موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع
إجماعات فقهاء الإمامية
المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع
- حاشية السلطان على معالم الدين - سلطان العلماء ص 315: ([1])
قد اعترض على هذا الحدّ بأنه يشعر بالاتفاق من لدن بعثته صلى الله عليه وآله إلى يوم القيامة فيخرج الاتفاق في عصر واحد من الأعصار عن الحدّ مع أنه إجماع اتفاقا ودفع بأن المتبادر عند المتشرعة الاتفاق في عصر واحد من الأعصار.
عدل عن العبارة المشهورة وهي اتفاق المجتهدين، لأن المنظور عندنا الإمامية قول المعصوم عليه السلام في المتفقين ولا يصح عندهم إطلاق المجتهد عليه، لا يخفى أن لفظ الاتفاق يشعر باعتبار تعدد من يعتبر قوله من الأمة في حصول الإجماع وإن كان لفظ من يعم الواحد والمتعدد وليس كلفظ المجتهدين صريحا في التعدد.
فنقول على ما يشعر به لفظ الاتفاق من تعدد المعتبرين يلزم أنه لو اتفق المعصوم عليه السلام مع العوام على أمر ديني بحيث لا يعلم عليه السلام بخصوصه وليس معهم عالم غيره عليه السلام لم يكن إجماعا، والظاهر أن هذا إجماع على زعم الإمامية ولا اعتبار بعلم باقي المتفقين عندهم في الإجماع إلا أن يقال هذا تعريف [الصفحة 316] للإجماع باعتبار أغلب أفراده، وأيضا يشعر لفظة من بأنه على تقدير تعدد المعتبرين لا بد من اتفاق الجميع، وستعرف أن هذا غير معتبر عند الإمامية إذ يكفي في الحجية عندهم اتفاق جماعة لم يكن المعصوم عليه السلام خارجا عنهم وإن خرج عنهم كثير من العلماء إلاّ أن يقال إن هذا وإن كان حجة لكن لا يطلقون عليه الإجماع، فيخص الإجماع بما إذا كشف باتفاق الكل قول المعصوم عليه السلام، لكن ذلك خلاف ظاهر كلامهم كما سيأتي.
يمكن أن يقال إنه ليس المراد بمن يعتبر قوله العلماء حتى لا بد من تعددهم واتفاق جميعهم بل المراد بالمعتبرين جماعة ليس المعصوم خارجا عنهم، سواء كان جميع العلماء أم لا، وسواء كان فيهم عالم غير الإمام أم لا.
لكن هذا خلاف الظاهر من العبارة ولا يساعده قوله في الفتاوى الشرعية، والأظهر أن هذا تعريف لما هو إجماع بزعم الكل من الإمامية ومخالفيهم كلا فلا فساد في خروج بعض ما هو إجماع بزعم الإمامية فقط أو ملحق بالإجماع عن تعريفه سيما أنه سنبين على ذلك مفصلا فتأمل.
إشارة إلى أنه ربما يدل على حجيته حسن الظن بالجماعة المتفقين من العلماء الأعلام العدول أنه لو لا دليل قوي دال على الحكم لما اتفقوا عليه، لكن ليس هذا دليلا قويا يعتد به ولا يدل دليل على اعتباره شرعا.
لا يخفى ضعف هذه المناقشة.
الظاهر أن قوله في زماننا هذا وما ضاهاه من غير جهة الظاهر أن قوله في زماننا هذا وما ضاهاه إلى ظرف لحصول الإجماع، أي يمتنع الاطلاع على الإجماع الحاصل في زماننا وما شابهه من الأزمنة من غير جهة النقل، إذ لا سبيل إلى العلم بقول الإمام، ولا يخفى عليك أن دليله لو تم لدل على عدم حصول العلم به من جهة النقل أيضا، إذ النقل لا بد من انتهائه إلى مبدأ اطلاع يحصل ابتداء فإذا دل دليله على امتناع الاطلاع ابتداء دل على عدم صحة النقل، وهذا ظاهر، وإن جعل قوله في زماننا وما شابهه ظرفا للاطلاع أي يمتنع عادة الاطلاع في زماننا وما شابهه على الإجماع مطلقا حتى على الإجماع الحاصل في عصر الصحابة والتابعين إلا من جهة النقل، فلا يخفى ما فيه، إذ بالنظر إلى الإجماع الحاصل في عصر الصحابة وأمثاله لا إفادة في هذا الكلام ولا طائل تحته، إذ الظاهر أن في زماننا لا يمكن الاطلاع على ما في عصر السابق بألف سنة مثلا إلا بالنقل، ولا يرتبط إليه الدليل الّذي ذكرها، وأما بالنظر إلى الإجماع الحاصل في زماننا فقد عرفت أنه لا يستقيم استثناء النقل فتأمل.
بل وعلى العلم بانحصار المجتهدين المجهولين في الداخلين أو بعدم خروج المعصوم من الداخلين وإن لم يكن [الصفحة 317] الانحصار معلوما.
هو فخر الدين الرازي نقل عنه العلامة في نهاية الأصول.
الظاهر أن في زمن الصحابة في قول هذا القائل من أهل الخلاف ظرف للإجماع فإن الإجماع في زمن الصحابة هو الّذي خص جواز المعرفة به وإن كان معرفة في زماننا مثلا لا ظرف للمعرفة حتى يكون مفاده تخصيص المعرفة بذلك الزمان للإجماع فينافيه معرفتنا في زماننا، فظهر مما ذكرنا من ظاهر كلام القائل أنه إنما يرد الاعتراض عليه لو ثبت الجزم بوجود الإجماع غير الإجماع الّذي في زمن الصحابة وإثبات ذلك مشكل جدا وأما حصول الجزم بالمعرفة في غير ذلك الزمان بالنقل والتسامع للإجماع الحاصل في ذلك الزمان فلا يضر القائل فتأمل.
مثل الإجماع على تقديم القاطع على الظن، وفيه نظر إذ النزاع في العلم بالإجماع المفيد الّذي يستدل بها على المسائل الظنية الاجتهادية لا في المسائل القطعية الضرورية التي يستدل منها ومن ضرورتها على وقوع الإجماع فيها فإنه لا فائدة في العلم بالإجماع فيها فتأمل.
هذا مشعر بأن الوقوف على الإجماع الحاصل في زمان الصحابة أيضا ابتداء من غير جهة النقل غير ممكن، والحاصل أنه يشعر بأن مناط كلامه أن الاطلاع الابتدائي غير ممكن والاطلاع من جهة النقل ممكن، ولا يخفى أن ذلك مع أنه خلاف الظاهر من كلام القائل غير صحيح في نفسه لأن النقل لا بد انتهاؤه إلى مبتدأ يحصل ابتداء، فإذا كان العلم الابتداء غير ممكن مطلقا لا يتصور العلم من جهة النقل أيضا فظهر أن الصواب ما ذكرنا من أن منظوره الفرق بين الإجماع الواقع في عصر الصحابة وغيره فتأمل.
الظاهر أن ذكر القولين بطريق التمثيل والاكتفاء بأقل ما يستحق فيه المسألة وإلا فالمسألة جارية فيما إذا كان الاتفاق على ثلاثة أقوال أيضا مع إحداث قول رابع وهكذا وقد أشار المصنف إلى هذا في آخر كلامه.
لا يقال هذا التفصيل قول ثالث فيكون باطلا لأنا نقول إنه مما لا يرتفع متفق عليه أو نقول إنه مجامع للقولين لا حادث بعد الاتفاق عليهما فتأمل.
قد يقال إن في هذا المسألة وأمثالها أيضا يلزم رفع المجمع عليه إذ الكل متفق على عدم التفصيل لأن من قال بإيجاب الكل يستلزم قوله بطلان السالبة الجزئية التي نقيضه قطعا بل بطلان التفرقة ومن [الصفحة 318] قال بالسلب الكلي يستلزم قوله بطلان الموجبة الجزئية التي نقيضه بل بطلان التفرقة والقول بالتفصيل مركب من الجزأين، فالمركب منهما باطل على القولين باعتبار أحد جزأيه قطعا بل باعتبار التفرقة، وما قال شارح المختصر في دفعه إنهما ليسا قولين بعدم التفصيل بل عدم القول به كالفروع المجددة فمدفوع، إذ الفروع المجددة لا ينافيها قول كل الأمة بخلاف قول المركب فإن قول كل الأمة ينافيه كما ذكرنا إن لم يصرحوا ببطلانه فتأمل.
نعم يمكن أن يقال الثابت بالدلائل الدالة على حجية الإجماع على طريقة العامة امتناع اجتماع الأمة على خطاء واحد وكذا بطلان قول واحد خطأ الكل ولا يلزم فيما نحن فيه ذلك، فإن بالقول المركب يلزم خطاء كل الأمة في أمرين بعضها في الإيجاب الكلي وبعضها في السلب الكلي، وكذا لا يلزم من قول كل الأمة بطلان شيء واحد في المركب، بل يلزم من قول البعض بطلان السالبة الجزئية، ومن قل البعض الآخر بطلان الموجبة الجزئية ولم يجتمعوا على بطلان أمر واحد فإن الجزأين إذا لم يكن بينهما علاقة بمنزلة المسألتين اللتين لا علاقة بينهما كما يجيء في المسألة الآتية، فلا ينافي قول الكل بشيء واحد أصلا وبعد فيه فتأمل، إذ لقائل أن يقول إن بطلان الجزء عدمه يستلزم بطلان الكل وعدمه وكل واحد من الطائفتين وإن كانت قائلة ببطلان جزء من المركب غير ما قالت الأخرى ببطلانه إلا أن بطلان الكل شيء واحد لازم لبطلان كل واحد من الجزأين فهو أمر واحد يلزم قول الأمة وأيضا اتحاد الحكم في كل الأفراد لازم لقول كل الأمة وإن لم يقولوا به صريحا، والتفصيل ينافيه والموضع محل التأمّل، إذ ربما يقال إن أمثال هذه المعاني الاعتبارية لا يعد قولا عرفا والتخطئة المنفية في الحديث وغيره إنما هو بالنسبة إلى ما هو قول الأمة عرفا، وقد ظهر مما ذكرنا أن الفرق بين القول الثالث في مسألة واحدة على ما هو محل النزاع هنا أو في مسألتين وإن كان لا علاقة بينهما كما سيجيء مشكل قوله فمن قال للأم إلخ.
قال ابن عباس للأم ثلث الأصل قبل فرض الزوجين، وقال الباقون للأم ثلث الباقي بعد فرضهما وأحدث ابن سيرين قولا ثالثا فقال بقول ابن عباس في الزوج دون الزوجة وقال تابعي آخر بالعكس.
يشعر هذا الكلام بأن الخلاف مخصوص بما إذا لم يكن بينهما علاقة والمستفاد من النهاية أن الخلاف عام وأن بعض العلماء قال بجواز التفصيل مطلقا مستندا بقول ابن سيرين وغيره.
يشمل هذا [الصفحة 319] بظاهره ما إذا كان في المسألة دليلان ظنيان لهما واحدهما أرجح أو لأحدهما دليل ظني وليس للأخرى دليل ظني أصلا ولا يخفى أن الحكم بالتخيير في العمل في الصورتين مشكل جدا نعم لو كان الدليلان الظنيان متساويين من الطرفين أو لا يظهر للطرفين دليل أصلا يتجه التخيير في العمل وكان هذا مقصود الشيخ وإن كان عبارته قاصرة.
يمكن أن يقال المراد بطرح القولين عدم العمل بهما بمجرد قولهما وترك دليلهما المتعارض بل لا بد من التوقف والتماس دليل مرجح لأحد الطرفين حتى يصح العمل بأحد الطرفين، وعلى هذا الإيراد عليه ما نقل عن الشيخ في تضعيفه بأنه يلزم إطراح قول الإمام عليه السلام، إذ التوقف وطلب المرجح حتى يظهر قول الإمام ليس إطراح قول الإمام، وكان الشيخ حمل ذلك على ترك القولين وإحداث قول ثالث، ولا يخفى أن العبارة المنقولة عنه يقبل الحمل على ما ذكرنا إلا أن الشيخ أعرف بما نقل فربما كان في كلام ذلك البعض من الأصحاب ما يدل على ما فهم الشيخ& فتدبر.
هذا ممنوع إذ كل طائفة حكمت بحكم ويمنع صحة القول الآخر ولا ينافيه في ذلك تجويزها العمل بما قال الآخر لمن لا يظهر عليه الخطأ في الواقع وإن كان خطأ في الواقع، والحاصل أن التخيير في العمل ليس قولا ثالثا في المسألة، بل ليس قولا أصلا في المسألة، وإنما هو طريق العمل وكيفية مع الجهل بالحكم وجهل الفتوى الراجح في المسألة فلا يكون إباحة لما خطره الإمام عليه السلام بل التخيير في العمل مما إباحة الإمام لمن جهل بالحكم، وإنما خطأ نفس حكم الآخر.
نعم لو قال الشيخ حينئذ إن الحكم الواقع في المسألة التخيير لكان منافيا لقول الإمام عليه السلام في حكم المسألة لأنه عليه السلام حكم حكما معينا في المسألة قطعا والظاهر أن مراد الشيخ التخيير في العمل كما ذكرنا كيف وقد صرح به في عبارته المنقولة فتأمل.
أي الاطلاع على انحصار في القولين أو القول الواحد وبامتناع العادي لذلك.
من أنه لا يمكن الاطلاع على الاتفاق ودخول المعصوم فيه أي في أزماننا وما ضاهاه.
نعم هذا الإيراد في غاية الحسن والوضوح بخلاف السابق وقد عرفت فتأمل.
قد يقال كون المسألة إجماعية ليس من قبيل الأخبار حتى يكفي فيه النقل بل من قبيل المسائل الاجتهادية التي يجري فيها الترجيح لوقوع الخلاف في شرائط حجيته بين أهل الخلاف، وكذا عندنا من حيث استنباط دخول المعصوم عليه السلام فيه بالقرائن والأمارات المفيدة لظن [الصفحة 320] دخوله وغير ذلك، فالعمل بخبر الواحد العرفية نوع من التقليد إلا أن يصرح بكيفية اطلاعه فتأمل.
ربما يقال إن ثبوت الإجماع به أولى لأنه إذا كان الظني المنقول بخبر الواحد حجية كان القطعي المنقول به أولى بالحجية، ورد بأن الاطلاع على الإجماع أمر بعيد جدا نادر الحصول فالظن الحاصل بوقوعه شيء نادر الوقوع من الأخبار الآحاد أضعف من الظن الحاصل بوقوع شيء غير نادر الوقوع من أخبار الآحاد، فتأمل. فإنّه ربما ذكرنا يظهر أنه كما أن الأولوية محل المنع كان مساواته سائر الأخبار أيضا محل التأمّل.
فيه بحيث إذ لا يخفى أنه لا معنى لكون ذات الإجماع أصلا من أصول الدين لأن المراد بالأصول هنا إن كان الضوابط والقواعد التي يستنبط منها الفروع وهي المعلومات التصديقية، فإن أراد به كون الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة أصل من أصول الدين فمسلم، لكن لم يثبت هذا بخبر الواحد بل بما ثبت به حجية خبر الواحد، وإن أراد أن القول بأن في المسألة الفلانية إجماعا كما قال الفقهاء أصل من أصول الدين فكونه أصلا ممنوع فتأمل.
الصواب إيراد نقل السنة على دليل الخصم بطريق الإلزام والنقض الإجمالي لا النقض التفصيليّ كما فعل، فإن ما ذكره من أن السنة أصل من أصول الدين، وقد ثبت بخبر الواحد كلام لا تحقيق له، لأن كون السنة حجة لم يقبل فيه خبر الواحد وما نقل فيه بخبر الواحد في خصوص الفروع من السنة حيث قالوا أوردت سنة في حكم كذا، وقيل فيه الخبر الواحد ليس من أصول الدين فالتحقيق في الجواب ما ذكره آنفا وبه ينحل النقض أيضا.
و الحاصل أن نقل الإجماع ليس من قبيل الفتوى حتى يكفي فيه الظن من قبيل الأخبار والحكاية ولا بد للمخبر والحاكي أن يعلما ما يخبرانه ولا يكفي لهما ظن.
كذا في كثير من النسخ وكان المراد المصدر المبني للمفعول أي مرجوحية الخبر وفي بعض النسخ ترجيح الإجماع على الخبر ولا غبار عليها.
([1]) النسخة المعتمدة: مكتبة الداوري- قم.
([2]) ابن الشهيد الثاني في المعالم.