الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

على المسلمين، وإنه استغفر منه واعتذر) فالمروي أولا بخلاف ما ذكره لأن الواقدي روى بإسناده قال: كان عثمان يحمي الربذة والشرف (1) والنقيع (2) فكان لا يدخل في الحمى بعير له ولا فرس ولا لبني أمية، حتى كان آخر الزمان فكان يحمي الشرف لإبله، وكانت ألف بعير، ولإبل الحكم، وكان يحمي الربذة لإبل الصدقة، ويحمي النقيع لخيل المسلمين، وخيله وخيل بني أمية، على أنه لو كان إنما حماه لإبل الصدقة لم يكن بذلك مصيبا، لأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله أحلا الكلأ وأباحاه وجعلاه مشتركا، فليس لأحد أن يغير هذه الإباحة، ولو كان في هذا الفعل مصيبا، وإنما حماه لمصلحة تعود على المسلمين، لما جاز أن يستغفر منه ويعتذر، لأن الاعتذار إنما يكون من الخطأ دون الصواب.

فأما اعتذاره من إعطائه المقاتلين (3) من بيت مال الصدقة، بأن ذلك (إنما جاز لعلمه بحاجة المقاتلة إليه واستغناء أهل الصدقة عنه، وإن الرسول صلى الله عليه وآله فعل مثله) فليس بشئ لأن المال الذي جعل الله له جهة مخصوصة لا يجوز أن يعدل عن جهته بالاجتهاد ولو كانت المصلحة في ذلك موقوفة على الحاجة لشرطها الله تعالى في هذا الحكم لأنه تعالى أعلم بالمصالح واختلافها منا، ولكان لا يجعل لأهل

____________

(1) الشرف - كما في معجم البلدان بهذه المادة عن الأصمعي - كبد نجد وكانت من منازل بني آكل المرار ملوك كندة، قال: وفيه الربذة وهي الحمى الأيمن.

(2) النقيع -: كما في معجم البلدان - نقيع الخضمات موضع حماه عمر بن الخطاب (رض) لخيل المسلمين وهو من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة يسلكه العرب إلى مكة.

(3) المقاتلة خ ل.


الصفحة 279
الصدقة منها القسط مطلقا.

فأما قوله: (إن الرسول صلى الله عليه وآله فعله) فهو دعوى مجردة من غير برهان وقد كان يجب أن يروي ما ذكر في ذلك فأما ما ذكره من الاقتراض فأين كان عثمان عن هذا العذر لما وقف عليه؟.

فأما ما حكاه عن أبي علي (من أن ضرب ابن مسعود لم يصح ولا طعن ابن مسعود عليه وإنما كره جمع الناس على قراءة زيد وإحراقه المصاحف وأنه قيل: إن بعض موالي عثمان ضربه لما سمع منه الوقيعة في عثمان) فالمعلوم المروي خلافه، ولا يختلف أهل النقل في طعن ابن مسعود عليه. وقوله فيه أشد القول وأعظمه، وذلك معلوم كالعلم بكل ما يدعى فيه الضرورة.

وقد روى كل من روى السير من أصحاب الحديث على اختلاف طرقهم أن ابن مسعود كان يقول: ليتني وعثمان برمل عالج (1) يحثي علي وأحثي عليه حتى يموت الأعجز مني ومنه ورووا أنه كان يطعن عليه فيقال له: ألا خرجت إليه لنخرج معك؟ فيقول: والله لئن أزاول جبلا راسيا أحب إلي من أزاول ملكا مؤجلا، وكان يقول في كل يوم جمعة، بالكوفة جاهرا معلنا: إن أصدق القول كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإنما يقول ذلك معرضا بعثمان،

____________

(1) عالج - كما في معجم البلدان -: رمال بين فيد والقريات، ينزلها بعض بنو بحتر من طي متصلة بالثعلبية على طريق مكة.


الصفحة 280
حتى غضب الوليد من استمرار تعرضه، ونهاه عن خطبته هذه فأبى أن ينتهي فكتب إلى عثمان فيه فكتب عثمان يستقدمه عليه.

وروي أنه لما خرج عبد الله بن مسعود إلى المدينة مزعجا عن الكوفة خرج الناس معه يشيعونه، وقالوا: يا أبا عبد الرحمن ارجع، فوالله لا يوصل إليك أبدا فإنا لا نأمنه عليك، فقال: أمر سيكون، ولا أحب أن أكون أول من فتحه.

وقد روي عنه من طرق لا تحصى كثرة أنه كان يقول ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب وتعاطي شرح ما روى عنه في هذا الباب يطول، وهو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه وأنه بلغ من إصرار عبد الله على مظاهرته بالعداوة أن قال لما حضره الموت من يتقبل مني وصية أوصيه بها على ما بها، فسكت القوم، وعرفوا الذي يريد فأعادها فقال عمار بن ياسر: فأنا أقبلها، فقال: ابن مسعود لا يصلي على عثمان، فقال ذلك لك، فيقال: إنه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك، فقال له قائل: إن عمارا ولى هذا الأمر، فقال لعمار: ما حملك على أن لم تؤذني؟ فقال له: إنه عهد إلي ألا اؤذنك، فوقف على قبره وأثني عليه ثم انصرف وهو يقول: رفعتم والله بأيديكم عن خير من بقي فتمثل الزبير بقول الشاعر:


لأعرفنك (1) بعد الموت تندبني وفي حياتي ما زودتني زادي

ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه فأتاه عثمان عائدا، فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال ألا أدعو لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: أفلا آمر لك بعطائك؟

____________

(1) ويروى " لألفينك " والبيت لعبيد بن الأبرص.


الصفحة 281
قال: منعتنيه، وأنا محتاج إليه، وتعطينيه وأنا مستغن عنه، قال: يكون لولدك، قال: رزقهم على الله، قال استغفر لي يا أبا عبد الرحمن، فقال أسأل الله أن يأخذ لي منك بحقي، وصاحب الكتاب قد حكى بعض هذا الخبر في آخر الفصل الذي حكيناه من كلامه، قال: (يوجب ذم ابن مسعود من حيث لم يقبل العذر) وهذا منه طريف لأن مذهبه لا يقتضي قبول كل عذر ظاهر، وإنما يجب قبول العذر الصادق الذي يغلب في الظن أن الباطن فيه كالظاهر فمن أين لصاحب الكتاب اعتذار عثمان إلى ابن مسعود كان مستوفيا للشرائط التي يجب معها القبول؟ وإذا جاز ما ذكره لم يكن على ابن مسعود لوم في الامتناع من قبول عذره.

فأما قوله: (إن عثمان لم يضربه، وإنما ضربه بعض مواليه لما سمع وقيعته فيه) فالأمر بخلاف ذلك وكل من قرأ الأخبار، علم أن عثمان أمر بإخراجه من المسجد على أعنف الوجوه، وبأمره جرى ما جرى عليه، ولو لم يكن بأمره ورضاه، لوجب أن ينكر على مولاه كسره لضلعه، ويعتذر إلى من عاتبه على فعله (1) بأن يقول إنني لم آمر بذلك، ولا رضيته من فاعله، وقد أنكرت على من فعله، وفي علمنا بأن ذلك لم يكن دليل على ما قلناه.

وقد روى الواقدي بإسناده وغيره، أن عثمان لما استقدمه المدينة دخلها ليلة جمعة، فلما علم عثمان بدخوله، قال أيها الناس إنه قد طرقكم الليلة دويبة من تمشي على طعامه يقئ ويسلح (2) فقال ابن مسعود لست كذلك ولكنني صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم

____________

(1) على فعله بابن مسعود خ ل.

(2) السلاح - بالضم - النجو وهو ما يخرج من البطن.


الصفحة 282
بدر، وصاحبه يوم أحد، وصاحبه يوم بيعة الرضوان، وصاحبه يوم الخندق، وصاحبه يوم حنين، قال: فصاحت عائشة: أيا عثمان. أتقول هذا لصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فقال: عثمان اسكتي ثم قال لعبد الله بن زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العزى ابن قصي (1): أخرجه إخراجا عنيفا، فأخذه ابن زمعة فاحتمله حتى جاء به باب المسجد فضرب به الأرض فكسر ضلعا من أضلاعه، فقال ابن مسعود قتلني ابن زمعة الكافر بأمر عثمان، وفي رواية آخر أن ابن زمعة مولى لعثمان أسود وكان مسدما (2) طوالا وفي رواية أخرى أن فاعل ذلك يحموم مولى عثمان، وفي رواية أنه لما احتمله ليخرجه من المسجد ناداه عبد الله أنشدك الله أن تخرجني من مسجد خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

قال الراوي: فكأني أنظر إلى حموشة ساقي (3) عبد الله بن مسعود ورجلاه يختلفان على عنق مولى عثمان، حتى أخرج من المسجد، وهو الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وآله (لساقا ابن أم عبد أثقل في الميزان يوم القيامة من جبل واحد).

وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي أن عثمان

____________

(1) المعروف أن عبد الله بن زمعة شيعة لعلي عليه السلام فيبعد أن يفعل ذلك بابن مسعود، وقد نص على تشيعه الشريف الرضي في نهج البلاغة وابن أبي الحديد في شرح النهج رغم أن أباه وعمه وأخاه قتلوا يوم بدر وشارك علي عليه السلام في قتلهم (انظر مصادر نهج البلاغة وأسانيده (2 / 177 و 178) والصحيح ما ذكره المرتضى في الرواية الأخرى أن ابن زمعة عبد أسود من عبيد عثمان.


وقد تلتقي الأسماء في الناس والكنى ولـكـنـمـا قـد مـيــزوا بـالخـلائـق

(2) المسدم - كمقدم -: الأهوج.

(3) الحموشة: دقة الساقين.


الصفحة 283
ضرب ابن مسعود أربعين سوطا في دفنه أبا ذر، وهذه قصة أخرى وذلك أن أبا ذر رحمه الله تعالى لما حضرته الوفاة بالربذة، وليس معه إلا امرأته وغلامه (1) عهد إليهما أن غسلاني ثم كفناني، ثم ضعاني على قارعة الطريق، فأول ركب يمر بكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعينونا على دفنه، فلما مات فعلوا ذلك. وأقبل ابن مسعود في ركب من العراق عمارا (2) فلم ترعهم إلا الجنازة على قارعة الطريق، قد كادت الإبل تطاؤها، فقام إليهم العبد، فقال: هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله فأعينونا على دفنه، فأنهل ابن مسعود يبكي، ويقول: صدق رسول الله صلى الله عليه وآله، قال له: (تمشي وحدك وتموت وحدك وتبعث وحدك) ثم نزل هو وأصحابه فواروه.

وأما قوله: (إن ذلك بأن يكون طعنا في عثمان بأولى من أن يكون طعنا في ابن مسعود) فواضح البطلان، وإنما كان طعنا في عثمان دون ابن مسعود، لأنه لا خلاف بين الأمة في طهارة ابن مسعود، وفضله وإيمانه، ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وثنائه عليه وأنه مات على الجملة المحمودة منه، وفي كل هذا خلاف بين المسلمين في عثمان، فلهذا طعنا فيه.

فأما قوله: (إن ابن مسعود سخط جمعه الناس على قراءة زيد

____________

(1) الصحيح أن أبا ذر لم يكن معه حين حضرته الوفاة إلا ابنته وأن امرأته توفيت قبله وإذا صح أن غلامه كان معه فالمراد به جون الشهيد يوم الطف رضي الله عنه فقد انضم إلى الحسن عليه السلام بعد وفاة أبي ذر ثم انضم بعد وفاة الحسن عليه السلام إلى الحسين عليه السلام إلى أن استشهد بين يديه على ما ذكره المترجمون لأنصار الحسين عليه السلام.

(2) معتمرين خ ل.


الصفحة 284
وإحراقه المصاحف) واعتذاره من جمع الناس على قراءة واحدة: (بأن فيه تحصين القرآن، وقطع المنازعة، والاختلاف فيه) ليس بصحيح ولا شك في أن ابن مسعود كره إحراق المصاحف كما كرهه جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتكلموا فيه، وذكر الرواة كلام كل واحد منهم في ذلك مفصلا، وما كره عبد الله من تحريم قراءته، وقصر الناس على قراءة غير إلا مكروها، وهو الذي يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (من سره أن يقرأ القرآن غضا كما أنزل فليقرأ على قراءة ابن أم عبد).

وروى عن ابن عباس أنه قال قراءة ابن أم عبد هي القراءة الأخيرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعرض عليه القرآن في كل سنة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عليه السلام عرض عليه دفعتين، وشهد عبد الله ما نسخ منه، وما صح فهي القراءة الأخيرة.

وروى شريك عن الأعمش قال: قال ابن مسعود: لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وآله سبعين سورة، وأن زيد بن ثابت لغلام يهودي في الكتاب له ذؤابة.

فأما اختلاف الناس في القراءة والأحرف فليس بموجب لما صنعه عثمان لأنهم يروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف) فهذا الاختلاف عندهم في القرآن مباح مسند عن رسول الله صلى الله عليه وآله فكيف يحظر عليهم عثمان من التوسع في الحروف ما هو مباح؟ فلو كان في القراءة الواحدة تحصين القرآن كما ادعى لما أباح النبي صلى الله عليه وآله في الأصل إلا القراءة الواحدة لأنه أعلم بوجوه المصالح من جميع أمته، من حيث كان

الصفحة 285
مؤيدا بالوحي، موفقا في كل ما يأتي ويذر، وليس له أن يقول: (حدث من الاختلاف في أيامه ما لم يكن في أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا من جملة ما أباحه، وذلك أن الأمر لو كان على هذا لوجب أن ينهى عن القراءة الحادثة، والأمر المبتدع، ولا يحمله ما حدث من القراءة على تحريم المتقدم المباح بلا شبهة.

وقول صاحب الكتاب: (إن الإمام إذا فعل ذلك فكأن الرسول صلى الله عليه وآله فعله) فتعلل بالباطل منه، وكيف يكون ما ادعى وهذا الاختلاف بعينه قد كان موجودا في أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما نهى عنه؟ فلو كان سببا لانتشار الزيادة في القرآن وفي قطعه تحصين له لكان عليه السلام بالنهي عن هذا الاختلاف أولى من غيره اللهم إلا أن يقال: إنه حدث اختلاف لم يكن، فقد قلنا: (إن عمر كان قد عزم على ذلك فمات دونه) فما سمعناه إلا منه فلو فعل ذلك أي فاعل لكان ذلك منكرا.

فأما اعتذاره من (أن إحراق المصاحف لا يكون استخفافا بالدين) بحمله إياه على تخريب مسجد الضرار والكفر فبين الأمرين بون بعيد، لأن البنيان إنما يكون مسجدا وبيتا لله تعالى بنية الباني وقصده ولولا ذلك لم يكن بعض البنيان بأن يكون مسجدا أولى من بعض، ولما كان قصده في الموضع الذي ذكره غير القربة والعبادة، بل خلافها وضدها من الفساد والمكيدة لم يكن في الحقيقة مسجدا وإن سمي بذلك مجازا، وعلى ظاهر الأمر فهدمه لا حرج فيه، وليس كذلك ما بين الدفتين لأنه كلام الله تعالى الموقر المعظم الذي يجب صيانته عن البذلة والاستخفاف، فأي نسبة بين الأمرين؟

فأما حكايته عن الخياط أن ابن مسعود إنما عاب عثمان لعزله إياه،

الصفحة 286
فعبد الله عند كل من عرفه بخلاف هذه الصورة، وأنه لم يكن فيمن يحرج دينه، ويطعن في إيمانه بأمر يعود إلى منفعة الدنيا، وإن كان عزله بمن لا يشبهه في دين ولا أمانة عيبا لا يشك فيه أحد من المخلصين.

قال صاحب الكتاب: (فأما ما طعنوا به من ضربه عمارا حتى صار به فتق، فقد قال شيخنا أبو علي: إن ذلك غير ثابت ولو ثبت أنه ضربه للقول العظيم الذي كان يقوله فيه لم يجب أن يكون طعنا، لأن للإمام تأديب من يستحق ذلك، ومما يبعد صحة ذلك، أن عمارا لا يجوز أن يكفره، ولما يقع منه ما يستوجب الكفر، لأن الذي يكفر به الكافر معلوم، ولأنه لو كان قد وقع ذلك منه لكان غيره من الصحابة أولى بذلك، ولوجب أن يجتمعا على خلعه، ولوجب أن لا يكون قتله لهم مباحا، بل كان يجب أن يقيموا إماما يقتله على ما قدمنا القول فيه، وليس لأحد أن يقول إنما كفره من حيث وثب على الخلافة ولم يكن لها أهلا، لأنا قد بينا القول في ذلك ولأنه كان مصوبا لأبي بكر وعمر على ما قدمنا من قبل، وقد بينا أن صحة إمامتهما تقتضي صحة إمامة عثمان وروي أن عمارا نازع الحسن عليه السلام في أمره فقال عمار: قتل عثمان كافرا، وقال الحسن عليه السلام: قتل مؤمنا وتعلق بعضهما ببعض، فصارا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال ماذا تريد من ابن أخيك؟

فقال: إني قلت كذا، وقال الحسن عليه السلام كذا، فقال أمير المؤمنين عليه السلام أتكفر برب كان يؤمن به عثمان؟ فسكت عمار (1)).

وحكي عن خياط (2) (إن عثمان لما نقم عليه ضربه لعمار

____________

(1) المغني 20 ق 2 / 54.

(2) ما حكاه عن الخياط ساقط من " المغني ".


الصفحة 287
احتج لنفسه، فقال:

جاءني سعد وعمار، فأرسلا إلي أن ائتنا، فإنا نريد أن نذاكرك أشياء فعلتها، فأرسلت إليهما أني مشغول فانصرفا فموعدكما يوم كذا، فانصرف سعد، وأبى عمار أن ينصرف، فأعدت الرسول إليه، فأبى أن ينصرف، فتناوله بعض غلماني بغير أمري، ووالله ما أمرت به ولا رضيت، وها أنا فليقتص مني، قال وهذا من أنصف القول وأعدله) وحكي عن أبي علي في نفي أبي ذر إلى الربذة (أن الناس اختلفوا في أمره فروي عنه أنه قيل لأبي ذر: عثمان أنزلك الربذة؟ فقال: لا بل اخترت لنفسي ذلك، وروي أن معاوية كتب يشكوه وهو بالشام فكتب إليه عثمان أن صيره إلى المدينة (1) فلما صار إليها:

قال: ما أخرجك إلى الشام؟ قال: لأني سمعت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا بلغت عمارة المدينة موضع كذا فاخرج عنها) فلذلك خرجت، قال: فأي البلاد أحب إليك بعد الشام؟ فقال:

الربذة فقال: صر إليها، وإذا تكافأت الأخبار لم يكن لهم في ذلك حجة ولو ثبت ذلك لكان لا يمتنع أن يخرج إلى الربذة لصلاح يرجع إلى الدين، فلا يكون ظلما لأبي ذر، بل ربما يكون إشفاقا عليه وخوفا من أن يناله من بعض أهل المدينة مكروه، فقد روي أنه كان يغلظ في القول ويخشن في الكلام، ويقول: لم يبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله على ما عهدهم وينفر عنهم بهذا القول، فرأى أن إخراجه أصلح لما يرجع إليهم وإليه من المصلحة وإلى الدين، وقد روي أن عمر أخرج عن المدينة

____________

(1) في المغني " أن صيره إلى الخدمة " ولا أدري كيف غفل المحقق والمراجعون والمشرفون عن هذا التصحيف!!


الصفحة 288
نصر بن حجاج (1) لما خاف ناحيته) قال: (وندب الله تعالى إلى خفض الجناح للمؤمنين، وإلى القول اللين للكافرين، وبين للرسول صلى الله عليه وآله وسلم أنه لو استعمل الفظاظة لانفضوا من حوله، فلما رأى عثمان من خشونة كلام أبي ذر وما كان يورده مما يخشى منه التنفير فعل ما فعل (2)).

قال: (وقد روي عن زيد بن وهب (3) قال: قلت: لأبي ذر وهو بالربذة، ما أنزلك هذا المنزل؟ قال: أخبرك أني كنت بالشام فتذاكرت أنا ومعاوية وقد ذكرت هذه الآية (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا

____________

(1) نصر بن حجاج السلمي من أولاد الصحابة، كان من أحسن الناس شعرا، وأصبحهم وجها فأمره عمر - لما سمع امرأة تتغنى به - أن يطم شعره ففعل فظهرت جبهته فازداد حسنا، فأمره أن يعتم فازداد حسنا فصيره إلى البصرة مخافة أن تفتن به النساء، فهوته بالبصرة امرأة مجاشع بن مسعود خليفة أبي موسى الأشعري والي البصرة فلما علم أبو موسى يره إلى بلاد فارس، فخرج وكان عليها عثمان بن أبي العاص، وأراد عثمان أن يخرجه من ولايته فقال: " والله لئن فعلتم بي هذا لألحقن بأرض الشرك فكتب بذلك إلى عمر فكتب: احلقوا شعره، وشمروا قميصه وألزموه المسجد (انظر الإصابة حرف النون ق 2) واتخذ من ذلك الطاعنون على عمر (رض) ذريعة للنقد وزعموا: إن في ذلك نوعا من الظلم وكيف لم يخش على نساء البصرة كما خشي على نساء المدينة، وإنه لو بقي تحت مراقبته لكان أولى من إبعاده وعلى كل حال فهو أدرى بما فعل، وإلى الله مثال الأمور.

(2) المغني " فأورده ما أورده ".

(3) زيد بن وهب الجهني أدرك الجاهلية والاسلام، وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهاجر إليه فبلغته وفاته في الطريق فهو معدود من كبار التابعين سكن الكوفة وكان في الجيش الذي مع علي عليه السلام في حربه الخوارج وهو أول من جمع خطب علي عليه السلام في الجمع والأعياد وغيرهما توفي سنة 96 وقد عمر طويلا (اتقان المقال ص 192، أسد الغابة 2 / 42 الإصابة 1 / 597، حرف الزاي ق 3).


الصفحة 289
ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) (1) فقال معاوية: هذه في أهل الكتاب فقلت: فيهم وفينا فكتب معاوية إلى عثمان في ذلك فكتب إلى أن أقدم علي، فقدمت عليه، فانثال الناس إلي كأنهم لم يعرفوني فشكوت ذلك إلى عثمان فخيرني وقال: إن أحببت انزل حيث شئت فنزلت (2) الربذة) وحكي عن الخياط قريبا مما تقدم من أن خروج أبي ذر إلى الربذة كان باختياره قال: * (وأقل ما في ذلك أن تختلف الأخبار فتطرح ونرجع إلى الأمر الأول في صحة إمامة عثمان وسلامة أحواله) * (3) يقال له: قد وجدناك في قصة عثمان وعمار بين أمرين مختلفين بين دفع لما روي من ضربه، وبين اعتراف بذلك، وتأول له واعتذار منه، بأن التأدب المستحق لا حرج فيه، ونحن نتكلم على الأمرين: أما الدفع لضرب عمار فهو كالانكار لوجود أحد يسمى عمارا، ولطلوع الشمس ظهورا وانتشارا وكل من قرأ الأخبار وتصفح السير يعلم من هذا الأمر ما لا تثنيه عنه مكابرة ولا مدافعة، وهذا الفعل يعني ضرب عمار لم يختلف الرواة فيه، وإنما اختلفوا في سببه، فروى عباس عن هشام الكلبي عن أبي مخنف في إسناده قال كان في بيت المال بالمدينة سفط فيه حلي وجوهر فأخذ منه عثمان ما حلى به بعض أهله، فأظهر الناس الطعن عليه في ذلك، وكلموه فيه بكل كلام شديد حتى أغضبوه، فخطب فقال:

لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام، فقال له علي عليه السلام: " إذا تمنع ذلك ويحال بينك وبينه " فقال عمار: أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك، فقال عثمان أعلي يا ابن ياسر وسمية تجترئ؟

____________

(1) التوبة: 34.

(2) المغني 20 ق 2 / 55.

(3) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".


الصفحة 290
خذوه فأخذوه فدخل عثمان فدعا به فضربه حتى غشي عليه، ثم أخرج فحمل إلى منزل أم سلمة زوج النبي رحمة الله عليها فلم يصل الظهر والعصر والمغرب، فلما أفاق توضأ وصلى وقال: الحمد لله ليس هذا أول يوم أوذينا فيه في الله، فقال هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي وكان عمار حليفا لبني مخزوم يا عثمان أما علي فاتقيته، وأما نحن فاجترأت علينا، وضربت أخانا حتى أشفيت به (1) على التلف، أما والله لئن مات لأقتلن به رجلا من بني أمية عظيم السيرة، فقال عثمان: وإنك لها هنا ابن القسرية قال: فإنهما قسريتان وكانت أمه وجدته قسريتين بجيلة، فشتمه عثمان، وأمره به فأخرج، فأتي به أم سلمة فإذا هي قد غضبت لعمار، وبلغ عائشة ما صنع بعمار فغضبت، وأخرجت شعرا من شعر رسول الله صلى الله عليه وآله ونعلا من نعاله، وثوبا من ثيابه، وقالت: ما أسرع ما تركتم سنة نبيكم وهذا شعره وثوبه، ونعله لم يبل بعد.

وروى آخرون: أن السبب في ذلك أن عثمان مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل: عبد الله بن مسعود، فغضب على عمار لكتمانه إياه موته إذ كان المتولي للصلاة عليه والقيام بشأنه فعندها وطئ عثمان عمارا حتى أصابه الفتق.

وروى آخرون: أن المقداد وطلحة والزبير وعمارا وعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كتبوا كتابا عددوا فيه أحداث عثمان، وخوفوه ربه، وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع، فأخذ عمار الكتاب فأتاه به فقرأه منه صدرا، فقال عثمان: أعلي تقدم من بينهم؟

فقال: لأني أنصحهم لك، فقال: كذبت يا ابن سمية، فقال أنا والله ابن سمية (2) وأنا ابن ياسر فأمر غلمانه فمدوا بيديه ورجليه، فضربه

____________

(1) أشفيت به: أشرفت به على الهلاك.

(2) سمية بنت حناط - بالنون بعد الحاء المهملة، أو بالباء بعد الخاء المعجمة - أم عمار بن ياسر كانت من السابقين إلى الاسلام، وممن يعذب في الله أشد العذاب، طعنها أبو جهل بحربة فقتلها فكانت أول شهيدة في الاسلام وكان ذلك قبل الهجرة (انظر أسد الغابة 5 / 481).


الصفحة 291
عثمان برجليه وهي في الخفين على مذاكيره فأصابه الفتق، وكان ضعيفا كبيرا فغشي عليه، فضرب عمار على ما ترى غير مختلف فيه بين الرواة، وإنما اختلفوا في سببه، والخبر الذي رواه صاحب الكتاب وحكاه عن الخياط ما نعرفه، وكتب السير المعروفة خالية منه، ومن نظيره، وقد كان يجب أن يضيفه إلى الموضع الذي أخذه منه، فإن قوله وقول من أسند إليه ليسا بحجة، ولو كان صحيحيا لكان يجب أن يقول بدل قوله: ها أنا فليقتص مني وإذا كان ما أمر بذلك ولا رضيه، وإنما ضربه الغلام: هذا الغلام الجاني فليقتص منه، فإنه أولى وأعدل، وبعد فلا تنافي بين الروايتين ولو كان ما رواه معروفا لأنه يجوز أن يكون غلامه ضربه في حال أخرى، والروايات إذا لم تتعارض لم يجز إسقاط شئ منها.

فأما قوله: (إن عمارا لا يجوز أن يكفره، ولم يقع منه ما يوجب الكفر) فإن تكفير عمار له معروف، قد جاءت به الروايات، وقد روي من طرق مختلفة وبأسانيد كثيرة أن عمار كان يقول: ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر وأنا الرابع، وأنا شر الأربعة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (1)) وأنا أشهد أنه قد حكم بغير ما أنزل الله.

وروي عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة، إنه قيل له بأي شئ أكفرتم عثمان؟ قال: بثلاثة جعل المال دولة بين الأغنياء، وجعل المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة من حارب الله ورسوله، وعمل بغير كتاب الله، وروي عن حذيفة أنه كان

____________

(1) المائدة / 44.


الصفحة 292
يقول ما في عثمان بحمد الله أشك، لكنني أشك في قاتله أكافر قتل كافرا أم مؤمن خاض إليه الفتنة حتى قتله؟ وهو أفضل المؤمنين إيمانا.

فأما ما رواه من منازعة الحسن عليه السلام عمارا في ذلك وترافعهما فهو أولا غير دافع لكون عمار مكفرا له بل هو شاهد من قوله بذلك، وإن كان الخبر صحيحا فالوجه فيه أن عمارا أعلم من لحن كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وعدوله عن أن يقضي بينهما بصريح القول، أنه متمسك بالتقية فأمسك عمار لما فهم من غرضه، فأما قوله: (لا يجوز أن يكفره من حيث وثب على الخلافة لأنه كان مصوبا لأبي بكر وعمر ولما تقدم من كلامه في ذلك) (1) فلا بد إذا حملنا تكفير عمار للرجل على الصحة من هذا الوجه أن يكون عمار غير مصوب للرجلين على ما ادعى وقد تقدم من الكلام في هذا المعنى ما يأتي على ما أحال عليه صاحب الكتاب من كلامه.

فأما قوله عن أبي علي (إنه لو ثبت أنه ضربه للقول العظيم الذي كان يقول فيه لم يكن طعنا لأن للإمام تأديب من يستحق ذلك) فقد كان يجب أن يستوحش صاحب الكتاب، أو من حكى كلامه من أبي علي وغيره من أن يعتذر من ضرب عمار ووقذه (2) حتى لحقه من الغشى ما ترك له الصلاة، ووطئه بالأقدام امتهانا واستخفافا - بشئ من العذر فلا عذر يسمع من إيقاع نهاية المكروه بمن روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال فيه: (عمار جلدة ما بين العين والأنف ومتى تنكأ (3) الجلد تدم

____________

(1) في شرح نهج البلاغة " فإنا لا نسلم له أن عمار كان مصوبا لهما ".

(2) وقذه: ضربه حتى استرخى، وأشرف على الموت، ومنه الموقوذة وهي:

الشاة التي تقتل بالخشب.

(3) نكأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ.


الصفحة 293
الأنف) وروي أنه قال: (ما لهم ولعمار يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار (1)) وروى العوام بن حوشب عن سلمة بن كهيل عن علقمة عن خالد بن الوليد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (من عادى عمار عاداه الله، ومن أبغض عمار أبغضه (2) الله) وأي كلام غليظ سمعه من عمار يستحق به ذلك المكروه العظيم، الذي يتجاوز المقدار الذي فرضه الله تعالى في الحدود وإنما كان عمار وغيره أثبتوا عليه إحداثه ومعائبه أحيانا على ما يظهر من سئ أفعاله، وقد كان يجب عليه أحد الأمرين إما أن ينزع عما يواقف عليه من تلك الأفعال، أو أن يبين عذره فيها أو براءته منها ما يظهر وينتشر ويشتهر فإن أقام مقيم بعد ذلك على توبيخه وتفسيقه زجره عن ذلك بوعظ أو غيره ولا يقدم على ما تفعله الجبابرة والأكاسرة من شفاء الغيظ بغير ما أنزل الله تعالى، وحكم به.

فأما قوله: (إن الأخبار متكافئة في أمر أبي ذر وإخراجه إلى الربذة، وهل كان ذلك باختياره أو بغير اختياره) فمعاذ الله أن تتكافأ في ذلك، بل المعروف الظاهر، أنه نفاه من المدينة إلى الشام فاستقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية ثم نفاه من المدينة إلى الربذة، وقد روى جميع أهل السيرة على اختلاف طرقهم وأسانيدهم أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه، وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص

____________

(1) يظهر مما أخرجه ابن هشام في السيرة 2 / 115 أن هذا الحديث والذي قبله حديث واحد، أو أنه صلى الله عليه وآله قال ذلك في أكثر من موطن كما يبدو من المسانيد الأخرى.

(2) في الإصابة ق 1 من حرف العين بترجمة عمار: عن خالد بن الوليد قال:

كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وآله فجاء خالد فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله رأسه فقال: (من عادى عمارا عاداه الله...

الحديث).


الصفحة 294
ثلاثمائة ألف درهم، وأعطى زيد بن ثابت مائة ألف درهم، جعل أبو ذر يقول: بشر الكافرين بعذاب أليم ويتلو قول الله تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم) (1) فرفع ذلك مروان إلى عثمان فأرسل إلى أبي ذر نائلا مولاه، أن انته عما يبلغني عنك، فقال: أينهاني عثمان عن قراءة كتاب الله تعالى، وعيب من ترك أمر الله، فوالله لأن أرضي الله بسخط عثمان أحب إلي وخير من أن أرضي عثمان بسخط الله فاغضب عثمان ذلك واحفظه، فتصابر.

وقال عثمان يوما: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال فإذا أيسر قضاه؟

فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك، فقال له أبو ذر: يا ابن اليهوديين (2) أتعلمنا ديننا! فقال عثمان: قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي إلحق بالشام، فأخرجه إليها، وكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار، فقال أبو ذر: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها، وردها عليه.

وبنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال أبو ذر: يا معاوية إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة. وإن كان من مالك فهو الإسراف، وكان أبو ذر رحمه الله تعالى يقول: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لأرى حقا يطفأ وباطلا يحيى وصادقا مكذبا، وأثرة بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه فقال حبيب بن

____________

(1) التوبة / 34.

(2) يا بن اليهودي، خ ل.


الصفحة 295
مسلمة الفهري (1) لمعاوية إن أبا ذر لمفسد عليكم الشام، فتدارك أهله إن كانت لكم فيه حاجة، فكتب معاوية إلى عثمان فيه فكتب عثمان إلى معاوية أما بعد، فاحمل جندبا إلي على أغلظ مركب وأوعره فوجه به مع من سار به الليل والنهار، وحمل على شارف (2) ليس عليها إلا قتب (3) حتى قدم المدينة وقد سقط لحم فخذيه من الجهد، فلما قدم أبو ذر المدينة بعث إليه عثمان بأن الحق بأي أرض شئت، فقال: بمكة؟ قال: لا، قال:

فببيت المقدس؟ قال: لا، قال: فبأحد المصرين (4) قال: لا، ولكني مسيرك إلى الربذة، فسيره إليها، فلم يزل بها حتى مات رحمه الله.

وفي رواية الواقدي أن أبا ذر لما دخل على عثمان، فقال له: لا أنعم الله عينا يا جنيدب، فقال أبو ذر: أنا جندب وسماني رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله، فاخترت اسم رسول الله الذي سماني به على اسمي، فقال له عثمان: أنت الذي تزعم أنا نقول: إن يد الله مغلولة وإن الله فقير ونحن أغنياء، فقال أبو ذر: ولو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله على عباده، ولكني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا (5) وعباد الله خولا ودين الله دخلا، ثم يريح الله العباد منهم)

____________

(1) حبيب بن مسلمة الفهري الحجازي، نزل الشام، قال البخاري: له صحبه، يقال له: حبيب الروم لكثرة جهاده فيهم، قال ابن سعد: لم يزل مع معاوية في حروبه، ووجهه إلى إرمينية واليا فمات بها سنة 42 ولم يبلغ الخمسين (انظر الإصابة حرف الحاء ق 1).

(2) الشارف: البعير المسن الهزيل.

(3) القتب: الأكاف الصغير على قدر سنام الناقة.

(4) أي الكوفة والبصرة.

(5) الدول " ما يتداول فيكون مرة لهذا ومرة لذاك ويطلق على المال والغلبة.

والحديث.