الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

ونحن مشيخة قريش؟ فقال عمر: " يا رسول الله مرني حتى أضرب عنقه ".

فقد طعن في إمارته (1) ثم قال عمر أنا أخرج في جيش أسامة، تواضعا وتعظيما لأمره له عليه السلام (2).

يقال له: أما كون أبي بكر في جملة جيش أسامة فظاهر قد ذكره أصحاب السير والتواريخ (3) وقد روى البلاذري في تاريخه وهو معروف الثقة والضبط ويرى من مماثلة الشيعة ومقاربتها أن أبا بكر وعمر كانا معا في جيش أسامة والانكار لما يجري هذا المجرى لا يغني شيئا، وقد كان يجب على من أحال بذلك على كتب المغازي في الجملة أن يومي إلى الكتاب المتضمن لذلك بعينه ليرجع إليه.

فأما خطابه بالتنفيذ للجيش فالمقصود به الفور دون التراخي، أما من حيث مقتضى الأمر على مذهب من رأى ذلك لغة أو شرعا (4) من حيث وجدنا جميع الأمة من لدن الصحابة إلى هذا الوقت يحملون أوامره ونواهيه عليه السلام على الفور، ويطلبون في تراخيها الأدلة ثم لم يثبت كل ذلك لكان قول أسامة: لم أكن لأسأل عنك الركب، أوضح دليل على أنه

____________

(1) ش " بتأميرك إياه ".

(2) كل ما نقله الشريف هنا نقله باختصار وإن كان لم يترك المهم من كلام القاضي انظر المغني 20 ق 1 / من ص 246 - 349.

(3) قال ابن أبي الحديد: إن الأمر عندي في هذا الموضع مشتبه والتواريخ مختلفة في هذه القضية فمنهم من يقول: إن أبا بكر كان في جملة الجيش، ومنهم من يقول: لم يكن، وما أشار إليه قاضي القضاة بقوله: في كتب المغازي، لا ينتهي إلى أمر صحيح (الشرح 17 / 182).

(4) علق ابن أبي الحديد على ذلك بقوله: " أما قول المرتضى: الأمر على الفور أما لغة عند من قال به وشرعا لإجماع الكل على أن الأوامر الشرعية على الفور إلا ما خرج بالدليل، فالظاهر في هذا الموضع صحة ما قاله المرتضى ".


الصفحة 148
عقل من الأمر الفور لأن سؤال الركب عنه عليه السلام لا معنى له بعد الوفاة وقول صاحب الكتاب: (فلم ينكر على أسامة تأخره) ليس بشئ وأي إنكار أبلغ من تكراره الأمر وترداده القول في حال يشغل عن المهم، ويقطع عن الفكر إلا فيها؟ وقد ينكر الأمر على المأمور تارة بتكرار الأمر وأخرى بغيره، وإذا سلمنا أن أمره عليه السلام كان متوجها إلى القائم بالأمر بعده لتنفيذ الجيش بعد الوفاة لم يلزم ما ذكره من خروج المخاطب بالإنفاذ عن الجملة، فكيف يصح ذلك وهو من جملة الجيش والأمر متضمن لتنفيذ الجيش؟ فلا بد من خروج كل من كان في جملته لأن تأخر بعضهم يسلب الخارجين اسم الجيش على الإطلاق، أوليس من مذهب صاحب الكتاب أن الأمر بالشئ أمر بما لا يتم إلا معه، وقد اعتمد على هذا في مواضع كثيرة، وإن كان خروج الجيش ونفوذه لا يتم إلا بخروج أبي بكر فالأمر بخروجه أمر لأبي بكر بالنفوذ والخروج وكذلك لو أقبل عليه على سبيل التخصيص وقال: (نفذوا جيش أسامة) وكان هو في جملة الجيش فلا بد من أن يكون ذلك أمرا له بالخروج واستدلالا له على أنه لم يكن هناك إمام منصوص عليه لعموم الأمر بالتنفيذ، ليس بصحيح لأنا قد بينا أن الخطاب إنما توجه إلى الحاضرين ولم يتوجه إلى الإمام بعده، على أن هذا لازم له، لأن الإمام بعده لا يكون إلا واحدا فلم عمم صاحب الكتاب الخطاب ولم يفرد به الواحد فيقول: لينفذ القائم بالأمر بعدي جيش أسامة؟ فإن الحال لا يختلف في كون الإمام بعده عليه السلام واحدا بين أن يكون منصوصا عليه أو مختارا.

وأما ادعاؤه الشرط في أمره عليه السلام بالنفوذ فباطل لأن إطلاق الأمر يمنع من إثبات الشرط، وإنما يثبت من الشروط ما يقتضي العقل إثباتها من التمكن والقدرة، لأن ذلك شرط ثابت في كل أمر ورد من حكيم والمصلحة بخلاف ذلك، لأن الحكيم لا يأمر بشرط المصلحة بل

الصفحة 149
إطلاق الأمر منه يقتضي ثبوت المصلحة (1) وانتفاء المفسدة، وليس كذلك التمكن وما يجري مجراه، ولهذا لا يشترط أحد في أوامر الله تعالى ورسوله بالشرائع المصلحة وانتفاء المفسدة، وشرطوا في ذلك التمكن ورفع التعذر، ولو كان الإمام منصوصا عليه بعينه واسمه لما جاز أن يسترد جيش أسامة بخلاف ما ظنه ولا أن يعزل من ولاه صلى الله عليه وآله، ولا يولي من عزله للعلة التي ذكرناها.

فأما استدلال أبي علي على أن أبا بكر لم يكن في الجيش بحديث الصلاة فأول ما فيه أنه اعتراف بأن الأمر بتنفيذ الجيش كان في الحال دون بعد الوفاة، وهذا ناقض لما بنى صاحب الكتاب عليه أمره صلى الله عليه وآله، ثم إنا بينا أنه صلى الله عليه وآله لم يوله الصلاة، وذكرنا ما في ذلك، ثم ما المانع من أن يوليه تلك الصلاة إن كان ولاه إياها ثم يأمره بالنفوذ من بعد مع الجيش؟ فإن الأمر بالصلاة في تلك الحال لا يقتضي أمره بها على التأييد.

وأما ادعاؤه: أن النبي صلى الله عليه وآله يأمر بالحروب وما يتصل بها عن اجتهاد دون الوحي، فمعاذ الله أن يكون ذلك صحيحا لأن حروبه صلى الله عليه وآله لم تكن مما تختص مصالح الدنيا بل للدين فيها أقوى تعلق لما يعود على الاسلام وأهله بفتوحه من العز والقوة، وعلو

____________

(1) علق ابن أبي علي هذا بقوله: " فأما قول المرتضى: الأمر المطلق يدل على ثبوت المصلحة فقول جيد إذا اعترض به على الوجه الذي أورده قاضي القضاة " لكنه نكص بعد ذلك فقال: " فأما إذا أورده أصحابنا على وجه آخر فإنه يندفع كلام المرتضى، وذلك إنه يجوز تخصيص عمومات النصوص بالقياس الجلي، فلم لا يجوز لأبي بكر أن يخص عموم قوله: " أنفذوا جيش أسامة " لمصلحة غلبت على ظنه في عدم نفوذه نفسه " (شرح نهج البلاغة 17 / 188).


الصفحة 150
الكلمة، وليس يجري ذلك مجرى أكله وشربه ونومه، لأن ذلك لا تعلق له بالدين، فيجوز أن يكون عن رأيه (1) ولو جاز أن تكون مغازيه وبعوثه مع التعلق القوي لها بالدين عن اجتهاد لجاز ذلك في الاحكام ثم لو كان ذلك عن اجتهاد لما ساغت مخالفته فيه بعد وفاته، كما لا تسوغ في حياته فكل علة تمنع من أحد الأمرين تمنع من الأخرى.

فأما الاعتذار في حبس عمر عن الجيش بما ذكره فباطل لأنا قد بينا أن ما يأمر به عليه السلام لا يسوغ مخالفته مع الامكان، ولا مراعاة لما عساه يعرض فيه من رأى غيره، وأي حاجة إلى عمر بعد تمام العقد واستقراره ورضا الأمة به على مذهب المخالف وإجماع الأمة عليه، ولم يكن هناك فتنة ولا تنازع ولا اختلاف يحتاج فيه إلى مشاورته وتدبيره وكل هذا تعلل بالباطل.

فأما محاربة أمير المؤمنين عليه السلام معاوية فلم يكن مأمورا بها إلا مع التمكن ووجود الأنصار، وقد فعل عليه السلام ما وجب (2) عليه لما تمكن منه فأما مع التعذر وفقد الأنصار فما كان مأمورا وليس كذلك القول في جيش أسامة لأن تأخر من تأخر عنه كان مع القدرة والتمكن.

فأما تولية أبي موسى فلا ندري كيف يشبه ما نحن فيه لأنه إنما ولاه بأن يرجع إلى كتاب الله فيحكم بما يقتضيه فيه وفي خصمه بالشرط الذي ولاه عليه، وأبو موسى فعل خلاف ما جعل إليه، فلم يمكن ممتثلا لأمر من ولاه وكذلك خالد بن الوليد إنما خالف ما أمره الرسول صلى الله عليه وآله به فتبرأ من فعله وكل هذا لا يشبه أمره عليه السلام بتنفيذ جيش أسامة

____________

(1) كيف وهو صلى الله عليه وآله في فعله وتقريره القدوة والأسوة.

(2) ش " من ذلك ما وجب ".


الصفحة 151
أمر مطلقا وتأكيده ذلك وتكراره له.

فأما جيش أسامة فإنه لم يضم من يصلح للإمامة فيجوز تأخرهم ليختار أحدهم على ما ظنه صاحب الكتاب، على أن ذلك لو صح أيضا لم يكن عذرا في التأخر لأن من خرج في الجيش يمكن أن يختار وإن كان بعيدا ولا يمنع بعده من صحة الاختيار، وقد صرح صاحب الكتاب بذلك ثم لو صح هذا العذر لكان عذرا في التأخر قبل العقد فأما بعد إبرامه فلا عذر فيه، فالمعاضدة التي ادعاها قد بينا ما فيها.

فأما قول صاحب الكتاب رادا على من جعل إخراج القوم في الجيش ليتم أمر النص (إن بعدهم لا يمنع من أن يختاروا للإمامة) فيدل على أنه لم يتبين معنى هذا الطعن على حقيقته، لأن الطاعن به لا يقول إنه أنفذهم (1) لئلا يختاروا للإمامة، وإنما يقول إنه أبعدهم حتى ينتصب بعده في الأمر من نص عليه، ولا يكون هناك من يخالفه وينازعه.

فأما قوله: (إنه صلى الله عليه وآله لم يكن قاطعا على موته)، فذلك لا يضر تسليمه أليس كان خائفا ومشفقا وعلى الخائف أن يتجرد مما يخاف منه.

فأما قوله: (لم يرد نفذوا الجيش في حياتي) فقد بينا ما في ذلك فأما ولاية أسامة على من ولى عليه فلا بد من اقتضائها لفضله على الجماعة فيما كان واليا فيه، وقد دللنا فيما تقدم من الكتاب على أن ولاية المفضول على الفاضل فيما كان أفضل فيه منه قبيحة، وكذلك القول في ولاية عمرو بن العاص عليهما والقول في الأمرين واحد.

____________

(1) أبعدهم، خ ل.


الصفحة 152
وقوله: (إن أحدا لم يدع فضل أسامة عليهما) فليس الأمر على ما ظنه لأن من ذهب إلى فساد إمامة المفضول لا بد من أن يفضل أسامة عليهما فيما كان واليا فيه.

وأما ما ادعاه من السبب في دخول عمر في الجيش فما نعرفه ولا وقفنا عليه إلا من كتابه، ثم لو صح لم يغن شيئا لأن عمر لو كان أفضل من أسامة لمنعه الرسول صلى الله عليه وآله من الدخول في إمارته، والمسير تحت لوائه، والتواضع لا يقتضي فعل القبيح، وهذه جملة كافية.

قال صاحب الكتاب: (شبهة أخرى لهم. وأحد ما طعنوا به في أبي بكر أنه عليه السلام لم يوله الأعمال، وولى غيره عليه ولما ولاه الحج بالناس وأن يقرأ عليهم سورة براءة عزله عن ذلك، وجعل الأمر إلى أمير المؤمنين عليه السلام وقال: (لا يؤدي عني إلا أنا ورجل مني) حتى رجع أبو بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله).

ثم أجاب عن ذلك أنه لو سلم [ إنه لم يوله ما كان يدل على نقص ولا على أنه لا يصلح للإمارة والإمامة بل لو قيل: ] (1) إنه لم يوله لحاجته إليه بحضرته وإن ذلك رفعة له لكان أقرب لا سيما وقد روى عنه صلى الله عليه وآله ما يدل على أنهما وزيراه فكان صلى الله عليه وآله محتاجا إليهما، وإلى رأيهما فلذلك لم يولهما، ولو كان للعمل على تركه فضل لكان عمرو ابن العاص وخالد بن الوليد وغيرهما أفضل من أكابر الصحابة لأنه صلى الله عليه وآله ولاهما وقدمهما وقد قدمنا أن توليته هي بحسب الصلاح، وقد يولي المفضول على الفاضل تارة والفاضل [ على المفضول ] أخرى وربما ولى الواحد لاستغنائه عنه بحضرته، وربما ولاه لاتصال بينه وبين من يولي

____________

(1) ما بين المعقوفين ساقط من المغني.


الصفحة 153
عليه إلى غير ذلك...) (1).

ثم ادعى أن ولاية أبي بكر على الموسم والحج قد ثبتت بلا خلاف بين أهل الأخبار، ولم يصح أنه عزله ولا يدل رجوع أبي بكر إلى النبي صلى الله عليه وآله مستفهما عن القصة على العزل ثم جعل إنكار من أنكر حج أبي بكر في تلك السنة بالناس كإنكار عباد وطبقته أخذ أمير المؤمنين عليه السلام سورة براءة من أبي بكر، وحكي عن أبي علي أن المعنى في أخذ السورة من أبي بكر: (إن من عادة العرب أن سيدا من سادات قبائلهم إذا عقد عقد القوم فإن ذلك العقد لا ينحل إلا أن يحله هو أو بعض سادات قومه، فلما كان هذا عادتهم وأراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينبذ إليهم عهدهم وينقض ما كان بينه وبينهم علم أنه لا ينحل ذلك إلا به أو بسيد من سادات رهطه، فعدل عن أبي بكر إلى أمير المؤمنين عليه السلام للقرب في النسب (2) ثم ادعى أنه عليه السلام ولى أبا بكر في حال مرضه أن يصلي (3) بالناس وذلك أشرف الولايات وقال في ذلك: (يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر) ثم اعترض نفسه بصلاته عليه السلام خلف عبد الرحمن بن عوف وأجاب (بأنه عليه السلام صلى خلفه لا أنه ولاه الصلاة وقدمه فيها وإنما قدم عبد الرحمن عند غيبة النبي صلى الله عليه وآله بغير أمره وقد ضاق الوقت فجاء الرسول صلى الله عليه وآله فصلى خلفه) وتكلم على أن ولاية أبي بكر الصلاة لا تدل على النص بالخلافة عليه) بكلام لا طائل في حكايته (4).

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 350.

(2) ش " للقرب بالنسب ".

(3) ش " الصلاة ".

(4) المغني 20 ق 1 / 350 و 351.


الصفحة 154
يقال له: قد بينا أن تركه عليه السلام الولاية لبعض أصحابه مع حضوره وإمكان ولايته والعدول عنه إلى غيره مع تطاول الزمان وامتداده لا بد من أن يقتضي غلبة الظن بأنه لا يصلح للولاية، فأما من يدعي (1) أنه لم يوله لافتقاره إليه بحضرته وحاجته إلى تدبيره ورأيه فقد بينا أنه صلى الله عليه وآله ما كان يفتقر إلى رأي أحد لكماله ورجحانه على كل واحد وإنما كان يشاور أصحابه على سبيل التعليم لهم والتأديب أو لغير ذلك مما قد ذكر.

وبعد، فكيف استمرت هذه الحاجة واتصلت منه إليهما، حتى لم يستغن في زمان من الأزمان عن حضورهما فيوليهما، وهل هذا إلا قدح في رأي الرسول صلى الله عليه وآله ونسبته إلى أنه كان ممن يحتاج إلى أن يلقن، ويوقف على كل شئ، وقد نزهه الله تعالى عن ذلك.

فأما ادعاؤه أن الرواية وردت بأنهما وزيراه، وقد كان يجب أن يصحح ذلك قبل أن يعتمده ويحتج به، فإنا ندفعه عنه أشد دفع.

فأما ولاية عمرو بن العاص وخالد بن الوليد فقد تكلمنا عليها من قبل، وبينا أن ولايتهما تدل على صلاحهما لما ولياه، ولا يدل على صلاحهما للإمامة، لأن شرائط الإمامة لم تتكامل فيهما، وبينا أيضا أن ولاية المفضول على الفاضل لا تجوز بخلاف ما ظنه صاحب الكتاب.

فأما تعظيمه واستكباره قول من يذهب إلى أن أبا بكر عزل عن أداء سورة براءة والموسم معا وجمعهما لأمير المؤمنين عليه السلام وجمعه بين ذلك في البعد وبين إنكار عباد أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام ارتجع سورة

____________

(1) ش " فأما ادعاؤه ".


الصفحة 155
براءة من أبي بكر، فأول ما فيه أنا لا ننكر أن يكون أكثر الأخبار واردة بأن أبا بكر حج بالناس في تلك السنة، إلا أنه قد روى قوم من أصحابنا خلاف ذلك، وأن أمير المؤمنين عليه السلام كان أمير الموسم في تلك السنة، وأن عزله الرجل كان عن الأمرين، فاستكبار ذلك وفيه خلاف لا معنى له.

فأما ما حكاه من عباد فإنا لا نعرفه ولا أظن أحد يذهب إلى مثله، وليس يمكنه بإزاء ذلك جحد مذهب أصحابنا الذي حكيناه، وليس عباد ولو صحت الحكاية عنه بإزاء من ذكرناه، فهو ملئ بالجهالات ودفع الضرورات.

وبعد، فلو سلمنا أن ولاية الموسم لم تفسخ لكان الكلام باقيا لأنه إذا كان ما ولي مع تطاول الزمان إلا هذه الولاية ثم سلب شطرها والأفخم الأعظم منها فليس ذلك إلا تنبيها على ما ذكرناه.

فأما ما حكاه عن أبي علي من أن عادة العرب أن لا يحل ما عقده الرئيس منهم إلا هو أو المتقدم من رهطه، فمعاذ الله أن يجري النبي صلى الله عليه وآله سنته وأحكامه على عادات الجاهلية، وقد بين عليه السلام سببه لما رجع إليه أبو بكر فسأله عن أخذ السورة منه، فقال: (أوحي إلي أن لا يؤدي إلا أنا أو رجل مني (1)) ولم يذكر ما ادعاه أبو علي على أن هذه العادة قد كان يعرفها النبي صلى الله عليه وآله قبل بعثة أبي بكر بسورة براءة فما باله لم يعتمدها في الابتداء ولم يبعث من يجوز أن يحل عقده من قومه.

____________

(1) تقدم الكلام حول ذلك.


الصفحة 156
فأما ادعاؤه من ولاية الصلاة فقد بينا فيما تقدم أنه عليه السلام ما ولاه ذلك * ولا أمره به واستقصينا ذلك استقصاء يغني عن إعادته * (1) فأما فصله بين صلاته عليه السلام خلف عبد الرحمن وبين صلاة أبي بكر فليس بشئ، لأنا إذا كنا قد دللنا على أنه عليه السلام ما قدمه في الصلاة فقد استوى الأمران.

وبعد، فأي فرق بين أن يصلي خلفه وبين أن يوليه ويقدمه ونحن نعلم أن صلاته خلفه إقرار لولايته ورضا بها فقد عاد الأمر إلى أن عبد الرحمن كأنه قد صلى بأمره وإذنه على أن قصة عبد الرحمن أوكد لأنه قد اعترف بأن الرسول صلى الله عليه وآله صلى خلفه ولم يصل خلف أبي بكر، وإن ذهب كثير من الناس إلى أنه قدمه وأمره بالصلاة قبل خروجه عليه السلام إلى المسجد وتحامله (2).

فإن قيل: ليس يخلو النبي صلى الله عليه وآله من أن يكون سلم في الابتداء سورة براءة إلى أبي بكر بأمر الله تعالى أو باجتهاده ورأيه، فإن كان بأمر الله تعالى فكيف يجوز أن يرتجع منه السورة قبل وقت الأداء وعندكم أنه لا يجوز نسخ الشئ قبل وقت فعله وإن كان باجتهاده عليه السلام فعندكم أنه لا يجوز أن يجتهد فيما يجري هذا المجرى؟

قلنا: ما سلم السورة إلى أبي بكر إلا بإذنه تعالى إلا أنه لم يأمره بأدائها ولا كلفه قراءتها على أهل الموسم لأن أحدا لا يمكنه أن ينقل عنه عليه السلام في ذلك لفظ الأمر والتكليف فكأنه عليه السلام سلم إليه سورة براءة لتقرأها على أهل الموسم ولم يصرح باسم القارئ المبلغ لها في

____________

(1) ما بين النجمتين ساقط من " شرح نهج البلاغة ".

(2) تحامل: تكلف الشئ على مشقة.


الصفحة 157
الحال، ولو نقل عنه تصريح لجاز أن يكون مشروطا بشرط لم يظهره لأنه عليه السلام * ممن يجوز مثل ذلك عليه * (1).

فإن قيل: فأي فائدة في دفع السورة إلى أبي بكر وهو لا يريد أن يؤديها عنه ثم ارتجاعها منه، ولا دفعت في الابتداء إلى أمير المؤمنين عليه السلام.

قلنا: الفائدة في ذلك ظهور فضل أمير المؤمنين عليه السلام ومرتبته وأن الرجل الذي نزعت السورة منه لا يصلح لما يصلح له، وهذا غرض قوي في وقوع الأمر على ما وقع عليه * من دفعها إلى أبي بكر وارتجاعها منه * (1) قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى (2) ثم ذكر ما روي عن أبي بكر في الكلالة (3) من قوله أقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله وإن

____________

(1) ما بين النجمتين ساقط من " شرح نهج البلاغة ".

(2) هذه الشبهة أوردها القاضي في المغني ج 2 ق 1 / 352 ونقلها المرتضى هنا باقتضاب كما اقتضب ابن أبي الحديد كلام المرتضى أيضا يعرف ذلك عند المقارنة.

(3) الكلالة: الميت الذي لا والد ولا ولد في ورثته، كما يقال لورثته الكلالة، وفي السنن الكبرى للبيهقي 6 / 223 عن الشعبي قال: سئل أبو بكر رضي الله عنه فقال: إني سأقول فيها برأيي فإن يك صوابا فمن الله وإن يك خطأ فمني ومن الشيطان، ويرى بعضهم أنه لا عذر للخليفة في جهل الحكم بهذه المسألة وهو مرجع الأمة في الأحكام وفض التنازع في الخصام مع أن الله سبحانه أوضح حكمها في موضعين من كتابه الكريم قال تعالى: (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس وإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث...) (النساء / 12) والمراد بالكلالة في هذه الآية الأخ والأخت من الأم، وقال تعالى في آية الصيف: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فله نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين...) (سورة النساء / 176) قيل: وكيف يتردد في الحكم مع (ولا تقف ما ليس لك به علم...) (الاسراء / 26) (ولو تقول علينا بعض الأقاويل...) (الحاقة الآية: / 24) وقد وقع لعمر (رض) مثل ذلك، وأجاب عنه ابن حجر في فتح الباري 8 / 215 بجواب لا يقوم أمام ذلك الاعتراض.


الصفحة 158
يكن خطأ فمني، ونحو ما رووه من أنه لم يعرف ميراث الجدة (1) وإن من هذه حاله لا يصلح للإمامة) وأجاب عن ذلك بأن الإمام لا يجب أن يكون محيطا بجميع أمور الدين، وإن القدر الذي يحتاج إليه الإمام فهو الذي يحتاج إليه الحاكم، وذكر أن القول بالرأي هو الواجب في ما لا نص فيه، وأن ذلك إجماع من الصحابة وادعا أن أمير المؤمنين عليه السلام قال بالرأي في بيع أمهات الأولاد (2) ومسألة الحرام والحد (3) والمشتركة (4) فإنه ذهب عليه بعض الأحكام نحو الكلام في العقل عن مولى صفيه حتى قطع عمر بن الخطاب التداعي بينه وبين الزبير بأن بين أن الميراث للمولى

____________

(1) في مسند أحمد 4 / 224 وسنن البيهقي 6 / 234 وبداية المجتهد 2 / 287 وغيرها عن أبي قبيصة بن ذويب قال: جاءت الجدة إلى أبي بكر الصديق (رض) تسأله عن ميراثها مالك في كتاب الله شئ، وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا فارجعي حتى اسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة: حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاها السدس قال: هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة فأنفذه.

وروي عنه أيضا أنه أتته جدتان أم الأم وأم الأب فأعطى الميراث أم الأم دون أم الأب فقال له عبد الرحمن بن سهل أخو بني الحارث: يا خليفة رسول الله لقد أعطيت التي لو أنها ماتت لم يرثها فجعله أبو بكر بينهما يعني السدس (انظر الإصابة حرف العين ق 1 بترجمة عبد الرحمن بن سهل وأسد الغابة 3 / 299).

(2) تقدم الكلام على هذا وسيأتي قريبا طعن المرتضى في الرواية وانظر سنن البيهقي 10 / 348.

(3) يعني بإكرام الخمر والحد: حد الخمر فقد روى غير الإمامية أن عليا عليه السلام أشار على عمر بأن الحد في شرب الحرام حد المفتري وهو ثمانون جلدة مع أنه جلد الوليد بن عقبة بحضرة عثمان أربعين (انظر المغني لابن قدامة 8 / 306، والجوهر النقي لابن التركماني بحاشية السنن الكبرى للبيهقي 10 / 320).

(4) أي الجارية المشتركة والمعروف بين الإمامية عدم اختلاف حكم أمير المؤمنين فيها.


الصفحة 159
والعقل للعصبة (1) والزم قياسا على الإمام في كمال العقل الأمير والحاكم وذكر أن معاذ وزيد بن ثابت كانا متقدمين في العلم بالحلال والحرام ثم لم يوجب ذلك أنهما أحق بالإمامة يقال له: قد دللنا فيما مضى من الكتاب على أن من شرائط الإمامة العلم بجميع أحكام الدين، وأن ذلك شرط واجب، فمن ظهر منه نقصان في هذا العلم لا يجوز أن يكون إماما، وقد ظهر عن أبي بكر في مسائل كثيرة الاعتراف على نفسه بأنه لا يعرف الحكم فيها، وبينا فيما مضى أيضا من الكتاب الفرق بين الأمير والحاكم، وبين الإمام من حيث كانت ولاية الإمام عامة وولاية من عداه خاصة، وبينا أن الحاكم والأمير يجب أن يكونا عالمين بالحكم في جميع ما أسند إليهما وأن لا يذهب عليهما شئ من ذلك، إلا أنهما لما كانت ولايتهما خاصة لم يجب أن يكون عالمين بجميع أحكام الدين، والإمام بخلاف ذلك لأن ولايته عامة.

فأما القول بالرأي الذي صححه وصوبه، فقد بينا في صدر الكتاب طرفا من الدلالة على فساده، واستقصينا الكلام في هذا الباب في باب المسائل الواردة من أهل الموصل (2) ولولا أن صاحب الكتاب أطال في هذا الباب على غير هذا الموضع من كلامه، واستعملنا مثل ما فعله لكنا لا نخلي هذا المكان من كلام في هذا المعنى.

فأما دعواه على أمير المؤمنين عليه السلام القول بالرأي في بيع أمهات الأولاد ومسألة الحرام والحد فما رأيناه عول على حجة ولا شبهة في ذلك، وقد كان يجب أن يبين من أين أنه عليه السلام قال في ذلك

____________

(1) تقدم الكلام على هذه القضية.

(2) مسائل أهل الموصل من رسائل المرتضى وقد مر ذكرها.


الصفحة 160
بالرأي، فإن كان معوله على ما روى عن عبيدة السلماني من أنه سأله عن بيع أمهات الأولاد، فقال كان رأيي ورأي عمر ألا يبعن ورأيي الآن أن يبعن إلى آخر الخبر، فقد تكلمنا على هذه الشبهة فيما مضى من الكتاب، وبينا أن الخبر مطعون فيه غير صحيح، ولو صح لم يدل على صحة القول بالرأي الذي يذهبون إليه لأن الرجوع من قول إلى قول قد يكون سببه الاجتهاد، ويكون أيضا سببه الرجوع إلى النصوص والأدلة القاطعة وبينا أنه عليه السلام في الحقيقة لم يكن قوله إلا واحدا في الحالين وإن أظهر في أحدهما خلاف مذهبه للتقية، وليس في إضافة القول إلى الرأي دلالة على أنه معول من غير جهة النص والأدلة القاطعة، لأن هذه اللفظة تفيد المذهب والاعتقاد واللذان يستندان إلى ضروب الأدلة، وقد يقال: فلان يرى القدر وفلان يرى العدل، وفلان من رأيه التشبيه وفلان من رأيه التوحيد، وليس شئ من ذلك من جهة الاجتهاد والظنون.

فأما مسألة الحرام والحد والمشتركة فلسنا نعلم ما شبهته في أنه عليه السلام قال فيها بالاجتهاد، فإن كان معوله على فقد النصوص التي لهذه الأحكام دخول فيها، وإنه لا وجه لقوله إلا من جهة الاجتهاد، فكل هذا تخيل لما لا أصل له، وليس إذا لم يعرف صاحب الكتاب طريقا في النصوص لهذه الأحكام لم يعرف ذلك غيره، وقد بينا في جواب أهل الموصل في هذا الموضع باستقصاء شديد، وكشفنا عن بطلان ادعائهم إجماع الصحابة على القول بالاجتهاد من وجوه شتى.

فأما دعواه على أمير المؤمنين عليه السلام أنه لم يعرف الحكم في عقل موالي صفية حتى قطع النزاع بينه وبين الزبير فيه عمر بن الخطاب، فطريف لأن أمير المؤمنين عليه السلام لم يسترشد في ذلك عمر، بل كان مصرحا بما يعتقده في هذه القضية وإنما حكم عمر بينه وبين الزبير في ذلك

الصفحة 161
لأن الأمر في الحال كان إليه، ولم يمكنه عليه السلام دفع قضيته، وإن كان لا يراها صوابا للأحوال الظاهرة التي تمنع من ذلك، فكيف يتحصل من هذا الباب أن بعض الأحكام ذهب عليه، وهل اشتباه مثل ذلك إلا بعد عن الصواب؟

فأما معاذ وزيد فلم يكونا ممن يعلم أحكام الدين فيصلحا للإمامة، وإن كانا عالمين بالأكثر الأظهر، ولو كانا أيضا عالمين بالجميع لم يكونا أحق بالإمامة لفقد شرائط الإمامة فيهما وهذا واضح لمن تدبره.

قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى، وذكروا قصة خالد بن الوليد وقتل مالك بن نويرة ومضاجعة امرأته من ليلته، وإن أبا بكر ترك إقامة الحد عليه، وزعم أنه سيف من سيوف الله سله الله على أعدائه، مع أن الله تعالى قد أوجب القود وحد الزناة عموما وأن عمر نبهه، وقال له اقتله فإنه قتل مؤمنا) (1) ثم قال: (الجواب عن ذلك ما قاله شيخنا أبو علي وهو أن الردة ظهرت من مالك لأن في الأخبار أنه رد صدقات قومه عليهم لما بلغه موت رسول الله صلى الله عليه وآله كما فعله سائر أهل الردة * فاستحق القتل ثم قال: فإن قيل فقد كان يصلي، قيل له (2) * كذلك سائر أهل الردة، وإنما كفروا بالامتناع من الزكاة وإسقاط وجوبها دون غيرها (3) فإن قيل: فلم أنكر عليه عمر، قيل: كان أمره إلى أبي بكر فلا وجه لإنكار عمر، وقد يجوز أن يعلم من حاله ما يخفى على عمر فإن قيل ما معنى ما روي عن أبي بكر من أن خالدا تأول فأخطأ بل أراد تأول في عجلته عليه بالقتل، فكان عنده الواجب أن يتوقف للشبهة

____________

(1) ش " مسلما ".

(2) ما بين النجمتين ساقط من المغني.

(3) ش " واعتقادهم إسقاط وجوب الزكاة دون غيره ".


الصفحة 162
[ والاستتابة ] (1) واستدل على ردته بأن أخاه متمم بن نويرة (2) لما أنشد عمر مرثية أخاه فقال له عمر وددت أني أقول الشعر فأرثي أخي زيدا (3) كما رثيت أخاك، فقال له متمم: لو قتل أخي على مثل ما قتل عليه أخوك لما رثيته، فقال له عمر: ما عزاني أحد كتعزيتك، فدل هذا على أنه لم يقتل على الاسلام كما قتل زيد، ثم أجاب عن تزوجه بامرأته بأنه إذا قتل على الردة في دار الكفر جاز ذلك عند كثير من أهل العلم وإن كان لا يجوز أن يطأها إلا بعد الاستبراء) (4) وحكي عن أبي علي (إنه إنما قتله لأنه ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: صاحبك، وأوهم بذلك أنه ليس بصاحب له، وكان عنده أن ذلك ردة وعلم عند المشاهدة المقصد، وهو أمير القوم فجاز أن يقتله وإن كان الأولى أن لا يعجل، وأن يكشف الأمر في ردته حتى يتضح فلهذا لم يقتله به (5) فأما وطيه لامرأته فلم يثبت عنده، ولا يصح أن يجعل طعنا في هذا الباب...) (6).

يقال له: أما صنع خالد في قتل مالك بن نويرة واستباحة ماله وزوجته لنسبته إلى الردة التي لم تظهر بل كان الظاهر خلافها من الاسلام، فعظيم ويجري مجراه في العظم تغافل من تغافل عن أمره، ولم

____________

(1) ما بين الحاصرتين من المغني.

(2) متمم بن نويرة أخو مالك بن نويرة أبو أدهم له في أخيه حسان مراثي.

قال ابن الأثير: لم يقل أحد مثل شعره في المراثي (انظر ترجمته في الإصابة حرف الميم ق 1 وفي أسد الغابة 4 / 298).

(3) زيد بن الخطاب أخو عمر (رض) لأبيه وكان أسن منه صحابي قتل يوم اليمامة وحزن عليه عمر حزنا شديدا وقال لمتمم بن نويرة لو كنت أحسن الشعر لقلت في أخي مثل ما قلت في أخيك (أسد الغابة 2 / 228).

(4) المغني 20 ق 1 / 355.

(5) غ " وإذا كان كذلك فالواجب على أبي بكران لا يقتله به ".

(6) المغني، نفس الصفحة.


الصفحة 163
يقم فيه حكم الله تعالى وأقره على الخطأ الذي شهد هو به على نفسه، ويجري مجراهما من أمكنه أن يعلم الحال فأهملها ولم يتفصح (1) ما روي من الأخبار في هذا الباب [ ويتعصب لأسلافه ومذهبه ] (2) وكيف يجوز عند خصومنا على مالك وأصحابه جحد الزكاة مع المقام على الصلاة وهما جميعا في قرن (3) لأن العلم الضروري بأنهما من دينه عليه السلام وشريعته على حد واحد، وهل نسبة مالك إلى الردة مع ما ذكرناه إلا قدح في الأصول ونقض لما تضمنته من أن الزكاة معلومة ضرورة من دينه عليه السلام وأعجب من كل عجيب قوله: وكذلك سائر أهل الردة، يعني أنهم كانوا يصلون ويجحدون الزكاة لأنا قد بينا أن ذلك مستحيل غير ممكن، وكيف يصح ذلك. وقد روى جميع أهل النقل أن أبا بكر لما وصى الجيش الذين أنفذهم بأن يؤذنوا ويقيموا فإن أذن القوم كأذانهم وإقامتهم أكفوا عنهم وإن لم يفعلوا أغاروا عليهم، فجعل إمارة الاسلام والبراءة من الردة الأذان والإقامة، وكيف يطلق في سائر أهل الردة ما يطلقه من أنهم كانوا يصلون؟ وقد علمنا أن أصحاب مسيلمة وطليحة (4) وغيرهما ممن ادعى النبوة وخلع الشريعة ما كانوا يرون الصلاة ولا شيئا مما جاءت به شريعتنا

____________

(1) ش " يتصفح ".

(2) الزيادة من نقل ابن أبي الحديد.

(3) القرن: الحبل الذي يقرن به الدابتان، والكلام على الاستعارة.

(4) مسيلمة الحنفي كذاب اليمامة قتله وحشي قاتل حمزة (رض) وشاركه بذلك رجل من الأنصار وكانا مع خالد بن الوليد (يراجع في تفصيل ذلك تاريخ الطبري 3 / 267 - 296 حوادث سنة 11) وطليحة ارتد عن الاسلام في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله فادعى النبوة فوجه إليه رسول الله صلى الله عليه وآله عماله من بني أسد وفاجئهم نبأ وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله فاستطار أمره ثم لم يثبت لجيش المسلمين ففر حتى نزل كلب على النقع فأسلم ولم يزل مقيما في كلب حتى توفي أبو بكر (رض) وكان قد عفى عنه وقال: خلوا عنه فقد هداه الله إلى الاسلام (انظر تفصيل ذلك في تاريخ الطبري 3 / 253 - 261 حوادث سنة 11).


الصفحة 164
وقصة مالك معروفة عند من تأملها من أهل النقل لأنه كان على صدقات قومه بني يربوع واليا من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله فلما بلغته وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله أمسك عن أخذ الصدقة من قومه وقال لهم تربصوا بها حتى يقوم قائم بعد النبي صلى الله عليه وآله وننظر ما يكون من أمره، وقد صرح بذلك في شعره حيث يقول:


وقال رجال سدد اليوم مالك وقال رجال مالك لم يسدد
فقلت دعوني لا أبا لأبيكم فلم أخط رأيا في المقال ولا اليد
وقلت: خذوا أموالكم غير خائف ولا ناظر فيما يجئ به عندي (1)
فدونكموها إنما هي مالكم مصررة أخلافها لم تجدد (2)
سأجعل نفسي دون ما تحذرونه وأرهنكم يوما بما قلته يدي
فإن قام بالأمر المحدث قائم أطعنا وقلنا: الدين دين محمد

فصرح كما ترى إنه استبقى الصدقة في أيدي قومه رفقا بهم، وتقربا إليهم إلى أن يقوم بالأمر من يدفع ذلك إليه.

وقد روى جماعة أهل السير وذكره الطبري في تاريخه (3) إن مالكا نهى قومه عن الاجتماع على منع الصدقات وفرقهم وقال: يا بني يربوع إنا كنا قد عصينا أمرائنا إذا دعونا إلى هذا الدين وبطأنا الناس عنه فلم نفلح ولم ننجح وإني قد نظرت في هذا الأمر فوجدت الأمر يتأتى لهم بغير سياسة وإذا أمر لا يسوسه الناس فإياكم ومعاداة قوم يصنع لهم. فتفرقوا على ذلك إلى

____________

(1) وروي " ولا ناظر فيما يجئ من الغد ".

(2) يقال: صر الناقة: شد ضرعها فهي مصراة، وأكثر مما يفعل ذلك للإيهام بأنها حافلة باللبن، وتجدد الضرع ذهب لبنه.

(3) تاريخ الطبري 3 / 276، حوادث سنة 11 وقد نقل المرتضى هذه الرواية بتصرف واختصار.