الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

قيل له: إنما يحكم في اللفظ بأنه مستعمل في اللغة على وجه الحقيقة بأن يظهر استعماله فيها من غير أن يثبت ما يقتضي كونه مجازا من توقيف من أهل اللغة أو ما يجري مجرى التوقيف، فأصل الاستعمال يقتضي الحقيقة وإنما يحكم في بعض الألفاظ المستعملة بالمجاز لأمر يوجب علينا الانتقال عن الأصل.

وأما الذي يدل على أن المراد بلفظة مولى في خبر الغدير الأولى، فهو أن من عادة أهل اللسان في خطابهم إذا أوردوا جملة مصرحة وعطفوا عليها بكلام محتمل لما تقدم التصريح به ولغيره لم يجز أن يريدوا بالمحتمل إلا المعنى الأول، يبين صحة ما ذكرناه أن أحدهم إذا قال مقبلا على جماعة ومفهما لهم وله عدة عبيد: ألستم عارفين بعبدي فلان؟ ثم قال عاطفا على كلامه: فاشهدوا أن عبدي حر لوجه الله تعالى، لم يجز أن يريد بقوله: عبدي بعد أن قدم ما قدمه إلا العبد الذي سماه في أول كلامه دون غيره من سائر عبيده، ومتى أراد سواه كان عندهم ملغزا خارجا عن طريقة البيان ويجري قوله: فاشهدوا أن عبدي حر، عند جميع أهل اللسان مجرى قوله: فاشهدوا أن عبدي فلانا حر إذا كرر مجرى تسميته وتعيينه، وهذه حال كل لفظ محتمل عطف على لفظ مفسر على الوجه الذي صورناه، فلا حاجة بنا إلى تكثير الأمثلة منه.

فإن قال: وكيف يشبه المثال الذي أوردتموه خبر الغدير وإنما تكررت فيه لفظة عبدي غير موصوفة على سبيل الاختصار بعد أن تقدمت موصوفة وخبر الغدير لم يتكرر فيه لفظة واحدة، وإنما وردت لفظة مولى فادعيتم أنها تقوم مقام أولى المتقدمة.

قيل له: إنك لم تفهم موقع التشبيه بين المثال وخبر الغدير وكيفية

الصفحة 275
الاستشهاد به لأن لفظة عبدي وإن كانت متكررة فيه فإنها لما وردت أولا موصولة بفلان جرت مجرى المفسر المصرح الذي هو ما تضمنته المقدمة في خبر الغدير من لفظ أولى، ثم لما وردت من بعد غير موصولة حصل فيها احتمال واشتباه لم يكن في الأول فصارت كأنها لفظة أخرى تحتمل ما تقدم وتحتمل غيره، وجرت مجرى لفظة مولى من خبر الغدير في احتمالها لما تقدم ولغيره، على أنا لو جعلنا مكان قوله: فاشهدوا أن عبدي حر أشهدوا أن غلامي أو مملوكي حر لزالت الشبهة في مطابقة المثال للخبر، وإن كان لا فرق في الحقيقة بين لفظة عبدي إذا تكررت وبين ما يقوم مقامها من الألفاظ في المعنى الذي قصدناه.

فإن قال: ما تنكرون من أن يكون إنما قبح أن يريد القائل الذي حكيتم قوله بلفظة عبدي الثانية والتي تقوم مقامها من عدا المذكور الأول الذي قررهم بمعرفته من حيث تكون المقدمة إذا أراد ذلك لا معنى لها ولا فائدة فيها، ولأنه أيضا لا تعلق لها بما عطف عليها بالفاء التي تقتضي التعلق بين الكلامين، وليس هذا في خبر الغدير لأنه إذا لم يرد بلفظة مولى أولى وأراد أحد ما يحتمله من الأقسام لم تخرج المقدمة من أن تكون مفيدة ومتعلقة بالكلام الثاني لأنها تفيد التذكير بوجوب الطاعة، وأخذ الاقرار بها ليتأكد لزوم ما يوجبه في الكلام الثاني لهم ويصير معنى الكلام إذا كنت أولى بكم وكانت طاعتي واجبة عليكم فافعلوا كذا وكذا، فإنه من جملة ما آمركم بطاعتي فيه، وهذه عادة الحكماء فيما يلزمونه من يجب عليه طاعتهم فافترق الأمران، وبطل أن يجعل حكمهما واحدا.

قيل له: لو كان الأمر على ما ذكرت لوجب أن يكون متى حصل في المثال الذي أوردناه فائدة لمقدمته وإن قلت وتعلق بين المعطوف والمعطوف

الصفحة 276
عليه أن يحسن ما ذكرناه وحكمناه بقبحه، ووافقنا عليه، ونحن نعلم أن القائل إذا أقبل على جماعة فقال: ألستم تعرفون صديقي زيد الذي كنت ابتعت منه عبدي فلانا الذي من صفته كذا وأشهدناكم على أنفسنا بالمبايعة؟ ثم قال عقيب قوله: فاشهدوا أنني قد وهبت له عبدي أو رددت عليه عبدي لم يجز أن يريد بالكلام الثاني إلا العبد الذي سماه وعينه في صدر الكلام، وإن كان متى لم يرد ذلك يصح إن يحصل فيما قدمه فائدة ولبعض كلامه تعلق ببعض لأنه لا يمتنع أن يريد بما قدمه من ذكر العبد تعريف الصديق، ويكون وجه التعلق بين الكلامين أنكم إذا كنتم قد شهدتم بكذا وعرفتموه، فاشهدوا أيضا بكذا، وهو لو صرح بما قدمناه حتى يقول بعد المقدمة فاشهدوا أنني قد وهبت له أو رددت إليه عبدي فلانا الذي كنت ملكته منه، ويذكر من عبيده غير من تقدم ذكره لحسن وكان وجه حسنه ما ذكرناه فثبت أن الوجه في قبح حمل الكلام الثاني على معنى غير الأول (1) مع احتماله له خلاف ما ادعاه السائل، وأنه الذي ذهبنا إليه.

فأما الدليل على أن لفظة أولى تفيد معنى الإمامة فهو إنا نجد أهل اللغة لا يضعون هذا اللفظ إلا فيمن كان يملك تدبير ما وصف بأنه أولى به (2) وتصريفه وينفذ فيه أمره ونهيه، ألا تراهم يقولون: السلطان أولى بإقامة الحدود من الرعية، وولد الميت أولى بميراثه من كثير من أقاربه، والزوج أولى بامرأته، والمولى أولى بعبده، ومرادهم في جميع ذلك ما ذكرناه ولا خلاف بين المفسرين في أن قوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين

____________

(1) على غير، خ ل.

(2) بتدبيره، خ ل.

الصفحة 277
من أنفسهم) (1) المراد به أنه أولى بتدبيرهم، والقيام بأمورهم، من حيث وجبت طاعته عليهم، ونحن نعلم أنه لا يكون أولى بتدبير الخلق وأمرهم ونهيهم من كل أحد منهم إلا من كان إماما لهم مفترض الطاعة عليهم.

فإن قالوا: اعملوا على أن المراد بلفظة " مولى " في الخبر ما تقدم من معنى ولي من أين لكم أنه أراد كونه أولى بهم في تدبيرهم، وأمرهم ونهيهم، دون أن يكون أراد أنه أولى بأن يوالوه ويحبوه أو يعظموه ويفضلوه، لأنه ليس يكون أولى بذواتهم، بل بحال لهم وأمر يرجع إليهم، فأي فرق في ظاهر اللفظ أو معناه بين أن يريد بما يرجع إليهم تدبيرهم وتصريفهم وبين أن يريد أحد ما ذكرناه؟

قيل له: سؤالك يبطل من وجهين، أحدهما إن الظاهر من قول القائل: فلان أولى بفلان، أنه أولى بتدبيره، وأحق بأن يأمره وينهاه، فإذا انضاف في ذلك القول بأنه أولى به من نفسه زالت الشبهة في أن المراد ما ذكرناه، ألا تراهم يستعملون هذه اللفظة مطلقة في كل موضع حصل فيه تحقق بالتدبير، واختصاص بالأمر والنهي كاستعمالهم لها في السلطان ورعيته، والوالد وولده، والسيد وعبده؟ وإن جاز أن يستعملوها مقيدة في غير هذا المعنى إذا قالوا: فلان أولى بمحبة فلان أو بنصرته أو بكذا وكذا منه إلا أن مع الإطلاق لا يعقل عنهم إلا المعنى الأول ولذلك نجدهم يمتنعون من أن يقولوا في المؤمنين أن بعضهم أولى ببعض من أنفسهم، ويريدون فيما يرجع إلى المحبة والنصرة وما أشبههما ولا يمتنعون من القول بأن النبي صلى الله عليه وآله أو الإمام أو من اعتقدوا أن له فرض طاعته عليهم أولى بهم من أنفسهم، ويريدون أنه أحق بتدبيرهم

____________

(1) الأحزاب 6.

الصفحة 278
وأمرهم ونهيهم، والوجه الآخر أنه إذا ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله أراد بما قدمه من كونه أولى بالخلق من نفوسهم أنه أولى بتدبيرهم وتصريفهم من حيث وجبت طاعته عليهم بلا خلاف وجب أن يكون ما أوجبه لأمير المؤمنين عليه السلام في الكلام الثاني جاريا ذلك المجرى لأنه صلى الله عليه وآله بتقديم ما قدمه يستغني عن أن يقول: فمن كنت أولى به في كذا وكذا فعلي أولى به فيه، كما أنه بتقديم ما قدمه استغنى عن أن يصرح بلفظة أولى إذ أقام مقامها لفظة مولى والذي يشهد بصحة ما قلناه إن القائل من أهل اللسان إذا قال: فلان وفلان - وذكر جماعة - شركائي في المتاع الذي من صفته كذا، ثم قال عاطفا على كلامه: فمن كنت شريكه فعبد الله شريكه، اقتضى ظاهر لفظه أن عبد الله شريكه في المتاع الذي قدم ذكره، وأخبر أن الجماعة شركاؤه فيه، ومتى أراد أن عبد الله شريكه في غير الأمر الأول كان سفيها عابثا ملغزا.

فإن قال (1): إذا سلم لكم إنه عليه السلام أولى بهم بمعنى التدبير ووجوب الطاعة من أين لكم عموم وجوب فرض طاعته في جميع الأمور التي تقوم بها الأئمة؟ ولعله أراد أنه أولى بأن يطيعوه في بعض الأشياء دون بعض.

قيل له: الوجه الثاني الذي ذكرناه في جواب سؤالك المتقدم يسقط هذا السؤال ومما يبطله أيضا أنه إن أثبت له عليه السلام فرض طاعته على جميع الخلق في بعض الأمور دون بعض وجبت إمامته، وعموم فرض طاعته، لأنه معلوم أن من وجبت على جميع الناس طاعته، وامتثال تدبيره، لا يكون إلا الإمام، ولأن الأمة مجمعة على أن من هذه صفته هو

____________

(1) فإن قيل، خ ل.

الصفحة 279
الإمام، ولأن كل من أوجب لأمير المؤمنين من خبر الغدير فرض الطاعة على الخلق أوجبها عامة في الأمور كلها على الوجه الذي يجب للأئمة ولم يخص شيئا دون شئ، وبمثل هذه الوجوه نجيب من سأل فقال:

كيف علمتم عموم القول لجميع الخلق مضافا إلى عموم إيجاب الطاعة لسائر الأمور ولستم ممن يثبت للعموم صيغة في اللغة فتتعلقون بلفظة " من " وعمومها؟ وما الذي يمنع على أصولكم من أن يكون أوجب طاعته على واحد من الناس أو جماعة من الأمة قليلة العدد؟ لأنه لا خلاف في عموم تقرير النبي صلى الله عليه وآله للأمة وعموم قوله صلى الله عليه وآله بعد: (فمن كنت مولاه) وإن لم يكن للعموم صيغة، وقد بينا أن الذي أوجبه ثانيا يجب مطابقته لما قدمه في وجهه وعمومه في الأمور فكذلك يجب عمومه في المخاطبين بمثل تلك الطريقة، ولأن كل من أوجب من الخبر فرض الطاعة وما يرجع إلى معنى الإمامة ذهب إلى عمومه لجميع المكلفين، كما ذهب إلى عمومه في الأفعال.

طريقة أخرى في الاستدلال بخبر الغدير، وقد يستدل على إيجاب الإمامة من الخبر بأن يقال: قد علمنا أن النبي صلى الله عليه وآله أوجب لأمير المؤمنين عليه السلام أمرا كان واجبا له لا محالة، فيجب أن يعتبر ما يحتمله لفظة " مولى " من الأقسام (1) وما يصح منها كون النبي صلى الله

____________

(1) قال ابن الأثير في النهاية 4 / 228 مادة " ولا " تكرر ذكر المولى في الحديث وهو اسم يقع على جماعة كثيرة فهو: الرب، والمالك، والسيد، والمنعم والمعتق - بكسر التاء -، والناصر والمحب، والتابع، والجار، وابن العم، والحليف، والعقيد (أي المعاقد وهو المعاهد) والصهر، والعبد، والمعتق - بفتح التاء - والمنعم عليه، وكل من ولي أمرا أو قام به فهو مولاه ووليه " قال: " وقد تختلف مصادر هذه الأسماء، فالولاية - بالفتح - في الولاية والنسب والمعتق - بكسر التاء - والولاية - بالكسر - في الإمارة والولاء المعتق، والموالاة من والى القوم.

الصفحة 280
عليه وآله مختصا به، وما لا يصح وما يجوز أن يوجبه لغيره في تلك الحال، وما لا يجوز وما يحتمله لفظ " مولى " ينقسم إلى أقسام منها ما لم يكن صلى الله عليه وآله عليه ومنها ما كان عليه ومعلوم لكل أحد أنه عليه السلام لم يرده، ومنها ما كان عليه ومعلوم بالدليل أنه لم يرده، ومنها ما كان حاصلا له صلى الله عليه وآله ويجب أن يريده لبطلان سائر الأقسام، واستحالة خلو كلامه من معنى وفائدة.

فالقسم الأول: هو المعتق (1) والحليف لأن الحليف هو الذي ينضم إلى قبيلة أو عشيرة فيحالفها على نصرته والدفاع عنه فيكون منتسبا إليها متعززا بها، ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله حليفا لأحد على هذا الوجه.

والقسم الثاني: ينقسم على قسمين أحدهما معلوم أنه لم يرده لبطلانه في نفسه كالمعتق (2) والمالك والجار والصهر والحليف والإمام إذا عد من أقسام مولى، والآخر معلوم أنه لم يرده من حيث لم يكن فيه فائدة وكان ظاهرا شائعا وهو ابن العم.

(القسم) الثالث: الذي يعلم بالدليل أنه لم يرده هو ولاية الدين، والنصرة فيه والمحبة أو ولاء المعتق والدليل على أنه صلى الله عليه وآله لم يرد ذلك إن كل أحد يعلم من دينه صلى الله عليه وآله وجوب تولي المؤمنين ونصرتهم وقد نطق الكتاب به، وليس يحسن أن يجمعهم على الصورة التي حكيت في تلك الحال، ويعلمهم ما هم مضطرون إليه من دينه،! وكذلك هم يعلمون أن ولاء العتق لبني العم قبل الشريعة وبعدها، وقول عمر بن الخطاب في الحال على ما تظاهرت به الرواية لأمير المؤمنين عليه السلام (أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة) (3)

____________

(1) أي بفتح التاء.

(2) بكسر التاء.

(3) قول عمر لعلي: " أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة " رواه جماعة من العلماء والمحدثين منهم الطبري في تفسيره 3 / 428، الرازي في تفسيره 3 / 336 أحمد في المسند 4 / 281 الخطيب في تاريخه 8 / 290، المحب في رياضه 2 / 169 ابن كثير في تاريخه 210 الشهرستاني في الملل والنحل ج 1 ص 163 وفيه (طوبى لك يا علي أصبحت مولى كل مؤمن ومؤمنة) وابن الأثير في النهاية ج 4 / 228 مادة " ولا " نقل أوله، وفي الفتوحات الاسلامية للسيد أحمد زيني دحلان 2 / 306 قال أبو بكر وعمر رضي الله عنهما " أمسيت يا ابن أبي طالب مولى كل مؤمن ومؤمنة ".

الصفحة 281
يبطل أن يكون المراد بالخبر ولاء العتق ولمثل ما ذكرناه في إبطال أن يكون المراد بالخبر ولاء العتق أو إيجاب النصرة في الدين استبعد أن يريد صلى الله عليه وآله قسم ابن العم لأن خلو الكلام من فائدة متى حمل على أحد الأمرين كخلوه منها إذا حمل على الآخر، فلم يبق إلا القسم الرابع الذي كان حاصلا له عليه السلام ويجب أن يريده وهو الأولى بتدبير الأمة وأمرهم ونهيهم، وقد دللنا على أن من كان بهذه الصفة فهو الإمام المفترض الطاعة، ودللنا أيضا فيما تقدم على أن من جملة أقسام مولى الأولى، فليس لأحد أن يعترض بذلك، وليس له أيضا أن يقول: قد ادعيتم في صدر الاستدلال إن النبي صلى الله عليه وآله أوجب أمرا كان له، وليس يجب ما ادعيتموه، بل لا يمتنع أن يريد بقوله: (فمن كنت مولاه) ما يرجع إلى وجوب الطاعة، ويريد بقوله (فعلي مولاه) أمرا آخر لم يكن عليه، ولا يتعلق بما تقدم، لأنا لا نفتقر في هذه الطريقة إلى أن نثبت أن النبي صلى الله عليه وآله أوجب ما كان حاصلا له، لأنه صلى الله عليه وآله لا بد أن يوجب بلفظة (مولى) على كل حال أحد ما يحتمله في اللغة من الأقسام، وقد علمنا بطلان إيجابه لما عدا الإمامة من سائر الأقسام بما تقدم ذكره، فوجب أن يكون المراد هو الإمامة وإلا فلا فائدة في الكلام، وليس له أن يقول: إن المراد هو إثبات الموالاة ظاهرا وباطنا لأن إبطال هذا الوجه يأتي عند الكلام على صاحب الكتاب مستقصى.


الصفحة 282
طريقة أخرى: ويمكن أن يستدل من ذهب إلى أن اللفظ المحتمل لأمور كثيرة إذا أطلق يجب حمله على سائر محتملاته إلا ما منع منه الدليل على إيجاب الإمامة من الخبر بهذه الطريقة بعد أن يبين أن من أقسام مولى أولى، وإن أولى يفيد معنى الإمامة، وقد ذكرنا فيما تقدم فساد الاستدلال بطريقة الاحتمال، وأن الأصل الذي هي مبنية عليه لا يثبت صحته، وإذا قد فرغنا مما أردنا تقديمه إمام مناقضته فنحن نرجع إلى كلامه.

فنقول: أما الدلالة الأولى فقد رتبناها وشرحناها وهي على خلاف ما حكاه لأنا لا نقول: إن المراد بلفظة (مولى) لو لم يطابق المقدمة لم تكن للمقدمة فائدة، بل الدلالة على وجوب مطابقتها للمقدمة قد بيناها في كلامنا.

فأما الدلالة الثانية التي حكاها فليست دلالة تقوم بنفسها لأنه لو قيل للمستدل بها: لم زعمت أنه لا بد أن يبين في تلك الحال أمرا عظيما، ثم لم زعمت أنه ليس في أقسام مولى أمر عظيم يستحق أن يبين؟ وأن سائر ما يذكر لا يصح أن يراد لم يكن بد من الرجوع إلى طريقة التقسيم التي ذكرناها فأما الدلالة الثالثة وهي دلالة التقسيم، وقد مضت مرتبة وأما الدلالة الرابعة فتجري مجرى الثالثة في أنها متى لم يستند إلى دلالة كانت دعوى لأن أصحابنا إنما يقولون: لو لم يرد النبي صلى الله عليه وآله ما ذهبنا إليه لوجب أن يكون ملبسا محيرا إذا تبين وجه دلالة القول على الإمامة فلا بد إذا من بيان إيجاب القول للإمامة بالطريقة المتقدمة ليستقيم أن يقول إنه صلى الله عليه وآله لكان محيرا.

وأما المعرفة بقصده عليه السلام ضرورة فليس مما يعتمده أصحابنا في هذا الخبر وأمثاله ولا يمتنع عندنا أن يكون المراد معلوما بضرب من الاستدلال ولا يقولون أيضا: لو لم نعرف القصد من الكلام باضطرار لم

الصفحة 283
يكن بيانا بل يقولون: لو لم يرد الإمامة مع إيجاب خطابه لها لكان ملغزا عادلا عن طريق البيان بل عن طريق الحكمة.

قال صاحب الكتاب: " واعلم أن المراد بالخبر - على ما ذهب إليه شيخانا (1) الإبانة عن فضل مقطوع به لا يتغير على الأوقات، لأن وجوب الموالاة على القطع يدل على أن من وجب ذلك له باطنه كظاهره وإذا أوجب النبي صلى الله عليه وآله موالاته عليه السلام ولم يقيده بوقت، فيجب أن يكون هذه حاله (2) * في سائر الأوقات، ولو لم يكن هذا هو المراد لوجب أن لا يلزم سائر من غاب عن الموضع موالاته، ولما وجب بعد ذلك الوقت عليهم موالاته، وبطلان ذلك يبين أنه يقتضي الفضل الذي لا يتغير، وهذه منزلة عظيمة تفوق منزلة الإمامة، ويختص هو بها دون غيره، لأنه صلى الله عليه وآله لم يبين في غيره هذه الحالة كما بين فيه، ولأن الإمامة إنما تعظم من حيث كانت وصلة إلى هذه الحالة، فلو لم تكن هذه من أشرف الأحوال لم تكن الإمامة شريفة، ودلوا على أن المراد بمولى ما ذكروه بقوله تعالى: (إن الله مولى الذين آمنوا) (3) وأن المراد بذلك موالاة الدين والنصرة فيه، وبقوله عز وجل (فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين) (4) وأن المراد بذلك النصرة في الدين وبينوا أن الموالاة في اللغة وإن كانت مشتركة فقد غلب (5) عرف الشرع في استعمالها

____________

(1) يعني بشيخيه أبا علي الجبائي وأبا هاشم الكعبي، وقد تكرر ذكرهما في الكتاب.

(2) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".

(3) سورة محمد 12.

(4) سورة التحريم 4.

(5) غ " فقد علم ".

الصفحة 284
في هذا الوجه، قال الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) (1).

قالوا: ويدل على أن هذا هو المراد قوله صلى الله عليه وآله: (اللهم وال من والاه) ولو لم يكن المراد بما تقدم ما ذكرناه لم يكن هذا القول لائقا به وقول عمر: (أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة) يدل على أن هذا هو المراد، لأنه ما أراد إلا هذا الوجه... " (2) يقال له: أما الدلالة الأولى التي رتبناها وبينا كيفية الاستدلال بها فهي مسقطة لكلامك في هذا الفصل، ومزيلة للاعتراض به، لأنا قد بينا بما لا يتمكن من دفعه أن المراد بلفظة (مولى) يجب أن يكون موافقا للمقدمة، وأنه لا يسوغ حمله إلا على معناها، ولو صح أن يراد بلفظة (مولى) ما حكيته عن شيخيك، وكان ذلك من بعض أقسامها في اللغة، وليس بصحيح في الحقيقة، لكان حكم هذا المعنى حكم سائر المعاني التي تحتملها اللفظة في وجوب صرف المراد عنها، وحمله على ما تضمنته المقدمة على ما دللنا عليه، فلم يبق إلا أن يبين أنه غير قادح أيضا في دلالة التقسيم، والذي يبينه أنك لا تخلو فيما ادعيته من حمل الكلام على إيجاب الموالاة مع القطع على الباطن من أن تسنده إلى ما يقتضيه لفظة (مولى) ووضعها في اللغة أو في عرف الشريعة أو إلى إطلاق الكلام من غير تقييد بوقت، وتخصيص بحال، أو إلى أن ما أوجبه عليه السلام يجب أن يكون مثل ما وجب له وإذا كان الواجب له هو الموالاة على هذا الوجه وجب مثله فيما أوجبه فإن أردت الأول فهو ظاهر الفساد، لأن من المعلوم أن لفظة

____________

(1) التوبة 71.

(2) المغني 20 ق 1 / 146.

الصفحة 285
(مولى) لا تفيد ذلك ذلك في اللغة ولا في الشريعة، وأنها إنما تفيد في جملة ما يحتمله من الأقسام تولي النصرة والمحبة من غير تعلق بالقطع على الباطن، أو عموم سائر الأوقات، ولو كانت فائدتها ما ادعيته لوجب أن لا يكون في العالم أحد مواليا لغيره على الحقيقة إلا أن يكون ذلك الغير نبيا أو إماما معصوما، وفي علمنا بإجراء هذه اللفظة حقيقة في المؤمن وكل من تولى نصرة غيره، وإن لم يكن قاطعا على باطنه دليل، على أن فائدتها ما ذكرناه دون غيره، وإن أردت الثاني فغير واجب أن يقطع على عموم القول بجميع الأوقات من حيث لم يقيد بوقت، لأنه كما لم يكن في اللفظ تخصيص بوقت بعينه، فكذلك ليس فيه ذكر قد استوعب الأوقات، فادعاء أحد الأمرين لفقد خلافه من اللفظ كادعاء الآخر لمثل هذه العلة، وقد بينا فيما مضى من الكتاب أن حمل الكلام على سائر الأوقات، والحمل على سائر محتملاته لفقد ما يقتضي التخصيص غير صحيح، وقد قال الله تعالى: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) ولم يخصص بعضا دون بعض من الأوقات، كما لا تخصيص في ظاهر خبر الغدير، ولم يقل أحد إنه تعالى أوجب بالآية موالاة المؤمنين على الظاهر دون الباطن، وفي الأحوال التي يظهر منهم فيها الإيمان، وما يقتضي الموالاة، فلا ينكر أن يكون ما أوجب من الموالاة في خبر الغدير جاريا هذا المجرى، وليس لأحد أن يقول: متى حملنا ما أوجب من الموالاة في الخبر على الظاهر دون الباطن لم نجعله مفيدا لأن وجوب هذه الموالاة لجميع المؤمنين معلوم قبل الخبر، فيجب أن يكون المراد ما ذكرناه من الموالاة المخصوصة، وذلك أن الذي ذكره يوجب العدول عن حمله على الموالاة جملة لأنه ليس هو بأن يقترح إضافته إلى الموالاة المطلقة التي يحتملها اللفظ وزيادة فيها ليجعل للخبر فائدة أولى ممن أضاف إلى الموالاة ما نذهب إليه من إيجاب فرض

الصفحة 286
الطاعة، وقال إنه عليه السلام إنما أراد من كان يواليني موالاة من يجب طاعته، والتدبر بتدبيره فيلوال عليا على هذا الوجه، واعتل في تمحله (1) من الزيادة أيضا طلب الفائدة للخبر، وإذا حاول دعوى من ادعى الموالاة المخصوصة غيرها وجب إطراحها، والرجوع إلى ما يقتضيه اللفظ، فإذا علمنا أن حمله على الموالاة المطلقة الحاصلة بين جميع المؤمنين يسقط الفائدة وجب أن يكون المراد ما ذهبنا إليه من كونه أولى بتدبيرهم وأمرهم ونهيهم.

وإن أردت القسم الثالث (2) قلنا لك: لم زعمت أنه عليه السلام إذا كان ممن يجب له الموالاة على الظاهر والباطن وفي كل حال فلا بد أن يكون ما أوجبه في الخبر مماثلا للواجب له؟ أولستم تمنعونا مما هو آكد من استدلالكم هذا إذا أوجبنا حمل لفظة. " مولى " على ما تقتضيه المقدمة وأحلنا أن يعدل بها عن المعنى الأول وتدعون أن الذي أوجبناه غير واجب وأن النبي صلى الله عليه وآله لو صرح بخلافه حتى يقول بعد المقدمة:

فمن وجب عليه موالاتي فليوال عليا، أو فمن كنت أولى به من نفسه فليفعل كذا وكذا، مما لا يرجع إلى المقدمة لحسن وجاز فألا التزمتم مثل ذلك في تأويلكم! لأنا نعلم أنه عليه السلام لو صرح بخلاف ما ذكرتموه حتى يقول فمن ألزمته موالاتي على الباطن والظاهر فليوال عليا في حياتي أو ما دام متمسكا بما هو عليه لجاز وحسن، وإذا كان جائزا حسنا بطل أن يكون الخبر مقتضيا لمماثلة ما أوجبه من الموالاة فيما وجب له منها.

____________

(1) المماحلة: المماكرة والمكايدة.

(2) وهو ولاية الدين والنصرة فيه والمحبة، أو ولاء المعتق - بكسر التاء - وقد علم بالدليل أنه صلى الله عليه وآله لم يرده في حديث الولاية.

الصفحة 287
فإن قيل: كيف يصح أن تجمعوا بين الطعن على ما ادعيناه من إيجاب النبي صلى الله عليه وآله في الخبر من الموالاة مثل ما وجب له، وبين القطع على أن لفظة " مولى " يجب مطابقتها لما قدره الرسول صلى الله عليه وآله لنفسه في المقدمة من وجوب الطاعة وعمومها في سائر الأمور، وجميع الخلق والطريق إلى تصحيح أحد الأمرين طريق إلى تصحيح الآخر؟

قلنا: إنا لم نوجب مطابقة لفظ " مولى " لمعنى المقدمة في الوجوه المذكورة من حيث يجب أن يكون ما أوجبه عليه مطابقا لما أوجبه له على ما ظنه مخالفونا وتعلقوا به في تأويل الخبر على الموالاة باطنا وظاهرا، وإنما أوجبنا ذلك من حيث صرح النبي صلى الله عليه وآله في المقدمة بتقريرهم بما يجب له من فرض الطاعة بلا خلاف، ثم عطف على الكلام بلفظ محتمل له يجري مجرى المثال الذي أوردناه في الشركة وأن من قدم ذكر شركة مخصوصة وعطف عليها محتملا لها كان ظاهر الكلام يفيد المعنى الأول، وجرى ما يأوله مخالفونا مجرى أن يقول القائل من غير تقدم مقدمة تتضمن ذكر شركة مخصوصة: من كنت شريكه ففلان شريكه، فكما أن ظاهر هذا القول لا يفيد إيجابه شركة فلان في كل ما كان شريكا فيه لغيره وعلى وجهه، ولم يمتنع أن يريد إيجاب شركته في بعض الشرك الذي بينه وبين غيره وعلى بعض الوجوه، ولم يجر هذا القول عند أحد من أهل اللسان في وجوب حمل المعنى الثاني على الأول مجرى أن يقول: فمن كنت شريكه ففلان شريكه بعد وقوله فلان وفلان حتى يذكر جميع شركائه - شركائي - في كذا وكذا وعلى وجه كذا فيذكر متاعا مخصوصا، وشركة مخصوصة، ولا يجري قوله: من كنت شريكه في كذا على وجه كذا ففلان شريكه، فكذلك ما ذكروه لا وجه فيه لإيجاب مثل ما كان للرسول صلى الله عليه وآله من الموالاة المخصوصة.


الصفحة 288
فإن قيل: جميع ما ذكرتموه إنما يبطل القطع على أن الرسول صلى الله عليه وآله أوجب من الموالاة مثل ما كان له ولا شك في أنه مفسد للمذهب الذي حكاه صاحب الكتاب عن أبي علي وأبي هاشم وشرع في نصرته وتقويته، فبأي شئ ينكرون على من جوز أن يريد عليه السلام ذلك ولم يقطع على عدم جواز غيره وسوى في باب الجواز بين هذه المنزلة وبين المنزلة التي تعود إلى معنى الإمامة لأنه لا مانع في جميع ما ذكرتموه من التجويز، ودلالة التقسيم لا يتم لكم دون أن تبينوا أن شيئا من الأقسام التي يجوز أن يراد باللفظة لا يصح أن يكون المراد من الخبر سوى القسم المقتضي لمعنى الإمامة، وهذا آكد ما يسأل عنه على هذه الطريقة!.

والجواب عنه: أنه إذا ثبت أن القسم المقتضي للإمامة جائز أن يكون مرادا ووجدنا كل من جوز كون الإمامة مراده في الخبر يقطع على إيجابها وحصولها، لأن من خالف القائلين بالنص لا يجوز أن يكون الإمامة ولا معناها مرادة من الخبر ومن جوز أن تكون مرادة كالقائلين بالنص قطع عليها فوجب أن يكون ما ذهبنا إليه هو المقطوع به من هذه الحجة لأن ما عدا ما ذكرناه من القولين خارج عن الإجماع.

فأما قول صاحب الكتاب - فيما حكيناه من كلامه في هذا الفصل " إن المراد (بالخبر - على ما ذهب إليه شيخانا - الإبانة عن فضل مقطوع به لا يتغير على الأوقات) (1) لو لم يكن ما ذكره لوجب أن لا يلزم من غاب عن الموضع موالاته، ولما وجبت عليهم الموالاة بعد ذلك الوقت " فغير لازم، لأن الصحيح عندنا أن موالاته عليه السلام إنما وجبت في الحال وبعدها على من حضر وغاب لأن الرسول صلى الله عليه وآله أوجب له الإمامة

____________

(1) ما بين الحاصرتين من " المغني ".

الصفحة 289
بالقول وإلا يجب موالاته على سائر الوجوه فليس في وجوب الموالاة على ما ذكر دلالة على صحة تأويله، ولو قال من خالف طريقة صاحب الكتاب أيضا ليس يمتنع أن يكون ما أوجبه من الموالاة يلزم من غاب وفيما بعد الحال على الحد الذي يلزم لجماعة المؤمنين ما داموا متمسكين بالإيمان وما يقتضي التبجيل والتعظيم، ولا يكون في ذلك دلالة على الموالاة المخصوصة التي ادعيت لم يمكنه دفع كلامه، اللهم إلا أن يقول: إنني عنيت أن موالاته تلزم من غاب على كل حال وبغير شرط، وكذلك في المستقبل من الأوقات وهذا إذا ادعاه غير مسلم له، وهو مدفوع عنه أشد الدفاع ولا سبيل عندنا إلى تثبيت هذه المنزلة بالخبر إلا بعد أن يثبت ما نذهب إليه من إيجابه إمامته عليه السلام.

فأما قوله: " وهذه منزلة عظيمة تفوق منزلة الإمامة " فغلط منه لأن الإمامة لا تحصل إلا لمن حصلت له هذه المنزلة وقد تحصل هذه المنزلة لمن ليس بإمام فكيف تفوق منزلة الإمامة وهي مشتملة عليها مع اشتمالها على غيرها من المنازل العالية، والرتب الشريفة، وما ننكر أن يكون المنزلة التي ادعاها من أشرف المنازل غير أنها لا تفوق منزلة الإمامة ولا تساويها لما ذكرناه، وقد دللنا فيما سلف من الكتاب على أن الإمام لا يكون إلا معصوما مأمون الباطن، وليس له أن يقول إنكم عولتم في حصول الموالاة على الباطن للإمام على دعوى.

فأما ما ذكره من الآيات مستشهدا به على أن المراد بلفظة " مولى " الموالاة في الدين فإنما يكون طاعنا على من أنكر احتمال اللفظة لهذا الوجه في جملة محتملاتها.

فأما من أقر بذلك وذهب إلى أن المراد في خبر الغدير خلافه فليس

الصفحة 290
يكون ما ذكره صاحب الكتاب مفسدا لمذهبه، وكيف يكون كذلك، وأكثر ما استشهد به أن لفظة " مولى " أريد بها معنى الموالاة فيما تلاه من القرآن وذلك لا يحظر (1) أن يراد بها خلاف الموالاة في الخبر.

وقوله: " إن الموالاة في اللغة وإن كانت مشتركة فقد غلب عرف الشرع في استعمالها " في الوجه الذي ذكره مغالطة لأن لفظة الموالاة غير لفظة " مولى " والموالاة وإن كان أصلها في اللغة المتابعة فإن العرف قد خصصها بموالاة الدين ومتابعة النصرة فيه، ولفظة " مولى " خارجة عن هذا الباب وكلامنا إنما هو في لفظة " مولى " لا في الموالاة والنبي صلى الله عليه وآله لم يقل من كان يواليني فليوال عليا، بل قال: (من كنت مولاه فعلي مولاه).

فأما استدلاله على ما ادعاه بقوله صلى الله عليه وآله (اللهم وال من والاه) فغير واجب أن يكون ما تقدم لفظة " مولى " محمولا على معنى الموالاة لأجل أن آخر الخبر تضمنها، لأنه لو صرح بما ذهبنا إليه حتى يقول: من كنت أولى به من نفسه فعلي أولى به من نفسه، أو من كنت طاعتي عليه مفترضة فطاعة علي عليه مفترضة، (اللهم وال من والاه) لكان كلاما صحيحا يليق بعضه ببعض ولسنا نعلم من أين ظن أن المراد بالكلام الأول لو كان إيجاب فرض الطاعة لم يلق بما تأخر عنه! فإنه من الظن البعيد، وادعاؤه إن عمر أراد بقوله: " أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة " ما ذهب إليه حتى جعل قوله دليلا على صحة تأويله، طريف لأن عمر لم يصرح بشئ يدل على ما يخالف مذهبنا ويوافق مذهبه، وإنما شهد لأمير المؤمنين عليه السلام بمثل ما تضمنه لفظ الرسول صلى الله عليه

____________

(1) أي لا يمنع.