عقائد الشيعة الإمامية >> العلامة العسكري
العقائد الإسلامية في القرآن الكريم
-11-
مشيئة رب العالمين
من
صفات اللّه رب العالمين مشيئته في الهداية والرزق والعذاب والرحمة, كما ياتي
بيانها في اربعة بحوث:
ا المشيئة في اللغة.
في
لغة العرب شاء يشاء مشيئة: اراد ارادة,
وبهذا المعنى اسندت المشيئة الى الناس في قوله تعالى:
(ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا) (المزمل 19) و(الانسان
29).
اي ان الانسان اذا اراد ان يتخذ الى ربه سبيلا فانه قادر على ان يفعل ذلك
بكامل حريته ومحض اختياره,
وورد نظيره ايضا في: سورة المدثر (55) وسورة عبس (12) والتكوير (28) والكهف
(29) وغيرها من الموارد في القرآن الكريم.
وبالمعنى اللغوي ايضا اسندت
المشيئة الى اللّه سبحانه وتعالى في قوله:
1 في سورة الفرقان:
(الم تر الى ربك كيف مد الظل ولو شاء لجعله ساكنا) (الاية 45).
2 في سورة هود:
(فاما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيها
مادامت السموات والارض الا ما شاء ربك ان ربك فعال لما يريد واما الذين سعدوا ففي
الجنة خالدين فيها مادامت السموات والارض الا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) (الايات
106 108).
وجاء نظيرهما ايضا في سورة الاسراء (86) والفرقان
(51).
المعنى في الايات الماضية:
1 في المورد الاول قال سبحانه وتعالى:
(الم تر الى ربك كيف مد الظل) شيئا فشيئا بعد الظهيرة من المغرب الى
المشرق حسب اقتراب الشمس من الافق,
حتى اذا غربت كانت في نهاية الامتداد في الليل ولو شاء لجعل الظل ساكنا دائما, اي
ان تمدد الظل وتحركه يجري بقدرة اللّه ووفق ارادته وليس خارجا عن ارادته.
2 في
المورد الثاني قال سبحانه وتعالى:
ان اهل النار خالدون في النار ابدا, واهل
الجنة خالدون في الجنة ابدا وان ذلك كائن بقدرة اللّه وارادته وليس خارجا عن ارادته
وقدرته.
كان ذلكم من موارد اسناد المشيئة الى اللّه والى الناس بمعناه اللغوي.
ب مشيئة اللّه في الاصطلاح القرآني:
اذا اسندت المشيئة في القرآن الكريم الى اللّه بعد مادة: الرزق
والهداية والعذاب والرحمة اريد بها جريان الرزق والهداية وامثالهما للانسان وفق
سنن قررها لها اللّه وفق حكمته وان سنة اللّه في ذلكم الامر لن تتبدل وهي اذا من
مصاديق قوله تعالى في سورتي الاحزاب (38) و(62) والفتح (23):
(سنة اللّه ولن تجد
لسنة اللّه تبديلا).
وقوله تعالى في سورة فاطر:
(فلن تجد لسنة اللّه تبديلا
ولن تجد لسنة اللّه تحويلا) (الاية 43).
كما ياتي بيانها بحوله تعالى.
جاء ذكر مشيئة اللّه في مر الرزق في قوله تعالى:
1 في سورة الشورى:
(له مقاليد السموات والارض يبسط الرزق لمن يشاء
ويقدر انه بكل شي ء عليم) (الاية 12).
ونظيره في سورة الرعد (26).
2 في سورة العنكبوت:
(وكاين من دابة لا تحمل رزقها اللّه يرزقها واياكم وهو
السميع العليم ولئن سالتهم من خلق السموات والارض وسخر الشمس والقمر ليقولن اللّه
فانى يؤفكون اللّه يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ان اللّه بكل شي ء عليم
ولئن سالتهم من نزل من السماء مء فاحيا به الارض من بعد موتها ليقولن اللّه قل
الحمد للّه بل اكثرهم لا يعقلون) (الايات 60 63).
3 في سورة سبا:
(قل
ان ربي يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له وما انفقتم من شي ء فهو يخلفه وهو
خير الرازقين) (الاية 39).
4 في سورة الاسراء:
(ولا تجعل يدك مغلولة الى
عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا ان ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر انه
كان بعباده خبيرا بصيرا ولا تقتلوا اولادكم خشية املاق نحن نرزقهم واياكم ان قتلهم
كان خطئا كبيرا ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي احسن حتى يبلغ اشده واوفوا
بالعهد ان العهد كان مسؤولا واوفوا الكيل اذا كلتم وزنوا بالقسطاس المستقيم ذلك
خير واحسن تاويلا) (الايات 29 31 و34 35).
5 في سورة آل عمران:
(قل اللّه م مالك الملك توتي الملك من
تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير انك على كل شي
ء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج
الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب) (الايتان 26 27).
ما هي مشيئة اللّه
في امر الرزق؟.
لقد مر بنا في بحث (جزاء الاعمال) ان اللّه سبحانه وتعالى
جعل توسعة الرزق في صلة الرحم, وجعل الولد يرث اثر صلاح ابيه,
كما مر بنا في خبر موسى والعبد الصالح عندما بنى جدارا يريد ان ينقض ليبقى الكنز
المدفون لليتيمين لان اباهما كان صالحا وليستخرجاه عندما يبلغان اشدهما, وهذان
مثلان لمشيئة اللّه في امر الرزق وانها تجري وفق سنن لا تتبدل.
ياتي ذكر هداية الانسان في القرآن بمعنيين:
1 بمعنى تعليم الانسان عقائد الاسلام واحكامه:
ويسنده القرآن غالبا الى الانبياء
الذين بعثهم اللّه لتبليغ الانسان عقائد الاسلام واحكامه.
واحيانا يسنده الى
اللّه جل اسمه لانه الذي ارسل الانبياء بدين الاسلام.
2 بمعنى توفيق اللّه الانسان الى الايمان بعقائد الاسلام والعمل باحكامه وهذا ما
يسنده القرآن الى اللّه وحده, تارة مع وصف ان هذه الهداية من مشيئة اللّه,
واخرى بدون ذكر مشيئة اللّه.
وفي ما ياتي امثلة من مواردها في القرآن الكريم:
وقد اشترط اللّه لهذا النوع من الهداية ان يرضاها الناس ويختاروها ويباشروا
العمل من اجل الوصول اليها كما ياتي بيانها في ثلاثة بحوث بحوله تعالى.
ا
الهداية بمعنى التعليم:
اسند القرآن هداية الناس بمعنى تبليغ الاسلام الى
الانبياء في موارد منها الايات الاتية:
ا في سورة الشورى:
(وانك
لتهدي الى صراط مستقيم صراط اللّه الذي له ما في السموات وما في الارض الا الى
اللّه تصير الامور) (الايتان 52 53).
واحيانا ياتي اسناد عن الانبياء في الهداية الى اللّه تعالى كما قال سبحانه:
1 في سورة الانبياء:
(وجعلناهم
ائمة يهدون بامرنا) (الاية 73).
2 في سورة الفتح:
(هو الذي ارسل رسوله
بالهدى ودين الحق) (الاية 28).
وبهذا المعنى ايضا اسندت الهداية الى الكتب السماوية مثل قوله تعالى:
1 في
سورة البقرة:
(شهر رمضان الذي انزل فيه
القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان) (الاية 185).
2 في سورة آل عمران:
(وانزل التوراة والانجيل من قبل هدى للناس) (الايتان 3 4).
وقد ياتي في القرآن اسناد الهداية التعليمية الى اللّه جل اسمه مثل قوله تعالى:
1 في سورة البلد في صوف الانسان:
(الم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين)
(الايتان 8 10).
2 في سورة
فصلت:
(واما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى
على الهدى) (الاية 17).
اذا فان اللّه تبارك وتعالى يسند الهداية بمعنى
تعليم الاسلام الى انبيائه وكتبه تارة, والى نفسه تبارك وتعالى تارة اخرى, لانه
الذي ارسل الرسل بتلك الكتب لتعليم الناس,
ثم ياتي بعد ذلك دور الانسان في قبول الهداية او رفضها كالاتي بيانه بحوله تعالى.
ب اختيار الانسان الهداية او
الضلالة وآثارهما:
بعد ارسال اللّه الانبياء بالكتب الى الناس فان الناس ينقسمون
الى فريقين: فريق يختارون الهداية على الضلالة,
وفريق يختارون الضلالة على الهداية كما اخبر اللّه سبحانه وتعالى عنهم في الايات
الاتية وقال عز اسمه:
1 في سورة النمل:
(وان اتلو القرآن فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فقل انما
انا من المنذرين) (الاية 92).
2 في سورة يونس:
(قل يا ايها الناس قد
جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فانما يهتدي لنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما انا
عليكم بوكيل) (الاية 108).
ونظيرها في سورة الاسراء (15).
وياتي بعد ذلك
توفيق اللّه سبحانه وتعالى للمهتدي,
كما اخبر اللّه عز اسمه وقال:
1 في سورة مريم:
(ويزيد اللّه الذين اهتدوا هدى) (الاية 76).
2 في سورة
محمد:
(والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم) (الاية 17).
ان الذين
اختاروا الهداية بعد ارسال الرسل, وجاهدوا في سبيل اللّه, استحقوا توفيق اللّه
لهم, والذين كذبوا الرسول واتبعوا هوى النفس حقت عليهم الضلالة,
كما اخبر اللّه سبحانه وتعالى عنهما وقال:
1 في سورة العنكبوت:
(والذين جاهدوا
فينا لنهدينهم سبلنا وان اللّه لمع المحسنين) (الاية 69).
2 في سورة النحل:
(ولقد بعثنا في كل امة رسولا ان اعبدوا اللّه واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى
اللّه ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الارض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين
ان تحرص على هداهم فان اللّه لا يهدي من يضل ومالهم من ناصرين واقسموا باللّه جهد
ايمانهم لايبعث اللّه من يموت) (الايات 36 42).
3 في سورة الاعراف:
(فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة انهم اتخذوا الشياطين اولياء من دون
اللّه ويحسبون انهم مهتدون) (الاية 30).
وهذا النوع من الهداية هي التي تاتي
بمشيئة اللّه,
كما ياتي بيانه بحوله تعالى.
ج الهداية بمعنى توفيق الايمان والعمل مسندة الى
مشيئة اللّه.
جاء ذكر الهداية بمعنى توفيق الايمان والعمل مسنده الى مشية اللّه
في قوله تعالى:
1 في سورة البقرة:
(واللّه يهدي من
يشاء الى صراط مستقيم) (البقرة 142 و213) و(النور 46) و(يونس 25).
2 في سورة الانعام:
( من يشا اللّه يضلله ومن يشا يجعله على صراط مستقيم) (الاية
39).
3 في سورة القصص:
(انك لا تهدي من احببت ولكن اللّه يهدي من يشاء,
وهو اعلم بالمهتدين) (الاية 56).
شرح الكلمات.
صراط مستقيم:
الصراط من السبيل الواضح والمستقيم بلا التواء
فيه.
والصراط المستقيم من امر الدين ما شرحه اللّه تعالى في سورة الفاتحة وقال:
(صراط الذين انعمت عليهم غير المغضوب
عليهم ولا الضالين) (الاية 7).
عليهم وقد بين اللّه تعالى من انعم علهيم في سورة مريم وقال بعد ذكره خبر زكريا
ويحيى ومريم وعيسى (ع): واذكر في الكتاب ابراهيم واذكر في الكتاب موسى و اسماعيل و
ادريس) ثم قال تعالى:
(اولئك الذين
انعم اللّه عليهم من النبيين وممن هدينا واجتبينا) (مريم 1 و63).
وصراطهم هو دين
الاسلام الذي كانوا يدعون اليه,
وسيرتهم في عملهم بالاسلام.
والمغضوب عليهم هم اليهود خاصة كما وصفهم اللّه
تبارك وتعالى في سورة البقرة وقال عز اسمه:
(وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من اللّه ذلك بانهم كانوا يكفرون
بيات اللّه ويقتلون النبيين بغير الحق ذلك بما.
عصوا وكانوا يعتدون) (الاية
61).
وكذلك في سورة آل عمران الاية (112).
و(ولا الضالين) الضالون هم الذين
لا يتخذون الاسلام دينا كافة كما صرح بذلك تبارك وتعالى في سورة آل عمران وقال عز
من قائل:
(ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه واولئك هم الضالون) (الايات
85 90).
يهدي: راجع شرحه في بحث هداية رب العالمين للاصناف الاربعة من
الخلق.
قد جاء ذكر مشيئة اللّه في العذاب والرحمة في
موارد من القرآن الكريم منها الايات الاتية:
ا في سورة الاعراف
حكاية قول كليم اللّه موسى (ع):
(واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الاخرة
انا هدنا اليك قال عذابي اصيب به من اشاء ورحمتي وسعت كل شي ء فساكتبها للذين
يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بياتنا يؤمنون الذين يتبعون الرسول النبي الامي
الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يامرهم بالمعروف ويناهم عن المنكر
ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والاغلال التي كانت عليهم
فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي انزل معه اولئك هم المفلحون)
(الايتان 156 157).
ب في سورة الانبياء:
(اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون ما ياتيهم من ذكر من ربهم محدث الا استمعوه
وهم يلعبون لاهية قلوبهم واسروا النجوى الذين ظلموا هل هذا الا بشر مثلكم افتاتون
السحر وانتم تبصرون قال ربي يعلم القول في السماء والارض وهو السميع العليم بل
قالوا اضغاث احلام بل افتراه بل هو شاعر فلياتنا بية كما ارسل الاولون ما آمنت
قبلهم من قرية اهلكناها افهم يؤمنون.
وما ارسلنا قبلك الا رجالا نوحي اليهم فسئلوا اهل الذكر ان كنتم
لا تعلمون وما جعلناهم جسدا لا ياكلون الطعام وما كانوا خالدين ثم صدقناهم
الوعد فانجيناهم ومن نشاء واهلكنا المسرفين لقد انزلنا اليكم كتابا فيه ذكركم افلا
تعقلون) (الايات 1 10).
ج في سورة الاسراء:
(من كان يريد العاجلة عجلنا
له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا ومن اراد الاخرة
وسعى لها سعيها وهو مؤمن فاولئك كان سعيهم مشكورا كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء
ربك وما كان عطاء ربك محضورا) (الايات 18 20).
د في سورة الانسان:
(ان
هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا ان هذه تذكرة فمن شاء اتخذ الى ربه
سبيلا وما تشاءون الا ان يشاء اللّه ان اللّه كان عليما حكيما يدخل من يشاء في
رحمته والظالمين اعد لهم عذابا اليما) (الايات 27 31).
كان ذلك معنى مشيئة
اللّه رب العالمين,
ومن صفات اللّه تعالى انه يمحو ما يشاء ويثبت كما ياتي معناه في البحث الاتي باذنه
تعالى.