موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي
كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 492-495
قال صاحب تجريد الاعتقاد: "وامتناع التسلسل يوجب عصمته ولأنه حافظ للشرع ولوجوب الانكار عليه لو أقدم على المعصية فيضاد أمر الطاعة ويفوت الغرض من نصبه ولانحطاط درجته عن أقل العوام".
أقول: ذهبت الإمامية والإسماعيلية إلى أن الإمام يجب أن يكون معصوما وخالف فيه جميع الفرق، والدليل على ذلك وجوه:
الأول: أن الإمام لو لم يكن معصوما لزم التسلسل، والتالي باطل فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن المقتضي لوجوب نصب الإمام هو تجويز الخطأ على الرعية، فلو كان هذا المقتضي ثابتا في حق الإمام وجب أن يكون له إمام آخر ويتسلسل أو ينتهي إلى إمام لا يجوز عليه الخطأ فيكون هو الإمام الأصلي.
الثاني: أن الإمام حافظ للشرع فيجب أن يكون معصوما، أما المقدمة الأولى فلأن الحافظ للشرع ليس هو الكتاب لعدم إحاطته بجميع الأحكام التفصيلية ولا السنة لذلك أيضا ولا إجماع الأمة، لأن كل واحد منهم على تقدير عدم المعصوم فيهم يجوز عليه الخطأ فالمجموع كذلك، ولأن إجماعهم ليس لدلالة وإلا لاشتهرت ولا لأمارة إذ يمتنع اتفاق الناس في سائر البقاع على الأمارة الواحدة، كما نعلم بالضرورة عدم اتفاقهم على أكل طعام معين في وقت واحد، أو لا لهما فيكون باطلا، ولا القياس لبطلان القول به على ما ظهر في أصول الفقه وعلى تقدير تسليمه فليس بحافظ للشرع بالاجماع، ولا البراءة الأصلية لأنه لو وجب المصير إليها لما وجب بعثة الأنبياء وللاجماع على عدم حفظها للشرع فلم يبق إلا الإمام فلو جاز الخطأ عليه لم يبق وثوق بما تعبدنا الله تعالى به وما كلفناه، وذلك مناقض للغرض من التكليف وهو الانقياد إلى مراد الله تعالى.
الثالث: أنه لو وقع منه الخطأ لوجب الانكار عليه وذلك يضاد أمر الطاعة له بقوله تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم.
الرابع: لو وقع منه المعصية لزم نقض الغرض من نصب الإمام، والتالي باطل فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن الغرض من إقامته انقياد الأمة له وامتثال أوامره واتباعه فيما يفعله، فلو وقعت المعصية منه لم يجب شئ من ذلك وهو مناف لنصبه.
الخامس: أنه لو وقع منه المعصية لزم أن يكون أقل درجة من العوام، لأن عقله أشد ومعرفته بالله تعالى وثوابه وعقابه أكثر، فلو وقع منه المعصية كان أقل حالا من رعيته، وكل ذلك باطل قطعا.
قال: "ولا تنافي العصمة القدرة".
أقول: اختلف القائلون بالعصمة في أن المعصوم هل يتمكن من فعل المعصية أم لا؟ فذهب قوم منهم إلى عدم تمكنه من ذلك، وذهب آخرون إلى تمكنه منها.
أما الأولون فمنهم من قال: إن المعصوم مختص في بدنه أو نفسه بخاصية تقتضي امتناع إقدامه على المعصية، ومنهم من قال: إن العصمة هو القدرة على الطاعة وعدم القدرة على المعصية، وهو قول أبي الحسين البصري. وأما الآخرون الذين لم يسلبوا القدرة فمنهم من فسرها بأنه الأمر الذي يفعله الله تعالى بالعبد من الألطاف المقربة إلى الطاعات التي يعلم معها أنه لا يقدم على المعصية بشرط أن لا ينتهي ذلك الأمر إلى الالجاء، ومنهم من فسرها بأنها ملكة نفسانية لا يصدر عن صاحبها معها المعاصي. وآخرون قالوا: العصمة لطف يفعله الله تعالى بصاحبها لا يكون له معه داع إلى ترك الطاعة وارتكاب المعصية، وأسباب هذا اللطف أمور أربعة: أحدها: أن يكون لنفسه أو لبدنه خاصية تقتضي ملكة مانعة من الفجور وهذه الملكة مغايرة للفعل. الثاني: أن يحصل له علم بمثالب المعاصي ومناقب الطاعات. الثالث: تأكيد هذه العلوم بتتابع الوحي والإلهام من الله تعالى. الرابع: مؤاخذته على ترك الأولى بحيث يعلم أنه لا يترك مهملا بل يضيق عليه الأمر في غير الواجب من الأمور الحسنة.
فإذا اجتمعت هذه الأمور كان الانسان معصوما والمصنف رحمه الله اختار المذهب الثاني وهو أن العصمة لا تنافي القدرة بل المعصوم قادر على فعل
المعصية وإلا لما استحق المدح على ترك المعصية ولا الثواب ولبطل الثواب والعقاب في حقه فكان خارجا عن التكليف، وذلك باطل بالاجماع وبالنقل في قوله تعالى: (قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي).