موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي
نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 247 - 248
فضائله البدنية: القسم الثاني: من فضائله البدنية. وينظمها مطلبان:
الأول: في العبادة.
لا خلاف أنه (ع) كان أعبد الناس، ومنه تعلم الناس صلاة الليل، والأدعية المأثورة، والمناجاة في الأوقات الشريفة، والأماكن المقدسة. وبلغ في العبادة إلى أنه كان يؤخذ النشاب من جسده عند الصلاة، لانقطاع نظره عن غيره تعالى بالكلية. وكان مولانا زين العابدين عليه السلام يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، ويدعو بصحيفة، ثم يرمي بها كالمتضجر، يقول: "أنى لي بعبادة علي عليه السلام"؟. قال الكاظم عليه السلام: "إن قوله تعالى: "تراهم ركعا سجدا، يبتغون فضلا من الله ورضوانا، سيماهم في وجوهم من أثر السجود "، نزلت في أمير المؤمنين وكان يوما في صفين، مشتغلا بالحرب، وهو بين الصفين يراقب الشمس، فقال ابن عباس: ليس هذا وقت صلاة، إن عندنا لشغلا، فقال علي عليه السلام: "فعلام نقاتلهم، إنما نقاتلهم على الصلاة؟".
وهو الذي عبد الله حق عبادته، حيث قال: "ما عبدتك خوفا من نارك، ولا شوقا إلا جنتك، ولكن رأيتك أهلا للعبادة فعبدتك".
نهج الحق وكشف الصدق - العلامة الحلي - ص 248 - 252
المطلب الثاني: في الجهاد.
وإنما تشيدت مباني الدين، وتثبتت قواعده، وظهرت معالمه بسيف مولانا أمير المؤمنين، وتعجبت الملائكة من شدة بلائه في الحرب. ففي غزاة (بدر) وهي الداهية العظمى على المسلمين، وأول حرب ابتلوا بها، قتل صناديد قريش، الذين طلبوا المبارزة، كالوليد بن عتبة، والعاص بن سعيد بن العاص، الذي أحجم المسلمون عنه، ونوفل بن خويلد، الذي قرن أبا بكر وطلحة بمكة قبل الهجرة، وأوثقهما بحبل، وعذبهما، وقال رسول الله صلى الله عليه وآله، لما عرف حضوره في الحرب: "اللهم اكفني نوفلا "، ولما قتله علي عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه فلم يزل يقتل في ذلك اليوم واحدا بعد واحد، حتى قتل نصف المقتولين، وكانوا سبعين، وقتل المسلمون كافة وثلاثة آلاف من الملائكة المسومين النصف الآخر.
وفي غزاة (أحد) انهزم المسلمون عن النبي صلى الله عليه وآله، ورمي رسول الله صلى الله عليه وآله، وضربه المشركون بالسيوف والرماح، وعلي يدافع عنه، فنظر إليه النبي صلى الله عليه وآله بعد إفاقته من غشيته، وقال: ما فعل المسلمون؟ فقال: نقضوا العهد، وولوا الدبر، فقال: اكفني هؤلاء، فكشفهم عنه، وصاح صائح بالمدينة: قتل رسول صلى الله عليه وآله، فانخلعت القلوب، ونزل جبرائيل قائلا: "لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي"، وقال للنبي صلى الله عليه وآله: يا رسول الله، لقد عجبت الملائكة من حسن مواساة علي لك بنفسه، فقال النبي صلى الله عليه وآله: ما يمنعه من ذلك، وهو مني وأنا منه؟ ورجع بعض الناس لثبات علي (ع)، ورجع عثمان بعد ثلاثة أيام، فقال النبي صلى الله عليه وآله: لقد ذهبت بها عريضا.
وفي غزاة (الخندق) أحدق المشركون بالمدينة، كما قال الله تعالى: "إذ جاؤوكم من فوقكم، ومن أسفل منكم"، ونادى المشركون بالبراز، فلم يخرج سوى علي، وفيه قتل أمير المؤمنين (ع) عمرو بن عبد ود. قال ربيعة السعدي: أتيت حذيفة بن اليمان، فقلت: يا أبا عبد الله، إنا لنتحدث عن علي ومناقبه، فيقول أهل البصرة: إنكم لتفرطون في علي، فهل تحدثني بحديث؟ فقال حذيفة: "والذي نفسي بيده، لو وضع جميع أعمال أمة محمد صلى الله عليه وآله في كفة منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة، ووضع عمل علي في الكفة الأخرى، لرجح عمل علي على جميع أعمالهم"، فقال ربيعة: هذا الذي لا يقام له ولا يقعد، فقال حذيفة: يا لكع، وكيف لا يحمل، وأين كان أبو بكر، وعمر، وحذيفة، وجميع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله يوم عمرو بن عبد ود، وقد دعا إلى المبارزة، فأحجم الناس كلهم ما خلا عليا، فإنه نزل إليه فقتله، والذي نفس حذيفة بيده لعمله ذلك اليوم أعظم أجرا من عمل أصحاب محمد صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة. وفي يوم الأحزاب تولى أمير المؤمنين قتل الجماعة.
وفي غزاة (بني المصطلق) قتل أمير المؤمنين مالكا وابنه، وسبى جويرية بنت الحارث، فاصطفاها النبي صلى الله عليه وآله.
وفي غزاة (خيبر) كان الفتح فيها لأمير المؤمنين عليه السلام، قتل مرحبا، وانهزم الجيش بقتله، أغلقوا باب الحصن، فعالجه أمير المؤمنين عليه السلام، ورمى به، وجعله جسرا على الخندق للمسلمين، وظفروا بالحصن، وأخذوا الغنائم، وكان يقله سبعون رجلا، وقال عليه السلام: "والله ما قلعت باب خيبر بقوة جسمانية، بل بقوة ربانية".
وفي غزاة (الفتح) قتل أمير المؤمنين عليه السلام الحويرث بن نقيذ بن وهب بن عبد بن قصي، وكان يؤذي النبي صلى الله عليه وآله، وقتل جماعة، وكان الفتح على يده.
وفي غزاة (حنين) حين استظهر النبي صلى الله عليه وآله بالكثرة، فخرج بعشرة آلاف من المسلمين، فعاينهم أبو بكر، وقال: لن نغلب اليوم من قلة، فانهزموا بأجمعهم، ولم يبق مع النبي صلى الله عليه وآله سوى تسعة من بني هاشم، فأنزل الله تعالى: "ثم وليتم مدبرين، ثم أنزل سكينة على رسوله، وعلي المؤمنين"، يريد عليا، ومن ثبت معه، وكان يضرب بالسيف بين يديه، والعباس عن يمينه، والفضل عن يساره، وأبو سفيان بن الحارث يمسك سرجه، ونوفل وربيعة ابنا الحارث، وعبد الله بن الزبير بن عبد المطلب، وعتبة، ومعتب ابنا أبي لهب، من وراء ظهره عليه السلام، فقتل أمير المؤمنين (ع) رئيس القوم، وجمعا كثيرا، فانهزم المشركون، وحصل الأسر.
وابتلى بجميع الغزوات، وقاتل (الناكثين)، و (القاسطين)، و (المارقين). وروى أبو بكر الأنباري في أماليه: أن عليا (ع) جلس إلى عمر في المسجد، وعنده ناس، فلما قام عرض واحد بذكره، ونسبه إلى التيه، والعجب، فقال عمر: "حق لمثله أن يتيه، والله، لولا سيفه لما قام عمود الإسلام، وهو بعد أقضى الأمة، وذو سبقها، وذو شرفها"، فقال له ذلك القائل: فما منعكم يا أمير المؤمنين عنه؟ فقال: "كرهناه على حداثة السن، وحبه بني عبد المطلب ". وحمله سورة البراءة إلى مكة، وكان النبي صلى الله عليه وآله أنفذ بها أبا بكر، فنزل عليه جبرائيل، وقال: إن ربك يقرئك السلام ويقول لك: لا يؤديها إلا أنت أو واحد منك. وفي هذه القصة وحدها كفاية في شرف علي وعلو مرتبته بأضعاف كثيرة على من لا يوثق على أدائها، ولم يؤتمن عليها.
وهذه الشجاعة مع خشونة مأكله، فإنه لم يطعم البر ثلاثة أيام، وكان يأكل الشعير بغير إدام، ويختم جريشه لئلا يؤدمه الحسنان عليهما السلام. وكان كثير الصوم، كثير الصلاة، مع شدة قوته، حتى قلع باب خيبر، وقد عجز عنه المسلمون، وفضائله أكثر من أن تحصى.