موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع
إجماعات فقهاء الإمامية
المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع
- كفاية الأصول- الآخوند الخراساني ص 288: ([1])
الإجماع المنقول بخبر الواحد حجة عند كثير ممن قال باعتبار الخبر بالخصوص، من جهة أنه من أفراده، من دون أن يكون عليه دليل بالخصوص، فلابد في اعتباره من شمول أدلة اعتباره له، بعمومها أو إطلاقها. وتحقيق القول فيه يستدعي رسم أمور:
الأول: إن وجه اعتبار الإجماع، هو القطع برأي الإمام عليه السلام، ومستند القطع به لحاكيه -على ما يظهر من كلماتهم- هو علمه بدخوله عليه السلام في المجمعين شخصا، ولم يعرف عينا، أو قطعه باستلزام ما يحكيه لرأيه عليه السلام عقلا من باب اللطف، أو عادة أو اتفاقا من جهة حدس رأيه، وإن لم تكن ملازمة بينهما عقلا ولا عادة، كما هو طريقة المتأخرين في دعوى الإجماع، حيث إنهم مع عدم الاعتقاد بالملازمة العقلية ولا الملازمة العادية غالبا وعدم العلم بدخول جنابه عليه السلام في المجمعين عادة، يحكون الإجماع كثيرا، كما أنه يظهر ممن اعتذر عن وجود المخالف بأنه معلوم النسب، أنه استند في دعوى الإجماع إلى العلم بدخوله عليه السلام وممن اعتذر عنه بانقراض عصره، أنه استند إلى قاعدة اللطف.
هذا مضافا إلى تصريحاتهم بذلك، على ما يشهد به مراجعة كلماتهم، وربما [الصفحة 289] يتفق لبعض الأوحدي وجه آخر من تشرفه برؤيته عليه السلام وأخذه الفتوى من جنابه، وإنما لم ينقل عنه، بل يحكي الإجماع لبعض دواعي الإخفاء.
الأمر الثاني: إنه لا يخفى اختلاف نقل الإجماع، فتارة ينقل رأيه عليه السلام في ضمن نقله حدسا كما هو الغالب، أو حسا وهو نادر جدا، وأخرى لا ينقل إلا ما هو السبب عند ناقله، عقلا أو عادة أو اتفاقا، واختلاف ألفاظ النقل أيضا صراحة وظهورا وإجمالا في ذلك، أي في أنه نقل السبب أو نقل السبب والمسبب.
الأمر الثالث: إنه لا إشكال في حجية الإجماع المنقول بأدلة حجية الخبر، إذا كان نقله متضمنا لنقل السبب والمسبب عن حس، لو لم نقل بأن نقله كذلك في زمان الغيبة موهون جدا، وكذا إذا لم يكن متضمنا له، بل كان ممحضا لنقل السبب عن حس، إلا أنه كان سببا بنظر المنقول إليه أيضا عقلا أو عادة أو اتفاقا، فيعامل حينئذ مع المنقول معاملة المحصل في الالتزام بمسببه بأحكامه وآثاره.
وأما إذا كان نقله للمسبب لا عن حس، بل بملازمة ثابتة عند الناقل بوجه دون المنقول إليه ففيه إشكال، أظهره عدم نهوض تلك الأدلة على حجيته، إذ المتيقن من بناء العقلاء غير ذلك، كما أن المنصرف من الآيات والروايات ذلك([2])، على تقدير دلالتهما، خصوصا فيما إذا رأى المنقول إليه خطأ الناقل في اعتقاد الملازمة، هذا فيما انكشف الحال.
وأما فيما اشتبه، فلا يبعد أن يقال بالاعتبار، فإن عمدة أدلة حجية الأخبار هو بناء العقلاء، وهم كما يعملون بخبر الثقة إذا علم أنه عن حس، يعملون به فيما يحتمل كونه عن حدس، حيث إنه ليس بناؤهم إذا أخبروا بشيء على التوقف والتفتيش، عن أنه عن حدس أو حس، بل العمل على([3]) طبقه والجري على [الصفحة 290] وفقه بدون ذلك.
نعم لا يبعد أن يكون بناؤهم على ذلك، فيما لا يكون هناك أمارة على الحدس، أو اعتقاد الملازمة فيما لا يرون هناك ملازمة. هذا لكن الإجماعات المنقولة في ألسنة الأصحاب غالبا مبنية على حدس الناقل أو اعتقاد الملازمة عقلا، فلا اعتبار لها ما لم ينكشف أن نقل السبب كان مستندا إلى الحس، فلابد في الإجماعات المنقولة بألفاظها المختلفة من استظهار مقدار دلالة ألفاظها، ولو بملاحظة حال الناقل وخصوص موضع النقل، فيؤخذ بذاك المقدار ويعامل معه كأنه المحصل، فإن كان بمقدار تمام السبب، وإلا فلا يجدي ما لم يضم إليه مما حصله أو نقل له من سائر الأقوال أو سائر الأمارات ما به([4]) تم، فافهم.
فتلخص بما ذكرنا: أن الإجماع المنقول بخبر الواحد، من جهة حكايته رأي الإمام عليه السلام بالتضمن أو الالتزام، كخبر الواحد في الاعتبار إذا كان من نقل إليه ممن يرى الملازمة بين رأيه عليه السلام وما نقله من الأقوال، بنحو الجملة والإجمال، وتعمه أدلة اعتباره، وينقسم بأقسامه، ويشاركه في أحكامه، وإلا لم يكن مثله في الاعتبار من جهة الحكاية.
وأما من جهة نقل السبب، فهو في الاعتبار بالنسبة إلى مقدار من الأقوال التي نقلت إليه على الإجمال بألفاظ نقل الإجماع، مثل ما إذا نقلت على التفصيل، فلو ضم إليه مما حصله أو نقل له([5]) -من أقوال السائرين أو سائر الأمارات- مقدار كان المجموع منه وما نقل بلفظ الإجماع بمقدار السبب التام، كان المجموع كالمحصل، ويكون حاله كما إذا كان كله منقولا، ولا تفاوت في اعتبار الخبر بين ما إذا كان المخبر به تمامه، أو ما له دخل فيه وبه قوامه، كما يشهد به حجيته بلا ريب في تعيين حال السائل، وخصوصية القضية الواقعة المسؤول عنها، وغير ذلك مما له دخل في تعيين [الصفحة 291] مرامه عليه السلام من كلامه. وينبغي التنبيه على أمور:
الأول: إنه قد مر أن مبنى دعوى الإجماع غالبا، هو اعتقاد الملازمة عقلا، لقاعدة اللطف، وهي باطلة، أو اتفاقا بحدس رأيه عليه السلام من فتوى جماعة، وهي غالبا غير مسلمة، وأما كون المبنى العلم بدخول الإمام بشخصه في الجماعة، أو العلم برأيه للاطلاع بما يلازمه عادة من الفتاوى، فقليل جدا في الإجماعات المتداولة في السنة الأصحاب، كما لا يخفى، بل لا يكاد يتفق العلم بدخوله عليه السلام على نحو الإجمال في الجماعة في زمان الغيبة، وإن احتمل تشرف بعض الأوحدي بخدمته ومعرفته أحيانا، فلا يكاد يجدي نقل الإجماع إلا من باب نقل السبب بالمقدار الذي أحرز من لفظه، بما اكتنف به من حال أو مقال، ويعامل معه معاملة المحصل.
الثاني: إنه لا يخفى أن الإجماعات المنقولة، إذا تعرض إثنان منها أو أكثر، فلا يكون التعرض إلا بحسب المسبب، وأما بحسب السبب فلا تعارض في البين، لاحتمال صدق الكل، لكن نقل الفتاوى على الإجمال بلفظ الإجماع حينئذ، لا يصلح لان يكون سببا، ولا جزء سبب، لثبوت الخلاف فيها، إلا إذا كان في أحد المتعارضين خصوصية موجبة لقطع المنقول إليه برأيه عليه السلام لو اطلع عليها، ولو مع اطلاعه على الخلاف، وهو وإن لم يكن مع الاطلاع على الفتاوى على اختلافها مفصلا ببعيد، إلا أنه مع عدم الاطلاع عليها كذلك إلا مجملا بعيد، فافهم.
الثالث: إنه ينقدح مما ذكرنا في نقل الإجماع حال نقل التواتر، وأنه من حيث المسبب لا بد في اعتباره من كون الاخبار به إخبارا على الإجمال بمقدار يوجب قطع المنقول إليه بما أخبر به لو علم به، ومن حيث السبب يثبت به كل مقدار كان اخباره بالتواتر دالا عليه، كما إذا أخبر به على التفصيل، فربما لا يكون إلا دون حد [الصفحة 292] التواتر، فلا بد في معاملته معه معاملته من لحوق مقدار آخر من الاخبار، يبلغ المجموع ذاك الحد. نعم، لو كان هناك أثر للخبر المتواتر في الجملة -ولو عند المخبر- لوجب ترتيبه عليه، ولو لم يدل على ما بحد التواتر من المقدار.
- درر الفوائد على الفرائد- المحقق الخراساني ص 95:([6])
[قوله قدس سره: ومن جملة الظّنون الخارجة عن الأصل، الإجماع المنقول إلخ]
تلخيص الكلام في المقام إن حجّية الإجماع المنقول من باب حجّية الخبر بالخصوص، إمّا من شمول أدلّة الحجّية (حجّيته. ن. ل) بعمومها، أو إطلاقها لكلّ واحد من الخبر عن حسّ أو حدس وإمّا من كون استناد النّاقل في نقله رأى الإمام عليه السلام في ضمن نقل الإجماع بلفظه أو بغيره ممّا يشابهه على اختلافه إلى الحسّ أو الحدس القريب منه وإمّا من كون المنقول إليه ممّن يرى الملازمة، كالنّاقل بين ما نقل إليه عن حسّ أو ما بحكمه، وبين رأيه عليه السلام ولو لم يكن بينهما ملازمة بحسب العادة، خلافاً لما أفاده، كما سيظهر [الصفحة 96] وجهه ولا يكاد ان يكون حجة بالخصوص من باب حجّية الخبر إلاّ بأحد هذه الأمور أما عدم الحجّية بدونها فواضح، بداهة عدم دليل حينئذ على نقل الإجماع المتضمّن لنقل قوله عليه السلام حدساً، تعبداً بالنّسبة إلى من لا يرى الملازمة بينهما أصلاً، لا من باب الكاشف ولا المنكشف، لاختصاص أدلّة حجّية الخبر بغيره.
ولا يخفى انّ الغالب في الإجماعات المنقولة ذلك، إذ قلّ ان يوجد بينهما ما يكون متضمّناً لنقل قوله عليه السلام حسّاً أو حدساً قريباً منه، بل يكون نقله غالباً لها من باب الحدس البعيد، أو اللّطف، كما يظهر ممّا أفاده قدس سره.
وأما الحجّية بأحدها فأما بالأوّل فلكون نقل الإجماع متضمّناً لا محالة، لنقل قوله عليه السلام على نحو التّضمّن أو الالتزام. نعم ليس ببعيد ان يقال انّ عموم الأدلّة لا يفيد حجّيته ما كان مبناه على اللّطف مطلقا، بناء على عدم صحّته مطلقا، أو مبناه على الحدس في خصوص ما كان من مقدّمة باطلة تخيّل صحّتها، فتدبّر جيّداً.
وأما بالثاني فواضح ولو قلنا باختصاص أدلّة الحجيّة بالحسّيّ وما بحكمه، إذ لا تفاوت في نقل قوله عليه السلام بين نقله تفصيلاً، كما في الرّوايات، أو في ضمن نقل الأقوال، كما لا يخفى، لكنّه قلّ ما يتّفق مثله في الإجماعات.
وأما بالثّالث فلأنّ الأمر المحسوس المنقول إليه يثبت بالخبر وهو ينتقل منه إلى لازمه باعتقاده وان لم يكن ممّا يستلزمه عادة، إذ لا معنى للتّعبّد بالخبر في شيء إلاّ ترتيب ما له من اللّوازم الثّابتة له واقعاً. ومن المعلوم انّه ليس طريق الإحراز إلاّ اعتقاد المنقول إليه بالثّبوت ولو من باب الاتّفاق، من دون لزوم استلزام عادة بحيث يقطع باللّزوم والثّبوت كلّ أحد، بل يكفى قطعه به، فلو كان خبر عشرين عنده مثلاً مستلزماً لوقوع المخبر به، فإذا أخبره عادل بإخبار عشرين يكون خبره بإخبارهم حجّة يثبت به ما يكون لازمة عنده من وقوع المخبر به بلوازمه وأحكامه.
وبالجملة يكون المنقول إليه كالمحصّل له فيعامل معه معاملته، فمن يراه تمام السّبب يعامل معه معاملته كما إذا حصّله، ومن يراه جزئه يعامل معه معاملته فيضمّ إليه ممّا يحصّله ما يبلغ به تمام السّبب باعتقاده وان لم يبلغ ما يكون تمامه عادة، بل لا يكفي كونه تمامه عادة ما لم يعتقد باللّزوم والثّبوت واقعاً، فالمدار على إحرازه ذلك وعدمه مطلقا كما لا يخفى.
فانقدح بذلك انّه لا وجه لما أفاده من اختصاص حجيّة نقل الإجماع فيما كان مبنى النّقل على الحدس من أمور محسوسة بما إذا استلزمت رأيه عليه السلام عادة وضرورة، إلاّ إذا كان مراده حجّيته مطلقا بالنّسبة إلى الكلّ، لا مطلقا حتّى بالنّسبة إلى خصوص من [الصفحة 97] يرى استلزامه خصوص ما نقل إليه من المحسوس لرأيه عليه السلام، غاية الأمر يكون حجّة فيما استلزم ضرورة بحسب العادة، سواء جعلنا مناط حجّيته تعلّقه بالكاشف أو بالمنكشف، كما حقّقه المحقّق الكاظمي وقرّره المصنف قدس سرهما، بخلاف ما إذا لم يستلزم إلاّ من باب الاتّفاق لدى المنقول إليه، فالمناط إنما هو تعلّقه بالكاشف، إذ المفروض اختصاص أدلّة الحجّية بالمحسوس وما بحكمه والمنكشف به، وهاهنا ليس بواحد منهما.
والظّاهر انّ ذلك موافق لما أفاده المحقق الشّيخ أسد اللَّه، كما يظهر من التّأمّل في كلامه، حيث انّه جعل السبب المنقول بعد حجيته كالمحصل في استكشاف الحجة المعتبرة منه تارة بنفسه، وأخرى بضم ما يحصله من الأقوال والأمارات، إذا الظاهر منه إيكال إحراز سببيّته بنفسه أو بالضميمة إلى نظر المنقول إليه، فكما يختلف الحال في الاستكشاف بحسب اختلاف حال الناقل حين نقله، من جهة ضبطه وتورّعه في النقل، وبضاعته في العلم، ووقوعه على الأقوال كذا يختلف الحال بحسب إنظار المنقول إليه، فرب يرى أحد مما نقل إليه من المحسوس مستلزماً لرأيه عليه السلام ولا يراه الآخر كما يختلف الحال بحسب اختلاف الأنظار في الاستظهار من اللفظ الدال على السبب أيضا، ولعل ذلك أي جعل المحقق المذكور السبب المنقول مطلقا كالمحصل، وان لم يكن سببيته ضرورية بحسب العادة، صار سبباً لجعله حجية النقل باعتبار نقل السبب الكاشف وحصول الانكشاف للمنقول إليه، لا باعتبار نقل ما انكشف منه([7]) لناقله بحسب ادعائه، بخلاف المصنف العلامة قدس سره فانه لما خصص حجية السبب المنقول بما كان سبباً عادة، جعل مناط حجيته أعم منهما، وهذه جهة اختلاف أخرى بين ما أفاده قدس سره وما أفاده المحقق رحمه الله كما لا يخفى، فتدبر جيداً.
ثم انك إذا عرفت ان حجية الإجماع المنقول من باب الخبر بالخصوص مطلقا، يبتنى على عموم أدلة حجية الخبر لما كان مبناه الحدس أيضاً. فاعلم ان أدلتها لا تكاد تفي بذلك.
أما الإجماع وبناء العقلاء فواضح. وأما الأخبار فلانصرافها إلى غير ذلك، لا أقل من عدم إطلاق لها يعم غير المتعارف من الروايات، كما لا يخفى على من لاحظها. وأما الآيات فسيجيء عدم دلالتها على الحجية أصلاً. ولا يخفى ان ما أفاده قدس سره في آية النبأ([8]) من استظهار كونها بصدد بيان الفارق بين الفاسق والعادل، من حيث احتمال تعمد الكذب لا من حيثية أخرى، كما يشهد تصريحه [الصفحة 98] بذلك في ذيل “قلت” جواباً عن “ان قلت” الثاني، وتفريعه عليه بقوله “فالآية لا تدل أيضا على اشتراط العدالة -إلى آخرها-” كما لا يخفى، ظاهر في المنع عن دلالتها على حجية خبر العادل فعلاً، مع ان الظاهر من سوق كلامه قدس سره انه بصدد بيان الفارق بين خبر العادل عن حس وعن حدس على تقدير دلالتها على حجية خبره في الجملة فعلاً.
ولا يخفى انه حينئذٍ يكون اعتبار كل ما شك في اعتباره وجوداً كان أو عدماً على وفق الأصل، ولا يحتاج إلى دليل أصلاً، فلا وقع لقوله بعد التفريع، بل لا بد له من دليل آخر الا ان يريد ما يعم الأصل، فتدبر.
لا يقال: غرضه إجمال الآية من جهة احتمال الخطاء في الحدس، وهو ينافي إطلاقها من ساير الجهات مع إيكاله صحته من هذه الجهة إلى ما عليه العقلاء من أصالة عدم الخطاء فيكون دليلاً بضميمة هذا الأصل فيما يجري فيه على حجية الخبر فعلاً، كما يظهر مما أجاب به عن “ان قلت” الأول.
لأنا نقول: ينافيه ما أفاده في الجواب عن “ان قلت” الثاني صريحاً، كما هو واضح ولعله أشار إلى بعض ما ذكرنا بامره بالتأمل، فتأمل جيداً.
انه لا يجوز الاستناد إلى نقل الإجماع ولو قلنا بعموم الدليل للخبر عن حدس ما لم يتبين، وتحرز ان مبناه ليس على اللطيف، ولا عن الحدس من مقدمة باطلة، للعلم إجمالاً باستناد بعض الناقلين إلى ذلك، وقد أشرنا إلى عدم مساعدة دليل على الحجية فيما كان بناء النقل على أمر باطل. نعم يكون حجة من باب نقل الكاشف فيما إذا كان ما نقل إليه من الفتيا، صار ملازماً لقوله عليه السلام عنده بحيث لو كان المنقول إليه محصلاً له، لكان قاطعاً برأيه عليه السلام، ولو كان الناقل لا يرى ذلك، بل إنما اعتمد في نقله بالمقدمة الباطلة من اللطف وغيره، لا من حيث نقل المنكشف له بتلك المقدمة، فتفطن.
ان الظاهر ذلك، أي عدم جواز الاستناد إلى نقل الإجماع من حدس ولو قلنا [الصفحة 99] له، لو كان في المسألة المنقول فيها ما يمنع عن الحدس مع الالتفات، إليه، كما إذا كان فيها سند واضح من خبر صحيح ظاهر أو صريح في المقصود، أو كان ممّا يتطرّق إليه العقل، بحيث كان من الممكن عادة استناد النّاقلين([9]) كلاً، أو بعضاً إلى حكم العقل، وذلك لأنّ الاتفاق في مثل هذه المسألة، ولو كان من الكلّ، لا يوجب الحدس لمن يلتفت إلى ذلك، فليس حدس رأيه عليه السلام آكد من فعله.
ان قلت: إذا كانت المسألة كذلك، فلا بدّ من المصير إلى ما نقل عليه الإجماع من حكمها، قلنا بحجّيته، أم لا.
قلت: ليس كذلك لو لم نقل بها، لإمكان الظّفر بما يعرض الخبر، ويرجّحه عليه، وعدم الإذعان بما ادّعوا من حكومة العقل، أو الحكم بخلافه، فتأمّل جيّداً.
انّه لا يجوز الاستناد إليه، ولو أحرز عدم كون حدسه عن مقدّمة باطلة، ولم يكن هناك مانع عنه ما لم يتفحّص عن حاله، وانّه ليس ممّا يرجع عنه ناقله، أو نقل هو أو غيره الإجماع على خلافه، إذ كثيراً مّا يتّفق ذلك في الإجماعات المنقولة، فبذلك صار نقله موهوناً لا يجوز الاتّكال عليه ما لم يحرز خروجه عن دائرة ما علم فيها ذلك بالفحص واليأس من الظّفر بنقل الإجماع على خلافه مطلقا، أو برجوع ناقله عن الفتوى على طبقه، حيث يكشف عن مسامحته في نقله أولا، قصوراً أو تقصيراً، كما لا يخفى وجهه على المتأمّل، فتأمّل.
انّ الإجماع في مصطلح الخاصّة وان كان ما اصطلح عليه العامّة من اتّفاق الكلّ، إلاّ انّه لمّا كان ملاك حجّيته عندهم هو الكشف عن قوله عليه السلام بوجه إمّا اشتمالاً، أو لملازمته إيّاه حدساً، أو تقريراً، أو لطفاً على اختلاف مشاربهم، تسامحوا ابتداءً في إطلاق لفظه على اتّفاق جماعة يكشف عن رأيه عليه السلام بأحد الوجوه فأطلقه كل من كان حجّيته عنده دائرة مدار دخوله على اتّفاق جماعة كان أحدهم الإمام، قلّت أو كثرت، وأطلقه غيره ممّن يرى حجّيته من جهة استلزامه لرأيه عليه السلام بأحد الوجوه السّابقة على اتّفاق جماعة كذلك كان مستلزماً له، لا أنهم تسامحوا أوّلاً في إطلاقه على اتّفاق جماعة [الصفحة 100] كان الإمام عليه السلام داخلاً فيهم، ثمّ تسامحوا ثانياً في إطلاقه على ما يستلزم رأيه عليه السلام، كما أفاده قدس سره كما لا يخفى. بداهة انّ مثل الشّيخ من رأس أطلقه على اتّفاق علماء أهل عصر واحد، لاستلزامه عنده لطفاً لرأيه عليه السلام.
ثمّ انّ وضوح كون ملاك حجّيته ذلك عندهم، بحيث لا اعتناء لهم معه بكثرة الجماعة أصلاً يوجب مسامحتهم في إطلاقه، وهو أغناهم عن نصب قرينة أخرى على ذلك، فلا يكون تدليساً أصلاً، ولو كان نقل الإجماع المصطلح حجّة عند الكلّ، فلا وجه لما اعتذر به عنه من عدم حجّيته عند الكلّ، بعد تسليم كونه تدليساً لو كان حجّة عندهم لعدم إحداثه في ذلك، غاية الأمر لزوم التّدليس بالنّسبة إلى خصوص من يرى حجّيته، وهو كاف في المحذور كما هو واضح. والعجب من صاحب المعالم، حيث غفل عن ذلك مع وضوحه، فتعجّب من إطلاقهم هذا، وجعله عقلة من جمع الأصحاب من كون الإجماع هو ما اشتمل على قوله عليه السلام، فالغفلة عنه، لا عنهم هذا.
انّه قد ظهر من مطاوي ما قدّمناه، انّه لا يتفاوت في الاعتبار من حيث نقل السّبب والكاشف بين ان يكون المنقول تمامه أو جزئه، والدّليل عليه شمول أدلّة الاعتبار له من الإجماع، والسّيرة، وغير هما. بداهة انّه ليس عند العلماء أو العقلاء ما إذا سمع من ثلاثين مخبرا شيئاً، وأخبره ثقة باخبار عشرين به غيرهم أيضاً، بأقلّ في الاعتبار ممّا إذا أخبره الثّقة باخبار تمام الخمسين به، كما لا يخفى، فكما لا يجوز الاتكال على النّقل فيما إذا تعلّق بتمام الخمسين، يجوز الاتكال عليه فيما إذا تعلّق بجزئه، فيضمّ إليه من الأمارات ما كان المجموع منه ومن المنقول إليه سبباً تاماً فيكشف منه، كما إذا كان الكلّ محصّلاً له كالمنقول كلّه.
نعم لو كان المنقول سبباً تامّاً ربّما يكون حجّة، سواء تعلّق النّقل به أو بالمسبب، بخلاف ما إذا كان جزئه باعتقاده المنقول إليه، فلا يكون حجّة إلاّ من حيث تعلّقه بالسّبب، كما أشرنا إليه سابقاً، فلا تغفل.
انّ العبرة في تعيين انّ ما نقل إليه تمام السّبب أو جزئه بمراتبه، إنما هو بظهور اللّفظ الّذي يختلف بحسب اختلاف الألفاظ الّتي ينقل بها الإجماع، واختلاف المقامات مثل مقام الاستدلال([10]) ومقام بيان الخلاف والوفاق في المسألة، واختلاف الأنظار، واختلاف [الصفحة 101] النّاقلين، واختلاف الكتب حتّى بالنّسبة إلى ناقل واحد، فالمتّبع ما يستظهره من لفظ ما نقل إليه بملاحظة جميع هذه الخصوصيات، وعلى تقدير عدم الاستظهار، الاقتصار على الأقلّ، فتأمّل جيّداً.
انّه قد ظهر حال نقل التّواتر ممّا ذكرناه في نقل الإجماع على الإجمال والتّفصيل، انّ الكلام فيه يقع تارة بملاحظة آثار نفس ما نقل تواتر خبره، وأخرى بملاحظة آثار نفس التّواتر.
أمّا بالملاحظة الأولى فهو انّه إنما يقبل نقل التّواتر فيما إذا نقل إليه من الأخبار ما يكون ملازماً لوقوعه عنده، ولو لم يكن ملازماً عادة بحيث يقطع ضرورة كلّ أحد بالوقوع عند هذا المقدار من الاخبار، خلافاً لما أفاده قدس سره فيختلف حسب اختلاف إنظار المنقول إليهم، واختلاف مقدار المنقول.
وأمّا بالملاحظة الثّانية فهو انّه ان كانت الآثار التّواتر([11]) في الجملة ولو عند غيره، فيقبل نقله مطلقاً، ولو لم يكن مقدار ما نقل إليه من الاخبار على الإجمال بالغاً حدّه عنده وان كانت الآثار مخصوص ما بلغ حدّه عنده يقبل نقله لو كان مقداره بالغاً عنده. وان لم يبلغ عند غيره، فلا وجه لما أفاده قدس سره من نفي الإشكال عن عدم ترتيب آثار ما تواتر عند هذا الشّخص لنقله مطلقا.
اللّهم إلاّ ان يريد خصوص ما إذا أخذ في موضوعها العلم على نحو الصفتيّة، فحينئذ يؤاخذ بأنه لم يتعرّض لغير تلك الصّورة مع انّ قرينة المقابلة، والسّياق يقتضى التّعرض له، كما لا يخفى.
فتلخّص انّه إذا نقل إليه ما يبلغ حدّ التّواتر عنده يجب ترتيب الآثار مطلقاً، كانت للواقع أو للتّواتر مطلقا، وإذا لم يبلغ حدّه لم يترتّب عنها إلاّ خصوص ما كان له في الجملة.
ومنه ظهر حال ما ذكره قدس سره من فرع جواز القراءة، وانّه يجوز مطلقاً لو كان ما نقله الشّهيد بالغاً ذلك الحدّ عنده، ولا يجوز ان لم يبلغه إلاّ إذا كانت من آثار ما تواتر قرآنيّته في الجملة.
[الصفحة 102]
فلا وجه لما أورده صاحب المدارك، تبعاً لشيخه على المحقّق والشّهيد الثّانيين أصلاً، حيث انّه ليس هذا رجوعاً عن اشتراط التّواتر في القراءات، بل هذا إحرازها كسائر الشّروط، وإحرازها كسائر الأمارات هذا، ولو قلنا باعتبار التّواتر عند القاري إلاّ ان يقال باعتبار العلم به عنده، لا نفسه، فتدبّر جيّداً.
([1]) النسخة المعتمدة: تحقيق ونشر مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التراث. جميع هوامش هذا الكتاب نقلا عن المصدر.
([2]) في [ب] : قدم " على تقدير دلالتهما " على "ذلك".
([3]) في [أ]: على العمل طبقه.
([4]) في [ب]: بأنه.
([5]) في [ أ]: إليه، وصححه المصنف.
([6]) النسخة المعتمدة: نشر الإرشاد الإسلامي- طهران، تحقيق السيد مهدي شمس الدين- 1410. ملاحظة: جميع هوامش هذا الكتاب نقلا عن المصدر.
([7]) خ ل: عنه.
([8]) الحجرات: 6.
([9]) القائلين.ظ.
([10]) خ ل: الاستدلالات.
([11]) خ ل: المتواتر.