موقع عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة الحلي >> مناهج اليقين في أصول الدين
المنهج الخامس
وفيه مباحث
البحث الأول: في أنه تعالى غير مركب
البحث الثاني: في انه تعالى ليس بمتحيز
البحث الثالث: في أنه تعالى ليس في محل
البحث الرابع: في انه تعالى ليس في جهة
البحث الخامس: في انه تعالى لا يتحد بغيره
البحث السادس: في أنه تعالى ليس بمحل للحوادث
البحث السابع: في استحالة الألم واللذة عليه
البحث الثامن: في استحالة اتصافه تعالى بالكيفيات
البحث التاسع: في استحالة سلب الوجود عنه تعالى
البحث العاشر: في انه تعالى يخالف غيره لذاته
البحث الحادي عشر: في أنه تعالى يستحيل أن يكون مرئيا
البحث الثاني عشر: في انه تعالى غني
البحث الثالث عشر: في أنه تعالى واحد
البحث الرابع عشر: في اسمائه تعالى
البحث الخامس عشر: في بقية الصفات على رأي الأوائل
البحث الأول: في أنه تعالى غير مركب
مقدمة: كل حقيقة مركبة فانها تلتئم عن عدة أمور ويكون وجودها إنما يتم بوجود تلك الأمور، فوجود الجزء سابق على وجود الكل والذهني أيضا مطابق للخارج فللجزء في الذهن التقدم، ثم إن تصور التقدم مغاير لتقدم التصور وكلاهما حاصل للجزء، والتركيب قد يكون خارجيا وقد يكون ذهنيّا، فإن أجناس الماهية إنما تتميز عن فصولها في الذهني أما في الخارج فهي متحدة فليس في الخارج حيوان مطلق وناطق وانضم منهما معنى ثالث هو الانسان، بل وجود الإنسان هو وجود الحيوان الذي ذلك الحيوان هو الناطق.
وتحرير هذا الموضع ذكرناه في كتاب الأسرار .
وأجزاء الماهية قد يكون بعضها أعم من بعض، إما مطلقا كالحيوان والناطق، أو من وجه كالحيوان والأبيض، وقد لا يكون كتركيب العلة والمعلول في الذهن.
اذا عرفت هذا فنقول: كل مركب فهو مفتقر الى جزئه وجزئه غيره وواجب الوجود لا يفتقر الى غيره، ومن هاهنا يظهر أن الوجود نفس الماهية في حقه تعالى، وبهذا يندفع أيضا قول من تشكك هاهنا بأنه يحتمل أن يكون واجب الوجود مركبا من اجزاء واجبة فلا يفتقر الى غير اجزائه.
البحث الثاني: في انه تعالى ليس بمتحيز
اعلم أن المتحيز إما أن يكون بالذات وإما أن يكون بالعرض، فالأول هو الأجسام لا غير عند الأوائل، وعند المتكلمين الجزء الذي لا يتجزى أيضا، والثاني هو العرض عند الجميع والمادة الصورة عند الأوائل، ونعني بالمتحيز هاهنا، الحاصل في الحيز وواجب الوجود ليس بجسم، لأن كل جسم مركب اما من المادة والصورة على رأي الأوائل، او من الجواهر الأفراد، وكل مركب ممكن.
ولأنه لو كان جسما لكان لا ينفك عن الأكوان الحادثة بالضرورة فيكون حادثا، وهذه الدلالة دالة على نفي كونه متحيزا بجميع المعاني، قيل: لو كان متحيزا تساوى المتحيزات في التحيز، فإن لم يخالفها فهو ممكن ولا تركب.
وهذه الحجة عندي ضعيفة، فإن مع المخالفة لا يجب التركيب الا اذا كانت المخالفة والمشاركة بأمر مقوم.
واستدل بأنه لو كان جسما، فإن قام لمجموع الأجزاء علم وقدرة وحياة لزم قيام العرض الواحد بالمجال المتعددة والا كان ذلك الجسم ليس قادرا عالما حيّا بل جملة قادرين أحياء عالمين، وضعف هذه لا يخفى بما سلف من الأصول.
والمجسمة زعموا ان اللّه تعالى جسم، واستدلوا على ذلك بانه عالم بالأجسام قبل وجودها والعلم متأخر عن التميز، والتميز إن كان في الخارج لزم الدور او القول بشيئية المعدوم، وإن كان في ذاته تعالى لزم حلول الجسمية فيه، وكل من حلّ فيه الجسمية فهو جسم، ولأن كل عاقل يحكم بأن كل موجود فهو متحيز أو حال فيه، ولأن السمع قد دل عليه.
وهذه الحجج باطلة، أما الأولى فلأنها مبنية على أن العلم يستدعي حصول صورة مساوية للمعلوم في العالم، ونحن قد بينا فيما سلف بطلانه.
وأما الثانية فلأن الحاكم بذلك الامتناع إنما هو الوهم، فإن العقل قد دل على وجود مجرد، بل قد دل على أن هاهنا مجردا منتزعا من المحسوسات كالطبائع الكلية.
وأما الثالثة فجوابها التأويل، فإن الأدلة العقلية قد دلت على امتناع جسميته، فلو أبطلناها لأجل السمع، لزم إبطال العقل الذي هو الأصل، وذلك يستلزم بطلانها.
مسألة : واجب الوجود ليس بعرض، لان كل عرض مفتقر الى المحل وواجب الوجود ليس بمفتقر.
البحث الثالث: في أنه تعالى ليس في محل
ذهب بعض النصارى الى أنه تعالى في بدن عيسى عليه السلام، وبعض الصوفية قالوا: إنه حال في أبدان العارفين ، واحتج الجمهور على ذلك بأنه إما أن يكون حالاّ في محل واحد أو أكثر، ويلزم على الأول كونه جزء لا يتجزى وهو محال، وعلى الثاني تركيبه أو حلول الواحد في محالّ متعددة مع المحال الأول.
وأيضا حلوله في الجسم إما أن يكون قديما فيلزم قدم الجسم او محدثا فلا بد له من علّة، فإن كان موجبا كان مجردا، لأن الأجسام والجسمانيات متساوية في الأحكام لتساويها في الحقائق، ولو كان مجردا لم يكن له اختصاص بذلك الجسم الذي جعل محلاّ، وإن كان مختارا فلا بد له من أثر، لكن الحلول ليس بأثر وإلا لكان وجوديا ويلزم التسلسل.
وأيضا لو حلّ في غيره، فإما أن يحلّ مع احتياجه الى المحل، أو لا معه، ويلزم من الأول الإمكان، ومن الثاني عدم الحلول، لأن الحال محتاج الى المحل.
وأيضا لو حل في غيره، فإما أن يحلّ مع وجوب أن يحلّ، أو مع جوازه، والأول باطل لافتقاره، ولأن غيره إما الجسم أو العرض، فيلزم إما قدمهما أو حدوثه والثاني باطل، لأن الغني عن المحل يستحيل أن يحلّ فيه.
وبعض هذه الوجوه عندي ضعيف، أما الأول فلأنه بعد تسليم اصوله دال على انه ليس بحالّ في الجسم ولا في الجزء الذي لا يتجزى وليس دالاّ على عدم حلوله في المجردات وهو بعينه وارد على الثاني والحق في ذلك أن المعقول من الحلول قيام موجود بموجود آخر على سبيل التبعية بحيث يمتنع قيام الحالّ بانفراده، ولا شكّ في أن الحلول بهذا التفسير منفي عن الواجب تعالى.
البحث الرابع: في انه تعالى ليس في جهة
المعقول من الجهة أنها طرف الامتداد ومن الفيئية القيام بما نسب إليه وهذا لا يعقل الاّ في المتحيزات، ونحن قد نفينا عن الواجب تعالى التحيز والقيام بالغير فهو ليس في جهة والظواهر النقلية متأوّلة والمجسمة اتفقوا على أنه تعالى في جهة والكرامية قالوا: إنه في جهة فوق .
والمتكلمون استدلوا على بطلان ذلك بغير ما ذكرناه فقالوا: مكانه تعالى إن ساوى الأمكنة كان اختصاصه بأحدها يفتقر الى مخصص فيكون محدثا، لأن فعل المختار محدث، ويستحيل أن يكون اللّه تعالى مجردا عن الجهة ثم يحدث له الاختصاص بها، وإن خالفها كان موجودا، لأن العدمات غير متمايزة، فإن كان مشارا إليه كان الواجب متحيزا هذا خلف، وإن كان غير مشار إليه لم يكن اللّه تعالى في المكان.
وهذه الحجة عندي ضعيفة، لأن المخصص إن كان هو ذاته تعالى بالاختيار لم يلزم الافتقار الى مخصص، وقوله: العدميات لا تتمايز ممنوع، وقد مضى.
واستدلوا أيضا بأن العالم كرة فلا يكون الباري في جهة فوق لأنه لا فوقية حينئذ.
البحث الخامس: في انه تعالى لا يتحد بغيره
قد ذهب قوم من الأوائل منهم فرفوريوس الى أن من عقل شيئا اتحدت ذاته، وأيضا يتحد بالعقل الفعال، وقد نص هذه المقالة الشيخ في كتاب المبدأ والمعاد .وذهبت النصارى الى اتّحاد الاقانيم الثلاثة: أقنوم الأب وأقنوم الابن وأقنوم روح القدس ، وهو مذهب لبعض الصوفية.
وهؤلاء إن عنوا بالاتحاد ما يفهم منه على الحقيقة من صيرورة الشيئين شيئا واحدا لا كاتحاد الممتزجين ولا كاتحاد الكائن بالفاسد فهو غير معقول، لأنهما بعد الاتحاد إن بقيا فهما اثنان، وإن عدما أو عدم أحدهما ووجد ثالث فهو كون وفساد، ولأن المعدوم يستحيل اتحاده بالموجود.
البحث السادس: في أنه تعالى ليس بمحل للحوادث
ذهبت الكرامية الى جوازه ، والباقي أنكروه، قال بعض الناس: إن المنكرين لذلك إنما ينكرونه باللسان مع اعترافهم به في المعنى.
أما مشايخ المعتزلة ومثبتوا الأحوال، فقد وصفوا اللّه تعالى بها مع تجددها كالسامعية والمبصرية والمريدية والكارهية، وأبو الحسين أثبت العالميات المتجددة في ذاته ، والأوائل أثبتوا له تعالى إضافات متجددة زعموا أنها وجودية.
وأبو البركات البغدادي من متأخري المتفلسفة صرح بذلك واضطرب اضطرابا عظيما، فأثبت لله تعالى إرادات متجددة غير متناهية سابقة ولاحقة يفعل شيئا ثم يريد بعده شيئا آخر فيفعل ثم يريد فيفعل وله إرادة ثانية أزلية.
والحق عندي أنه تعالى يستحيل أن يكون له صفة متجددة على ما عليه الجمهور، لأنه تعالى غير متغير، لاستحالة انفعاله عن غيره فلا يقبل التجدد.
واحتج الجمهور عليه بوجوه: الأول أن صفة اللّه تعالى إن كانت صفة كمال استحال خلوه عنها، لأنه يكون نقصا وهو محال بالإجماع، وإن كانت صفة نقص استحال ثبوتها له تعالى بالإجماع.
وأيضا لو كان اللّه تعالى قابلا للحوادث لوجب اتصافه بها أو بضدّها، لأن القابل للصفة لا يخلو عن ذلك ويلزم من ذلك اتصافه بالحوادث أزلا هذا خلف.
وأيضا المفهوم من قيام الصفة بالموصوف حصولها في الحيز تبعا لحصول الموصوف فيه والواجب ليس بمتحيز.
وأيضا العلة في قيام الصفات بالجوهر كونه متحيزا ولأجل ذلك لم يتصف الأعراض بها والباري ليس بمتحيز.
وأيضا لو صح قيام حادث به لصح قيام كلّ حادث.
وأيضا لو صح اتصافه بالحادث لم ينفك منه والتالي باطل فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن صحة اتصافه بالحوادث من لوازم ذاته والا لزم التسلسل، وهي حادثة لأنها متأخرة عن وجود الحادث، لأن صحة الاتصاف موقوفة على صحة الصفة وصحة الصفة حادثة لاستحالة قدم الصفة الحادثة واستحالة الجمع بين الصحة والاستحالة، وأما بيان بطلان التالي فظاهر.
وهذه الوجوه عندي ضعيفة، أما الأول، فلأنه سمعي.
وأما الثاني، فلأنه لم يثبت أن القابل يجب أن يتصف بأحد الضدين.
وأما الثالث، فلأن هذا التغير ينفي اتصاف اللّه تعالى بأمر واتصاف المجردات بالصفات المجردة.
وأما الرابع، فلأنه مبني على الاستقراء والدوران، وقد بينا ضعفهما مع انتقاضها باتصاف الواجب تعالى بالصفات واتصاف المجردات بها.
واما الخامس، فلأنه دعوى مجردة والقياس غير متين.
واما السادس، فلأن صحة الاتصاف إضافية والإضافيات غير موجودة في الخارج فلا يجوز وصفها بالقدم والحدوث وأيضا لا يلزم من صحة اتصافه صحة وجود الصفة، لأن صحة وجود المقدور من القادر لا يتوقف على وجود المقدور ولا على صحته مطلقا بل على الصحة الذاتية، فإن امتنع الخارج إما لوجود مانع او فوات شرط.
واعلم أن الاستدلال بهذا الوجه مع القول بعدم الإمكان مما لا يجتمعان، والاعتراضات الواردة عليه مع القول بوجود الإمكان وبطلان التسلسل مما لا يجتمعان.
واستدل المخالف بوجوه:
الأول: ان العالم محدث، فقبل وجوده لا يصدق على الباري انه فاعل وبعد وجوده يصدق عليه هذا الوصف، وهذا قول بالتجدد.
الثاني: أنه تعالى لم يكن عالما بأن العالم موجود في الأزل ثم بعد ذلك تجدّد له العلم عند وجوده.
الثالث: أنه لم يكن رائيا ولا سامعا ولا باصرا ثم تجدد له هذه الصفات.
الرابع: أنه لم يكن متكلما ثم صار كذلك.
الخامس: أنه لم يكن مكلّفا ثم صار مكلفا.
والجواب عن هذه شيء واحد، وهو أن المتغير إنما هو إضافة الصفات الى ما اضيفت إليه لا نفس الصفات، وفي العلم إشكال.
وأما قول أبي البركات، فهو في غاية السخف ، أما أولا فلامتناع وجود ما لا يتناهى وقد مضى، وأما ثانيا فلأن الإرادة الثانية إن تعلقت بما تعلقت به الإرادة المتجددة فلا حاجة إلى إثبات المتجددات.
وأيضا فكيف يصح وجود إرادة واحدة مطابقة لما لا يتناهى من المختلفات؟ وإن تعلقت بغيره فكيف يحكم في إثبات إرادات قديمة تتعلق بطائفة من المرادات وإرادات متجددة تتعلق بطائفة أخرى منها؟.
وأيضا فكيف يسوغ له إثبات حادث زمانا في ذاته؟وموجبه إن كان ذاته دام بدوامها، ومبطله إن كان ذاته بطل دائما فلا يصح حصوله، فلحدوثه علّة ولبطلانه أخرى حادثة، وعلة الحدوث لا تنفك عن الحدوث وعلة البطلان لا تنفك عن البطلان، ويعود الكلام الى حدوث العلتين جميعا، فلا بد من علتين مقترنتين بالمعلولين.
فيجب أن لا ينقطع عن ذاته تجدد الحوادث زمانا أصلا، وإن فرض في ذاته حادث زمانا فيجب أن يكون في ذاته حوادث أخرى متجددة مع ثباته حتى يؤدي ذلك الثابت الى البطلان، فحينئذ لا ينفك عن متجدد لا يصح عليه التصرم والبطلان وهذا هو الحركة.
فيلزم أن يكون واجب الوجود متحركا بالوضع لأن ما عداه متصرّم فيكون جسما، تعالى اللّه عن ذلك علوا كبيرا.
البحث السابع: في استحالة الألم واللذة عليه
قد اختلف الناس في ذلك، فذهب الأوائل الى إثبات اللذة عليه، والجميع من المتكلمين نفوه واتفقوا مع الأوائل على نفي الألم عنه تعالى .
واعلم أن اللذة والألم قد يعني بها ملائمة المزاج ومنافرته والمزاج قد عرفته لا يعقل إلا في الأجسام، والباري تعالى ليس بجسم فلا يصحان عليه، وقد يعنى باللذة والألم إدراك الملائم من حيث هو ملائم وإدراك المنافي من حيث هو مناف، فلا شك في أن واجب الوجود مدرك لذاته وذاته ملائمة لذاته فيكون ملتذا بهذا الاعتبار.
وبهذا يظهر عندي أنه لا فرق في المعني بين قول الأوائل والمتكلمين، فإن دعوى المتكلمين حقة ودعوى الأوائل حقة وما أجمع عليه المسلمون حق، غير أن اسم اللذة لا يطلق عليه تعالى، لأن أسمائه توقيفية ويكون وقوع اسم اللذة على المعنيين بالاشتراك اللفظي.
واعلم أن الأوائل لا يمكنهم الاستمرار على هذا، وبيانه أن الألم عبارة عن إدراك المنافي، ولا شك في أنه تعالى مدرك للعدم ولا شك في منافاة العدم له، فيلزم أن يكون الباري تعالى متألما وذلك باطل.
ووجه الاعتذار أن الألم ليس هو مطلق الإدراك بل بشرط النيل، فاندفع المحذور.
واستدل بعض المتكلمين بأن اللذة إن كانت قديمة وجب وجود الفعل قبل وجوده والتالي باطل والمقدم مثله، بيان الشرطية أن فعل الملتذّ به مع إمكانه يكون كالواجب ولا منافي لفعله تعالى إلا الأزل، وإن كانت حادثة كان اللّه تعالى محلا للحوادث.
والاوائل قالوا: هذه الدلالة لا تبطل الألم، وأما اللذة فلا تبطلها أيضا، لأنا نقول: انه يلتذّ بعلمه بذاته لا بفعله فيندفع ما ذكرتموه، وعوّل آخرون على الإجماع في نفيهما عنه تعالى، وهو الأولى.
البحث الثامن: في استحالة اتصافه تعالى بالكيفيات
أجمع المسلمون على استحالة اتصافه تعالى بالألوان والطعوم والروائح، ويجوز التمسك في مثل هذه بالإجماع 2و لا دور، وأيضا فلانه تعالى لا ينفعل عن الغير.
وقد استدل المتكلمون هاهنا بوجهين:
الأول: أن اللون جنس ونسبة أنواعه إليه على السوية فاتصافه بنوع منها ترجيح من غير مرجح.
الثاني: أن هذه الأمور لا دليل عليها، فان الإلهية لا يتوقف عليها فلا يجوز إثباتها، وهذان الطريقان قد بينا ضعفهما فيما تقدم من الأصول.
والشهوة والنفرة عبارتان عن طلب اللذة والبعد عن الألم، وهذان مستحيلان في حقه تعالى فيستحيل عليه الشهوة والنفرة، ولأنهما إنما يصحان مع المزاج، وبالإجماع أيضا.
ولما انتفيا عنه استحال اتصافه بما يتوقف عليهما كالفرح والحزن والغضب واليمن والبطر والتأسف وغير ذلك من الصفات المزاجية.
البحث التاسع: في استحالة سلب الوجود عنه تعالى
هذا المطلب من أظهر المطالب، فإنا بينا استناد الممكنات الى وجود واجب، ومن المعلوم بالضرورة استحالة سلب الوجود عنه، قال بعض المتأخرين: لو جاز العدم على واجب الوجود لكان وجوده متوقفا على عدم سبب عدمه.
وهذا الاستدلال خطأ من وجهين:
الأول: أن استحالة عدم واجب الوجود ذاتية فلا يجوز استنادها الى عدم سبب العدم.
الثاني: أنا نقول: لم لا يجوز عدمه في بعض الأوقات من غير سبب ويكون العدم واجبا في ذلك الوقت؟ لا يقال: لأنه حينئذ يكون ممكنا، لأن ماهيته متصفة بالوجود في وقت على سبيل الوجوب وبالعدم في آخر كذلك، فالماهية من حيث هي هي يكون قابلة لها.
لأنها نقول: هذا القدر كاف في هذا المطلوب من غير حاجة الى توسيط ذلك الدليل.
والملاحدة قالوا: إنه تعالى ليس بموجود ولا بمعدوم، لأنه تعالى خالق للمتقابلات فلا يجوز اتصافه بواحد منها، وهذا كلام سخيف.
البحث العاشر: في انه تعالى يخالف غيره لذاته
قد نقلنا عن أبي هاشم أنه يقول: إنه تعالى يساوي غيره في الذات ويخالفه بالحالة الخامسة.
واطبق المحققون على بطلان ذلك، وبيانه أنه إن شارك غيره في كمال ذاته كان ممكنا، لأن الإمكان من اللوازم فيكون مشتركا بين المتساويات.
وأيضا يفتقر الى مشخص في وجوده ويكون ذاته منفعلة عن غيره، وإن شاركه في بعض ذاته كان مركبا هذا كله خلف.
وقد يحتج أبو هاشم بأنا قد نعقل ذاتا ونشك في أنها قديمة أو محدثة وواجبة أو ممكنة، وذلك يستلزم اشتراكها بين الجميع.
واعلم أن الحق في الجواب أن نقول: الذات قد يعني بها نفس الماهية والحقيقة، وقد يعني بها نفس كونها ذاتا أعني استقلالها بالمعقولية، وهذا الأخير مشترك وهو أمر ذهني من المعقولات الثانية، أما الأوّل فلا.
البحث الحادي عشر: في أنه تعالى يستحيل أن يكون مرئيا
من علم شيئا ثم رآه تجددت له حالة لم يكن حالة العلم، وهل هي نفس تأثر الحاسة أو أمر زائد عليه؟قد مضى البحث فيه، وعلى كلا التقديرين لا بدّ في حصول تلك الحالة من المقابلة وهي لا يعقل الا في المتحيزات، وهذا أمر ضروري قد اتفق عليه جميع العقلاء، ونازع فيه الاشاعرة كافة وزعموا أنه تعالى مرئي مع أنه ليس في جهة، فإن عنوا بالرؤية العلم فقد مضى البحث في أنه هل تعلم حقيقته أم لا؟وإن عنوا بها الأمر الحاصل عند المقابلة فهو منتف في حقه، وإن عنوا بها شيئا ثالثا فهو غير معقول.
ومع ذلك فقد استدل المعتزلة على أنه تعالى غير مرئي بوجوه:
الأول: أنه لو كان مرئيا لكان مقابلا ولو كان مقابلا لكان في جهة، والمقدمتان ضروريتان، والتالي باطل فالمقدم مثله.
الثاني: أنه لو كان مرئيا لوجب ان نراه الآن والتالي باطل فالمقدم مثله، بيان الشرطية أن شرائط الإدراك قد بينا أنها متى حصلت وجب وهي هاهنا أمران:
سلامة الحاسة وكون المرئي بحيث تصح رؤيته، والأول حاصل، فلو كان الثاني حاصلا أيضا لزم المطلوب.
الثالث: قاسوا الرؤية على السمع، وطريقه أنا لا نسمع الا الصوت ولما لم يكن الباري تعالى صوتا حكمنا بكونه ليس بمسموع، ولذلك نعلم قطعا أن المرئي ليس إلا الأجسام والأضواء والحركات والسكنات والاجتماع والافتراق، فلو كان اللّه تعالى مرئيا لوجب أن يكون من جنس هذه، وهذه الحجة ضعيفة وفيها حوالة على الأولى.
الرابع: كلما أدرك بحاسة واحدة فهو لا يخلو عن التماثل والتضاد أنظر الى السوادين والى أحدهما مع البياض، فلو كان اللّه تعالى مرئيا لكان إما مثلا أو مضادا لغيره والتالي بقسميه باطل فالمقدم كذلك.وهذه أيضا ضعيفة.
الخامس: قوله تعالى: لاٰ تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ تمدّح بالنفي، لأن ما قبله وما بعده تمدح، وإدخال ما ليس بتمدّح خلال تمدحين ركيك جدّا، فلو صح عليه الرؤية لبطل هذا التمدح.
السادس: قوله تعالى لموسى: لَنْ تَرٰانِي وهي نافية للأبد فوجب أن لا يراه غيره بالإجماع.
السابع: أنه تعالى قد أنكر على سائل الرؤية استعظاما لسؤالهم في قوله:
لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً ، وقوله: فَأَخَذَتْهُمُ الصّٰاعِقَةُ ،وقوله: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسىٰ أَكْبَرَ مِنْ ذٰلِكَ ،ولو كانت الرؤية جائزة لما توجه عليهم العتب به.
الثامن: قوله تعالى: وَ مٰا كٰانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّٰهُ إِلاّٰ وَحْياً أَوْ مِنْ وَرٰاءِ حِجٰابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً ،وأشار بالحجاب الى معناه المجازي، فإنه تعالى شبّه نفسه من حيث أنه يسمع خطابه من غير رؤية لم يخاطب وراء الحجاب.
واعترض الأشاعرة على هذه الوجوه.
أما الأول، فقد نازعوا في ضرورية ما ادعاه المعتزلة.
وأما الثاني، فبالمنع من حصول الإدراك عند حصول شرائطه.
وأما الثالث والرابع، فمبناهما على حصول القياس الضعيف.
واما الخامس، فلأن الإدراك عبارة عن الوصول واللحوق وهذا إنما يعقل في المتحيزات، ولأنه يجوز أن يكون المراد بالإدراك المعرفة وبالإبصار العقل، وهذا وإن كان مجازا لكن المصير إليه أولى لما فيه من الجمع بين الأدلّة، ولأن قوله تعالى: لاٰ تُدْرِكُهُ الْأَبْصٰارُ سالبة جزئية لأنها نقيض الموجبة الكلّية، فإن دخول الألف واللام على الجمع يفيد الاستغراق، ولأن المدرك ليس هو الابصار بل هو المبصرين، ولو سلم فلا نسلم أنه تمدح بنفي الرؤية، واي مدح في ذلك مع أن المعدوم كذلك، نعم المدح إنما يكون بالمنع من الرؤية مع أنها ممكنة.
واما السادس، فلا نسلم أن لن للنفي المؤبد، ويدل عليه قوله: لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً ،مع انهم يتمنون الموت في الآخرة.
واما الأخيران فضعفهما ظاهر.
ثم استدلوا على مطلوبهم بوجوه:
الأول: أن الجوهر والعرض اشتركا في صحة الرؤية فلا بد لها من علة، لأن المعدومات لا تصح رؤيتها، وتلك العلة لا بد وأن يكون مشتركة، لأن المختلفات لا تكون عللا للمتساوية ولا مشترك بين الجوهر والعرض إلا الحدوث، والوجود والحدوث لا يصلح للتعليل، لأنه عبارة عن الوجود بعد العدم، فللعدم مدخل في ماهيته فلا تصلح عليّته للصحة الوجودية، وإذا كان الوجود علة وهو مشترك فكل موجود كذلك.
الثاني: أن الممكن إذا اتصف بالعدم استحالت رؤيته وإذا اتصف بالوجود صحت، ودوران الشيء مع غيره دليل على أن المدار علة للدائر، ولا يجوز أن يكون لغير الوجود مدخل في التعليل، لأن كلا منهما إن استقل بالتعليل اجتمع على الأثر علّتان هذا خلف، والا فعند الاجتماع حصل الاستقلال المفقود عند الانفراد فيكون الكلام في حصول الاستقلال كالكلام في الأثر.
الثالث: أن موسى عليه السلام سئل الرؤية ولو امتنعت لما سألها، والجهل عليه ممتنع.
الرابع: أنه علق الرؤية على استقرار الجبل الممكن فيكون ممكنة.
الخامس: قوله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نٰاضِرَةٌ إِلىٰ رَبِّهٰا نٰاظِرَةٌ ،والنظر
المقرون بحرف الى يفيد الرؤية أو تقليب الحدقة نحو المطلوب التماسا لرؤيته، فإن كان المقصود هو الأول فهو المطلوب، وإن كان الثاني وجب صرفه الى المجاز لاستحالة الجهة عليه، وأقرب جهاته الرؤية لأن إطلاق اسم السبب على المسبب أولى المجازات.
السادس: روي عنه صلى اللّه عليه وآله أنه قال:«إنكم لترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته ».
والجواب عن الأول، أنه إنكار الضرورة فلا يسمع.
وعن الثاني، أنا قد بينا وجوبه.قوله: الإدراك هو الوصول، باطل بقولنا:
أدركت الشمس والنار، وحمل الإبصار والإدراك على ما ذكر مجاز مع مساعدة العقل على خلافه.قوله: لا تدركه الأبصار سالبة جزئية، قلنا: باطل لأنه نقيض قولنا تدركه الأبصار وهي موجبة جزئية، ولأنه يصح استثناء كل بصر وهو يدل على العموم كما في استدلالهم في النقيض وسلب الإدراك عن الأبصار، هو سلب عن المبصر.
والمنع من التمدح باطل لما بينا، فان قول القائل: زيد عالم آكل كريم، قبيح عند العقلاء، والفرق بينه وبين المعدوم ظاهر، فإن المعدوم لا تصح رؤيته لا لكونه كاملا في نفسه، أما واجب الوجود فلأنه لكماله يستحيل رؤيته فافترق الحال.
وقوله: المدح انما يكون بالنفي مع الإمكان ضعيف، لأن امكان الرؤية يستلزم إمكان الإحاطة التامة بالمرئي وهو نقص في اكمل الموجودات.
وأما المنع من التأييد في«لن»فهو طعن في النقل مع وجوده، فإن اهل اللغة نصوا على ذلك.وقوله: وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً لا ينافي ذلك، فإن المجاز قد يستعمل، مع أن لفظة التأبيد موجودة هاهنا فعلم أن المراد المجاز.
واما استدلالاتهم فضعيفة، أما الأول فمن وجوه:
احدها: لا نسلم أن صحة الرؤية مشتركة، فإنها أمر عدمي، لأن جنسها وهو الإمكان عدمي، ولأن الجوهر غير مرئي على ما سلف، ولأن صحة رؤية الجوهر نوع مخالف لصحة رؤية العرض، لأن صحة رؤية الجوهر لا يعقل في العرض وبالعكس ومن شأن الأمور المتساوية اتحادها في اللوازم.
الثاني: لم قلتم إنه يجب تعليلها، فإنه لو كان كل حكم معللا لزم التسلسل، وكيف يصح ذلك وعندكم أن كون الشيء معلوما ومذكورا ومخبرا عنه، أحكام غير معللة.
الثالث: لم قلتم أن العلة يجب أن يكون مشتركة؟فإن كون السواد مخالفا للحرارة وبالعكس حكم معلل بالحقيقتين المختلفتين، وبالجملة فقد بينا فيما سلف إمكان تعليل المتساويات بالمختلفات.
الربع: قد بينا أن وجود كل ماهية نفس حقيقتها، وهو مذهب الأشعري، فكيف يصح أن يقال: لا مشترك الا الوجود او الحدوث.
الخامس: لا نسلم عدم المشترك، وعدم العلم لا يوجب العدم، وكيف ذلك وهاهنا وصف آخر وهو الإمكان المشترك بين الجواهر والأعراض؟ فان قلت: كيف تجعل الإمكان علة وهو عدمي وحاصل للمعدومات؟.
قلت: غرضي إبداء قسم غير ما ذكرت، على أني أقول: لو كان الإمكان عدميّا فإمكان الرؤية عدمي، ولا يلزم من حصول العلة للعدم حصول المعلول، لإمكان التوقف على شرط.
السادس: لم لا يجوز أن تكون العلة هي العدم السابق؟وهذا ليس بمستحيل عندكم، فإن عدم الضد يصحح وجود ضده.
السابع: لم لا يجوز أن تكون العلة هي الحدوث؟والحدوث ليس بمتقوم بالعدم بل هو عبارة عن مسبوقية وجود الشيء بالعدم والمسبوقية كيفية للوجود.
الثامن: يجوز أن يكون العلة هي الوجود المسبوق بالعدم.
التاسع: لم لا يجوز أن يكون العلة هي الوجود الممكن؟.
العاشر: لم قلتم: إن مطلق الوجود إذا كان علة لزم أن يكون وجود الباري تعالى علة لهذه الصحة؟فإن وجوده مخالف، وعلى تقدير المساوات لم لا يتوقف على شرط أو يحصل مانع؟ولا يلزم من حصول المصحح حصول الصحة، فان الحياة مصححة لوجود الشهوة وان كانت غير صحيحة في بعض الصور كالواجب.
الحادي عشر: هذا الدليل ناهض في رؤية ما يمتنع رؤيته كالطعوم والروائح والقدرة والإرادة.
الثاني عشر: الجوهر ملموس والعرض كذلك، فصحة الملموسية حكم مشترك فلا بد له من علة مشتركة هي الوجود، فيلزم أن تكون صحة الملموسية ثابتة في حقه تعالى.
وأما الثاني ، فلأنه مبني على الدوران، وقد سلف ضعفه، على أن ما ذكروه في كون العلة غير مركبة رافع للأمور الضرورية كالماهيات المركبة.
وعن الثالث ، أن موسى عليه السلام انما سئل الرؤية لأصحابه، ويدل عليه قوله تعالى: فَقَدْ سَأَلُوا مُوسىٰ أَكْبَرَ مِنْ ذٰلِكَ فَقٰالُوا أَرِنَا اللّٰهَ جَهْرَةً 3 وأيضا ليتوافق النقل والعقل.
وعن الرابع ، أن الرؤية معلقة على استقرار الجبل حال الحركة، فهو معلق
على المحال، ونحن قد بينا في كتاب«معارج الفهم »أن هذه الآية دالة على امتناع الرؤية.
وعن الخامس ، أن النظر المقرون بحرف«الى»لا يفيد الرؤية وليس سببا للرؤية، ولهذا يقال: نظرت إلى الهلال فلم أره، نعم يفيد طلب الرؤية وحينئذ نقول:
يلزم من طلب رؤيتهم حصول الرؤية ولا إمكانها، او نقول: يجوز أن يكون المراد، الى ثواب ربها ناظرة، ويتعين هذا الإضمار، لأن النظر المقرون بالى وضع لتقليب الحدقة نحو المطلوب التماسا لرؤيته، وهذا انما يصح في المتحيزات، او نقول: إن«الى» واحد«الآلاء»فالتقدير نعمة ربها ناظرة.
وعن السادس ، أن المقصود من الرؤية هناك المعرفة الحقيقية التي لا يعتريها شك، فانه من المستحيل حمل الخبر على حقيقته.
البحث الثاني عشر: في أنه تعالى غني
ذات واجب الوجود مستغنية عن غيرها ويستحيل انفعالها عنه فيكون غنيا وهذا ظاهر، وأيضا ذلك الغير إن كان واجبا فهو محال لما يأتي، وإن كان ممكنا استند إليه فيكون مفتقرا إليه فكيف يعقل افتقاره الى ما يفتقر إليه، والمتكلمون طولوا في هذا الباب مع ضعف براهينهم، ونحن نذكر هاهنا خلاصة ما نقل إلينا من كلامهم.
قال مشايخ المعتزلة: لو كان واجب الوجود محتاجا في جلب نفع او دفع ضرر لكان مشتهيا ونافرا واللازمان باطلان والمقدم مثلهما، بيان الملازمة أن النفع هو اللذة والسرور وما يؤدي إليهما او الى احدهما، والضرر هو الألم والغم ما يؤدي إليهما او الى احدهما، واللذة إدراك المشتهى والسرور اعتقاد وصول النفع او اندفاع الضرر، والألم إدراك ما ينفر عنه والغم اعتقاد وصول الضرر او فوات النفع، فكل من جازت عليه المنفعة والمضرة جازت عليه اللذة والألم، ومن جازت عليه هاتان الصفتان جازت عليه الشهوة والنفرة.
وأما بطلان التالي، فلأنه لو كان مشتهيا فإما أن يكون لذاته فيكون مشتهيا للشيء الواحد ونافرا عنه في الوقت الواحد هذا خلف، وإما أن يكون لشهوة قديمة وهو محال لاستحالة تعدد القديم، وإما أن يكون لشهوة محدث فيكون ملجأ الى
فعل الشهوة والمشتهي جميعا هذا خلف، ولأنه لو كان مشتهيا ونافرا لكان جسما والتالي باطل والمقدم مثله والشرطية ظاهرة، فان المشتهي هو الذي إذا أدرك ما يشتهيه صح جسمه والنافر هو الذي إذا أدرك ما ينفر عنه فسد جسمه واللّه تعالى ليس بجسم.
وقال القاضي عبد الجبار : لا دلالة على كونه محتاجا فيجب نفيه.
وقال سديد الدين سالم بن محفوظ صاحب المنهاج من الامامية : لو كان محتاجا فحاجته إن لم يكن موجودة في الخارج انتفت، ولأن الذهن إن طابق استدعى الخارج وإلا فجهل، ولأن المحتاج محتاج في نفسه وإن لم يوجد الذهن وإن كانت موجودة في الخارج، فإن كانت واجبة الوجود تعدد الواجب، وإن كانت ممكنة فان استندت الى واجب الوجود بالايجاب بشرط، فذلك الشرط إن كان معلولا للواجب على الاطلاق لزم قدم العالم، وإن كان بشرط، تسلسل، وإن كان بالاختيار فهو محال لأن الحكيم لا يفعل في ذاته الحاجة، وان استندت الى غيره فذلك الغير ممكن وهو محال والا لزم التسلسل.
ثم اورد على نفسه بأن قال: يلزم مما ذكرتم الدور، لأن كونه تعالى حكيما انما يتم بعد بيان كونه غنيا، فلو بنيتم كونه غنيا عليه لزم الدور.
وأجاب بأن الحكيم يطلق على معنين: الأول العالم بحقائق الأمور، والثاني التارك للقبيح الذي لا يخل بواجب، والمقصود بالحكيم هاهنا هو الأول فلا دور.
وهذه الحجج لا يخفى ضعفها.
وقيل: لو كان محتاجا في ذاته لكان ممكنا، ولو كان محتاجا في صفاته لكان وجود ذاته متوقفا على وجود تلك الصفة أو عدمها المستفادين من الغير وكل متوقف مفتقر.
البحث الثالث عشر: في أنه تعالى واحد
واجب الوجود لا يمكن أن يحمل على شيئين، والاّ فإن تميزا بعد هذا الاشتراك فلا يخلو إما أن يكون جهة الامتياز عارضة لجهة الاشتراك او لازمة أو معروضة او ملزومة، فإن كان ما به الامتياز عارضا افتقر الى سبب يقتضي العروض فيكون كل واحد من واجب الوجود انما هو هو بعلة، وإن كان لازما استحال التعدد، وإن كان معروضا كان واجب الوجود عارضا لغيره أعني الوجود المتأكد، ونحن قد بينا فيما سلف أن الوجود نفس الماهية.
وأيضا يفتقر الى سبب، وقد بينا أن ما يفتقر الى سبب فهو ممكن فالواجب ممكن وان كان ملزوما عرض المحالان.
وأيضا لو تعدد ، فإما أن يمتنع عليهما المخالفة أولا، والقسمان باطلان.
أما الأول، فلأنه لو كان أحدهما موجودا بانفراده لصح منه إيجاد الحركة، والآخر لو انفرد لصح منه إيجاد السكون، فمع الاجتماع إن بقيت الصحتان فهو المطلوب، وإن عدمتا فليس أحدهما بقادر فليس بإله.
وأما الثاني، فلأنه لو صحت المخالفة وأراد احدهما الحركة والآخر السكون، فان وقعا او عدما لزم المحال، وان عدم أحدهما ووقع الآخر فهو ترجيح من غير مرجح وقول بوحدانية الصانع.
لا يقال: إن كل واحد منها حكيم فيتحد فعلاهما لاتحاد الداعي، ولأن كل واحد منهما عالم بكل المعلومات فيكون عالما بوقوع أحد الطرفين فلا يريد الآخر، ولأن كل واحد منهما عالم بكون الآخر قادرا على كل مقدور فاذا خالف أحدهما الآخر لم يتمكنا من حصول مطلبيهما فكان هذا العلم صارفا لهما عن المخالفة، ولأن المحال انما لزم من الوقوع لا من صحة الوقوع.
لأنا نجيب عن الأول، بأنا نفرض الكلام في ضدين اشتركا في جهة المصلحة، وهذا السؤال ساقط على رأي الأشاعرة.
وعن الثاني، أن العلم تبع الوقوع الذي هو تبع الإرادة فلا يكون مانعا.
وعن الثالث، أن العلم حاصل لكل واحد منهما فإن صرفهما معا عدم النقيضان والا حصل الترجيح من غير مرجح.
وعن الرابع، أن المخالفة لما استلزمت المحال كانت محالا، لأن الممكن لا يستلزم المحال.
وللمشايخ طرق أخرى ضعيفة إحداها أنها لو اشتركا في القدم لتساويا مطلقا لأن القدم اخص الصفات فيلزم عدم الاثنينية، وثانيتها أن الثاني لا دليل عليه فيجب نفيه، وثالثتها لو جاز إثبات ثان لجاز إثبات ما لا نهاية له لعدم الأولوية.
ونحن قد اعطيناك قانونا تعلمت منه ضعف هذه الطرق وأمثالها، واعلم أن السمع لا يتوقف على الوحدانية فيجوز إثباتها به.
اوهام وتنبهات: زعم قوم من الأوائل أن العالم واجب الوجود لذاته وبطلانه قد سلف، وذهبت الثنوية الى قدم النور والظلمة وأن العالم حدث بامتزاجهما، ونحن قد سلف في كتابنا انّ النور عرض لا يقوم بنفسه وانّ الظلمة أمر عدميّ.
ومما زعموا هاهنا أنّ النور خير والظلمة شرّ والخيرات حاصلة من النّور والشرور حاصلة من الظلمة، وهذا باطل، أما أولا فلأنّ البحث في الخير والشر والشرف والخسة من الابحاث الخطابية، وأما ثانيا فلأنّ النور قد يظهر الهارب مع شريته وقد تخفيه الظلمة مع خيريته.
ومما ذهبوا إليه هاهنا أنّهما غير متناهيين الاّ من جهة التقائهما، وهذا باطل ان عنوا بالسلب عدم الملكة، لأنّ النور عرض فتناهيه تابع لتناهي محله، وقد اسلفنا أنّ الأجسام متناهية.
ومما ذهبوا إليه أنّ النور حيّ عالم قادر سميع بصير متحرك لذاته، واختلفوا فذهبت الصابئة الى أنّ القوة على هذه الإرادات قوة واحدة وتختلف بحسب الآلات والمشاعر.
واثبت المانوية لكل إدراك قوة، واختلفوا في الظلمة فالديصانية نفت عنها هذه الأوصاف، وذهبت المانوية الى أنّها موصوفة بها وما بيناه من بطلان ما تقدم آت هاهنا.
مسألة : ذهبت المجوس الى إثبات صانع للعالم قادر حي حكيم غير جسم ولا جسماني عالم منزه عن الشرور والنقائص سموه«يزدان» ونسبوا الشرور الى الشيطان، وذهب بعضهم الى أنّه محدث وجسم وسبب حدوثه أنّه عرض ليزدان فكرة في بعض الأوقات هي أنّه كيف يكون حالي لو نازعني غيري فتولد الشيطان من هذه الفكرة، ثم تحاربا واصطلحا وجعلا سيف المنازعة عند القمر الى مدة.
وهذا الكلام مع ظهور فساده دال على نقص قائله، ثم نقول: الشيطان أصل الشر وقد صدر عن صانعهم فيكون الذي أثبتوه خيرا، شريرا.
مسألة : ذهبت النصارى الى أنه تعالى واحد ليس بمتحيز فهو احد بالجوهرية ثلاثة بالأقنومية ، وهؤلاء ان أرادوا بالجوهر المعنى المصطلح عليه بين الفلاسفة فاكثر الناس ينفونه عنه وهو مذهبنا، ومن يجعل الوجود مغايرا لحقيقته يوافقهم على اطلاق الجوهر بالمعنى وان لم يؤذن فيه.
وأما الأقانيم فالمتكلمون خبطوا في مرادهم منها، وتحرير القول فيه: أن هذه الأقانيم إما أن يكون ذواتا متغايرة ومغايرة له تعالى كما يقوله الأشاعرة، وإما أن يكون أحوالا كما يقوله أبو هاشم، وإما أن يكون أحكاما كما يقوله أبو الحسين، فإن كان الأول فهو باطل بما أبطلنا به مذهب الأشاعرة، وإن كان الثاني فهو باطل بما أبطلنا به مذهب أبي هاشم، وإن كان الثالث فهو مسلم إلا أنّهم مع القول بكثرة الأقانيم قائلون باتحادها وهذا غير معقول على ما سلف.
والذي حصّله متأخروا المتكلمين من قولهم: إنّ أقنوم الأب إشارة الى الوجود الذي هو الذات عندهم، وإنّ أقنوم الابن هو علمه، وإنّ أقنوم روح القدس هو حياته، ولا منازعة حينئذ الا في اللفظ، الا أنّهم قالوا هاهنا أنّ أقنوم الابن اعني العلم اتحد بعيسى فصار إلها بعد أن كان إنسانا وإنّ عيسى هو خالق الخلق وإنّه سيحيي الموتى، واختلفوا في كيفية اتحاده به، فقالت اليعقوبية: إنّ الكلمة أعني العلم مازجت عيسى وخالطته وحصل امر ثالث هو المسيح، فقالوا: إنّ عيسى جوهر من جوهرين وأقنوم من أقنومين.
وقالت النسطورية: إنّ الكلمة جعلته هيكلا وأدرعته إدراعا، فقالوا: إنّ المسيح جوهران أقنومان.
وقالت الملكانية: إن الاتحاد كان بالإنسان الكلي دون المسيح، وقال بعضهم:
انّ الاتحاد كان بأن اثّرت فيه الكلمة كما تؤثر الصورة في المرآة من غير انتقال منها إليه.
وهذه الأقوال لا يخفى فسادها، فانّه كيف يعقل اتحاد صفة هي العلم بذات هي جسم، ومطلق الاتحاد قد بطل بما أسلفناه، ونزيد هاهنا أن بعد الاتحاد إن كان المتحد جوهرا كان العرض جوهرا هذا خلف، وإن كان عرضا كان الجوهر عرضا هذا خلف، وإن لم يكن جوهرا ولا عرضا لزم ارتفاع النقيضين وأيضا إعدامهما وإحداث ثالث.
البحث الرابع عشر: في اسمائه تعالى
اعلم أنّ الاسم قد يكون هو المسمى، وذلك لأنّ الاسم عبارة عن اللفظ الدّال المجرد عن الزّمان والاسم إشارة الى اللفظ الدال على مسماه، ومن جملة المسميات لفظة الاسم، وقد يكون مغايرا له كالجدار الدّال على معناه المغاير للفظه.
إذا عرفت هذا فنقول: الاسم اذا أطلق على الشيء فإما أن يكون المسمى به ذات الشيء، أو ما يكون داخلا فيها، أو ما يكون خارجا عنها، والدال على الخارجي إما أن يكون دالا على الموصوفية بتلك الصفة، أو على ذلك الشيء مع كونه موصوفا بتلك الصفة، والدال على الصفة إما أن يكون دالا على صفة حقيقية فقط، أو إضافية فقط، أو سلبية فقط أو ما يتركب من هذه الأقسام.
واختلف الناس في أنّه هل لذاته تعالى اسم أم لا؟أنكره الأوائل، لأنّ الواضع إن كان هو اللّه وقصد تعريف نفسه فهو محال، أو تعريف غيره ذاته فهو أيضا محال، وإن كان غيره فلا بد وأن يكون ذلك الغير عارفا به، وقد بينا أنّ حقيقته تعالى غير معقولة للبشر، وقد ظهر أنّ هذه المسألة فرع على قولنا: ذاته تعالى معقولة أولا؟واتفقوا على أنّه يستحيل أن يكون له اسم دال على جزء معناه فإنه غير مركب فلا جزء له.
واما الألفاظ الدالة على الصفات، فقد منعها قوم، والأصل الذي يبني عليه أنه هل يجوز وصف اللّه تعالى بشيء مما يوصف به غيره أم لا؟اتفق المسلمون على
ذلك، وذهبت الملاحدة وجهم بن صفوان الى المنع من ذلك، قالوا: لأنّا لو وصفناه بما نصف به غيره لوقعت المشاركة ثم نفتقر الى مميز فيقع التركيب، وهذا خطأ، فإنّ التركيب إنما يقع على تقدير المشاركة والمباينة بالذاتيات.
ومع ذلك فقد أنكروا الاجماع والقرآن الذي وصف فيه اللّه تعالى نفسه بكونه قادرا عالما وغير ذلك.
البحث الخامس عشر: في بقية الصفات على رأي الأوائل
قالوا: قد ثبت أنّ الأمور العالية لا يجوز أن يفعل شيئا لأجل الأمور السافلة، لأنّه يكون نقصا، ولا شك في وجود الأمور العجيبة وأنّها لم يخلق عبثا، فلا بد فيها من حكمة وقصد وظاهر ذلك يقتضي المناقضة، وطريق الجمع أن يسند الأفعال المحكمة الى العلم، فإنّه تعالى عالم بنظام العالم وما عليه كمال الوجود وعلمه سبب في فيضانه من غير تجدد إرادة حدثت بعد تردد، وهذا هو معنى العناية للّه تعالى.
ونحن لمّا أفسدنا أصلهم بطل ما فرّعوا عليه.
قالوا: وهو تعالى حي، لأنّ الحي هو الدّراك الفعّال وقد ثبتا له تعالى لأنّه مدرك لكل معقول وموجد كل موجود بذاته او بواسطة، وهو تعالى جواد لأنّ الجود هو إفادة ما ينبغي لا لغرض واللّه تعالى قد فعل الوجود الذي ينبغي للممكنات من غير غرض ولا عوض فيكون جوادا.
قال بعض المتأخرين: لو لم يكن القصد من إيصال النفع الى الغير معتبرا في الجواد لكان الحجر الواقع على رأس عدوّ إنسان جودا من حيث أمات عدوه لا لقصد.
أجاب بعض المحققين بأنّ الجواد انما يكون جوادا إذا صدر عنه ما ينبغي بالذات، أما إذا صدر عنه ما ينبغي بالعرض فليس بجواد والحجر لم يصدر عنه بالذات ما ينبغي بل بالعرض، لأنّ الحاصل منه حركته الطبيعية وهي استفادة كمال لنفسه.ووقوعه على رأس إنسان انما حصل بالاتفاق الذي هو بالعرض، والوقوع على رأس لا يقتضي الموت بل يقتضي اختلال أوضاع الأعضاء وللموت سبب آخر بالذات يحصل عقيبه، ثم إن المقتضي للموت لا يكون مقتضيا لموت عدو انسان آخر بالذات بل بالعرض، ثم المقتضي لموت عدو إنسان لا يكون مقتضيا لوصول فائدة الى ذلك الانسان بالذات بل بالعرض.
واعلم أن المتكلمين ادّعوا الضرورة في أنّ من يفعل شيئا لا لقصد فإنه لا يكون جوادا، والطعن في المثال لا يكون طعنا في هذا الحكم القطعي.
مسألة : قالوا: الباري تعالى غني مطلقا، اي في ذاته وفي صفاته المنتفية وفي صفاته الحقيقية المستلزمة للإضافة، فمن احتاج في شيء من هذه الثلاثة الى الغير فهو فقير .
وهو تعالى ملك لأنّه غني مطلقا، فكل شيء مفتقر إليه في كل شيء وله ذات كل شيء، والملك من استجمع هذه الثلاث.
وهو تعالى تامّ، لأنّه واحد واجب من كل جهة يمتنع تغيره، فكل ما من شأنه أن يكون له فهو حاصل له بالفعل، وهو أيضا فوق التمام لأنّ ما حصل لغيره من الكمالات فهو منه.
وهو حق محض، لأنّه لما وجب في صفاته وذاته لم يكن قابلا للعدم والبطلان، فذاته أحق من كل حق، وهو خير محض لأنّ الشر عبارة عن عدم كمال الشيء من حيث هو مستحق له وواجب الوجود يستحيل أن يكون فاقدا للكمال في وقت ما، فذاته مبرأة عن الشرور.
وهو تعالى حكيم، لأنّ الحكمة معرفة الأشياء ولا عرفان أتم من عرفانه، وقد يراد بالحكمة صدور الشيء على الوجه الأكمل، وقد بينا ذلك في حقه تعالى.
وهو تعالى جبار بمعنى أنه جبار لما بالقوة بالفعل والتكميل، وقهار بمعنى أنه قهار العدم بالوجود والتحصيل.
وهو تعالى قيوم بمعنى أنه قائم بذاته مقيم لغيره.
قسم الأوائل الصفة على أربعة أقسام:
أحدها: الصفة الحقيقية التي لا تلزمها الإضافة كالسواد والبياض.
وثانيها: الصفة الحقيقية التي تلزمها الإضافة ولا يتغير بتغيرها كالقدرة.
وثالثها: الصفة الحقيقية التي تلزمها الإضافة وتتغير بتغيرها كالعلم.
ورابعها: الصفة الاضافية المحضة كالتيامن والتياسر.
وقالوا أيضا: الصفات التي من باب الوجود للأشياء، إما أن يكون بحيث يجوز أن يكون الشيء الموصوف سببا لها، سواء اعتبر ذلك الشيء موجودا أو معدوما، وذلك كإمكان الوجود للماهيات الممكنة الوجود، فإن إمكان الوجود لها هذا سبيله.
ومثل هذا الشيء قد يجوز أن يكون له حالة الوجود والعدم كالحادثات، فيكون في كل واحدة من الحالتين متصفا بتلك الصفة، وقد يجوز أن يكون له إحدى الحالتين لا غير وهي الوجود كالأزليات، فيكون في تلك الحالة الواحدة متصفا، وإما أن يكون بحيث لا يجوز أن يكون الشيء الموصوف بها سببا لها بل سببها أمر من خارج.
ثم إن اعتبر موجودا صح أن يكون موصوفا بتلك الصفة، وإن كان غير موجود فلا يصح مثل هذا الشيء، وأيضا يصح أن يعتبر له في نفسه حالتا الوجود والعدم، ولكنه انما يجوز أن يكون متصفا بتلك الصفة في إحدى الحالتين، وذلك كالوجود للماهيات الممكنة الوجود فإن كل ماهية ممكنة الوجود فإنها توصف بالوجود حالة كونها موجودة، ولا يجوز أن تكون الماهية سببا لهذه الصفة بل يكون أبدا سببه أمر من خارج.
وإما أن يكون بحيث لا يجوز أن يكون الموصوف بها سببا لها ولا أيضا أمر من خارج سببا لها ولا أيضا يصح لمثل هذا الشيء أن يكون له حالتا وجود وعدم، بل ليس له إلا إحدى الحالتين وهي الوجود، وذلك مثل وجوب الوجود للأول، فإنه لا يجوز أن يكون هو نفسه سببا لوجوب وجوده ولا أمر من خارج سبب لذلك ولا يجوز أن يكون له حالتا وجود وعدم.