الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

خير " (1) وصورة الحال وسبب نزول الآية يقتضيان المدحة والتشريف، ولا مدحة ولا تشريف في الإرادة المحضة التي تعم سائر المكلفين من الكفار وغيرهم.

فإن قيل: على هذا الوجه فكذلك لا مدحة فيما تذكرونه لأنكم لا بد أن تقولوا إنه أذهب عنهم الرجس وطهرهم، بأن لطف لهم بما اختاروا عنده الامتناع من القبائح وهذا واجب عندنا وعندكم، ولو علم من غيرهم من الكفار مثل ما علمه منهم لفعل مثل ذلك بهم، فأي وجه للمدح؟

قلنا: الأمر على ما ذكرتموه في اللطف ووجوبه، وأنه لو علمه في غيرهم لفعله كما فعله بهم غير أن وجه المدح مع ذلك ظاهر لأن من اختار الامتناع من القبائح، وعلمنا أنه لا يقارف شيئا من الذنوب، وإن كان ذلك عن ألطاف فعلها الله تعالى به، لا بد من أن يكون ممدوحا مشرفا معظما، وليس كذلك من أريد منه أن يفعل الواجب، ويمتنع من القبيح، ولم يعلم من جهته ما يوافق هذه الإرادة، فبان الفرق بين الأمرين، وأيضا فإن النبي صلى الله عليه وآله على ما وردت به الرواية الظاهرة لم يسأل الله أن يريد أن يذهب عنهم الرجس، وإنما سأل أن يذهب عنهم الرجس ويطهرهم تطهيرا فنزلت الآية مطابقة لدعوته، متضمنة لأجابته، فيجب أن يكون المعنى فيها ما ذكرناه، وإذا ثبت اقتضاء الآية لعصمة من تناولته وعني بها وجب أن تكون مختصة من أهل البيت عليهم السلام بمن ذهبنا إلى عصمته، دون من أجمع جميع المسلمين على فقد عصمته، لأنها إذا انتفت عمن قطع على نفي عصمته لما يقتضيه معناها من العصمة لم يخل من أن تكون متناولة لمن اختلف في عصمته، أو غير متناولة له، وإن لم تتناوله بطلت فائدتها التي تقتضيها، فوجب أن يكون متناولة له، وهذه الطريقة تبطل قول من حملها على الأزواج، لأجل

____________

(1) تقدم الكلام على هذا آنفا.


الصفحة 136
كونها واردة عقيب ذكرهن وخطابهن، لأن الأزواج إذا لم يذهب أحد إلى عصمتهن وجب أن يخرجن عن الخطاب المقتضي لعصمة من يتناوله، وورودها عقيب ذكرهن لا يدل على تعلقها بهن، إذا كان معناها لا يطابق أحوالهن، وفي القرآن وغيره من الكلام لذلك نظائر كثيرة، على أن حمل الآية على الأزواج بانفرادهن يخالف مقتضى لفظها لأنها تتضمن علامة جمع المذكر والجمع الذي فيه المذكر والمؤنث ولا يجوز حملها على الأزواج دون غيرهن، ألا ترى أن ما تقدم هذه الآية ثم تأخر عنها لما كان المعني به الأزواج، جاء جمعه بالنون المختص بالمؤنث، ومما يدل على اختصاصها بمن نذهب إليه أيضا الرواية الواردة في سبب نزولها، وقد تقدم ذكرها، وإذا كان الأزواج وغيرهن خارجين من جملة من جلل بالكساء وجب أن تكون الآية غير متناولة له، وجواب النبي لأم سلمة يدل أيضا على ذلك، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وآله بعد نزول هذه الآية كان يمر على باب فاطمة عليها السلام عند صلاة الفجر ويقول: " الصلاة يرحمكم الله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا " (1) فإذا ثبت اختصاص الآية بمن ذكرناه ووجبت عصمته وطهارته ثم وجدنا كل من أثبت عصمة أمير المؤمنين والحسن والحسين عليهم السلام يذهب إلى أن إمامتهم ثبتت بالنص من الرسول صلى الله عليه وآله فقد تم ما أوردناه.

فأما قول صاحب الكتاب: " إن أكثر ما تدل عليه الآية أن لأهل البيت مزية في باب الألطاف فلذلك خصهم بهذا الذكر " فإنه متى لم يكن المراد ما ذكرناه لم يكن لهم مزية على غيرهم، لأنا قد بينا أنه إن أريد بالآية الإرادة الخالصة فلا مزية، فإذا ثبتت المزية فلا بد من أن يثبت فعلا

____________

(1) الأحزاب 33.


الصفحة 137
تابعا للإرادة، وقد بينا كيف يدل على الإمامة على التفصيل، فبطل ما ظنه من أنها لا تدل على ذلك.

فأما قوله: " إن الكلام يتضمن إثبات حال لأهل البيت ولا يدل على أن غيرهم في ذلك بخلافهم " فالطريق إلى نفي ما أثبتناه لهم عن غيرهم واضح.

أما العصمة فلا خلاف في أن غيرهم لا يقطع فيه عليها.

وأما الإمامة فإذا أثبتت فيهم بطلت أن تكون في غيرهم لاستحالة أن يختص بالإمامة اثنان في وقت واحد.

فأما قوله: " وكذلك القول فيما تقدم لأنه إذا قال في عترته: إن من تمسك بها لم يضل فإنما يدل على إثبات هذا الحكم لها ولا يدل على نفيه عن غيرها " فباطل لأنه قد بينا دلالة هذا الخبر على أن إجماع أهل البيت حجة، ومما أجمعوا عليه لأن خلافهم غير سائغ، وإن مخالفهم مبطل فيجب أن يكون قولهم في هذا حجة كسائر أقوالهم، وهذا يبطل ما ظنه صاحب الكتاب من تجويز أن يكون الحق في جهتهم وجهة من خالفهم.

قال صاحب الكتاب: " دليل لهم آخر " ثم قال: " وربما تعلقوا [ بقوله تعالى ] في إبراهيم عليه السلام: * (إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين) * (1) فأخبر أنه لا حق في الإمامة لظالم فوجب بذلك إن من كان ظالما وكافرا وقتا من الزمان (2) لاحظ له في ذلك، وأن يكون المستحق لذلك المعصوم في كل أوقاته، وذلك يقتضي أن الإمامة ثابتة لأمير المؤمنين عليه السلام، وربما تعلقوا بقريب من ذلك من غير ذكر

____________

(1) البقرة 124.

(2) غ " في وقت من الزمان ".


الصفحة 138
الآية (1) وقالوا: قد ثبت أن من يقول بوجوب الإمامة نفسان (2) أحدهما يقول بإمامة أبي بكر وذلك لا يصح لأن من حق الإمام أن يكون كالرسول في كونه منزها عن التدنس والكفر والكبائر في سائر حالاته، فإذا بطل ذلك فليس إلا القول الثاني، وهو إن الإمام علي بن أبي طالب لأنه ما كفر بالله قط ": قال: " وهذا لا يمكن الاعتماد عليه لأن ظاهر الآية إنما يقتضي أن عهده لا ينال الظالم، ومن كفر ثم تاب أو فسق ثم تاب وصلحت أحواله لا يكون ظالما، فيجب بحكم الآية أن لا يمتنع أن يناله العهد، وليس المراد أن الظالمين لا ينالون العهد وإن خرجوا من أن يكونوا ظالمين، وإنما المراد في حال ظلمهم كما إنه تعالى لما قال: (وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا) (3) فالمراد بذلك في حال إيمانهم وقوله تعالى: (إني جاعلك للناس إماما) ما أن يراد به النبوة * أو أن يكون قدوة في الصلاح، لأنا قد بينا أنه لا تدخل تحت ذلك الإمامة التي هي بمعنى إقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام، فإن أريد به النبوة * (4) فمن حيث دل الدليل على أن من حق النبي أن لا يقع منه كفر ولا كبيرة، يجب أن لا يكون ظالما في حال من الأحوال (5) وإن أريد به الوجه الآخر فغير ممتنع أن يكون ظالما في حال ثم يصلح فيقتدى بطريقته وعلمه، وبعد فلا يمتنع أن يقع من الرسول صلى الله عليه وآله المعصية الصغيرة التي تكون ظلما فلا بد من أن يقال:

إنه تعالى أراد بالكلام الظلم المذموم، وما زال بالتوبة كالصغيرة في هذا الباب فهذا مما يبين فساد ما تعلقوا به من ظاهر الآية.

____________

(1) غ " من غير دليل الآية ".

(2) غ " فريقان ".

(3) الأحزاب 47.

(4) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".

(5) غ " على كل حال من الأحوال ".


الصفحة 139
فأما الطريقة الأخرى فقد بينا الكلام عليها في باب النبوات (1) وأن ماله وجب في الرسول أن يكون منزها عن الكفر والكبائر، هو كونه حجة فيما تحمله وأن الإمام في أنه بخلافه بمنزلة الأمير والحاكم وذلك يسقط ما تعلقوا به،... " (2).

يقال له: قد اعتمد بهذه الآية التي ذكرتها قوم من أصحابنا والاستدلال بها مبني على القول بالعموم، وأن له صيغة يقتضي ظاهرها الاستغراق، فمن لا يذهب إلى ذلك من أصحابنا لا يصح له الاستدلال بهذه الآية في هذا الموضع، ومن ذهب إلى العموم منهم صح له ذلك، ويمكن أن يستدل بها على أمرين: أحدهما أن من كان ظالما في وقت من الأوقات فلن يجوز أن يكون إماما، ويبنى على ذلك القول بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام بعد الرسول صلى الله عليه وآله بلا فصل لأن من تولى الأمر غيره قد كان ظالما فيما سلف من أحواله، والأمر الآخر أن يبين اقتضاء الآية لكون الإمام معصوما لأنها إذا اقتضت نفي الإمامة عمن كان ظالما على كل حال، سواء كان مسر الظلم أو مظهرا له، وكان من ليس بمعصوم وإن كان ظاهره جميلا يجوز أن يكون مبطنا للظلم والقبح، ولا أحد ممن ليس بمعصوم يؤمن ذلك منه، ولا يجوز فيه، فيجب بحكم الآية أن يكون من يناله العهد الذي هو الإمامة معصوما حتى يؤمن استسراره بالظلم، وحتى يوافق ظاهره باطنه، والكلام الذي طعن به صاحب الكتاب في الاستدلال بالآية غير صحيح، لأن عموم ظاهرها يقتضي أن الظالم في حال من الأحوال لا ينال الإمامة، ومن تاب بعد كفر أو فسق وإن كان بعد التوبة لا يوصف بأنه ظالم فقد كان ممن يتناوله

____________

(1) باب النبوءات يعني من المغني وهو في الجزء الخامس عشر منه.

(2) المغني 20 ق 1 / 194.


الصفحة 140
الاسم، ودخل تحت الآية، وإذا حملنا الآية على ما توهم صاحب الكتاب من أن المراد بها من دام على ظلمه، واستمر عليه، كان هذا تخصيصا بغير دليل والقول بالعموم يمنع منه، وكيف يجوز لصاحب الكتاب أن يقول: " إن زوال الاسم بالتوبة يخرج المستحق لذلك من عموم الاسم الوارد " وهو يقول في جميع آيات الوعيد أنها مخصوصة، وأن التائبين وأصحاب الصغائر خارجون منها بالأدلة الموجبة لإخراجهم، وأن آيات الوعيد مخصوصة أيضا بالأدلة الموجبة لاستثناء من أحبط ثواب إيمانه بندم عليه أو كبيرة تصحبه، فلو كان الأمر على ما ادعاه في هذه الآية من خروج من تاب من ظلمه عن عموم قوله: (لا ينال عهدي الظالمين) من غير دلالة بل لأن الاسم لا يتناوله على ما ادعاه لوجب مثل ذلك في آيات الوعد والوعيد، وأن يقول: إنها غير مخصوصة ولا مستثناة بأدلة العقول وغيرها، ويجعل التائب وغيره خارجا من الاسم واللفظ ولا يحتاج أن يخرجه بدلالة، وهذا ظاهر البطلان عنده وعند كل من قال بالعموم.

فأما معارضته بقوله تعالى: (وبشر المؤمنين) فلو لم تقم الدلالة على أن المراد بذلك في حال إيمانهم وسلامتهم أيضا من الاحباط على قول من ذهب إليه لم يجعل القول مخصوصا بمن كان في الحال مؤمنا، وإنما جعل كذلك لأن البشارة بالثواب لا تكون إلا لمستحقه دون من أحبطه وأزاله، وهذا طريق الاستدلال الذي ما منعنا صاحب الكتاب منه، وإنما منعناه من ادعاء خروج التائب من الاسم.

فأما تقسيمه المراد بالآية، وادعاؤه أن الإمامة بمعنى إقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام، لا يدخل تحتها فباطل، لأن الظاهر فيه تصريح بذكر الإمامة التي قد فرق المخاطبون بينها وبين النبوة، فلا بد من أن يكون محمولا عليها دون النبوة، ولسنا ندري في أي موضع بين أنه لا يدخل

الصفحة 141
تحت ذلك الإمامة التي هي بمعنى إقامة الحدود حتى ادعى بيان ذلك فيما سلف من كلامه؟ إن كان ذلك فيه فقد سلف نقضه، وإن كان فيما يأتي فسيجئ أيضا بمشيئة الله تعالى نقضه وما المنكر من أن يكون إبراهيم عليه السلام نبيا إماما ويكون إليه مع تبليغ الرسالة إقامة الحدود، وتنفيذ الأحكام؟

فإن قيل: من أين لكم أن المراد بلفظة (عهدي) الإمامة، وهي لفظة مجملة يصح أن يعنى بها الإمامة وغيرها.

قلنا: من وجهين اثنين، أحدهما دلالة موضوع الآية على ذلك لأنه تعالى لما قال لإبراهيم عليه السلام: (إني جاعلك للناس إماما) حكى عنه قوله: (ومن ذريتي) ومعلوم أنه أراد جعل (من ذريتي) أئمة ثم قال عقيب ذلك: (لا ينال عهدي الظالمين) فأشار بالعهد إلى ما تقدم من سؤال إبراهيم عليه السلام فيه ليتطابق الكلام، ويشهد بعضه لبعض، والوجه الآخر إن (عهدي) إذا كان فظا مشتركا وجب أن يحمل على كل ما يصلح له، ويصح أن يكون عبارة عنه، فنقول: إن الظاهر يقتضي أن كل ما يتناوله اسم العهد لا ينال الظالم، ويجري ذلك مجرى أن يقول قائل لا ينال عطائي الأشرار، في أن الظاهر يقتضي أن جنس عطائه لا يناله شرير، ولا يختص بعطاء دون عطاء، وهذا الوجه أيضا مبني على القول بالعموم الذي بينا إنه عمدة الاستدلال بهذه الآية.

فأما قوله: على الطريقة الأخرى: " إن الذي له أوجب في الرسول أن يكون منزها عن الكفر والكبائر كونه حجة فيما تحمله، وإن الإمام بخلافه وأنه بمنزلة الأمير والحاكم " فقد بينا فيما تقدم أن الإمام أيضا حجة وأنه يرجع إليه في أمور لا تعلم إلا من جهته، وبينا أن النقل الوارد بأحكام الشريعة قد يجوز أن يتغير حاله فيخرج من أن يكون حجة على وجه لا

الصفحة 142
يكون المفزع فيه إلا إلى قول الإمام، فيجري قوله والحال هذه في أنه حجة لا يقوم غيره مقامه فيها مجرى قول الرسول، وبينا الفرق بين الإمام والحاكم والأمير، وأن الحاكم والأمير ليسا هما حجة في شئ، ولا يجوز أن يكونا حجة على وجه من الوجوه، وأوضحنا ذلك إيضاحا يغني عن إعادته، فإذا وجب عند صاحب الكتاب كون الرسول منزها عن الكفر والكبائر قبل بعثته لأنه حجة فيما يتحمله فيجب أيضا أن يكون الإمام منزها عن القبائح قبل إمامته لأنه حجة فيما يؤديه ويعرف من جهته، وهذا بين لمن تدبره.

ثم قال صاحب الكتاب: " واعلم أن أحد ما يبطل طريقة الإمامية أن يقال لهم: إن مذهبكم في النص على الإمام يقتضي أن يكون إمام كل زمان بمنزلة أمير المؤمنين عليه السلام في أنه لا بد من النص عليه من أن يظهر ظهور الحجة القاطعة، لأن الإمامة من أعظم أركان الدين عندكم على ما تقدم القول فيه، فكيف السبيل إلى أن نعلم أنه عليه السلام نص على الحسن وعلى الحسين أو نص الحسن على الحسين، وكذلك سائر الأئمة، وقد علمنا أن الوجوه التي يمكنهم ذكرها في النص على أمير المؤمنين على اختلافها لا يمكن ادعاء مثلها في النص على إمام كل زمان، ولا يمكنهم أن يدعوا في ذلك طريقة العقل لأنا قد بينا أنها لا تدل، ولو دلت لكانت لا تدل على واحد معين، ولا يمكنهم أن يدعوا إثباتها في الولد لأنها ليست متوارثة (1) فيصح ذلك فيها ولإن صح ذلك يوجب أن لا ينتقل من الحسن إلى أخيه بل ينتقل إلى ولده، ويوجب ألا يكون بعض أولاد الحسين وعلي بن الحسين ومحمد بن علي وجعفر بن محمد عليهم السلام أولى من غيرهم لأنهم خلفوا أكثر من واحد وهذا يبين أنه

____________

(1) غ " متوازية ".


الصفحة 143
لا بد لهم من إثبات إمامة كل واحد بنص ظاهر، وذلك مما لا يمكن إثباته، وقد بينا أن إثبات النص للإمام فرع على إثبات عينه، وذلك لا يمكن في إمام هذا الزمان، فكيف يدعى هذا النص فيه وقد سألهم أصحابنا في الغيبة، وأن سببها إن كان الخوف من الظهور فقد كان يجب أن تحصل غيبة الأئمة في أيام بني أمية لأن خوفهم كان أكثر، وكذلك في كثير من أيام بني العباس، ثم لم يمنع ذلك من ظهورهم، فكيف وجبت الغيبة في هذه الأيام والخوف لا يزيد فيها على ما قد كان من قبل وكيف تصح الغيبة مع شدة الحاجة إلى الإمام فيما يتصل بالتكليف ولئن جاز ذلك ليجوزن لبعض الأعذار أن لا ينصب عز وجل أدلة المكلف وأن لا يمكنه والتكليف قائم وهلا وجب على مذاهبهم حراسة إمام الزمان من جهة الله عز وجل، وأن يعصمه من كل مخافة لما يتعلق به من صحة الشريعة، وذلك يقتضي بطلان الغيبة وقد ألزمهم واصل بن عطاء على قولهم هذا أن يكون قبل بعثة الرسول صلى الله عليه وآله في الزمان حجة من رسول أو إمام، ولو كان كذلك لما صح قوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير فقد جاءكم بشير ونذير) (1) لأن على قولهم لم يخل الزمان من بشير ونذير وادعى إجماع علماء المسلمين (2) وظهور الأخبار عن أهل الكتب (3) أن الفترات من الرسل (4) قد كانت ولم يكن فيها أنبياء ولا من يجري مجراهما " ثم قال: (وهذه الوجوه إنما يقصد بها تقوية ما قدمناه لأن ذلك هو المعتمد،...) (5).

____________

(1) المائدة 19.

(2) غ " وادعاء إجماع المسلمين ".

(3) غ " أهل الكهف " والظاهر أنه تحريف.

(4) غ " بين الرسل ".

(5) المغني 20 ق 1 / 195.


الصفحة 144
يقال له: لا شبهة في أنه يجب على من ادعى النص على إمام كل زمان أن يذكر فيه حجة قاطعة، وطريقة واضحة، فمن أين حكمت أنا لا نتمكن من ذلك في النص على الحسن والحسين ومن بعدهما من الأئمة عليهم السلام إلى وقتنا هذا، وقد كان أقل ما يجب أن تذكر ما نتعلق به في هذا الباب، وتتعاطى إفساده، ثم تحكم بالحكم الذي اعتمدت عليه.

وأما قولك: " إن الوجوه التي يمكنهم ذكرها في النص على أمير المؤمنين عليه السلام لا يمكن ذكرها وادعاء مثلها في النص على إمام كل زمان " فإن أردت بقولك مثلها ما يجري مجراهما في الدلالة والحجة، وقطع العذر، وإزالة الريب، فنحن بحمد الله تعالى نتمكن من ذلك وسنذكره، وإن أردت إنا لا نتمكن في باقي الأئمة عليهم السلام من نص يرويه الموافق والمخالف، ويجمع على نقله جماعة المسلمين وإن اختلفوا في تأويله، كالنصوص على أمير المؤمنين، فهو صحيح، إلا أن فقد التمكن من ذلك لا يخل بصحة المذهب الذي إنما قصدت إلى إفساده، وشرعت في الاستدلال على أنه لا دليل لله تعالى عليه، ولا منفعة لك ولمن وافقك في أن يكون بعض الأدلة والطرق مفقودا في هذا الموضع إذا قام مقامه ما يجري في الحجة مجراه، ويقطع العذر كقطعه على أن النصوص على أمير المؤمنين عليه السلام غير متفقة الطرق، لأن فيها ما يرويه جميع الرواة، وتسلم صحته جميع الأمة كخبر الغدير وقوله: " أنت مني بمنزلة هارون من موسى " وما يجري مجراهما، وفيها ما يشترك العامة والخاصة في نقله، وإن كان من جهة الخاصة، ومن طرق الشيعة متواترا ظاهرا، ومن طرق العامة يرويه الآحاد، ويذكره الأفراد، كخبر يوم الدار (1) وما

____________

(1) يوم الدار ويسمى يوم الانذار أيضا، والمراد بالدار دار أبي طالب رضوان الله عليه، وذلك لما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وآله: (وأنذر عشيرتك الأقربين) فدعاهم صلى الله عليه وآله إلى دار عمه أبي طالب، وهم يومئذ أربعون رجلا يزيدون رجلا أو ينقصون رجلا، وفيهم أعمامه أبو طالب والعباس وحمزة وأبو لهب فكلمهم رسول الله صلى الله عليه وآله وكان من جملة ما قال لهم: " يا بني عبد المطلب إني والله ما أعلم شابا في العرب جاء قومه بأفضل مما جئتكم به، جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني الله أن أدعوكم إليه، فأيكم يؤازرني على أمري هذا على أن يكون أخي ووصيي وخليفتي فيكم " فأحجم القوم غير علي عليه السلام وكان أصغرهم إذ قام فقال: أنا يا نبي الله أكون وزيرك عليه، فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله برقبته وقال: " إن هذا أخي، ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا " فقام القوم يضحكون ويقولون لأبي طالب، قد أمرك أن تسمع لابنك وتطيع. (انظر تاريخ الطبري 2 / 319 فما بعدها فقد رواه بطرق مختلفة ونقله في كنز العمال ج 6 ص 395 و 396 و 397 و 401 و 408 عن ابن جرير وأحمد والضياء المقدسي وابن إسحاق وابن أبي حاتم، وابن مردويه، وأبي نعيم وغيرهم.


الصفحة 145
أشبهه، وفيها ما يختص الشيعة بنقله ولا يشاركها فيه مخالفها كألفاظ النص الصريحة، ومثل هذا القسم موجود في النصوص على سائر الأئمة عليهم السلام وإن لم يوجد فيها مثل القسمين الأولين، وقد بينا أن ذلك لا يخل بالحجة، ولنا في الاستدلال على إمامة الحسن ومن بعده من الأئمة عليهم السلام إلى عصرنا هذا طريقان:

أحدهما: الرجوع إلى النقل الظاهر بين الشيعة الوارد مورد الحجة بنص النبي مجملا ومفصلا، وكذلك ما ورد عن أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك، لأن الأخبار متظاهرة عنه بين الشيعة، ينقلها خلف عن سلف بنصه بالإمامة على الحسن عليه السلام في مقامات كثيرة، وبإشارته إلى الأئمة من ولد الحسين بأعدادهم وصفاتهم، وكذلك القول في نص الحسن على الحسين عليهما السلام ونص كل واحد على من بعده، ولولا أن كتابنا يضيق عن استقصاء الروايات في هذا الباب لذكرنا ما ورد من

الصفحة 146
النصوص في إمامة كل واحد من الأئمة عليهم السلام بألفاظه وطرقه، ومن أراد الوقوف على ذلك فعليه بكتب حديث الشيعة، فإنه يقف من ذلك على ما لا يستجيز معه أن يطلق القول بأنه لا يمكن في إمامتهم عليهم السلام ما أمكن في إمامة أبيهم أمير المؤمنين عليه السلام، وليس يمكن الطعن في هذه الأخبار بأنها آحاد، وأن شروط الأخبار المتواترة مفقودة فيها، وذلك أن الشيعة في هذا الوقت لا شبهة في كثرتها واستحالة اتفاق الكذب منها والتواطؤ عليه، وهي تدعي أنها أخذت هذه الروايات عن سلفها، وأن سلفها أخبرها بمثل ذلك عن سلفها، حتى ينتهي الخبر إلى أصله، وقد بينا فيما تقدم عند الكلام في النص الصريح على أمير المؤمنين عليه السلام صحة هذه الطريقة، وأجبنا عن الأسئلة والإيرادات عليها فلا حاجة بنا إلى استقصائها هاهنا.

وأما الطريقة الثانية فهو أن يعتمد في إمامة كل واحد منهم على طريقة الاعتبار، والبناء على الأصول المتقررة في العقول من غير رجوع إلى النقل، فنقول في إمامة الحسن عليه السلام: إن الناس لما قبض الله تعالى أمير المؤمنين عليه السلام إلى جنبه كانوا في باب الإمامة على ضروب، فمنهم من نفاها وادعى أنه لا إمام في العالم، وهم الخوارج ومن وافقهم، وقولهم يبطله قيام الدلالة العقلية على وجوب الإمامة، وقد تقدمت، ومنهم من قال بإمامة معاوية بن أبي سفيان، ويبطل قول هؤلاء ما يفترقون معنا به من فقد عصمته التي قد تقدمت دلالتنا على وجوب اعتبارها في الإمام، وهذا كاف في إبطال إمامته، وإن كان لنا أن نتخطى ذلك إلى ما ظهر من كفره ومجاهرته بما ينفي العدالة، ويرفع حكم الاسلام ومنهم من قال بإمامة محمد بن الحنفية رضوان الله عليه، وهؤلاء أحد فرق الكيسانية، ويبطل قول هؤلاء إذا ادعوا في محمد بن الحنفية ما نوجبه للأئمة من العصمة وغيرها، وحملوا أنفسهم - أعني هؤلاء القوم

الصفحة 147
من الكيسانية - على هذه المقالة، وقد بينا على ذلك أن ابن الحنفية ما زال تابعا لأخويه عليهما السلام مقدما لهما على نفسه، راجعا إليهما، ومعولا عليهما، والمفضول لا يكون إماما، وحالهما عليهما السلام في العلم والفضل عليه ظاهرة لا تخفى على من سمع الأخبار، وبعد فإنه حضر البيعة لهما بالإمامة، وكان راضيا بهما غير منازع ولا منكر، والتقية منهما عنه زائلة، فكيف يكون مع كل ذلك إماما دونهما؟ وأيضا فإن هؤلاء الكيسانية، ومن وافقهم في إمامة محمد بن الحنفية اختلفوا، فادعى بعضهم أنها كانت له بعد أخويه، بعد تشتت أهوائهم، وتفرق آرائهم، وادعى بعضهم حياة محمد وأنه بين أسد ونمر في جبال رضوى إلى غير ذلك من المذاهب التي ألجأتهم الحيرة إليها، وقد انقرضوا فلا عين لهم ولا أثر منذ السنين الطوال، وما رأينا أحدا منهم، ولا من كان قبلنا بمدد بعيدة، فلو كان قولهم حقا لما جاز أن ينقرضوا حتى لا يقول قائل به من الأمة في زمان بعد زمان، ولا في زمان واحد لأن الحق لا يخرج غن أقوال جميع الأمة، فلم يبق إلا قول من قال بإمامة الحسن وهم على ضربين، منهم من ذهب إليها من طريق الاختيار، وقول هؤلاء يفسد بما دللنا عليه من وجوب النص، فلم يبق إلا قول من أوجبها بالنص عليه، وهو الحق المبين، لأنه لو ساوى هذا القول ما تقدم من الأقوال في الفساد لاقتضى ذلك خروج الحق من الأمة، وقد بينا ذلك، وأنت إذا اتبعت هذه الطريقة وسلكتها في إمامة الحسين عليه السلام ومن بعده من الأئمة وجدتها نهجا واضحا وطريقا جددا (1) لأن كل من ذهب في الإمامة إلى غير مذهبنا في إمام كل زمان بعينه إما أن ينفي وجوبها أو يثبتها لمن يعترف بنفي صفات الأئمة التي أوجبناها بحجج العقول عنه، أو يدعي حياة ميت قد علم

____________

(1) الجدد - بالتحريك -: المستوي من الأرض.


الصفحة 148
ضرورة موته أو يثبتها بطريق مثل الاختيار، أو الدعوة على مذهب الزيدية، وقد دلت العقول أيضا على إن الطريق إليها لا يكون إلا النص والمعجز، وهذه الطريقة إذا سلكت في إمامة صاحب زماننا هذا عليه السلام كانت أوضح من غيرها وأحسم لكل شبهة، وأقطع لكل شغب، لأن الإمام إذا وجبت عصمته والنص عليه فلم يبق في أقوال المختلفين في إمام هذا الزمان ما يجوز أن يكون مطابقا لهذه الأدلة إلا قولان قول الإمامية الذاهبين إلى إمامة ابن الحسن عليه السلام وقول شذاذ لم يبق منهم إلا صبابة (1) قد كاد الانقراض يأتي عليهم كما أتى على أمثالهم، وهم الواقفة على موسى بن جعفر عليه السلام، وهؤلاء يبطل قولهم - وإن كانت الشبهة به زائلة وقتنا هذا - ما يعلمه جميع الأمة ضرورة وفاة موسى ابن جعفر عليه السلام، ومشاهدة كثير من الناس له ميتا على حد أن لم يزد في الوضوح على موت آبائه عليهم السلام لم ينقص عنه، فلم يبق ما يجوز أن يكون صحيحا إلا قول من ذهب إلى إمامة ابن الحسن، فيجب أن يكون صحيحا وإلا أدى ذلك إلى أن الحق مفقود من أقوال الأمة، وهذه الجملة تبين إن ما ادعى صاحب الكتاب تعذره علينا ممكن سهل بحمد الله ومنه.

فأما قوله: " إن الغيبة إن كان الخوف سببها فقد كان يجب أن يحصل غيبة الأئمة في أيام بني أمية، وكثير من أيام بني العباس لأن الخوف كان هناك أظهر وأكثر " فأول ما نقوله في ذلك: إن الأمر بخلاف ما ظنه من زيادة الخوف في تلك الأيام على غيرها، لأنا نعلم إن من عدا إمام زماننا عليه السلام من آبائه عليهم السلام لم يكن أحد منهم يدعى له، ويحكم فيه، وينتظر منه إظهار العدل في مشارق الأرض ومغاربها وابتزاز

____________

(1) الصبابة - بالضم -: بقية الماء في الإناء.


الصفحة 149
الأمر من أيدي الجائرين والمتغلبين، ولا أنه (1) صاحب الزمان، والمهدي المنتظر لا صلاح ما فسد من الأمور، وارتجاع ما غصب من الحقوق، وهذا كله موجود في إمامة صاحب الزمان مفقود في إمامة من تقدمه من آبائه سلام الله عليهم أجمعين، ولهذا كتمت ولادته، وأخفي في الابتداء أمره، وكيف لا يكون الحال كذلك، ولما مات الحسن عليه السلام جمع جواريه وسراريه (2) واحتاط عليهم المتملك في ذلك الوقت للأمر ليظهر له ميلاد القائم عليه السلام الذي ينتظر منه العجائب، وقلب الدول والممالك، ولم يعلم أن ميلاده قد تقدم، وإنه عليه السلام ولد قبل وفاة أبيه صلوات الله عليهما بزمان طويل فكيف يجمع منصف بين أحوال صاحب الزمان مع ما ذكرناه وأحوال من تقدم من آبائه عليهم السلام فيما يقتضي الخوف والغيبة والاستتار والأمن، وكيف يضم في باب الخوف والتقية من المتملكين للأمور، والمستبدين بالدول بين من لا يخافونه على ما في أيديهم ولا ينازعهم شيئا من أمورهم، ولا يقضى له ولا يدعى فيه أنه المنصور عليهم، والسالب لنعمتهم، وبين من تجتمع فيه هذه الصفات، والفرق بين هذين الأمرين فيما يدعو إلى الخوف والتقية أوضح من أن يطنب فيه، وهو بالعكس مما قضى به صاحب الكتاب على أن أحوال الخائف إنما يرجع فيها إلى اعتقاداته، فظنونه واعتقاداته بحسب ما يظهر له من الإمارات التي تقتضي الخوف أو الأمن ولا مرجع في أحوال

____________

(1) أي ولا أن أحدا من الأئمة أدعي له.

(2) السرية: الأمة التي بوأتها بيتا، وهي فعيلة منسوبة إلى السر وهو الإخفاء لأن الإنسان كثيرا ما يسرها عن حرته، وهي بضم السين وإنما ضمت السين لأن الأبنية قد تغير في النسب خاصة كما قالوا بالنسبة إلى الدهر دهري، وإلى الأرض السهلة سهلي بضم أولهما والجمع " سراري " وقال الأخفش: هي مشتقة من السرور لأنه يسر بها يقال:

تسرر جارية وتسرى أيضا، مثل تظنن وتظنى.


الصفحة 150
الإنسان من خوف وأمن إلى غيره، ولهذا نجد كثيرا من العقلاء يقدم في بعض المجالس التي يلزم فيها الخوف والتقية في الظاهر على أفعال وأقوال لا نراه يقدم على مثلها في غير ذلك المجلس مما لا يظهر لنا فيه قوة إمارات الخوف، ولا يلزم أن ننسبه إلى السفه من حيث لم يظهر لنا ما ظهر له، لأنه يجوز أن يختص بإمارات تقتضي شدة الخوف في الموضع الذي يظهر لنا فيه ضعف الخوف ويختص بإمارات تقتضي ضعف الخوف في الموضع الذي يظهر لنا قوته، والعادات تشهد بما ذكرناه شهادة لا يحتاج معها إلى الاكثار فيه.

فأما قوله: " وكيف تصح الغيبة مع شدة الحاجة إلى الإمام فيما يتصل بالتكليف، ولئن جاز ذلك ليجوزن أن لا ينصب الأدلة للمكلف مع قيام التكليف " فقد مضى الكلام في هذا المعنى مستقصى وتكرر في أثناء نقضنا عليه، وبينا أن سبب الغيبة هو فعل الظالمين، وتقصيرهم فيما يلزم من تمكين الإمام فيه والإفراج بينه وبين التصرف فيهم، وبينا أنهم مع الغيبة متمكنون من مصلحتهم بأن يزيلوا السبب الموجب للغيبة ليظهر الإمام، وينتفعوا بتدبيره وسياسته، وفرقنا بين ذلك وبين أن لا ينصب الله تعالى الأدلة للمكلف، أو لا يمكنه، بأن قلنا: لو فعل ذلك - تعالى عنه علوا كبيرا - لكان مكلفا لما لا يطاق، ولكان فقد العلم والانتفاع به من قبله تعالى خاصة، ولا مدخل للمكلف فيه، ولا أتى فيه من تقصيره وغيبة الإمام بخلاف ذلك لأن التمكن من المصالح معها ثابت، وما فقد من المنافع بالغيبة مرجعه إلى الظالمين الذين سببوها وألجأوا إليها.

فأما قوله: " هلا وجب على مذهبهم حراسة إمام الزمان من جهة الله تعالى، وأن يعصمه من كل مخافة " فإنا نقول له في ذلك: الحراسة والعصمة من المخافة على ضربين فمنها ما لا ينافي التكليف، ولا يخرج المكلف إلى حد الالجاء، وهذا القسم قد فعله الله تعالى على أبلغ الوجوه وحرس

الصفحة 151
الإمام بالحجة وأيده ونصره بالأدلة، وأما القسم الآخر فهو ما نافى التكليف وأخرج من استحقاق الثواب والعقاب، وإلزامنا هذا القسم من عجيب الأمور لأن الإمام إنما يحتاج إليه للمصلحة في التكليف فكيف يجمع بينه وبين ما نافاه ونافى التكليف، وهل هذا إلا مناقضة من الملزم أو قلة تأمل لما يقوله خصومه.

فأما ما حكاه عن واصل بن عطاء من ذكر الفترة والاستشهاد بالقرآن وإجماع علماء المسلمين عليها، فمن بعيد الكلام عن موقع الحجة، لأن قوله تعالى: (يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل أن تقولوا ما جاءنا من بشير ولا نذير) (1) صريح في أن الفترة تختص الرسل، وأنها عبارة عن الزمان الذي لا رسول فيه، وهذا إنما يلزم من ادعى أن في كل زمان حجة هو رسول فأما إذا لم يزد على ادعاء حجة وجواز أن يكون رسولا وغير رسول فإن هذا الكلام لا يكون حجاجا عليه.

فأما ادعاؤه إجماع علماء المسلمين على الفترات بين الرسل، فإن أراد بالفترات خلو الزمان من رسول وحجة فلا إجماع في ذلك، وكل من يقول بوجوب الإمامة في كل زمان وعصر يخالف في ذلك، فكيف يدعى الإجماع وهذه الجملة تبين فساد جميع ما أورده في الفصل الذي حكيناه إلى آخره.

____________

(1) المائدة 19.