الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى 

 

كل واحد من الأمرين منفصلا من الآخر، وغير منطو عليه، فأما إذا لم يكن هذه حاله لم يستقم ما ذكره، لأن من عمل بالشئ من أجل عمله به، وعرف صوابه بفعله له لا بد أن يكون إماما فيه، من حيث كان معنى الإمامة والأمر الذي من أجله كان الإمام إماما حاصلين فيه، لأن هذه الصفة - يعني كونه ممن يعمل بالشئ من أجل عمله به - تشتمل على الأولى، وتزيد عليها، فكيف يجوز مع اشتمالها على ما له كان الإمام إماما، وزيادتها عليه تحصل لمن ليس بإمام، ولا فرق بين ما ذكره ابن الراوندي وبين قول القائل: لو جاز أن يكون الإمام غير نبي لجاز أن يكون النبي غير إمام، ولو جاز أن يكون الأمير غير إمام لجاز أن يكون الإمام لا يتصرف فيما يليه الأمراء، ولا يشتمل ولايته على ما يتولاه الأمراء، وإذا كان كل هذا يفسد الوجه الذي ذكرناه لحق به في الفساد ما اعتبره ابن الراوندي.

فأما قوله: " إن الإمام يطاع فيما بين الشرع أنه يحسن " فساقط فيما بيناه في معنى الاقتداء بالإمام، وأنه لا بد من أن يكون مقتدى به من حيث قال وفعل، وفيما يكون قوله وفعله حجة فيه.

فأما قوله: " ولسنا نجعله إماما من حيث يتبع في كل شئ " فيفسد بأن الإمام لا بد أن يكون إماما في سائر الدين فما خرج من أن يكون متبعا فيه من الدين يخرج من أن يكون إماما فيه وهذه الجملة لا خلاف فيها، يعني أن الإمام إمام في جميع الدين، وإنما الخلاف في كيفية الائتمام به، والاتباع له في الدين، فليس لأحد أن ينازع فيها، لأن المنازعة في هذه الإطلاق خرق للاجماع، وإذا كنا قد بينا معنى الاقتداء به، ودللنا على أنه لا بد أن يكون على الوجه الذي قدرناه، ثبت أن الإمام لا بد أن يكون متبعا ومقتدى فيه في جميع الدين، على أنه لو نتخطى معه

الصفحة 312
هذا الموضع: وسلم أن الإمام يكون إماما في بعض الدين لم يخل ذلك بما قصدناه من دليل العصمة، لأنه إذا كان متبعا في بعض الدين، ومقتدى به، وكان الاقتداء به لا بد أن يكون على الوجه الذي ذكرناه، وأفسدنا ما عداه وجبت عصمته، وإلا أدى ذلك إلى أن الله تعالى يجوز أن يتعبدنا بفعل القبيح على وجه من الوجوه.

فأما ما رواه عن أبي بكر من الخبر الذي استدل به على أنه ليس بمعصوم، وأن طاعته تجب ما أطاع الله فإنما يلزم من جمع (1) بين القول بإمامة أبي بكر والاستدلال بالطريقة التي ذكرناها، ومعلوم أنا لا نجمع بين الأمرين.

فأما قوله: " وهذه طريقة أمير المؤمنين عليه السلام فيما كان يأمر به " فما زاد على الدعوى، ولم يذكر رواية عنه عليه السلام تقتضي ذلك، ولا دلالة فنتكلم عليها، والذي يؤمننا مما ظنه قيام الدلالة على إمامته عليه السلام (2) وقيامها على أن الإمام لا بد أن يكون مقتدى في جميع الدين.

قال صاحب الكتاب: " فإن قال: أرأيتم إذا دعا قوما إلى محاربة أو غيرها وهم لا يعلمون وجهها أيلزم (3) طاعته؟ قيل له: نعم، فإن قال:

فيجب أن يكون معصوما لأنه إن لم يكن كذلك جاز فيما يأمر به أن يكون قبيحا، قيل له: إن ذلك وإن كان قبيحا فالقائل بقوله، والمطيع له، فاعل للحسن، لأنه لا يمتنع فيما حل هذا المحل أن يكون حسنا، وأن لا

____________

(1) فلا تلزم إلا من جمع، خ ل.

(2) خ " صلوات الله عليه ".

(3) غ " أنلزم طاعته ".


الصفحة 313
يتبع في القبيح حال الأمر، والمنع (1) يبين ذلك أنه قد كلف العبد أن يطيع مولاه فيما لا يعلمه قبيحا وإن كان لا يمتنع أن يأمره بالقبيح، لكنه بما يفعله مقدم (2) على حسن من حيث يفعله لا على الوجه الذي يقبح فكذلك القول في رعية الإمام،... " (3).

يقال له: محال أن يقع الفعل قبيحا على وجه من بعض الفاعلين ويقع على ذلك الوجه من فاعل آخر فلا يكون قبيحا، فالمحاربة إذا دعا الإمام إليها وفعلها وكانت قبيحة منه فلم تقبح منه لأنه عالم بقبحها، بل لأنه متمكن من العلم بذلك، لأن التمكن في هذا الباب يقوم مقام العلم، ورعية الإمام إذا كانوا متمكنين من العلم بقبح المحاربة، وما يعود بها من الفساد في الدين قبحت منهم وإن لم يعلموا وجهها في الحال، لأن تمكنهم من العلم بقبحها (4) يجري مجرى علمهم بذلك، فلا بد أن يكونوا متمكنين، فكيف تكون المحاربة قبيحة منه غير قبيحة منهم على هذا، ولو سلمنا جواز كونهم غير متمكنين من العلم بحال المحاربة في القبح أو الحسن لم يكن ذلك مخلا بما قصدناه، لأن كلامنا فيما تمكنوا من العلم بحاله من جملة ما دعاهم الإمام إلى فعله، ولو استقام له أيضا ما أراده في المحاربة لم يستقم له مثله في غيرها من أمور الدين، لأن الإمام لا بد أن يكون إماما في سائر الدين، ومقتدى به في جميعه، ما كان منه معلوما للرعية وجهه وما لم يكن معلوما لهم على ما دللنا عليه من قبل، فيلزم على هذا أن لو دعاهم إلى غير المحاربة مما لم يمكن صاحب الكتاب أن

____________

(1) في الأصل " والمتبع " وما في المتن من " المغني ".

(2) غ " يقدم ".

(3) المغني 20 ق 1 / 90.

(4) خ " بقبح المحاربة ".


الصفحة 314
يدعي كونه حسنا منهم أن تلزم طاعته والانقياد لأمره من حيث وجب الاقتداء به.

فأما العبد فلم يكلف طاعة مولاه إلا فيما لا يعلمه قبيحا مما تمكن من العلم بقبحه، وحكم ما يتمكن من العلم بقبحه حكم ما يعلمه قبيحا، فأما ما لا سبيل إلى العلم بحاله فيجوز أن لا يقبح منه وإن قبح من المولى، وليس هذه حال الإمام، لأن كلامنا على ما أمرنا باتباعه فيه مما نتمكن من العلم بحاله فلا بد أن يكون القبيح منه قبيحا منا.

قال صاحب الكتاب: " وقد ثبت أيضا أنه يلزم المأموم في الصلاة أن يتبع الإمام إذا لم يعلم صلاته فاسدة، ولا يخرج من أن يكون مطيعا وإن جوز في صلاة الإمام أن تكون قبيحة، لأنه إنما كلف أن يلزم اتباعه في أركان الصلاة، ولم يكلف أن يعلم باطن فعله فكذا القول في الإمام، وعلى هذه الطريقة يجري الكلام في الفتوى والأحكام وغيرها،... " (1).

يقال له: أما إمامة الصلاة فليست بإمامة حقيقية لأنه لم يثبت فيها معنى الاقتداء الحقيقي ولو تبرعنا بتسليم كونها إمامة على الحقيقة لم تخل المعارضة بها إما أن تكون من حيث جاز أن يكون القبيح من الإمام غير قبيح من المأموم، فهذا إنما جاز فيما لا يعلمه المأموم قبيحا ولا سبيل له إلى العلم به، كقصود إمام الصلاة وعزومه وما يجري مجراهما من باطن أمره، وكلامنا في الإمام على الاقتداء به فيما يمكن أن يعلم كونه حسنا أو قبيحا، أو أن تكون المعارضة من حيث اقتدينا بمن هو غير معصوم، فهذا الضرب من الاقتداء ليس هو الذي أحلنا أن يثبت إلا للمعصوم، والاقتداء بالإمام يخالف الاقتداء بإمام الصلاة، بل يخالف كل اقتداء بمن ليس بإمام

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 90.


الصفحة 315
من رعيته، وليس بمنكر أن يؤمر بالاقتداء بمن ليس بإمام ما لم يظهر لنا قبح فعله، فإذا ظهر لنا لم يلزمنا الاقتداء به، وليس يصح مثل ذلك في الاقتداء بالإمام لوجوب حصول المزية التي ذكرناها، والذي يدل على ذلك إجماع الأمة على سبيل الجملة، على أنه لا بد أن يكون بين الإمام وبين رعيته وخلفائه فرق ومزية في معنى الإئتمام والاقتداء، وإذا ثبت ذلك ولم يمكن أن يشار إلى مزية معقولة سوى ما ذكرناه من أن الاقتداء بالإمام يجب أن يكون فيما عرف صوابه به، وكان فعله حجة فيه، وليس كذلك الاقتداء بغيره من أمرائه وخلفائه وصح ما قصدنا إلى إيضاحه، والقول في المفتي ووجوب اتباعه كالقول في إمام الصلاة فيجب أن يجري الكلام فيهما مجرى واحدا.

قال صاحب الكتاب: " وبعد، فإن هذا القول يوجب عليهم أن لا تنقاد الرعية للأمراء إذا لم يكونوا معصومين بمثل (1) هذه العلة التي ذكروها، وإذا لم يجب لأجل ذلك عصمتهم، ولم يمنع ذلك من وجوب طاعتهم، وما لم يعلم [ أنه ] (2) دعاهم إلى المعصية، فكذلك القول في الإمام،.... " (3).

يقال له: قد بينا أن الاقتداء بالإمام لا بد أن يكون مخالفا للاقتداء بكل من هو دونه من أمير وقاض وحاكم، لأن معنى الإمامة أيضا لا بد أن يكون مخالفا لمعنى الإمارة من غير رجوع إلى اختلاف الاسم، وإذا كان لا بد من مزية بين الإمام ومن ذكرنا من الأمراء وغيرهم في معنى الاقتداء فلا مزية يمكن إثباتها إلا ما ذكرناه، وليس لقائل أن يقول: إن الإمام

____________

(1) غ و خ " لمثل ".

(2) ما بين المعقوفين يدعو إليه السياق.

(3) المغني 20 ق 1 / 91.


الصفحة 316
يخالف الأمير بكثرة رعيته، وسعة عمله، لأنه جائز أن يستخلف الإمام على جميع أعماله، وسائر رعيته خليفة وخلفاء فيجعل إليهم التصرف فيما إليه التصرف فيه، من تدبير الأمور الحاضرة والغائبة، وتولية الولاة، واستخلاف الخلفاء فيما نأى من البلاد إلى غير ما ذكرناه مما يتصرف فيه الإمام، ويتولاه بنفسه، لأنه إذا جاز أن يتولى جميعه بنفسه جاز أن يستخلف على جميعه، كما أنه لما جاز أن يتولى بعضه بنفسه جاز أن يستخلف على بعضه، فلولا أن الحال في ثبوت المزية في معنى الاقتداء بين الإمام والأمير على ما ذكرناه، لوجب أن يكون ما قدرناه وأجزناه من استخلاف الإمام على جميع ما إليه خليفة إذ كان لا فرق بينهما في معنى الاقتداء بهما، والائتمام على ما يدعيه الخصوم قادحا في الاجماع، على أن الإمام لا يكون في الزمان إلا واحدا، وإذا وجبت علينا حراسة هذا الاجماع، وإبطال ما أدى إلى القدح فيه وجب القطع على أن حال الإمام مخالفة في معنى الاقتداء لحال خلفائه والولاة من قبله، وليس لأحد أن يقول إن الاجماع إنما انعقد على أن الإمام لا يكون في الزمان إلا واحدا على معنى أن الأمة لا تولي إلا واحدا، أو الرسول لا ينص إلا على واحد.

فأما جواز تولية الإمام خليفة يكون حكمه كحكمه في معنى الاقتداء، وسعة العمل (1) فليس يمنع منه الاجماع، لأن هذا القول من مخرجه تخصيص للاجماع، وإطلاقه يقتضي (2) إبطال هذا القول وما ماثله.

وليس له أيضا أن يقول: إن الاجماع إنما منع من ثبوت إمامين في

____________

(1) في خ " العلم " وما في المتن أوجه.

(2) خ " يقتضي القول بإبطال هذا القول ".


الصفحة 317
عصر واحد، يتسميان بالإمامة، ويدعيان بها، وليس بمانع من كون أحد المتوليين على الأمة ملقبا بالإمامة، والآخر ملقبا بالإمارة، لأن الأسماء لا معتبر بها، وإنما المعتبر بالمعاني فإذا ثبت معنى الإمامة في الاثنين كانا إمامين سواء لقبا بالإمامة (1) أو لم يلقبا، والاجماع مانع من هذا، على أنه لو لم يتسم الواحد بالإمامة، وتصرف فيما يتصرف فيه الأئمة، وحصل على الصفات التي تقتضي كون الإمام إماما لوجب كونه إماما على الحقيقة، من غير اعتبار بالتسمية أو اللقب، وكذلك القول في الاثنين.

قال صاحب الكتاب: " شبهة أخرى لهم، ربما قالوا: قد ثبت (2) أن من حق الإمام أن يكون واحدا في الزمان، وأنه يولي ولا يولى، ويعزل ولا يعزل، ويأخذ على يد غيره، ولا يؤخذ على يده، ويجب على غيره طاعته، ولا تلزمه طاعة غيره، فحل محل الرسول، فإذا وجبت عصمة الرسول وجبت عصمة الإمام، وإذا وجب في الرسول أن يكون متميزا من سائر الولاة فكذلك الإمام، وليس بعد صحة ذلك إلا القول بأنه لا بد من إمام معصوم في كل زمان ".

قال: " واعلم أن جميع ما أوردوه ليس بعلة في عصمة الرسول عليه السلام، وإنما يجب حمل الإمام على الرسول في العصمة إذا بين علة العصمة في الرسول، وأنها قائمة في الإمام، ولا يقتصر على الدعوى، وليست العلة ما ذكروها لكنها التي ذكرناها في كتابنا (3)، وهو أنه إذا كان حجة فيما يؤديه عن الله تعالى فيجب أن لا يجوز عليه ما ينقض كونه حجة

____________

(1) بالإمامة أو الإمارة خ ل.

(2) غ " قد بينا ".

(3) يعني المغني ولعله يشير إلى الجزء الخامس عشر منه الذي هو في النبوات والمعجزات.


الصفحة 318
من الغلط والسهو وغير ذلك... " (1).

يقال له: ليس ما ذكرته على الترتيب الذي رتبته بدال عندنا على وجوب عصمة الإمام، لأنك إنما جمعت فيما حكيته بين أشياء لا تأثير لها جملة، وبين أشياء مؤثرة، وأخرى تؤثر إذا ردت إلى بعض الأصول المقررة (2)، وبنيت عليها.

ونحن نفصل هذه الجملة تفصيلا يوضح عما قصدناه، ثم نعترض جملة كلامك الذي اعترضت به هذه الطريقة، ونبين عن مواقع الخلل فيه والفساد، فقد ضممت أيضا في الاعتراض على هذه الطريقة التي لم نرتض ترتيبها، واستضعفنا الاستدلال بها على الوجه الذي حكيته، بين صحيح وسقيم، وقادح وغير قادح، وليس لك أن تقول: إنني ما حكيت إلا ما اعتمد أصحابكم في كتبهم، فإنا لا نعلم أن أصحابنا اعتمدوا ما حكيته على ترتيبك، ولعل بعضهم إن كان اعتمده فعلى طريق التقريب، وربما أوردوا هذا الضرب من الكلام على طريق الفصل بين الإمام والأمير في وجوب العصمة إذا ألزمهم مخالفوهم أن يساووا بينهما، ومتى حكى هذا الكلام الذي حكيته على سبيل الفصل بين الإمام والأمير، والفرق بينه وبينه بعد عن الفساد، وليس كلما يورد على سبيل الفرق بين الشيئين يحسن أن يجعل اعتلالا، فإن للاعتلال مذهبا (3) يخالف مذهب الفصول بين الأشياء والفروق وهذا معروف عند أهل النظر.

ونحن نعود إلى ما وعدنا به من التفصيل: أما كون الإمام واحدا في

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 91.

(2) المقدرة خ ل.

(3) فإن الاعتلال له مذهب، خ ل.


الصفحة 319
الزمان فلا تأثير له جملة في وجوب عصمته، وأما كونه يولي (1) فيمكن أن يكون له تأثير من جهة أنه لو لم يكن الخطأ عليها مأمونا لم يؤمن أن يولي من لا تحسن ولايته، ومن تكون ولايته سببا لهلاك الدين، وفساد المسلمين.

فأما كونه لا يولى فله تأثير واضح، لأنه إذا كان المراد بهذا القول أن أحدا من البشر لا يوليه، وأن ولايته إنما تكون من قبل القديم، علام الغيوب تعالى، فلا بد من أن يكون معصوما. لأن القديم تعالى لا يجوز أن يوليه إلا مع العلم بطهارة مغيبه، لأنه عز وجل عالم بذلك، وإنما جاز عند من جوز (3) اختيار الإمام أن يختار على ظاهره من حيث لم يكن للبشر سبيل إلى العلم بمغيبه، ولو كان لهم إلى ذلك سبيل لما جاز أن يقيموا إلا من يعلمون من حاله الطهارة، وحسن الطريقة، ويقطعون على باطنه، كما أنهم لما كان لهم طريق (3) إلى غلبة الظن فيمن يختص بهذه الأحوال لم يجز أن يقيموا إلا من يغلب على ظنهم ما ذكرناه من حاله.

فأما كونه يعزل (4) فتأثيره كتأثير كونه يولي، وقد بيناه، وأما كونه لا يعزل فلا تأثير له في عصمته على ما ذكرناه في اشتراط أن يكون واحدا.

فأما كونه يأخذ على يد غيره، ويجب على الغير طاعته فيرجع تأثيره إلى دليل الاقتداء الذي تقدم، لأنه يقال: إذا ثبت طاعته، وأخذه على الأيدي على الوجه الذي يجب للأئمة، وهو على جهة الاقتداء المخصوص

____________

(1) يشير إلى قول القاضي: " وأما قولهم: إن من حقه أن يولي ولا يولى، فمتنازع فيه " الخ أنظر المغني 20 ق 1 ص 92.

(2) سوغ، خ ل.

(3) سبيل، خ ل.

(4) يشير إلى كلام القاضي الذي لم ينقله بحرفه وهو " فأما قولهم: إنه يعزل ولا يعزل فلا تأثير له في العصمة " الخ أنظر المغني 20 ق 1 / 95.


الصفحة 320
الذي بيناه وجب أن يكون معصوما، وإلا أدى إلى وجوب الاقتداء به في القبيح فإن وقعت المعارضة بالأمير ووجوب الاقتداء به مع سقوط عصمته، فالجواب عنه ما تقدم، وقد مضى الكلام في نصرة هذا الدليل مستقصى، وأما كونه ممن لا تلزمه طاعة غيره ولا يؤخذ على يده فيرجع تأثير إلى الدليل الذي اعتبرنا فيه أنه لو لم يكن معصوما لاحتاج إلى إمام لحصول علة الحاجة، لأنه إذا أثبت أنه ممن لا يؤخذ على يده ولا طاعة لأحد عليه لم يخل حاله من وجهين، إما أن يكون معصوما أو غير معصوم، فإن كان غير معصوم وجبت حاجته إلى من يأخذ على يده لحصول العلة المحوجة إليه فيه، ولو جاز أن لا يكون على يده أخذ مع كونه غير معصوم لجاز مثل ذلك في كثير من الأمة، بل في جميعهم، وقد تقدم فساد هذا، فلا بد إذا من أن يكون معصوما وقد سلف من نصرة هذا الدليل، وذكر الزيادات عليه مما فيه كفاية.

فأما قول صاحب الكتاب: " إن العلة في عصمة الرسول ليست ما ذكرتموه. وإنما العلة ثبوت كونه حجة " (1) فقد تقدم لنا ما يدل على أن الإمام أيضا حجة في الأداء فيجب أن يكون معصوما على الطريقة التي فزع إليها صاحب الكتاب، وظن أنا لا نتمكن من مثلها.

وأما قوله: إنه ينازع (2) في كون الإمام من حقه أن يولي ولا يولى وادعاؤه إنه على مذهبه يولى وينصب كالأمير، وقوله: " ومتى قالوا: إن الإمامة تثبت بالنص فلذلك قلنا: أنه لا يولى فقد صاروا يعتمدون في أنه معصوم وفي النص على أنه معصوم " فمما لا يقدح في الكلام الذي حكاه

____________

(1) نقل هنا كلام القاضي بمعناه.

(2) يشير إلى قول القاضي الذي تقدم ذكره في الحاشية (فمتنازع فيه).


الصفحة 321
لأن القوم بنوا (1) كلامهم على أصولهم فلا يضرهم خلاف من خالفهم في أن الإمام يولى إذا رجعوا في إفساد ذلك إلى الدليل الواضح، ولهم على وجوب النص وإفساد الاختيار أدلة غير وجوب العصمة، وإن كان دليل العصمة أقواها " فليس يجب تعليق ما ظنه من كل واحد من الأمرين بالآخر.

فأما قوله: " أليس من ينص عليه يوليه؟ فلم قلتم: أنه لا يولى، وإنما يفارق حال الأمير بأنه يولى بعد الموت، والأمير يولي في حال الحياة؟

فإن قالوا: إذا نص عليه الرسول أو الإمام المتقدم فهو من قبل الله تعالى لا أنه يولى. قيل لهم: لا فرق بينكم وبين من قال في الأمير إذا ولاه الإمام أنه من قبل الله تعالى " فظاهر الفساد لأن مراد القوم بقولهم: إنه لا يولى معروف، وهو أن البشر لا يولونه، ولا يكون ولايته إلا من قبل الله تعالى، فيجب أن يكلموا على غرضهم، ويرجع إليهم في مرادهم بما أطلقوه من اللفظ والمعارضة بالأمير لا يلزم لأنهم يقولون: إن الدليل الدال على فساد اختيار الإمام، ووجوب نصبه من قبل (2) القديم تعالى ليس مثله في الأمير.

فأما قوله: " وبعد، فإنه إذا ثبت أنه لا يولى فمن أين ثبت أنه يجب أن يكون معصوما؟ وما تأثير هذه الصفة في العصمة حتى يجب لأجلها ثبوتها؟ وهلا جاز أن يكون ممن يولي ولا يولى ولا يكون معصوما؟

ولو أنه عليه السلام نص على الإمام ما كان يجب أن يكون معصوما عندنا، كما أنه عليه السلام يولي الأمراء وإن لم يكونوا معصومين... "

____________

(1) بني، خ ل.

(2) من جهة، خ ل.


الصفحة 322
فليس يخلو كلامه هذا من أن يكون على تسليم مرادنا بقولنا: إنه لا يولى أو على المنازعة في ذلك، فإن كان مع التسليم فقد دللنا على تأثير هذه الصفة في العصمة بما لا مطعن عليه، وليس صاحب الكتاب ممن يخالفنا في أن الإمام لو تولى الله تعالى نصبه لوجب أن يكون مأمون الباطن، لأنه قد صرح في كلامه في هذا الموضع بذلك، وإن كان منازعا فيما أردناه بقولنا: إن الإمام لا يولى فلا معنى لإخراجه كلامه مخرج التسليم وإظهاره العدول عن المخالفة إلى الموافقة، ومفهوم كلامه أن الأمر إذا كان على ما ذكرتم فمن أين أنه يجب أن يكون معصوما، وقد كان يجب إذا كان منازعا أن يقيم على كلامه الأول ولا يعدل عنه.

فأما قوله: " وبعد، فلو أنه تعالى تعبد الإمام بأن يقوم بالحدود والأحكام، ولم يجوز له أن يولى كان لا يمتنع أن يكون التولية إلى صالحي الأمة فليست هذه الصفة بواجبة للإمام حتى يصح أن يجعل علة في العصمة " فلسنا نعلم من أي وجه كان كلامه هذا مفسدا لتأثير كون الإمام ممن تولى في العصمة.

فيقال له: أتوجب عصمته إذا كان له أن يولي، وإن سلمنا لك تطوعا جواز رد التولية إلى صالحي الأمة والعدول بها عنه على فساد ذلك عندنا، فإن قال: لا، قيل له: فلم نرك أفسدت ذلك بشئ أكثر من ذكر تقدير لم يثبت، وهو تقديرك أن تكون الولاية إلى غيره ولو ثبتت له لم يبطل ما قصدناه بالكلام من إيجاب كون الإمام معصوما إذا كانت إليه الولاية، وهذا موضع الخلاف لأنا لم نختلف في صفة من لا يولى بل فيمن له أن يولي.

فإن قال: إنما أردت أنها لو كانت علة في العصمة للزمت ووجبت على أصلكم وإذا جاز بما قدرته خروج الإمام عنها بطل أن تكون علته.


الصفحة 323
قيل له: ولم لا يكون علة في العصمة وإن لم تلزم في كل حال لأنها علة في العصمة من جملة علل فقد أردنا أن نزول وتثبت عصمة الإمام لغيرها مما لا يجوز خروجه عنه، ولا يمنع ذلك من تأثير العلة التي ذكرناها في العصمة إذا ثبتت.

وبعد، فإن من اعتل بهذا الوجه لم يعتل لعصمة الإمام على سائر الوجوه، وعلى كل حال يقدر له، ويمكن أن يحصل عليها، بل إنما اعتل لعصمته مع أنه على الصفات المعلوم حصولها له، التي من جملتها كونه ممن يولي، وفي عصمة من هذه حاله خالفهم خصومهم فيجب أن يفسد اعتلالهم على وجهه، ولم نجدك تعرضت لذلك.

فأما ما طعن به من كونه يعزل فالكلام عليه كالكلام فيما طعن به في كونه يولي، لأنه طعن في الأمرين بما ذكره من التقدير وقد مضى بيان فساده.

فأما قوله: " إن كونه يأخذ على يد غيره فغير مسلم " قال: " لأن عندنا أن الإمام يأخذ على يده العلماء والصالحون، وينهونه على غلطه، ويردونه عن باطله، ويذكرونه بما زل عنه " فقد أطلق في الإمام ورعيته ما كنا نعهد أصحابه يتجافونه (1)، ويعتذرون من إطلاقه (2)، ولم يبق بعد ما أطلقه إلا أن يقول: إن طاعتهم عليه مفترضة، وأنهم أئمة له، ودعاة لأمره، وإن كان قد أعطى معنى ذلك فيما تقدم وصرح به، وكل هذا لو سلم من الفساد لم يكن مخلا بالمراد في هذا الموضع، لأن رد العلماء على الإمام، وتنبيههم له على الغلط عند من جوزه إنما يختص حال الخطأ

____________

(1) يتجافونه: يتباعدون عنه.

(2) منه أن يطلقوه، خ ل.


الصفحة 324
الواقع من الإمام، ولا يدلهم عليه، ولا يسوغ لهم من تنبيهه والأخذ على يده ما يسوغ له أن يستعمله معهم، ولذلك لا يلزمه طاعتهم، وتلزمهم طاعته، وهذه الجملة لا خلاف فيها، لأن الإجماع منعقد على أنه لا بد من مزية ثابتة بين الإمام ورعيته في باب الطاعة، والأخذ على اليد وكيف لا يكون بين الإمام والمأموم مزية فيما ذكرناه ونحن نعلم أن المزية لو ارتفعت حتى يجب على كل حال واحد من طاعة الآخر في الشئ بعينه مثل ما يجب للآخر عليه لكان ذلك فاسدا مستحيلا لا يخفى على عاقل بطلانه، وإذا ثبت ما أردناه من المزية للإمام على الرعية في باب الطاعة، والأخذ على اليد استحال أن تكون العلة المحوجة إلى من له تلك المزية حاصلة في الإمام، لأنها لو حصلت فيه كحصولها في رعيته لاحتاج إلى مثله وقد مضى هذا الكلام مستوفى.

فأما قوله: " ثم يقال لهم على طريقة الابتداء: إذا كان الذي يقوم به الإمام هو الذي يقوم به الأمير ولا مزية له، ولم يجب في الأمير أن يكون معصوما، فكذلك في الإمام، لأن العصمة لو وجبت فيه لكان إنما تجب لأمر يقوم به لا شئ يرجع إلى خليقته (1) وأوصافه وتكليفه في نفسه " (2).

فقد بينا أن الذي يقوم به الإمام يفارق لما يقوم به الأمير، وأنه لا بد من مزية بين ما يتولاه الإمام والأمير، وذكرنا أن القول بتساوي ولايتهما يؤدي إلى القدح في الإجماع المنعقد، على أنه لا يصح في زمان واحد كون إمامين على أن لو كان الذي يقومان به ويتوليانه واحدا - كما يريد الخصوم - لم تجب عصمة الأمير قياما على عصمة الإمام، لأن الإمام لو لم يكن معصوما

____________

(1) الخليقة: الطبيعة والجمع خلائق. وفي المغني " خلقته ". فيكون المعني الصورة.

(2) المغني 20 ق 1 / 96.


الصفحة 325
لوجب أن يكون له إمام، وقد علمنا أنه لا إمام له فيجب القطع على عصمته، والأمير إذا لم يكن معصوما واحتاج إلى إمام فله إمام، وهو إمام الجماعة (1) ولم يخرج الأمير على هذا القول من جملة الرعية المؤتمين بالإمام، فلا وجه يقتضي عصمته.

وأما قوله: " ومتى توصلوا بنص الرسول على الإمام إلى العصمة لزمهم فيمن يوليه الإمام، وولاه الرسول في حال حياته أن يكونوا معصومين، ومتى جاز أن يولي الأمراء وهو حي على النواحي ولا عصمة، فما الذي يمنع لو نص على الإمام أن لا يكون معصوما " فرجوع منه إلى التوهم الأول الذي قد بينا أن المذهب بخلافه، لأن من توصل منا بنص الرسول صلى الله عليه وآله على الإمام إلى العصمة لم يذهب إلى أن ذلك النص وإن كان صادرا من جهة الرسول صلى الله عليه وآله، ومسموعا من لفظه، واقع برأيه، وراجع إلى اختياره، بل يقولون: إنه من جهة رب العالمين - جلت عظمته - وأن الرسول صلى الله عليه وآله مؤد له، ومعبر عنه، وليس هذا بمشكل من مذهبهم، وغامض من قولهم، حتى يشتبه مثله على خصومهم، وإذا كانوا بهذا النص توصلوا إلى العصمة لم يكن ما ذكره قادحا، وكيف يجوز أن يظن عليهم إيجاب عصمة الإمام لردها إلى نص الرسول صلى الله عليه وآله الذي صدر من جهته وذلك عندهم حكم جميع الأمراء والخلفاء في حياته؟ وكيف يصح أن يجمعوا بين اعتقاد عصمة الإمام لردها إلى نص الرسول صلى الله عليه وآله على الوجه الذي راعيناه لا لغير ذلك، واعتقاد كون الأمراء مع أنهم منصوص عليهم على هذا الوجه غير معصومين، وهذا سوء ظن بهم شديد.

____________

(1) يريد إمام الجميع وهو المعصوم.


الصفحة 326
قال صاحب الكتاب: " شبهة أخرى لهم، وربما أوجبوا الإمامة لمن هو أفضل في الزمان بأن يقولوا: إنها مستحقة (1) بالفضل لما يقارنها من التعظيم والاجلال (2) بنفاذ الأمر، ولزوم الانقياد، فلا بد من أن يكون إماما إذا كان حاله هذا، ولا يجوز أن يكون كذلك إلا بأمر يتميز به من نص أو معجز ".

قال: " وقد بينا في الكلام في النبوءات [ من هذا الكتاب ] (3) أن الرسالة ليست مستحقة، وأنها تكليف لأمر تعظم (4) فيه المشقة، وأنه يستحق الرفعة لقيامه بذلك، وتوطينه النفس على الصبر عند العوارض، [ وبما يقدم من طاعاته ] (5) ودللنا على ذلك بوجوه كثيرة فيجب أن تكون الإمامة كمثلها، بل هي أولى بذلك فإذا بني هذا الكلام على كونها مستحقة - وذلك لا يصح - فقد بطل قولهم " (6) والذي نذهب إليه أن الإمامة غير مستحقة، وكذلك الرسالة، وأن الذي يذهب إليه طائفة من أصحابنا من أنهما (7) يستحقان استحقاق الثواب والجزاء، باطل لا شبهة في

____________

(1) أي مستحقة بصفات تظهر للناس كعمل وعبادة، وقد نفى المرتضى ذلك - كما ستراه - وخطأ من يقول به لأن الإمامة كالنبوة لا تكون إلا باصطفاء من الله تعالى (الله أعلم حيث يجعل رسالته) وقد اصطفى الله سبحانه عيسى عليه السلام وجعله (نبيا) ساعة ولادته ولم يسبق منه عمل ولا عبادة، واختار يحيى عليه السلام وآتاه (الحكم صبيا) وكذلك الحال في الإمامة.

(2) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".

(3) ما بين الحاصرتين ساقط من " الشافي " وأعدناه من " المغني ". ويعني بالكتاب المغني والجزء الخامس عشر منه في النبوات والمعجزات.

(4) خ " عظيم ".

(5) كذلك.

(6) المغني 20 ق 1 / 97.

(7) أي الرسالة والإمامة.


الصفحة 327
مثله (1).

وفي إفساد كونهما مستحقين طرق كثيرة:

فمما أشار إليه صاحب الكتاب من ذكر المشقة والكلفة (2) أحدها وهو آكدها، ونحن وإن لم نقل في الإمامة أنها مستحقة بأعمال متقدمة على الوجه الذي رغبنا عنه، فإنا لا نوجبها إلا للأفضل لما سنذكر عند الكلام في المفضول، على أن من ذهب فيها إلى الاستحقاق لا يصح أن يستدل على وجوب الإمامة بما حكاه، لأنه قد يجوز أن لا يكون في الزمان من بلغت أعماله القدر (3) الذي تستحق بمثله الإمامة، وليس بواجب أن يكون في كل زمان من تبلغ أعماله إلى هذا الحد، ولا يصح أيضا أن يستدل بطريقة الاستحقاق على العصمة، لأنه قد يجوز أن يستحقها بأعماله، وكثرة ثوابه من لم يكن معصوما، وغير ممتنع أن تزيد طاعات من ليس بمعصوم على طاعات المعصوم فيزيد ما يستحقه بها من الطاعات الثواب على ثواب المعصوم، فلو سلم للقوم أن الإمامة مستحقة بأعمال لم يثبت لهم وجوبها على الحد الذي يذهبون إليه، ولا العصمة أيضا من الوجه الذي أوضحناه، فتشاغل صاحب الكتاب مع هذا بمنازعته لهم في الاستحقاق لا وجه له مع بطلان قولهم من دونه، وإنما يصح أن يستدل بكون الإمامة مستحقة من ذهب (4) إلى ذلك فيها على أن الإمام أفضل أهل زمانه فيكون ذلك وجها يتعلق بمثله، وإن كان الأصل الذي بني عليه فاسدا.

____________

(1) " كمثله ".

(2) لأنه قال: " إن الرسالة ليست مستحقة وإنها تكليف لأمر تعظم فيه المشقة " ص 97.

(3) خ " إلى هذا القدر ".

(4) يذهب خ ل.


الصفحة 328
فأما قوله: " ثم يقال لهم: لا فرق بينكم في قولكم: إنها مستحقة فيطلب لها المعصوم، والأفضل، وبين من قال بمثله في الإمارة، لأنا قد بينا أن الذي يقوم به الإمام هو ما يقوم به الأمير ظاهرا " وقد بينا أنا لا نذهب في الإمامة إلى أنها مستحقة، ولا نجعل كونها مستحقة علة فيما ذكره، وفصلنا فيما تقدم بين الإمام والأمير في معنى الولاية، ثم على تسليم تساويهما في الولاية لا يلزم تساويهما في غيرها بما بينا به أن ما يوجب عصمة أحدهما لا يوجب عصمة الآخر، وتكرار ذلك لا فائدة فيه.

فأما قوله: " وبعد، فإن علتهم توجب أن غير الإمام لا يساويه في العصمة والفضل وإلا كان يجب أن يكون إماما، ولما صح بأن الإمام لا يكون إلا واحدا " فغير لازم للقوم الذاهبين في الإمامة إلى الاستحقاق لأن لهم أن يقولوا: إن الاعتبار في استحقاق الإمامة ليس بالعصمة وحدها فيلزمنا أن نمنع من مساواة غير الإمام له في العصمة، بل الاعتبار بزيادات الفضل، وكثرة الثواب، وليس يجوز أن يساوي الإمام عندهم في الفضل المستحق به الإمامة من ليس بإمام، وهذا نص مذهبهم وصريحه، والعقل يجوز ثبوت عدة أئمة، وإنما السمع منع من ذلك، وعند منع السمع منه قطع القوم على أنه لا يتفق لاثنين من الفضل ما يستحق به الإمامة وإن جاز أن يكون ذلك قد اتفق فيما مضى، ونحن وإن لم نذهب في الإمامة إلى الاستحقاق، وكان مذهبنا فيها موافقا لمذهب صاحب الكتاب فغير منكر أن نبين فساد ما قدر أنه يلزم القائلين بذلك، وليس بلازم في الحقيقة ونميز صحيح ذلك من باطله إذ كان الخلاف في الطريقة إلى نصرة المذهب، وربما لا يكون خلافا في المذهب نفسه.

فأما قوله: " ويلزم القوم في أيام أمير المؤمنين عليه السلام أن يكون حال الحسن والحسين عليهما السلام كحاله في الإمامة، لأنهما معصومان

الصفحة 329
فاضلان وأن لا يمكن أن يقال: إن له عليه السلام مزية في الإمامة وذلك يوجب ثبوت أئمة في الزمان، ويلزمهم أن لا يصيروا الثاني إماما عند تقصي الأول (1)، بل يجب أن يكون إماما معه للعلة التي ذكروها، بل يلزمهم أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام في أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إماما (2) فمما لا يلزم أيضا لأن الإمامة ليس تستحق عندهم بالعصمة حسب ما ذكرناه من قبل، ولا بها وبضرب من الفضل المخصوص، بل إنما تستحق على مذهبهم بقدر من الفضل مخصوص، ومن انتهى إليه كان إماما، وعندهم أن أمير المؤمنين عليه السلام لم ينته في أيام الرسول صلى الله عليه وآله إلى ذلك القدر من الفضل، وإنما انتهى إليه في الحال التي وجبت له فيها الإمامة، وهي بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بلا فاصل، وكذلك القول في الحسن والحسين عليهما السلام في أيام أمير المؤمنين عليه السلام، وهذه أيضا حال كل إمام تثبت له الإمامة بعد من كان قبله من الأئمة في أنه لا يجب أن يكون إماما في حال من كان إماما قبله، لأنه لا يحصل له من الفضل في تلك الأحوال القدر الذي يستحق به الإمامة وسقوط هذا عن القوم واضح لا إشكال فيه.


*  *  *
 

انتهى الجزء الأول من كتاب " الشافي في الإمامة " بحسب تجزئة هذه الطبعة ويليه الجزء الثاني وأوله: " فصل، في الكلام على ما اعتمده - أي قاضي القضاة في المغني - في دفع وجوب النص من جهة العقل " والحمد لله رب العالمين.

____________

(1) في الأصل " عند تقضى الأولى " ويصح إذا أريد بذلك الإمامة وفي المغني " عند نقص الأول " والتحريف فيها ظاهر.

(2) المغني 20 ق 1 / 98.