موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي
نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 53 - 54
في صفاته تعالى: وفيه مباجث.
البحث الأول: إن الله قادر على كل مقدور
الحق ذلك، لأن المقتضي لتعلق القدرة بالمقدور هو الامكان، فيكون الله تعالى قادرا على جميع المقدورات. وخالفت في ذلك جماعة من الجمهور. فقال بعضهم: إن الله تعالى لا يقدر على مثل مقدور العبد. وقال آخرون: إنه تعالى لا يقدر على غير مقدور العبد. وقال آخرون: إنه تعالى لا يقدر على القبيح. وقال الآخرون: إنه تعالى لا يقدر أن يخلق فينا علما ضروريا يتعلق بما علمناه مكتسبا.
وكل ذلك بسبب سوء فهمهم، وقلة تحصيلهم، والأصل في ذلك: أنه تعالى واجب الوجود، وكل ما عداه ممكن، وكل ممكن فإنه إنما يصدر عنه. ولو عرف هؤلاء الله حق معرفته لم تتعدد آراؤهم، ولا تشعبوا بحسب ما تشعب أهواؤهم. الله تعالى مخالف لغيره
نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 54 - 55
البحث الثاني: في أنه تعالى مخالف لغيره بذاته.
العقل والسمع تطابقا على عدم ما يشبهه تعالى، فيكون مخالفا لجميع الأشياء بنفس حقيقته. وذهب أبو هاشم من الجمهور وأتباعه: إلى أنه يخالف ما عداه بصفة الإلهية، وأن ذاته مساوية لغيره من الذوات. وقد كابر الضرورة ها هنا الحاكمة بأن الأشياء المتساوية يلزمها لازم واحد، لا يجوز اختلافها فيه، فلو كانت ذاته تعالى مساوية لغيره من الذوات لساواها في اللوازم، فيكون القدم، والحدوث، والتجرد، والمقارنة إلى غير ذلك من اللوازم مشتركا بينها وبين الله، تعالى عن ذلك علوا كبيرا. ثم إنهم ذهبوا مذهبا غريبا عجيبا، وهو أن هذه الصفة الموجبة للمخالفة غير معلومة، ولا مجهولة، ولا موجودة، ولا معدومة. وهذا كلام غير معقول في غاية السقوط.
نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 55 - 56
البحث الثالث: في أنه تعالى ليس بجسم.
أطبق العقلاء على ذلك إلا أهل الظاهر، كداود، والحنابلة كافة، فإنهم قالوا: إنه تعالى جسم يجلس على العرش، ويفضل عنه من كل جانب ستة أشبار بشبره، وأنه ينزل في كل ليلة جمعة على حمار، وينادي إلى الصباح: "هل من تائب، هل من مستغفر؟" وحملوا آيات التشبيه على ظواهرها. والسبب في ذلك قلة تمييزهم وعدم تفطنهم بالمناقضة التي تلزمهم، وإنكار الضروريات التي تبطل مقالتهم، فإن الضرورة قاضية بأن كل جسم لا ينفك عن الحركة والسكون، وقد ثبت في علم الكلام: أنهما حادثان. والضرورة قاضية: أن ما لا ينفك عن المحدث فإنه يكون محدثا، فيلزم حدوث الله تعالى. والضرورة الثانية قاضية بأن كل محدث مفتقر إلى محدث، فيكون واجب الوجود مفتقرا إلى مؤثر، ويكون ممكنا، فلا يكون واجبا، وقد فرض أنه واجب، هذا خلف.
وقد تمادى أكثرهم، فقال: إنه تعالى يجوز عليه المصافحة، وأن المخلصين يعانقونه في الدنيا. وقال: داود: اعفوني عن الفرج، واللحية، واسألوني عما وراء ذلك. وقال: إن معبوده جسم ذو لحم، ودم، وجوارح، وأعضاء، وأنه بكى على طوفان نوح، حتى رمدت عيناه، وعادته الملائكة لما اشتكت عيناه!.
فلينصف العاقل المقلد من نفسه، هل يجوز له تقليد هؤلاء في شيء؟. وهل للعقل مجال في تصديقهم في هذه المقالات الكاذبة والاعتقادات الفاسدة؟ وهل تثق النفس بإصابة هؤلاء في شيء البتة؟.
نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 56 - 57
المبحث الرابع: في أنه تعالى ليس في جهة.
العقلاء كافة على ذلك، خلافا للكرامية، حيث قالوا: إنه تعالى في جهة فوق. ولم يعلموا أن الضرورة قضت بأن كل ما هو في جهة، فإما أن يكون لابثا فيها، أو متحركا عنها، فهو إذن لا ينفك عن الحوادث، وكل ما لا ينفك عن الحوادث، فهو حادث على ما تقدم. إنه تعالى لا يتحد بغيره.
نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 57 - 58
المبحث الخامس: في أنه تعالى لا يتحد بغيره.
الضرورة قاضية ببطلان الاتحاد، فإنه لا يعقل صيرورة الشيئين شيئا واحدا. وخالف في ذلك جماعة من الصوفية من الجمهور، فحكموا بأنه تعالى يتحد مع أبدان العارفين، حتى أن بعضهم قال: إنه تعالى نفس الوجود، وكل موجود هو الله تعالى!. وهذا عين الكفر والالحاد. والحمد لله الذي فضلنا باتباع أهل البيت دون أهل الأهواء الباطلة.
نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 58 - 59
المبحث السادس: أنه تعالى لا يحل في غيره.
من المعلوم القطعي أن الحال مفتقر إلى المحل، والضرورة قضت بأن كل مفتقر إلى الغير ممكن، فلو كان الله تعالى حالا في غيره لزم إمكانه، فلا يكون واجبا (هذا خلف). وخالفت الصوفية من الجمهور في ذلك، وجوزوا عليه الحلول في أبدان العارفين، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا. فانظروا إلى هؤلاء المشايخ الذين يتبركون بمشاهدهم: كيف اعتقادهم في ربهم؟ وتجويزهم تارة الحلول، وأخرى الاتحاد، وعبادتهم الرقص، والتصفيق، والغناء. وقد عاب الله تعالى على الجاهلية الكفار في ذلك، فقال عز من قائل: "وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية" وأي غافل أبلغ من تغفل من يتبرك بمن يتعبد الله بما عاب به الكفار؟ "فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور".
ولقد شاهدت جماعة من الصوفية، في حضرة مولانا الحسين عليه السلام، وقد صلوا المغرب سوى شخص واحد منهم، كان جالسا لم يصل، ثم صلوا بعد ساعة العشاء سوى ذلك الشخص، فسألت بعضهم عن ترك صلاة ذلك الشخص، فقال: وما حاجة هذا إلى الصلاة وقد وصل، أيجوز أن يجعل بينه وبين الله تعالى حاجبا؟! فقلت: لا، فقال: الصلاة حاجب بين العبد والرب.
فانظر أيها العاقل إلى هؤلاء وعقائدهم في الله تعالى كما تقدم، وعبادتهم ما سبق، واعتذارهم في ترك الصلاة ما مر، ومع ذلك فإنهم عندهم الأبدال، فهؤلاء أجهل الجهال.