موقع عقائد الشيعة الإمامية >> كتاب إجماعات فقهاء الإمامية >> المجلد السابع
إجماعات فقهاء الإمامية
المجلد السابع: بحوث فقهاء الإمامية في أصل الإجماع
- مجمع الفرائد - فريدة الإسلام الشيخ علي بن محمد ص 130: ([1])
حكي عن كثير من أصحابنا القول بحجية الإجماع المنقول زعما منهم شمول أدلة حجية الخبر الواحد له وذهب جملة من المحققين من متأخري أصحابنا إلى عدم حجيته وعليه اتفقت كلمات المقاربين لعصرنا وهو الذي يساعده إمعان النظر وتعميق الفكر وتلخيص الكلام فيه يقع بذكر أمور:
(الأمر الأول) أنه يعتبر في حجية الخبر الواحد أن يكون المنجز به من الأمور المحسوسة كما اعتبر ذلك في باب الشهادة فإن بناء العقلاء الذي هو المرجع لجميع الأدلة المستدل بها على حجية الخبر إنما هو على عدم الاعتناء باحتمال تعمد المخبر الثقة في الكذب الذي ينحصر فيه المانع عن قبول قوله في الحسيات التي يبعد الخطأ فيها بنظرهم وأما احتمال خطئه في حدسه فيما إذا كان المخبر به من الأمور الحدسية فهو احتمال عقلائي يعتنون به العقلاء وهو يمنع عن قبول قوله في الحدسيات وإن كان احتمال تعمده في الكذب لا يصلح للمنع لكونه موهونا بنظرهم وبالجملة فبناء العقلاء إنما هو على عدم الاعتناء باحتمال تعمد الكذب لا باحتمال الخطاء في الحدس ومعلوم أن نظر الشارع في إمضائه إلى ما استقر عليه بناؤهم لا مطلقا وإن لم يستقر عليه بناؤهم.
(الأمر الثاني) الإجماع قد تطلق ويراد به اتفاق جميع العلماء من أمة محمد صلى الله عليه وآله في عصر واحد وهذا هو الأصل في الإجماع وهو المصلح عليه بين العامة والقدماء من الخاصة على ما يشاهد في كتبهم ويلاحظ من تعاريفهم وقد يطلق ويراد به اتفاق جميع أهل الفن من جميع الأعصار في مسألة من مسائل ذلك الفن وهذا هو المراد من الإجماعات المدعاة في كلمات بعض المتأخرين من أصحابنا مثل الفاضلين والشهيدين قدس أسرارهم وجملة ممن تأخر عنهم والمبحوث عنه في المقام هو الإجماع بالمعنى الأول وأما الإجماع بالمعنى الثاني فلا مجال للبحث عنه أصلا في محصله ولا في [الصفحة 131] منقوله أما محصله فلأنه إن كان في المسائل الفرعية المستخرجة من الأصول المأثورة عن أئمتنا عليهم السلام بالنظر والاجتهاد فلا يكاد يكون حجة علينا فإن الافهام وإن كثرت لا دليل على حجيتها بالنسبة إلى الغير وإن كان في المسائل الأصولية المأثورة عنهم عليهم السلام فمع غض البصر عن بعد حصوله بحيث يمكن دعوى القطع بعدمه إلا في أمهات تلك المسائل التي هي في الوضوح بمثابة لا تحتاج إلى إقامة برهان ودليل عليها وكادت أن تكون من الضروريات لا إشكال في حجيته لاستحالة تخلفه عادة عن رضى المعصوم عليه السلام وعما هو والفتوى عنده وأما منقوله فلأنه في المسائل الفرعية لا يزيد على محصله وقد ذكر عدم حجيته وفي المسائل الأصولية حجة لو لم يكن نقله موهونا وقد ذكر أنه موهون جدا بحيث نقطع بعدم حصوله لناقله وليس نقله من بعض المتأخرين إلا لعثورهم في مورده على أصل أو قاعدة لا بد من العمل بها في ذلك المورد بحسب نظرهم واجتهادهم أو لعثورهم فيه على كلمات المعروفين بالفتوى أو لغير ذلك من المحامل وعلى أي حال فلا مجال للبحث على الإجماع بهذا المعنى بل البحث إنما هو في الإجماع بالمعنى الأول الذي هو اتفاق جميع علماء الأمة في عصر واحد على حكم من الأحكام وأصل البحث في ذلك من العامة الذين نسب إليهم تربيع الأدلة فجعلوا الإجماع بهذا المعنى منها مستدلين بآيات منها قوله تعالى ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا والرواية المروية عن النبي بإسنادهم أنه صلى الله عليه وآله قال “أمتي لا تجتمع على خطأ أو على الضلالة” وحيث لم يكن بنظر أصحابنا رضوان اللّه عليهم دلالة الآيات تامة وسند الرواية صحيحا اختاروا عدم حجيته بنفسه وأنه إنما يكون حجة من جهة اشتمال أقوال المجمعين على قول المعصوم عليه السلام الذي يكون قوله عليه السلام بنفسه حجة ولا يخلو كل عصر منه فالإجماع عندهم حجة لا من حيث إنه إجماع كما عليه العامة بل من حيث [الصفحة 132] إنه حاك عن الحجية ثم اختلف أصحابنا في وجه حكايته عن قول المعصوم عليه السلام وكشفه عنه محكي عن السيد رحمه الله القول بأن ذلك من جهة العلم بدخول شخص المعصوم عليه السلام في المجمعين بأن يكون فيهم من لا يعرف أصله ونسبه ويكون موافقا معهم في لرأي وعن الشيخ قدس سره أنه من جهة اقتضاء قاعدة اللطف وأن الواجب على المعصوم عليه السلام في صورة مخالفته معهم في الرأي إلغاء الخلاف بينهم فبتحقق الإجماع يكشف موافقته معهم فيه وأن المجمع عليه هو حكم اللّه الموجود عنده في الواقعة وعن بعض المتأخرين أنه من جهة الحدس برأيه ورضاه بما أجمع عليه لاستحالة تخلف ذلك عن قيام الإجماع عليه عادة وقد يتفق لبعض الأوحديين وجه آخر لاستكشاف رأيه غير هذه الوجوه وهو بالتشرف إلي خدمته وأخذ الحكم من حضرته لكن هذا في الحقيقة من طرق الوصول إلى قوله لا من الوجوه التي بها يكون الإجماع كاشفا عنه ولكن الإنصاف عدم تمامية هذه الوجوه وعدم صلوحها للتمسك بها أما وجه الدخول فلأن العلم بدخوله عليه السلام في المجمعين مما لا سبيل إليه في زمان الغيبة بحيث يقطع بعدم حصوله لواحد ممن يدعي الإجماع من أصحابنا وأما وجه اللطف فلأن الواجب على الإمام عليه السلام بيان الأحكام بالطرق المتعارفة وليس عليه إيصالها إلى جميع المكلفين ورفع اختفائها إذا اختفت لبعض العوارض التي نشأت من أنفسنا كما كان قد يتفق ذلك في زمان الحضور أيضا وبالجملة فليس على الإمام رفع الخطاء من الفقهاء وإيصالهم إلى الأحكام الواقعية وإزالة الاشتباه عن أنظارهم واجتهاداتهم كي يكون لإجراء قاعدة اللطف مجال وأما وجه الملازمة فلوضوح أن حصول الاتفاق بين المجمعين على أمر اتفاقا ومن جهة أداء أنظارهم واجتهاداتهم إليه بدون تواطؤ منهم وتبان عليه لا يستلزم رضاء المعصوم به [الصفحة 133] وموافقته معهم لا عقلا ولا عادة وبدون الاستلزام لا وجه للحدس برأيه فهذه الوجوه لا تفيد في حجية الإجماع شيئا كما أن القول بحجيته من جهة كشفه عن وجود دليل معتبر بين المجمعين فيما لم يكن هناك أصل أو قاعدة تصلح لاستنادهم عليها غير صحيح فإن المجمعين إن كانوا من المتأخرين فمن الواضح أنه لم يكن بأيديهم من الأدلة أزيد مما يكون اليوم بأيدينا والمفروض انتفاء وجود دليل معتبر فيه وإن كانوا من المتقدمين الذين هم بيننا وبين أصحاب الأئمة عليهم السلام بمنزلة الوسائط فالموجود بأيديهم من الأدلة وإن كان أزيد مما بأيدينا إلا أن مجرد ذلك لا يفيد شيئا ما لم يكن هناك تصريح أو إشارة في كتبهم التي بأيدينا إليه هذا مع أنه من الممكن أن يكون الدليل لو وصل علينا لدل عندنا على غير ما دل عليه عندهم فلا يصح الأخذ به بمجرد اعتمادهم عليه واستنادهم إليه فتأمل فالإنصاف أن الإجماع بالمصطلح الأول لا دليل على حجية محصله فما ظنك بمنقوله.
(الأمر الثالث) أن ناقل الإجماع إن كان من قدماء الأصحاب الذين ينقلون الإجماع بمجرد كون مورده بنظرهم مشمولا لأصل أو دليل يكون حجيتها مسلمة عند الأصحاب ومفروغا عنها فلا إشكال في عدم اعتبار نقله وإن كان من متأخريهم الذين لا يدعون الإجماع إلا بعد اطلاعهم على نفس الفتاوى فهو في المقدار المتيقن الذين يستفاد من لفظه ويكون حكاية مستندة إلى حسه يكون نقله على الإجمال مثل المحصل المعلوم بالتفصيل فإن كان ذلك المقدار من الفتاوى بنظر المنقول إليه أيضا سببا تاما كاشفا قطعيا عن قول المعصوم فهو وإلا احتاج في اعتباره إلى ضم أمارات أخر إليه بحيث يكون المجموع كاشفا قطعيا عنه هذا كله في نقله من حيث السبب وأما نقله من حيث المسبب فإن كان من طريق الوجه الثاني أو الثالث فلا اعتبار به لكونه إخبارا عن الأمور الحدسية وإن كان من [الصفحة 134] طريق الوجه الأول الذي هو وجه الدخول فهو وإن كان راجعا إلى الإخبار عن الحس إلا أنك قد عرفت أن العلم بالدخول مما لا يحصل لواحد من مدعي الإجماع كي يمكن له نقله.
([1]) النسخة المعتمدة: نشر مطبعة أمير- قم- 1368.