- معالم المدرستين - السيد مرتضى
العسكري ج 2 ص 105 :
- |
ز - الخمس :
الخمس في اللغة : أخذ واحد من
خمسة ، وخمست القوم : اخذت خمس أموالهم . اما معناه الشرعي فينبغي
لدركه أن نرجع أولا إلى عرف العرب في العصر الجاهلي لمعرفة
نظامهم
الاجتماعي يومذاك في هذا الخصوص ، ثم نعود إلى التشريع
الاسلامي لندرس الخمس فيه وندرس أمره بعد ذلك لدى المسلمين بالتفصيل ان
شاء الله تعالى . فالى دراستهما في ما يلي :
أولا : في العصر الجاهلي كان
الرئيس عند العرب يأخذ في الجاهلية ربع الغنيمة ويقال : ربع القوم
يربعهم ربعا أي أخذ ربع أموالهم ، وربع الجيش أي أخذ منهم ربع الغنيمة
، ويقال للربع الذي يأخذه الرئيس : المرباع .
وفي الحديث ، قال الرسول لعدي
بن حاتم قبل أن يسلم : " انك لتأكل المرباع وهو لا يحل في دينك " 1 .
وقال الشاعر : لك المرباع منها والصفايا * وحكمك والنشيطة
والفضول الصفايا ما يصطفيه الرئيس ، والنشيطة ما أصاب من الغنيمة قبل
ان تصير
|
1 ) بمادة ربع من القاموس واللسان وتاج
العروس ونهاية اللغة
لابن الاثير وفي صحاح الجوهري بعضه . وسيرة ابن هشام 4 / 249 . ( * )
|
| |
إلى مجتمع الحي ، والفضول ما عجز ان يقسم لقلته فخص به
الرئيس 1 . وفي النهاية : " إن فلانا قد
ارتبع أمر القوم، أي انتظر ان يؤمر عليهم ، وهو على رباعة قومه أي هو
سيدهم ".
وفي مادة " خمس " من النهاية :
ومنه حديث عدي بن حاتم " ربعت في الجاهلية وخمست في الاسلام " أي قدت
الجيش في الحالين ، لان الامير في الجاهلية كان يأخذ ربع الغنيمة وجاء
الاسلام فجعله الخمس وجعل له مصاريف ، انتهى 2 .
ثانيا : في العصر الاسلامي هذا
ما كان في الجاهلية ، أما في الاسلام فقد فرض الخمس في التشريع
الاسلامي ، وذكر في الكتاب والسنة كما يلي :
أ - الخمس في كتاب الله :
قال الله سبحانه : " واعلموا أنما غنمتم من شئ فان
لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل ان كنتم
آمنتم بالله وما أنزلنا على
عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان ،
والله على كل شئ قدير " الانفال / 41 . هذه الآية وان كانت قد
نزلت في مورد خاص ، ولكنها اعلنت حكما عاما وهو وجوب أداء الخمس من أي
شئ غنموا - أي فازوا به - لاهل الخمس .
ولو كانت الآية تقصد وجوب اداء الخمس مما غنموا في الحرب
خاصة ، لكان ينبغي ان يقول عز اسمه : واعلموا ان ما غنمتم في الحرب ،
أو ان ما غنمتم من العدى وليس يقول ان ما غنمتم من شئ .
في هذا التشريع : جعل الاسلام
سهم الرئاسة الخمس بدل الربع في الجاهلية ، وقلل مقداره ، وكثر أصحابه
فجعله سهما لله ، وسهما للرسول ، وسهما لذوي قربى الرسول ، وثلاثة
أسهم
لليتامى والمساكين وابن السبيل من فقراء أقرباء الرسول ،
وجعل الخمس لازما لكل ما غنموا من شئ عامة ولم يخصصه بما غنموا في
الحرب ،
|
1 ) في نهاية اللغة 2 / 62 2 ) في نهاية اللغة 1 / 321 ، ومسند احمد 4 / 257 ، وعدى أبو طريف
اسلم سنة 9 ه وشهد فتح العراق والجمل وصفين ونهروان مع
الامام وفقئت عينه بصفين روى عنه المحدثون 66 حديثا توفي
بالكوفة سنة 68 ه ترجمته بالاستيعاب واسد
الغابة والتقريب . ( *
) |
| |
وسماه الخمس مقابل المرباع في الجاهلية . ولما كان مفهوم
الزكاة مساوقا لحق الله في المال كما أشرنا إليه في ما سبق ، فحيث ما
ورد في القرآن الكريم حث على أداء الزكاة في ما
ينوف على ثلاثين آية 1 ، فهو حث
على أداء الصدقات الواجبة والخمس المفروض في كل ما غنمه الانسان ، وقد
شرح الله حقه في المال في آيتين : آية الصدقة وآية الخمس ، كان هذا ما
استفدناه من كتاب الله في شأن الخمس .
ب - الخمس في السنة : أمر
الرسول باخراج الخمس من غنائم الحرب ومن غير غنائم الحرب مثل الركاز
كما روى ذلك كل من ابن عباس ، وأبي هريرة ، وجابر وعبادة بن
الصامت ، وأنس ابن مالك كما يلي : في مسند أحمد وسنن ابن
ماجة واللفظ للاول عن ابن عباس قال : " قضى رسول الله ( ص ) في الركاز
الخمس 2 . "
وفي صحيحي مسلم والبخاري ، وسنن
أبي داود ، والترمذي ، وابن ماجة ، وموطأ مالك ، ومسند أحمد واللفظ
للاول : عن أبي هريرة قال : قال رسول الله ( ص ) : " العجماء جرحها
جبار ، والمعدن جبار
، وفي الركاز الخمس " وفي بعض الروايات عند أحمد : البهيمة عقلها جبار
3 .
شرح هذا الحديث أبو يوسف في كتاب الخراج وقال :
كان أهل الجاهلية إذا عطب الرجل في قليب جعلوا القليب عقله ، وإذا
قتلته دابة جعلوها عقله ، وإذا قتلته
|
1 ) راجع مادة "
الزكاة " في المعجم المفهرس لالفاظ
القرآن الكريم . 2 ) مسند احمد 1 / 314 ،
وسنن ابن ماجة ص 839 . 3 )
صحيح مسلم 5 / 127 باب جرح العجماء والمعدن والبئر
جبار اي هدر من كتاب الحدود بشرح
النووي 11 / 225 ، وصحيح
البخاري 1 / 182 باب " في الركاز الخمس " ، و 2
/ 34 باب " من حفر بئرا في ملكه لم يضمن " من كتاب
المساقاة وسنن أبي داود 2
/ 254 باب " من قتل عميا بين قوم " من كتاب الحدود ، وباب
ما جاء في الركاز " ، 2 / 70 ، وسنن
الترمذي 3 / 138 باب " ما جاء في العجماء جرحها
جبار وفى الركاز الخمس " ، وسنن
ابن ماجة ص 803 باب من " أصاب ركازا " من كتاب
اللقطة ، وموطأ مالك ج 1 /
244 باب " زكاة الشركاء " . ومسند
أحمد ج 2 / 228 و 239 و 254 و 274 و 285 و 319 و
382 و 386 و 406 و 411 و 415 و 454 و 456 و 467 و 475 و
482 و 493 و 495 و 499 و 501 و 507 ، والاموال لابي عبيد ص 336 . ( *
) |
| |
معدن جعلوه عقله ، فسأل سائل رسول الله ( ص ) عن ذلك فقال : " العجماء جبار ،
والمعدن جبار ، والبئر جبار ، وفي الركاز الخمس " فقيل له : ما الركاز
يا رسول الله ؟ فقال : " الذهب والفضة الذي خلقه الله في الارض يوم
خلقت 1 " انتهى .
وفي مسند أحمد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله قال
: قال رسول الله ( ص
) : " السائمة جبار ،
والجب جبار ، والمعدن جبار ، وفي الركاز الخمس " قال الشعبي : الركاز
الكنز العادي 2 .
وفي مسند أحمد عن عبادة بن الصامت قال : من
قضاء رسول الله ( ص
) ان المعدن جبار ،
والبئر جبار ، والعجماء جرحها جبار ، والعجماء البهيمة من الانعام
وغيرها . والجبار هو الهدر الذي لا يغرم وقضى في الركاز الخمس 3 .
وفي مسند أحمد عن أنس بن مالك قال : خرجنا مع
رسول الله ( ص
) إلى خيبر فدخل صاحب
لنا إلى خربة يقضي حاجته فتناول لبنة ليستطيب بها فانهارت عليه تبرا
فاخذها فاتى بها
النبي ( ص ) فأخبره بذلك ، قال " زنها " فوزنها
فإذا مائتا درهم فقال النبي " هذا ركاز وفيه الخمس " 4 .
وفي مسند أحمد : ان رجلا من مزينة سأل رسول الله
مسائل جاء فيها : فالكنز نجده في الخرب والآرام فقال رسول الله
( ص ) : " فيه وفي الركاز الخمس " 5 .
|
1 ) أبو يوسف يعقوب
بن ابراهيم الانصاري ولد بالكوفة 113 ه وتلمذ على ابي
حنيفة وهو اول من وضع الكتب على رأي أبي حنيفة وولي القضاء
ببغداد أيام المهدي والهادي والرشيد ، وتوفي سنة 182 ه
ونقلنا عن كتاب خراجه ط القاهرة 1346 ه ص 26 وقد وضعه
لخليفة عصره الرشيد . وعطب اي هلك . والقليب : البئر لم
تطو . والعقل : الدية .
2 ) مسند أحمد 3 / 335 و 336 و 356 و 353
- 354 ، ومجمع الزوائد 3 / 78
باب " في الركاز والمعادن " وأبو عمر وعامر بن شراحيل
الكوفي الشعبي . نسبة إلى شعب بطن من همدان . روى عن خمسين
ومائة من أصحاب رسول الله . توفي بالكوفة سنة 104 ه ،
أنساب السمعاني ص 336
.
3 ) مسند أحمد 5 / 326
.
4 ) مسند أحمد 3 / 128 ، ومجمع الزوائد 3 / 77 باب " في الركاز
والمعادن " ، ومغازي الواقدي ص
682 .
5 ) مسند أحمد 2 / 186 و 202 و 207
واللفظ للاول ، وفي سنن
الترمذي 1 / 219 باب اللقطة من كتاب الزكاة مع
اختلاف في اللفظ .
والاموال لابي عبيد ص 337 . وأشار إلى
هذه الاحاديث الترمذي في باب ما جاء العجماء جرحها جبار ،
وفي الركاز الخمس قال : " وفي الباب عن أنس بن مالك و عبد
الله بن عمرو وعبادة بن الصامت وعمرو بن عوف المزني وجابر
" |
| |
وفي مادة " سيب " من نهاية اللغة ولسان العرب وتاج العروس
وفي نهاية الارب والعقد الفريد واسد الغابة واللفظ للاول : " وفي كتابه
- أي كتاب رسول الله - لوائل بن حجر : "
وفي السيوب الخمس " السيوب : الركاز " . وذكر انهم قالوا :
" السيوب عروق الذهب والفضة تسيب في المعدن أي تتكون فيه وتظهر " "
والسيوب جمع سيب يريد به - أي يريد
النبي بالسيب - المال المدفون في الجاهلية أو المعدن لانه
من فضل الله تعالى وعطائه لمن أصابه " . وتفصيل كتاب رسول الله هذا في
نهاية الارب للقلقشندي 1 .
تفسير ألفاظ الاحاديث : في سنن
الترمذي 2 : العجماء : الدابة المنفلتة من
صاحبها فما أصابت في انفلاتها فلا غرم على صاحبها والمعدن : جبار يقول
إذا احتفر الرجل معدنا فوقع فيها
انسان فلا غرم عليه ، وكذلك البئر إذا احتفرها الرجل للسبيل
فوقع فيها إنسان فلا غرم على صاحبها ، وفي الركاز الخمس . والركاز ، ما
وجد من دفن أهل الجاهلية ، فمن وجد ركازا ادى منه الخمس إلى السلطان
وما بقى له ، انتهى .
وفي نهاية اللغة لابن الاثير
بمادة " ارم " : الآرام ، الاعلام وهي حجارة تجمع وتنصب في المفازة
يهتدى بها ، واحدها ارم كعنب ، وكان من عادة الجاهلية انهم إذا وجدوا
شيئا في طريقهم لا يمكنهم استصحابه تركوا عليه حجارة يعرفونه بها حتى
إذا عادوا اخذوه .
وفي لسان العرب وغيره من معاجم اللغة
: ركزه يركزه : إذا دفنه . والركاز : قطع ذهب وفضة تخرج من
الارض أو المعدن واحده الركزة كانه ركز في الارض . وفي نهاية اللغة :
والركزة : القطعة من جواهر الارض المركوزة فيها ، وجمع الركزة الركاز
.
|
1 ) نهاية الارب ص 221 يرويه عن كتاب
الشفاء للقاضي عياض ، والعقد الفريد 2 / 48 في الوفود ،
وبترجمة الضحاك من اسد الغابة
3 / 38 واشار إلى الكتاب صاحبا الاستيعاب واسد
الغابة بترجمة وائل . ووائل بن حجر كان
ابوه
من أقيال اليمن وفد إلى النبي
( ص ) وكتب له عهدا جاء فيه ما
اوردناه في المتن، بعث الرسول معه معاوية بن ابي سفيان
فقال له معاوية : اردفني فقال : لست من أرداف الملوك ،
توفي وائل في خلافة معاوية ، ترجمته بالاصابة 3 / 592 .
2 ) سنن الترمذي 6 / 145 - 146 باب " ما
جاء في العجماء جرحها جبار " . ( * )
|
| |
خلاصة الروايات السابقة :
خلاصة ما يستفاد من الروايات السابقة ، ان رسول الله
( ص ) أمر بدفع
الخمس من كل ما يستخرج من الارض من ذهب وفضة سواء كان كنزا أو معدنا
وكلاهما ليسا من غنائم
الحرب ، كما زعمو
انها - أي غنائم الحرب - هي المقصود من " غنموا "، في الآية الكريمة ،
وانما تدل تلكم الاحاديث على ما برهنا عليه ان ما " غنموا " قصد به في
التشريع الاسلامي
" ما ظفر به من جهة
العدى وغيرهم " فثبت من جميع ما سبق أن الخمس لا يخص غنائم الحرب وحدها
في الاسلام، وكذلك استفاد الفقهاء من تلكم الروايات مثل القاضي أبو
يوسف في كتاب الخراج 1 ، فانه استنبط من
الروايات حكم وجوب اداء الخمس من غير غنائم الحرب .
قال أبو يوسف : في كل ما اصيب من المعادن من قليل
أو كثير الخمس ، ولو ان رجلا أصاب في معدن اقل من وزن مائتي درهم فضة
أو اقل من وزن عشرين ذهبا ، فان فيه الخمس .
ليس هذا موضع الزكاة
2 ، إنما هو على موضع الغنائم ، وليس في
تراب ذلك شئ إنما الخمس في الذهب الخالص ، والفضة الخالصة ، والحديد ،
والنحاس والرصاص ، ولا يحسب
لمن استخرج ذلك من
نفقته عليه شئ ، قد تكون النفقة تستغرق ذلك كله ، فلا يجب اذن فيه خمس
عليه وفيه الخمس حين يفرغ من تصفيته قليلا كان أو كثيرا ، ولا يحسب له
من نفقته
شئ من ذلك وما
استخرج من المعادن سوى ذلك من الحجارة - مثل الياقوت والفيروزج والكحل
والزئبق والكبريت والمغرة - فلا خمس في شئ 3 من ذلك إنما ذلك كله بمنزلة
الطين
والتراب . قال : ولو
ان الذي أصاب شيئا من الذهب أو الفضة أو الحديد أو الرصاص أو النحاس ،
كان عليه دين فادح لم يبطل ذلك الخمس عنه . الا ترى لو ان جندا من
الاجناد ،
أصابوا غنيمة من أهل
الحرب ، خمست ولم ينظر أعليهم دين ام لا . ولو كان عليهم دين ، لم يمنع
ذلك من الخمس . قال : واما الركاز فهو الذهب والفضة الذي خلقه الله
عزوجل في
الارض يوم خلقت ،
فيه أيضا الخمس ، فمن أصاب ، كنزا عاديا في غير مالك أحد فيه ذهب أو
فضة
|
1 ) الخراج ص 25 - 27 . 2 ) قصد
بالزكاة هنا ما يقابل الخمس اي الصدقة . 3 ) هذا
يخالف عموم آية الخمس ويخالف ما في فقه أئمة اهل البيت . (
* ) |
| |
أو جوهر أو ثياب ، فان في ذلك الخمس
واربعة اخماسه للذي أصابه ، وهو بمنزلة الغنيمة يغنمها القوم فتخمس وما
بقي فلهم . قال : ولو ان حربيا وجد في دار الاسلام ركازا ،
وكان
قد دخل بأمان نزع ذلك كله منه ، ولا يكون
له منه شئ . وإن كان ذميا اخذ منه الخمس ، كما يؤخذ من المسلم ، وسلم
له اربعة اخماسه . وكذلك المكاتب يجد ركازا في دار الاسلام فهو له بعد
الخمس . . .
وقال أبو
يوسف في " فصل ما يخرج من البحر " : " وسألت يا أمير المؤمنين
عما يخرج من البحر فان في ما يخرج من البحر من حلية والعنبر الخمس "
1 .
استعرضنا في ما
سبق روايات رسول الله التي أمرت بدفع الخمس عن أشياء غير غنائم
الحرب ، وكذلك ما استفادوه من تلك الروايات ، وفي ما يلي نستعرض كتب
الرسول ( ص ) وعهوده
التي ورد فيها أمر بدفع الخمس .
|
1 ) الخراج ص 83 . ونقل أبو عبيد في
كتاب الاموال ص 345 - 348
قولين فيه : أ - ان فيه الزكاة . ب - ان فيه الخمس . ( *
) |
| |
|