- كنزالفوائد- أبو الفتح الكراجكي
ص 40:
(فصل) من الفرق بين مذهبنا ومذهب المجبرة
في الافعال التي نعتقده ان الله تعالى لا يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يثيبهم ولا
يعاقبهم الا على ما يفعلون وان الايمان فعل المؤمن وان الكفر فعل الكافر وتزعم
المجبرة ان الله تعالى يكلف العبد ما لا يطيقه ويامره بما لا يقدر عليه ولا يتاتى
منه ويثيبه ويعاقبه على ما لم يفعله والايمان والكفر فعلان لله تعالى.
القدرة التي اعطاها الله تعالى للعبد هي
قدرة على الايمان والكفر وانه يفعل بهما أيهما شاء باختياره ولا يصح ان يفعلهما معا
في حال واحدة لتضادهما
نعتقد ان القدرة التي اعطاها الله تعالى
للعبد هي قدرة على الايمان والكفر وانه يفعل بهما ايهما شاء باختياره ولا يصح ان
يفعلهما معا في حال واحدة لتضادهما فقد حصل من هذا ان الذي امره الله بالايمان
ونهاه عن الكفر قادر على ما امره به ونهاه عنه و صح انه سبحانه لا يكلف العبد الا
ما يستطيعه وتزعم المجبرة ان القدرة التي اعطاها الله عزوجل للعبد لا تصلح إلا لشيء
واحد أما للإيمان وأما للكفر وان قدرة الايمان تضاد قدرة الكفر ولا يصح اجتماعهما
معا فالذي معه قدرة الايمان قد كلف ترك الكفر وهو غير قادر عليه والذي معه قدرة
الكفر قد كلف فعل الايمان ولا قدرة معه عليه فحصل من هذا تكليف ما لا يطاق والزام
ما لا يستطاع تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.
ونعتقد ان القدرة على الفعل توجد قبله
وان الفعل يوجد بعدها فالمأمور بالايمان قادر عليه غير فاعل له وإنما امر بمعدوم
ليوجده وهو يقع ويحصل ثاني وقت القدرة كما قدمناه وكذلك المنتهى عن الكفر إنما نهى
وهو قادر على ان يفعل كفرا يقع منه في ثانى حال قدرته فإن كان كافرا وقت قدرته
فكفره ذلك إنما صح منه بقدرة اخرى تقدمته وتزعم المجبرة ان القدرة على الفعل توجد
هي والفعل معا ولا يتاخر الفعل عنها فالمأمور بالايمان ومعه قدرة عليه إنما أمر
بموجود والمنتهى عن الكفر ومعه قدرة عليه إنما نهى عن موجود فكأنه قيل للمؤمن افعل
ما قد فعلت والموجود المفعول لا يفعل وقيل للكافر لا تفعل ما قد فعلت وما قد فعل
ووجد لا يصلح الامتناع منه وهذا تخبيط محكم.
ونعتقد ان القدرة غير موجبة للمقدور ولا
حامله عليه وان القادر مخير بين ان يفعل الشيء أو ضده بدلا منه.
(وتزعم المجبرة) ان القدرة موجبة للمقدور
حامله عليه ولا يصح وجودها إلا والمقدور معها.
ونعتقد ان المقدور الكائن بالقدرة هو فعل
للعبد في الحقيقة سواء كان طاعة أو معصية أو مباحا وان العبد محدث الفعل وموجده.
وتزعم المجبرة ان جميع المقدورات فعل الله تعالى وهو المحدث لسائر الافعال في الحقيقة ولا محدث سواه ويقولون ان معنى قولنا ان العبد فعل انما هو اكتسب فإذا سئلوا عن حقيقة الكسب لم يتحصل منهم فيه فائدة تعقل.
وتعتقد ان الله تعالى لا يريد من العباد
إلا الطاعة وانه مريد لما أمر به كاره لما نهى عنه.
وتزعم المجبرة ان الله تعالى يريد من قوم
الطاعة ويريد من آخرين معصيته وانه قد يامر الكافر بالايمان ولا يريده منه فقد امره
بما لا يريد ونهى عما اراد ونعتقد ان الله تعالى إذا اراد شيئا فهو كان يحبه ويرضاه
وإذا كره شيئا فانه لا يحبه ولا يرضاه وتزعم المجبرة ان الله عزوجل قد يريد شيئا
ويشاؤه ولا يحبه ولا يرضاه وانه قد يكره شيئا ويحبه ويرضاه وهذه مناقضة لا تخفى على
عاقل.
وكل ما ذهبنا إليه في الافعال بما وصفناه
وعددناه فالمعتزلة توافقنا عليه وتخالفنا المجبرة فيه وكل من قال الله تعالى لا
يكلف عباده ما لا يطيقون ولا يعذبهم على ما لم يفعلوا فهو من أهل العدل ومن خالف في
ذلك فهو من أهل الجور والجبر... بقية البحث في الفرق بين الشيعة والجبرية والقدرية
والمرجئة والمعتزلة يرجع إلى المصدر