موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي
كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد - العلامة الحلي - ص 551-554
قال صاحب تجريد الاعتقاد: "ويستحق الثواب والمدح بفعل الواجب والمندوب وفعل ضد القبيح والاخلال به بشرط فعل الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه والمندوب كذلك والضد لأنه ترك القبيح والاخلال به لأنه إخلال لأن المشقة من غير عوض ظلم ولو أمكن الابتداء به كان عبثا".
أقول: المدح قول ينبئ عن ارتفاع حال الغير مع القصد إلى الرفع منه، والثواب هو النفع المستحق المقارن للتعظيم والاجلال، والذم قول ينبئ عن اتضاع حال الغير مع قصده، والعقاب هو الضرر المستحق المقارن للاستخفاف والإهانة. والمدح والثواب يستحقان بفعل الواجب وفعل المندوب وفعل ضد القبيح وهو الترك له على ما ذهب من يثبت الترك ضدا والاخلال بالقبيح. ومنع أبو علي وجماعة من المعتزلة استحقاق المدح والثواب بالاخلال بالقبيح وصارا إلى ذلك لأن المكلف يمتنع خلوه من الأخذ والترك الذي هو فعل الضد، والحق ما ذكره المصنف رحمه الله فإن العقلاء يستحسنون ذم المخل بالواجب وإن لم يتصوروا منه فعلا كما يستحسنون ذمه على فعل القبيح.
واعلم أنه يشترط في استحقاق الفاعل المدح والثواب إيقاع الواجب لوجوبه أو لوجه وجوبه، وكذا المندوب يفعله لندبه أو لوجه ندبه، وكذا في ترك القبيح يتركه لكونه ترك قبيح أو لوجه ذلك والاخلال بالقبيح لكونه إخلالا بالقبيح فإنه لو فعل الواجب أو المندوب لا لما ذكرناه لم يستحق مدحا ولا ثوابا عليهما، وكذا لو ترك القبيح لغرض آخر من لذة أو غيرها لم يستحق المدح والثواب.
والدليل على استحقاق الثواب بفعل الطاعة أنها مشقة قد ألزمها الله تعالى المكلف، فإن لم يكن لغرض كان عبثا وظلما وهو قبيح لا يصدر عن الحكيم، وإن كان لغرض فأما الإضرار وهو ظلم وأما النفع وهو إما أن يصح الابتداء به أو لا، والأول باطل وإلا لزم العبث في التكليف، والثاني هو المطلوب وذلك النفع هو المستحق بالطاعة المقارن للتعظيم والاجلال فإنه يقبح الابتداء بذلك لأن تعظيم من لا يستحقه قبيح.
قال: "وكذا يستحق العقاب والذم بفعل القبيح والاخلال بالواجب لاشتماله على اللطف وللسمع".
أقول: كما أن الطاعة سبب لاستحقاق الثواب فكذا المعصية وهي فعل القبيح وترك الواجب سبب لاستيجاب العقاب لوجهين: أحدهما: عقلي كما ذهب إليه جماعة من العدلية، وتقريره أن العقاب لطف واللطف واجب، أما الصغرى فلأن المكلف إذا عرف أن مع المعصية يستحق العقاب فإنه يبعد عن فعلها ويقرب إلى فعل ضدها وهو معلوم قطعا، وأما الكبرى فقد تقدمت. الثاني: سمعي وهو الذي ذهب إليه باقي العدلية، وهو متواتر معلوم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
إذا عرفت هذا فنقول: ذهب جماعة إلى أن الاخلال بالواجب لا يقتضي استحقاق ذم ولا عقاب، بل المقتضي لذلك هو فعل القبيح أو ضد فعل الواجب وهو تركه، وقد تقدم بيان ذلك.
قال: "ولا استبعاد في اجتماع الاستحقاقين باعتبارين".
أقول: هذا جواب عن حجة من منع من كون الإخلال بالواجب سببا لاستحقاق الذم، وتقريره أنه لو كان ذلك سببا والاخلال بالقبيح سبب للمدح لكان المكلف إذا خلا من الأمرين مستحقا للذم والمدح. والجواب لا استبعاد في اجتماع الاستحقاقين باعتبارين فيذم على أحدهما ويمدح على الآخر، كما إذا فعل طاعة ببعض أعضائه ومعصية بالبعض الآخر.
قال: "وإيجاب المشقة في شكر النعمة قبيح".
أقول: ذهب أبو القاسم البلخي إلى أن هذه التكاليف وجبت شكرا للنعمة فلا تستلزم وجوب الثواب ولا يستحق بفعلها نفع وإنما الثواب تفضل من الله تعالى، وذهب جماعة من العدلية إلى خلاف هذا القول، واحتج المصنف رحمه الله على إبطاله بأنه يقبح عند العقلاء أن ينعم الانسان على غيره ثم يكلفه ويوجب عليه شكره ومدحته على تلك النعمة من غير إيصال ثواب إليه ويعدون ذلك نقصا في المنعم وينسبون إلى الرياء، وذلك قبيح لا يصدر من الحكيم فوجب القول باستحقاق الثواب.
قال: "ولقضاء العقل به مع الجهل".
أقول: هذا دليل ثان على إبطال قول البلخي، وتقريره أن العقلاء بأسرهم يجزمون بوجوب شكر المنعم، وإذا كان وجوب الشكر معلوما بالعقل مع أن العقل لا يدرك التكاليف الشرعية وجب القول بكونها ليست شكرا.
قال: "ويشترط في استحقاق الثواب كون الفعل أو الاخلال به شاقا لا رفع الندم على فعله ولا انتفاء النفع العاجل إذا فعل للوجه".
أقول: يشترط في استحقاق الثواب كون الفعل المكلف به الواجب أو المندوب شاقا وكون الاخلال بالقبيح شاقا، إذ المقتضي لاستحقاق الثواب هو المشقة فإذا انتفت انتفى المقتضي للاستحقاق، ولا يشترط رفع الندم على فعل الطاعة فإن الطاعة سبب لاستحقاق الثواب، وقد وجدت منفكة عنه لأنه في حال الفعل يستحيل أن يكون نادما عليه. نعم نفي الندم شرط في بقاء استحقاق الثواب، وكذا لا يشترط في الثواب عدم النفع العاجل إذا أوقعه المكلف لوجه الوجوب أو للوجوب أو لوجه الندب أو للندب.