الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى
جلوسا عند جعفر بن عمرو بن حريث فقال حدثني والدي أن عليا عليه السلام لم يقم مرة على المنبر إلا وقال في آخر كلامه قبل أن ينزل (ما زلت مظلوما منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله ".
وروى إبراهيم قال أخبرنا عباد (1) قال حدثنا علي بن هاشم قال حدثنا أبو الجحاف عن معاوية بن ثعلبة قال جاء رجل إلى أبي ذر رحمة الله عليه وهو جالس في المسجد الأعظم وعلي عليه السلام يصلي أمامه فقال: يا أبا ذر ألا تحدثني بأحب الناس إليك فوالله لقد علمت أن أحبهم إليك أحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: أجل والذي نفسي بيده إن أحبهم إلي لأحبهم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وهو هذا الشيخ المظلوم المضطهد حقه.
وقد روي من طرق كثيرة أنه عليه السلام كان يقول: (أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الله يوم القيامة) وقوله عليه السلام (يا عجبا بينما هو يستقبلها في حياته إذ عقدها لآخر بعد وفاته) مشهور.
وروى إبراهيم قال حدثني عثمان بن سعيد قال حدثنا علي بن عابس عن أبي الجحاف عن معاوية بن ثعلبة أنه قال ألا أحدثك حديثا لو يختلط؟ قلت: بلى، قال: مرض أبو ذر مرضا شديدا فأوصى إلى علي عليه السلام فقال له بعض من يدخل عليه لو أوصيت إلى أمير المؤمنين كان أحمل من وصيتك إلى علي عليه السلام فقال: قد والله أوصيت إلى أمير المؤمنين حقا، أمير المؤمنين.
وروى عبد الله بن جبلة الكناني عن ذريح المحاربي عن أبي حمزة الثمالي عن جعفر بن محمد عن آبائه عليهم السلام أن بريدة كان غائبا بالشام فقدم وقد بايع الناس أبا بكر فأتاه في مجلسه فقال يا أبا بكر هل
____________
(1) أي عباد بن يعقوب الأسدي أحد من يروي عنهم الثقفي، وفي الأصلين " العباد ".
|
وقد روي أيضا من طرق مختلفة وبألفاظ متقاربة المعاني خطاب سلمان الفارسي رضي الله عنه للقوم وإنكاره ما فعلوه، وقوله: " أصبتم وأخطأتم أصبتم سنة الأولين وأخطأتم أهل بيت نبيكم " وقوله: " ما أدري أنسيتم أم تناسيتم أم جهلتم أم تجاهلتم " وقوله: " والله لو أعلم أني أعز لله دينا وأمنع لله ضيما، لضربت بسيفي قدما قدما " (1) ولم نذكر أسانيد هذه الأخبار وطرقها وألفاظها لطول ذلك ومن أراده أخذه من مظانه وهذا الخلاف من سلمان وبريدة لا ينفع فيه أن يقال رضي سلمان بعده، وتولى الولايات وأمسك بريدة وسلم وبايع لأن تصريحهما بسبب الخلاف يقتضي أن الرضا لا يقع منهما أبدا وأنهما وإن كانا كافين في المستقبل عن الانكار لفقد النصار والخوف على النفس فإن قلوبهم منكرة ولكن ليس لمضطر اختيار.
وروى إبراهيم الثقفي عن يحيى بن عبد الحميد الحماني عن عمرو ابن حريث عن حبيب بن أبي ثابت عن ثعلبة بن يزيد الحماني عن علي عليه السلام قال سمعته يقول: (كان فيما عهد إلي النبي صلى الله عليه وآله الأمي أن الأمة ستغدر بك من بعدي).
وروى إبراهيم عن إسماعيل بن عمرو البجلي قال حدثنا هشام بن بشير الواسطي عن إسماعيل بن سالم الأسدي عن أبي إدريس الأزدي عن
____________
(1) انظر رجال البرقي ص 63 واحتجاج الطبرسي 1 / 110.
|
____________
(1) إخبار النبي صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام (أن الأمة تغدر به) أخرجه الخطيب في تاريخ بغداد 11 / 216 والحاكم في المستدرك 3 / 140 و 142 وابن عساكر في تاريخ دمشق 3 / 115 ط المحمودي بترجمة علي عليه السلام من عدة طرق.
(2) كظم غيظه: اجترعه، والغيظ: الغضب الكامن.
(3) الكلكل: الصدر.
(4) يعني سهمها في الميراث، ويرى بعضهم أنه تعريض بأبي بكر (رض) لتوقفه في معرفة ميراث الجدة حتى روي له: أن لها السدس، قال: ولماذا خص الجدة مع السدس يكون لكل واحد من الأبوين مع الولد، وللأم مع الإخوة، وللأب مع الأبناء وللأخ من الأم والأخت الواحدة منها الخ...
(5) رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق 3 / 101 و 174 بترجمة أمير المؤمنين عليه السلام وانظر المجلد الثامن من البحار ص 73.
|
وروى الواقدي في كتاب الجمل بإسناده أن أمير المؤمنين عليه السلام حين بويع خطب فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (حق وباطل ولكل أهل لئن أمر الباطل لقديما فعل ولئن قل الحق لربما ولعل، ولقل ما أدبر شئ فأقبل وإني لأخشى أن تكونوا في فترة وما علينا إلا الاجتهاد وقد كانت أمور مضت ملتم فيها ميلة كانت عليكم، ما كنتم عندي فيها بمحمودين، أما والله إني لو أشاء لقلت، عفا الله عما سلف، سبق الرجلان، وقام الثالث كالغراب همته بطنه، يا ويله لو قص جناحه، وقطع رأسه لكان خيرا له) في كلام طويل بعد هذا وقد روى هذه الخطبة غير الواقدي من طرق مختلفة (2).
____________
(1) في تلخيص الشافي 3 / 52 " فقال: لا عق وظلم " ولا ريب أنه تحريف وما في المتن أوجه.
(2) هذه الخطبة نقل مختارها الشريف الرضي في نهج البلاغة 1 / 46 وقال ابن أبي الحديد في ج 1 / 257 معلقا عليها: " هذه الخطبة من جلائل خطبه عليه السلم ومن مشهوراتها رواها الناس كلهم وفيها زيادات حذفها الرضي إما اختصارا وإما خوفا من إيحاش السامعين " قال: " وقد ذكرها شيخنا أبو عثمان على وجهها " وقال إنها: أول خطبة خطبها في خلافته " أما كتاب الجمل فلم يعلم مستقره الآن، ولكن ابن أبي الحديد ينقل عنه كثيرا في ثنايا شرحه على النهج وكذلك الشيخ المفيد في كتاب " الجمل " المسمى ب " النصرة لحرب البصرة ".
|
فإن قيل: هذه أخبار آحاد لا توجب علما ولا يرجع بمثلها عن المعلوم، والمعلوم أن الخلاف لم يظهر على حد ظهوره في الأول، ولم يروها أيضا إلا متعصب غير موثوق بأمانته.
قلنا: أما هذه الأخبار وإن كانت على التفصيل أخبار آحاد فمعناها قد رواه عدد كثير، وجم غفير فصار المعنى متواترا به، وإن كان اللفظ والتفصيل يرجع إلى الآحاد ولا نعمل إلا على اقتراحكم في أنها آحاد أليس يجب أن تكون مانعة من القطع على ارتفاع النكير، وادعاء العلم بأن الخلاف قد زال وارتفع، لأنه لا يمكن مع هذه الأخبار وهي توجب الظن إن لم توجب العلم أن يدعى العلم بزوال الخلاف.
فأما قول السائل: إنا لا نرجع بها عن المعلوم فأي معلوم هاهنا رجعنا بهذه الأخبار عنه؟ فإن ذكر الإجماع أو زوال الخلاف فكل ذلك لا يثبت إلا مع فقد ما هو أضعف من هذه الأخبار، وزوال الخلاف لا يكون معلوما مع وجودنا رواية واردة، وإنما يتوصل إلى الرضا والاجماع بالكف عن النكير وزوال الخلاف، وإذا كان الخلاف والنكير مرويين من جهة ضعيفة أو قوية كيف يقطع على ارتفاعها وزوالهما.
____________
(1) لم يحصل، خ ل.
|
فإن قيل: هذا يؤدي إلى الشك في ارتفاع كل خلاف.
قلنا: إن كان الطريق فيما تشيرون إليه يجري مجرى ما يتكلم عليه في هذا الباب فلا سبيل إلى القطع على انتفائه وكيف يقطع على انتفاء أمر وهو مروي منقول، وإنما يقطع على ذلك في الموضع الذي لا يوجد فيه نقل الخلاف ولا رواية النكير.
فإن قيل: الشئ إذا كان مما يجب ظهوره إذا كان فإنا نستدل بانتفاء ظهوره على انتفائه ولا نحتاج إلى أكثر من ذلك، ولهذا نقول: لو كان القرآن عورض لوجب أن تظهر معارضته على حد ظهور القرآن، فإذا لم نجدها ظاهرة قطعنا على انتفائها، ولو روى لنا راو من طرق الآحاد أن معارضته وقعت لم يلتفت إلى روايته، وهذه سبيل ما يدعونه من النكير الذي لم يثبت، ولم يظهر.
قلنا: قد شرطت شرطا كان ينبغي أن تراعيه، وتوجدناه فيما اختلفنا فيه، لأنك قلت: إن كل أمر لو كان لوجب ظهوره متى لم يظهر يجب القطع على انتفائه، وهذا صحيح وبه تبطل معارضة القرآن على ما ذكرت، لأن الأمر في أنها لو كانت لوجب ظهورها واضح، وعليه يبتني الكلام، وليس هذا موجودا في النكير على أصحاب الاختيار لأنك لا تقدر على أن تدل أن نكيرهم يجب ظهوره لو كان، وأن الداعي إليه داع إلى إظهاره، بل الأمر بخلاف ذلك، لأن الانكار على مالك الحل والعقد،
|
فأما الوجه الثاني الذي وعدنا بذكره وشرحه، وهو المتضمن لتسليم ما يدعونه من أن الخلاف ارتفع وانقطع، غير أنه لم يكن ارتفاعه عن رضا وإجماع فنحن نذكره في الفصل الذي يلي هذا الكلام، لأن الذي نحكيه من كلام صاحب الكتاب يقتضي ذلك ومن تأمل جملة ما أوردناه علم دخول الكلام على ما أورده صاحب الكتاب في الفصل الذي حكيناه فيها، فإنها مزيلة لما تضمنه من شبهة.
فأما دعواه أن الأمر انتهى إلى أنه لم يكن في الزمان إلا راض بإمامته أو كاف عن النكير، فقد بينا أن الأمر بخلاف ذلك، وأن الخلاف وقع في الأصل ظاهرا ثم استمر ولم ينقطع، وإن لم يكن استمراره في الظهور بحسب ابتدائه.
فأما قوله: (إن كل من يدعى عليه الخلاف فإنه ثبت عنه قولا وفعلا الرضا والبيعة) فقد بينا وسنبين أن الأمر بخلافه، وأن الذي عمدته عليه من الكف عن النزاع والامساك عن النكير ليس بدلالة على الرضا لأنه وقع عن أسباب ملجئة وكذلك سائر ما يدعي من ولاية من تولى من
|
فأما بناؤه العقد الأول على الثاني، وأنه لما ظهر في الثاني من الرضى والانقياد لطول الأيام وتماديها ما لم يظهر في الأول جاز أن يجعل أصلا له فالكلام على العقد الأول الذي ذكرناه مستمر في الثاني بعينه، لأن خلاف من حكينا خلافه وروينا عنه ما روينا هو خلاف في العقدين جميعا، ثم لو سلمنا ارتفاع الخلاف على ما اقترح لكان ذلك لا يدل على الرضا إذا بينا ما أحوج إليه وألجأ إلى استعماله.
فأما كلامه في سعد بن عبادة وتشككه في موته، وهل كان متقدما أو متأخرا فمما لا يحتاج إليه، لأن الخلاف لم يكن من سعد وحده فينعقد الإجماع بعد موته، وخلاف غير سعد في هذا الباب هو المعول عليه ممن بقي واستمر خلافه، على أن سعدا لما مات لم يمت ولده ولا أقاربه، ومعلوم أن هؤلاء امتنعوا من البيعة كامتناع سعد.
وأما قوله: (إن سعدا لا يعتد به من حيث طلب الإمامة لنفسه، وكان مبطلا في ذلك واستمر على هذه الطريقة فلا اعتبار بخلافه) فليس بشئ يعول على مثله، لأنا قد بينا فيما تقدم، أن الذي عول عليه صاحب الكتاب وأصحابه في دفع الأنصار عن الأمر لم يثبت ثبوتا يقتضي أن يقطعوا معه على أن مذهب سعد في طلب الإمامة لنفسه باطل، وأنهم إنما عولوا في صحة الخبر المروي في هذا الباب على الإجماع، وتسليم الأمة، ولا إجماع مع خلاف سعد وذويه (1) ولا نعمل إلا على أن سعدا كان مبطلا في طلب الإمامة لنفسه على غاية ما يقترح، فلم لا يعتد بخلافه وهو خالف في أمرين أحدهما أنه اعتقد أن الإمامة تجوز للأنصار،
____________
(1) في المخطوطة " ودونه " ولعله " وما دونه " أو تصحيف " ذويه ".
|
فأما قوله: (إن سعدا وحده لا يكون محقا ولا يمكن أن يقال: إن خروجه مما عليه الأمة يؤثر في الإجماع) فعجيب لأنا لا نعلم من أي وجه استبعد أن يكون سعد وحده محقا من بين سائر الأمة، وهل سعد في ذلك إلا كغيره ممن يجوز أن يخالف جمهور الأمة فلا يعد القول إجماعا لموضع خلافه.
فأما قوله: (إن الخلاف الواحد والاثنين لا يعتبر به من حيث لا يجوز أن يكون سبيلا للمؤمنين، وقول الجماعة يصح ذلك فيه) فأول ما فيه أنه قد كان لسعد من ولده من يجوز أن يتناوله الكنايات عن الجماعات، لأن أقل من يتناوله الكناية ثلاثة فصاعدا.
وبعد، فإن أمير المؤمنين (1) إذا كان اسما مستغرقا لجميع من يستحق هذا الاسم فمعلوم أنه يكون مجازا متى عبر به عن بعضهم، والواحد والاثنان إذا خرجا من جملة المؤمنين لم يكن هذا الاسم متناولا للباقين على الحقيقة، وكان مجازا فيهم وإذا جاز لصاحب الكتاب أن يجريه مجازا على بعض المؤمنين جاز لغيره أن يجريه مجازا على الواحد والاثنين.
فأما قوله في سعد: (هذا إن صح أنه بقي على الخلاف لأنه لا يمتنع
____________
(1) يعني المأمور باتباع سبيلهم.
|
قال صاحب الكتاب: (فإن قيل كيف ادعيتم الإجماع [ على بيعة أبي بكر ] (1) وقد تأخر عن ذلك أمير المؤمنين (ع) وخالد بن سعيد بن العاص وظهر الخلاف عن سلمان [ وعن الزبير وظهر عن أبي ذر وحذيفة والمقداد وعمار الانحراف عن ذلك ] (1).
ثم قال: (قيل له: لا أحد ممن ذكرته إلا وقد بايع ورضي وظهر ذلك عنه فقد حصل الإجماع مستقرا لأنا لا ننكر في الابتداء وقع التأخر، والتباطؤ من بعضهم عن بيعته، وقال شيخنا أبو هاشم: روي أنه عليه السلام تأخر عن بيعة أبي بكر أربعين صباحا، وقال قوم ستة أشهر والأقرب أنه تأخر لاستيحاشه منهم من حيث استبدؤا بالأمر ولم يتربصوا بإبرام العقد حضوره، وإنما تأخر أياما يسيرة ولعله كان أربعين يوما ولم يكن أبو بكر يلتمس منه المبادرة فيكون مخالفا عليه، وكيف يكون مخالفا وهو الذي أشار عليه بقتال أهل الردة وكان ذلك في أول أيامه وأنكر على أبي سفيان قوله: أرضيتم يا بني عبد مناف أن يلي عليكم تيم امدد يدك أبايعك فلأملأنها على فلان خيلا ورجلا، بأن قال: (أمسك عليك فطالما غششت الاسلام) ولو كان ينكر إمامة أبي بكر لم يخف أن يظهر ذلك كما أظهره أبو سفيان، وكان ذلك من أبي سفيان حدثان وقوع البيعة وقال له العباس لما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله: امدد يدك أبايعك وآتيك
____________
(1) الزيادة في الموضعين من المغني.
|
ثم قال: (فإن قيل: إنه قد روي أنه بايع مكرها أو كارها أو خوف أو هدد حتى بايع فلا يصح (4) ما ذكرتموه.
____________
(1) غ " اثنان ".
(2) غ " مع فضله " وكذلك في المخطوطة.
(3) غ " واشتد ".
(4) غ " فلا يتم ".
|
____________
(1) غ " لم يكن ".
(2) غ " المقام العظيم ".
(3) غ " من الحسن عليه السلام ".
|
ثم ذكر بعد ذلك من شجاعة أمير المؤمنين عليه السلام وقوته ما
____________
(1) في المغني " يزيد الملعون " وكل ما مر من نقل المرتضى عن " المغني " هو في ص 284 و 285 من الجزء المذكور.
(2) الزيادة من " المغني ".
|
ثم قال: (واعلم أن التقية متى لم يكن لها سبب لم يصح ادعاؤها وسببها معلوم وهو الخوف الشديد، وظهور إمارات ذلك وقد بينا من قبل في باب الاكراه الحال في ذلك وبينا أن في كثير من الأوقات إظهار الحق هو أولى يبين ما ذكرناه (1) أنه مع فقد السبب لو جاز ادعاء التقية لم يأمن في أكثر ما ظهر من الرسول صلى الله عليه وآله قولا وفعلا أنه كان على طريق التقية، وفي ذلك إبطال معرفة كثير من الشرائع، ولم صار بأن يقال: إنه كان يتقي فيعظم أبا بكر وعمر بأولى من أن يحمل تقديمه لأمير المؤمنين عليه السلام على مثل ذلك، وهذا يخرج كون مدحه وذمه من أن يكون دلالة وما أوجب ذلك يوجب خروج أفعاله وأقواله من أن تكون دلالة فكيف يصح أن يقال: إن أمير المؤمنين إنما ظهر منه مدح أبي بكر وعمر ومعاضدتهما على طريق التقية ولا سبب هنا يوجب ذلك ولو أمكن أن يدعي في ابتداء البيعة التقية ما كان يمكن في سائر الأحوال وهلا ظهرت التقية منه يوم الجمل وصفين مع عظيم ما رفع إليه؟ والمتعالم من حاله عليه السلام أنه كان يتشدد في مواضع رخص على أن المتعالم من حال أبي بكر أنه لم يكن من القوة في نفسه وأعوانه بحيث يخاف منه فقد كان يجب أن يظهر منه عليه السلام الانكار فعلا وقولا بحيث يشتهر لا سيما على قولهم إنه حجة [ فيما يأتي ويذر (2)...) (3).
يقال له: من أين قلت: إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يبايع
____________
(1) غ " على ما قلناه ".
(2) ما بين الحاصرتين من " المغني ".
(3) المغني 20 ق 1 / 290.
|
فإن قال: لو لم يرض لم يكف عن النكير ولا قام على الخلاف.
قيل له: ولم زعمت ذلك؟ وهل هذا إلا مجرد الدعوى، وإنما كان يصح هذا الكلام لو كان لا وجه لترك النكير الكف عنه إلا الرضا دون غيره، فأما إذا كان ترك النكير قد يقع ويكون الداعي إليه غير الرضا كما قد يدعو إليه الرضا فليس لأحد أن يجعل فقده دليل الرضا لأن النكير قد يرتفع لأمور منها التقية والخوف على النفس وما جرى مجراها، ومنها العلم أو الظن بأنه يعقب من المنكر ما هو أعظم من المنكر الذي يراد إنكاره، ومنها، الاستغناء عنه بنكير قد تقدم، وأمور ظهرت ترفع اللبس والايهام في الرضا بمثله، ومنها أن يكون للرضا (1) فإذا كان ترك النكير منقسما لم يكن لأحد أن يخصه بوجه واحد، وإنما يكون ترك النكير دالا على الرضا في الموضع الذي لا يكون له وجه سوى الرضا فمن أين لصاحب الكتاب وأهل مقالته أنه لا وجه لترك النكير هاهنا إلا الرضا؟ فإن قال: ليس الرضا أكثر من ترك النكير فمتى علمنا ارتفاع النكير علمنا الرضا.
قلنا: هذا مما قد بينا فساده وبينا أن ترك النكير منقسم إلى الرضا وغيره.
وبعد، فما الفرق بينك وبين من قال: وليس السخط أكثر من ارتفاع الرضا فمتى لم أعلم الرضا أو أتحققه قطعت على السخط، فيجب على من ادعى أن أمير المؤمنين عليه السلام كان راضيا أن ينقل ما يوجب كونه كذلك ولا يعتمد في أنه كان راضيا على أن يكسره ارتفاع فإن لقائل أن يقول مقابلا لذلك ما ذكرناه، ونجعل دليل كونه ساخطا ارتفاع رضاه.
____________
(1) خ " الرضا ".
|
قيل له: ليس الأمر على ما قدرته لأن سخط أمير المؤمنين عليه السلام هو الأصل لأنه لا خلاف بين الأمة في أنه عليه السلام سخط الأمر وأباه ونازع فيه، وتأخر عن البيعة، ثم إنه لا خلاف في أنه في المستقبل بايع وترك النكير (1) فنقلناه عن أحد الأصلين اللذين كان عليهما من الامتناع عن البيعة وإظهار الخلاف أمر معلوم، ولم ينقلنا عن الأصل الآخر الذي هو السخط والكراهة شئ فيجب على من ادعى تغير الحال أن يدل على تغيرها، ويذكر أمرا معلوما يقتضي ذلك، ولا يرجع ذلك علينا فيلزمنا أن ندل نحن على ما ذكرناه، لأنا على ما بيناه آنفا متمسكون بالأصل المعلوم، وإنما تجب الدلالة على من ادعى تغير الحال، وليس له أن يجعل البيعة وترك النكير دلالة الرضا لأنا قد بينا أن ذلك (2) ينقسم ولا ينتقل من المعلوم المتحقق بأمر محتمل.
فإن قال: هذه الطريقة التي سلكتموها توجب الشك في كل إجماع، وتمنع من أن يقطع على رضا أحد بشئ من الأشياء لأنا إنما نعلم الرضا في كل موضع نثبته فيه بمثل هذه الطريقة، وما هو أضعف منها.
قيل له: إن كان لا طريق إلى معرفة الإجماع ورضا الناس بالأمور إلا ما ادعيته فلا طريق إليه، لكن الطريق إلى ذلك واضحة، وهو أن
____________
(1) أظهر البيعة ولم يفهم على ما كان عليه من إظهار الخلافة والنكير، خ ل.
(2) " ذلك " أشار إلى ترك النكير كما تقدمت أقسامه قبل قليل.
|
وقد روى أبو الحسن أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري - وحاله في الثقة عند العامة والبعد عن مقاربة الشيعة والضبط لما يرويه معروف - قال: حدثني بكر بن الهيثم (2) قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال بعث أبو بكر عمر بن الخطاب إلى علي عليه السلام حين قعد عن بيعته وقال إئتني به بأعنف العنف، فلما أتاه جرى بينهما كلام فقال له علي عليه السلام: احلب حلبا لك شطره
____________
(1) شك خ ل.
(2) ابن هشام خ ل.