موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع
إجماعات فقهاء الإمامية
المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع
- درر الفوائد – الشيخ عبد الكريم الحائري ج 2 ص 38: ([1])
ومنها الإجماع المنقول بالخبر الواحد وتحقيق المقام يبتنى على بيان أمور: (منها) ان الإجماع في مصطلح العامة عرف بتعاريف، فعن الغزالي انه اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وآله [الصفحة 39] على أمر من الأمور الدينية، وعن الفخر الرازي انه اتفاق أهل الحل والعقد من أمة محمد صلى الله عليه وآله على أمر من الأمور، والمراد من أهل الحل والعقد على ما نبه عليه غير واحد منهم المجتهدون وعن الحاجبي انه اجتماع المجتهدين من هذه الأمة في عصر على أمر.
وأما أصحابنا فقد أوردوا له حدوداً كلها متحدة أو متقاربة معه فعرفه العلامة بما ذكره الفخر الرازي وعرفه بعضهم بأنه اجتماع رؤساء الدين من هذه الأمة في عصر على أمر، والحاصل انه من المعلوم انه ليس لأصحابنا رضوان اللَّه عليهم اصطلاح جديد في الإجماع وانما جروا فيه على ما جرت عليه العامة. نعم قد يتسامح في إطلاق الإجماع على اتفاق طائفة خاصة يعلم منه قول الإمام عليه السلام لوجود ملاك الحجية وهو قول الإمام عليه السلام وعدم الاعتناء بمخالفة غيره.
(ومنها) ان مستند حجية الإجماع أمور ثلاثة؛ أحدها: دخول شخص الإمام عليه السلام في جملة المجمعين ضرورة انه لو اتفق هذا النحو من الاتفاق أعني اتفاق أهل العصر أو اتفاق أمة محمد صلى الله عليه وآله أو اتفاق العلماء منهم أو أهل الحل والعقد منهم أو الرؤساء منهم كان الإمام عليه السلام أحد هؤلاء قطعاً لعدم خلو العصر عن وجوده عليه السلام، والثاني: ما ذهب إليه شيخ الطائفة من قاعدة اللطف وحاصله انه إذا اجتمع المجتهدون في عصر على حكم من الأحكام الشرعية قطع بمطابقته للواقع إذ لو لا ذلك للزم على الإمام عليه السلام إظهار المخالفة من باب اللطف وحيث لم يظهر المخالفة نقطع باتحاد رأيه مع رأى العلماء، والثالث: ما ذهب إليه المتأخرون من الحدس وحاصله ان اتفاق علمائنا الاعلام الذين ديدنهم الانقطاع إلى الأئمة في الأحكام وطريقتهم التحرز عن القول بالرأي والأوهام مع ما يرى من اختلاف أنظارهم مما قد يؤدى بمقتضى العقل والفطرة السليمة إلى العلم بان ذلك قول أئمتهم ومذهب رؤسائهم، ولا اختصاص لهذه الطريقة باستكشاف قول المعصوم عليه السلام بل قد يستكشف بها عن رأي ساير الرؤساء المتبوعين مثلا إذا [الصفحة 40] تمام خدمة السلطان الذين لا يصدرون الا عن رأيه اتفقوا على إكرام شخص خاص يستكشف من هذا الاتفاق ان هذا إنما هو من توصية السلطان.
(ومنها) ان الطريق الأول مما لا يمكن تحصيله في عصر الغيبة لأنه مبنى على استقصاء آراء أشخاص يكون هو عليه السلام منهم ولا يعرف شخصه تفصيلا ومن المعلوم عدم الاتفاق لأحد في هذه الأعصار، والطريق الثاني ليس صحيحاً لعدم تمامية البرهان الّذي أقيم عليه فانه بعد غيبة الإمام بتقصير منا كل ما يفوتنا من الانتفاع بوجوده الشريف وبما يكون عنده من الأحكام الواقعية قد فاتنا من قبل أنفسنا فلا يجب عليه عقلا ان يظهر المخالفة عند اتفاق العلماء إذا كان اتفاقهم على خلاف حكم اللَّه الواقعي فانحصر الأمر في الطريق الثالث.
إذا عرفت هذا فنقول انه لو نقل الإجماع ناقل فهذا النقل لا يخلو من وجوه أحدها ان ينقل اتفاق جماعة يلازم قول الإمام عند المنقول إليه.
والثاني ان ينقل اتفاق جماعة ليس كذلك عنده قطعا، وهذا على قسمين أحدهما انه حصل للمنقول إليه بعض الأمارات أو الفتاوى بحيث حصل له من مجموع ما عنده وما نقله الناقل على تقدير صدقه العلم بقول الإمام عليه السلام، والثاني انه ليس عنده شيء آخر يحص بانضمامه إلى المنقول العلم.
والثالث ان ينقل الإجماع ولا يعلم ان هذا الناقل حصل قول الإمام عليه السلام بطريق ملازم له عندنا أيضاً أو بغير ذلك الطريق لا ينبغي الإشكال في حجية نقل الإجماع ان كان على الوجه الأول بالنسبة إلى الكاشف وإلى المنكشف بناء على حجية الخبر الواحد، أما بالنسبة إلى الكاشف فلأنه إخبار عن أمر محسوس فيأخذ هذا الأمر المحسوس المخبر به تعبداً ويستكشف منه لازمه، وأما بالنسبة إلى المنكشف فلأنه وان لم يكن من الأمر [الصفحة 41] المحسوس ولكن لما كان طريق الاطلاع عليه هو المحسوس يلحق به نظير الاخبار بالعدالة فإنه يقبل من المخبر لاستكشافها من لوازمها المحسوسة وكذا لا ينبغي الإشكال في حجيته على الأول من شقي الثاني بالنسبة إلى الكاشف وجعل مقدار ما أخبر به العادل بمنزلة المحصل واستكشاف الواقع بضميمة ما عنده من الأمارات كما لا ينبغي الإشكال في عدم حجيته على الثاني من شقي الوجه الثاني لأن العلم بتحقق هذا القدر لا يستلزم العلم بالواقع ولا إشكال في ان التعبد بالخبر الواحد لا يفيدنا أزيد من العلم.
وأما إذا نقل الإجماع على الوجه الثالث فهل لنا دليل على حجيته أولا وما يمكن ان يستدل به عليه مفهوم آية النبأ بناءً على ثبوت المفهوم وحاصل تقريب الدلالة أنها تدل بمفهومها على حجية إخبار العادل مطلقا سواء كان عن حس أو عن حدس، غاية الأمر انه خرج ما علم كونه عن حدس غير قريب عن الحس وبقي الباقي، أو يقال بان الخارج وان كان الإخبار عن الحدس البعيد عن الحس واقعاً لكن لما كان المخصص منفصلا بعد استقرار ظهور العام في وجوب العمل بكل ما يخبر به العادل سواء كان عن حدس أو عن حس فاللازم التمسك بحكم العام فيما لم يعلم دخوله تحت عنوان المخصص.
هذا وفيه منع المفهوم للآية كما ستعرف ومنع ظهوره في الأعم من الإخبار عن حدس بعيد عن الحس فان مقتضى التعليل في ذيل الآية هو وجوب الاعتناء باحتمال الندم المستند إلى فسق المخبر، ومن المعلوم انه ليس الا من جهة قوة احتمال تعمده الكذب بخلاف العادل، وكذا منع كون الخارج من تحته ما يعلم انه عن حدس بعيد ومنع جواز التمسك بعموم العام في صورة الشك في وجود المخصص الّذي علم عنوانه مفصلا .
عم يجوز التمسك في المخصص المنفصل لو كان مجملا مردداً بين الأقل والأكثر مع إشكال فيه أيضاً مر بيانه في بحث العام والخاصّ، ويمكن ان يقال في تقريب حجية الإجماع المنقول ان جهة الشك في عدم مطابقته [الصفحة 42] للواقع تنحصر في أمور، أحدها احتمال تعمده الكذب، والثاني احتمال خطئه في الحدس والخطاء الّذي يحتمل في حقه أما من جهة استكشاف فتوى جماعة أخبر بفتواهم كما إذا استكشف فتوى جماعة في مسألة فرعية من جهة اتفاقهم على الأصل الّذي ينطبق عليها بمقتضى اجتهاد الناقل وأما من جهة الكشف عن رأي الإمام عليه السلام بواسطة قول جماعة لا ينبغي عادة حصول العلم بقولهم، فان كان الشك من جهة الأول فأدلة حجية خبر العادل وان قلنا باختصاص مفادها في إلغاء احتمال الكذب ترفع هذا الشك، وان كان من جهة الثاني فالظاهر من قول الناقل ان المسألة إجماعية تحصيل الإجماع في خصوص تلك المسألة وهذا الظاهر حجية ترفع ذلك الشك وان كان من جهة انه استكشف رأى الإمام عليه السلام من سبب غير عادي فظاهر حاله يرفع هذا الشك.
نعم لو تبين منه في موارد ان دعواه الإجماع كانت مستندة إلى الإجماع على القاعدة أو مسندة إلى اتفاق جماعة ليس اتفاقهم سبباً عادياً لاستكشاف رأى الإمام عليه السلام فلا يجوز الركون إلى نقله، وأما ما لم يعلم حاله فأدلة حجية قول العادل بضميمة ظاهر لفظه وظاهر حاله تنتج وجوب الأخذ بالإجماع الّذي نقله.
وفيه بعد تسليم بقاء ظهور كلام ناقل الإجماع في الاتفاق على الفرع انه لا يبعد حصول العلم للناقل بواسطة اتفاق جماعة وعدم حصوله لنا، ولا يلزم في الصورة المفروضة ان يكون حصول علمه بسبب غير عادي حتى يكون على خلاف مقتضى الأصل العقلائي لإمكان ان يكون ذلك منه من جهة حسن ظنه بتلك الطائفة لم يكن ذلك للمنقول إليه، فتحصل من جميع ما ذكرنا عدم الدليل على حجية الإجماع المنقول بالخصوص الا إذا كان الإجماع المنقول بحيث لو اطلعنا عليه علما حصل لنا العلم، أو كان بحيث لو ضممنا إليه الأمارات الموجودة عندنا حصل لنا العلم.
(تتميم) قد يقال بناء على ان مفهوم الآية ليس متعوضاً الا بحيثية إلقاء احتمال تعمد الكذب لا ينفعنا في الأخذ [الصفحة 43] بخبر العادل حتى في المحسوسات إذا احتملنا كون الحجية الفعلية منوطة بشرط آخر إذ هي على التقدير المذكور ليست متعرضة للحجية الفعلية حتى يدفع ذلك الشرط المحتمل بإطلاقها.
والجواب انه بعد الفراغ عن احتمال تعمد الكذب ليس المانع من حمل مفاد قول القائل على الواقع الا احتمال الخطأ في الحس ومقتضى الأصل عند العقلاء عدمه فإذا انضم ذلك الحكم المستفاد من الشرع إلى تلك القاعدة المتفق عليها عند العقلاء فلا يعقل بقاء التحير.
نعم يمكن عدم كون الخبر بعد فرض إلقاء احتمال الكذب حجة فعلية الا مع شرط زائد كالتعدد ونحوه لكن ان يثبت ذلك بالدليل فيرجع إلى عدم إمضاء الشارع ذلك الأصل المحفوظ عند العقلاء الا مع وجود ذلك الشرط وما لم يدل دليل على ذلك، فمقتضى القاعدة العمل بالأصل المرتكز في أذهان العقلاء، ومن هنا يظهر ان عدم قبول شهادة الفاسق حتى مع العلم بعدم تعمده الكذب ليس منافياً لما ادعينا إذ اشتراط العدالة في الشهادة ثبت من الشرع لا من جهة احتمال تعمد الكذب في الفاسق، وبعد ثبوت ذلك يستكشف عدم إمضاء الشارع ذلك الأصل العقلائي في مورد شهادة الفاسق.
ويمكن ان يقال أيضاً بان مانعية الفسق في باب الشهادة أو اشتراط العدالة ليست راجعة إلى عدم إمضاء الأصل المذكور، فلو شهد الفاسق وعلم بعدم تعمده الكذب علمنا بالأصل المذكور في إحراز الواقع، لكن الموضوع لحكم الواقع في باب دفع الخصومات ليس مجرد إحراز الواقع بأي طريق بل هو خصوص البينة العادلة، فلا تنافي بين إحراز الواقع وعدم جواز الحكم على طبقه فليتدبر.
([1]) النسخة المعتمدة: نشر مطبعة مهر- قم- 1355.