موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع
إجماعات فقهاء الإمامية
المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع
- الوافية- الفاضل التوني ص 151، 156: ([1])
الإجماع لغة؛ الاتفاق. واصطلاحا -عندنا- اتفاق جمع يعلم به أن المتفق عليه([2])، صادر عن رئيس الأمة، وسيدها، وسنامها، صلوات الله عليه.
والحق؛ إمكان وقوعه، والعلم به، وحجيته([3]).
وقد اختلف في كل من المواضع الثلاثة، وركاكة حججهم تمنع من([4]) التعرض لها([5]).
وسبب حجيته ظاهر بما مر من التعريف، وهو اشتماله على قول الإمام المعصوم الذي لا يقول إلا عن وحي إلهي([6]).
[الصفحة 152]
وليس سبب حجيته انضمام الأقوال واجتماعها، كما يقول المخالفون([7])، حيث احتالوا في إطفاء نور الله، فجعلوا اجتماع أقوال الأمة حجة، واجب الاتباع، كالقرآن، والحديث، وأدلتهم -بعد تمامها- لا تدل على مطلوبهم. فالإجماع عندنا ليس أمرا غير السنة.
الإجماع يطلق على معنيين:
أحدهما: اتفاق جمع على أمر، يقطع بأن أحد المجمعين هو المعصوم، ولكن لا يتميز شخصه([8]).
وهذا القسم من الإجماع مما لا يكاد يتحقق([9])، لان الإمام عليه السلام قبل وقوع الغيبة كان ظاهرا مشهورا عند الشيعة في كل عصر، يعرفه كل منهم، وبعد الغيبة يمتنع حصول العلم بمثل هذا الاتفاق.
وما يقال: من أنه إذا وقع إجماع علماء الرعية على الباطل، يجب على الإمام أن يظهر ويباحثهم، حتى يردهم إلى الحق، لئلا يضل الناس([10])، فهو مما لا ينبغي أن يصغى إليه، لان جل الاحكام -بل كلها- معطل، كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإقامة الحدود، وغير ذلك، ومع ذلك فهو لا يظهر.
[الصفحة 153]
وأيضا، إجماعهم إنما يوجب ضلالة الناس، إذا كان واجب الاتباع بدون العلم بدخول الإمام عليه السلام فيهم، وليس كذلك كما عرفت.
وثانيهما: اتفاق جماعة على أمر، لا يقطع بدخول الإمام عليه السلام فيهم، بل قد يقطع بخروجه عنهم، إلا أن هؤلاء المجمعين كانوا ممن لا يجوز العقل اجتماعهم على الإفتاء من دون سماعهم لتلك الفتوى عن قدوتهم وإمامهم عليه السلام.
وعدم ذلك التجويز لا يتم إلا بعد التتبع عن أحوال هؤلاء المجمعين، والاطلاع على تقواهم وديانتهم، فهو مختلف باعتبار خصوص المجمعين، فقد يحصل باثنين، بل بواحد، وقد لا يحصل بعشرة، بل بعشرين.
الحق إمكان الاطلاع على الإجماع بالمعنى الثاني من غير جهة النقل في زمان وقوع الغيبة، إلى حين انقراض الكتب المعتمدة، والأصول الأربعمائة المتداولة، كزمان المحقق والعلامة وما ضاهاه([11])، ولكنه بعيد.
أما إمكانه: فلان كتب أصحاب الأئمة^، كانت موجودة مشهورة، كفتاوى المتفقهة المتأخرين عندنا، وفتاواهم كانت مودعة في كتبهم، فقد يحصل العلم بقول الإمام عليه السلام، إذا حصل العلم بفتاوى عدة منهم، كزرارة، ومحمد بن مسلم، والفضيل، وأبي بصير المرادي، ومن يحذو حذوهم، وإنكار ذلك مكابرة.
وأصحاب الأئمة^ كانت لهم فتاوى مشهورة، وقد نقل [الصفحة 154] بعضها المتأخرون، كما نقل رئيس المحدثين([12]) فتاوى الفضل بن شاذان([13])، ويونس بن عبد الرحمن([14])، وغيرهما، في كتاب الميراث من الفقيه، وغيره، وكذا الكليني في الكافي([15]).
ونقل الشيخ في التهذيب، في باب الخلع([16])، فتيا جعفر بن سماعة، والحسن بن سماعة، وعلي بن رباط، وابن حذيفة، وعلي بن الحسين. وفي باب عدة النساء([17]): مذهب الحسن بن سماعة، وعلي بن إبراهيم ابن هاشم، وجعفر بن سماعة، ومعاوية بن حكيم، وغيرهم. وفي باب ميراث المجوس([18]): اختلاف أئمة الحديث، وعملهم. وفي باب المرتد والمرتدة([19]): فتوى جميل بن دراج، وغير ذلك مما([20]) يطلع عليه بعد التتبع([21]).
وأما بعده: فلأن من تتبع أحوال أئمة الحديث، يحصل له العلم العادي بأنهم إذا سمعوا شيئا من الإمام عليه السلام، يسندونه إليه، ولا يقتصرون على مجرد([22]) فتواهم، وما أسندوه إلى الإمام عليه السلام في الفروع من الأمور المهمة [الصفحة 155] المعتمدة، نقله نقدة الحديث([23]) كالمحمدين([24]) الثلاثة، سيما فيما يحتاج فيه إلى نقل الإجماع. فعلى هذا، يشكل الاعتماد على الإجماعات المنقولة، سيما في غير العبادات، وسيما إذا لم تكن فتاوى أصحاب الأئمة فيه معلومة، ولم يكن ورد فيه نص أصلا.
نعم، لا يبعد جواز الاعتماد على الإجماع في مادة وردت فيها نصوص مخالفة لذلك الإجماع، إذا علم عدم غفلتهم عن هذه النصوص، وتواترها عندهم، فإن من هذا الإجماع المخالف لتلك النصوص، يحصل العلم بوصول دليل يقطع العذر إليهم، لكنه بعيد الوقوع، إذ الغالب حينئذ تحقق النص، بل النصوص الموافقة أيضا للإجماع.
الحق التوقف في الإجماع المنقول بخبر الواحد([25]) لما عرفت. ولاختلاف الاصطلاحات في الإجماع، فإن الظاهر من حال القدماء -كالسيد المرتضى والشيخ وغيرهما([26])- إطلاق الإجماع على ما هو المصطلح عند العامة، من اتفاق الفرقة غير المبتدعة -ولو في زمان الغيبة- على أمر.
وحينئذ، فكيف الوثوق بالإجماعات الواقعة في كلامهم؟!
[الصفحة 156]
وزعم بعض علمائنا([27]) أن علماءنا في زمان([28]) الغيبة إذا اتفقوا على أمر، وكانوا مخطئين، يجب على الإمام أن يظهر لهم -ولو بنحو لا يعرفونه- ويباحث معهم، حتى يردهم إلى الحق. وبطلان هذا مما لا يحتاج إلى البيان، بعد ملاحظة تعطل أكثر الاحكام والأمور.
([1]) النسخة المعتمدة: نشر مؤسسة مجمع الفكر الإسلامي - قم، الطبعة الأولى 1412. جميع هوامش هذا الكتاب نقلا عن المصدر.
([2]) كلمة (عليه): ساقطة من الأصل، وقد اثبتناها من سائر النسخ.
([3]) معالم الدين: 172.
([4]) كلمة (من): زيادة من ط.
([5]) كذا في ب، وفي سائر النسخ: لهم.
([6]) الذريعة: 2 / 605، 630، معارج الأصول: 126، تهذيب الوصول: 65، معالم الدين: 173.
([7]) المستصفى: 1 / 175، المحصول: 2 / 37، المنتهى: 52.
([8]) الذريعة: 2 / 624، معارج الأصول: 132.
([9]) معالم الدين: 175.
([10]) عدة الأصول: 2 / 76. وقد حكي عن الميرداماد أيضا ذهابه إلى ذلك أو ما يقرب منه في مجلس درسه. انظر: فرائد الأصول: 86.
([11]) في أ وط: وما ضاهاهما.
([12]) كذا في أ وب وط، وفي الأصل: رئيس الطائفة. لكن في هامش الأصل: (المحدثين خ ل).
([13]) الفقيه: 4 / 267 و 270 و 276 و 286 و 293 و 295 و 320.
([14]) لم أعثر على ذلك.
([15]) الكافي: 6/94.
([16]) التهذيب: 8/97.
([17]) التهذيب: 8/ 124-125.
([18]) التهذيب: 9/ 364.
([19]) التهذيب: 10/ 137.
([20]) في ط: ممن.
([21]) في أ: بعد السعي.
([22]) في ط: جرد.
([23]) كذا فلي أ وط وب، وفي الأصل: نقله نقلة الحديث.
([24]) في أ وط: كالمحدثين.
([25]) خلافا للمحقق الشيخ حسن منا: معالم الدين: 180، وللفخر الرازي: المحصول: 2 / 73، وابن الحاجب: المنتهى: 64، والبيضاوي: منهاج الوصول: 136، ووفاقا للغزالي: المستصفى: 1 / 215، ولبعض الحنفية. كما حكاه عنهم في المنتهى: 64.
([26]) في أ وط: غيرهم.
([27]) عدة الأصول: 2 / 76. وقد حكي عن الميرداماد أيضا ذهابه إلى ذلك أو ما يقرب منه في مجلس درسه. انظر: فرائد الأصول: 86.
([28]) في أ وط: زمن.