الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى
خير " (1) وصورة الحال وسبب نزول الآية يقتضيان المدحة والتشريف، ولا مدحة ولا تشريف في الإرادة المحضة التي تعم سائر المكلفين من الكفار وغيرهم.
فإن قيل: على هذا الوجه فكذلك لا مدحة فيما تذكرونه لأنكم لا بد أن تقولوا إنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم، بأن لطف لهم بما اختاروا عنده الامتناع من القبائح وهذا واجب عندنا وعندكم، ولو علم من غيرهم من الكفار مثل ما علمه منهم لفعل مثل ذلك بهم، فأي وجه للمدح؟
قلنا: الأمر على ما ذكرتموه في اللطف ووجوبه، وأنه لو علمه في غيرهم لفعله كما فعله بهم غير أن وجه المدح مع ذلك ظاهر لأن من اختار الامتناع من القبائح، وعلمنا أنه لا يقارف شيئا من الذنوب، وإن كان ذلك عن ألطاف فعلها الله تعالى به، لا بد من أن يكون ممدوحا مشرفا معظما، وليس كذلك من أريد منه أن يفعل الواجب، ويمتنع من القبيح، ولم يعلم من جهته ما يوافق هذه الإرادة، فبان الفرق بين الأمرين، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله على ما وردت به الرواية الظاهرة لم يسأل الله أن يريد أن يذهب عنهم الرجس، وإنما سأل أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا فنزلت الآية مطابقة لدعوته، متضمنة لأجابته، فيجب أن يكون المعنى فيها ما ذكرناه، وإذا ثبت اقتضاء الآية لعصمة من تناولته وعني بها وجب أن تكون مختصة من أهل البيت عليهم السلام بمن ذهبنا إلى عصمته، دون من أجمع جميع المسلمين على فقد عصمته، لأنها إذا انتفت عمن قطع على نفي عصمته لما يقتضيه معناها من العصمة لم يخل من أن تكون متناولة لمن اختلف في عصمته، أو غير متناولة له، وإن لم تتناوله بطلت فائدتها التي تقتضيها، فوجب أن يكون متناولة له، وهذه الطريقة تبطل قول من حملها على الأزواج، لأجل
____________
(1) تقدم الكلام على هذا آنفا.
|
فأما قول صاحب الكتاب: " إن أكثر ما تدل عليه الآية أن لأهل البيت مزية في باب الألطاف فلذلك خصهم بهذا الذكر " فإنه متى لم يكن المراد ما ذكرناه لم يكن لهم مزية على غيرهم، لأنا قد بينا أنه إن أريد بالآية الإرادة الخالصة فلا مزية، فإذا ثبتت المزية فلا بد من أن يثبت فعلا
____________
(1) الأحزاب 33.
|
فأما قوله: " إن الكلام يتضمن إثبات حال لأهل البيت ولا يدل على أن غيرهم في ذلك بخلافهم " فالطريق إلى نفي ما أثبتناه لهم عن غيرهم واضح.
أما العصمة فلا خلاف في أن غيرهم لا يقطع فيه عليها.
وأما الإمامة فإذا أثبتت فيهم بطلت أن تكون في غيرهم لاستحالة أن يختص بالإمامة اثنان في وقت واحد.
فأما قوله: " وكذلك القول فيما تقدم لأنه إذا قال في عترته: إن من تمسك بها لم يضل فإنما يدل على إثبات هذا الحكم لها ولا يدل على نفيه عن غيرها " فباطل لأنه قد بينا دلالة هذا الخبر على أن إجماع أهل البيت حجة، ومما أجمعوا عليه لأن خلافهم غير سائغ، وإن مخالفهم مبطل فيجب أن يكون قولهم في هذا حجة كسائر أقوالهم، وهذا يبطل ما ظنه صاحب الكتاب من تجويز أن يكون الحق في جهتهم وجهة من خالفهم.
قال صاحب الكتاب: " دليل لهم آخر " ثم قال: " وربما تعلقوا [ بقوله تعالى ] في إبراهيم عليه السلام: * (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) * (1) فأخبر أنه لا حق في الإمامة لظالم فوجب بذلك إن من كان ظالما وكافرا وقتا من الزمان (2) لاحظ له في ذلك، وأن يكون المستحق لذلك المعصوم في كل أوقاته، وذلك يقتضي أن الإمامة ثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام، وربما تعلقوا بقريب من ذلك من غير ذكر
____________
(1) البقرة 124.
(2) غ " في وقت من الزمان ".
|
إنه تعالى أراد بالكلام الظلم المذموم، وما زال بالتوبة كالصغيرة في هذا الباب فهذا مما يبين فساد ما تعلقوا به من ظاهر الآية.
____________
(1) غ " من غير دليل الآية ".
(2) غ " فريقان ".
(3) الأحزاب 47.
(4) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".
(5) غ " على كل حال من الأحوال ".
|
يقال له: قد اعتمد بهذه الآية التي ذكرتها قوم من أصحابنا والاستدلال بها مبني على القول بالعموم، وأن له صيغة يقتضي ظاهرها الاستغراق، فمن لا يذهب إلى ذلك من أصحابنا لا يصح له الاستدلال بهذه الآية في هذا الموضع، ومن ذهب إلى العموم منهم صح له ذلك، ويمكن أن يستدل بها على أمرين: أحدهما أن من كان ظالما في وقت من الأوقات فلن يجوز أن يكون إماما، ويبنى على ذلك القول بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد الرسول صلى الله عليه وآله بلا فصل لأن من تولى الأمر غيره قد كان ظالما فيما سلف من أحواله، والأمر الآخر أن يبين اقتضاء الآية لكون الإمام معصوما لأنها إذا اقتضت نفي الإمامة عمن كان ظالما على كل حال، سواء كان مسر الظلم أو مظهرا له، وكان من ليس بمعصوم وإن كان ظاهره جميلا يجوز أن يكون مبطنا للظلم والقبح، ولا أحد ممن ليس بمعصوم يؤمن ذلك منه، ولا يجوز فيه، فيجب بحكم الآية أن يكون من يناله العهد الذي هو الإمامة معصوما حتى يؤمن استسراره بالظلم، وحتى يوافق ظاهره باطنه، والكلام الذي طعن به صاحب الكتاب في الاستدلال بالآية غير صحيح، لأن عموم ظاهرها يقتضي أن الظالم في حال من الأحوال لا ينال الإمامة، ومن تاب بعد كفر أو فسق وإن كان بعد التوبة لا يوصف بأنه ظالم فقد كان ممن يتناوله
____________
(1) باب النبوءات يعني من المغني وهو في الجزء الخامس عشر منه.
(2) المغني 20 ق 1 / 194.
|
فأما معارضته بقوله تعالى: (وبشر المؤمنين) فلو لم تقم الدلالة على أن المراد بذلك في حال إيمانهم وسلامتهم أيضا من الاحباط على قول من ذهب إليه لم يجعل القول مخصوصا بمن كان في الحال مؤمنا، وإنما جعل كذلك لأن البشارة بالثواب لا تكون إلا لمستحقه دون من أحبطه وأزاله، وهذا طريق الاستدلال الذي ما منعنا صاحب الكتاب منه، وإنما منعناه من ادعاء خروج التائب من الاسم.
فأما تقسيمه المراد بالآية، وادعاؤه أن الإمامة بمعنى إقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام، لا يدخل تحتها فباطل، لأن الظاهر فيه تصريح بذكر الإمامة التي قد فرق المخاطبون بينها وبين النبوة، فلا بد من أن يكون محمولا عليها دون النبوة، ولسنا ندري في أي موضع بين أنه لا يدخل
|
فإن قيل: من أين لكم أن المراد بلفظة (عهدي) الإمامة، وهي لفظة مجملة يصح أن يعنى بها الإمامة وغيرها.
قلنا: من وجهين اثنين، أحدهما دلالة موضوع الآية على ذلك لأنه تعالى لما قال لإبراهيم عليه السلام: (إني جاعلك للناس إماما) حكى عنه قوله: (ومن ذريتي) ومعلوم أنه أراد جعل (من ذريتي) أئمة ثم قال عقيب ذلك: (لا ينال عهدي الظالمين) فأشار بالعهد إلى ما تقدم من سؤال إبراهيم عليه السلام فيه ليتطابق الكلام، ويشهد بعضه لبعض، والوجه الآخر إن (عهدي) إذا كان فظا مشتركا وجب أن يحمل على كل ما يصلح له، ويصح أن يكون عبارة عنه، فنقول: إن الظاهر يقتضي أن كل ما يتناوله اسم العهد لا ينال الظالم، ويجري ذلك مجرى أن يقول قائل لا ينال عطائي الأشرار، في أن الظاهر يقتضي أن جنس عطائه لا يناله شرير، ولا يختص بعطاء دون عطاء، وهذا الوجه أيضا مبني على القول بالعموم الذي بينا إنه عمدة الاستدلال بهذه الآية.
فأما قوله: على الطريقة الأخرى: " إن الذي له أوجب في الرسول أن يكون منزها عن الكفر والكبائر كونه حجة فيما تحمله، وإن الإمام بخلافه وأنه بمنزلة الأمير والحاكم " فقد بينا فيما تقدم أن الإمام أيضا حجة وأنه يرجع إليه في أمور لا تعلم إلا من جهته، وبينا أن النقل الوارد بأحكام الشريعة قد يجوز أن يتغير حاله فيخرج من أن يكون حجة على وجه لا
|
ثم قال صاحب الكتاب: " واعلم أن أحد ما يبطل طريقة الإمامية أن يقال لهم: إن مذهبكم في النص على الإمام يقتضي أن يكون إمام كل زمان بمنزلة أمير المؤمنين عليه السلام في أنه لا بد من النص عليه من أن يظهر ظهور الحجة القاطعة، لأن الإمامة من أعظم أركان الدين عندكم على ما تقدم القول فيه، فكيف السبيل إلى أن نعلم أنه عليه السلام نص على الحسن وعلى الحسين أو نص الحسن على الحسين، وكذلك سائر الأئمة، وقد علمنا أن الوجوه التي يمكنهم ذكرها في النص على أمير المؤمنين على اختلافها لا يمكن ادعاء مثلها في النص على إمام كل زمان، ولا يمكنهم أن يدعوا في ذلك طريقة العقل لأنا قد بينا أنها لا تدل، ولو دلت لكانت لا تدل على واحد معين، ولا يمكنهم أن يدعوا إثباتها في الولد لأنها ليست متوارثة (1) فيصح ذلك فيها ولإن صح ذلك يوجب أن لا ينتقل من الحسن إلى أخيه بل ينتقل إلى ولده، ويوجب ألا يكون بعض أولاد الحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام أولى من غيرهم لأنهم خلفوا أكثر من واحد وهذا يبين أنه
____________
(1) غ " متوازية ".
|
____________
(1) المائدة 19.
(2) غ " وادعاء إجماع المسلمين ".
(3) غ " أهل الكهف " والظاهر أنه تحريف.
(4) غ " بين الرسل ".
(5) المغني 20 ق 1 / 195.
|
وأما قولك: " إن الوجوه التي يمكنهم ذكرها في النص على أمير المؤمنين عليه السلام لا يمكن ذكرها وادعاء مثلها في النص على إمام كل زمان " فإن أردت بقولك مثلها ما يجري مجراهما في الدلالة والحجة، وقطع العذر، وإزالة الريب، فنحن بحمد الله تعالى نتمكن من ذلك وسنذكره، وإن أردت إنا لا نتمكن في باقي الأئمة عليهم السلام من نص يرويه الموافق والمخالف، ويجمع على نقله جماعة المسلمين وإن اختلفوا في تأويله، كالنصوص على أمير المؤمنين، فهو صحيح، إلا أن فقد التمكن من ذلك لا يخل بصحة المذهب الذي إنما قصدت إلى إفساده، وشرعت في الاستدلال على أنه لا دليل لله تعالى عليه، ولا منفعة لك ولمن وافقك في أن يكون بعض الأدلة والطرق مفقودا في هذا الموضع إذا قام مقامه ما يجري في الحجة مجراه، ويقطع العذر كقطعه على أن النصوص على أمير المؤمنين عليه السلام غير متفقة الطرق، لأن فيها ما يرويه جميع الرواة، وتسلم صحته جميع الأمة كخبر الغدير وقوله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " وما يجري مجراهما، وفيها ما يشترك العامة والخاصة في نقله، وإن كان من جهة الخاصة، ومن طرق الشيعة متواترا ظاهرا، ومن طرق العامة يرويه الآحاد، ويذكره الأفراد، كخبر يوم الدار (1) وما
____________
(1) يوم الدار ويسمى يوم الانذار أيضا، والمراد بالدار دار أبي طالب رضوان الله عليه، وذلك لما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله: (وأنذر عشيرتك الأقربين) فدعاهم صلى الله عليه وآله إلى دار عمه أبي طالب، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا، وفيهم أعمامه أبو طالب والعباس وحمزة وأبو لهب فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من جملة ما قال لهم: " يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم " فأحجم القوم غير علي عليه السلام وكان أصغرهم إذ قام فقال: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله برقبته وقال: " إن هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا " فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب، قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع. (انظر تاريخ الطبري 2 / 319 فما بعدها فقد رواه بطرق مختلفة ونقله في كنز العمال ج 6 ص 395 و 396 و 397 و 401 و 408 عن ابن جرير وأحمد والضياء المقدسي وابن إسحاق وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم وغيرهم.
|
أحدهما: الرجوع إلى النقل الظاهر بين الشيعة الوارد مورد الحجة بنص النبي مجملا ومفصلا، وكذلك ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك، لأن الأخبار متظاهرة عنه بين الشيعة، ينقلها خلف عن سلف بنصه بالإمامة على الحسن عليه السلام في مقامات كثيرة، وبإشارته إلى الأئمة من ولد الحسين بأعدادهم وصفاتهم، وكذلك القول في نص الحسن على الحسين عليهما السلام ونص كل واحد على من بعده، ولولا أن كتابنا يضيق عن استقصاء الروايات في هذا الباب لذكرنا ما ورد من
|
وأما الطريقة الثانية فهو أن يعتمد في إمامة كل واحد منهم على طريقة الاعتبار، والبناء على الأصول المتقررة في العقول من غير رجوع إلى النقل، فنقول في إمامة الحسن عليه السلام: إن الناس لما قبض الله تعالى أمير المؤمنين عليه السلام إلى جنبه كانوا في باب الإمامة على ضروب، فمنهم من نفاها وادعى أنه لا إمام في العالم، وهم الخوارج ومن وافقهم، وقولهم يبطله قيام الدلالة العقلية على وجوب الإمامة، وقد تقدمت، ومنهم من قال بإمامة معاوية بن أبي سفيان، ويبطل قول هؤلاء ما يفترقون معنا به من فقد عصمته التي قد تقدمت دلالتنا على وجوب اعتبارها في الإمام، وهذا كاف في إبطال إمامته، وإن كان لنا أن نتخطى ذلك إلى ما ظهر من كفره ومجاهرته بما ينفي العدالة، ويرفع حكم الاسلام ومنهم من قال بإمامة محمد بن الحنفية رضوان الله عليه، وهؤلاء أحد فرق الكيسانية، ويبطل قول هؤلاء إذا ادعوا في محمد بن الحنفية ما نوجبه للأئمة من العصمة وغيرها، وحملوا أنفسهم - أعني هؤلاء القوم
|
____________
(1) الجدد - بالتحريك -: المستوي من الأرض.
|
فأما قوله: " إن الغيبة إن كان الخوف سببها فقد كان يجب أن يحصل غيبة الأئمة في أيام بني أمية، وكثير من أيام بني العباس لأن الخوف كان هناك أظهر وأكثر " فأول ما نقوله في ذلك: إن الأمر بخلاف ما ظنه من زيادة الخوف في تلك الأيام على غيرها، لأنا نعلم إن من عدا إمام زماننا عليه السلام من آبائه عليهم السلام لم يكن أحد منهم يدعى له، ويحكم فيه، وينتظر منه إظهار العدل في مشارق الأرض ومغاربها وابتزاز
____________
(1) الصبابة - بالضم -: بقية الماء في الإناء.
|
____________
(1) أي ولا أن أحدا من الأئمة أدعي له.
(2) السرية: الأمة التي بوأتها بيتا، وهي فعيلة منسوبة إلى السر وهو الإخفاء لأن الإنسان كثيرا ما يسرها عن حرته، وهي بضم السين وإنما ضمت السين لأن الأبنية قد تغير في النسب خاصة كما قالوا بالنسبة إلى الدهر دهري، وإلى الأرض السهلة سهلي بضم أولهما والجمع " سراري " وقال الأخفش: هي مشتقة من السرور لأنه يسر بها يقال:
تسرر جارية وتسرى أيضا، مثل تظنن وتظنى.
|
فأما قوله: " وكيف تصح الغيبة مع شدة الحاجة إلى الإمام فيما يتصل بالتكليف، ولئن جاز ذلك ليجوزن أن لا ينصب الأدلة للمكلف مع قيام التكليف " فقد مضى الكلام في هذا المعنى مستقصى وتكرر في أثناء نقضنا عليه، وبينا أن سبب الغيبة هو فعل الظالمين، وتقصيرهم فيما يلزم من تمكين الإمام فيه والإفراج بينه وبين التصرف فيهم، وبينا أنهم مع الغيبة متمكنون من مصلحتهم بأن يزيلوا السبب الموجب للغيبة ليظهر الإمام، وينتفعوا بتدبيره وسياسته، وفرقنا بين ذلك وبين أن لا ينصب الله تعالى الأدلة للمكلف، أو لا يمكنه، بأن قلنا: لو فعل ذلك - تعالى عنه علوا كبيرا - لكان مكلفا لما لا يطاق، ولكان فقد العلم والانتفاع به من قبله تعالى خاصة، ولا مدخل للمكلف فيه، ولا أتى فيه من تقصيره وغيبة الإمام بخلاف ذلك لأن التمكن من المصالح معها ثابت، وما فقد من المنافع بالغيبة مرجعه إلى الظالمين الذين سببوها وألجأوا إليها.
فأما قوله: " هلا وجب على مذهبهم حراسة إمام الزمان من جهة الله تعالى، وأن يعصمه من كل مخافة " فإنا نقول له في ذلك: الحراسة والعصمة من المخافة على ضربين فمنها ما لا ينافي التكليف، ولا يخرج المكلف إلى حد الالجاء، وهذا القسم قد فعله الله تعالى على أبلغ الوجوه وحرس
|
فأما ما حكاه عن واصل بن عطاء من ذكر الفترة والاستشهاد بالقرآن وإجماع علماء المسلمين عليها، فمن بعيد الكلام عن موقع الحجة، لأن قوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير) (1) صريح في أن الفترة تختص الرسل، وأنها عبارة عن الزمان الذي لا رسول فيه، وهذا إنما يلزم من ادعى أن في كل زمان حجة هو رسول فأما إذا لم يزد على ادعاء حجة وجواز أن يكون رسولا وغير رسول فإن هذا الكلام لا يكون حجاجا عليه.
فأما ادعاؤه إجماع علماء المسلمين على الفترات بين الرسل، فإن أراد بالفترات خلو الزمان من رسول وحجة فلا إجماع في ذلك، وكل من يقول بوجوب الإمامة في كل زمان وعصر يخالف في ذلك، فكيف يدعى الإجماع وهذه الجملة تبين فساد جميع ما أورده في الفصل الذي حكيناه إلى آخره.
____________
(1) المائدة 19.