : أخذ في تصنيف كتاب (الإحياء) في القدس ثم أتمه بدمشق إلا أنه وضعه على مذهب الصوفية وترك فيه قانون الفقه مثل إنه ذكر في محو الجاه ومجاهدة النفس : إن رجلا أراد محو جاهه فدخل الحمام فلبس ثياب غيره، ثم لبس ثيابه فوقها، ثم خرج يمشي على محل حتى لحقوه فأخذوها منه وسمي سارق الحمام، وذكر مثل هذا على سبيل التعليم للمريدين قبيح، لأن الفقه يحكم بقبح هذا فإنه متى كان للحمام حافظ وسرق سارق قطع، ثم لا يحل لمسلم أن يتعرض بأمر يأثم الناس به في حقه . وذكر أن رجلا اشترى لحما فرأى نفسه تستحيي من حمله إلى بيته فعلقه في عنقه ومشى، وهذا في غاية القبح، ومثله كثير ليس هذا موضعه، وقد جمعت أغلاط الكتاب وسميته [إعلام الأحياء بأغلاط الإحياء] وأشرت إلى بعض ذلك في كتابي المسمى [بتلبيس إبليس] مثل ما ذكر في كتاب النكاح : إن عائشة قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : أنت الذي تزعم إنك رسول الله . وهذا محال . إلى أن قال : وذكر في كتاب (الإحياء) من الأحاديث الموضوعة وما لا يصح غير قليل، وسبب ذلك قلة معرفته بالنقل، فليته عرض تلك الأحاديث على من يعرف، وإنما نقل نقل حاطب ليل . وكان قد صنف للمستظهر كتابا في الرد على الباطنية، وذكر في آخر / صفحة 164 / مواعظ الخلفاء فقال : روي أن سليمان بن عبد الملك بعث إلى أبي حازم : ابعث إلي من إفطارك . فبعث إليه نخالة مقلوة فبقي سليمان ثلاثة أيام لا يأكل، ثم أفطر عليها وجامع زوجته، فجاءت بعبد العزيز، فلما بلغ ولد له عمر بن عبد العزيز . وهذا من أقبح الأشياء لأن عمر ابن عم سليمان وهو الذي ولاه، فقد جعله ابن ابنه، فما هذا حديث من يعرف من النقل شيئا أصلا .. الخ . وقال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) ص 352 : قد حكى أبو حامد الغزالي في كتاب (الإحياء) قال : كان بعض الشيوخ في بداية إرادته يكسل عن القيام فألزم نفسه القيام على رأسه طول الليل لتسمح نفسه بالقيام عن طوع . قال : وعالج بعضهم حب المال بأن باع جميع ماله ورماه في البحر إذا خاف من تفرقته على الناس رعونة الجود ورياء البذل . قال : وكان بعضهم يستأجر من يشتمه على ملأ من الناس ليعود نفسه الحلم . قال : وكان آخر يركب البحر في الشتاء عند اضطراب الموج ليصير شجاعا . ثم قال : قال المصنف رحمه الله : أعجب من جميع هؤلاء عندي أبو حامد كيف حكى هذه الأشياء ولم ينكرها ؟ وكيف ينكرها وقد أتى بها في معرض التعليم ؟ وقال قبل أن يورد هذه الحكايات : ينبغي للشيخ أن ينظر إلى حالة المبتدئ فإن رأى معه مالا فاضلا عن قدر حاجته أخذه وصرفه في الخير، وفرغ قلبه منه حتى لا يلتفت إليه . وإن رأى الكبرياء قد غلب عليه أمره أن يخرج إلى السوق للكد ويكلفه السؤال والمواظبة على ذلك . وإن رأى الغالب عليه البطالة استخدمه في بيت الماء وتنظيفه وكنس المواضع القذرة وملازمة المطبخ ومواضع الدخان . وإن رأى شره الطعام غالبا عليه ألزم الصوم، وإن رآه عزبا ولم تنكسر شهوته بالصوم أمره أن يفطر ليلة على الماء دون الخبز وليلة على الخبز دون الماء ويمنعه اللحم رأسا . فقال : قلت : وإني لا تعجب من (أبي حامد) كيف يأمر بهذه الأشياء التي تخالف الشريعة ؟ وكيف يحل القيام على الرأس طول الليل فينعكس الدم إلى وجهه ويورثه ذلك مرضا شديدا ؟ وكيف يحل رمي المال في البحر ؟ وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال . وهل يحل سب مسلم بلا سبب ؟ وهل يجوز للمسلم أن يستأجر على ذلك / صفحة 165 / وكيف يجوز ركوب البحر زمان اضطرابه ؟ وذاك زمان قد سقط فيه الخطاب بأداء الحج، وكيف يحل السؤال لمن يقدر أن يكتسب ؟ فما أرخص ما باع أبو حامد الغزالي الفقه بالتصوف ؟ . وقال : وحكى أبو حامد : إن أبا تراب النخشبي قال لمريد له : لو رأيت أبا يزيد مرة واحدة كان أنفع لك من رؤية الله سبعين مرة . فقال : قلت : وهذا فوق الجنون بدرجات . هذه جملة من كلمات ابن الجوزي حول [إحياء العلوم] ومن أمعن النظر في أبحاث هذا الكتاب يجده أشنع مما قاله ابن الجوزي، وحسبك ما جاء به من حلية الغناء والملاهي وسماع صوت المغنية الأجنبية والرقص واللعب بالدرق والحراب، ونسبة كل ذلك إلى نبي القداسة رسول الله صلى الله عليه وآله فقال (1) بعد سرد جملة من الموضوعات تدعيما لرأيه السخيف : فيدل هذا على إن صوت النساء غير محرم تحريم صوت المزامير، بل إنما يحرم عند خوف الفتنة، فهذه المقاييس والنصوص تدل على إباحة الغناء، والرقص، والضرب بالدف، واللعب بالدرق والحراب، والنظر إلى رقص الحبشية والزنوج في أوقات السرور كلها قياسا على يوم العيد فإنه وقت سرور، وفي معناه يوم العرس، والوليمة، والعقيقة، والختان، ويوم القدوم من السفر، وسائر أسباب الفرح وهو كل ما يجوز به الفرح شرعا، ويجوز الفرح بزيارة الإخوان ولقائهم واجتماعهم في موضع واحد على طعام أو كلام فهو أيضا مظنة السماع . ثم ذكر سماع العشاق تحريكا للشوق وتهييجا للعشق وتسلية للنفس . وفصل القول في ذلك بما لا طائل تحته، وخلط الحابل بالنابل، وجمع فيه بين الفقه المزيف وبين السلوك بلا فقاهة . ومن طامات كتاب (الإحياء) أو من شواهد جهل مؤلفه المبير ومبلغه من الدين والورع رأيه الساقط في اللعن قال في ج 3 : 121 : وعلى الجملة ففي لعن الأشخاص خطر فليجتنب، ولا خطر في السكوت عن لعن إبليس مثلا فضلا عن غيره، فإن قيل : هل يجوز لعن يزيد لأنه قاتل الحسين أو أمره به ؟ قلنا : هذا لم يثبت أصلا، فلا يجوز ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) راجع إحياء العلوم 2 : 276 .
/ صفحة 166 / أن يقال : إنه قتله، أو أمر به ما لم يثبت فضلا عن اللعنة، لأنه لا تجوز نسبة مسلم إلى كبيرة من غير تحقيق ثم ذكر أحاديث في النهي عن لعن الأموات فقال : فإن قيل : فهل يجوز أن يقال : قاتل الحسين لعنه الله، أو الآمر بقتله لعنه الله ؟ قلنا : الصواب أن يقال : قاتل الحسين إن مات قبل التوبة لعنه الله لأنه يحتمل أن يموت بعد التوبة، فإن وحشيا قاتل حمزة عم رسول الله صلى الله عليه وسلم قتله وهو كافر، ثم تاب عن الكفر والقتل جميعا، ولا يجوز أن يلعن والقتل كبيرة، ولا تنتهي إلى رتبة الكفر، فإذا لم يقيد بالتوبة وأطلق كان فيه خطر، وليس في السكوت خطر فهو أولى . ا ه . فهلم معي أيها القارئ الكريم إلى هذه التافهات المودوعة في غضون [إحياء العلوم] هل يراها النبي الأعظم صلى الله عليه وآله شيئا حسنا، وحلف بذلك ؟ وهل سره دفاع الرجل عن إبليس اللعين أو عن جروه يزيد الطاغية الذي أبكى عيون آل الله وعيون صلحاء أمة محمد صلى الله عليه وآله في ريحانته إلى الأبد ؟ ! وهل يحق لمسلم صحيح ينزه عن النزعة الأموية الممقوتة، ويطلع على فقه الاسلام وطقوسه، ويعلم تاريخ الأمة، ويعرف نفسيات أبناء بيت أمية الساقط، ولا يجهل أو لا يتجاهل بما أتت به يد يزيد الطاغية الأثيمة، وما نطق به ذلك الفاحش المتفحش وما أحدثه في الاسلام من الفحشاء والمنكر، وما ثبت عنه من أفعاله وتروكه، وما صدر عنه من بوائق وجرائم وجرائر، أن يدافع عنه بمثل ما أتى به هذا المتصوف الثرثار البعيد عن العلوم الدينية وحياتها ؟ وهو لا يبالي بما يقول، ولا يكترث لمغبة ما خطته يمناه الخاطئة، والله من وراءه حسيب، وهو نعم الحكم العدل، والنبي الأعظم، ووصيه الصديق، والشهيد السبط المفدى هم خصماء الرجل يوم يحشر للحساب مع يزيد الخمور والفجور - ومن أحب حجرا حشره الله معه - وسيذوق وبال مقاله ويرى جزاء محاماته . ولست أدري إلى الغاية إن حد المفتري الذي أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله على أبي الحسن ابن حرازم إن كان بحق - ولا بد أن يكون ما يفعله النبي حقا - فلماذا درأته عنه شفاعة الشيخ أبي بكر ؟ ولا شفاعة في الحدود . وإن لم يكن أبو الحسن مستحقا / صفحة 167 / له فبماذا أقامه رسول الله صلى الله عليه وآله ؟ ولماذا أرجأ الشيخ رأيه في اجتهاد ابن حرازم إلى أن جرد وضرب خمسة أسواط ؟ وكيف خفي على رسول الله صلى الله عليه وآله ما يدرأ به الحد من شبهة الاجتهاد ؟ ومن سنته الثابتة درأ الحدود بالشبهات . وهل تقام الحدود في عالم الطيف ؟
- 65 - قال السمعاني : سمعت أبا بكر الزاهد السمرقندي يقول : بت ليلة مع الإمام اللامشي - الحسين بن علي أبي علي الحنفي المتوفى 522 - في بعض بساتينه فخرج من باب البستان نصف الليل ومر على وجهه فقمت أنا وتبعته من حيث لا يعلم، فوصل إلى نهر كبير عميق، وخلع ثيابه، واتزر بميرز وغاض في الماء، وبقي زمانا لا يرفع رأسه فظننت أنه غرق فصحت وقلت : يا مسلمون ! غرق الشيخ فإذا بعد ساعة قد ظهر وقال : يا بني لا نغرق . فقلت : يا سيدي ! ظننت أنك غرقت، فقال : ما غرقت ولكن أردت أن أسجد لله سجدة على أرض النهر فإن هذه أرض أظن أن أحدا ما سجد لله عليها سجدة [الجواهر المضية في طبقات الحنفية] 1 : 215 . مرحى بالسخافة وزه بمستسخف الناس الذين يخضعون لأمثال هذه السفاسف، وحيا الله هذه النفس التي لم يأخذ بخناقها انقطاع النفس طيلة تلك المدة تحت الماء، وليس ذلك من خرافة القصاصين بعجيب، ولا عجب فإن المغالاة في الحب يستسهل وقوع ما يحيله العقل .
- 66 - أخرج ابن الجوزي وابن كثير بالإسناد عن أحمد الاسواري وكان ثقة وهو تولى غسل إسماعيل بن محمد الحافظ (1) أنه قال : أراد أن ينحي الخرقة عن سوأته وقت الغسل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) أبو القاسم الطلحي الشافعي من أهل أصبهان قال ابن الجوزي : إمام في الحديث والتفسير و اللغة حافظ متقن دين ولد 459 وتوفي باصبهان سنة 535 .
/ صفحة 168 / فجذبها الشيخ إسماعيل من يده وغطى فرجه، فقال الغاسل : أحياة بعد الموت ؟ المنتظم 10 : 90، تاريخ ابن كثير 12 : 217 . قال الأميني : لا حياة بعد الموت لأمثال الطلحي، إلى يوم الوقت المعلوم، لكن الغلو في الحب يحيي ويميت ويميت ويحيي .
- 67 - طاعة الحيوانات والجمادات للمنبجي قال الإمام أبو محمد ضياء الدين الوتري في (روضة الناظرين) ص 36 : قال الشيخ عقيل بن شهاب الدين أحمد المنبجي العمري أحد أحفاد عمر بن الخطاب، وكان يلقب بالغواص : أعطاني الله الكلمة النافذة في كل شئ، ثم داخله وجد فقام : وقال : يا هوام ! يا حجارة ! يا شجر ! صدقوني، فإني ما ادعيت باطلا، فوفدت الوحوش من الجبل وقد ملأ زئيرها وصراخها البقاع ودارت به، ورقصت الحجارة، فهذه صاعدة وهذه نازلة، واشتبكت الأغصان بعضها ببعضها، ثم حضر فسكت وعاد كل لما كان عليه . وقال الوتري : كان يلقب بالغواص، وذلك لأنه مر بجماعة من تلامذة شيخه السروجي بالفرات، ففرش سجادته على الماء وجلس عليها وغاص بالماء إلى الجانب الآخر، ثم ظهر من الماء، ولا بلل بثيابه، فذكر ذلك إخوانه لشيخه مسلمة السروجي فقال : عقيل غواص . فاشتهر بذلك (1) قال الأميني : حقا إن تأثير هذا الرجل في المواليد الثلاث أقوى من تأثير الله سبحانه في تصديقها إياه إن حققت المزاعم والتافهات، فقد جاء في الذكر الحكيم : و إن من شئ إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم(2). وسبح لله ما في السموات والأرض (5) ولله يسجد ما في السموات والأرض (4) والنجم والشجر يسجدان (5) ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) روضة الناظرين ص 35 . (2) سورة الاسراء : 47 . (3) سورة الصف : 2 . (4) سورة النحل : 52 . (5) سورة الرحمن : 7 .
/ صفحة 169 / ألم تر إن الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس (1) ومع ذلك لم يسمع أحد للوحوش والدواب نعيقا، وللشجر هفيفا، وللأحجار صعودا وهبوطا، بعنوان السجدة و التسبيح، فهو لا محالة إما بلسان ملكوتي، أو بعنوان جعل الاستعداد، أو الشهادة التكوينية التي لا تفارق كل موجود على حد قول القائل : وفي كل شيء له آية * تـــــدل على إنه واحد وعليه ينزل قوله تعالى : شهد الله أنه لا إله إلا هو . أي خلق ما يشهد له بأحد الوجوه المذكورة، وإلا فهي دعوى لا شهادة لها إن أريد بها ظاهرها . أو إن للموجودات في تسبيحها وسجودها لغة وأطوارا لا يحسها البشر، إلا من اصطفاه الله من عباده المنتجبين، وعلمه منطق الطير، وعرفه لغة الحجر والشجر والهوام، لكن الشيخ الغواص أعطاء الله الكلمة النافذة في كل شئ حتى زارت وصرخت له الوحوش، ورقصت الحجارة، واشتبكت أغصان الأشجار، فحظيت بسماعها ورؤيتها آذان أولئك الغالين في فضائله ومقلهم، فحيى الله منحة المولى سبحانه لعبده أكثر مما عنده، ولك إمعان النظر وتدقيق البحث حول السجادة والغوص، وهذه كلها سهلة غير مستصعب على الشيخ مهما كان حفيد عمر الخلفية، وقد سمعت كراماته الظاهرة في العناصر الأربعة في الجزء الثامن ص 83 - 87 ط 1، هكذا يخلق أو يختلق الغلو الفضائل، وافقت العقل أم لم توافق .
- 68 - قال عمر بن محمد : خدمت الشيخ عدي - ابن مسافر الشامي الأموي المتوفى 557 / 8 - سبع سنين شهدت له فيها خارقات أحدها : أني صببت على يديه ماء فقال لي : ما تريد ؟ قلت أريد تلاوة القرآن ولا أحفظ منه غير الفاتحة وسورة الاخلاص، فضرب بيده في صدري فحفظت القرآن كله في وقتي، وخرجت من عنده وأنا أتلوه بكماله . [شذرات الذهب] لابن العماد الحنبلي 4 : 180 ، ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) سورة الحج : 19 .
/ صفحة 170 / قال الأميني : ليت هذا الأموي أدرك عهد الخليفة الثاني فيضرب بيده في صدره فلا يتجشم بمقاساة الشدة لحفظ سورة البقرة في أثني عشر عاما . لكنه لم يدرك . وليت شعري هل كان يرضخ راوي هذه الأسطورة لها لو كان صاحبها علويا ؟ أو إن رضوخه قصر على الأموي فحسب ؟ وذكر ابن العماد أيضا في شذرات ذهبه نقلا عن اليونيني - الآتي ذكره . قال قال لي عدي بن مسافر يوما : إذهب إلى الجزيرة السادسة بالبحر المحيط تجد بها مسجدا فادخله ترى فيه شيخا فقل له : يقول لك الشيخ عدي بن مسافر : إحذر الاعتراض و لا تختر لنفسك أمرا ليست لك فيه إرادة . فقلت : يا سيدي ! وأنى لي بالبحر المحيط ؟ فدفعني بين كتفي فإذا أنا بجزيرة والبحر محيط بها وثم مسجد فدخلته فرأيت شيخا مهيبا يفكر فسلمت عليه وبلغته الرسالة فبكى وقال : جزاه الله خيرا، فقلت : يا سيدي ! ما الخبر ؟ فقال : إعلم أن أحد السبعة الخواص في النزع وطمحت نفسي و إرادتي أن أكون مكانه، ولم تكمل خطرتي حتى أتيتني فقلت : يا سيدى ! وأنى لي بالوصول إلى جبل هكار ؟ فدفعني بين كتفي فإذا أنا بزاوية الشيخ عدي فقال لي : هو من العشرة الخواص . قال الأميني : الجنون فنون، وأرقها جنون الحب والمغالاة في الفضائل .
- 69 - قال اليافعي في مرآة الجنان 3 : 356 : روى الشيخ الإمام الفقيه العالم المقري أبو الحسن علي بن يوسف بن جرير بن معضاد الشافعي اللخمي في مناقب الشيخ عبد القادر (1) بسنده من خمس طرق، وعن جماعة من الشيوخ الجلة أعلام الهدى العارفين المقتنين للاقتداء، قالوا : جاءت امرأة بولدها إلى الشيخ عبد القادر فقالت له : يا سيدي ! إني رأيت قلب ابني هذا شديد التعلق بك، وقد خرجت عن حقي فيه لله ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) الشيخ السيد عبد القادر بن أبي صالح موسى الحسني الجيلاني، مؤسس الطريقة القادرية . من كبار المتصوفين، ولد في 491 بجيلان [وراء طبرستان] وانتقل إلى بغداد شابا، وتوفي سنة 561 ودفن ببغداد وقبره مشهور يزار .
/ صفحة 171 / عز وجل ولك، فقبله الشيخ وأمره بالمجاهدة وسلوك الطريق، فدخلت أمه عليه يوما فوجدته نحيلا مصفرا من آثار الجوع والسهر، ووجدته يأكل قرصا من الشعير فدخلت إلى الشيخ فوجدت بين يديه إناء فيه عظام دجاجة مسلوقة قد أكلها، فقالت : يا سيدي ! تأكل لحم الدجاج ويأكل ابني خبز الشعير ؟ فوضع يده على تلك العظام وقال : قومي بإذن الله تعالى الذي يحيي العظام وهي رميم . فقامت الدجاجة سوية وصاحت، فقال الشيخ : إذا صار ابنك هكذا فليأكل ما شاء . وذكرها الشيخ عبد القادر القادري في [تفريح الخاطر] ص 32 . قال الأميني : إن خاصة الأنبياء وفي الطليعة منها إحياء الموتى هل تتأتى لكل مرتاض، فلا يبقى بينه وبين النبي المرسل أي مائز ؟ وهب إن الباحث تصور لصدورها من الأولياء اعتبارا آخر فتكون كرامة للولي ومعجزة للنبي الذي ينتحل شرعته، إلا أنه اعتبار اهتدى إليه الفكر بعد روية طويلة، لكنه لا خارج له تصل إليه العامة، فاطرادها بل وظهورها من غير اطراد يحط عندها من مقام النبوة لمحض المشاكلة الصورية، وكلما كان كذلك لا يمكن وقوعه . ثم هل لأكل خبز الشعير وما جشب من الطعام بمحضه أن يوصل السالك إلى مرتبة يحيي فيها الموتى، وإن كان المولى سبحانه يعلم إنه متى بلغ إلى هذه المرتبة ألهاه أكل الدجاجة المسلوقة أكلا لما ؟ ! وهل الرياضة شرط في حدوث القوة في النفس والملكات الفاضلة وليست شرطا في بقائها ؟ ! أو ليس التلهي باللذايذ مزيحة لتلكم الأحوال النفسية كما كانت الرياضة مجتذبة لها ؟ فاحف القول السؤال عن هذه المشكلات، فإن أجابوك فأخبرني .
- 70 - عبد القادر يحتلم في ليلة أربعين مرة ذكر الشعراني في الطبقات الكبرى 1 : 110 قال : كان الشيخ عبد القادر (الجيلاني) رضي الله عنه يقول : أقمت في صحراء العراق وخرائبه خمسا وعشرين سنة مجردا سائحا لا أعرف الخلق ولا يعرفوني، يأتيني طوائف من رجال الغيب والجان أعلمهم / صفحة 172 / الطريق إلى الله عز وجل، ورافقني الخضر عليه السلام في أول دخولي العراق، وما كنت عرفته وشرط أن لا أخالفه وقال لي : اقعد هنا . فجلست في الموضع الذي أقعدني فيه ثلاث سنين، يأتيني كل سنة مرة ويقول لي : مكانك حتى آتيك . قال : ومكثت سنة في خرائب المدائن آخذ نفسي بطريق المجاهدات فآكل المنبوذ ولا أشرب الماء، ومكثت فيها سنة أشرب الماء ولا آكل المنبوذ، وسنة لا أكل ولا أشرب ولا أنام، ونمت مرة بايوان كسرى في ليلة باردة فاحتلمت فقمت وذهبت إلى الشط واغتسلت، ثم نمت فاحتلمت فذهبت إلى الشط واغتسلت فوقع لي ذلك في تلك الليلة أربعين مرة وأنا أغتسل، ثم صعدت إلى الايوان خوف النوم . قال الأميني : اقرأه مع إمعان وتبصر في شأن هذا العارف معلم طوائف من رجال الغيب والجان الذي اتخذوه الطريق إلى الله، وكان رفيق الخضر عليه السلام، وأعجب من إنسان لم يأكل سنة، ولم يشرب أخرى، ويتركهما ثالثة، ولم تخر قواه حتى يحتلم في ليلة شاتية أربعين مرة، ويعبث به الشيطان بهذا العدد الجم وهو فان في الله ولو كان اتفق له ذلك خلال تلكم الأيام التي كان يأكل فيها الدجاجة المسلوقة ويحيي عظامها كما مر لكان يعد بعيدا عن الطبيعة البشرية . وما أطول تلك الليلة حتى وسعت أربعين نومة ذات احتلام، وأغسالا بعدها على عدد الأحلام المتخللة بالذهاب إلى الشط والإياب إلى مقره ومنامه، وبعد ذلك كله تبقى منها برهة يصعد الشيخ إلى الايوان خوفا من النوم، ولعله لو نام بعد نومته المتممة للأربعين لبلغ العدد الأربعمائة أو أكثر، ولم يكن الشيطان يفارق ذلك الهيكل القدسي واللعب به مهما امتدت ليلته، وليس إحيائه عظام الدجاجة بأعظم من هذه الكرامة، وإن هي إلا أحلام نائم نسجتها أيدي العرونة غلوا في الفضائل .
- 71 - قدم النبي صلى الله عليه وآله على رقبة عبد القادر قال الشيخ السيد عبد القادر الكيلاني : لما عرج بجدي صلى الله عليه وسلم ليلة المرصاد، وبلغ سدرة المنتهى بقي جبريل الأمين عليه السلام متخلفا وقال : يا محمد ! لو دنوت أنملة لاحترقت فأرسل الله تعالى روحي إليه في ذلك المقام، لاستفادتي من سيد الأنام عليه وعلى آله / صفحة 173 / الصلاة والسلام، فتشرفت به، واستصحلت على النعمة العظمى والوراثة والخلافة الكبرى، وحضرت وأوجدت بمنزلة البراق حتى ركب علي جدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعناني بيده حتى وصل، فكان قاب قوسين أو أدنى وقال لي : يا ولدي وحدقة عيني ! قدمي هذه على رقبتك، وقدماك على رقاب كل أولياء الله تعالى . وقال رضي الله عنه : وصلت إلى العرش المجيد بحضرتي * فلاحــــت لي الأنوار والحق أعطاني نظـــــــرت لعــــــرش الله قبل تخلقي * فـــــــلاحت لــي الأملاك والله سماني وتوجـــــــني تـــــــاج الوصال بنظرة * ومن خلقه التشريف والقرب أكساني
- 72 - عن السيد الشيخ الكبير أبي العباس أحمد الرفاعي قال : توفي أحد خدام الشيخ عبد القادر الكيلاني وجاءت زوجته إليه فتضرعت والتجأت إليه وطلبت حياة زوجها فتوجه الشيخ إلى المراقبة فرأى في عالم الباطن إن ملك الموت عليه السلام يصعد إلى السماء ومعه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم فقال : يا ملك الموت ! قف واعطني روح خادمي فلان، وسماه باسمه، فقال ملك الموت : إني أقبض الأرواح بأمر إلهي وأوديها إلى باب عظمته، كيف يمكنني أن أعطيك روح الذي قبضته بأمر ربي ؟ فكرر الشيخ عليه إعطاء روح خادمه إليه، فامتنع من إعطائه، وفي يده ظرف معنوي كهيئة الزنبيل فيه الأرواح المقبوضة في ذلك اليوم، فبقوة المحبوبية جر الزنبيل وأخذه من يده، فتفرقت الأرواح ورجعت إلى أبدانها، فناجى ملك الموت عليه السلام ربه وقال : يا رب ! أنت أعلم بما جرى بيني و بين محبوبك ووليك عبد القادر، فبقوة السلطنة والصولة أخذ مني ما قبضته من الأرواح في هذا اليوم فخاطبه الحق جل جلاله : يا ملك الموت ! إن الغوث الأعظم محبوبي ومطلوبي لم لا أعطيته روح خادمه ؟ وقد راحت الأرواح الكثيرة من قبضتك بسبب روح واحد، فتندم هذا الوقت (2) . ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ (1) نفس المصدر الآتي في الخرافة التالية . (2) تفريح الخاطر في ترجمة عبد القادر ص 5، 12 ط مصر مطبعة عيسى البابي الحلبي و شركاؤه سنة 1339 . |
|