الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى
يبذله له وإن لم يكن وقع ممن شبهت حاله به مثل تلك المسألة بعينها، ولم يكن للقائل الذي حكينا قوله أن يمنعه من الدرهم والثوب بأن يقول: إنني جعلت لك منازل فلان من فلان، وليس في منازله إن سأله درهما أو ثوبا فأعطاه في كل واحدة منهما بل يوجب عليه جميع من سمع كلامه العطية من حيث كان المعلوم من حال من جعل له مثل منزلته أنه لو سأله في ذلك كما سأل هذا أجيب إليه، وليس يلزم على هذا أن تكون الصلاة السادسة وما أشبهها من العبادات التي لو أوجبها الرسول صلى الله عليه وآله علينا لوجب مما يجري عليها الوصف الآن بأنها من شرعه لأنها لم يحصل لها سبب وجوب استحقاق بل سبب وجوبها مقدر بما أنها مقدرة، وليس كذلك ما أوجبناه لأنا لا نصف بالمنزلة إلا ما حصل استحقاقه وسبب وجوبه ولو قال عليه السلام: صلوا بعد سنة صلاة مخصوصة خارجة عما نعرف من الصلوات لجاز أن يقال: بل وجب أن تكون تلك الصلاة من شرعه قبل حضور الوقت من حيث ثبت سبب وجوبها، ومثل ما ذكرناه يسقط قول من يقول: فيجب على كلامك أن يكون كل أحد نبيا إماما وعلى سائر الأحوال التي يجوز على طريق التقدير أن يحصل عليها مثل أن يكون وصيا لغيره، وشريكا له ونسيبا إلى غير ذلك، لأنه على طريق التقدير يصح أن يكون على جميع هذه الأحوال لوجود أسبابها وشروطها، وإنما لم يلزم جميع ما عددناه لما قدمنا ذكره من اعتبار ثبوت سبب المنزلة واستحقاقها وجميع ما ذكر لم يثبت له سبب استحقاق، ولا وجوب، ولا يصح أن يقال إنه منزلة.
ثم يقال له: ما نحتاج إلى مضايفتك في وصف المقدر بأنه منزلة وكلامنا يتم وينتظم من دونه لأن ما عليه هارون من استحقاق منزلة الخلافة بعد وفاة موسى إذا كان ثابتا في أحوال حياته صح أن يوصف بأنه منزلة وإن لم يصح وصف الخلافة بعد الوفاة بأنها منزلة في حال الحياة لأن التصرف في الأمر المتعلق بحال مخصوصة عند استحقاقه وأحد الأمرين
|
فإن قال صاحب الكتاب: إنما صح ما ذكرتموه لأن التصرف في مال الموصي والخلافة لمن استخلف في حال الغيبة وإن لم يكونا حاصلين في حال الخطاب ولم يوصفا بأنهما منزلتان فيما يقتضيهما من الوصية والاستخلاف الموجبتين لاستحقاقهما يثبت في الحال، ويوصف بأنه منزلة.
قلنا: وهكذا نقول لك فيما أوجبناه من منازل هارون من موسى لأمير المؤمنين عليه السلام حرفا بحرف وليس له أن يخالف في أن استحقاق هارون بخلافة موسى بعد الوفاة كان حاصلا في الحال لأن كلامه في هذا الفصل مبني على تسليمه وإن كان قد خالف في ذلك في فصل
____________
(1) خ " المستفيد " ولم يظهر وجهه.
(2) خ " حضور ".
|
قال صاحب الكتاب: " فإن قال: إن الذي يدل على أن الخبر يتناول ذلك قوله: (إلا أنه لا نبي بعدي) وظاهر ذلك بعد موتي فيجب أن يكون ما أثبته بعد الموت أيضا قيل له: إن التشبيه الأول يقتضي حمل هذا الاستثناء على أن المراد به بعد كوني (1) نبيا ليصح أن يحصل ما استثناه (2) في هارون كما صح أن يحصل ما استثنى منه في هارون لأنه لا بد من صحة الأمرين في هارون (3) وقد علمنا أنه لم يكن من منازل النبوة بعد موسى وإنما يدخل في منازله النبوة بعد نبوة موسى فيجب أن يكون إنما استثنى ما لولاه لثبت من منازل (4) هارون، ولا يجوز أن يستثنى ما لولاه لم يثبت من منازل (5) هارون لأن ذلك لا يفيد، وهذا يبين صحة ما قدمناه وإذا ثبت أن المراد إلا أنه لا نبي بعد نبوتي فيجب أن يكون المنازل التي
____________
(1) غ " يتصل كونه نبيا ".
(2) خ " ما استثني منه ".
(3) غ " في منازل هارون ".
(4) غ " في منازل ".
(5) كذلك.
|
ولسنا نعتمد في أنه خاتم النبيين عليه السلام إلا على ما نعلم من دينه ضرورة بالنقل المتواتر الذي نعرف به ذلك من غير اعتبارا لفظه.. " (4)
____________
(1) غ " المنازل التي حصل لأجلها ".
(2) " كيف " من " المغني ".
(3) غ " ولو أراد بقوله: ب (بعدي) بعد وفاتي ".
(4) المغني 20 ق 1 / 163.
|
أحدهما أن قوله عليه السلام: (لا نبي بعدي) يقتضي ظاهره بعد موتي لأن العادة جارية في فائدة مثل هذه اللفظة إذا وقعت على هذا الوجه بمثل ما ذكرناه، ألا ترى أن أحدنا إذا قال: فلان وصيي من بعدي وهذا المال يفرق على الفقراء من بعدي لم يفهم من كلامه إلا بعد وفاتي دون سائر أحواله، وإذا كان الظاهر يقتضي صحة قولنا وجب التمسك به، واطراح قول من سامه العدول عنه.
والجواب الثاني إنا لو سلمنا للخصوم ما اقترحوه من أن المراد بنفي النبوة لم يختص حال الوفاة، بل يتناول ما هو بعد حال نبوته من الأحوال لم يخل ذلك بصحة تأويلنا للخبر لأنا نعلم أن الذي أشاروا إليه من الأحوال يشتمل على أحوال الحياة، وأحوال الوفاة إلى قيام الساعة فيجب بظاهر الكلام، وبما حكمنا به من مطابقة الاستثناء في الحال التي وقع فيها المستثنى منه، أن يجب لأمير المؤمنين عليه السلام الإمامة في جميع الأحوال التي تعلق النفي بها، فإن أخرجت دلالة شيئا من هذه الأحوال أخرجناه لها وأبقينا ما عداه لاقتضاء ظاهر الكلام له، فكان ما طعن به مخالفونا إنما زاد قولنا صحة وتأكيدا، وهذا الجواب هو المعتمد دون الأول لأن لقائل أن يقول في الأول أن الظاهر من قول القائل بعدي لا يتناول أحوال الوفاة على ما ادعيتم، ولا يمتنع أن يكون هذه الكناية متعلقة بحال من أحوال القائل غير حال وفاته، لأنا نعلم أولا إنها ليست بكناية عن ذاته وإنما هي كناية عن حال من أحواله، فلا فرق بين بعض أحواله وبين بعض في صحة الكناية عنه بهذه اللفظة، ألا ترى إلى صحة قول القائل قدم فلانا بعدي، وتكلم بعدي وولي فلان كذا وكذا بعد فلان، وإن كانت لفظة بعدي جميعها كناية عن غير حال الوفاة، ومتعلقة بما يثبت في حال الحياة،
|
ثم يقال له: في قوله: " إن الكلام يقتضي حصول المستثنى والمستثنى منه معا لهارون عليه السلام وأن من حق الاستثناء أن يطابق المستثنى منه في وقته " أما مطابقة الاستثناء للمستثنى منه فهو الصحيح الواجب الذي فزعوا إليه، ومدار كلامهم في هذه الطريقة عليه، وأما حصول المستثنى والمستثنى منه معا لهارون في وقتهما وعلى سائر وجوههما فغير واجب لأن النبي صلى الله عليه وآله لم يقصد إلى جعل منازل هارون من موسى في زمانهما ووجه حصولهما لأمير المؤمنين عليه السلام وإنما قصد إلى إيجاب ما كان لهارون من موسى عليهما السلام من المنازل في حال مخصوصة لأمير المؤمنين عليه السلام في حال أخرى فدخل التشبيه والتمثيل بين المنازل لأنفسها لا بين أوقاتها وأزمان حصولها، والذي دلنا على صحة هذه الجملة:
ما قدمناه من اعتبار الاستثناء لأنه عليه السلام إذا استثنى ما أخرجه من المنازل بعده، وكان الاستثناء من شأنه أن يطابق المستثنى منه حتى يكون مخرجا من الكلام ما لولاه لثبت على الوجه الذي تعلق به الاستثناء، فلا بد أن يحكم بأنه عليه السلام أراد بصدر الكلام إيجاب المنازل بعده، فكأنه عليه السلام قال: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) بعدي واستغنى عن التصريح بلفظ بعدي في صدر الكلام من حيث كان الاستثناء دالا عليها، ومقتضيا لها، وهذا هو الواجب في
|
وأما قوله: " إن من حق الاستثناء أن يطابق المستثنى منه في وقته وإنا قد علمنا أن بقوله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) أثبت له المنزلة في الوقت فيجب فيما استثني أن يتناول الوقت " فقد نقضه بجوابه لما
|
وقوله: " إذا كان لو لم يستثن لوجب (2) أن يكون شريكا في النبوة في الحال فيجب إذا استثني أن ينتفي النبوة في هذه الحال " باطل لأنا لا نسلم له أولا أنه لو لم يستثن لوجب ثبوت ذلك في الحال بظاهر الكلام، ولو سلمناه لم يجب ما ظنه لأن الاستثناء إنما كان يجب أن ينفي النبوة في الحياة ولو وقع مطلقا لم يتعلق بحال مخصوصة، فأما وقد تعلق بحال معينة ودلنا تعلقه على ثبوت ما لم يستثن فيها لتحصيل المطابقة فالذي ذكره غير صحيح.
وأما قوله: (إنا لا نتعلق في أنه عليه السلام خاتم الأنبياء بلفظ بل بما نعلم من دينه) فلا يتوجه علينا لأن الأمر وإن كان على ما ذكره فليس يجوز أن يجعل أحد قوله عليه السلام: (لا نبي بعدي) مختصا بحال الحياة دون أحوال الوفاة لأنه لا أحد من الأمة ذهب إلى هذا، وإنما الخلاف في الاستثناء هل اختص بحال الوفاة دون أحوال الحياة على ما نصره أكثر أصحابنا أو تعلق ببعد حال النبوة مما يشتمل الحياة والوفاة، وخلاف هذين
____________
(1) لا يخفى أن المرتضى نقل كلام القاضي بمعناه دون حروفه.
(2) خ " يوجب ".
|
قال صاحب الكتاب: " وبعد، فلو ثبت أن قوله (إلا أنه لا نبي بعدي) المراد به بعد موتي لكان لا بد فيه من شرط، فكأنه يريد فلا تكون يا علي نبيا بعدي إن عشت لأن هذا الشرط واجب لا بد منه وإذا وجب ذلك فكأنه قال عليه السلام: أنت وإن بقيت لا تكون نبيا بعدي كما يكون هارون نبيا بعد أخيه موسى لو بقي، فلا بد من إثبات الشرط وتقديره في الأمرين، وإن كان الكلام لا يقتضيه لأنه لا يجب إذا دل الدليل على دخول شرط في الاستثناء أن يدخل (2) في المستثنى منه * مع إمكان حمله على ظاهره وقد علمنا أن قوله (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) يقتضي الحال من غير شرط فكيف يجب بدخول الشرط في الاستثناء من حيث أدى إليه الدليل إثبات شرط في المستثنى منه * (3) وهذا يبين أن الذي ذكروه لو سلمناه لم يوجب ما قالوه (4)، وكان يجب على هذا القول أن لا يدخل تحت الخبر (5) منزلة يستحقها أمير المؤمنين عليه السلام في حال حياة الرسول صلى الله عليه وآله أصلا لأنهم أوجبوا في المستثنى منه أن يكون كالمستثنى (6) في أنه بعد الموت، وبطلان ذلك يبين فساد هذا
____________
(1) رسالة، خ ل.
(2) غ " أن يدل ".
(3) ما بين النجمتين ساقط من " المغنى " في الموضعين.
(4) غ " لم يجب ما قالوه ".
(5) غ " تحت القول ".
(6) غ " أن يكون بمنزلة المستثنى ".
|
وبعد، فإنه يقال لهم: إذا كنا متى وفينا المستثنى منه الذي هو لإثبات حقه تناول الحال وإذا وفينا المستثنى حقه تناول بعد الموت ومثل ذلك لا يصح في الاستثناء فيجب أن يصرف الكلام عن الاستثناء ونقول وإذا كان لفظه لفظ الاستثناء فالمراد به ما يجري مجرى استئناف من كلام يكون القصد به إزالة الشبهة عن القلوب فكأنه عليه السلام ظن أنه لو أطلق الكلام إطلاقا لدخلت الشبهة على قوم في أن يكون نبيا بعده * فيجب أن يصرف الكلام عن الاستثناء بعده * (3) فأزال هذه الشبهة بما يجري مجرى المبتدأ من كلامه (4) فيصير كأنه قال: أنت يا علي مني في هذه الحال بمنزلة هارون من موسى لكنه لا نبي بعدي [ ليس بأن يتناول الحال أولى من المستقبل ] (5)... ".
يقال له: ليس يحتاج إلى الشرط الذي قدرته لأن الاستثناء إذا تعلق بحال الموت ووجب أن يكون ما أثبت بصدد الكلام من المنازل مقصودا به إلى هذه الحال ليحصل المطابقة على ما بيناه في كلامنا المتقدم فالشرط
____________
(1) غ " هذا الخبر ".
(2) غ " يحصل حال الحياة ".
(3) ما بين النجمتين ساقط من المغني.
(4) غ " الابتداء من القول ".
(5) المغني: 20 ق 1 / 163 وما بين المعقوفين ساقط من " الشافي ".
|
فأما قوله: " وليس يجب بدخول الشرط في الاستثناء أن يدخل في المستثنى منه مع إمكان جملة على ظاهره " فهو وإن سقط بما ذكرناه يفسد أيضا بما اعترف به من وجوب مطابقة الاستثناء للمستثنى منه لأن الاستثناء إذا دخل فيه الشرط الذي قدره ولم يدخل المستثنى منه فقد تعلق بحال لا يقتضيها صدر الكلام، ولا ينطوي ما أثبته من المنازل عليها، فلا فرق بين أن يستثني النبوة بعد الوفاة مشروطة وإن كانت غير داخلة فيما تقدم ولا كان ما أثبته من المنازل متعلقا بحال الوفاة جملة وبين أن يستثني غيرها مما لا يدخل تحت ما أثبته، وهذا مفسد لحقيقة الاستثناء، ومخرج له عما وضع له، فوجب بهذه الجملة لو صرنا إلى ما ادعاه من إثبات الشرط دخوله في الأمرين ليتم المطابقة وتثبت حقيقة الاستثناء، وليس ما ذكره في آخر الفصل من ادعاء استئناف الكلام وإخراجه عن باب الاستثناء بشئ، لأنه لما رأى أن تأويله يبطل حقيقة الاستثناء وما يجب من مطابقته للمستثنى منه حمل نفسه على نفيه وظاهر الكلام يقتضي خلاف ما قاله لأن إيراد لفظ " إلا " بعد جملة متقدمة لا تكون إلا للاستثناء حقيقة، وإنما يحمل في بعض المواضع على الابتداء والاستيناف أيضا ضرورة على سبيل المجاز، وليس لنا أن نعدل عن الحقيقة إلى المجاز بغير دلالة وادعاؤه أن الذي يوجب إخراج الكلام عن الاستثناء تناوله لبعد الموت مع أن المستثنى منه من حقه أن يتناول الحال، غير صحيح، لأن ذلك إنما كان يجب لو لم يكن لنا عنه مندوحة، فأما مع إمكان ما ذكرناه من تناول المستثنى منه للحال التي تعلق الاستثناء بها وإعطاء الاستثناء ما يقتضيه حقيقة من المطابقة لما تقدم فلا وجه لما ذكره من العدول عن الظاهر من الكلام وجعل
|
فأما قوله: " وكان يجب أن لا يدخل تحت الخبر منزلة يستحقها أمير المؤمنين عليه السلام في الحال " فإن ذلك واجب على قول من جعل الاستثناء متعلقا ببعد الموت لا ببعد النبوة لأن الغرض عندهم بهذا الخبر النص على الإمامة بعد الوفاة، فإذا بينوا أن الخبر يقتضيها فقد تم الغرض وإن كان من يجب له منزلة الإمامة لا بد أن يكون في الحال على أحوال من الفضل وغيره لا يقتضيها في الحال ظاهر اللفظ، ولم نجده عول في إبطال قول من ذكرناه على أكثر من ادعاء بطلانه وفساده من غير إيراد ما يجري مجرى الحجة أو الشبهة، وأما على قول من جعل النفي متعلقا ببعد النبوة وعم به أحوال الحياة والوفاة فإنه يجعل ظاهر الخبر مقتضيا لإثبات جميع المنازل بعد ما أخرجه الاستثناء في الأحوال التي تعلق نفي النبوة بها وهي أحوال الحياة والوفاة معا ولا يخص بذلك المستثنى منه دون المستثنى على ما سأل صاحب الكتاب نفسه عنه، ونقول: متى أخرجت منزلة الإمامة من الثبوت في جميع حال الحياة أو من الاستمرار في جميع أحوال الوفاة فالدليل اقتضى الانصراف عن الظاهر يجب العمل به والتمسك بما عداه من مقتضى الظاهر، وإذا قيل له: فاجعل الاثبات متعلقا بالحياة خاصة والنفي مختصا بالوفاة أو عاما للأمرين ولا يوجب المطابقة قياسا على ما استعملته من التخصيص قال: ليس يجب إذا اضطررت إلى تخصيص ما لا بد له وإن كان ظاهر الكلام يقتضي خلافه إن التزم تخصيصا لا دلالة تقتضيه فقد بطل بما أوردناه جميع كلامه في الفصل على جملة وتفصيل.
قال صاحب الكتاب: " فإن قال: إن قوله: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) ليس بأن يتناول الحال بأولى من المستقبل فيجب أن يحمل الاستثناء على ظاهره، لأنه لا فرق بين أن يخرج من الكلام ما لولاه
|
وبعد، فإنه يقال لهم: قد ثبت من منزلة هارون من موسى الشركة في النبوة في حال حياته، والذي كان له منزلة الإمامة بعده يوشع بن نون فلو أراد عليه السلام بهذا الخبر الإمامة لكان يشبه منزلته منه بمنزلة يوشع ابن نون من موسى وهذا يبين أن مراده عليه السلام ما ينفيه من بعد مما يقتضي إثباته في الحال فقط،... " (1) يقال له: إنا لا نسألك عن هذا السؤال الذي أوردته على نفسك ومع إنا لا نسألك عنه فقد أجبت عنه بما ليس بصحيح، لأن مجرد اللفظ الذي يقتضي الاثبات من الخبر لا يقتضي بظاهره لا الحال ولا المستقبل،
____________
(1) المغني: 20 ق 1 / 16.
|
فأما ادعاؤه اقتضاء الخبر لنفي الإمامة من حيث لم يكن هارون بعد وفاة موسى إماما (1) وقوله: " إنه لم يكن بهذه الصفة منزلة " فبعيد من الصواب لأن هارون وإن لم يكن خليفة لموسى بعد وفاته، فقد دللنا على أنه لو بقي لخلفه في أمته، وإن هذه المنزلة وإن كانت مقدرة يصح أن تعد في منازله، وإن المقدر لو تسامحنا (2) بأنه لا توصف المنزلة لكان لا بد من أن يوصف ما هو عليه من استحقاق الخلافة بعده بأنه منزلة لأن التقدير وإن كان في نفس الخلافة بعده فليس هو في استحقاقها، وما يقتضي وجوبها، وإذا ثبت ذلك فالواجب فيمن شبهت حاله بحاله، وجعل له مثل منزلته إذا بقي إلى بعد الوفاة أن تجب له الخلافة ولا يقدح في ثبوتها له أنها لم تثبت لهارون بعد الوفاة، ولو كان ما ذكروه صحيحا لوجب فيمن قال لوكيله: اعط فلانا في كل شهر إذا حضرك دينارا ثم قال في الحال أو بعدها بمدة: وأنزل فلانا منزلته، ثم قدرنا أن المذكور الأول لم يحضر
____________
(1) خ " وجعله ".
(2) خ " تسمحنا ".
|
فأما الاعتراض بيوشع بن نون، فقد أجاب أصحابنا عنه بأجوبة:
أحدها: أنا إذا دللنا على أن الخبر على صورته هذه دال على الإمامة، ومقتض لحصولها لأمير المؤمنين عليه السلام كدلالته لو تضمن ذكر يوشع بن نون فإلزامنا مع ما ذكرناه أن يرد على خلاف هذه الصورة اقتراح في الأدلة، وتحكم، لأنه لا فرق في معنى الدلالة على الإمامة بين وروده على الوجهين وإنما كان لشبهتهم وجه لو كان متى ورد غير متضمن لذكر يوشع لم يكن فيه دلالة على النص بالإمامة، فأما والأمر بخلاف ذلك فقولهم ظاهر البطلان لأنه يلزم مثله في سائر الأدلة.
____________
(1) لتعطيه خ ل.
(2) خ " لم يشفع ".
|
وثالثها: أن هارون كانت له مع منزلته الخلافة في الحياة والاستحقاق لها بعد الوفاة منزلة التقدم على سائر أصحاب موسى وكونه أفضلهم بعده وهذه منزلة أراد النبي صلى الله عليه وآله إيجابها لأمير المؤمنين عليه السلام ولو ذكر بدلا من هارون يوشع بن نون لم تكن دالا عليها.
ورابعها: إن خلافة هارون لموسى عليهما السلام نطق بها القرآن وظهر أمرها لجميع المسلمين، وليس خلافة يوشع بن نون لموسى عليه السلام بعده ثابتة بالقرآن، ولا ظاهرة لكل من ظهر له خلافة هارون فأراد النبي صلى الله عليه وآله أن يوجب له الإمامة بالأمر الواضح الجلي الذي يشهد به القرآن ولا يعترض فيه الشبهات، على أن يوشع بن نون لم يكن خليفة لموسى عليه السلام بعده فيما يقتضي الإمامة، وإنما كان نبيا بعده مؤديا لشرعه وخلافته فيما يتعلق بالإمامة كانت في ولد هارون، فليس للمخالف أن يقول: إن حصول الإمامة في ولد هارون غير معلوم من طريق يقطع عليه، لأن المرجع فيه إلى أخبار الآحاد، أو إلى قول اليهود الذي لا حجة فيه، وليس هكذا حكم نبوة يوشع بن نون لأنه لا خلاف بين المسلمين في أنه كان نبيا بعد موسى عليه السلام لأنا نقول له: اعمل على أن الأمر كما ذكرت أليس وإن علمنا بنبوة يوشع بعد موسى فإنا غير عالمين بأن الإمامة كانت إليه، وأنه كان المتولي لما يقوم به الأئمة فلا بد من
|
قال صاحب الكتاب: " على أنه يقال لهم: ومن أين أن هارون لو عاش بعد موسى لكان خليفته؟ فإن قالوا: إذا كان خليفته في حال حياته وجب مثله بعد وفاته، قيل لهم: أتقولون: إن الخلافة في حال الحياة تقتضي الخلافة بعد الموت لا محالة، أو يحتاج في كونه خليفة له بعد وفاته إلى أمر آخر، فإن قالوا: يقتضي ذلك، قيل لهم: فيجب لو قيده بحال الحياة أن يكون خليفته بعد الموت، وأن لا يفترق الحال بين المقيد منه والمطلق ولا فرق بين من قال إن خلافته منه عليه السلام سنة تقتضي الخلافة فيما بعد وبين من قال مثله (1) في الوكالة والإمارة وغيرهما... " (2).
ثم ذكر بعد هذا كلاما لا نرتضيه ولا نتعلق به إلى أن قال:
" وبعد فمن أين أنه كان خليفته على وجه ثبت بقوله حتى لولا هذا القول لم يكن خليفة على قوله؟ بل ما أنكرتم أن يكون إنما قال ذلك فعن قوله:
(اخلفني في قومي) استظهارا كما قاله له: (وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين) استظهارا يبين ذلك أن المتعالم من حاله أنه كان شريكه في النبوة، ولا يجوز ذلك إلا ويلزمه عند غيبة موسى أن يقوم بأمر قومه، وإن لم يستخلفه كما يلزمه إذا استخلفه، وما هذه حاله لا يعد في التحقيق
____________
(1) في المغني " ولا فرق بين قال ذلك وبين من قال بمثله في الوكالة والإمارة وغيرها ".
(2) المغني 20 ق 1 / 165.