موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي
نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 164 - 168
في الإمامة. وفيها مباحث. وجوب عصمة الإمام.
المبحث الأول: في أن الإمام يجب أن يكون معصوما.
ذهبت الإمامية إلى أن الأئمة كالأنبياء، في وجوب عصمتهم عن جميع القبائح والفواحش، من الصغر إلى الموت، عمدا وسهوا، لأنهم حفظة الشرع، والقوامون به، حالهم في ذلك كحال النبي، ولأن الحاجة إلى الإمام إنما هي للانتصاف من المظلوم عن الظالم، ورفع الفساد، وحسم مادة الفتن، وأن الإمام لطف يمنع القاهر من التعدي، ويحمل الناس على فعل الطاعات، واجتناب المحرمات، ويقيم الحدود والفرائض، ويؤاخذ الفساق، ويعزر من يستحق التعزير، فلو جازت عليه المعصية، وصدرت عنه، انتفت هذه الفوائد، وافتقر إلى إمام آخر، وتسلسل. وخالفت السنة في ذلك، وذهبوا إلى جواز إمامة الفساق، والعصاة، والسراق، كما قال الزمخشري، وهو أفضل علمائهم: (لا كالدوانيقي المتلصص)، يشير به إلى المنصور.
فأي عاقل يرضى لنفسه الانقياد الديني، والتقرب إلى الله تعالى بامتثال أوامر من كان يفسق طول وقته، وهو غائص في القيادة وأنواع الفواحش، ويعرض عن المطيعين، المبالغين في الزهد والعبادة، وقد أنكر الله تعالى ذلك بقوله: "أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب".
فالأشاعرة لا يتمشى هذا على قواعدهم، حيث جوزوا صدور القبائح عنه تعالى، ومن جملتها الكذب، فجاز الكذب في هذا القول، تعالى عن ذلك علوا كبيرا.
وأما الباقون فإنهم جوزوا تقديم المفضول على الفاضل، ولا يتمشى هذا الانكار على قوله أيضا، فقد ظهر أن الفريقين خالفوا الكتاب العزيز.
الإمام أفضل من رعيته. المبحث الثاني: في أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته.
اتفقت الإمامية على ذلك. وخالف فيه الجمهور، فجوزوا تقديم المفضول على الفاضل. وخالفوا مقتضى العقل، ونص الكتاب، فإن العقل يقبح تقديم المفضول، وإهانة الفاضل، ورفع مرتبة المفضول، وخفض مرتبة الفاضل، والقرآن نص على إنكار ذلك، فقال تعالى: "أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي إلا أن يهدى، فما لكم كيف تحكمون"؟. وقال تعالى: "هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب". وكيف ينقاد الأعلم، الأزهد، الأشرف، حسبا ونسبا، للأدون في ذلك كله؟!!
نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 168 - 171
طريق تعيين الإمام. المبحث الثالث: في طريق تعيين الإمام.
ذهبت الإمامية كافة إلى أن الطريق إلى تعيين الإمام أمران:
النص من الله تعالى، أو نبيه، أو إمام ثبتت إمامته بالنص عليه. أو ظهور المعجزات على يده، لأن شرط الإمامة العصمة. وهي من الأمور الخفية الباطنة التي لا يعلمها إلا الله تعالى.
وخالفت السنة في ذلك، وأوجبوا إطاعة أبي بكر على جميع الخلق، في شرق الأرض وغربها، باعتبار مبايعة عمر بن الخطاب له برضاء أربعة: أبي عبيدة، وسالم مولى حذيفة، وبشير بن سعد، وأسيد بن حضير لا غير.
فكيف يحل لمن يؤمن بالله، واليوم الآخر، إيجاب اتباع من لم ينص الله تعالى عليه ولا رسوله، ولا اجتمعت الأمة عليه، على جميع الخلق، لأجل مبايعة أربعة أنفار. بل قد ذهب الجويني، وكان من أكثرهم علما، وأشدهم عنادا لأهل البيت عليهم السلام، إلى أن البيعة تنعقد لشخص واحد من بني هاشم، إذا بايعه رجل واحد لا غير.
فهل يرضى العاقل لنفسه الانقياد إلى هذا المذهب، وأن يوجب على نفسه الانقياد، وبذل الطاعة لمن لا يعرف عدالته أيضا، ولا يدري حاله من الإيمان، وعدمه، ولا عاشره، ليعرف جيده، من رديه وحقه من باطله، لأجل أن شخصا لا يعرف عدالته بايعه؟ وهل هذا إلا محض الجهل، والحمق، والضلال عن سبيل الرشاد؟ نعوذ بالله من اتباع الهوى، وغلبة حب الدنيا.
ومن أغرب الأشياء وأعجبها، بحث الأشاعرة عن الإمامة، وفروعها، وعن الفقه وتفاصيله، مع تجويز أن يكون جميع الخلائق على الخطأ والزلل، وأن يكون الله تعالى قد قصد إضلال العبيد بهذه الشرائع والأديان، فإنهم غير جازمين بصدقها، ولا ظانين، فإنه مع غلبة الضلال، والكفر، وأنواع العصيان الصادرة منه تعالى، كيف يظن العاقل، أو يشك في صحة الشرايع؟ بل يظن بطلانها عندهم، حملا على الغالب، إذ الصلاح في العالم أقل القليل.
ثم مع تجويزهم أن يحرم الله علينا التنفس في الهواء، مع الضرورة والحاجة إليه، وعدم الغناء عنه من كل وجه، ويحرم علينا شرب الماء السائغ مع شدة العطش، والانتفاع بذلك الماء، وعدم التضرر به، وانتفاء المفاسد كلها، كيف يحصل الجزم بأنه يفعل اللطف بالعبد، والمصلحة في إيجاب اتباع هذا الإمام؟.