موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع
إجماعات فقهاء الإمامية
المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع
- فوائد الأصول - تقرير بحث الميرزا النائيني للشيخ محمد علي الكاظمي ج 3 ص 146:([1])
وكان ينبغي تأخير البحث عنه عن حجية الخبر الواحد، فانه لا دليل على حجية الإجماع المنقول إلا توهم اندراجه في الخبر الواحد فيعمه أدلته، ولكن الشيخ قدس سره قدم البحث عنه، ونحن أيضا نقتفي إثره. وتنقيح البحث في ذلك يستدعي تقديم أمور: [الصفحة 147]
الأمر الأول، يعتبر في الخبر أن يكون المخبر به من الأمور المحسوسة بأحد الحواس الظاهرة([2]) سواء في ذلك باب الخبر الواحد وباب الشهادة، فانه يعتبر في [الصفحة 148] كل منهما أن يكون الإخبار عن حس، غايته أنه لو كان المخبر به من الأحكام الشرعية وما يلحق بها من الموضوعات التي ينبغي أن تتلقى من الشارع كان داخلا في باب الخبر الواحد ويندرج في أدلة حجيته، ولو كان المخبر به موضوعا من الموضوعات الخارجية كان داخلا في باب الشهادة ويندرج في أدلة حجيتها، كقوله عليه السلام في ذيل رواية ابن صدقة: “والأشياء كلها على ذلك حتى تستبين أو تقوم بها البينة”([3]).
وقد قيل: بعموم حجية الخبر الواحد للموضوعات أيضا. وفيه نظر، وبيانه موكول إلى محله. وعلى كل حال: لا إشكال في أنه يعتبر في كل من الشهادة وخبر الواحد أن يكون الإخبار عن حس([4]) وبذلك يفترقان عن قول أهل الخبرة، لأن إخبارهم ليس عن حس بل عن حدس ورأى واجتهاد، ولذا قلنا: لا يعتبر في حجية قول أهل الخبرة ما يعتبر في حجية الخبر الواحد والشهادة من الشرائط، كما تقدم. [الصفحة 149]
الأمر الثاني: نقل الإجماع تارة: يرجع إلى نقل السبب من أقوال العلماء وفتاويهم الكاشفة عن رأى المعصوم عليه السلام وأخرى: يرجع إلى نقل نفس المسبب وهو رأيه عليه السلام، فان رجع إلى نقل السبب كان ذلك إخبارا عن الحس([5]) ويندرج في عموم أدلة حجية الخبر الواحد، وإن رجع إلى نقل المسبب كان ذلك إخبارا عن الحدس، فلا عبرة به([6]) ولا دليل على حجيته، إلا على بعض الوجوه في تقدير مدرك حجية الإجماع، كما سيأتي.
الأمر الثالث: اختلفت مشارب الأعلام في مدرك حجية الإجماع المحصل الذي هو أحد الأدلة الأربعة، فقيل: إن الوجه في حجيته دخول شخص المعصوم عليه السلام في المجمعين، ويحكى ذلك عن السيد المرتضى قدس سره.
وقيل: إن قاعدة اللطف تقتضي أن يكون المجمع عليه هو حكم الله الواقعي الذي أمر المعصوم عليه السلام بتبليغه إلى الأنام، ويحكى ذلك عن شيخ الطائفة قدس سره.
وقيل: إن المدرك في حجيته هو الحدس برأيه عليه السلام ورضاه بما أجمع عليه، للملازمة العادية بين اتفاق المرؤوسين المنقادين على شيء وبين رضا الرئيس بذلك الشيء([7]) ويحكى ذلك عن بعض المتقدمين.
وقيل: إن حجيته لمكان تراكم الظنون من الفتاوى إلى حد يوجب [الصفحة 150] القطع بالحكم، كما هو الوجه في حصول القطع من الخبر المتواتر.
وقيل: إن الوجه في حجيته إنما هو لأجل كشفه عن وجود دليل معتبر عند المجمعين.
ولعل هذا الأخير أقرب المسالك، لأن مسلك الدخول مما لا سبيل إليه عادة في زمان الغيبة([8]) بل ينحصر ذلك في زمان الحضور الذي كان الإمام عليه السلام يجالس الناس ويجتمع معهم في المجالس، فيمكن أن يكون الإمام عليه السلام أحد المجمعين، وأما في زمان الغيبة فلا يكاد يحصل ذلك عادة.
نعم: قد يتفق في زمان الغيبة للأوحدي التشرف بخدمته وأخذ الحكم منه عليه السلام فيدعى الإجماع عليه، وأين هذا من دعوى كون مبنى الإجماع على دخول شخصه عليه السلام في المجمعين؟!.
وأما مسلك اللطف: فهو بمكان من الضعف، لأنه مبنى على أنه يجب على الإمام عليه السلام إلقاء الخلاف بين الأمة إذا لم يكن الحكم المجمع عليه من أحكام الله تعالى، وذلك من أصله فاسد، فان الواجب على الإمام عليه السلام إنما هو بيان الأحكام بالطرق المتعارفة، وقد أدى عليه السلام ما هو وظيفته، وعروض الاختفاء لها بعد ذلك لبعض موجبات الاختفاء لا دخل له بالإمام عليه السلام حتى يجب عليه إلقاء الخلاف.
وأما مسلك الملازمة العادية: فاتفاق المرؤوسين على أمر إن كان نشأ عن تواطئهم على ذلك كان لتوهم الملازمة العادية بين إجماع المرؤسية ورضا [الصفحة 151] الرئيس مجال، وأما إذا اتفق الاتفاق بلا تواطي منهم على ذلك، فهو مما لا يلازم عادة رضا الرئيس ولا يمكن دعوى الملازمة.
وأما مسلك تراكم الظنون: فهو مما لا يندرج تحت ضابط كلي، إذ يختلف ذلك باختلاف مراتب الظنون والموارد والأشخاص، فقد يحصل من تراكم الظنون القطع لشخص وقد لا يحصل، فلا يصح أن يجعل ذلك مدركا لحجية الإجماع.
فالإنصاف: أن الذي يمكن أن يدعى، هو أن يكون اتفاق العلماء كاشفا عن وجود دليل معتبر عند المجمعين، ولكن هذا إذا لم يكن في مورد الإجماع أصل أو قاعدة أو دليل على وفق ما اتفقوا عليه، فانه مع وجود ذلك يحتمل أن يكون مستند الاتفاق أحد هذه الأمور، فلا يكشف اتفاقهم عن وجود دليل آخر وراء ذلك.
نعم: لو كان الاتفاق مستمرا من زمان الصحابة المعاصرين للأئمة عليهم السلام ك (زرارة) و (محمد بن مسلم) إلى زمان أرباب الفتوى إلى زمن المتأخرين، فهو يكشف كشفا قطعيا عن رضاء المعصوم بذلك ولا يلتفت إلى القاعدة أو الأصل الموافق، إلا أن تحصيل مثل هذا الاتفاق مما لا سبيل إليه، بل القدر الممكن هو تحصيل الاتفاق من زمان أرباب الفتوى، وهذا الاتفاق لا يكشف عن نفس رضاه عليه السلام بل أقصاه أنه يكشف عن وجود دليل معتبر عند الكل إذا لم يكن في المورد أصل أو قاعدة، فانه لا يمكن الاتفاق في الفتوى اقتراحا بلا مدرك.
ومما ذكرنا ظهر: ما في عد الإجماع دليلا برأسه في مقابل الأدلة الثلاثة الأخر، فانه على جميع المسالك لا يكون الإجماع مقابلا للسنة.
نعم: بناء على ما قربناه من المسلك يكون التقابل بين الإجماع والسنة تقابل الإجمال والتفصيل، فان الإجماع يكشف عن وجود دليل على الإجمال، فتأمل.
[الصفحة 152]
إذا عرفت ذلك فاعلم: أن الحاكي للإجماع إنما يحكى السبب الكاشف عن المسبب والمنكشف، إلا على مسلك الدخول، قد عرفت فساد أصل المسلك. وأما على المسالك الأخر: فالحكاية إنما هي للسبب، وقد تقدم أن الحكاية إن رجعت إلى السبب تكون عن حس([9]) لا عن حدس، فلا بد من الأخذ بما يحكيه من السبب، ويندرج ذلك في حجية الخبر الواحد، فان كانت الحكاية لتمام السبب في نظر المنقول إليه فهو، وإلا احتيج إلى ضم ما يكون تمام السبب، وهذا يختلف باختلاف الحاكي والمحكي له، فان كان الحاكي للإجماع من المتقدمين على (العلامة) و (المحقق) و (الشهيد) رحمهم الله فلا عبرة بحكايته، لأن الغالب فيهم حكاية الإجماع على كل ما ينطبق على أصل أو قاعدة في نظرهم، ولا عبرة بنظر الغير في تطبيق المورد على الأصل أو القاعدة وإن كان نفس الأصل والقاعدة مورد الإجماع.
وأما إذا كان الحاكي من قبيل (الشهيد) و (المحقق) و (العلامة) فالإنصاف اعتبار حكايتهم، لأنهم يحكون نفس الفتاوى وبلسان الإجماع الكاشفة عن وجود دليل معتبر مع عدم وجود أصل أو قاعدة أو دليل في البين.
هذا خلاصة الكلام في الإجماع المنقول، ولا يستحق إطالة الكلام فيه أزيد مما ذكرنا، فتدبر جيدا حتى يتضح لك الحال.
([1]) النسخة المعتمدة: نشر مؤسسة النشر الإسلامي- قم- 1417. هوامش هذا الكتاب نقلا عن المصدر.
([2]) أقول: قبل الخوض في المرام ينبغي بيان الخبر المستند إلى الحس أو ما هو القريب منه من الحدس وما هو حدسي محض، فنقول: إنه لا إشكال في المخبر به إن كان علم المخبر بمثله مستندا إلى أحد حواسه الخمسة بلا واسطة، فهو حسي محض، كما أنه لو استند إلى مجرد علمه الناشئ من قرائن شخصية والمبادئ الحدسية المحضة - كالجفر والرمل والنوم وغير ذلك من حسن الظن بالمخبر من جهات عادية شخصية لا العادية النوعية - فهو أيضا من الحدسيات المحضة، وأما إن كان مستندا إلى اللوازم المحسوسة العادية أو القرائن النوعية الملازمة مع المخبر به عادة، فهو أيضا وإن كان المخبر به محرزا عند الخبر بحدسه، ولكن حدسه هذا لما كان مستندا إلى اللوازم الحسية العادية كان من الحدسيات القريبة إلى الحس، نظير الإخبار بالشجاعة وملكة العدالة وأمثالهما من لوازمها المحسوسة العادية وربما يكون ذلك أيضا ملحقا بالحس. وحينئذ فلو أخبر أحد إلى أحد بموت زيد مثلا، فالمخبر الثاني تارة: يخبر عن إخبار مخبره، فهو حسي محض لسماعه منه. وأخرى: يخبر عن نفس موت زيد الذي هو المخبر به لخبره، ففي هذه الصورة تارة: يكون هذا الخبر عن علمه به بالموت من قرائن شخصية حصلت له من مبادئ حدسية - من مثل حسن ظنه بالمخبر له من القرائن الشخصية غير اللوازم الحسية العادية - فهذا الخبر حدسى. وأخرى: يخبر عن الموت بملاحظة حصول علمه به من ملازمته مع المخبر بنحو يقطع من المبادئ الحسية واللوازم العادية بمطابقة قوله للواقع، فمثل هذا الخبر أيضا من الحدسيات القريبة إلى الحس. وثالثة: يخبر بالموت لا من علمه الوجداني بوجود المخبر به خارجا، بل من جهة علمه التعبدي من تصديقه لمخبره تعبدا بعدالته، فهذا العلم التعبدي أيضا ناشئ عن مباد حسية - من إحراز صغراه حسا وكبراه أيضا بوجود دليله المحرز عنده سندا ودلالة بالحس لكونه نصا وكونه بوجدانه عادلا أو بالشياع الملازم عادة لصدقه ومطابقته للواقع - فهذا أيضا من الحدس القريب إلى الحس. نعم: لو فرض كون دليل التعبد أيضا حدسيا - ولو من جهة انتهائه سندا ودلالة إلى أدلة ظنية أو بناء عقل أو مجرد إمضائهم بقاعدة حدسية من حكمة أو جهة أخرى من القرائن الشخصية الموجبة للعلم بمطابقة بنائهم للواقع فهو أيضا ينتهي بالآخرة إلى الحدس، وإن كان بعض مباديه حسيا. وحيث ظهر ذلك، فنقول: إنه لا إشكال في عدم وفاء دليل حجية خبر الواحد بأزيد من الحسيات أو القريبة إلى الحس كما أنه مع الشك في كونه حدسيا أم حسيا أيضا يلحق بالحس. وحينئذ فنقول: الظاهر أن من كان في زمان الغيبة الصغرى -كالسيد وأمثاله- أمكن في حقهم أن دعويهم اتفاق تمام الأمة بلفظ " الإجماع " الظاهر فيه بنحو يقتضى دخول الإمام فيهم مستندا إلى أمر حسي، فلا بأس بأخذ خبره لمحض احتمال حسيته، كما أن من يرى خبر السيد ويخبر لنا خبر السيد عن نفسه أيضا بوجدانه لكونه خبر حسي يحكى عن خبر، حسي، كما أنه لو أخبر بمضمون خبر السيد من اتفاق الأمة في عصر السيد مستندا إلى خبر السيد المحرز عنده بالوجدان بضميمة ملازمة قول السيد مع اتفاق من فيهم الإمام بمقدمات حسية -نظرا إلى نص كلام السيد وإحراز عدالته بوجدانه أو بالشياع الملازم له عادة بضميمة إحراز عدم خطئه أيضا بمبادى حسية من الملازمات العادية بين التفاته وعدم خطئه بوجه- تقبل ذلك أيضا، لأنه من الحدس القريب بالحس، كما أنه لو لم يحرز الواقع بوجدانه بل أحرزه بدليل التعبد الشامل له بمقدمات وجدانية حسية من حيث دلالة دليل التعبد من نصيته وسنده من جزمه بمطابقته للواقع بمبادى حسية -كما أشرنا- فهو أيضا إخبار عن حدس تعبدي مستند إلى الحس. وعليه: فلنا أن ندعى: أن كل من يدعى الإجماع أو الاتفاق الظاهر في اتفاق من يصلح أن يكون الإمام فيهم ويحتمل في حقهم حسية هذا المخبر به لهم أو حدسيته القريبة إلى الحس، فلا بأس بالأخذ بمثل هذا الخبر، كما هو الشأن في بنائهم على الأخذ بخبر من يخبر بمضمون خبر غيره بمحض سماعه عن غيره، كإخباره بموت زيد أخبره غيره بموته من دون تشكيك فيه بحدسية خبره غالبا، فهكذا ما نحن فيه، فتدبر.
([3]) الوسائل: الباب 4 من أبواب ما يكتسب به الحديث 4.
([4]) أقول: أو حدس قريب بالحس، كما أشرنا إليه سابقا.
([5]) أقول: وربما يكون إخباره بالسبب أيضا عن حدس، فيلحق ذلك أيضا بالإخبار عن المسبب.
([6]) أقول: إذا لم يكن حدسه قريبا إلى حسه، كما أشرنا، وإلا فيلحق باخباره بالسبب.
([7]) أقول: إذا كانت الملازمة عادية - نظير ملازمة لوازم الشجاعة وملكة العدالة - فهو حدسى قريب بالحس، كما أسسنا في الحاشية الطويلة، فراجع.
([8]) أقول: يعنى الكبرى، والسيد المرتضى في الغيبة الصغرى، وفى مثلها لا مانع من وصولهم إلى الإمام (عليه السلام) عادة.
([9]) أقول: في إطلاقه نظر.