موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع
إجماعات فقهاء الإمامية
المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع
- الفوائد الحائرية - الوحيد البهبهاني ص 309:([1])
اِعلم أنّ الإجماع ربّما يحصل من اتفاق الأكثر، مثل الإجماع على حرمة القياس، وعدم وجوب قراءة دعاء الهلال، إلى غير ذلك، وهو في الفقه كثير.
وأيضا الإجماع ربّما يكون بسيطا كالأمثلة المذكورة.
وربّما يكون مركبا كما مرّ في انفعال الماء القليل: أنّ الإجماع واقع في أنّه إذا انفعل من العذرة ينفعل من البول أيضا، وكذا سائر النجاسات، إلاّ ما لا يدركه الطّرف من الدّم، على إشكال فيه أيضا، وهذا الإجماع أيضا في الفقه كثير.
ولا يجوز خرق هذا الإجماع عندنا، لاستلزامه مخالفة الإمام فلو ثبت من نصّ بعض مطلوب أحد الطّرفين فلا بدّ من القول بجميعه، وأكثر التعدّيات من النّصوص من جهته.
ولمّا كان المجتهد هو الّذي يفهم الحكم من الدّليل -لا أنّه يفهم الدّليل [الصفحة 310] من الحكم- يحصّل الفقه ويعرفه من جهته، ويعرف أنّ الفقه من أين حصل.
وأمّا المقلّدون العاملون فكلّ واحد منهم من أوّل الأمر [يقرأ] فقه المجتهد ويرسخ في ذهنه غاية الرّسوخ([2])، كما أنّه يحصل في ذهنه كثير من الشّرع أيضا بالتظافر والتّسامع، ثمّ يشرع بعد ذلك في الحديث والآية ويريد أن يجتهد، فلا يفهم منهما سوى ما رسخ في ذهنه، فديدنه فهم الدّليل على حسب ما رسخ في ذهنه، عكس المجتهد، فربّما يفهم من لفظ الأرض معنى السماء، ومن الضبّ معنى النّون، فيزعم أنّه مثل المجتهد يحصل له الفقه من الدّليل، ولا يتفطّن بأنّ أمره بالعكس، ومن جهة عدم تفطّنه بمباني الفقه والفهم يخرّب الفقه كثيرا، ففي الموضع الّذي يجب أن لا يتعدّى ربّما يتعدّى قياسا على الموضع الّذي يجب فيه التعدّي، وربّما يعكس الأمر، ومع ذلك يشنّع على الفقهاء بأنّهم يتعدّون، ويقيسون، ويقولون ما لا يعلمون، وربّما يتمسّكون بالشّبهات الّتي تمسّك بها السّوفسطائية في إبطال البديهيّات، في إبطال الإجماع أشرنا إليها وإلى شائعها في رسالة منفردة في الإجماع.
وربّما ينكرون مطلق الإجماع بأنّ ناقل الإجماع ليس بمعصوم، فربّما أخطأ في فهمه الإجماع، ولا يفرّقون بين نفس الإجماع ومطلقه، وبين المنقول بخبر الواحد منه. والأوّل: متّفق عليه بين الأصحاب. والثّاني: مختلف فيه وإن كان المشهور حجّيّته أيضا.
مع أنّ الخطأ وقع في الأحاديث كثيرا غاية الكثرة، ومع ذلك [الصفحة 311] لا يعدّون هذا مانعا من حجّيتها، ولا يتزلزلون مطلقا، ولا يدرون أنّ حال الإجماع المنقول بخبر الواحد حال الخبر الواحد، بل في الحقيقة هو نوع من خبر الواحد، لما عرفت من أنّ الإجماع عندنا يرجع إلى السنّة والحديث، وقد عرفت أنّ خبر الواحد الظّني لا يكون حجّة حتّى يدلّ على حجّيته دليل شرعي، وأنّ المعتبر والمستند في الحقيقة هو ذلك الدّليل الشرعيّ، فلو كان ذلك الدّليل شاملا للإجماع([3]) فلا وجه في التأمّل في حجّيته، وإلاّ لكان (خبر الواحد)([4]) داخلا في الظّنون المحرّمة وسوى الإجماع من باقي الأدلّة يشمله، والإجماع إنّما يتمّ في حجّية خبر الواحد في الجملة لا مطلقا وتمام الكلام في الرسالة.
والاعتراض عليه: بأنّ (السيّد) و(الشّيخ) ربّما يريدان من الإجماع ما هو المصطلح عند العامّة، لعلّه ليس بشيء، إذ -مضافا إلى أنّه نوع تدليس- قد عرفت أنّ إجماع العامّة حجّة عند الشّيعة أيضا.
والقول بأنّهما يكتفيان بمجرّد إجماع الجميع في عصرهما، مع قطع النّظر عن قطعهما بقول المعصوم عليه السلام -فمع أنّه أيضا تدليس- لا شبهة في حصول الظنّ منه بقول المعصوم عليه السلام إذ اتّفاق جميع الشيعة في عصرهما وقبل عصرهما يورث الظنّ بذلك قطعا، والإجماع المنقول لا يفيد سوى الظّن، والاعتراض عليه بوجدان المخالف محض الغفلة، كالاعتذار بأنّ المراد منه الشهرة أو غيرها، لأنّ الإجماع عندنا ليس اتّفاق الكلّ، بل عرفت أنّ كثيرا من الإجماعات كذلك.
[الصفحة 312]
والاعتراض بالمخالفة من نفس المدّعي أو غيره أيضا ليس بشيء، لأنّ الأدلّة والأمارات كلّها أو جلّها لا تخلو عن ذلك، وسيّما الأحاديث والعلوم اللّغويّة، بل ربّما يتحقّق المخالفة في غاية الكثرة كما في تخصيص العمومات، واستعمال الأمر في غي الوجوب وغير ذلك.
مع أنّه ربّما كان الحكمان صدرا عنهم^ واتّفق على كلّ واحد طائفة إلى أن يحصل القطع كما في العمل بخبر الواحد. لا يقال: الخبر حسيّ، والإجماع حدسي.
لأنّا نقول: ما دلّ على حجّيّة خبر الواحد يشمل الأمرين معا، مع أنّ المكاتبة حدسي([5])، والمنقول بالمعنى أيضا كذلك حدسي، وكثير من الأخبار طريق أخذها الحدس -كما حقّق في الأصول والدّراية- مع أنّ جميع أخبار الآحاد يتوقّف على الأصول والظواهر، كما عرفت، فتأمّل.
وأمّا الشهرة بين الأصحاب فاختلف في حجّيتها، والمشهور عدم الحجّيّة، وإن كانت مرجّحة للحجّة.
وقال بعض الفقهاء مثل (الشّهيد)& وغيره بحجّيتها محتجّا: بأنّ عدالتهم تمنع من الاقتحام في الفتوى من غير دليل.
وأجيب: بأنّ الخطأ جائز عليهم. وفيه: أنّ هذا مانع عن القطع، وأمّا الظنّ فالظاهر انّه ليس بمانع عنه، إلاّ أن يقال بعدم حجّية أمثال هذه الظّنون، وسيجيء الكلام في ذلك في ملحقات الفوائد. مع أنّ المشهور أنّ الشّهرة ليست بحجّة، فكيف تصير حجّة؟ ومع ذلك لا ينبغي مخالفة المشهور، لما ذكر، ولما تتبّعت ووجدت أنّ لما ذهب إليه المشهور حجّة واضحة متينة، إلاّ ما شذّ وندر، ولعلّه في الشّاذّ [الصفحة 313] أيضا يكون القصور منّا.
وربّما توهّم عدم حصول الظنّ من الشّهرة بين المتأخّرين عن الشيخ& بادّعاء أنّ الفقهاء بعده كلّهم مقلّدون له.
وهذه الدّعوى في غاية الغرابة، لأنّ مخالفة المتأخّرين لرأي (الشيخ) أكثر من مخالفة القدماء بعضهم لبعض بمراتب شتّى، بل بالوجدان نشاهد أنّهم في كلّ مسألة يتأمّلون، ويجتهدون، ومن كثرة الملاحظة وتجديد النّظر وقع منهم اختلاف كثير في فتاواهم، بل وفي كتاب واحد ربّما يفتون بفتاوى مختلفة.
نعم الشّهرة بين القدماء أقوى من حيث أقربيّة العهد وإن كان المتأخّرون أدقّ نظرا، وأشدّ تأمّلا، وأزيد ملاحظة، ومن هذه الجهة يظهر القوّة في شهرتهم، ومن هذه الحيثيّة تكون أرجح من شهرة القدماء، فتأمّل.
ثمّ اعلم أنّهم كثيرا ما يدّعون الإجماع، ويريدون مجرّد الوفاق، لا كونه كاشفا عن رأي المعصوم أيضا، بناء على أنّه لا معنى لكون المجمع عليه قول المعصوم عليه السلام بل يظهرون ذلك في عباراتهم مثل أنّهم يقولون: أجمع أهل اللّغة، أو أجمع الأصوليّون، أو اجتمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عن فلان، أو أجمعت الشيعة على العمل بروايات فلان، كما مرّ الإشارة إليها، ولا يخفى أنّ مثل هذه الإجماعات تعتبر في مقام اعتبار الظّنون والرّجحان والقوّة، إذ لا شكّ في حصولها منها من حيث كونهم من أهل الفنّ والمهارة والخبرة والاطّلاع، بل وأقوى من كثير من الظنون والمرجّحات، بل الخبر الّذي اتّفق الشيعة على العمل به أقوى من الصّحيح بمراتب.
([1]) النسخة المعتمدة: نشر مجمع الفكر الإسلامي- قم - 1415. جميع هوامش هذا الكتاب نقلا عن المصدر.
([2]) أثبتنا هذه العبارة من نسخة (م) و ما بين المعقوفتين منّا، و في نسخة (ف) العبارة هكذا: و أمّا المقلّدون الغافلون فيقرءون من أوّل الأمر فقه المجتهد و يرسخ في ذهنه غاية الرسوخ.
([3]) ف: خ ل: (فلو كان ذلك الدليل شاملا لكل خبر لا جرم يكون شاملا للإجماع).
([4]) ما بين القوسين ورد في نسخة (ف) كنسخة بدل.
([5]) كذا في الأصل.