الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى
على المسلمين، وإنه استغفر منه واعتذر) فالمروي أولا بخلاف ما ذكره لأن الواقدي روى بإسناده قال: كان عثمان يحمي الربذة والشرف (1) والنقيع (2) فكان لا يدخل في الحمى بعير له ولا فرس ولا لبني أمية، حتى كان آخر الزمان فكان يحمي الشرف لإبله، وكانت ألف بعير، ولإبل الحكم، وكان يحمي الربذة لإبل الصدقة، ويحمي النقيع لخيل المسلمين، وخيله وخيل بني أمية، على أنه لو كان إنما حماه لإبل الصدقة لم يكن بذلك مصيبا، لأن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله أحلا الكلأ وأباحاه وجعلاه مشتركا، فليس لأحد أن يغير هذه الإباحة، ولو كان في هذا الفعل مصيبا، وإنما حماه لمصلحة تعود على المسلمين، لما جاز أن يستغفر منه ويعتذر، لأن الاعتذار إنما يكون من الخطأ دون الصواب.
فأما اعتذاره من إعطائه المقاتلين (3) من بيت مال الصدقة، بأن ذلك (إنما جاز لعلمه بحاجة المقاتلة إليه واستغناء أهل الصدقة عنه، وإن الرسول صلى الله عليه وآله فعل مثله) فليس بشئ لأن المال الذي جعل الله له جهة مخصوصة لا يجوز أن يعدل عن جهته بالاجتهاد ولو كانت المصلحة في ذلك موقوفة على الحاجة لشرطها الله تعالى في هذا الحكم لأنه تعالى أعلم بالمصالح واختلافها منا، ولكان لا يجعل لأهل
____________
(1) الشرف - كما في معجم البلدان بهذه المادة عن الأصمعي - كبد نجد وكانت من منازل بني آكل المرار ملوك كندة، قال: وفيه الربذة وهي الحمى الأيمن.
(2) النقيع -: كما في معجم البلدان - نقيع الخضمات موضع حماه عمر بن الخطاب (رض) لخيل المسلمين وهو من أودية الحجاز يدفع سيله إلى المدينة يسلكه العرب إلى مكة.
(3) المقاتلة خ ل.
|
فأما قوله: (إن الرسول صلى الله عليه وآله فعله) فهو دعوى مجردة من غير برهان وقد كان يجب أن يروي ما ذكر في ذلك فأما ما ذكره من الاقتراض فأين كان عثمان عن هذا العذر لما وقف عليه؟.
فأما ما حكاه عن أبي علي (من أن ضرب ابن مسعود لم يصح ولا طعن ابن مسعود عليه وإنما كره جمع الناس على قراءة زيد وإحراقه المصاحف وأنه قيل: إن بعض موالي عثمان ضربه لما سمع منه الوقيعة في عثمان) فالمعلوم المروي خلافه، ولا يختلف أهل النقل في طعن ابن مسعود عليه. وقوله فيه أشد القول وأعظمه، وذلك معلوم كالعلم بكل ما يدعى فيه الضرورة.
وقد روى كل من روى السير من أصحاب الحديث على اختلاف طرقهم أن ابن مسعود كان يقول: ليتني وعثمان برمل عالج (1) يحثي علي وأحثي عليه حتى يموت الأعجز مني ومنه ورووا أنه كان يطعن عليه فيقال له: ألا خرجت إليه لنخرج معك؟ فيقول: والله لئن أزاول جبلا راسيا أحب إلي من أزاول ملكا مؤجلا، وكان يقول في كل يوم جمعة، بالكوفة جاهرا معلنا: إن أصدق القول كتاب الله، وأحسن الهدى هدى محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها، وكل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وإنما يقول ذلك معرضا بعثمان،
____________
(1) عالج - كما في معجم البلدان -: رمال بين فيد والقريات، ينزلها بعض بنو بحتر من طي متصلة بالثعلبية على طريق مكة.
|
وروي أنه لما خرج عبد الله بن مسعود إلى المدينة مزعجا عن الكوفة خرج الناس معه يشيعونه، وقالوا: يا أبا عبد الرحمن ارجع، فوالله لا يوصل إليك أبدا فإنا لا نأمنه عليك، فقال: أمر سيكون، ولا أحب أن أكون أول من فتحه.
وقد روي عنه من طرق لا تحصى كثرة أنه كان يقول ما يزن عثمان عند الله جناح ذباب وتعاطي شرح ما روى عنه في هذا الباب يطول، وهو أظهر من أن يحتاج إلى الاستشهاد عليه وأنه بلغ من إصرار عبد الله على مظاهرته بالعداوة أن قال لما حضره الموت من يتقبل مني وصية أوصيه بها على ما بها، فسكت القوم، وعرفوا الذي يريد فأعادها فقال عمار بن ياسر: فأنا أقبلها، فقال: ابن مسعود لا يصلي على عثمان، فقال ذلك لك، فيقال: إنه لما دفن جاء عثمان منكرا لذلك، فقال له قائل: إن عمارا ولى هذا الأمر، فقال لعمار: ما حملك على أن لم تؤذني؟ فقال له: إنه عهد إلي ألا اؤذنك، فوقف على قبره وأثني عليه ثم انصرف وهو يقول: رفعتم والله بأيديكم عن خير من بقي فتمثل الزبير بقول الشاعر:
لأعرفنك (1) بعد الموت تندبني | وفي حياتي ما زودتني زادي |
ولما مرض ابن مسعود مرضه الذي مات فيه فأتاه عثمان عائدا، فقال: ما تشتكي؟ قال: ذنوبي، قال: فما تشتهي؟ قال: رحمة ربي، قال ألا أدعو لك طبيبا؟ قال: الطبيب أمرضني، قال: أفلا آمر لك بعطائك؟
____________
(1) ويروى " لألفينك " والبيت لعبيد بن الأبرص.
|
فأما قوله: (إن عثمان لم يضربه، وإنما ضربه بعض مواليه لما سمع وقيعته فيه) فالأمر بخلاف ذلك وكل من قرأ الأخبار، علم أن عثمان أمر بإخراجه من المسجد على أعنف الوجوه، وبأمره جرى ما جرى عليه، ولو لم يكن بأمره ورضاه، لوجب أن ينكر على مولاه كسره لضلعه، ويعتذر إلى من عاتبه على فعله (1) بأن يقول إنني لم آمر بذلك، ولا رضيته من فاعله، وقد أنكرت على من فعله، وفي علمنا بأن ذلك لم يكن دليل على ما قلناه.
وقد روى الواقدي بإسناده وغيره، أن عثمان لما استقدمه المدينة دخلها ليلة جمعة، فلما علم عثمان بدخوله، قال أيها الناس إنه قد طرقكم الليلة دويبة من تمشي على طعامه يقئ ويسلح (2) فقال ابن مسعود لست كذلك ولكنني صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله يوم
____________
(1) على فعله بابن مسعود خ ل.
(2) السلاح - بالضم - النجو وهو ما يخرج من البطن.
|
قال الراوي: فكأني أنظر إلى حموشة ساقي (3) عبد الله بن مسعود ورجلاه يختلفان على عنق مولى عثمان، حتى أخرج من المسجد، وهو الذي يقول فيه رسول الله صلى الله عليه وآله (لساقا ابن أم عبد أثقل في الميزان يوم القيامة من جبل واحد).
وقد روى محمد بن إسحاق عن محمد بن كعب القرظي أن عثمان
____________
(1) المعروف أن عبد الله بن زمعة شيعة لعلي عليه السلام فيبعد أن يفعل ذلك بابن مسعود، وقد نص على تشيعه الشريف الرضي في نهج البلاغة وابن أبي الحديد في شرح النهج رغم أن أباه وعمه وأخاه قتلوا يوم بدر وشارك علي عليه السلام في قتلهم (انظر مصادر نهج البلاغة وأسانيده (2 / 177 و 178) والصحيح ما ذكره المرتضى في الرواية الأخرى أن ابن زمعة عبد أسود من عبيد عثمان.
وقد تلتقي الأسماء في الناس والكنى | ولـكـنـمـا قـد مـيــزوا بـالخـلائـق |
(2) المسدم - كمقدم -: الأهوج.
(3) الحموشة: دقة الساقين.
|
وأما قوله: (إن ذلك بأن يكون طعنا في عثمان بأولى من أن يكون طعنا في ابن مسعود) فواضح البطلان، وإنما كان طعنا في عثمان دون ابن مسعود، لأنه لا خلاف بين الأمة في طهارة ابن مسعود، وفضله وإيمانه، ومدح رسول الله صلى الله عليه وآله وثنائه عليه وأنه مات على الجملة المحمودة منه، وفي كل هذا خلاف بين المسلمين في عثمان، فلهذا طعنا فيه.
فأما قوله: (إن ابن مسعود سخط جمعه الناس على قراءة زيد
____________
(1) الصحيح أن أبا ذر لم يكن معه حين حضرته الوفاة إلا ابنته وأن امرأته توفيت قبله وإذا صح أن غلامه كان معه فالمراد به جون الشهيد يوم الطف رضي الله عنه فقد انضم إلى الحسن عليه السلام بعد وفاة أبي ذر ثم انضم بعد وفاة الحسن عليه السلام إلى الحسين عليه السلام إلى أن استشهد بين يديه على ما ذكره المترجمون لأنصار الحسين عليه السلام.
(2) معتمرين خ ل.
|
وروى عن ابن عباس أنه قال قراءة ابن أم عبد هي القراءة الأخيرة، أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعرض عليه القرآن في كل سنة في شهر رمضان، فلما كان العام الذي توفي فيه عليه السلام عرض عليه دفعتين، وشهد عبد الله ما نسخ منه، وما صح فهي القراءة الأخيرة.
وروى شريك عن الأعمش قال: قال ابن مسعود: لقد أخذت من في رسول الله صلى الله عليه وآله سبعين سورة، وأن زيد بن ثابت لغلام يهودي في الكتاب له ذؤابة.
فأما اختلاف الناس في القراءة والأحرف فليس بموجب لما صنعه عثمان لأنهم يروون أن النبي صلى الله عليه وآله قال: (نزل القرآن على سبعة أحرف كلها شاف كاف) فهذا الاختلاف عندهم في القرآن مباح مسند عن رسول الله صلى الله عليه وآله فكيف يحظر عليهم عثمان من التوسع في الحروف ما هو مباح؟ فلو كان في القراءة الواحدة تحصين القرآن كما ادعى لما أباح النبي صلى الله عليه وآله في الأصل إلا القراءة الواحدة لأنه أعلم بوجوه المصالح من جميع أمته، من حيث كان
|
وقول صاحب الكتاب: (إن الإمام إذا فعل ذلك فكأن الرسول صلى الله عليه وآله فعله) فتعلل بالباطل منه، وكيف يكون ما ادعى وهذا الاختلاف بعينه قد كان موجودا في أيام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وما نهى عنه؟ فلو كان سببا لانتشار الزيادة في القرآن وفي قطعه تحصين له لكان عليه السلام بالنهي عن هذا الاختلاف أولى من غيره اللهم إلا أن يقال: إنه حدث اختلاف لم يكن، فقد قلنا: (إن عمر كان قد عزم على ذلك فمات دونه) فما سمعناه إلا منه فلو فعل ذلك أي فاعل لكان ذلك منكرا.
فأما اعتذاره من (أن إحراق المصاحف لا يكون استخفافا بالدين) بحمله إياه على تخريب مسجد الضرار والكفر فبين الأمرين بون بعيد، لأن البنيان إنما يكون مسجدا وبيتا لله تعالى بنية الباني وقصده ولولا ذلك لم يكن بعض البنيان بأن يكون مسجدا أولى من بعض، ولما كان قصده في الموضع الذي ذكره غير القربة والعبادة، بل خلافها وضدها من الفساد والمكيدة لم يكن في الحقيقة مسجدا وإن سمي بذلك مجازا، وعلى ظاهر الأمر فهدمه لا حرج فيه، وليس كذلك ما بين الدفتين لأنه كلام الله تعالى الموقر المعظم الذي يجب صيانته عن البذلة والاستخفاف، فأي نسبة بين الأمرين؟
فأما حكايته عن الخياط أن ابن مسعود إنما عاب عثمان لعزله إياه،
|
قال صاحب الكتاب: (فأما ما طعنوا به من ضربه عمارا حتى صار به فتق، فقد قال شيخنا أبو علي: إن ذلك غير ثابت ولو ثبت أنه ضربه للقول العظيم الذي كان يقوله فيه لم يجب أن يكون طعنا، لأن للإمام تأديب من يستحق ذلك، ومما يبعد صحة ذلك، أن عمارا لا يجوز أن يكفره، ولما يقع منه ما يستوجب الكفر، لأن الذي يكفر به الكافر معلوم، ولأنه لو كان قد وقع ذلك منه لكان غيره من الصحابة أولى بذلك، ولوجب أن يجتمعا على خلعه، ولوجب أن لا يكون قتله لهم مباحا، بل كان يجب أن يقيموا إماما يقتله على ما قدمنا القول فيه، وليس لأحد أن يقول إنما كفره من حيث وثب على الخلافة ولم يكن لها أهلا، لأنا قد بينا القول في ذلك ولأنه كان مصوبا لأبي بكر وعمر على ما قدمنا من قبل، وقد بينا أن صحة إمامتهما تقتضي صحة إمامة عثمان وروي أن عمارا نازع الحسن عليه السلام في أمره فقال عمار: قتل عثمان كافرا، وقال الحسن عليه السلام: قتل مؤمنا وتعلق بعضهما ببعض، فصارا إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال ماذا تريد من ابن أخيك؟
فقال: إني قلت كذا، وقال الحسن عليه السلام كذا، فقال أمير المؤمنين عليه السلام أتكفر برب كان يؤمن به عثمان؟ فسكت عمار (1)).
وحكي عن خياط (2) (إن عثمان لما نقم عليه ضربه لعمار
____________
(1) المغني 20 ق 2 / 54.
(2) ما حكاه عن الخياط ساقط من " المغني ".
|
جاءني سعد وعمار، فأرسلا إلي أن ائتنا، فإنا نريد أن نذاكرك أشياء فعلتها، فأرسلت إليهما أني مشغول فانصرفا فموعدكما يوم كذا، فانصرف سعد، وأبى عمار أن ينصرف، فأعدت الرسول إليه، فأبى أن ينصرف، فتناوله بعض غلماني بغير أمري، ووالله ما أمرت به ولا رضيت، وها أنا فليقتص مني، قال وهذا من أنصف القول وأعدله) وحكي عن أبي علي في نفي أبي ذر إلى الربذة (أن الناس اختلفوا في أمره فروي عنه أنه قيل لأبي ذر: عثمان أنزلك الربذة؟ فقال: لا بل اخترت لنفسي ذلك، وروي أن معاوية كتب يشكوه وهو بالشام فكتب إليه عثمان أن صيره إلى المدينة (1) فلما صار إليها:
قال: ما أخرجك إلى الشام؟ قال: لأني سمعت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا بلغت عمارة المدينة موضع كذا فاخرج عنها) فلذلك خرجت، قال: فأي البلاد أحب إليك بعد الشام؟ فقال:
الربذة فقال: صر إليها، وإذا تكافأت الأخبار لم يكن لهم في ذلك حجة ولو ثبت ذلك لكان لا يمتنع أن يخرج إلى الربذة لصلاح يرجع إلى الدين، فلا يكون ظلما لأبي ذر، بل ربما يكون إشفاقا عليه وخوفا من أن يناله من بعض أهل المدينة مكروه، فقد روي أنه كان يغلظ في القول ويخشن في الكلام، ويقول: لم يبق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله على ما عهدهم وينفر عنهم بهذا القول، فرأى أن إخراجه أصلح لما يرجع إليهم وإليه من المصلحة وإلى الدين، وقد روي أن عمر أخرج عن المدينة
____________
(1) في المغني " أن صيره إلى الخدمة " ولا أدري كيف غفل المحقق والمراجعون والمشرفون عن هذا التصحيف!!
|
قال: (وقد روي عن زيد بن وهب (3) قال: قلت: لأبي ذر وهو بالربذة، ما أنزلك هذا المنزل؟ قال: أخبرك أني كنت بالشام فتذاكرت أنا ومعاوية وقد ذكرت هذه الآية (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا
____________
(1) نصر بن حجاج السلمي من أولاد الصحابة، كان من أحسن الناس شعرا، وأصبحهم وجها فأمره عمر - لما سمع امرأة تتغنى به - أن يطم شعره ففعل فظهرت جبهته فازداد حسنا، فأمره أن يعتم فازداد حسنا فصيره إلى البصرة مخافة أن تفتن به النساء، فهوته بالبصرة امرأة مجاشع بن مسعود خليفة أبي موسى الأشعري والي البصرة فلما علم أبو موسى يره إلى بلاد فارس، فخرج وكان عليها عثمان بن أبي العاص، وأراد عثمان أن يخرجه من ولايته فقال: " والله لئن فعلتم بي هذا لألحقن بأرض الشرك فكتب بذلك إلى عمر فكتب: احلقوا شعره، وشمروا قميصه وألزموه المسجد (انظر الإصابة حرف النون ق 2) واتخذ من ذلك الطاعنون على عمر (رض) ذريعة للنقد وزعموا: إن في ذلك نوعا من الظلم وكيف لم يخش على نساء البصرة كما خشي على نساء المدينة، وإنه لو بقي تحت مراقبته لكان أولى من إبعاده وعلى كل حال فهو أدرى بما فعل، وإلى الله مثال الأمور.
(2) المغني " فأورده ما أورده ".
(3) زيد بن وهب الجهني أدرك الجاهلية والاسلام، وأسلم في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهاجر إليه فبلغته وفاته في الطريق فهو معدود من كبار التابعين سكن الكوفة وكان في الجيش الذي مع علي عليه السلام في حربه الخوارج وهو أول من جمع خطب علي عليه السلام في الجمع والأعياد وغيرهما توفي سنة 96 وقد عمر طويلا (اتقان المقال ص 192، أسد الغابة 2 / 42 الإصابة 1 / 597، حرف الزاي ق 3).
|
لنأخذن حاجتنا من هذا الفئ وإن رغمت أنوف أقوام، فقال له علي عليه السلام: " إذا تمنع ذلك ويحال بينك وبينه " فقال عمار: أشهد الله أن أنفي أول راغم من ذلك، فقال عثمان أعلي يا ابن ياسر وسمية تجترئ؟
____________
(1) التوبة: 34.
(2) المغني 20 ق 2 / 55.
(3) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".
|
وروى آخرون: أن السبب في ذلك أن عثمان مر بقبر جديد فسأل عنه فقيل: عبد الله بن مسعود، فغضب على عمار لكتمانه إياه موته إذ كان المتولي للصلاة عليه والقيام بشأنه فعندها وطئ عثمان عمارا حتى أصابه الفتق.
وروى آخرون: أن المقداد وطلحة والزبير وعمارا وعدة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله كتبوا كتابا عددوا فيه أحداث عثمان، وخوفوه ربه، وأعلموه أنهم مواثبوه إن لم يقلع، فأخذ عمار الكتاب فأتاه به فقرأه منه صدرا، فقال عثمان: أعلي تقدم من بينهم؟
فقال: لأني أنصحهم لك، فقال: كذبت يا ابن سمية، فقال أنا والله ابن سمية (2) وأنا ابن ياسر فأمر غلمانه فمدوا بيديه ورجليه، فضربه
____________
(1) أشفيت به: أشرفت به على الهلاك.
(2) سمية بنت حناط - بالنون بعد الحاء المهملة، أو بالباء بعد الخاء المعجمة - أم عمار بن ياسر كانت من السابقين إلى الاسلام، وممن يعذب في الله أشد العذاب، طعنها أبو جهل بحربة فقتلها فكانت أول شهيدة في الاسلام وكان ذلك قبل الهجرة (انظر أسد الغابة 5 / 481).
|
فأما قوله: (إن عمارا لا يجوز أن يكفره، ولم يقع منه ما يوجب الكفر) فإن تكفير عمار له معروف، قد جاءت به الروايات، وقد روي من طرق مختلفة وبأسانيد كثيرة أن عمار كان يقول: ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر وأنا الرابع، وأنا شر الأربعة (ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون (1)) وأنا أشهد أنه قد حكم بغير ما أنزل الله.
وروي عن زيد بن أرقم من طرق مختلفة، إنه قيل له بأي شئ أكفرتم عثمان؟ قال: بثلاثة جعل المال دولة بين الأغنياء، وجعل المهاجرين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله بمنزلة من حارب الله ورسوله، وعمل بغير كتاب الله، وروي عن حذيفة أنه كان
____________
(1) المائدة / 44.
|
فأما ما رواه من منازعة الحسن عليه السلام عمارا في ذلك وترافعهما فهو أولا غير دافع لكون عمار مكفرا له بل هو شاهد من قوله بذلك، وإن كان الخبر صحيحا فالوجه فيه أن عمارا أعلم من لحن كلام أمير المؤمنين عليه السلام، وعدوله عن أن يقضي بينهما بصريح القول، أنه متمسك بالتقية فأمسك عمار لما فهم من غرضه، فأما قوله: (لا يجوز أن يكفره من حيث وثب على الخلافة لأنه كان مصوبا لأبي بكر وعمر ولما تقدم من كلامه في ذلك) (1) فلا بد إذا حملنا تكفير عمار للرجل على الصحة من هذا الوجه أن يكون عمار غير مصوب للرجلين على ما ادعى وقد تقدم من الكلام في هذا المعنى ما يأتي على ما أحال عليه صاحب الكتاب من كلامه.
فأما قوله عن أبي علي (إنه لو ثبت أنه ضربه للقول العظيم الذي كان يقول فيه لم يكن طعنا لأن للإمام تأديب من يستحق ذلك) فقد كان يجب أن يستوحش صاحب الكتاب، أو من حكى كلامه من أبي علي وغيره من أن يعتذر من ضرب عمار ووقذه (2) حتى لحقه من الغشى ما ترك له الصلاة، ووطئه بالأقدام امتهانا واستخفافا - بشئ من العذر فلا عذر يسمع من إيقاع نهاية المكروه بمن روي أن النبي صلى الله عليه وآله قال فيه: (عمار جلدة ما بين العين والأنف ومتى تنكأ (3) الجلد تدم
____________
(1) في شرح نهج البلاغة " فإنا لا نسلم له أن عمار كان مصوبا لهما ".
(2) وقذه: ضربه حتى استرخى، وأشرف على الموت، ومنه الموقوذة وهي:
الشاة التي تقتل بالخشب.
(3) نكأ القرحة: قشرها قبل أن تبرأ.
|
فأما قوله: (إن الأخبار متكافئة في أمر أبي ذر وإخراجه إلى الربذة، وهل كان ذلك باختياره أو بغير اختياره) فمعاذ الله أن تتكافأ في ذلك، بل المعروف الظاهر، أنه نفاه من المدينة إلى الشام فاستقدمه إلى المدينة لما شكا منه معاوية ثم نفاه من المدينة إلى الربذة، وقد روى جميع أهل السيرة على اختلاف طرقهم وأسانيدهم أن عثمان لما أعطى مروان بن الحكم ما أعطاه، وأعطى الحارث بن الحكم بن أبي العاص
____________
(1) يظهر مما أخرجه ابن هشام في السيرة 2 / 115 أن هذا الحديث والذي قبله حديث واحد، أو أنه صلى الله عليه وآله قال ذلك في أكثر من موطن كما يبدو من المسانيد الأخرى.
(2) في الإصابة ق 1 من حرف العين بترجمة عمار: عن خالد بن الوليد قال:
كان بيني وبين عمار كلام فأغلظت له فشكاني إلى النبي صلى الله عليه وآله فجاء خالد فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله رأسه فقال: (من عادى عمارا عاداه الله...
الحديث).
|
وقال عثمان يوما: أيجوز للإمام أن يأخذ من المال فإذا أيسر قضاه؟
فقال كعب الأحبار: لا بأس بذلك، فقال له أبو ذر: يا ابن اليهوديين (2) أتعلمنا ديننا! فقال عثمان: قد كثر أذاك لي وتولعك بأصحابي إلحق بالشام، فأخرجه إليها، وكان أبو ذر ينكر على معاوية أشياء يفعلها فبعث إليه معاوية ثلاثمائة دينار، فقال أبو ذر: إن كانت من عطائي الذي حرمتمونيه عامي هذا قبلتها، وإن كانت صلة فلا حاجة لي فيها، وردها عليه.
وبنى معاوية الخضراء بدمشق، فقال أبو ذر: يا معاوية إن كانت هذه من مال الله فهي الخيانة. وإن كان من مالك فهو الإسراف، وكان أبو ذر رحمه الله تعالى يقول: والله لقد حدثت أعمال ما أعرفها، والله ما هي في كتاب الله ولا سنة نبيه، والله إني لأرى حقا يطفأ وباطلا يحيى وصادقا مكذبا، وأثرة بغير تقى، وصالحا مستأثرا عليه فقال حبيب بن
____________
(1) التوبة / 34.
(2) يا بن اليهودي، خ ل.
|
فببيت المقدس؟ قال: لا، قال: فبأحد المصرين (4) قال: لا، ولكني مسيرك إلى الربذة، فسيره إليها، فلم يزل بها حتى مات رحمه الله.
وفي رواية الواقدي أن أبا ذر لما دخل على عثمان، فقال له: لا أنعم الله عينا يا جنيدب، فقال أبو ذر: أنا جندب وسماني رسول الله صلى الله عليه وآله عبد الله، فاخترت اسم رسول الله الذي سماني به على اسمي، فقال له عثمان: أنت الذي تزعم أنا نقول: إن يد الله مغلولة وإن الله فقير ونحن أغنياء، فقال أبو ذر: ولو كنتم لا تزعمون لأنفقتم مال الله على عباده، ولكني أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (إذا بلغ بنو أبي العاص ثلاثين رجلا جعلوا مال الله دولا (5) وعباد الله خولا ودين الله دخلا، ثم يريح الله العباد منهم)
____________
(1) حبيب بن مسلمة الفهري الحجازي، نزل الشام، قال البخاري: له صحبه، يقال له: حبيب الروم لكثرة جهاده فيهم، قال ابن سعد: لم يزل مع معاوية في حروبه، ووجهه إلى إرمينية واليا فمات بها سنة 42 ولم يبلغ الخمسين (انظر الإصابة حرف الحاء ق 1).
(2) الشارف: البعير المسن الهزيل.
(3) القتب: الأكاف الصغير على قدر سنام الناقة.
(4) أي الكوفة والبصرة.
(5) الدول " ما يتداول فيكون مرة لهذا ومرة لذاك ويطلق على المال والغلبة.
والحديث.