الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى
والوكلاء فيجرون عندنا مجرى الأمراء والحكام في أنهم يجب أن يكونوا عالمين بما فوض إليهم ومضطلعين به وأي عاقل يخفى عليه أن أحدنا متى أراد أن يوكل وكيلا يسند إليه تدبير ضيعته وأمواله فإنه لا يختار إلا من يثق منه بالكفاية وحسن البصيرة والاضطلاع، فإنه متى استكفى أمر وكالته من لا معرفة عنده بها أو بأكثرها، ومن يحتاج إلى أن يتعرفها ويتعلمها كان سفيها مهملا لأمواله معرضا لها للضياع والتلف، فأما العامي ورجوعه إلى العالم في الفتوى فإنما ساغ من حيث لم يكن العامي متوليا للحكم فيما استفتى فيه ولا له رئاسة وإمامة في شئ منه، وليس هذه حالة الإمام لأنه المنصوب للحكم في جميع الدين، فلا بد من أن يكون عالما به، وهذا أيضا مما قد مضى على أنا لم نمنع في الإمام من الرجوع إلى العلماء في الأحكام لأجل جواز الغلط عليهم، وإنما منعناه لما تقدم ذكرنا له، فلا معنى للاعتراض علينا بأن العامي يرجع إلى العالم في الفتوى مع جواز الغلط عليه.
قال صاحب الكتاب: " فإن قالوا: إذا نصب للقيام بهذه الأمور كلها فيجب في الحكيم (1) أن ينصبه على أقوى الوجوه وأقربها إلى أن لا يغلط ويقوم بذلك على حقه، وذلك لا يكون إلا مع العلم بالأحكام كلها.
قيل لهم: فلا يكون ذلك إلا مع العلم ببواطن الأحكام، وبأحوال من يحكم له وعليه وبأحوال الشهود... " (2).
____________
(1) قال المعلق على " المغني " لعلها " العقل " مع أن الأمر واضح لا يحتاج إلى التعليل، فإن القاضي يحكي عن الإمامية: أن الحكيم وهو الله سبحانه وتعالى ينصب الإمام على أقوى الوجوه الخ، وكم لهذا المعلق من أمثالها، سنتعرض لبعضها إذا اقتضى المقام.
(2) المغني 20 ق 1 / 108.
|
قال صاحب الكتاب: " شبهة أخرى لهم، وربما قالوا: من حق الإمام أن يكون أفضل من في الزمان وذلك لا يستدرك إلا بالنص عليه (1) لأنه لا يعلم أنه أفضل إلا بأن يعلم سلامة طاعته (2) وثوابها وأنه أكثر (3) ثوابا من غيره ولا مدخل للاجتهاد في ذلك، فيجب أن يكون الإمام منصوصا عليه من جهة العقل، فإن أوجبوه سمعا فللكلام عليهم موضع سوى هذا الفصل، فإن قالوا: إنه من جهة العقل، قيل لهم فأي دليل في العقل يقتضي ما ذكرتموه.... " (4).
يقال له: الذي يدل على أن الإمام يجب أن يكون أفضل من رعيته في الثواب والعلوم وسائر ضروب الفضل المتعلقة بالدين، الداخلة تحت ما كان رئيسا فيه ما نعلمه وكل العقلاء من قبح جعل المفضول في شئ بعينه إماما ورئيسا للفاضل فيه ألا ترى أنه لا يحسن منا أن نعقد لمن كان لا يحسن من الكتابة إلا ما يحسنه المبتدئ المتعلم رياسة في الكتابة على من
____________
(1) " عليه " ساقطة من " المغني ".
(2) غ " طاعاته ".
(3) غ " أكبر ".
(4) المغني 20 ق 1 / 109 وفيه " بأي دليل في العقل يقتضي ما أوجبوه عقلا؟ ".
|
____________
(1) ابن مقلة هو محمد بن علي بن الحسين بن مقلة ولد ببغداد سنة (272) وكان من الشعراء الأدباء واشتهر بحسن الخط حتى ضرب به المثل وهو أول من نقل هذه الطريقة من خط الكوفيين إلى الخط المألوف اليوم ولي جباية الخراج في بعض أعمال فارس ثم استوزره المقتدر والقاهر والراضي، وتخلل ذلك عزل ونفي واختفاء وسجن، وكان إذا عاد إلى الوزارة يقول للناس: عودوا فقد عادت الدنيا إلينا، وأخيرا اتهمه الراضي بممالاة الخوارج فقطع يده اليمنى ثم بانت براءته فعاد إلى الوزارة فكان يشد القلم على ساعده فيكتب بها وأخيرا غضب عليه فقطع لسانه بعد أن سجنه فمات سنة 328،.
(2) هو النعمان بن ثابت إمام المذهب المشهور توفي سنة 150 وذكره له هنا من باب الالزام.
(3) في الأصل " فيه ".
|
قيل له: إذا وجب بما ذكرناه أن يكون الإمام أفضل من رعيته في العبادات التي كان إماما لهم فيها، وأن يكون ظاهرة أفضل من ظاهرهم وجب أن يكون أكثرهم ثوابا لأنه لا يخرج عن أن يكون أكثرهم ثوابا مع فضل طاعاته وعباداته وكثرتها إلا لأن باطنه يخالف ظاهره، والدلالة على عصمته تمنع من ذلك، فإذا وجب بدليل عصمته أن يكون ظاهره كباطنه، وكان أفضل ظاهرا في العبادات من رعيته وجب أن يكون أكثرهم ثوابا.
فإن قال: إذا كنتم ترجعون في العلم بأن الإمام أكثر ثوابا من رعيته إلى عصمته وكان هذا العلم الذي هو علم بأنه أكثر ثوابا لا يثبت إلا بعد ثبوت العصمة والعصمة إن ثبتت دلت بنفسها على وجوب النص فأي حاجة بكم إلى الاستدلال بكون الإمام أكثر ثوابا على وجوب النص، وذلك لا يعلم إلا بعد العلم بما يقتضي وجوب النص وهو العصمة؟ وهذا يوجب أن الطريقة الصحيحة هي طريقة العصمة، وأن طريقة الفضل وكثرة الثواب لا فائدة فيها.
قيل له: هذه الطريقة وإن كانت مبنية على دليل العصمة، فقد يمكن أن يعلم بها المستدل في الأصل وجوب النص لأنه إذا علم أن الإمام
|
|
قيل له: الذي يجب فيمن ذكرت من الأمراء والحكام أن يكونوا أفضل من رعيتهم فيما كانوا رؤساء فيه، وما كانوا رؤساء فيه من جملة الدين فلا بد أن يكونوا أفضل ظاهرا من رعيتهم فيه، وكثرة الثواب ليس يدل على (1) الفضل في الظاهر، وإذا كانت عصمتهم غير واجبة بما تقدم في كلامنا لم يجب أن يكونوا أكثر ثوابا لأن ذلك إنما وجب في الأئمة من حيث علم أن بواطنهم كظواهرهم، والاستناد إلى العصمة التي لا تجب في الأمراء.
فإن قال: فكيف السبيل للإمام الذي يختار الأمراء والحكام إلي أن يعلم أنهم أفضل من رعاياهم في ظاهر العبادات، وفي العلم بسائر ما كانوا رؤساء فيه، فإنه متى لم يثبتوا أن للأئمة إلى العلم بذلك سبيلا يتوصل إليه بالاختيار وجب النص فيهم كوجوبه في الأئمة.
قيل: لا شبهة في أن الأفضل في الظاهر فيما يتعلق بالعبادات يمكن العلم به من غير نص وارد من جهة الله تعالى على عينه لأنا نعلم من أحدنا أنه أفضل أهل بلده (2) عبادة وأحسنهم ظاهرا وأظهرهم زهدا حتى أنا
____________
(1) في الأصل " عليه ".
(2) زمانه، خ ل.
|
فأما الأفضل في العلوم وما يجري مجراها فجار مجرى ما ذكرناه في أنه معلوم أيضا بالاستنباط والاختيار لأنا نعلم حال من هو أفضل أهل بلدنا في العلم بالفقه والنحو واللغة، وما جرى مجرى ما ذكرناه من العلوم، وربما اتضح ذلك حتى لا يشكل على أحد، وربما التبس، وفي الجملة فحال المتقدمين في ضروب الفضل والعلوم معروفة عند من خالطهم وجاورهم وتميزهم ممن لا يدانيهم في فضلهم وعلومهم ظاهر، وربما عرفنا أيضا من طريق الخبر حال الأفضل في فن من العلم وإن نأى بلده عن بلدنا حتى لا نشك في فضله وتميزه من غيره، وتقدمه لأهل بلده، وإذا كان طريق المعرفة بذوي الفضل على هذا الحد من الوضوح فأي حاجة بالإمام في اختيار الأمراء والحكام إلى نص من قبل الله تعالى وهو المعصوم الموفق في كل ما يأتي ويذر؟
فإن قال: إذا أوجبتم الإمامة لمن كان أفضل في الشئ الذي كان إماما فيه من رعيته وضربتم لإبطال ما خالف ذلك الأمثال التي تقدمت فهذا دخول في مذهب من قال في الإمامة بالاستحقاق الذي أنكرتموه.
قيل له: أما الإمامة إذا أريد بها التكليف وإلزام الإمام القيام بالأمور التي يقوم بها الأئمة فليست مستحقة لأن المشاق والكلف (1) لا يجوز أن تكون ثوابا ولا جارية مجرى الثواب، والقول في الإمامة على هذا الوجه كالقول في الرسالة وأنها غير مستحقة وإن أشير بالإمامة إلى الحال
____________
(1) الكلف جمع كلفة: وهو ما يتكلفه الانسان من نائبة.
|
ولعلنا أن نفرد للكلام في أن الإمام يجب أن يكون أكثر ثوابا من رعيته موضعا نستوفيه أن شاء الله تعالى، فلنا في تلخيص الدلالة على هذا الموضع نظر، ويمكن أن يعتمد في الاستدلال على أن الإمام أكثر ثوابا من رعيته على أن يقال: قد ثبت أن الإمام حجة في الشرع بالأدلة المتقدمة، ومن كان حجة فيما يجب قبوله منه، والانتهاء إلى أمره فيه، فالواجب أن يجتنب كل ما يكون معه المكلفون من القبول منه انفر، ويكون على الأحوال التي يكونون عندها إليه أسكن.
وقد علمنا أن المكلفين لا يكونون إذا جوزوا في إمامهم أن يكون كل واحد منهم أكثر ثوابا عند الله منه، وأعلى رتبة وأرفع منزلة فيما يرجع إلى السكون والنفور على ما يكونون عليه إذا لم يجوزوا ذلك، وقطعوا على أنه أكثرهم ثوابا وأولاهم بكل تعظيم وتبجيل، وليس نعني بالتنفر ها هنا
|
____________
(1) قطوب - كجلوس - يقال: قطب بين عينيه أي جمع بينهما فهو قاطب وقطوب أي عابس، وهي من باب ضرب وجلس.
|
ولو قيل لنا مع هذه الجملة التي أوضحناها: ما الدليل على أن من شروط الإمامة وصفات الإمام العقلية التي يدل العقل على أن الإمام لا ينفك منها كونه أفضل بمعنى أنه أكثر ثوابا؟ لم نعتمد هذه الطريقة.
قال صاحب الكتاب: " فإن قالوا: لأنه يحل محل الرسول فإذا وجب فيه أن يكون هو الأفضل، وكذلك القول في الإمام. قيل لهم، ومن أين ذلك واجب في الرسول عقلا فتقيسوا (1) عليه الإمام؟ ومن قولنا إن الرسول يجوز أن يكون مفضولا أو أن يكون مساويا لغيره في الفضل وإنما يرجع إلى السمع في أنه يكون أفضل بعد أن يصير رسولا، ولولا السمع كنا نجوز أن لا يكون هو الأفضل وأن يكون في أمته من يساويه في ذلك فيجب أن يكون هذا حال الإمام من جهة العقل أيضا... " (2).
يقال له: قد ذكرنا الطريقة المعتمدة في كون الإمام أفضل من رعيته وهي متناولة للرسول أيضا، ودالة على وجوب كونه أفضل من أمته في جميع ما كان إماما لهم فيه، ولا حاجة بنا إلى حمل الإمام على الرسول مع كون الدلالة على وجوب الفضل يجمعهما وإن كنت قد ارتكبت في كلامك هذا ما كان يحيد عنه سلفك، ويمتنعون من إطلاقه، لأنهم كانوا إذا
____________
(1) غ " لتقيسوا ".
(2) المغني 20 ق 1 / 109.
|
قال صاحب الكتاب: " وبعد فلو ثبت في الرسول ما قالوه لم يجب في الإمام لأن الذي أوجب (1) ذلك فيه كونه (هو) (2) حجة فيما يؤديه فلا بد من أن يكون منزلته في الفضل عالية حتى لا يقع النفور عن القبول (3) عنه * ويقع السكون إلى ذلك وليس كذلك حال الإمام فلماذا سويتم بينه وبين الرسول، بل ما أنكرتم أن يكون بالأمير أشبه لأنه إنما يقوم بالأحكام التي يقوم بها الأمير والعامل والحاكم * (4)... " (5).
يقال له: بأمثال هذا الفرق الذي ذكرته كان يفرق شيوخك بين الإمام والرسول، وقد بينا كون الإمام حجة فيما يؤديه من الشرائع وأنه إذا كان مؤديا لها وجب أن يكون أفضل من رعيته ليقع السكون إلى قبول قوله، ويرتفع النفور وأن حاله في باب الأداء مفارقة لحال جميع خلفائه وإن كانت علتك في الرسول صحيحة ففي الإمام مثلها، هذا إذا عملنا
____________
(1) " ذلك " ساقطة من المغني.
(2) التكملة من المغني.
(3) غ " منه ".
(4) ما بين النجمتين ساقط من " المغني " وكم في المغني من سقط لو رجع محققوه إلى " الشافي " لتلافوه.
(5) المغني 20 ق 1 / 110.
|
قال صاحب الكتاب: " فإن قالوا: إذا لم يجز عندكم على الأمة المعصية والخطأ فيما اتفقت عليه لأنها تؤدي عن الرسول وتقوم بحفظ الشرع فالإمام بذلك أولى لأنه يقوم بما كان يقوم به هو عليه السلام. قيل لهم: إنا لم نعلم صحة الإجماع عقلا فيكون لك بذلك التعلق، بل لا يمتنع من جهة العقل أن يتفقوا على خطأ، وإنما رجعنا في ذلك إلى السمع فقل بمثله في الإمام... " (1).
يقال له: من طريف الأمور وبديعها تجويزك على الأمة مع أنها مؤدية للشرع وحافظة له الاتفاق على الخطأ، واعتذارك بأن ذلك يجوز عليها عقلا لا سمعا وكيف يمكن أن تكون الأمة مؤدية عن الرسول، وحافظة لشرعه وهي بهذه الصفة. التي أجزتها عليها؟ أم كيف يجوز أن يكل الله تعالى إليها أداء الشرع مع جواز تضييعه وإهماله منها؟ وأي فرق بين ما أجزته وبين أن يكل الله تعالى في الأصل الأداء عنه جل اسمه إلى من يجوز عليه ما جاز على الأمة؟ وأي علة يمكن أن تذكر في عصمة النبي لأجل كونه مؤديا للشرع إلينا لا يمكن أن تنقل إلى الأمة إذا كانت مؤدية للشرع؟ وهل مستقبل هذا الأمر إلا كمستدبره؟ وليس يخفى ما في هذا الكلام من الفساد ولا يجري الحوالة في الأمان من خطأ الأمة مع كونها مؤدية للشرع على السمع مجرى الحوالة المتقدمة على السمع في كون الرسول عليه السلام أفضل من أمته، لأن الأول مما يجوز أن يخفى ما يلزم
____________
(1) كذلك.
|
قال صاحب الكتاب: " * قد ثبت من جهة السمع أنه عليه السلام قد ولى عمرو بن العاص وخالد بن الوليد (2) على أبي بكر وعمر وغيرهما من الفضلاء فما الذي يمنع مثله في الإمام *.. (3).
يقال له: قد تقدم في كلامنا أن ولاية المفضول على الفاضل في غير ما كان الفاضل فاضلا فيه لا يمتنع، ولو ثبت أن أبا بكر وعمر كانا أفضل من عمرو بن العاص وخالد بن الوليد في حال ولايتهما عليهما في الدين وكثرة الثواب لم يمنع ذلك من أن يوليا عليهما في إمرة الحرب وسياسة الجيش، فليس بمنكر أن يكون عمرو وخالد أفضل منهما فيما ذكرناه، بل
____________
(1) في الأصل " الإمام " والتصحيح من المخطوطة.
(2) أنظر سيرة ابن هشام 4 / 200 - 201 وشرح نهج البلاغة 6 / 320.
(3) ما بين النجمتين ساقط من المغني.
|
وقد أجاب بعض أصحابنا عن هذا الكلام بأن قال: ليس ينكر أن يكون عمرو وخالد في تلك الحال التي وليا فيها على أبي بكر وعمر أفضل منهما فيما يرجع إلى الدين، وليس يمنع من هذا جواب صحيح، وإن كان الأول أقوى في النفس وأبعد من الشغب.
قال صاحب الكتاب: " شبهة أخرى لهم (1) وربما سلكوا قريبا من هذه الطريقة فيقولون: لا يجوز في العقل أن يجعل الإمام ممن يجوز أن يكون كافرا منافقا جاهلا بالله تعالى ملحدا زنديقا إلى غير ذلك ومتى جوزتم أن يكون اختياره إلى الأمة وهم لا يعلمون باطنه أدى إلى ما ذكرناه فلا بد في إثباته من نص من قبل من يعرف الباطن " قال: " وهذا كالأول في أنه غير واجب من جهة العقل كما لا يجب مثلة في الأمراء والعمال والحكام، وإنما نقول في الرسول أنه مأمون الباطن لكونه حجة فيما يؤديه عن الله تعالى على ما بيناه في باب النبوات... " (2).
يقال له: هذا الاستدلال الذي حكيته عنا هو الاستدلال بالعصمة بعينه، وإنما غيرت الآن العبارة والمعنى واحد لأن الذي يؤمن من كون الإمام في باطنه على الصفات التي ذكرتها هو العصمة، فمتى ثبت فلا بد من أن يكون مأمونا منه جميع ما ذكرته، وإنما تجوز هذه الأمور عليه مع
____________
(1) هذه الشبهة ساقطة من المغني أيضا.
(2) باب النبوات في الجزء الخامس عشر من المغني حيث يشتمل هذا الجزء على النبؤات والمعجزات.
|
فأما اعتصامك في سلامة باطن الرسول صلى الله عليه وآله بكونه حجة فيما يؤديه فغير نافع، ولا واقع موقعه، لأنه لا يمتنع أن تثبت سلامة باطن الرسول بكونه حجة فيما يؤديه وتثبت سلامة باطن الإمام بغير هذه العلة، وإنما يصح كلامك لو ثبت مع أن العلة في سلامة باطن الرسول ما ذكرته أن لا علة تقتضي سلامة باطن أحد غيرها، ولم تورد كلامك مورد الانفصال، أو على سبيل الفرق بين الرسول والإمام لأنك لم تلزم ها هنا حمل الإمام على الرسول بل أوردته على سبيل الطعن في قول من ادعى أن الإمام لا بد أن يكون سليم الباطن، وليس بطعن في هذا المذهب ذكرك علة عصمة الرسول لأنه ليس بمنكر أن تكون علتك صحيحة، ومذهب من اعتقد أن الإمام لا بد من أن يكون سليم الباطن صحيحا لعلة أخرى.
قال صاحب الكتاب: " وبعد، فلو وجب أن يقطع على ذلك لكان إنما يجب لأمر يرجع إلى الأمور التي يقوم بها لكي لا يخطئ فيها ولا يغلط، وقد بينا أن ذلك غير واجب وأنه إن أخطأ في ذلك لم يوجب فسادا ولأن ذلك لو وجب وجب مثله في الأمير وقد بينا أنه لا يمكنهم التعلق بأنه أوسع عملا بأن يكون الإمام مقهورا مغلوبا دونه... " (1).
يقال له: ليس الأمر كما توهمت من أن سلامة باطن الإمام لو
____________
(1) هذا الايراد ساقط من المغني.
|
فأما الفرق بين الأمير والإمام بسعة العمل فمما لا نعتمده ولا نرتضيه، على أنك قد ظننت في سعة العمل خلاف المراد بهذه اللفظة لأن المراد بالعمل وسعته وضيقه الأماكن التي لصاحب العمل أن يتصرف فيها أو يدبر أهلها، وليس بمنكر أن يحول بين صاحب العمل وعمله حوائل تقطعه عن التصرف، ولا يخرج بذلك العمل من أن يكون عملا له، فالإمام وإن جاز أن يحول بعض الظالمين بينه وبين كثير من أعماله ويقطعوه عن تدبير أهلها وسياستهم، فليس يخرج فعلهم تلك الأعمال من أن تكون أعمالا له من حيث كان له التصرف فيها وتدبير أهلها.
قال صاحب الكتاب: " فإن قالوا: إن جوزنا عليه الغلط لم يصح أن تلزم طاعته والتأسي به، لأن طاعة العاصي تكون خطأ، وكذلك التأسي بالعاصي.
قيل لهم: أوليس كان عليه السلام إذا أمر أميرا يوجب طاعته والتأسي به أفيجب من ذلك القطع على باطنه؟ وادعاء كونه فاضلا لا يجوز أن يغير ويبدل فلا بد من القول بأن ذلك غير واجب فيلزمهم مثله في الإمام وقد بينا أن طاعته فيما يعلم قبحه لا تجب وأنه بمنزلة الإمام في الصلاة وقد بينا أن وجوب التأسي به لا يمتنع وإن كان عاصيا (1)... ".
يقال له: قد مضى الفرق بين الإمام وخلفائه من الأمراء والعمال والحكام في معنى الاقتداء والتأسي وبينا أن الذي يجب للأئمة من الاقتداء
____________
(1) وهذا الايراد ساقط من المغني أيضا.
|
____________
(1) البيعة - بكسر الباء الموحدة وسكون المثناة التحتية وفتح العين المهملة -: