الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى
ونحن مشيخة قريش؟ فقال عمر: " يا رسول الله مرني حتى أضرب عنقه ".
فقد طعن في إمارته (1) ثم قال عمر أنا أخرج في جيش أسامة، تواضعا وتعظيما لأمره له عليه السلام (2).
يقال له: أما كون أبي بكر في جملة جيش أسامة فظاهر قد ذكره أصحاب السير والتواريخ (3) وقد روى البلاذري في تاريخه وهو معروف الثقة والضبط ويرى من مماثلة الشيعة ومقاربتها أن أبا بكر وعمر كانا معا في جيش أسامة والانكار لما يجري هذا المجرى لا يغني شيئا، وقد كان يجب على من أحال بذلك على كتب المغازي في الجملة أن يومي إلى الكتاب المتضمن لذلك بعينه ليرجع إليه.
فأما خطابه بالتنفيذ للجيش فالمقصود به الفور دون التراخي، أما من حيث مقتضى الأمر على مذهب من رأى ذلك لغة أو شرعا (4) من حيث وجدنا جميع الأمة من لدن الصحابة إلى هذا الوقت يحملون أوامره ونواهيه عليه السلام على الفور، ويطلبون في تراخيها الأدلة ثم لم يثبت كل ذلك لكان قول أسامة: لم أكن لأسأل عنك الركب، أوضح دليل على أنه
____________
(1) ش " بتأميرك إياه ".
(2) كل ما نقله الشريف هنا نقله باختصار وإن كان لم يترك المهم من كلام القاضي انظر المغني 20 ق 1 / من ص 246 - 349.
(3) قال ابن أبي الحديد: إن الأمر عندي في هذا الموضع مشتبه والتواريخ مختلفة في هذه القضية فمنهم من يقول: إن أبا بكر كان في جملة الجيش، ومنهم من يقول: لم يكن، وما أشار إليه قاضي القضاة بقوله: في كتب المغازي، لا ينتهي إلى أمر صحيح (الشرح 17 / 182).
(4) علق ابن أبي الحديد على ذلك بقوله: " أما قول المرتضى: الأمر على الفور أما لغة عند من قال به وشرعا لإجماع الكل على أن الأوامر الشرعية على الفور إلا ما خرج بالدليل، فالظاهر في هذا الموضع صحة ما قاله المرتضى ".
|
وأما ادعاؤه الشرط في أمره عليه السلام بالنفوذ فباطل لأن إطلاق الأمر يمنع من إثبات الشرط، وإنما يثبت من الشروط ما يقتضي العقل إثباتها من التمكن والقدرة، لأن ذلك شرط ثابت في كل أمر ورد من حكيم والمصلحة بخلاف ذلك، لأن الحكيم لا يأمر بشرط المصلحة بل
|
فأما استدلال أبي علي على أن أبا بكر لم يكن في الجيش بحديث الصلاة فأول ما فيه أنه اعتراف بأن الأمر بتنفيذ الجيش كان في الحال دون بعد الوفاة، وهذا ناقض لما بنى صاحب الكتاب عليه أمره صلى الله عليه وآله، ثم إنا بينا أنه صلى الله عليه وآله لم يوله الصلاة، وذكرنا ما في ذلك، ثم ما المانع من أن يوليه تلك الصلاة إن كان ولاه إياها ثم يأمره بالنفوذ من بعد مع الجيش؟ فإن الأمر بالصلاة في تلك الحال لا يقتضي أمره بها على التأييد.
وأما ادعاؤه: أن النبي صلى الله عليه وآله يأمر بالحروب وما يتصل بها عن اجتهاد دون الوحي، فمعاذ الله أن يكون ذلك صحيحا لأن حروبه صلى الله عليه وآله لم تكن مما تختص مصالح الدنيا بل للدين فيها أقوى تعلق لما يعود على الاسلام وأهله بفتوحه من العز والقوة، وعلو
____________
(1) علق ابن أبي علي هذا بقوله: " فأما قول المرتضى: الأمر المطلق يدل على ثبوت المصلحة فقول جيد إذا اعترض به على الوجه الذي أورده قاضي القضاة " لكنه نكص بعد ذلك فقال: " فأما إذا أورده أصحابنا على وجه آخر فإنه يندفع كلام المرتضى، وذلك إنه يجوز تخصيص عمومات النصوص بالقياس الجلي، فلم لا يجوز لأبي بكر أن يخص عموم قوله: " أنفذوا جيش أسامة " لمصلحة غلبت على ظنه في عدم نفوذه نفسه " (شرح نهج البلاغة 17 / 188).
|
فأما الاعتذار في حبس عمر عن الجيش بما ذكره فباطل لأنا قد بينا أن ما يأمر به عليه السلام لا يسوغ مخالفته مع الامكان، ولا مراعاة لما عساه يعرض فيه من رأى غيره، وأي حاجة إلى عمر بعد تمام العقد واستقراره ورضا الأمة به على مذهب المخالف وإجماع الأمة عليه، ولم يكن هناك فتنة ولا تنازع ولا اختلاف يحتاج فيه إلى مشاورته وتدبيره وكل هذا تعلل بالباطل.
فأما محاربة أمير المؤمنين عليه السلام معاوية فلم يكن مأمورا بها إلا مع التمكن ووجود الأنصار، وقد فعل عليه السلام ما وجب (2) عليه لما تمكن منه فأما مع التعذر وفقد الأنصار فما كان مأمورا وليس كذلك القول في جيش أسامة لأن تأخر من تأخر عنه كان مع القدرة والتمكن.
فأما تولية أبي موسى فلا ندري كيف يشبه ما نحن فيه لأنه إنما ولاه بأن يرجع إلى كتاب الله فيحكم بما يقتضيه فيه وفي خصمه بالشرط الذي ولاه عليه، وأبو موسى فعل خلاف ما جعل إليه، فلم يمكن ممتثلا لأمر من ولاه وكذلك خالد بن الوليد إنما خالف ما أمره الرسول صلى الله عليه وآله به فتبرأ من فعله وكل هذا لا يشبه أمره عليه السلام بتنفيذ جيش أسامة
____________
(1) كيف وهو صلى الله عليه وآله في فعله وتقريره القدوة والأسوة.
(2) ش " من ذلك ما وجب ".
|
فأما جيش أسامة فإنه لم يضم من يصلح للإمامة فيجوز تأخرهم ليختار أحدهم على ما ظنه صاحب الكتاب، على أن ذلك لو صح أيضا لم يكن عذرا في التأخر لأن من خرج في الجيش يمكن أن يختار وإن كان بعيدا ولا يمنع بعده من صحة الاختيار، وقد صرح صاحب الكتاب بذلك ثم لو صح هذا العذر لكان عذرا في التأخر قبل العقد فأما بعد إبرامه فلا عذر فيه، فالمعاضدة التي ادعاها قد بينا ما فيها.
فأما قول صاحب الكتاب رادا على من جعل إخراج القوم في الجيش ليتم أمر النص (إن بعدهم لا يمنع من أن يختاروا للإمامة) فيدل على أنه لم يتبين معنى هذا الطعن على حقيقته، لأن الطاعن به لا يقول إنه أنفذهم (1) لئلا يختاروا للإمامة، وإنما يقول إنه أبعدهم حتى ينتصب بعده في الأمر من نص عليه، ولا يكون هناك من يخالفه وينازعه.
فأما قوله: (إنه صلى الله عليه وآله لم يكن قاطعا على موته)، فذلك لا يضر تسليمه أليس كان خائفا ومشفقا وعلى الخائف أن يتجرد مما يخاف منه.
فأما قوله: (لم يرد نفذوا الجيش في حياتي) فقد بينا ما في ذلك فأما ولاية أسامة على من ولى عليه فلا بد من اقتضائها لفضله على الجماعة فيما كان واليا فيه، وقد دللنا فيما تقدم من الكتاب على أن ولاية المفضول على الفاضل فيما كان أفضل فيه منه قبيحة، وكذلك القول في ولاية عمرو بن العاص عليهما والقول في الأمرين واحد.
____________
(1) أبعدهم، خ ل.
|
وأما ما ادعاه من السبب في دخول عمر في الجيش فما نعرفه ولا وقفنا عليه إلا من كتابه، ثم لو صح لم يغن شيئا لأن عمر لو كان أفضل من أسامة لمنعه الرسول صلى الله عليه وآله من الدخول في إمارته، والمسير تحت لوائه، والتواضع لا يقتضي فعل القبيح، وهذه جملة كافية.
قال صاحب الكتاب: (شبهة أخرى لهم. وأحد ما طعنوا به في أبي بكر أنه عليه السلام لم يوله الأعمال، وولى غيره عليه ولما ولاه الحج بالناس وأن يقرأ عليهم سورة براءة عزله عن ذلك، وجعل الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال: (لا يؤدي عني إلا أنا ورجل مني) حتى رجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله).
ثم أجاب عن ذلك أنه لو سلم [ إنه لم يوله ما كان يدل على نقص ولا على أنه لا يصلح للإمارة والإمامة بل لو قيل: ] (1) إنه لم يوله لحاجته إليه بحضرته وإن ذلك رفعة له لكان أقرب لا سيما وقد روى عنه صلى الله عليه وآله ما يدل على أنهما وزيراه فكان صلى الله عليه وآله محتاجا إليهما، وإلى رأيهما فلذلك لم يولهما، ولو كان للعمل على تركه فضل لكان عمرو ابن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما أفضل من أكابر الصحابة لأنه صلى الله عليه وآله ولاهما وقدمهما وقد قدمنا أن توليته هي بحسب الصلاح، وقد يولي المفضول على الفاضل تارة والفاضل [ على المفضول ] أخرى وربما ولى الواحد لاستغنائه عنه بحضرته، وربما ولاه لاتصال بينه وبين من يولي
____________
(1) ما بين المعقوفين ساقط من المغني.
|
ثم ادعى أن ولاية أبي بكر على الموسم والحج قد ثبتت بلا خلاف بين أهل الأخبار، ولم يصح أنه عزله ولا يدل رجوع أبي بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله مستفهما عن القصة على العزل ثم جعل إنكار من أنكر حج أبي بكر في تلك السنة بالناس كإنكار عباد وطبقته أخذ أمير المؤمنين عليه السلام سورة براءة من أبي بكر، وحكي عن أبي علي أن المعنى في أخذ السورة من أبي بكر: (إن من عادة العرب أن سيدا من سادات قبائلهم إذا عقد عقد القوم فإن ذلك العقد لا ينحل إلا أن يحله هو أو بعض سادات قومه، فلما كان هذا عادتهم وأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينبذ إليهم عهدهم وينقض ما كان بينه وبينهم علم أنه لا ينحل ذلك إلا به أو بسيد من سادات رهطه، فعدل عن أبي بكر إلى أمير المؤمنين عليه السلام للقرب في النسب (2) ثم ادعى أنه عليه السلام ولى أبا بكر في حال مرضه أن يصلي (3) بالناس وذلك أشرف الولايات وقال في ذلك: (يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر) ثم اعترض نفسه بصلاته عليه السلام خلف عبد الرحمن بن عوف وأجاب (بأنه عليه السلام صلى خلفه لا أنه ولاه الصلاة وقدمه فيها وإنما قدم عبد الرحمن عند غيبة النبي صلى الله عليه وآله بغير أمره وقد ضاق الوقت فجاء الرسول صلى الله عليه وآله فصلى خلفه) وتكلم على أن ولاية أبي بكر الصلاة لا تدل على النص بالخلافة عليه) بكلام لا طائل في حكايته (4).
____________
(1) المغني 20 ق 1 / 350.
(2) ش " للقرب بالنسب ".
(3) ش " الصلاة ".
(4) المغني 20 ق 1 / 350 و 351.
|
وبعد، فكيف استمرت هذه الحاجة واتصلت منه إليهما، حتى لم يستغن في زمان من الأزمان عن حضورهما فيوليهما، وهل هذا إلا قدح في رأي الرسول صلى الله عليه وآله ونسبته إلى أنه كان ممن يحتاج إلى أن يلقن، ويوقف على كل شئ، وقد نزهه الله تعالى عن ذلك.
فأما ادعاؤه أن الرواية وردت بأنهما وزيراه، وقد كان يجب أن يصحح ذلك قبل أن يعتمده ويحتج به، فإنا ندفعه عنه أشد دفع.
فأما ولاية عمرو بن العاص وخالد بن الوليد فقد تكلمنا عليها من قبل، وبينا أن ولايتهما تدل على صلاحهما لما ولياه، ولا يدل على صلاحهما للإمامة، لأن شرائط الإمامة لم تتكامل فيهما، وبينا أيضا أن ولاية المفضول على الفاضل لا تجوز بخلاف ما ظنه صاحب الكتاب.
فأما تعظيمه واستكباره قول من يذهب إلى أن أبا بكر عزل عن أداء سورة براءة والموسم معا وجمعهما لأمير المؤمنين عليه السلام وجمعه بين ذلك في البعد وبين إنكار عباد أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام ارتجع سورة
____________
(1) ش " فأما ادعاؤه ".
|
فأما ما حكاه من عباد فإنا لا نعرفه ولا أظن أحد يذهب إلى مثله، وليس يمكنه بإزاء ذلك جحد مذهب أصحابنا الذي حكيناه، وليس عباد ولو صحت الحكاية عنه بإزاء من ذكرناه، فهو ملئ بالجهالات ودفع الضرورات.
وبعد، فلو سلمنا أن ولاية الموسم لم تفسخ لكان الكلام باقيا لأنه إذا كان ما ولي مع تطاول الزمان إلا هذه الولاية ثم سلب شطرها والأفخم الأعظم منها فليس ذلك إلا تنبيها على ما ذكرناه.
فأما ما حكاه عن أبي علي من أن عادة العرب أن لا يحل ما عقده الرئيس منهم إلا هو أو المتقدم من رهطه، فمعاذ الله أن يجري النبي صلى الله عليه وآله سنته وأحكامه على عادات الجاهلية، وقد بين عليه السلام سببه لما رجع إليه أبو بكر فسأله عن أخذ السورة منه، فقال: (أوحي إلي أن لا يؤدي إلا أنا أو رجل مني (1)) ولم يذكر ما ادعاه أبو علي على أن هذه العادة قد كان يعرفها النبي صلى الله عليه وآله قبل بعثة أبي بكر بسورة براءة فما باله لم يعتمدها في الابتداء ولم يبعث من يجوز أن يحل عقده من قومه.
____________
(1) تقدم الكلام حول ذلك.
|
وبعد، فأي فرق بين أن يصلي خلفه وبين أن يوليه ويقدمه ونحن نعلم أن صلاته خلفه إقرار لولايته ورضا بها فقد عاد الأمر إلى أن عبد الرحمن كأنه قد صلى بأمره وإذنه على أن قصة عبد الرحمن أوكد لأنه قد اعترف بأن الرسول صلى الله عليه وآله صلى خلفه ولم يصل خلف أبي بكر، وإن ذهب كثير من الناس إلى أنه قدمه وأمره بالصلاة قبل خروجه عليه السلام إلى المسجد وتحامله (2).
فإن قيل: ليس يخلو النبي صلى الله عليه وآله من أن يكون سلم في الابتداء سورة براءة إلى أبي بكر بأمر الله تعالى أو باجتهاده ورأيه، فإن كان بأمر الله تعالى فكيف يجوز أن يرتجع منه السورة قبل وقت الأداء وعندكم أنه لا يجوز نسخ الشئ قبل وقت فعله وإن كان باجتهاده عليه السلام فعندكم أنه لا يجوز أن يجتهد فيما يجري هذا المجرى؟
قلنا: ما سلم السورة إلى أبي بكر إلا بإذنه تعالى إلا أنه لم يأمره بأدائها ولا كلفه قراءتها على أهل الموسم لأن أحدا لا يمكنه أن ينقل عنه عليه السلام في ذلك لفظ الأمر والتكليف فكأنه عليه السلام سلم إليه سورة براءة لتقرأها على أهل الموسم ولم يصرح باسم القارئ المبلغ لها في
____________
(1) ما بين النجمتين ساقط من " شرح نهج البلاغة ".
(2) تحامل: تكلف الشئ على مشقة.
|
فإن قيل: فأي فائدة في دفع السورة إلى أبي بكر وهو لا يريد أن يؤديها عنه ثم ارتجاعها منه، ولا دفعت في الابتداء إلى أمير المؤمنين عليه السلام.
قلنا: الفائدة في ذلك ظهور فضل أمير المؤمنين عليه السلام ومرتبته وأن الرجل الذي نزعت السورة منه لا يصلح لما يصلح له، وهذا غرض قوي في وقوع الأمر على ما وقع عليه * من دفعها إلى أبي بكر وارتجاعها منه * (1) قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى (2) ثم ذكر ما روي عن أبي بكر في الكلالة (3) من قوله أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن
____________
(1) ما بين النجمتين ساقط من " شرح نهج البلاغة ".
(2) هذه الشبهة أوردها القاضي في المغني ج 2 ق 1 / 352 ونقلها المرتضى هنا باقتضاب كما اقتضب ابن أبي الحديد كلام المرتضى أيضا يعرف ذلك عند المقارنة.
(3) الكلالة: الميت الذي لا والد ولا ولد في ورثته، كما يقال لورثته الكلالة، وفي السنن الكبرى للبيهقي 6 / 223 عن الشعبي قال: سئل أبو بكر رضي الله عنه فقال: إني سأقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان، ويرى بعضهم أنه لا عذر للخليفة في جهل الحكم بهذه المسألة وهو مرجع الأمة في الأحكام وفض التنازع في الخصام مع أن الله سبحانه أوضح حكمها في موضعين من كتابه الكريم قال تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث...) (النساء / 12) والمراد بالكلالة في هذه الآية الأخ والأخت من الأم، وقال تعالى في آية الصيف: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فله نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين...) (سورة النساء / 176) قيل: وكيف يتردد في الحكم مع (ولا تقف ما ليس لك به علم...) (الاسراء / 26) (ولو تقول علينا بعض الأقاويل...) (الحاقة الآية: / 24) وقد وقع لعمر (رض) مثل ذلك، وأجاب عنه ابن حجر في فتح الباري 8 / 215 بجواب لا يقوم أمام ذلك الاعتراض.
|
____________
(1) في مسند أحمد 4 / 224 وسنن البيهقي 6 / 234 وبداية المجتهد 2 / 287 وغيرها عن أبي قبيصة بن ذويب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق (رض) تسأله عن ميراثها مالك في كتاب الله شئ، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى اسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس قال: هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه.
وروي عنه أيضا أنه أتته جدتان أم الأم وأم الأب فأعطى الميراث أم الأم دون أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهل أخو بني الحارث: يا خليفة رسول الله لقد أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها فجعله أبو بكر بينهما يعني السدس (انظر الإصابة حرف العين ق 1 بترجمة عبد الرحمن بن سهل وأسد الغابة 3 / 299).
(2) تقدم الكلام على هذا وسيأتي قريبا طعن المرتضى في الرواية وانظر سنن البيهقي 10 / 348.
(3) يعني بإكرام الخمر والحد: حد الخمر فقد روى غير الإمامية أن عليا عليه السلام أشار على عمر بأن الحد في شرب الحرام حد المفتري وهو ثمانون جلدة مع أنه جلد الوليد بن عقبة بحضرة عثمان أربعين (انظر المغني لابن قدامة 8 / 306، والجوهر النقي لابن التركماني بحاشية السنن الكبرى للبيهقي 10 / 320).
(4) أي الجارية المشتركة والمعروف بين الإمامية عدم اختلاف حكم أمير المؤمنين فيها.
|
فأما القول بالرأي الذي صححه وصوبه، فقد بينا في صدر الكتاب طرفا من الدلالة على فساده، واستقصينا الكلام في هذا الباب في باب المسائل الواردة من أهل الموصل (2) ولولا أن صاحب الكتاب أطال في هذا الباب على غير هذا الموضع من كلامه، واستعملنا مثل ما فعله لكنا لا نخلي هذا المكان من كلام في هذا المعنى.
فأما دعواه على أمير المؤمنين عليه السلام القول بالرأي في بيع أمهات الأولاد ومسألة الحرام والحد فما رأيناه عول على حجة ولا شبهة في ذلك، وقد كان يجب أن يبين من أين أنه عليه السلام قال في ذلك
____________
(1) تقدم الكلام على هذه القضية.
(2) مسائل أهل الموصل من رسائل المرتضى وقد مر ذكرها.
|
فأما مسألة الحرام والحد والمشتركة فلسنا نعلم ما شبهته في أنه عليه السلام قال فيها بالاجتهاد، فإن كان معوله على فقد النصوص التي لهذه الأحكام دخول فيها، وإنه لا وجه لقوله إلا من جهة الاجتهاد، فكل هذا تخيل لما لا أصل له، وليس إذا لم يعرف صاحب الكتاب طريقا في النصوص لهذه الأحكام لم يعرف ذلك غيره، وقد بينا في جواب أهل الموصل في هذا الموضع باستقصاء شديد، وكشفنا عن بطلان ادعائهم إجماع الصحابة على القول بالاجتهاد من وجوه شتى.
فأما دعواه على أمير المؤمنين عليه السلام أنه لم يعرف الحكم في عقل موالي صفية حتى قطع النزاع بينه وبين الزبير فيه عمر بن الخطاب، فطريف لأن أمير المؤمنين عليه السلام لم يسترشد في ذلك عمر، بل كان مصرحا بما يعتقده في هذه القضية وإنما حكم عمر بينه وبين الزبير في ذلك
|
فأما معاذ وزيد فلم يكونا ممن يعلم أحكام الدين فيصلحا للإمامة، وإن كانا عالمين بالأكثر الأظهر، ولو كانا أيضا عالمين بالجميع لم يكونا أحق بالإمامة لفقد شرائط الإمامة فيهما وهذا واضح لمن تدبره.
قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى، وذكروا قصة خالد بن الوليد وقتل مالك بن نويرة ومضاجعة امرأته من ليلته، وإن أبا بكر ترك إقامة الحد عليه، وزعم أنه سيف من سيوف الله سله الله على أعدائه، مع أن الله تعالى قد أوجب القود وحد الزناة عموما وأن عمر نبهه، وقال له اقتله فإنه قتل مؤمنا) (1) ثم قال: (الجواب عن ذلك ما قاله شيخنا أبو علي وهو أن الردة ظهرت من مالك لأن في الأخبار أنه رد صدقات قومه عليهم لما بلغه موت رسول الله صلى الله عليه وآله كما فعله سائر أهل الردة * فاستحق القتل ثم قال: فإن قيل فقد كان يصلي، قيل له (2) * كذلك سائر أهل الردة، وإنما كفروا بالامتناع من الزكاة وإسقاط وجوبها دون غيرها (3) فإن قيل: فلم أنكر عليه عمر، قيل: كان أمره إلى أبي بكر فلا وجه لإنكار عمر، وقد يجوز أن يعلم من حاله ما يخفى على عمر فإن قيل ما معنى ما روي عن أبي بكر من أن خالدا تأول فأخطأ بل أراد تأول في عجلته عليه بالقتل، فكان عنده الواجب أن يتوقف للشبهة
____________
(1) ش " مسلما ".
(2) ما بين النجمتين ساقط من المغني.
(3) ش " واعتقادهم إسقاط وجوب الزكاة دون غيره ".
|
يقال له: أما صنع خالد في قتل مالك بن نويرة واستباحة ماله وزوجته لنسبته إلى الردة التي لم تظهر بل كان الظاهر خلافها من الاسلام، فعظيم ويجري مجراه في العظم تغافل من تغافل عن أمره، ولم
____________
(1) ما بين الحاصرتين من المغني.
(2) متمم بن نويرة أخو مالك بن نويرة أبو أدهم له في أخيه حسان مراثي.
قال ابن الأثير: لم يقل أحد مثل شعره في المراثي (انظر ترجمته في الإصابة حرف الميم ق 1 وفي أسد الغابة 4 / 298).
(3) زيد بن الخطاب أخو عمر (رض) لأبيه وكان أسن منه صحابي قتل يوم اليمامة وحزن عليه عمر حزنا شديدا وقال لمتمم بن نويرة لو كنت أحسن الشعر لقلت في أخي مثل ما قلت في أخيك (أسد الغابة 2 / 228).
(4) المغني 20 ق 1 / 355.
(5) غ " وإذا كان كذلك فالواجب على أبي بكران لا يقتله به ".
(6) المغني، نفس الصفحة.
|
____________
(1) ش " يتصفح ".
(2) الزيادة من نقل ابن أبي الحديد.
(3) القرن: الحبل الذي يقرن به الدابتان، والكلام على الاستعارة.
(4) مسيلمة الحنفي كذاب اليمامة قتله وحشي قاتل حمزة (رض) وشاركه بذلك رجل من الأنصار وكانا مع خالد بن الوليد (يراجع في تفصيل ذلك تاريخ الطبري 3 / 267 - 296 حوادث سنة 11) وطليحة ارتد عن الاسلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فادعى النبوة فوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله عماله من بني أسد وفاجئهم نبأ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فاستطار أمره ثم لم يثبت لجيش المسلمين ففر حتى نزل كلب على النقع فأسلم ولم يزل مقيما في كلب حتى توفي أبو بكر (رض) وكان قد عفى عنه وقال: خلوا عنه فقد هداه الله إلى الاسلام (انظر تفصيل ذلك في تاريخ الطبري 3 / 253 - 261 حوادث سنة 11).
|
وقال رجال سدد اليوم مالك | وقال رجال مالك لم يسدد |
فقلت دعوني لا أبا لأبيكم | فلم أخط رأيا في المقال ولا اليد |
وقلت: خذوا أموالكم غير خائف | ولا ناظر فيما يجئ به عندي (1) |
فدونكموها إنما هي مالكم | مصررة أخلافها لم تجدد (2) |
سأجعل نفسي دون ما تحذرونه | وأرهنكم يوما بما قلته يدي |
فإن قام بالأمر المحدث قائم | أطعنا وقلنا: الدين دين محمد |
فصرح كما ترى إنه استبقى الصدقة في أيدي قومه رفقا بهم، وتقربا إليهم إلى أن يقوم بالأمر من يدفع ذلك إليه.
وقد روى جماعة أهل السير وذكره الطبري في تاريخه (3) إن مالكا نهى قومه عن الاجتماع على منع الصدقات وفرقهم وقال: يا بني يربوع إنا كنا قد عصينا أمرائنا إذا دعونا إلى هذا الدين وبطأنا الناس عنه فلم نفلح ولم ننجح وإني قد نظرت في هذا الأمر فوجدت الأمر يتأتى لهم بغير سياسة وإذا أمر لا يسوسه الناس فإياكم ومعاداة قوم يصنع لهم. فتفرقوا على ذلك إلى
____________
(1) وروي " ولا ناظر فيما يجئ من الغد ".
(2) يقال: صر الناقة: شد ضرعها فهي مصراة، وأكثر مما يفعل ذلك للإيهام بأنها حافلة باللبن، وتجدد الضرع ذهب لبنه.
(3) تاريخ الطبري 3 / 276، حوادث سنة 11 وقد نقل المرتضى هذه الرواية بتصرف واختصار.