كتاب العقائد الجعفرية
للمرجع الكبير آية الله العظمى
الشيخ جعفر كاشف الغطاء
___________________________
فهرس الكتاب
الروايات الدالة على حصر الائمة الاثنى عشر 31
الروايات الدالة على ثبوت إمامتهم 35
ما بال عليّ عليه السّلام لم ينازع الخلفاء 42
الآيات الدالة على فضائل على عليه السلام 45
الاخبار الدالة على فضائل على عليه السلام 48
1-على بن ابى طالب عليه السلام 57
4-امهما فاطمه سلام اللّه عليها 58
5-الامام على بن الحسين عليه السلام 59
6-الامام محمد الباقر عليه السلام 59
7-الامام الصادق عليه السلام 60
8-الامام الكاظم عليه السلام 61
10-الامام الجواد عليه السلام 62
11-الامام الهادى عليه السلام 62
12-الامام العسكرى عليه السلام 63
13-الامام المهدى عليه السلام 63
فضائل اهل البيت عليهم السلام 64
مجمل فضائل الامام على عليه السلام 65
العقائد الجعفریة جلد 1 ، (صفحه 2)
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم الحمد للّه رب العالمين و الصلاة على سيد الأنبياء و المرسلين و حبيب إله العالمين ابى القاسم المصطفى محمد صلى اللّه عليه و آله الطيبين الطاهرين المعصومين و على عباد اللّه الصالحين،سيما على بقية اللّه فى الارضين مولانا المهدى المنتظر عجل اللّه تعالى فرجه و سهل اللّه مخرجه و جعلنا اللّه من خواص اعوانه و انصاره و شيعته و المستشهدين بين يديه.و لعنة اللّه على اعدائهم اجمعين من الاولين و الآخرين الى قيام يوم الدين،آمين رب العالمين.
اما بعد:
للعالم الجليل و الفقيه و الاصولى العظيم المرحوم آية اللّه الحاج الشيخ جعفر كاشف الغطاء(قدس اللّه نفسه الزكيّة)المتوفى عام(1228)آثار جليلة،احدها الكتاب الشريف«كشف الغطاء».
يضمن هذا الكتاب ابواب مستقلّة،حيث يقول العالم الجليل نفسه فى مقدمته:
...و سمّيته كشف الغطاء عن خفيّات مبهمات شريعة الغرّاء، و رتّبته على ثلاثة فنون:
الفن الاول فيما يتعلق ببيان الاصول الاسلامية و العقائد الايمانية الجعفرية.
الفن الثانى فيما يتعلق ببيان بعض المطالب الاصول الفرعية و ما يتبعها من القواعد المشتركة بين المطالب الفقهيّة.
الفن الثالث فيما يتعلق بالفروع الدينيّة و هو أربعة اقسام:
عبادات،و عقود،و ايقاعات،و احكام.
*** قال الشيخ الجليل آقا بزرگ الطهرانى:
كشف الغطاء عن خفيات مبهمات الشريعة الغرّاء للشيخ جعفر بن الشيخ خضر الجناجي الحلاوى النجفى،المتوفى 1228.
و قد طبع بايران مكررا فى فهرس مكتبة راجه انّه مطبوع و كتاب الوقف منه مخطوط موجود بها.
و له«مختصر كشف الغطاء»أيضا كما يأتى.
و افراد الفن الاول منه فى اصول الدين و سمّاه«العقائد الجعفرية»فى الكلام،الّذي شرحه سيدنا ابى محمد صدر الدين و سمّى الشرح ب«الدرر الموسوية»،و الفن الثانى فى بعض المسائل الاصولية،و الفن الثالث فى الفروع الفقهيّة. 1
و هذا الّذي بين ايديكم هو المبحث الأوّل من هذا الكتاب
1) .الذريعة الى تصانيف الشيعة:45/18.
و قد كتب حول الاصول العقائدية.و الجهود الّتي بذلت فى هذه النسخة هى:
1- تنظيم الاصول الخمسة بالشكل المتعارف(التوحيد، العدل،النبوة،الامامة،المعاد)فى حين ان ما ذكر فى نص الكتاب هو الابتداء باصول الدين ثمّ اصول المذهب.
2- عند مقابلة النسخة الاصلية مع النسخ الستة الخطيّة الموجودة فى مكتبة آية اللّه العظمى الكلبايكاني(قدس اللّه نفسه الزكية)ظهر ان أربعة من تلك النسخ بالإضافة الى النسخة الاصلية قد لفتت الانتباه اكثر من غيرها.
و هنا رأيت من الواجب ان اشكر سماحة الحجة السيد جواد الكلبايكاني نجل المرحوم الفقيه الفقيد،و المسئول المحترم للمكتبة الّذي وضع متفضّلا فى اختيارى كل الامكانيات للاستفادة من النسخ المذكورة.
3- اشير فى الكتاب الى آيات و روايات كثيرة اخذت من مصادر معتبرة و ذكرتها فى الحاشية بقدر الامكان.
4- بما ان النسخ التى قد اشير إليها بالحروف(ا-ب-ج) فانها تكاد تكون جميعا متشابه،نذكرها بالحرف«ا»كما ان النسخة الاصلية مشابه للنسخة«كا»تماما.
5- وضعنا تصاوير للصفحات الاولى من النسخ المذكورة فى بداية الكتاب و ذلك لجلب انتباه المراجعين الكرام.
نرجو من اللّه ان يتقبّل منا هذه الخطوة المتواضعة فى طريقة
احياء التراث الدينى و نشر العقيدة الجعفرية الحقّة،و يهدينا جميعا الى صراطه المستقيم،و يثبّت لنا قدما فى طريقه الحقة.
و السلام عليكم و رحمة اللّه و بركاته السيد مهدى شمس الدين-قم
التوحيد بمعنى ان يعرف انّ اللّه تعالى واحد فى الربوبيّة، و لا شريك له فى العبودية.
و يتبعها النظر فى الصفات من الثبوتيّات و السلبيّات.و يكفى فى هذا المقام ما يغنى عن الخوض فى مباحث الكلام من امعان النظر فى الآثار و اختلاف الليل و النهار،و نزول الامطار و جرى الانهار،و ركود البحار و حركة السماء،و اضطراب الهواء،و تغيّر الاشياء،و اجابة الدعاء،و ما نزل على سالف الامم من البلاء،و ايجاد الموجودات،و صنع المصنوعات،و تكوين الابدان،و تقضّى الزمان، و استقامة النظام،و اصطكاك الغمام،و كفى بصنع الانسان فضلا عن ساير انواع الحيوان،دليلا قاطعا و برهانا ساطعا،خلقه من تراب ثمّ اودعه الاصلاب نطفة ثمّ علقة ثم مضغة،ثمّ عظاما ثمّ كسى العظام لحما،ثمّ اخرجه خلقا سويّا و خلق له لبنا صافيا و جعل له غذاء وافيا
ينجذب اذا جذبه و يحتبس اذا رفع فمه،و لولاه لم يتغذّ بمأكول و لا مشروب للطافة بدنه و ضعف هاضمته،و اودع محبّته فى قلب أمّه فتحمّلت سهر اللّيل و ثقل الحمل و كلفة التّطهير و الغسل.
ثمّ لمّا كملت قوّته و عظمت الى ما غلظ من الماكل حاجته خلق له اسنانا يقتدر بها على طحن المأكول و جعلها على مبدأ الدّخول،و ألهمه الفكر الصحيح و علّمه المنطق الفصيح ليتعرّض لتحصيل مطالبه و اكتساب مآربه،و حبّبه الى ابيه لاحتياجه حينئذ إليه،حيث لا معوّل له بعد اللّه الاّ عليه،حتّى اذا بلغ الكمال و ملة اهاليه من تربيته فى تلك الحال،اودعه قوّة يقتدر بها على المعاش و اقتناء اللباس و الغطاء و الفراش،بعد ان شقّ له سمعا قسّمه على الجانبين، و حرسه من لطفه بحواطتين تحرسانه عن وصول ما يفسده 1من القذرات،و حصنه 2بمرى 3الوسخ عن بلوغ موذيات الحيوانات، و بصرا فى محلّ مكشوف ليتمكّن من الابصار،و سوّره بجفنين يحفظانه من المضارّ،و جعل له امعاء،و شهوة الغذاء،و مجرى الشّراب و الطّعام و الهواء،و اودعه قوّة جاذبة ترسل ذلك الى ماسكة مصحوبة بهاضمة مناولة لدافعة،و خلق له مدخلا و مخرجا،و يدا للبطش،و رجلا للمشى،و آلة و أمناء و رحما يحفظ تلك النطفة الى حيث يشاء،فتبارك اللّه الّذي خلق الاشياء بلا مثال،و اقام الخلائق على احسن اعتدال.
1) .فى«الف»:يسدّه.
2) .فى«ب»و«ج»:حقّنه.
3) .فى«كا»:حصّنه بمر الوسخ.
فلو تأمّلت فى نفسك الّتي بين جنبيك،و تفكرت بجسمك الّذي هو محطّ عينيك،فضلا عن أن توجّه حواسّ الإدراك إلى عجيب صنع الأفلاك،و ما احاطت به الأرضون و السموات من عجائب المخلوقات من الملائكة المقرّبين،و ضروب الجن و الشياطين،لأنبأك هذا النظام المستقيم الجارى على النّهج القويم انّ هناك موجدا لا يعارض و حاكما لا يناقض،عالما بحقايق الاشياء قديرا على ما يشاء،و لو دخله الجهل او العجز فسد النظام و لم يحصل للصنع ذلك الاحكام،و علومه الذّاتيّة نسبتها الى المعلومات بالسّويّة،و قدرته عامّة لجميع المقدورات،لانّها ثابتة بمقتضى الذّات،و العلم و القدرة برهانان على حياة الجبّار.
و جرى الافعال على وفق المصالح أبين شاهد على انّه فاعل مختار،قديم ازلى لم يسبق بعدم اصلى،و الاّ لم يكن قادرا بل مقدورا عليه.
و مع انّ مقتضى الذّات لا يجوز الاختلاف بالنسبة إليه،ابدىّ سرمدىّ إذ مقتضى القدم عدم امكان العدم،و قد تقرّر فى العقول انّ معلول الذات لا يحول و لا يزول.
و لا يمكن استناده الى العلل الخارجات،لانّ ذلك ملزوم لحدوث الذات،مريد للحسن،كاره للقبح لاستغنائه عنهما مع علمه بالجهتين اللتين نشأ الوصفان منهما مدرك للمدركات لانكشافها لديه،و لانّ الادراك علم خاص دلّ صريح الكتاب و السّنة عليه متكلّم لحسن صدور الكلام منه،و شهادة اعجاز القرآن بصدوره عنه صادق
منزّه عن الكذب و الافتراء،متعال عن الاتّصاف بنقائص الاشياء،فقد اتّضح لك فى هذا المقام ثبوت صفات الجمال و الاكرام،و هى الثمانية المعدودة فى علم الكلام:
اولها:القدرة و الاختيار
ثانيها:العلم
ثالثها:الحياة
رابعها:الإرادة و الكراهة
خامسها:الادراك
سادسها:القدم و الازليّة و البقاء و السّرمديّة
سابعها:الكلام
ثامنها:الصدق
و يلزم من اثبات القدم لذاته و استحالة ادخال الوصف القبيح فى صفاته نفى التركيب من الأجزاء،و الاّ توقّف عليها؛و سلب الجسميّة و العرضيّة عنه،و الاّ لزم 1الامكنة و احتاج إليها،و حيث تنزّه عن مداخلة الاجسام استحال عليه لوازمها من اللذات و الآلام، و امتنع الابصار بالنسبة إليه و لم يجز فعل القبيح و الاخلال بالواجبات عليه،و لا يقبل التأثير و الانفعال فيستحيل عليه حلول الحوادث و الاحوال،و يستحيل عليه الاحتياج الى مخلوقاته،و الاّ لزم عدم قدم ذاته؛و ليست صفاته الاصلية مغايرة له زائدة عليه،و الاّ لزم التعدّد بالنّسبة إليه؛و ثبوت الشريك يستلزم فساد النظام،و عدم ثبوت علّية
1) .فى«الف»:لازم.
الوجود له على وجه التمام.
و بتحقيق هذا المقال يتضح 1لك طريق اثبات صفات الجلال، و هى السبعة الّتي ذكرها المتكلّمون:
احدها:نفى التركيب
ثانيها:نفى الجسميّة و العرضيّة
ثالثها:نفى كونه محلاّ للحوادث
رابعها:نفى الرّؤية عنه
خامسها:نفى الشريك
سادسها:نفى المعانى و الاحوال
سابعها:نفى الاحتياج
و جميع ذلك معروف ممّا ذكرناه،و مبرهن عليه ممّا سطرناه، و يكفى فى اثبات كثير من تلك الصّفات محكم الآيات و متواتر الروايات.
1) .فى«الف»:ينفتح.
العدل،بمعنى انّه لا يجور فى قضائه،و لا يتجاوز فى حكمه و بلائه،يثيب المطيعين،و ينتقم بمقدار الذنب من العاصين،و يكلّف الخلق بمقدورهم،و يعاقبهم على تقصيرهم دون قصورهم،و لا يجور عليه ان يقابل مستحقّ الأجر و الثّواب بأليم العذاب و العقاب،لا يأمر عباده الاّ بما فيه صلاحهم،و لا يكلّفهم الاّ بما فيه فوزهم و نجاحهم.
الخير منشأه منه،و الشرّ صادر عنهم لا عنه.
و يكفى فى البرهان عليه،غناه عن الظلم،و عدم حاجته إليه، و اللّه تعالى منزّه عن فعل القبيح كما يشهد بذلك العقل الصحيح.
مع انّه امر بالعدل و الاحسان و ذمّ الظلم و اهله فى صريح القرآن 1، و احال الظلم على ذاته كما دلّ عليه صريح آياته، 2و كرّر اللعن
1) .النحل90/-هود44/-الفرقان27/.
2) .النساء40/.
على الظالمين فى محكم كتابه المبين 1،و اخرجهم عن قابليّة الدّخول فى جملة الأوصياء و المرسلين بقوله تعالى «لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ» . 2
و قد جرى مثل ما ذكرناه و حرّرناه و سطرناه،على لسان انبيائه و خاصّة اصفيائه و اوصيائه الّذين دلّت على صدقهم المعجزات و قامت عليه البراهين و الآيات.
و قد شهدت بثبوت العدل متواترات 3الاخبار،و قامت عليه ضرورة مذهب صفوة الابرار.
ثمّ أوّل درجات اللّطف العدل،و بعدها مراتب الرحمة و الفضل،و عليه يبنى العفو عن المذنبين،و التّجاوز عن الخاطئين و المقصّرين،فلا ييأس المذنب من عفوه طمعا فى فضله،و لا يقطع على نجاة نفسه حذرا من ان يعامله بعدله،فقد وصف نفسه بشدّة العقاب،و فتح للتّوبة أوسع باب،و امر بكثرة الرجاء عصاة الناس، و نهاهم عن القنوط من رحمته و الاياس و حذرهم من سطواته و دلّهم على سبيل طاعاته،و قوّى أمل المسرفين و حقّق رجاء المقترفين بقوله تعالى «يٰا عِبٰادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلىٰ أَنْفُسِهِمْ لاٰ تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّٰهِ إِنَّ اللّٰهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً» 4.
و قال تبارك و تعالى: «إِنَّ اللّٰهَ لاٰ يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ
1) .غافر52/-هود18/-الأعراف44/.
2) .البقرة124/.
3) .فى«الف»:متواتر.
4) .الزمر53/.
مٰا دُونَ ذٰلِكَ لِمَنْ يَشٰاءُ» . 1
و سمّى نفسه بالتّواب و الرّءوف و الرّحمن و الرحيم و العطوف.
و يكفى فى معرفة العدل ذلك المقدار،و لا يجب على النّاس إدراك ما يفهمه أهل الأفكار و الأنظار،من معرفة مقادير جزاء الطّاعات،و ما يستحقّه العصاة من العقاب على التّبعات،و اللّه ولىّ التوفيق.
1) .النساء116/.
و الواجب على اهل كلّ ملة معرفة نبيّها المبعوث إليها،لابلاغ الاحكام و تعريف الحلال و الحرام،و انّه الواسطة بينهم و بين المعبود،و الموصل لهم بطاعته الى غاية المقصود،لانّ تقريب النّاس ان الصّلاح و ابعادهم من الفساد واجب على ربّ العباد.
و لا يمكن ذلك بتوجيه الخطاب من ربّ الأرباب بخلق الاصوات،لكثرة الوجوه فيها و الاحتمالات،فلا يحصل لهم كمال الاطمينان لتجوّز انّها اصوات صدرت من بعض الجانّ،و لا بارسال من لا يدخل تحت قسم الناس من الملائكة او الجنّ 1و النّسناس،لانّ النّفوس لا تركن إليه،و فعل المعاجز ربّما لا يحال عليه.
فالنّبى المبعوث إلينا و المفروض طاعته علينا،أعلى الأنبياء قدرا،و أرفع الرّسل فى الملأ الأعلى ذكرا،الّذي بشّرت الرّسل بظهوره،و خلقت الأنوار كلّها بعد نوره،علّة الايجاد،و حبيب ربّ
1) .فى«الف»و«كا»:أو النسناس.
العباد،محمد المختار(صلى اللّه عليه و آله)و احمد صفوة الجبّار، ذو المعجزات الباهرة و الآيات الظاهرة،الّتي قصرت عن حصرها ألسن الحساب،و كلّت عن سطرها أقلام الكتاب،كانشقاق القمر، و تظليل الغمام،و حنين الجذع،و تسبيح الحصى،و تكليم الموتى، و مخاطبة البهائم،و إثمار يابس الشّجر،و غرس الاشجار على الفور فى القفار،و قصّة الغزالة مع حشيفها، 1و خروج الماء من بين اصابعه، و انتقال النّخلة إليه بأمره،و إخبار الذّراع 2بالسّمّ،و النّصر بالرّعب بحيث يخاف من مسير شهرين،و نوم عينيه من دون قلبه،و انّه لا يمرّ بشجر و لا مدر الاّ سجد له،و بلع الارض الأخبثين من تحته،و عدم طول قامة احد على قامته،و ان رؤيته من خلفه كرؤيته من أمامه، و إكثار اللّبن فى شاة أمّ معبد،و إطعامه من القليل الجمّ الغفير،و طىّ البعيد اذا توجّه إليه،و شفاء الأرمد اذا تفل فى عينيه،و قصّة الأسد مع ابى لهب،و نزول المطر عند استسقائه،و دعائه على سراقه فساخت قوائم فرسه ثمّ عفى عنه فدعا فاطلقت.
و إخباره بالمغيبات،كإنبائه 3عن العترة الطّاهرة واحدا بعد واحد،و ما يجرى عليهم من الاعداء فى وقعة كربلاء و غيرها،و اخباره عن قتل عمّار و انّه تقتله الفئة الباغية،و وقعة الجمل و خروج عائشة و نياح كلاب الحوأب،و وقعة صفّين،و اخباره عن اهل العقبة،و اهل السّقيفة،و تخلّف من تخلّف عن جيش اسامة،و اهل النّهروان،
1) .فى«الف»:حشفيها.
2) .فى«الف»و«كا»:الذراع له.
3) .فى«ب»و«كا»:كأبنائه.
و بنى العبّاس،الى غير ذلك.
و إخبار الاحبار عنه عليه السلام قبل ولادته بسنين و اعوام.
و من ذلك ما ظهر له من الكرامات عند ميلاده،كارتجاج 1ايوان كسرى حتّى سقط من اربع عشرة شرافة،و غوص بحيرة ساوه، و خمود نار فارس،و لم تحمد قبل بالف سنة،و اضطراب الاحبار و الرّهبان عند ولادته،حتّى راه بعضهم و عرف خاتم النبوّة على جسمه الشريف فقال انّه نبىّ السّيف،و حذر اليهود منه،و تهنية أمّه من جهة السّماء،و ما ظهر لها من الكرامات حين الحمل.
و كفى بكتاب اللّه معجزا مستمرا مدى الدّهر حيث اقرّت له العرب العرباء و أذعنت له جميع الفصحاء و البلغاء،مع انّ معارضته كانت عندهم من اهمّ الاشياء.
على انّ النّظر فى اخلاقه الكريمة و احواله المستقيمة كفاية لمن نظر،و حجة واضحة لمن استبصر،ككثرة الحلم،وسعة الخلق، و تواضع النّفس،و العفو عن المسيء،و رحمة الفقراء،و اعانة الضعفاء،و تحمّل المشاقّ،و جمع مكارم الاخلاق،و زهد الدنيا مع اقبالها عليه و صدوده عنها مع توجّهها إليه،و له من السّماحة النصيب الاكبر،و من الشجاعة الحظّ الأوفر،و كان يطوى نهاره من الجوع و يشدّ حجر المجاعة على بطنه،و يجيب الدّعوة،و يأكل أكل العبد، و كان بين الناس كاحدهم،و لازم العبادة حتّى و رمت قدماه،الى غير ذلك من المكارم الّتي لا تحصر،و المحاسن الّتي لا تسطر.
1) .فى«الف»:كارتجاس.
و لبدنه الشريف احوال مخصوصة به و مقصورة على جنابه، كظهور نوره فى الليل المظلم،و غلبة طيبه على المسك الاذفر، و احتوائه على محاسن لم يعزّ إليها بشر.
ثمّ لا تجب على الامم اللاّحقة معرفة الأنبياء السّابقين.نعم ربّما وجب معرفة انّ للّه انبياء قد سبقت دعوتهم،و انقرضت ملّتهم على الإجمال.
و يجب معرفة عصمته بالدّليل،و يكفى فيه انّه لو جاز عليه الخطاء و الخطيئة لم يبق وثوق باخباره،و لا اعتماد على وعده و وعيده،فتنتفى فائدة البعثة.
و لا يتوقّف الايمان على العلم بوجوب نزاهة آبائه الى مبدأ وجودهم عن الكفر و اضرابه،و انّما هو من المكمّلات.و كذا معرفة الأنساب و الازواج و الاولاد و العمر و مكان الميلاد.
و من اراد الازدياد فليعلم انّه محمد بن عبد اللّه بن عبد المطلب (و اسمه شيبة الحمد)بن هاشم(و اسمه عمر)بن مناف(و اسمه المغيرة)بن قصى(و اسمه زيد)بن كلاب بن مرّة بن كعب بن لؤيّ بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة(و اسمه قريش)بن خزيمة بن مدرك بن الياس بن مضر بن نواز بن معد بن عدنان.
و أمّه آمنة بنت وهب بن عبد مناف.
و كنيته أبو القاسم،و لقبه المصطفى،و مولده بمكة فى شعب أبي طالب يوم الجمعة السابع عشر فى ربيع الاوّل،و نقل عليه اجماع الشيعة؛و ذكر بعضهم انّ ميلاده يوم الثانى عشر منه،و عليه
المخالفون.و على القولين فامّا مع الزّوال او عند الفجر،و كان ذلك فى عام الفيل.
و له من الازواج خمسة عشر،على ما نقل بعضهم.و فى المبسوط عن ابى عبيدة انّ له من الازواج ثمانية عشرة،سبع من قريش،و واحدة من خلفائهم،و تسع من ساير القبائل،و واحدة من بنى اسرائيل بن هارون بن عمران. 1
و اتخذ من الإماء ثلاثا،عجميّتين و عربيّة و اعتق العربيّة و استولد احدى العجميتين.
و أوّل من تزوّج بها خديجة بنت خويلد،و هو ابن خمسة و عشرين سنة،ثمّ بعد موتها سودة بنت زمعة،ثمّ عائشة(و لم يتزوّج بكرا سواها)،ثمّ أمّ سلمة و حفصة،ثمّ زينب بنت جحش من الخلفاء،ثمّ جويرية بنت الحرث،ثمّ أمّ حبيبة بنت ابى سفيان،ثمّ من بنى اسرائيل صفيّة بنت حىّ،ثمّ ميمونة الهلاليّة،ثمّ فاطمة بنت شريح الواهبة،ثمّ أمّ المساكين زينب بنت خزيمة،ثم أسماء بنت النّعمان،ثمّ فتيلة اخت الأشعث،ثمّ أمّ شريك،ثمّ صبا بنت الصّلت.
و كان له وليدتان:مارية قبطيّة،و ريحانة بنت زيد بن شمعون.
و كان له من الاولاد ثمانية ولد:له من الخديجة قبل المبعث القاسم،و رقيّة،و زينب،و أمّ كلثوم؛و ذكر بعض اصحابنا فى رقيّة و زينب انهما بنتا بنتى لا بنتان على الحقيقة و انهما بنتا هالة اخت خديجة،و قد نقل عن الائمّة الهدى عليهم السّلام.
1) .المبسوط:270/4.
و بعد المبعث:الطّيب،و الطّاهر،و فاطمة.و روى انّه لم يولد له بعد المبعث سوى فاطمه(سلام اللّه عليها)،و انّ الطّيب و الطّاهر قبله.
و له أيضا ولد يسمّى ابراهيم.
و نزل عليه الوحى و تحمّل اعباء الرّسالة يوم السّابع و العشرين فى رجب،و هو ابن اربعين سنة،و اصطفاه ربّه إليه بالمدينة مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة احدى عشر من الهجرة،و له ثلاثة و ستّون سنة،و دفن فى حجرته الّتي توفّى فيها.
و مات ابوه و هو ابن شهرين.و فى كشف الغمّة انّه بقى مع ابيه سنتان و أربعة اشهر 1.و نقل انّ اباه مات و هو حمل.و قيل مات و عمره سبعة اشهر.
و ماتت أمّه و هو ابن اربع سنين.و فى كشف الغمّة ستّ سنين. 2
و كان كما وصفه ولده الباقر عليه السلام ابيض اللّون مشربا بالحمرة،ادعج العينين اى اسودهما مع سعة،و مقرون الحاجبين، خشن الاصابع،كان الذهب على كفّه،عظيم المنكبين،اذا التفت يلتفت جميعا من شدة استرساله سايل الاطراف،كأنّ عنقه الى كاهله ابريق فضّة،و اذا مشى تكفأ كانّه نازل الى منحدر.
و لم ير مثل نبىّ اللّه صلّى اللّه عليه و آله قبله و لا بعده.
***
1) .كشف الغمة فى معرفة الائمة:16/1.
2) .كشف الغمة فى معرفة الائمة:16/1.
فانّ من الواجب على كافّة البشر معرفة من عاصرهم او تقدّمهم من الائمّة الاثنى عشر،لشهادة العقل بوجوب وجود المبيّن للاحكام،كما حكم بلزوم وجود المؤسّس للحلال و الحرام، لمساواة الجهتين،و حصول الجهالة عند فقد كلّ من الامرين،و لكثرة المجملات فى القرآن و فى الاخبار الواردة عن سيّد ولد عدنان، و لورود كثير من المتشابهات فى كثير من الآيات،مع عموم الخطابات للمكلّفين على ممرّ الاوقات،و لانّ انقطاع معاذير العباد فيما يرتكبونه من انواع الضّلال و الفساد موقوف على وجود من يؤمن من الخطاء بالنّسبة إليه،و لا يجوز العقل النّسيان و العصيان عليه،و قيام الحجّة بالوجود من غير بيان ثاقب 1حيث كان الباعث لغيبته ما يخشاه على نفسه من اهل الجور و الطّغيان.
1) .فى«الف»:ثابت.
و كفى فى اثبات وجوب وجود الامام مدى الدّهر ما اتّفق لهشام فى بعض الأيّام مع عمرو،حيث سأله:أ لك اذن،أ لك لسان، حتّى اتى على تمام حواسّ الانسان،ثمّ قال:أ لك قلب،فانعم فى الجواب.فقال:و ما تصنع به؟فقال:ليميّز خطاء تلك الحواسّ من الصّواب.فقال:أ تظنّ بمن يتكفّل بنصب ميزان لتلك الحواسّ لا ينصب إماما يميّز الحقّ لكافّة النّاس؟!فانقطع عمرو من الكلام و لم يزد على ان قال له:انّك انت هشام!
على انّه متى وجب وجود الامام فى وقت،لزم استمراره مدى الأيّام،لانّ علة وجوبه فى الابتداء مستمرة على الدّوام،و يكفى فى اثبات الابديّة ما تواتر من الجانبين من السّنة المحمدية«انّ من مات و لم يعرف امام زمانه فقد مات ميتة الجاهلية 1»،و ما تواتر نقله من الطّرفين على كون كتاب اللّه و عترة نبيّه مقترنين 2حتّى يردا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يصلا إليه و يشهدا على تمام الامّة بين يديه.
و حيث تبيّن عدم جواز خلوّ الارض من حجّة على الدّوام، و امتنع حدوث الأنبياء،بعد نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله،تعيّن الامام.
و يمكن بعد إمعان النّظر فيما ذكرناه،اثبات إمامة الائمّة الاثنى عشر،لانّ كلّ من قال ببقاء الامام قال بذلك،سوى طوائف لا عبرة بها بين اهل الاسلام.
و ممّا ينبغى التّمسك به فى هذا المقام،ما اشتهر بين علماء
1) .كنز العمال:103/1.
2) .كنز العمال:172/1.
الاسلام من انّهم بين قولين لا ثالث لهما،و مفترقون على مذهبين لا يخرجون عنهما:
احدهما:انّ الامامة بالرّأى و الاختيار.
ثانيهما:انّها بتعيّن من العزيز الجبّار.
و بطلان الاوّل واضح ليس فيه خفاء،و لا يرتضيه احد من آحاد العقلاء،لانّه يستحيل على الحكيم ان يحيل الى خلقه هذا الامر العظيم الّذي عليه مدار الاحكام و امتياز الحلال من الحرام،و كشف حقايق الاشياء و تميز تكاليف ربّ السّماء،مع انّه لم يحل إليهم شيئا امر به من الواجبات،و لا 1اقلّ شيء من المسنونات و المندوبات،مع انّ فى تلك الاحالة بعثا على اثارة البغضاء و اقامة المنازعة الشديدة و الشحناء،كما يظهر من تتّبع احوال المهاجرين و الانصار حين فقدوا النّبيّ المختار صلّى اللّه عليه و آله،فكلّ يدّعى انّه بالامامة اولى، و انّ قدره من قدر غيره اعلى،حتى حصلت الفضيحة الكبرى و ظهر حرص القوم على الدّنيا و اعراضهم عن الاخرى.
على انّه كيف يرضى العقل لسيّد الكونين و خيرة ربّ العالمين،المبعوث رحمة للناس ان يوصى ببعض الاثاث و العروض و اللّباس و يبيّن موضع الدّفن و كيفيّة الكفن،و لا يوصى بما لو أطيع به لارتفعت الفتن،و يدع الخلق فى هرج و مرج،و لا يقيم لهم ما يصلح به العوج.
و حيث بطل طريق الاختيار،تعيّن إمامة الائمّة الاطهار،و علم
1) .فى«الف»:بل و لا.
انّ الائمّة هم اثنى عشر بانقراض او شبه انقراض الطوائف الاخر.
و كذا يمكن اثبات ذلك باوضح المسالك،و ذلك بما اوضحناه من وجوب العصمة فى الامام،و ذلك لا يعرف لغيرنا من اهل الاسلام.
على انّ التأمّل فى الوقائع السّالفة و الاحوال العارضة فى عصر النبىّ قرب الممات،كالتّفكر فى سرّ إبعادهم مع اسامة و إبقاء عليّ عليه السّلام، مع انّه يخبر بقرب الاجل و التّشديد على انفاذ الجيش،و سرّ العزل عن الصلاة،و سرّ الغوغاء فى الرّقعة و الدّوات،و شدّة الامتناع عنها، و شدّة العناية فى يوم الغدير،مع شدّة الرّمضاء،و استعجال القوم فى طلب الامر قبل تجهيز النبي صلّى اللّه عليه و آله،و عدم تقديم امير المؤمنين عليه السّلام المقدّم فى زمان سيّد المرسلين فى شيء من الامور،و غير ذلك.
و فى النظر فى سيرة الفريقين و فى التأمّل فى احوال ذات البين من العلماء و العباد و النّسّاك و الزّهاد،ما يغنى من نظر و يكفى من تبصّر و اعتبر.
و يكفى لمن استعمل جادّة الانصاف و تجنّب سبيل التّعنّت و الاعتساف،النّظر فى احوال القوم و سيرتهم و سننهم 1و طريقتهم من اظهار الغلظة و الجفاء على عترة خاتم الأنبياء حتّى ورثها صاغرهم عن كابرهم،و سنّها اوّلهم لآخرهم و كانت فى الصّدور و ان لاحت أماراتها.
و لكن ظهرت كلّ الظّهور بوقعة الجمل و صفّين،و الاعلان بسبب العادى لامير المؤمنين عليه السّلام،و ما جرى فى كربلاء على بضعة فؤاد
1) .فى«الف»:سنّتهم.
خاتم النّبيّين صلّى اللّه عليه و آله،و ما جرت عليه سنة العباسيين و الامويّين من استباحة دماء العلويّين،و تقريب اجلاّء الفاطميّين،بحيث لو تأمّلت لوجدت خبرا مسلسلا تناوله العبّاسى عن الاموى عن الفراعنة الاولى.
و حيث انّ هذا المقام من مزالّ الاقدام بين طوائف الاسلام، التزمنا باطناب الكلام و الاشارة الى ما استفاضت رواية المخالفة له عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله،و هو على اقسام:
منها: ما دلّ على حصر الائمّة عليهم السّلام الاثنى عشر،و هى عدّة اخبار مرويّة فى كتبهم المعتبرة اىّ اعتبار،كما روى فى الجمع بين الصّحيحين عن سيّد الكونين مسندا ينتهى الى جابر بن سمرة عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:يكون من بعدى اثنا عشر خليفة.ثمّ تكلّم بكلمة خفيّة ثم قال:كلّهم من قريش. 1
و روى البخارى فى صحيحه بطريقين:
اوّلهما الى جابر بن سمرة قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:
يكون بعدى اثنا عشر اميرا-ثمّ قال كلمة لم اسمعها،ثمّ قال:كلّهم من قريش. 2
و ثانيهما الى ابن عيينة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لا يزال امر النّاس ماضيا ما ولّاهم اثنا عشر رجلا ثم تكلّم بكلمة خفيّة عليّ، فسألت ابى ما ذا قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟فقال:قال:كلّهم من قريش. 3
1) .صحيح البخارى:81/9.
2) .صحيح البخارى:81/9.
3) .الصحيح للمسلم:3/6.
و قد روى مسلم أيضا الحديث الاولى بثمان طرق،الفاظ متونها لا تختلف. 1
و رواه الحميدى فى الجمع بين الصحيحين بستّ طرق.و رواه الثعلبى فى تفسيره بثلاث طرق.و رواه أيضا فى الجمع بين الصحاح السّت بثلاث طرق.و روى مسلم أيضا الحدى الثانى بلفظه.و فى صحيح مسلم عنه صلّى اللّه عليه و آله:لا يزال الدّين قائما حتّى تقوم السّاعة،و يكون عليهم اثنا عشر خليفه كلّهم من قريش. 2
و فى الجمع بين الصّحاح السّت فى موضعين،انّه صلى اللّه عليه و آله قال:انّ هذا الامر لا ينقضى حتّى يمضى فيهم اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش. 3
و كذا فى صحيح ابى داود و الجمع بين الصحيحين.
و ذكر السّندى فى تفسيره و هو من علماء الجمهور و ثقاتهم:
لمّا كرهت ساره مكان هاجر،اوحى اللّه تعالى الى ابراهيم ان انطلق باسماعيل و أمّه حتّى تنزله بيت النّبي التّهاميّ،فانّى ناشر ذريتك و جاعلهم ثقلا على من كفر،و جاعل من ذريّته اثنى عشر عظيما.و فيه ضرب من التغليب.
و عن ابن عباس قال:سألت النّبي حين حضرته الوفاة و قلت:
اذا كان ما نعوذ باللّه تعالى منه،فإلى من؟فاشار بيده الى عليّ و قال:
الى هذا،فانّه مع الحق و الحقّ معه،ثم يكون من بعده احد عشر إماما. 4
1) .الصحيح للمسلم:3/6.
2) .صحيح مسلم:10/5(كتاب الإمارة).
3) .صحيح مسلم:3/6.
4) .منتخب الاثر36/(نقلا عن اعلام الورى).
و فى المرفوع عن عائشة انّها سئلت:كم خليفة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله؟
فقالت:اخبرنى انّه يكون من بعده اثنا عشر خليفة.فقال:
قلت:من هم؟فقالت:اسماؤهم مكتوبة عندى باملاء النبي صلّى اللّه عليه و آله.
فقلت لها:فاعرفينه،فأبت. 1
و روى صدر الائمة اخطب خوارزم باسناده الى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله، قال:سمعت رسول اللّه يقول:ليلة اسرى بى الى السّماء قال لى الجليل جلّ جلاله: «آمَنَ الرَّسُولُ بِمٰا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ» . 2
فقلت:و المؤمنون؟فقال لى:صدقت،من خلفت فى امتك.قلت:
خيرها قال:على بن ابى طالب عليه السّلام.قلت:نعم يا ربّ.قال:يا محمد صلّى اللّه عليه و آله انى اطلعت الى الارض اطلاعة اخترتك منها،فشققت لك اسما من اسمائى،فلا اذكر فى موضع الاّ ذكرت معى،فانا المحمود و انت محمد.ثم اطلعت ثانية و اخترت منها عليا عليه السّلام و اشتققت له اسما من اسمائى،فانا الاعلى و هو عليّ. 3
يا محمّد!انّى خلقتك و خلقت عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين و الائمّة عليهم السّلام من ولده من نورى،و عرضت ولايتكم على اهل السماوات و الارض،فمن قبلها كان عندى من المؤمنين،و من جحدها كان من الكافرين.
1) .المسند لابن حنبل:398/1.
2) .البقرة258/.
3) .المناقب للخوارزمى112/(مع تفاوت يسير)و جاء الحديث بطوله فى مناقب ابن المغازلى101/.
يا محمد صلّى اللّه عليه و آله!لو انّ عبدا من عبادى عبدنى حتّى يصير كالشّنّ البالى،ثمّ اتانى جاحدا لولايتكم ما غفرت له حتّى يقرّ بولايتكم.
يا محمّد صلّى اللّه عليه و آله!تحبّ ان تراهم؟قلت:نعم.فقال لى:التفت الى يمين العرش.فالتفتت فاذا بعلىّ و فاطمة و الحسن و الحسين و على بن الحسين و محمد بن على و جعفر بن محمد و موسى بن جعفر و عليّ بن موسى و محمد بن على و على بن محمد و الحسن بن عليّ و المهدى فى ضحضاح من نور،قيام يصلّون و هو فى وسطهم -يعنى المهدى-كانّه كوكب درّىّ.
و قال لى:يا محمّد!هؤلاء الحجج،و هو الثائر من عترتك.
و عزّتى و جلالى انّه الحجّة الواجبة لاوليائى،و المنتقم من اعدائى. 1
و قد روى من طرق اهل السّنّة فى هذا المعنى اكثر من ستّين حديثا كلّها تشتمل على ذكر الاثنى عشر،و فى بعضها ذكر اسمائهم، و كتبهم مملوّة من ذلك.
و عن ابى طالب انّه قال:يا عمّ،يخرج من ولدك اثنى عشر خليفة منهم يخرج المهدىّ من ولدك،به تصلح الارض،و يملأ اللّه قسطا و عدلا كما ملئت ظلما و جورا. 2
الى غير ذلك من الاخبار المنقولة فى كتبهم على هذا النحو.
و لا يراد بالخلفاء ارباب السلطنة و الدّولة،لزيادة عددهم من
1) .المناقب للخوارزمى112/.
2) .المسند لابن حنبل:406/1 مع اختلاف يسير.
قريش اضعافا مضاعفة،لانّه يظهر من بعضها انّ آخرهم متّصل بآخر الزّمان،و فى بعضها الآخر المهدىّ،ثمّ اعتنائه ببيان الطّاغين و الظّالمين من العبّاسيّين بعيد،و ثبوت الخلافة لا يتوقّف على بسط اليد،كما انّ النّبوّة و الرسالة كذلك.
و على تقدير التوقّف،فحملها على الرّجعة موافق لرأينا،فانّ طائفة منّا حكموا بثبوت الرّجعة للجميع فى نهاية الاستقلال.
و منها: ما يدلّ على ثبوت إمامة 1الاثنى عشر بعد ادنى تأمّل 2ما نقل عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:عدد اوصيائى من بعدى عدد اوصياء موسى و حوارىّ عيسى،و كانوا اثنى عشر. 3
و عنه صلّى اللّه عليه و آله بطريق مسروق عن ابن مسعود:انّ عدد اوصيائى من بعدى عدد نقباء بنى اسرائيل،و كانوا اثنا عشر. 4
و روى الزمخشرى باسناده الى النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:فاطمة ثمرة فؤادى،و بعلها نور بصرى،و الائمّة من ولدها أمناء ربى و حبل ممدود بينه و بين خلقه،من اعتصم بهم نجى و من تخلف عنهم هوى. 5
و روى الثّعلبى فى تفسير قوله «وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّٰهِ جَمِيعاً وَ لاٰ تَفَرَّقُوا» 6باسانيد عديدة بهم. 7
1) .فى«الف»:ما يدل على إمامة.
2) .فى«الف»و«كا»:نظر.
3) .المسند لابن حنبل:406/1 مع اختلاف يسير-كنز العمال:89/6.
4) .ينابيع المودة445/.
5) .لم توجد.
6) .آل عمران103/.
7) .شواهد التنزيل:130/1.
و عنه صلّى اللّه عليه و آله انه قال:انّى تارك فيكم الثقلين احدهما اكبر من الآخر،كتاب اللّه حبل ممدود بين السّماء و الارض،و عترتى اهل بيتى،و انّهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض. 1
و مثله ما فى الجمع بين الصّحيحين،و كذا صحيح مسلم فى موضعين،و روى مثله ابو سعيد الخدرى.
و لا ريب فى انّه لا رجوع الى العترة الاّ من الشيعة،و قد فسّرت العترة فى كتبهم المعتبرة بالذّريّة،و روى فى طرقهم المعتبرة انّه من مات و لم يعرف امام زمانه مات ميتة جاهليّة 2،و فيه ابين دلالة على بقاء الائمّة الى انقضاء التكليف،فانّ هذه الاحاديث و امثالها تدلّ على افضليّة اهل البيت على غيرهم كما اعترف به التّفتازانى فى شرح المقاصد. 3
و يدلّ على وجود من يكون اهلا للتّمسّك به من اهل البيت الطّاهرين فى كلّ زمان وجدوا فيه الى قيام السّاعة حتّى يتوجّه البحث 4المذكور على التّمسّك بهم 5،كما انّ الكتاب كذلك،و لهذا كانوا امان اهل الارض فاذا ذهبوا ذهب اهل الارض.
قال الفاضل احمد بن السّوسى الشافعى،و قال ابن حجر:انّ
1) .مسند احمد:26/3-فضائل الصحابة لابن حنبل:585/2.
2) .كنز العمال:103/1.
3) .شرح المقاصد لسعد الدين عمر التفتازانى:300/2.
4) .فى«الف»:الحثّ.
5) .فى«الف»:لهم.
القطب لا يكون الاّ من اهل البيت. 1
و روى انّ هذا الحديث صار سببا لتشيّع بعض المخالفين من علمائهم معلّلا بانّ ميتة الجاهلية انّما يكون بفوات المعارف الّتي هى من اصول الدّين،و ذلك لا ينطبق الاّ على رأى الشيعة.
و ممّا يفيد بقائهم الى انقضاء التكليف،ما فى مسند ابن حنبل انه صلّى اللّه عليه و آله قال:انّ النّجوم امان لاهل السّماء فاذا ذهبت ذهبوا،و اهل بيتى امان لاهل الارض فاذا ذهب اهل بيتى ذهب اهل الارض. 2و قد فسّر اهل البيت بهم.
و روى الزّمخشرى فى ربيع الابرار،انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:لمّا اسرى بى جبرائيل الى السّماء اخذ بيدى و أقعدنى على درنوك من درانيك الجنة،ثمّ ناولنى سفرجلة فبينما انا اقلبها 3انفلقت 4و خرجت 5جارية لم أر أحسن منها فسلّمت عليّ،فقلت:من انت.
فقالت:انا الراضية المرضيّة خلقنى الجبّار من ثلاثة اصناف،اعلائى من عنبر و وسطى من كافور و اسفلى من مسك،ثم عجننى بماء الحياة و قال لى:كونى،فكنت،خلقنى لاخيك و ابن عمّك عليّ بن ابى طالب 6(و الدّرنوك ضرب من البسط).
1) .لم توجد.
2) .المناقب لابن حنبل(و لم توجد فى مسنده).
3) .فى«كا»:اقبّلها.
4) .فى«الف»:خرجت منها.
5) .فى«الف»:انفلطت.
6) .ربيع الابرار:286/1.
و روى أبو بكر الخوارزمى فى كتاب المناقب عن بلال بن حمامه قال:طلع علينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ذات يوم متبسّما ضاحكا و وجهه مشرق كدائرة القمر،فسألته عن ذلك،فقال:بشارة اتتنى من ربّى فى اخى و ابن عمّى و ابنتى،فانّ اللّه تبارك و تعالى زوّج عليّا من فاطمه،و امر خازن رضوان الجنان بهزّ شجرة طوبى،فحملت رقّاقا يعنى صكّاكا بعدد محبّى اهل البيت عليهم السّلام،و أنشأ ملائكته من نور و رفع الى كلّ ملك صكّا،فاذا استوت القيامة باهلها نادت الملائكة فى الخلائق،فلا يبقى محبّ لاهل البيت الاّ دفعت إليه صكّا فى فكاكه من النّار. 1
و الاحاديث هنا كثيرة.
و من حديث رفعه الخوارزمى الى ابن عبّاس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لو اجتمع الناس على حبّ عليّ بن ابى طالب ما خلق اللّه النّار. 2
و فى الشّفا للقاضى عيّاض بلا اسناد من انّه قال:معرفة آل محمد براءة من النّار،و حبّ آل محمّد جواز على الصّراط،و الولاية لآل محمد امان من العذاب. 3
و يؤيّد ذلك قوله صلّى اللّه عليه و آله:لو انّ رجلا حفز اى جمع قدميه قائما بين الرّكن و المقام فصلّى و صام،ثم لقى اللّه مبغضا لآل محمد،دخل النار. 4
1) .المناقب للخوارزمى341/.
2) .المناقب للخوارزمى28/.
3) .الشفا للقاضى عيّاض:47/2.
4) .ينابيع المودة277/.
و جاء فى قوله تعالى: «وَ إِنِّي لَغَفّٰارٌ لِمَنْ تٰابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صٰالِحاً» 1ثمّ اهتدى الى ولاية اهل البيت عليهم السّلام. 2
و عن الزّهرى:انّ محبّة العبد للّه و رسوله و اهل بيته طاعة لهما و اتباع لامرهما.
و روى ابو الحسن الاندلسى فى الجمع بين الصّحاح السّت، موطا مالك،و صحيحى مسلم و البخارى،و سنن ابى داود،و صحيح التّرمذى،و صحيح السّلمى،عن أمّ سلمة زوجة النّبي صلّى اللّه عليه و آله،انّ قوله تعالى «إِنَّمٰا يُرِيدُ اللّٰهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ» 3نزلت فى بيتها و هى جالسة على الباب،فقلت:يا رسول اللّه،الست من اهل البيت؟فقال صلّى اللّه عليه و آله:انّك على خير،انّك من ازواج النبي صلّى اللّه عليه و آله.قالت:
و فى البيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام، و جلّلهم بكساء و قال صلّى اللّه عليه و آله:اللّهم هؤلاء اهل بيتى،فاذهب عنهم الرّجس و طهّرهم تطهيرا. 4و رواه صدر الائمة موفّق بن احمد المكّى.
و ربّما يستفاد من قوله تبارك و تعالى «إِنَّمٰا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِكُلِّ قَوْمٍ هٰادٍ» 5فانّ المراد بالهاد ظاهرا الهادى الى واقعى الشرع،كما انّ انذاره على ذلك النّحو.و يؤيّد إرادة هذا ما ورد فى تفسير الباطن انّه عليّ عليه السّلام،و لو اريد مطلق الهادى لم يكن لعلىّ مزيّة.
1) .طه82/.
2) .ينابيع المودة110/.
3) .الاحزاب33/.
4) .الصحيح للترمذى:319/2.
5) .الرعد7/.
و من مستطرفات الاخبار انّ بعض الامراء و الوزراء عثر على الاخبار الدّالّة على انّ الائمّة اثنى عشر،فجمع العلماء و سألهم عن معنى ذلك موردا عليهم ان عنى 1مطلق قريش فعدد سلاطينهم فوق ذلك اضعافا مضاعفة،و ان اراد غير ذلك فبيّنوه،فاستمهلوه عشرة ايّام فامهلهم،فلمّا حل الوعد تقاضاهم الجواب فحاروا،فتقدّم رجل مبرّز منهم و طلب الامان فاعطاه الوزير منهم الامان.فقال:هذه الاخبار لا تنطبق الاّ على مذهب الشيعة الاثنى عشريّة،لكنّها اخبار آحاد لا توجب العمل.فرضى بقوله و انعم عليه.
و لعمرى انّ هذه الاخبار ان لم يكن من المتواترة على كثرتها و كثرة رواتها و كثرة الكتب الّتي نقلت فيها،لم يكن متواترا اصلا.ثمّ ان لم يكن متواترة فهى من المحفوفة بالقرائن،و انما حفظت بلطف اللّه،و كانت مقتضى الحال اخفائها لاخلالها بدينهم المؤسّس بالسّقيفة المودع فى ضمن تلك الصحيفة،و مخالفتها لهوى الامراء فظهورها مع انّ المقام يقتضي اخفائها قرينة على انّ الجاحد لا يمكنه انكارها كما انكر كثيرا من اضرابها.
و منها: ما يدلّ على انّ النّاجين من فرق الاسلام ليسوا سوى الشيعة.
و روى الحافظ و هو من علمائهم بسند متّصل بعلىّ عليه السّلام انه قال:
تفترق الامّة ثلاثة و سبعون فرق،سبعون فى النار،و واحدة فى الجنّة، و هم الّذين قال اللّه تبارك و تعالى «وَ مِمَّنْ خَلَقْنٰا أُمَّةٌ يَهْدُونَ
1) .فى«الف»و«كا»:انه ان عنى.
بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ» 1 و هم انا و شيعتى. 2
و فى الصّواعق المحرقة لابن حجر المتأخّر،و نقله صاحب كشف الغمة عن الحافظ ابن مردويه و فى تفسير «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّٰالِحٰاتِ أُولٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ» 3هم انت و شيعتك يا على،تأتى انت و شيعتك يوم القيامة راضين مرضيين،و تأتى اعدائك مقمحين. 4
و لفظ الشيعة ان لم يكن صريحا كما يقتضيه ظاهر الاطلاق فى الصنف المخصوص،فالقرينة من جهة الاضافة واضحة لانّ غير هذا الصّنف شيعة الخلفاء،و اسنادهم الى الخليفة السابق اولى من وجوه شتّى كما لا يخفى.
و ممّا يقرب من ذلك ما دلّ من الكتاب على وجوب طاعتهم على الاجتماع او الانفراد،قوله تعالى «فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ» 5و المراد بهم محمد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام،كما رواه الحافظ محمد بن موسى الشيرازى من علمائهم،و استخرجه من التفاسير الاثنى عشر،عن ابن عباس.
و قوله تعالى «أَطِيعُوا اللّٰهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ» 6فانّهم فسّروا أولو الامر بعلىّ عليه السّلام.
1) .الاعراف181/.
2) .ينابيع المودة109/(عن احمد بن موفق الخوارزمى).
3) .البيّنة7/.
4) .كشف الغمّة فى معرفة الائمّة:397/1.
5) .النحل43/(و الأنبياء7/).
6) .النساء59/(و اولى الامر).
و قوله تعالى: «إِنَّمٰا وَلِيُّكُمُ اللّٰهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاٰةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكٰاةَ وَ هُمْ رٰاكِعُونَ» 1اجمعوا على نزولها فى عليّ عليه السّلام.مع انّه مذكور فى الصّحاح السّت.
و ظاهر الولاية،ولاية التّصرف فى الامر و النّهى،و لا سيّما بعد ان اسندت الى اللّه و رسوله،و صيغة«انّما»قضت بقصرها عليه مع وجوده.
و قوله تعالى: «وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قٰالَ لاٰ يَنٰالُ عَهْدِي الظّٰالِمِينَ» 2روى الجمهور عن ابن مسعود انّه قال صلّى اللّه عليه و آله:انتهت الدّعوة إليّ و الى عليّ عليه السّلام.
و قوله:تعالى «وَ كُونُوا مَعَ الصّٰادِقِينَ» 3روى الجمهور انها نزلت فى عليّ عليه السّلام. 4
الى غير ذلك من الآيات الدّالة على وجوب طاعتهم و الانقياد لهم؛مع انّه قد علم بالضّرورة تظلّم امير المؤمنين عليه السّلام من القوم، و تفرّده عنهم،و كفى فى ذلك التّطلع فى خطبه و كلماته المنقولة عنه عليه السّلام فى كتبهم كالخطبة الشقشقيّة و نحوها؛و كيف يقع التظلّم منه صلوات اللّه عليه و لو صورة و هو مقتضى لعدم الوثوق بالخلفاء.
و ممّا رواه جماعة اهل الآثار،انّ قوما من النّاس قالوا:ما بال عليّ عليه السّلام لم ينازع أبا بكر و عمر و عثمان كما حارب طلحة و الزبير.فبلغ
1) .المائدة55/.
2) .البقرة124/.
3) .التوبة119/.
4) .الدر المنثور:290/3.
الخبر الى امير المؤمنين عليه السّلام،فامر ان ينادى بالصّلاة جامعة،فلمّا اجتمع النّاس قام فيهم امير المؤمنين عليه السّلام خطيبا،فحمد اللّه و اثنى عليه و ذكر النّبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:معاشر النّاس!بلغنى انّ قوما قالوا ما بال عليّ عليه السّلام لم ينازع أبا بكر و عمر و عثمان كما نازع طلحة و الزبير.ألا و انّ لى فى سبعة من انبياء اللّه اسوة:
اوّلهم:النبىّ نوح عليه السّلام اذ قال اللّه تعالى مخبرا عنه: «أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ» 1فان قلتم ما كان مغلوبا كفرتم و كذبتم 2،و ان كان نوح مغلوبا فعلىّ اعذر منه.
الثانى:ابراهيم عليه السّلام حيث يقول: «وَ أَعْتَزِلُكُمْ وَ مٰا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّٰهِ» 3فان قلتم انّه اعتزلهم من غير مكروه كفرتم،و ان قلتم انّه رأى المكروه منهم فأنا اعذر.
الثالث:لوط عليه السّلام اذ 4قال: «لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ» 5فان قلتم انّه كان له قوّة فقد كفرتم و كذّبتم القرآن،و ان قلتم انّه لم يكن بهم قوّة فأنا اعذر منه.
الرابع:يوسف عليه السّلام اذ قال: «رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّٰا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ» 6فان قلتم انّه دعى بغير مكروه و سخط فقد كفرتم
1) .القمر10/.
2) .فى«الف»و«كا»:كذبتم القرآن.
3) .مريم48/.
4) .فى«الف»:اذا.
5) .هود80/.
6) .يوسف33/.
و كذّبتم القرآن،و ان قلتم انّه دعى لما اسخط اللّه عزّ و جل فاختار السجن فأنا اعذر منه.
الخامس:موسى بن عمران عليه السّلام اذ قال: «فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمّٰا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً وَ جَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ» 1فان قلتم انّه لم يفرّ منهم خوفا على نفسه فقد كفرتم،و ان قلتم انّه فرّ خوفا فالوصىّ اعذر منه.
السادس:هارون عليه السّلام اذ يقول: «ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كٰادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلاٰ تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدٰاءَ» 2فان قلتم انّهم لم يستضعفوه و لا كادوا يقتلونه حيث نهاهم عن عبادة العجل فقد كفرتم،و ان قلتم انّهم استضعفوه و كادوا يقتلونه لقلّة من يعينه فالوصىّ اعذر منه.
السّابع:محمد صلّى اللّه عليه و آله اذ هرب الى الغار،فان قلتم انّه هرب من غير خوف على نفسه من القتل فقد كفرتم،و ان قلتم انّهم اخافوه فلم يسعه الاّ الهرب الى الغار،فالوصىّ اعذر منه.
فقال الناس باجمعهم:صدق امير المؤمنين عليه السّلام.
و كذا تظلّم اهل بيته و سيجيء لذلك مزيد بيان.
و قد قال رسول صلّى اللّه عليه و آله:ما ولّت أمّة رجلا و فيهم من هو اعلم منه الاّ و لم يزل امرهم الى سفال ما تركوه. 3و رواه محمد بن النّعمان عن عكرمة و ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:ما من قوم أمّروا اميرا
1) .الشعراء21/.
2) .الاعراف150/.
3) .لم توجد بهذا اللفظ.
و هو غير مرضىّ عنه اللّه الاّ خانوا اللّه و رسوله و كتابه و المؤمنين. 1
و امّا الآيات الدّالة على زيادة الفضل و عظيم المنزلة على وجه لا يرضى لغير نبىّ او وصىّ نبىّ،لانّه لو كان الحال على ما قالوه لتساوى سلمان و أبا ذر و من قاربهم.
و روى احمد بن حنبل عن ابن عباس انّه قال:ما فى القرآن آية فيها(الذين آمنوا)الاّ و عليّ رأسها و قائدها و شريفها و اميرها.و قد عاتب اللّه اصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله فى القرآن،و ما ذكر عليّ الاّ بخير. 2
و روى مجاهد انّه نزلت فى حقّ عليّ بخصوصه سبعون آية. 3
و عن ابن عبّاس:ما نزل فى احد من كتاب اللّه ما نزل فى عليّ عليه السّلام. 4
ثمّ انّهم روا انّ الكلمات الّتي نجى بها آدم،محمد و عليّ و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام. 5
و روى الثّعلبى بأربع طرق فى تفسير قوله تعالى «يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ» 6انّها لمّا نزلت اخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيد عليّ عليه السّلام و قال:من كنت مولاه فعلىّ مولاه. 7
1) .المستدرك للحاكم:92/4-مجمع الزوائد للهيثمى:211/5.
2) .المسند لابن حنبل:38/5.
3) .الصواعق المحرقة76/.
4) .شواهد التنزيل:39/1.
5) .المناقب لابن المغازلى63/-الدر المنثور:60/1.
6) .المائدة67/.
7) .الغدير:52/1(عن كثير من العامة)-شواهد التنزيل:187/1.
و روى احمد بن حنبل فى مسنده 1بستة عشر طريق،و رواه الحميدى فى الجمع بين الصحيحين،و رواه المغازلى 2بست طرق ثم قال:رواه عن النبي صلّى اللّه عليه و آله نحو مائة رجل.و تأويل المتوغّلين فى بغضه،و الا انحراف منه لهذا الحديث كتعظيمه وجه النّهار،و خبر يوم الغدير الّذي نقلوه فى صحاحهم،و غيرها بطريق لا حصر لها حتّى صنّفوا فيه الكتب و الرّسائل.
و فيه ان النبي صلّى اللّه عليه و آله قال فى حق على عليه السّلام:من كنت مولاه فهذا عليّ مولاه. 3
و المراد ولاية التّصرف و الامر و النّهى،لانّه الظاهر،او لانّه لا يرضى العاقل ان النبي صلّى اللّه عليه و آله يأمر 4بنصب الرّجال فى وقت الحرّ الشديد،ثم يقوم و يجمع الناس و يخطبهم فى ذلك الوقت لا لنصب خلافة و لا إمارة سرّية و لا افتاء و لا قضاء و لا إمامة جماعة و لا تولية بيت مال و لا حكومة قرية و لا إمارة حاجّ و لا غير ذلك،اذ كان خاليا من الجميع فى ايّامهم،بل لمجرد بيان انّ من كنت صاحبه فعلىّ صاحبه.
ثم ما معنى تهنية القوم له؟اذ رووا اهل التفاسير فى «السّٰابِقُونَ السّٰابِقُونَ» 5انها نزلت فى عليّ.
1) .المسند لابن حنبل:33/1-419/5-347.
2) .فى«الف»:بثلاثة.
3) .المناقب للخوارزمى134/.
4) .فى«الف»:امر.
5) .الواقعة10/.
و روى احمد بن حنبل فى مسنده فى قوله تعالى «وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّٰهِ وَ رُسُلِهِ أُولٰئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ» 1انها نزلت فى عليّ؛و الصّديقون ثلاثة:حبيب بن موسى النّجّار و هو مؤمن آل يس، و حزقيل و هو مؤمن آل فرعون،و عليّ بن ابى طالب و هو افضلهم.رواه احمد بن حنبل فى مسنده بثلاث طرق، 2و رواه الثّعلبى فى تفسيره بطريقين.
و قوله تعالى «وَ الَّذِي جٰاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ» 3و رووا فى تفاسيرهم عن مجاهد عن النّبي انّه قال:هو عليّ بن ابى طالب عليه السّلام. 4
و قوله «وَ كُونُوا مَعَ الصّٰادِقِينَ» 5و رواه الثّعلبى و غيره من المفسّرين انّها نزلت فى عليّ عليه السّلام.
و قوله تعالى «وَ مَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتٰابِ» 6روى الثّعلبى فى تفسيره بطريقين انّه على بن ابى طالب عليه السّلام. 7
و كذا آية المناجات 8و آية المباهلة، 9و صالح المؤمنين و قوله تعالى «بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ» 10و قوله «إِخْوٰاناً عَلىٰ
1) .الحديد19/.
2) .فضائل الصحابة لابن حنبل فى ذيل الآية.
3) .الزمر33/.
4) .الدر المنثور:328/5 عن المجاهد.
5) .التوبة119/.
6) .الرعد43/.
7) .البرهان:304/2(نقلا عن الثعلبى)-مناقب ابن المغازلى313/.
8) ...
9) .آل عمران61/.
10) .المائدة54/.
سُرُرٍ مُتَقٰابِلِينَ» 1 الى غير ذلك.
و امّا الاخبار فلا حصر لها ،و انّما نذكر منها شطرا صالحا:
منها ما دلّ على انّه اولى بالخلافة لما فى مسند ابن حنبل انّه لمّا نزلت آية «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» 2جمع النّبي صلّى اللّه عليه و آله اهل بيته فاكلوا و شربوا،ثم قال لهم:من يضمن عنّى دينى و ينجز مواعيدى و يكون خليفتى و يكون معى فى الجنّة؟فقال عليّ عليه السّلام:انا يا رسول اللّه:فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:انت. 3
و رواه الثعلبى و فيه:انّه قال ذلك ثلاث مرّات فلم يجب احد سوى عليّ عليه السّلام.
و فى المسند عن سلمان رضى اللّه عنه انّه قال له:يا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من وصيّك؟فقال:يا سلمان،من كان وصىّ اخى موسى عليه السّلام؟فقال:يوشع.قال فانّ وصيّى و وارثى الّذي يقضى دينى و ينجز مواعيدى على بن ابى طالب عليه السّلام. 4
و فى كتاب المناقب لاحمد بن مردويه،و هو حجة عند المذاهب الاربعة باسناده الى ابى ذر قال:دخلنا على النّبي صلّى اللّه عليه و آله فقلنا:
من احبّ اصحابك أليك،فاذا كان امر كنّا معه؟فقال:هذا عليّ عليه السّلام اقدمكم سلما و اسلاما. 5
1) .آل عمران61/.
2) .الشعراء214/.
3) .المسند لابن حنبل:111/1.
4) .فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل:615/2.
5) .لم توجد.
و فى كتاب ابن المغازلى الشافعى باسناده الى النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:لكلّ نبىّ وصىّ و وارث،و انّ وصيّى و وارثى على بن ابى طالب. 1
و بعد ان ذهبوا الى انّه لا مال للنّبىّ موروث،فالمراد بالارث إرث العلم و الولاية،و ليس له شريك فى ذلك كما يفيده قوله صلّى اللّه عليه و آله «انّ لكلّ نبىّ وصىّ و وارث»و كفاك قول سلمان«اذا كان امر كنّا معه» يعطى انّه منفرد بهذه الخاصّة.
و فى صحيح ابن حنبل من عدّة طرق،و صحيحى البخارى و مسلم:انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله لمّا خرج الى تبوك استخلف عليّا عليه السّلام على المدينة و على اهله.فقال على:ما كنت اوثر ان تخرج فى وجه الاّ و انا معك.فقال:أ ما ترضى ان تكون منّى بمنزلة هارون من موسى الاّ انّه لا نبىّ بعدى؟ 2
و عموم المنزلة يقتضي المساواة،و لا ريب هارون لو بقى بعد موسى لم يتقدّم عليه احد.
و فى مسند ابن حنبل،و الصّحاح السّت عن النبي من عدّة طرق:عليّ منّى و انا من عليّ،و هو ولىّ كلّ مؤمن بعدى،لا يؤدّى عنّى الاّ انا او عليّ. 3
و فى قوله صلّى اللّه عليه و آله (ولىّ كلّ مؤمن بعدى و لا يؤدّى عنّى الاّ انا او على عليه السّلام)ابين دلالة على انّه اولى بالنّاس من كلّ احد،و انّه لا احد له اهليّة التبليغ غيره.
1) .المناقب لابن المغازلى200/.
2) .صحيح البخارى:3/6-مسند احمد:338/3.
3) .مسند احمد:437/4.
و منها ما دلّ على جلالة قدره و علوّ شأنه بحيث لا يرضى العقل بتقدّم احد عليه،كما رواه ابن حنبل فى مسنده عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:
كنت انا و عليّ نورا بين يدى اللّه قبل ان يخلق آدم بأربعة عشر الف سنة، فلمّا خلق آدم عليه السّلام قسّم ذلك النور جزءين،فجزء انا و جزء على. 1
و فى رواية ابن المغازلى الشافعى:فلمّا خلق اللّه آدم ركب ذلك النّور فى صلبه،فلم يزل فى شيء واحد حتّى اذا افترقنا فى صلب عبد المطلب،ففيّ النّبوة و فى عليّ الخلافة. 2
و فى خبر آخر رواه ابن المغازلى عن جابر،تتمة:فاخرجنى نبيّا و اخرج عليّا وصيّا. 3
و هذا الخبر بهذين الطريقين حاله حال الاخبار المتقدّمة فى الدّلالة على المطلوب.
و روى الجمهور عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه لمّا نزل عليّ عليه السّلام الى براز ابن عبد ود قال صلّى اللّه عليه و آله:ابرز الايمان كلّه للكفر كلّه. 4
و فى مسند ابن حنبل عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه آخى بين الناس كلّهم و بقى عليّ عليه السّلام فقال على عليه السّلام:آخيت بين اصحابك و تركتنى؟فقال:انّما تركتك لنفسى،فانت اخى و انا اخوك،و انت منّى بمنزلة هارون من موسى،و انت اخى و وارثى. 5
1) .مناقب احمد بن حنبل.
2) .المناقب لابن المغازلى88/.
3) .المناقب لابن المغازلى88/.
4) .حياة الحيوان:249/1.
5) .رواه احمد فى الفضائل207/-مستدرك الصحيحين:14/3-مسند احمد:159/1 (مع تفاوت).
و فى الجمع بين الصّحاح السّت:مكتوبا على باب الجنة (محمّد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و عليّ مقيم الجنّة قبل ان تخلق السماوات بألفي عام). 1
و روى ابن المغازلىّ الشافعى فى كتاب المناقب عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال لعلىّ عليه السّلام:انّ الامة ستغدر بك بعدى. 2
و روى الحافظ بن مردويه من اكابرهم باسناده الى ابن عباس، انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بكى حتى علا بكائه،فقال له عليّ عليه السّلام:ما يبكيك يا رسول اللّه؟فقال:ضغاين فى صدور القوم لا يبدونها لك حتّى يفقدونى. 3و فيه من الدلالة كما فى السّوابق.
و فى مسند ابن حنبل انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:انّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.فقال ابو بكر:انا يا رسول اللّه؟ فقال:لا و لكنّه خاصف النّعل-و كان عليّ عليه السّلام يخصف نعل رسول اللّه فى حجرة فاطمة. 4
و فى الجمع بين الصّحاح السّت:لتنتهن يا معشر قريش!او ليبعثنّ اللّه عليكم من أمّتي رجلا امتحن اللّه قلبه للايمان،يضرب رقابكم على الدّين.قيل:يا رسول اللّه،أبو بكر؟قال:لا.قيل:عمر؟ قال:لا،و لكنّه خاصف النّعل فى الحجرة. 5
1) .كنز العمال:158/6.
2) .لم توجد فى المناقب و لكن وجدت فى كنز العمال:157/6-و تاريخ الخطيب: 216/11.
3) .كنز العمال:408/6-مستدرك الصحيحين:139/3.
4) .مسند احمد:33/3.
5) .فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل:649/2.
و فى مسند ابن حنبل و الجمع بين الصّحاح السّت عن انس بن مالك قال:كان عند النبىّ طائر قد طبخ له،فقال صلّى اللّه عليه و آله:اللّهم اتني باحبّ النّاس أليك يأكل معى.فجاء عليّ عليه السّلام و اكل معه. 1
و عن ابن عباس انّه لمّا حضرته الوفاة قال:اللّهم انى اتقرب أليك بولاية عليّ.
و فى مسند ابن حنبل و صحيح مسلم:لم يكن احد من اصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:سلونى غير عليّ عليه السّلام. 2
و فى المسند عنه صلّى اللّه عليه و آله:انا مدينة العلم و عليّ بابها. 3
و فى الجمع بين الصّحاح السّت عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:اللّهم ادر الحق مع عليّ عليه السّلام حيث دار. 4
و روى الجمهور انّه قال لعمّار:سيكون فى أمّتي بعدى هناة و اختلاف،يا عمّار!تقتلك الفئة الباغية و انت مع الحقّ و الحق معك، ان سلك الناس كلّهم واديا و سلك عليّ عليه السّلام واديا،فاسلك واديا سلكه عليّ عليه السّلام و خلّ النّاس طرّا.يا عمّار!انّ طاعة عليّ عليه السّلام من طاعتى و طاعتى من طاعة اللّه. 5
و روى احمد بن موسى بن مردويه من الجمهور من عدّة طرق عن عائشة:انّ النبي صلّى اللّه عليه و آله قال:الحقّ مع عليّ و عليّ مع الحق،لن
1) .فضائل الصحابة لاحمد بن حنبل:560/2.
2) .فضائل الصحابة لابن حنبل:646/2-تاريخ الخلفاء للسيوطى171/.
3) .مستدرك الصحيحين:126/3.
4) .المناقب للخوارزمى223/(بحار الانوار:551/8).
5) .المناقب للخوارزمى105/(مع تفاوت يسير).
يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض.
و هذا القسم من الاخبار كثيرة،منها دالّة على وجوب طاعة عليّ عليه السّلام و الانقياد إليه فى جميع الاوقات بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله،فلو لم تكن الامامة مستحقة له بعد موت النبي صلّى اللّه عليه و آله لكان كاحد الصحابة.
و فى الباقى منها ما يؤذن برفعة منزلته و علوّ قدره على ساير الصّحابة، فيكون هو الا حقّ بالخلافة لاستحالة تقديم المفضول على الفاضل.
و نظير هذه الرواية ما دلّ على انّ حبّه ايمان و بغضه كفر،كما فى مسند ابن حنبل،و الجمع بين الصحيحين،و الجمع بين الصّحاح السّت،من انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:يا على!لا يحبّك الاّ مؤمن و لا يبغضك الاّ منافق. 1
و فى مسند ابن حنبل انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال لعلىّ عليه السّلام:انّ فيك مثلا من عيسى بن مريم،ابغضه اليهود حتّى اتّهموا أمّه و احبّه النصارى حتّى انزلوه المنزل الّذي ليس باهل. 2
و من كان بغضه كفر و حبّه ايمان لا يكون الاّ نبيّا او إماما.
و اما الاخبار المنقولة فى بيان غزواته و بعض كراماته فلا حصر لها،كحديث الكساء،و حديث المباهلة،و خبر فتح خيبر،و فيه انّه بعد ان بعث 3الاوّل و الثانى فرجعا خائبين،ثم قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
لأعطيّن الرّاية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه و رسوله،كرّارا غير فرّار.فلمّا اصبح الصبح جاء جماعة من الصّحابة يزعم كلّ منهم
1) .كنز العمال-ج 33706/12.
2) .صحيح البخارى-كتاب المناقب/الباب 9.
3) .فى«الف»و«كافي»:و فيه بعد بعث.
انّه المعنى بذلك،فاعطاها عليّا عليه السّلام.
و حديث بعثه ببراءة بعد ان بعث الاول،ثم نزل جبرئيل بردّه و قال عليه السّلام:لا يؤدّها الاّ انت او رجل منك،فارسل خلفه و ارسل عليّا بها 1.
و خبر مبيته على فراش النبي صلّى اللّه عليه و آله ليقيه بنفسه. 2و حديث المناجات و انّه لم يعمل بآية المناجات 3من تقديم الصدقة عندها سوى عليّ عليه السّلام.و خبر تسميته أبا تراب. 4و حديث حمل النبي صلّى اللّه عليه و آله حتّى كسر الاصنام. 5و خبر انّه لا يجوز على الصّراط الاّ من كان معه كتاب من ولاية عليّ بن ابى طالب عليه السّلام. 6و حديث ردّ الشمس عليه بعد الغروب مرّة او مرّتين، 7و روى ستّين مرّة.و خبر نزول(لا سيف الاّ ذو الفقار و لا فتى الاّ عليّ عليه السّلام)فى واقعة احد، 8و روى انّها نادى بها المنادى يوم بدر.
الى غير ذلك مما لو امعنت النظر و اقتفيت الاثر لعلمت من مجموعه انّه ليس من بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله اهل للنّهوض باعباء الخلافة سوى من نصبه اللّه تعالى لها.
1) .المناقب للخوارزمى165/.
2) .ينابيع المودة92/.
3) .ينابيع المودة100/.
4) .صحيح البخارى-كتاب المناقب-الباب 11.
5) .المناقب للخوارزمى122/.
6) .المناقب للخوارزمى71/.
7) .المناقب للخوارزمى330/.
8) .المناقب للخوارزمى198/.
على انّها لا يخفى على من له ادنى خبرة باحوال السلف،انّ فى البين فريقين مختصمين اشدّ الخصومة،و لا زالت الحرب بينهما قائمة.
و هذا عليّ كان فى زمن المشايخ جالسا فى داره مشغولا بعبادة ربّه،لا يولى عليّ جانب و خالد بن الوليد و اضرابه اقدم منه، و بقى على هذه الحالة الى قيام الثالث الّذي قتله المهاجرون و الانصار و معظمهم من اصحاب عليّ.
ليت شعرى كيف يرضى العاقل بوثوق عليّ بايمان عثمان و يقتل بمرأى منه و مسمع!و العجب انهم يستندون فى رضاء عليّ بخلافة القوم بسكوته،مع انّه سيف اللّه،و لا يستدلّون بسكوته عن قتل عثمان على رضاه به!سبحان اللّه كيف يخفى على العاقل رضاه و قد كان القاتل له بيد اخصّ خواصّه محمد بن ابى بكر.
ثمّ الرابع الّذي تلقّى الامر منه،معاوية كاتب الوحى الّذي وضع سبّ امير المؤمنين فى خطبه و فرضه على نفسه و دام على ذلك ما شاء.
و روى انّ قوما من بنى امية لعنه اللّه قالوا لمعاوية:يا امير الفاسقين!انّك قد بلغت ما أمّلت،فلو كففت عن لعن هذا الرجل.
فقال:لا،حتّى يربوا عليها الصّغير و يهرم عليها الكبير و لا يذكر له ذاكر فضلا. 1
ثمّ تورثها منه ولده الملعون يزيد،و قد قتل فرخ رسول اللّه و قرّة
1) .بحار الانوار:525/8-ذكرها الجاحظ.
عينيه مع جماعة من الصحابة الذين مدحهم اللّه تعالى فى القرآن و لا يجتمعون على باطل.
ثم تورثها باقى بنى امية،و ساروا مع اولاد رسول اللّه ما علم به كلّ سامع.
ثمّ تورثها بنوا العباس،و صنعوا مع اولاد رسول اللّه من القتل و الصلب و البناء فى الجدران و الدفن فى الارض،ما ليس له عدّ و لاحد.
ثمّ استمرّت دولة بين الاغنياء يتوارثها القوم صاغرا عن كابر.
كلّ ذلك مضافا الى ما علمت من حال عائشة مع عليّ عليه السّلام و حربها له مع الصحابة الممد و حين فى القرآن،و حال معاوية مع الحسن عليه السّلام،و غير ذلك.
لكنّ القوم لحدّة اذهانهم،و جودة انظارهم،يعتذرون مرّة بالاجتهاد و هو عذر مسموع،كيف لا،و ايمان عليّ عليه السّلام و اسلامه كان نظريّا،او انّ تحريم لعن المسلم كان نظريّا.
و الاولى فى الجواب انّ هذا الاجتهاد لا يزيد على اجتهاد الدّباب الّتي دحرجوا 1بها لناقة رسول اللّه،و اجتهاد التخلف عن جيش اسامة و اجتهاد اذية بنت رسول اللّه الى غير ذلك من الكرامات الّتي نشير إليها.و ان 2رجعوا الى التوبة،فكان معنى التوبة عقر الجمل و هزيمة الجند و موت معاوية و نحو ذلك.
1) .فى«الف»:دحرجوها.
2) .فى«الف»:و انّ إليها ان رجعوا....
ثمّ سوى الخلاف الى فقهاء القوم مع ذرية رسول اللّه،فكان الرجوع الى الفقهاء منهم،و عترة النبي صلّى اللّه عليه و آله معزولون معتكفون هى دورهم كلّ له طريقة ينفرد به،فالباقر و الصّادق و اولادهما عليهم السّلام و اصحابهم لا يألفون الى اولئك و لا هم يألفون إليهم.
فان صحّ انّ باب الاجتهاد انسدّ و اختصّ الرجوع بالاربعة،فقد نسبوا العترة الّتي امروا بالتمسك بها الى الضلال.و اذا ظهر البون بين الفريقين قديما و حديثا،فعلى العاقل ان يختار احد الجادّتين، و لا يجمع بين امرين متضادّين،اللّه اكبر!اللّه اكبر!و ما اكثر البقر.
***
ابن عبد المطلب بن هاشم و أمّه فاطمة بنت اسد.ولد فى الكعبة يوم الجمعة ثالث عشر رجب،و روى سابع شعبان،بعد مولد رسول اللّه بثلاثين سنة.و اصطفاه اللّه إليه و اختار له جواره قتيلا بالكوفة ليلة الجمعة لتسع ليال بقين من شهر رمضان سنة اربعين،عن ثلاثة و ستين سنة على نحو ما عمّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و دفن بالغرىّ من نجف الكوفة بمشهده الآن.
و هو الامام بن الامام الزكى،ولد بالمدينة يوم الثلثاء منتصف شهر رمضان سنة اثنين من الهجرة،و قال المفيد:سنة ثلاث.
و اصطفاه ربّه مسموما فى المدينة أيضا يوم الخميس سابع صفر سنة سبع او ثمان و اربعين،و قيل سنة خمسين من الهجرة،عن سبع و اربعين سنة.
و هو الامام بن الامام ابو عبد اللّه الشهيد المظلوم.ولد بالمدينة اخر ربيع الاول سنة ثلاث من الهجرة،و قيل يوم الخميس ثالث عشر شهر رمضان،و قال المفيد:خمس خلون من شعبان سنة اربع.
و اصطفاه ربّه إليه قتيلا بكربلاء يوم السّبت عاشر محرّم سنة احدى و ستّين،عن ثمان و خمسين سنة.
فهى فاطمة الزّهراء بنت رسول اللّه محمّد المختار صلّى اللّه عليه و آله زوجة عليّ حيدر الكرار،والدة الائمّة الاطهار سيّدة نساء العالمين.و روى فى حقّها ما تواتر نقله بين الفريقين عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:فاطمة
بضعة منّى من آذاها فقد آذانى و من آذانى فقد آذى اللّه 1و قال اللّه تعالى «الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ أُولٰئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللّٰهُ وَ يَلْعَنُهُمُ اللاّٰعِنُونَ» . 2
و انّها ولدت بعد المبعث بخمس سنين.و اصطفاها ربّها بعد ابيها بنحو اربعين يوما.و اوصت الى عليّ بان تدفن ليلا،و ان لا يصلّيا عليها.و ماتت و هى ساخطة عليهما.
الامام على بن الحسين عليه السّلام
زين العابدين و السّاجدين،الّذي انتهى إليه العلم و الزهد و العبادة كما لا يخفى على مسلم،ولد بالمدينة يوم الاحد خامس شعبان سنة ثمان و ثلاثين.و اصطفاه اللّه بالمدينة يوم السبت ثانى عشر محرم سنة خمس و تسعين،عن سبع و خمسين سنة.و أمّه شاه زنان بنت شيرويه ابن كسرى،و قيل بنت يزدجرد.
الامام(ولده)محمد الباقر عليه السّلام
(الباقر)لعلم الدّين سمّى بباقر العلم لاتّساع علمه و انتشار خبره.و اخبر النّبي صلّى اللّه عليه و آله جابر الانصارى(ره)انّه سيدركه و انّ اسمه
1) .الصحيح البخارى:206/2-الامامة و السياسة:20/1.
2) .الاحزاب57/( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّٰهَ وَ رَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللّٰهُ فِي الدُّنْيٰا وَ الْآخِرَةِ -الآية-).
اسم رسول اللّه و انّه يبقر العلم بقرا،و قال:اذا لقيته فأقرئ عليه منّى السّلام.و لم ينكر احد تلقيبه بباقر العلم بل اعترفوا بانّه وقع موقعه و حلّ محلّه.ولد بالمدينة يوم الاثنين ثالث صفر سنة سبع و خمسين.و اصطفاه اللّه إليه بها يوم الاثنين سابع ذى الحجة سنة اربع عشرة و مائة،و روى سنة ستّ عشر.و أمّه أمّ عبد اللّه بنت الحسن بن على عليه السّلام،فهو علوىّ بين علويّين.
الامام(ولده)ابو عبد اللّه جعفر بن محمد الصادق عليه السّلام
العالم الّذي اشتهر علمه من العلوم ما بهر العقول حتّى غال فيه جماعة و اخرجوه الى حدّ الالهيّة،و دون العامة و الخاصّة ممّن برز و مهر بتعلّمه من الفقهاء و العلماء أربعة آلاف رجل كزرارة بن اعين، و اخويه بكير و حمران،و جميل بن درّاج،و محمّد بن مسلم،و يزيد بن معاوية العجلى،و هشام بن حكم،و هشام بن سالم،و ابى بصير، و عبد اللّه بن سنان،و ابى الصباح،و غيرهم من اعيان الفضلاء من اهل الحجاز و العراق و الشام و خراسان من المعروفين و المشهورين من اصحاب المصنّفات المتكثّرة و المباحث المشهورة الذين ذكرهم العامّة فى كتب الرّجال و اثنوا عليهم بما لا مزيد عليه مع اعترافهم بتشيّعهم و انقطاعهم الى اهل البيت،و قد كتب من اجوبة مسائله هو فقط أربعمائة مصنّف يسمّى الاصول فى انواع العلوم.
ولد بالمدينة يوم الاثنين سابع عشر ربيع الاوّل سنة ثلاث
و ثمانين.و اصطفاه اللّه فيها فى شوّال،و قيل منتصف رجب يوم الاثنين سنة ثمان و اربعين و مائة،عن خمس و ستّين سنة.و أمّه فاطمة أم فروة بنت الفقيه القاسم بن محمد النجيب بن ابى بكر.و قبر ابيه محمد و قبر جدّه و قبر عمه الحسن بالبقيع فى مكان واحد.
الامام(ولده)موسى بن جعفر الكاظم عليه السّلام
و كنيته ابو الحسن و ابو ابراهيم و ابو عليّ،و سمّى بالكاظم لكظمه الغيظ.ولد بالابواء بين مكّة و المدينة،سنة ثمان و عشرين و مائة،و قيل سنة تسع و عشرين و مائة يوم الاحد سابع صفر.
و اصطفاه اللّه مسموما ببغداد فى حبس السندى ابن شاهك،لستّ بقين من رجب سنة احدى و ثمانين و مائة.و دفن فى مقابر قريش فى مشهده الآن.و أمّه حميدة البربرية.
الامام(ولده)عليّ بن موسى الرضا عليه السّلام.
ولىّ المؤمنين الّذي اجتمعت اولياءه و اعداءه على عظم شانه و عزازة علمه،و حاول اعداءه من بنى العباس و غيرهم الغضّ عنه لمّا رأوا ميل المأمون لعنه اللّه إليه و حبّه له،و اراد ان يجعله ولىّ عهده، فاحضر الرؤساء و العلماء فى كلّ فنون العلم،فاجمعهم جميعا و اعجزهم مرارا شتّى و كانوا يخرجون خجلين مدحورين،و هو
يومئذ صغير السّن،فاعترف المأمون بفضله على كلّ الناس،فجعله ولىّ عهده كما لا يخفى على اهل النقل.
ولد بالمدينة سنة ثمان و اربعين و مائة و قيل يوم الخميس حادى عشر ذى القعدة،و اصطفاه اللّه بطوس فى صفر سنة ثلاث و مأتين.و قبره بسناباد بمشهده الآن.و أمّه أم البنين أمّ ولد.
الامام(ولده)محمد الجواد عليه السّلام
ولد بالمدينة فى شهر رمضان سنة خمس و تسعين و مائة.
و اختار اللّه له جواره ببغداد فى آخر ذى القعدة،و قيل يوم الثلثاء حادى عشر ذى القعدة سنة عشرين و مأتين.و دفن فى ظهر جدّه الكاظم عليه السّلام بمقابر قريش فى مشهدهما الآن.و أمّه الخيزران أم ولد، و كانت من اهل بيت المارية القبطيّة سريّة النّبي صلّى اللّه عليه و آله.
الامام(ولده)على بن محمد الهادى النقى عليه السّلام
ولد بالمدينة منتصف ذى الحجّة سنة اثنى و مأتين.و اختاره اللّه جواره بسرّ من رأى فى يوم الاثنين ثالث رجب سنة اربع و خمسين و مأتين.و دفن بداره الّتي هى مشهده الآن.و أمّه سمانة أمّ ولد.
الامام(ولده)الحسن بن على العسكرى عليه السّلام
ولد بالمدينة فى شهر ربيع الآخر رابعة يوم الاثنين سنة اثنين و ثلاثين و مأتين.و اختاره اللّه بسرّ من رأى يوم الاحد،و قال المفيد:
يوم الجمعة ثامن شهر ربيع الاوّل سنة ستّين و مأتين.و دفن الى جانب ابيه.و أمّه حديثة أمّ ولد.
الامام(ولده)محمد بن الحسن القائم بالحق
المهدىّ صاحب الزمان عليه
السّلام
يملأ الارض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما و جورا باخبار النبي صلّى اللّه عليه و آله بذلك الّذي رواها فى كتبهم و لم ينكروها.
ولد بسرّ من رأى يوم الجمعة ليلا،خامس عشر شهر شعبان سنة خمس و خمسين و مأتين.و أمّه ريحانة،و يقال لها نرجس، و يقال لها صقيل و سوسن،و قيل مريم بنت زيد العلويّة.و غيبته الصّغرى اربع و سبعون سنة،و كان وكلائه على شيعته و سفرائه بينهم و بينه الّذين تردّ عليهم التوقيعات من جانبه أربعة:عثمان بن السعيد السّمّان،و ابنه محمد بن عثمان،و الحسين بن روح النّوبختى،و عليّ بن محمّد السّيمرى.و من الوكلاء ببغداد:حفص بن عمر المدعوّ بالجمّال،عمر بن سعيد العمرى،و ابنه،و حاجز و يقال له الوشاء، و البلالى و هو محمد بن عليّ بن بلال،و العطّار و هو محمّد بن يحيى،
و محمد بن احمد بن جعفر.و من وكلائه من اهل الكوفة:العاصمى.
و من الاهواز:محمد بن ابراهيم بن مهزيار.و من قم:احمد بن اسحاق.
و من اهل همدان:محمد بن صالح.و من الرّى:البسّامى،و محمد بن ابى عبد اللّه الاسدى.و من اهل آذربايجان:القاسم بن العلاء.و من نيشابور:محمد بن شاذان.و غيرهم جمع كثير.
و هو المتيقّن ظهوره.
*** و روى احمد بن حنبل فى مسنده عن انس بن مالك انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله كان يمرّ بباب فاطمة الزّهراء ستة اشهر اذا خرج الى صلاة الفجر و يقول:الصّلاة يا اهل البيت انّما يريد اللّه ليذهب عنكم الرّجس اهل البيت و يطهّركم تطهيرا. 1
و فى صحيح البخارى من مسند ابى الدّرداء قالت أمّ الدّرداء:
دخل عليّ ابو الدّرداء و هو مغضب،فقلت له:ما اغضبك؟فقال:و اللّه ما اعرف من امة محمد شيئا الاّ انّهم يصلّون جميعا. 2
و روى البغوىّ فى كتاب الصحاح فى حديث طويل فى صفة الحوض قال:قال رسول اللّه:انا فرطكم على الحوض من مرّ عليّ شرب و من شرب منه لم يظمأ ابدا،و ليردنّ عليّ اقوام اعرفهم و يعرفونى ثم يحال بينى و بينهم،فاقول انّهم أمّتي؟فيقال: 3انّك ما تدرى ما احدثوا بعدك.فاقول لهم:سحقا سحقا لمن غيّر بعدى. 4
1) .مسند احمد:330/1.
2) .لم توجد.
3) .فى«الف»:فقال.
4) .مصابيح السنة للبغوى:357/3.
و قد رووا فى صحاحهم من شكوى النّبي صلّى اللّه عليه و آله منهم و من مخالفتهم له،اشياء كثيرة لو عددناها لطال الكلام،و كفاك ابين شاهد ان تجرّدت عن العصبيّة النّظر فى بعض المناقب الّتي لامير المؤمنين، و المثالب الّتي لاعدائه لعنهم اللّه.
و امّا القسم الاول و هى المناقب فلا تحصى كثيرة.
روى اخطب خوارزم من الجمهور باسناده الى ابن عبّاس قال:
قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لو انّ الرّياض اقلام و البحر مداد و الجنّ حسّاب و الانس كتّاب ما احصوا فضائل عليّ عليه السّلام. 1
و روى اخطب خوارزم أيضا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:انّ اللّه تبارك و تعالى جعل لاخى على بن ابى طالب فضائل لا تحصى كثيرة، فمن ذكر فضيلة من فضائله مقرّا بها،غفر اللّه له ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر،و من كتب فضيلة من فضائله لم تزل الملائكة تستغفر له ما بقى لتلك الكتابة رسم،و من استمع فضيلة من فضائله غفر اللّه له الذنوب الّتي اكتسبها بالاستماع،و من نظر الى كتاب فيه فضيلة من فضائل عليّ عليه السّلام غفر اللّه له الذنوب الّتي اكتسبها بالنّظر.ثم قال:النّظر الى عليّ عبادة،و ذكره عبادة،و لا يقبل اللّه ايمان عبد الاّ بولايته و البراءة من اعدائه. 2
و روى اخطب خوارزم من علماء الجمهور عن ابن مسعود،انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:لمّا خلق اللّه آدم عليه السّلام و نفخ فيه روحه،عطس فقال
1) .المناقب للخوارزمى328/.
2) .المناقب للخوارزمى32/.
الحمد للّه.فاوحى اللّه تعالى:عبدى حمدنى،فو عزّتى و جلالى لو لا عبدان اريد أن اخلقهما فى دار الدنيا ما خلقتك.فقال:إلهى فيكونان منى؟قال:نعم،يا آدم ارفع رأسك و انظر فرفع رأسه و اذا مكتوب على العرش:لا إله الاّ اللّه،محمّد نبىّ الرّحمة،و على مقيم الحجّة،من عرف حقّ عليّ زكى و تاب و من انكر حقّه لعن و خاب، اقسمت بعزّتى و جلالى ان ادخل الجنّة من اطاعه و ان عصانى، و اقسمت بعزّتى و جلالى ان ادخل النار من عصاه و ان اطاعنى. 1
و كان السّرّ انّ من اطاعه تمّت عقائده و لا يلزم ذلك فيمن اطاع اللّه.
و ذكر البغوى فى الصّحاح عن ابى الحمراء قال:قال النبي صلّى اللّه عليه و آله:
من اراد ان ينظر الى آدم عليه السّلام فى علمه،و الى نوح فى فهمه،و الى يحيى فى زهده،و الى موسى فى بطشه،فلينظر الى عليّ بن ابى طالب. 2
و روى البيهقى باسناده الى النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:من اراد ان ينظر الى آدم عليه السّلام فى علمه،و الى نوح عليه السّلام فى تقواه،و الى ابراهيم عليه السّلام فى حلمه،و الى موسى عليه السّلام فى هيبته،و الى عيسى عليه السّلام فى عبادته،فلينظر الى عليّ بن ابى طالب. 3
و روى التّرمذى فى صحيحه عن النّبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:انا مدينة العلم و عليّ بابها. 4
1) .المناقب للخوارزمى318/.
2) .المناقب لابن مغازلى212/-شواهد التنزيل:78/1(و لم توجد فى كتاب البغوى).
3) .المناقب لابن مغازلى212/-شواهد التنزيل للحسكانى:78/1(مع اختلاف يسير).
4) .المناقب لابن المغازلى80/(و لم توجد فى صحيح الترمذي).
و ذكر البغوى فى الصحاح عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:انا دار الحكمة و عليّ بابها. 1و روى عنه صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:اقضاكم عليّ عليه السّلام 2.
و اذا اردت بيان فضائله على التّفصيل و حصر عددها فقد طلبت محالا.كما اذنت به الرّواية السّابقة،لكن نشير الى بعض منها، و ما احسن قول الشافعى فى هذا الباب حيث قيل له:صف لنا عليّا عليه السّلام.فقال:(ما اقول فى رجل اخفت اعداؤه مناقبه حسدا و اولياؤه خوفا،و ظهر من بين ذين و ذين ما به ملؤ الخافقين). 3
و لقد اجاد ابن ابى الحديد المعتزلى قال:ما اقول فى رجل اقرّ له اعداؤه بالفضل و لم يمكنهم جحود 4مناقبه و لا كتمان فضائله،و قد علمت انّه استولى بنو اميّة على سلطان الاسلام فى شرق الارض و غربها،و اجتهدوا بكلّ حيلة ان يطفئوا نوره 5و التّحريف 6عليه، و وضع المعايب و المثالب له،و لعنوه على جميع المنابر،و توعّدوا مادحيه،بل حبسوهم و قتلوهم،و منعوا رواية حديث تتضمّن له فضيلة او ترفع 7له ذكرا،حتّى منعوا ان يسمّى احد باسمه،فما زاده ذلك الاّ رفعة و سموّاً كالمسك كلّما ستر انتشر عرفه،و كلّما كتم تضوّع نشره،و كالشمس لا تستر بالرّاح،و كضوء النّهار ان حجبت
1) .مصابيح السنة:275/2(الطبع القديم).
2) .مصابيح السنة:180/2.
3) .الكنى و الألقاب(للقمى).
4) .جحد.
5) .فى اطفاء نوره.
6) .التحريض.
7) .يرفع.
عنه عين واحدة ادركه 1عيون كثيرة اخرى.
و ما اقول فى رجل تعزّى إليه كلّ فضيلة،و تنتمى إليه كلّ فرقة، و تجاد به كلّ طائفة،فهو رأس الفضائل و ينبوعها و ابو غدرها و سابق مضمارها و مجلّى حليتها كلّ من نزع فيها فمنه اخذ و له اقتضى و على مثاله احتذى-انتهى 2-.
فاوّلها:«الاخبار بالمغيبات».
و هو القائل سلونى قبل ان تفقدونى فو اللّه لا تسألوني عن فئة تضلّ باية و تهتدى باية الاّ نبّأتكم بناعقها و سائقها و قائدها الى يوم القيامة.
فقام إليه رجل فقال:اخبرنى كم على رأسى من طاقة شعر؟ فقال له:لو لا انّ الّذي سألت عنه يعسر برهانه لاخبرتك،و ان فى بيتك سخلا 3يقتل ابن بنت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.و كان ابنه صغيرا و هو الّذي قتل الحسين عليه السّلام.
و اخبر بقتل ذى الثّدية من الخوارج و بعدم عبورهم النّهروان، لما اخبر بالعبور؛و عن قاتل نفسه،و تقطيع يدى جويريه و صلبه، فوقع فى ايّام معاوية؛و بصلب ميثم التّمار،و اراه النّخلة الّتي يصلب عليها،فكان ذلك من عبيد اللّه بن زياد لعنهما اللّه؛و تقطيع يدى رشيد الهجرى و رجليه،فصنع به ذلك؛و بقتل قنبر،فقتله الحجّاج
1) .ادركته.
2) .شرح نهج البلاغة:17/1.
3) .فى«الف»:لسخلا.
و بأفعال الّتي صدرت منه؛و اخبروه بموت خالد بن عرفطة فقال عليه السّلام:
لم يمت و سيقود جيش ضلالة، 1و صاحب لوائه حبيب بن جمّاز، فقام إليه حبيب بن جمّاز و قال:انّى لك محبّ!فقال:ايّاك ان تحمل اللّواء و لتحملنّها من هذا الباب يعنى باب الفيل،فلمّا كان زمان الحسين عليه السّلام جعل ابن زياد خالدا على مقدّمة عمر بن سعد،و حبيب صاحب لوائه؛و قال للبراء بن عازب يقتل ولدى الحسين عليه السّلام و انت حىّ لا تنصره،فكان ذلك؛و لمّا اجتاز بكربلاء فى وقعة صفّين قال:هذا و اللّه مناخ ركابهم و موضع قتلهم؛و اخبر بعمارة بغداد و ملك بنى عباس و اخذ هلاكو دولتهم،و كان ذلك السّبب فى سلامة الحلّة و النّجف و كربلاء منه،لانّ والد العلاّمة و ابن طاوس و ابن ابى الفراء اخذوا منه الامان قبل الفتح،و ذهب إليه والد العلاّمة لطلب الأمان فقال له:كيف تأخذ الأمان قبل الفتح؟فقال:علمنا انّ الفتح لك باخبار امير المؤمنين؛و كفى بالملاحم المنسوبة إليه كخطبة البصرة و نحوها،الى غير ذلك.
فانّه دعى على انس بن مالك بالبرص حين جحد الشّهادة على خبر الغدير،فاصابه البرص؛و دعى على مغيرة بالعمى،لنقل اخباره الى معاوية فعمى؛و دعى بردّ الشمس،فردّت مرّتين،و روى ستّون مرّة؛ و دعى على الماء لمّا خاف اهل الكوفة الغرق،فجفّ الماء حتّى ظهرت الحيتان و كلّمته الاّ الجرى و المارماهي و الزّمار،فتعجّب النّاس.
1) .فى«الف»:خلاله.
و هو غنّى عن البيان.
و هو الّذي اختصّ ببنت رسول اللّه بعد ان خطبها الشيخان و ردّهما النّبي صلّى اللّه عليه و آله،كما نقله الجمهور و خصّ بالحسنين عليهما السّلام و جعلت منه العترة الطّاهرة.
خامسها:«جامعيّة العلوم باقسامها» و ساير العلماء راجعون إليه و مستمسكون به و معتمدون عليه:
امّا الشيعة ،فرجوعهم إليه واضح.
و امّا المعتزلة ،فاوّلهم أبو هاشم و هو تلميذ ابيه،و ابوه تلميذه عليه السّلام.
و امّا الاشاعرة ،فينتهون الى ابى الحسن الاشعرى،و هو تلميذ الجبائى ابى على،و ابو على احد مشايخ المعتزلة.هذا حال المتكلّمين.
و امّا الفقهاء الاربعة ،فالحنفيّة الى الحنفى و هو تلميذ الصّادق عليه السّلام و الصادق عليه السّلام ينتهى إليه.و الشافعية الى الشافعى و هو تلميذ محمد بن الحسن،و محمد بن الحسن تلميذ ابى حنيفة.
و امّا الحنابلة فإلى احمد بن حنبل و هو تلميذ الشافعى.و امّا المالكيّة فإلى مالك و هو تلميذ ربيعة،و ربيعة تلميذ عكرمة،و عكرمة تلميذ ابن عبّاس،و ابن عبّاس تلميذ عليّ عليه السّلام.
و امّا المفسّرون ،فمرجعهم إمّا إليه او الى تلميذه ابن عبّاس.
و امّا اهل الطّريقة ،فاليه ينتهون كما صرّح به الشّبلى و الجنيد و السّرمى و ابو زيد البسطامى و معروف الكرخى و غيرهم.
و امّا علماء العربيّة ،فاليه يرجعون لانّه المؤسّس لعلم العربية حيث املى على ابى الاسود الدّؤلي جوامعه من جملتها الكلام كلّه ثلاث اشياء:اسم و فعل و حرف،و من جملتها تقسيم الكلمة الى معرفة و نكرة،و تقسيم وجوه الإعراب الى رفع و نصب و جرّ و جزم.
فانّه عليه السّلام انسى ذكر من كان قبله و محيى اسم من يأتى بعده.
و مقاماته فى الحروب مشهورة تضرب بها الامثال الى يوم القيامة؛ و هو الّذي ما فرّ قطّ و لا ارتاع و لا بارز احدا الاّ قتله و لا ضرب ضربة فاحتاج الى ثانية؛و فى حديث كان ضرباته و ترا؛و افتخر ابن الزّبير بوقوفه فى الصّف المقابل لعلىّ؛و مقالة معاوية لابن العاص حيث اشار إليه بمبارزة عليّ عليه السّلام مشهورة؛و مقالة بنت عمرو بن عبد ود:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله
بكيته ابدا ما دمت فى الابد
لكن قاتله من لا نظير له
و كان يدعى ابوه بيضة البلد
و فى القوّة يضرب به المثل،قال ابن قتيبة:ما صارع احدا الاّ صرعه؛و هو قالع باب
خيبر،و قالع هبل من اعلى الكعبة،و قال الصخرة العظيمة فخرج الماء من تحتها.
و له من المواقف الكريمة و المشاهد العظيمة فى الغزوات فى زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و بعده ما تحيّرته الأذهان،و ما يستحيل صدوره من ساير افراد الانسان.
منها غزوة بدر ،بعد ثمانية عشر شهرا من قدومه الى المدينة.
و روى الواقدى انّ القتلى فيها من المشركين تسعة و اربعون،تفرّد عليّ عليه السّلام بثمانية عشر و شارك فى أربعة منهم.و نقل علماء العامّة و الخاصّة انّ القتلى اكثر من ذلك و انّه عليه السّلام قتل ستّة و ثلاثين منهم من الأبطال و أسماؤهم مرسومة فى كتب التواريخ.
و منها غزوة احد ،و كان عمره عليه السّلام اقل من تسع و عشرين سنة، و فيها قتل حمزة.قالوا:و قد فرّ المسلمون الاّ ثلاثة،اوّلهم عليّ عليه السّلام، و قيل بل فرّوا جميعا سوى عليّ.و نقل ارباب المغازلى 1انّ القتلى من المشركين اثنان و عشرون رجلا و قتل عليّ عليه السّلام منهم سبعة،و ذكر اهل السّير قتلى احد من المشركين،و ذكروا انّ جمهورهم قتلى عليّ عليه السّلام و هم اثنى عشر.و روى العامة و الخاصّة انّ فى هذه الواقعة سمع النّداء«لا سيف الاّ ذو الفقار و لا فتى الاّ عليّ». 2و رواه عاصم بن ثابت.
و منها غزوة الخندق ،و قد كان مقدامها،و قتل فيها ابن ودّ و ابنه حبل،و اضطرب المشركون لقتله و قتل ابنه و آلوا الى الشّتات.
و سأل ربيعة حذيفة عن عليّ عليه السّلام و مناقبه،فقال حذيفة:و ما تسألنى،و الّذي نفسى بيده لو وضعت اعمال اصحاب محمد صلّى اللّه عليه و آله منذ بعث اللّه الى يوم القيامة فى كفّة،و وضع عمل عليّ عليه السّلام يوم قتل ابن ودّ فى كفّة اخرى لرجح عمل عليّ عليه السّلام على اعمالهم.فقال ربيعة:
هذا المدح الّذي لا يقام له و لا يقعد.
1) .فى«الف»:الغازى.
2) .السيرة النبويّة-لابن هشام:106/3.
و منها غزوة بنى النّضير ،و هو سبب الفتح فيها،فانّه جاء بطل من اليهود و ضرب القبّة المضروبة على النّبي صلّى اللّه عليه و آله و رجع حتّى اذا جاء الليل فقدوا عليّا عليه السّلام فاخبر النّبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:انّه فيما يصلح شأنكم،فما لبث قليلا حتّى القى رأس اليهود الّذي ضرب القبّة بين يدى النّبي، فقال له:كيف ظفرت به؟فقال:علمت انّه شجاع ما اجراه ان يخرج ليلا يطلب غيره فكنت له فوجدته اقبل و معه تسعة فقتلته و افلت اصحابه،فاخذ عليّ بعض الاصحاب و تبعهم فوجدهم دون الحصن فقتلهم و اتى برءوسهم،و كان ذلك سبب الفتح.
و منها غزوة بنى قريظة ،و كان سبب فتحهم حيث انّه عليه السّلام و قد الى حصنهم فقالوا جاءكم قاتل عمرو،فحاصرهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خمسة و عشرين يوما فجاء الفتح.
و منها غزوة بنى المصطلق ،و قتل فيها عليّ مالكا و ابنه و سبى على 1جويريّة بنت الحرث بن ابى ضرار،فجاء بها الى النّبي فاصطفاها لنفسه فجاء ابوها الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:يا رسول اللّه!انّ ابنتى لا تسبى انّه امرأة كريمة.قال:اذهب فخيّرها.فقال:لقد احسنت و اجملت و اختارت اللّه و رسوله،فاعتقها و جعلها فى جملة ازواجه.
و منها غزوة الحديبيّة ،و كان امير المؤمنين عليه السّلام كتب بين النّبي و بين سهل بن عمرو،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:اكتب يا على،فكتب:بسم اللّه الرحمن الرحيم فقال سهل:هذا كتاب بيننا و بينك فافتحه بما نعرفه و اكتب باسمك اللّهم فامح ما كتبت.فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:امح يا عليّ.فقال
1) .فى«الف»:فى جويرية.
عليّ:لو لا طاعتك لما محوتها،فمحاها و كتب عليّ بسمك اللّهم.
فقال له للنبى صلّى اللّه عليه و آله:اكتب هذا ما قاضى عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقال سهل:
لو اجبتك فى الكتاب لا قررت برسالتك،امح هذا و اكتب اسمك،فامر النبي عليّا بمحوه،فقال عليّ عليه السّلام:انّ يدى لا يطيع،فاخذ النبي صلّى اللّه عليه و آله يد على فوضعها عليه فمحاها،فقال صلّى اللّه عليه و آله لعلى عليه السّلام انّك ستدعى الى مثلها فتجيب على مضض. 1
و فى هذه الغزوة طلب النبي صلّى اللّه عليه و آله الماء،فكلّ من يذهب بالرّوايا يرجع خاليا حتّى ذهب عليّ عليه السّلام فملأ الروايا و اتى به،و عجب الناس.
و فى هذه الغزوة اقبل سهل بن عمرو الى النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:انّ أرقّائنا لحقوا بك فارجعهم إلينا.فغضب صلّى اللّه عليه و آله و قال:
لتنتهنّ يا معشر قريش او ليبعثنّ اللّه عليكم رجلا امتحن اللّه قلبه للايمان،يضرب رقابكم على الدّين.فقال بعض من حضر:ابو بكر؟ قال:لا.قيل:عمر؟قال:لا.قال صلّى اللّه عليه و آله:و لكنّه خاصف النّعل فى الحجرة.فنظروا فاذا بعلىّ عليه السّلام يخصف نعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فى الحجرة. 2و قد ورد هذا المضمون فى عدّة روايات.
و منها غزوة خيبر ،و قد روى عبد الملك بن هشام فى كتاب السّيرة النبويّة يرفعه الى ابن الاكوع عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه نهض برايته الى بعض حصون خيبر أبا بكر فقال:و رجع خائبا.ثمّ بعث عمر فكان كذلك.فقال:لاعطينّ الرّاية غدا رجلا يحبّ اللّه و رسوله و يحبّه اللّه
1) .السيرة النبويّة:331/3.
2) .المناقب للخوارزمى142/.
و رسوله،يفتح اللّه على يديه امض كرّارا ليس بفرّار،فدعا عليّا عليه السّلام و كان ارمد،فتفل فى عينيه ثم قال:خذ هذه الرّاية و امض حتّى يفتح اللّه عليك. 1
و فيها عن ابى رافع انّ عليّا عليه السّلام لمّا دنا من الحصن ضربه يهودىّ بحجر فسقط ترسه من يده فتناول باب الحصن و تترّسه حتّى فتح اللّه على يديه و القاه من يده،قال:كان معى سبعة نفر و انا ثامنهم فجهدنا ان نقلب الباب فلم نقدر،و قيل و كان الّذي يغلقه عشرون رجلا و اراد المسلمون نقل الباب فلم ينقله الاّ سبعون رجلا. 2
و منها غزوة الفتح ،و فيها امر النبي صلّى اللّه عليه و آله سعد بن عبادة بإعطاء الرّاية لعلىّ.و فيها ارسله النبي لإخراج كتاب كتبه حاطب بن ابى بلتعة الى اهل مكّة يعرفهم فيه مجيء النبي صلّى اللّه عليه و آله إليهم،و كان ابن ابى بلتعة اعطاه جارية 3سوداء و امرها ان تأخذ على غير الطريق، و كان معه الزّبير فطلبا المكتوب فلم يجداه فاراد الزّبير الرّجوع فقال عليّ عليه السّلام:يخبرنى رسول اللّه بانّه عندها و يحلف معاذ اللّه،فاخذ الجارية و تهدّدها بالذبح،فاخرجت الكتاب من عقبها.و فيها قتل عليّ عليه السّلام الحويرث بن نفيل و اراد قتل جماعة اجارتهم أمّ هانى، فشكت الى رسول اللّه فعفى عنهم لقربها من عليّ.
و منها غزوة حنين ،و فيها عجب ابو بكر من كثرتهم حتّى نزلت
1) .السيرة النبويّة:349/3.
2) .السيرة النبوية:349/3-350.
3) .فى«الف»:لجارية.
فيه الآية،و قد فرّ المسلمون سوى تسعة من بنى هاشم اقدمهم عليّ و هو واقف بين يدى النّبي.و قد قتل فيها من المشركين اربعين رجلا فوقع فيهم القتل و الاسر.
و منها غزوة السّلسلة ،و ذلك انّه اخبر النبي صلّى اللّه عليه و آله انّ المشركين ارادوا بتيه فى المدينة،فاستدعى أبا بكر فارسله الى الوادى الّذي هم فيه فلمّا وصلهم كمنوا له و خرجوا إليه فهزموه،و كذلك ذهب بعده عمرو بن العاص لانّه قال انا اذهب إليهم الحرب خديعة،فذهب و رجع منهزما فسار إليهم امير المؤمنين عليه السّلام يكمن بالنهار و يسير باللّيل،فكبسهم باللّيل و هم غافلون فاستولى عليهم.
و منها غزوة تبوك ،و فيها خرج امير المؤمنين عليه السّلام فخرج لمبارزته عمرو بن معديكرب ،فولّى منهزما و قتل اخاه و ابن اخيه و سبى امرأته و نساء غيرها،و اصطفى لنفسه جارية فوشوا به الى رسول اللّه ظانّين انّه يغضب لمكان فاطمه عليه السّلام،فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:انّه يحلّ لعلىّ عليه السّلام من الفيء ما يحلّ لى.
فمنها وقعة الجمل ،بينه عليه السّلام و بين جند عائشة،و كان رئيسهم طلحة و الزبير اللّذان 1حركاها على الحرب و حسّناها لها الطلب بدم عثمان بعد ان كانت تقول:اقتلوا نعثلا قتله اللّه!فقيل لها فى ذلك، فقالت:قلت لهم و ما فعلوا حتّى تاب و صار كسبيكة الفضّة.
ثمّ انّه لمّا تلاقى الفريقان قتل من اصحاب الجمل ستّ
1) .فى«الف»:و هما اللّذان.
عشر الفا و سبع مائة و تسعون،و كانوا ثلاثين الفا.و قتل من اصحاب عليّ الف و سبعون رجلا،و كانوا عشرين الفا.و كان قتلى عليّ عليه السّلام ما لا يحصى.
و منها وقعة صفّين ،و قد اقامت شهورا عديدة،و كان من عظيم مواقعها ليلة الهرير،و كان اوّلها المسايفة و آخرها الملاقات بالابدان.
و كان لعلىّ عليه السّلام فيها قتلى كثيرة،و كلّما قتل واحداً كبّر،فحسب له فيها خمس مائة و ثلاثين او عشرين تكبيرة على عداد القتلى،و قيل عرف قتلاه بالنّهار،فانّ ضرباته كانت على وتيرة واحدة ان ضرب طولا قدّ و ان ضرب عرضا قطّ،و كانت كانّها مكواة بالنّار،و كان من جملة من قتل مع عليّ عليه السّلام عمّار الّذي قال فيه النبي صلّى اللّه عليه و آله:تقتله الفئة الباغية.
و منها وقعة النّهروان مع الخوارج،و كانوا اثنى عشر الفا، فكلّمهم عليّ عليه السّلام و ناظرهم فرجع منهم ثمانية آلاف و بقى أربعة آلاف،و كان رئيسهم ذو الثّدية،فقاتلهم عليه السّلام فقتلهم و لم يفكّ منهم سوى تسعة رجلان هربا الى سجستان من الخراسان،و فيها نسلهما، و اثنان الى بلاد عمّان و بهما نسلهما،و اثنان الى اليمن و فيها نسلهما و هم الاباضية،و آخران الى بلاد الجزيرة الى قرب شاطئ الفرات و اخر الى تل معدن 1،و كان عليه السّلام هو الّذي قتل فيه الابطال و جدل الرجال.
و كان من شجاعته انّها تعدّ من اعظم المعاجز.
فانّ له من الخصائص ما لم يكن لاحد و لا يكون مدى الابد،
1) .فى«الف»:تل مورن.
فانّه على كثرة حروبه و عظم مواقفه،ما صرعه احد و لا ولى منهزما، و لا جرح احدا و سلم من جراحته،و لا قاد جيشا الاّ و كان النّصر معه، و لا جرح جراحة اردته،و لا هاب الاقران،و لا خاف النّزال،فهو معدوم النظير فى الشجاعة لا يماثله احد.
فقد كان عليه السّلام ازهد الخلق بعد النّبي صلّى اللّه عليه و آله،كما شهد بذلك عمر بن عبد العزيز.
و روى سويد بن غفلة انّه دخل عليه فوجد بين يديه صحفة 1فيها لبن عظيم الرّائحة من شدّة الحموضة و فى يده رغيف يرى قشار الشعير فى وجهه،و هو يكسره بيده احيانا،فاذا عسر عليه كسره بركبتيه.
و كنس بيت المال يوما و رشّه و هو يقول:يا صفراء غرّي غيرى،يا بيضاء غرّى غيرى.تم تمثّل:
هذا جناى و خياره فيه
إذ كلّ جان يده الى فيه
2
و كان عليه السّلام اخشن الناس مأكلا و ملبسا.قال عبيد اللّه بن ابى
رافع:
دخلت عليه يوم عيد فقدّموا جرابا مختوما فوجدنا خبز الشعير فيه يابسا مرضوضا فاكل و ختم.فقلت يا امير المؤمنين لم تختمه؟فقال:
خفت هذين الولدين يعنى الحسنين ان يلثّاه بسمن او زيت. 3
و كان ثوبه مرقوعا بجلد تارة و بليف اخرى،و كان يلبس
1) .فى«الف»:بين صحفه فيها لبن.
2) .المناقب للخوارزمى118/.
3) .شرح نهج البلاغة-لابن ابى الحديد-ج26/1.
الكرابيس الغليظة،فاذا وجد كمّه طويلا قطعه بشفرة و لم يخطه و كان لا يزال متساقطا على ذراعيه حتّى يبقى سدى بلا لحمة.
و كان يأتدم بخلّ و ملح ان ائتدم فان ترقى عن ذلك فببعض نبات الارض فان ارتفع عن ذلك فبشيء من ألبان الابل و لا يأكل الاّ قليلا،و كان عليه السّلام يقول:لا تجعلوا بطونكم مقابر للحيوانات.
و هو الّذي طلّق الدّنيا ثلاثا،و كانت الاموال تجيء إليه ممّا عدى الشام فيفرّقها و يمزّقها و يقول:
هذا جناى و خياره فيه
اذ كلّ جان يده الى فيه
1
و كان يطوى يومين او ثلاثة من الجوع،و يشدّ حجر المجاعة على بطنه
الشريف.و كان فراشه التراب،و وساده الحجر.
و من خبر ضرار بن حمزة الضبّائي عند دخوله على معاوية و مسألته عن امير المؤمنين،قال:فاشهد لقد رأيته فى بعض مواقفه و قد ارخى الليل سدوله و هو قائم فى محرابه قابض على لحيته يتململ يتململ السّليم-اى الملسوع-و يبكى بكاء الحزين و هو يقول:«يا دنيا!يا دنيا!أليك عنّى،ابى تعرّضت أم إليّ تشوّقت لا حان حينك، هيهات هيهات غرّى غيرى،لا حاجة لى فيك قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة لى فيك،فعيشك قصير،و خطرك يسير،و املك حقير،آه من قلّة الزّاد و طول الطريق و بعد السفر و عظم المورد».
فقال له معاوية(لعنه اللّه):يا ضرار!صف لى عليّا عليه السّلام فقال له:
اعفنى من ذلك.فقال:ما اعفيك يا ضرار!قال:ما اصف منه،كان
1) .شرح نهج البلاغة-لابن ابى الحديد-ج 26/1.
و اللّه شديد القوى،بعيد المدى،ينفجر العلم من انحائه و الحكمة من ارجائه،يستوحش من الدّنيا و زهرتها،و يأنس بالليل و وحشتها، لا يطمع القوى فى باطله،و لا ييأس الضّعيف من عدله،حسن المعاشرة،سهل المباشرة،خشن المأكل،قصير الملبس،عزيز العبرة،طويل الفكرة،يقلب كفّه،و يحاسب نفسه،و كان فينا كاحدنا، يجيبنا اذا سألناه و يبتدعنا اذا سكتنا،و نحن مع تقريبه إلينا اشدّ ما يكون صاحب لصاحبه هيبة،لا نبتدؤه الكلام لعظمه،يحبّ المساكين،و يقرب اهل الدّين.
و اشهد لقد رأيته فى بعض مواقفه و قد ارخى الليل سدوله و غارب نجومه،قابضا على لحيته يتململ تململ السليم -اى الملسوع-و يبكى بكاء الحزين و يقول:(يا دنيا يا دنيا غرّى غيرى،ابى تعرّضت أم بى تشوّقت؟هيهات هيهات،قد طلّقتك ثلاثا لا رجعة لى فيك،فعمرك قصير و خطرك حقير،اه من قلّة الزّاد و بعد السّفر و وحشة الطّريق.
فبكى معاوية لعنه اللّه و قال:رحم اللّه أبا الحسن،كان و اللّه كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟قال:حزن من ذبح ولدها فى حجرها. 1
و غير ذلك كثير جدّا.
فقد كان اعبد الناس،و اكثرهم صلاة و صوما،و كان يصلّى فى كلّ ليلة الف ركعة،و منه تعلّم النّاس النّافلة و الاوراد.و كان يحفظ
1) .مروج الذهب:433/2.
القرآن و لا حافظ هناك غيره.و ما ظنّك برجل يبلغ من محافظته على ورده انّه تبسط له نطع بين الصّفين ليلة الهرير فيصلّى عليه و رده و السهام تقع بين يديه و عن جانبه فلا يرتاع لذلك.
و بلغ فى العبادة الى حيث يؤخذ النّشاب من جسده عند الصّلاة،و كان زين العابدين عليه السّلام يصلّى فى اللّيل الف ركعة ثمّ يلقى صحيفته و يقول:انّى لى بعبادة عليّ.
و هو الّذي كان يقول:و اللّه ما عبدتك خوفا من نارك و لا طمعا فى جنّتك،و لكن وجدتك اهلا للعبادة فعبدتك. 1
و كانت جبهته كثفته البعير لكثرة طول السّجود.
و قيل لعلىّ بن الحسين عليه السّلام و هو من اعبد العبّاد:كيف عبادتك من عبادة عليّ؟فقال:عبادتى منه كعبادته عليه السّلام من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله. 2
و من تأمّل فى دعواته و مناجاته و اوراده المنقولة عنه و صلواته،ظهر ذلك له كل الظّهور.
فكان عليه السّلام احلم الخلق و اشدّهم عفوا،و ينبئ عن ذلك عنده عن عائشة بعد ما فعلت فعلها الشنيع؛و عفوه عن عبد اللّه بن الزبير و كان اشدّ الناس له عداوة؛و عفوه عن سعيد بن العاص بعد ظفره به؛ و عن اهل البصرة بعد انكسار شوكتهم،و نادى مناديه:لا يجهز على جريح و لا يتبع مدبر و لا يقتل مستأسر،و من القى سلاحه فهو آمن،
1) .بحار الانوار:14/41.
2) .شرح نهج البلاغة-لابن ابى الحديد-ج 27/1.
و لم يأخذ اثقالهم و لا سبى ذراريهم.
و عن عسكر معاوية لمّا منعوه من الماء،فوقع عليهم و كشفهم عنه بعد المقاتلة العظيمة،فشكوا إليه العطش فامر اصحابه بتخلية الشريعة لهم،و قال:فى حدّ السيوف ما يغنى عن ذلك.
فهو امام الفصحاء،و سيّد البلغاء،و فى كلامه قيل:انه فوق كلام المخلوقين و دون كلام الخالق.و قيل فى ذلك:انّه لو لم يكن فى البريّة قرآن لكان نهج البلاغة قرآنهم.
و فى النّظر فى خطبه و مواعظه و مناجاته و دعواته،ما يغنى عن البرهان.و لما قال محقن بن ابى محقن لمعاوية:جئتك من عند اعياء العرب-يعنى عليا عليه السّلام-فقال له معاوية:ويحك!و اللّه ما سن الفصاحة لقريش غيره.
و اما«حسن الاخلاق و طلاقة الوجه»: 1
فهى معروفة فيه حتّى عابه اعدائه،و قد قال فى ذلك عمرو بن العاص:انّه ذو دعابة شديدة.و قد اخذها من عمر حيث قال لعلىّ عليه السّلام:للّه ابوك لو لا دعابة فيك.و قال معاوية لقيس بن سعد:
رحم اللّه عليّا عليه السّلام كان هشّاشا بشّاشا ذا فكاهة.فقال قيس:كان رسول اللّه يمزّح و يتبسّم مع اصحابه انّه و اللّه لكان من تلك الفكاهة و الطّلاقة اهيب من ذى لبد قد مسّه الطّوى تلك هيبة التّقوى لا كما يهابك طغاة اهل الشام.
1) .شرح نهج البلاغة-لابن ابى الحديد-ج 25/1.
قال ابن ابى الحديد:و قد بقى هذا الخلق متوارثا فى محبّيه الى الآن،كما بقى الجفاء و الخشونة و الوعورة فى الجانب الاخر. 1
و امّا«حاله-ع-فى الرّأى و التدبير و حسن السياسة»:
فمعلوم لمن تأمّل فى مواقعه و مشاهده و خصوصا بعد ما صدر بعد استقامة الامر له،و كانت تعظّمه الفلاسفة،و تصوّر ملوك الافرنج و الرّوم صورته فى بيعها و بيوت عباداتها حاملا سيفه مشمرا للحرب،و تصوّرها ملوك التّرك و الدّيلم على أسيافها،و كانت على سيف عضد الدّولة بن بويه،و سيف ابيه ركن الدّولة،و على سيف البارسلان ،و سيف ابنه ملك شاه.
و امّا«السخاوة و الجود فى اللّه»:
فحاله صلوات اللّه عليه فيه ظاهرة،و كان يصوم و يطوى و يؤثر زاده.
و روى انّه لم يملك الاّ أربعة دراهم،فتصدّق بواحدة ليلا و بدرهم نهارا و بدرهم سرّا و بدرهم علانية. 2
و روى انّه يستقى 3بيده نخل قوم من يهود المدينة حتّى مجلت يده و يتصدّق بالاجرة و يشدّ على بطنه حجرا. 4
1) .شرح نهج البلاغة-لابن ابى الحديد-ج 26/1.
2) .شرح نهج البلاغة-لابن ابى الحديد-ج 21/1.
3) .يسقى.
4) .شرح نهج البلاغة-لابن ابى الحديد-ج 22/1.
قال الشّعبى انّه كان اسخى الناس،ما قال لسائل لا قطّ. 1
و قال معاوية بن ابى سفيان لمحقن بن ابى محقن الظّبى لمّا قالت له:جئتك من عند ابخل الناس-يعنى عليا عليه السّلام-قال له:
ويحك!كيف تقول انّه ابخل الناس،و لو ملك بيتا من تبن و بيتا من تبر لا نفذ تبره قبل تبنه 2.
و هو الّذي كان يكنس بيت الاموال و يصلّى.
و هو الّذي قال:يا صفراء،يا بيضاء غرّ يا غيرى.
و هو الّذي لم يخلف ميراثا. 3
الى غير ذلك من الفضائل و الكرامات.
فانّها لا تكون لنبىّ او وصىّ نبىّ،لانّه صاحب الحوض و اللّواء و الصراط و الاذن.
و روى الخوارزمى عن ابن عباس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:
لا يدخل الجنّة الاّ من جاء بجواز من على بن ابى طالب عليه السّلام 4.
و عن ابن عباس أيضا قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:اذا كان يوم القيامة امر اللّه جبرائيل ان يجلس على باب الجنة فلا يدخلها الاّ من معه براءة من العذاب من عليّ بن ابى طالب عليه السّلام 5.
1) .شرح نهج البلاغة-لابن ابى الحديد-ج 22/1.
2) .شرح نهج البلاغة-لابن ابى الحديد-ج 22/1.
3) .شرح نهج البلاغة-لابن ابى الحديد-ج 22/1.
4) .المناقب للخوارزمى71/.
5) .المناقب لابن المغازلى131/.
و عن جابر بن سمرة قال:قيل يا رسول اللّه،من صاحب لوائك فى الآخرة؟قال:صاحب لوائى فى الآخرة،صاحب لوائى فى الدنيا على بن ابى طالب عليه السّلام 1.
و عن عبد اللّه بن انس قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:اذا كان يوم القيامة و نصب الصّراط على شفير جهنم لم يجز عليه الاّ من كان معه كتاب بولاية على بن ابى طالب. 2
و لمحبّيه أيضا المرتبة العالية.ففى مسند ابن حنبل عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه اخذ بيد الحسنين عليهما السّلام و قال:من احبّنى و احبّ هذين و احبّ اباهما و امهما كان معى فى درجتى يوم القيامة.
و عن حذيفة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:من احبّ ان يتمسّك بقبضة الياقوت الّتي خلفها اللّه تعالى ثم قال كونى فكانت فليتولّ على بن ابى طالب عليه السّلام من بعدى. 3
و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:لو اجتمع النّاس على حبّ عليّ عليه السّلام لم يخلق اللّه النار. 4
و قال صلّى اللّه عليه و آله:حبّ عليّ حسنة لا يضرّ معها سيّئة و بغض عليّ سيّئة لا تنفع معها حسنة. 5
و عن سلمان قال:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول:من احبّ عليّا فقد
1) .الناقب للخوارزمى358/.
2) .المناقب لابن المغازلى242/.
3) .المسند لابن حنبل:76/1-المناقب لابن مغازلى216/.
4) .المناقب للخوارزمى67/.
5) .المناقب للخوارزمى35/.
احبّنى و من ابغض عليّا فقد أبغضني و من احبّنى فقد احبّ اللّه و من ابغضنى فقد ابغض اللّه. 1
و روى اخطب خوارزم عن ابن عمر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انه قال:من احبّ عليّا عليه السّلام قبل اللّه صلاته و صومه،و استجاب دعائه،ألا و من احبّ عليّا اعطاه اللّه بكلّ عرق فى بدنه مدينة فى الجنّة،ألا و من احبّ آل محمد فأنا كفيله فى الجنة مع الأنبياء،ألا و من ابغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه(آيس من رحمة اللّه). 2
و فى مناقب الخوارزمى عن ابى ذر عن النبي صلّى اللّه عليه و آله انّه قال:من غضب عليّا عليه السّلام بعدى فهو كافر،و قد حارب اللّه و رسوله. 3
و عن معاوية بن وجيس القشرىّ قال:سمعت النبي صلّى اللّه عليه و آله يقول لعلىّ عليه السّلام:لا يبالى من مات و يبغضك مات يهوديّا او نصرانيّا. 4
و عن انس بن مالك ان النّبي صلّى اللّه عليه و آله قال لعلىّ عليه السّلام:كذب من زعم انّه يحبّنى و يبغضك. 5
و عن ابى هريرة انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله قال لعلىّ عليه السّلام و فاطمة و الحسنين:
انا حرب لمن حاربكم و سلم لمن سالمكم. 6
و عن ابن عباس قال:قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله لعلىّ عليه السّلام انت سيّد من
1) .كنز العمال:23024/11-المناقب للخوارزمى30/.
2) .المناقب للخوارزمى32/.
3) .المناقب لابن المغازلى45/.
4) .المناقب لابن المغازلى45/.
5) .المناقب للخوارزمى76/(مع تفاوت يسير).
6) .كنز العمال:34159/12.
فى الدنيا و من فى الآخرة،من احبّك احبّنى و من احبّنى احبّ اللّه و عدّوك عدوّى و عدوّى عدوّ اللّه،ويل لمن ابغضك. 1
الى غير ذلك من الاخبار الّتي ملأت الاقطار و ظهرت ظهور الشمس فى رابعة النّهار،لكنّها لم تبلغ عائشة أمّ المؤمنين المطّلعة على جميع الاخبار الصّادرة عن خاتم النبيّين،و لا بلغت معاوية كاتب الوحى فكتبها و لا كتب الآيات الدّالة على فضل امير المؤمنين عليه السّلام و على لزوم مودّة اولى القربى،و لا بلغت المشايخ الاوّليين حتّى جعلوا امير المؤمنين عليه السّلام معزولا لم يأتمنوه على ادنى الولايات.
و ليت شعرى كيف تكون محبّة من لم يكن نبيّا و لا إماما ايمانا و تركها كفرا،و كيف تثبت هذه المرتبة الجليلة المتاخمة مع مرتبة النبوّة لمن يكون كبعض الصحابة.
و كيف كان،فالاخبار متواترة معنى ان لم يكن 2التواتر اللّفظى على انّ اعتقاد ولاية عليّ عليه السّلام و محبّته من اصول الدّين،و ذلك انّما يجرى على اصول الشيعة.
و امّا المثالب الثابتة للقوم الّتي يأبى كثير منها الاسلام فضلا عن الايمان و العدالة،فكثيرة لا يمكن ضبطها،و لكن نذكر نبذة منها.
منها: التّخلف عن جيش اسامة،و قد تواتر ذلك و تواتر لعن
1) .مستدرك الصحيحين.127/3-المناقب لابن المغازلى103/ مع تفاوت يسير.
2) .فى«الف»:ان لم يحصل.
المتخلّف،و المتخلّف باعث معنوىّ يدركه كل ذى رؤية.
و منها شهادة عمر انّ بيعته كانت فلتة،و قد اوردوها فى كتبهم و تأوّلوها بالفجاءة،و قوم قالوا فتنة.
و منها استقالته المشهورة،و هى مروية بانحاء مختلفة.
و منها منع فاطمة الزّهرا عليها السّلام ارثها برواية مخالفة للقرآن،و قد روى البخارى بطريقين انّ فاطمه عليها السّلام ارسلت تطالبه بميراثها فمنعها من ذلك فغضبت على ابى بكر و هجرته و لم تكلّمه حتى ماتت، و دفنها عليّ ليلا و لم يؤذن بها ابو بكر،و هذا لا يكون الاّ من عدم انذار النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لاهل بيته،فيلزم ان يكون النّبي صلّى اللّه عليه و آله قد خالف اللّه تعالى فى قوله تبارك و تعالى «وَ أَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ» 1لانّه لم ينذر عليّا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السّلام و العباس و لا احدا من بنى هاشم إلا مرتين و لا احدا من نسائه و لا احداً من المسلمين.
و روى الحافظ بن مردويه باسناده الى عائشة انّها ذكرت كلام فاطمة لابيها و قالت فى آخره:و انتم تزعمون ان لا إرث لنا «أَ فَحُكْمَ الْجٰاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ -الآية 2-»يا معشر المسلمين،انّه لا إرث ابى يا ابن ابى قحافة؟أ في كتاب اللّه ترث اباك و لا إرث ابى؟لقد جئت شيئا فريّا!فدونكها مرحولة مختومة فى عنقك تلقاك يوم حشرك و يوم نشرك،فنعم الحكم اللّه تعالى،و المقيم محمد صلّى اللّه عليه و آله،و الموعد القيامة، و عند الساعة يخسر المبطلون. 3
1) .الشعراء214/.
2) .المائدة50/.
3) .شواهد التنزيل:335/1.
و روى الواقدى و غيرهم من العامّة انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا افتتح خيبرا اصطفى لنفسه قرى من قرى اليهود،فنزل عليه جبرئيل عليه السّلام بهذه الآية «وَ آتِ ذَا الْقُرْبىٰ حَقَّهُ» 1فقال النبي صلّى اللّه عليه و آله:و من ذا القربى و ما حقّه؟قال جبرئيل عليه السّلام:فاطمة عليها السّلام فدفع إليها فدك و العوالى، فاستعملتها حتّى توفّى ابوها،فلمّا بويع ابو بكر منعها،فكلّمته،فقال:
ما امنعك عمّا دفع أليك ابوك،فاراد ان يكتب لها فاستوقفه عمر فقال:
امرأة فلتأت على ما ادّعت ببيّنة!فامرها ابو بكر فجاءت بعلىّ و الحسنين عليهم السّلام و أمّ ايمن و اسماء بنت عميس،فردّ شهادتهم فقال:لا، امّا عليّ فانّه يجرّ نفعا الى نفسه،و الحسنان ابناك،و أمّ ايمن و اسماء نساء!فعند ذلك غضبت عليه فاطمة الزّهراء و حلفت ان لا تكلّمه حتّى تلقى اباها و تشكو إليه. 2
و هذا يدلّ على نهاية جهله بالاحكام،على انّهما لم يكن عندهما مثقال ذرّة من الاسلام،و هل يجوز على الّذين طهّرهم اللّه بنصّ الكتاب ان يقدموا على غصب المسلمين اموالهم و ان يدلّهم ابو بكر على طريق الصّواب،فاعتبروا يا اولى الالباب.
مع انّه قد روى مسلم فى صحيحه بطريقين انّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال:
فاطمة الزّهراء بضعة منّى،يؤذينى من اذاها. 3
و روى البخارى فى صحيحه انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:فاطمة
1) .الإسراء26/.
2) .شواهد التنزيل للحسكانى:338/1 و الدر المنثور:177/4(مع تفاوت يسير).
3) .الصحيح للمسلم(كتاب فضائل الصحابة-باب فضائل فاطمة)-الصحيح للترمذى: 319/2.
بضعة منّى،من ابغضها فقد ابغضنى. 1و كذلك روى هذين الحديثين فى الجمع بين الصحيحين.
و روى فى الجمع بين الصّحاح السّت انّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله قال:
فاطمة بضعة منّى و سيّدة نساء العالمين،ثم قال:سيدة نساء اهل الجنّة. 2
و روى بطريق آخر أيضا انّه صلّى اللّه عليه و آله قال:أ لا ترضين ان تكونى سيّدة نساء العالمين،او سيدة نساء اهل الجنّة. 3
و روى بطريق آخر أيضا قال صلّى اللّه عليه و آله لها:الا ترضين ان تكونى سيدة نساء المؤمنين،او سيدة نساء هذه الامّة. 4و كذلك رواه البخارى فى صحيحه، 5و كذلك رواه الثّعلبى. 6
و منها احراق بيت فاطمة الزّهراء لمّا جلس فيه عليّ عليه السّلام و معه الحسنان،و امتنع عليه السّلام عن المبايعة.نقله جماعة من اهل السّنة،منهم الطّبرى و الواقدى و ابن خزامة عن زيد ابن اسلم و ابن عبد ربّه و هو من اعيانهم،و روى فى كتاب المحاسن و غير ذلك.
فمنه: قول الزمخشرى فى ربيع الابرار انّه قد تمثّل بهذه
1) .صحيح البخارى-كتاب المناقب-الباب 11.
2) .المناقب لابن المغازلى380/-و مسند احمد:328/4.
3) .صحيح مسلم:242/7-مسند احمد:282/6.
4) .صحيح ترمذى:319/2-تفسير فخر الرازى-ذيل سورة المعارج.
5) .صحيح البخارى-كتاب المناقب-الباب 11.
6) .مسند احمد:282/5-صحيح البخارى:64/4.
الابيات عمر و هو سكران:
أ يخبرنا ابن كبشة ان سخى
و كيف حياة اصدام و هام
اذا ما الرأس زائل منكبيه
فقد شبع الانيس من الطعام
و يقتلنى اذا ما كنت حيّا
و يحيينى اذا ما دمت عظامى
الا من يبلع الرّحمن عنّى
بانّى تارك شهر الصّيام
فقل للّه يمنعنى شرابى
و قل للّه يمنعنى طعامى
و منه: مخالفته للنّبي صلّى اللّه عليه و آله الّذي لا
ينطق عن الهوى فى احضار الدّوات و القرطاس ليكتب للمسلمين كتابا لن يضلّوا بعده
ابدا،فقال:
دعوه فانّه يهجر.و رواه الاكثر بلفظ انّ الرجل و هذا لا يجوز ان يواجه به مثل النبي الكريم ذو الخلق العظيم.
و قد روى ذلك مسلم فى صحيحه، 1و رواه غيره من اهل النّقل.
و كان ابن عبّاس يقول:انّ الرزيّة كلّ الرّزيّة ما حال بيننا و بين كتاب نبيّنا. 2
و منه: بيعة ابى بكر و خاصم عليها بغير دليل.
و منه: قصد بيت النّبوّة و ذريّة الرسول صلّى اللّه عليه و آله بالاحراق.
و منه: امر برجم الحامل و رجم مجنونة،فنهاه على عليه السّلام فقال:
لو لا عليّ لهلك عمر.
و منه: منع المغالات فى المهر فقالت له امرأة:أ ما تقرأ القرآن؟ قال اللّه تبارك و تعالى «وَ آتَيْتُمْ إِحْدٰاهُنَّ قِنْطٰاراً -الآية 3-»فقال:
1) .الصحيح للمسلم:2-آخر الوصايا...و الصحيح للبخارى:118/2.
2) .مسند احمد:324/1.
3) .النساء20/.
كلّ الناس افقه من عمر حتّى المخدّرات فى البيوت.
و منه: انّه اعطى عائشة و حفصة فى كلّ سنة عشرة آلاف درهم من بيت المال،و اخذ أيضا مائتي درهم،فانكر عليه الصّحابة،فقال:
اخذتها من جهة القرض.
و منه: انّه تسوّر على قوم فوجدهم على منكر،فقالوا له:
اخطأت من جهات:التّجسّس و قد نهى اللّه عنه، 1و الدّخول من غير الباب و قد نهى اللّه عنه، 2و الدخول من غير اذن و قد نهى اللّه عنه، 3فدخله الخجل.
و منه: انّه منع خمس اهل البيت،و كان عليه ثمانون الف درهم.
و منه: انّه عطّل حدود اللّه فى المغيرة بن شعبة،و لقّن الشّاهد الرابع فامتنع حتّى كان عمر يقول:اذا راه قد خفت ان يرمينى اللّه بحجارة من السّماء.
و كان يتلوّن فى احكامه لجهله حتّى قضى فى الحدّ سبعين قضيّة،و روى مائة قضيّة و كان يفضل فى العطاء و الغنيمة و يعوّل على الظنون فى اقامة الحدود.
و منه: انّه قال:متعتان كانتا على عهد رسول اللّه و انا انهى عنهما و اعاقب عليهما.و قد روى البخارى و مسلم فى صحيحهما من عدّة طرق عن جابر و غيره،كنا نستمتع بالقبضة من التّمر و الدّقيق.
1) .الحجرات12/.
2) .البقرة189/.
3) .النور27/.
على عهد رسول اللّه و ابى بكر حتى نهانا عنها عمر. 1و قد روى فى الجمع بين الصحيحين نحو ذلك من عدّة طرق. 2و روى احمد بن حنبل فى مسنده عن عمران بن حصين قال:نزلت متعة النساء فى كتاب اللّه و عملناها و فعلناها مع النّبي صلّى اللّه عليه و آله و لم ينزل قرآن بحرمتها و لم ينه عنها حتّى قبض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله 3.
و روى الترمذي فى صحيحه قال:سئل ابن عمر عن متعة النساء،فقال:هى حلال فقيل له:انّ اباك قد نهى عنها و قال:دعوا نكاح هذه النساء فانّى لن اوتى برجل نكح امرأة الى اجل الاّ رجمته بالحجارة!فقال:سبحان اللّه!ان كان ابى قد حرمها فقد سنّها رسول اللّه فتترك سنّة رسول اللّه و تتبع قول ابى؟ 4
و منه: قضيّة الشّورى و نصّه على ذمّ السّتة و جعل الامر الى ستّة،ثم الى أربعة،ثمّ الى واحد،و فيها من الامر المخترع المبتدع ما اللّه اعلم به.
و منه: صلاة التّراويح جماعة،و قد اجمع على انّها بدعة حتّى هو فانّه قال:بدعة و نعم البدعة 5و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:كلّ بدعة ضلالة و كلّ ضلالة سبيلها الى النّار. 6
1) .الصحيح للمسلم:131/4-المسند لأحمد:380/3.
2) .مسند احمد:380/3-الصحيح للمسلم(كتاب النكاح-باب المتعة).
3) .مسند احمد:436/4.
4) .الصحيح للترمذى:185/3.
5) .صحيح البخارى:252/2-موطأ مالك:114/1.
6) .بحار الانوار:203/74.
الى غير ذلك.
فقد كان يولّى شرّاب الخمور كالوليد بن عتبة الّذي دعى فاسقا بقوله تعالى «أَ فَمَنْ كٰانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كٰانَ فٰاسِقاً لاٰ يَسْتَوُونَ -الآية 1-»و بقوله تعالى «إِنْ جٰاءَكُمْ فٰاسِقٌ بِنَبَإٍ» 2و كتب الى عدوّ اللّه عبد اللّه ابن ابى سرح بقتل محمد بن ابى بكر و كان ذلك سبب حصره و قتله.
و منه: ردّ مروان بن الحكم بن ابى العاص طريد رسول اللّه الى المدينة،و كان عثمان قد كلّم الاوّل و الثانى فى ردّه فلم يقبلاه و زجراه، و لمّا ردّه جاء على و طلحة و الزبير و اكابر الصّحابة و خوّفوه من اللّه فلم يسمع.
و انّه كان يؤثر اهل بيته بالاموال حتّى زوّج أربعة انفس من قريش ببناته و دفع إليهم اربع مائة الف دينار من بيت مال المسلمين.
و اعطى مروان بن الحكم مائة الف دينار.و روى الواقدى ثلاث مائة الف دينار،و هى صدقات و ضاعة.
و روى الواقدى أيضا انّ عثمان قسّم اموالا بعثها إليه ابو موسى الاشعرى من البصرة بين اهله و ولده بالصّحاف. 3
و عنه انّه ضرب أبا ذر مع تقدّمه فى الاسلام و علوّ شأنه عند
1) .السجدة18/.
2) .الحجرات6/.
3) .لم توجد.
النبي صلّى اللّه عليه و آله و نفاه الى الرّبذة.
و منه: ضرب عبد اللّه بن مسعود حتّى كسّر بعض اضلاعه فعهد ان لا يصلّى عليه عثمان،و قال عثمان:لمّا عاده فى مرض موته استغفر لي فقال عبد اللّه:اسئل اللّه ان يأخذ لي حقّى منك.
و منه: ضرب عمّار بن ياسر حتّى حدث به فتق بغير جرم منه، الاّ انّه نهاه عن بعض المناكر،و كان عمّار بن ياسر من الموليين على قتله هو محمد بن ابى بكر،و كانا يقولان:قتلناه كافرا،و كان عمّار يقول:ثلاثة يشهدون على عثمان بالكفر و انا الرّابع و من لم يحكم بما انزل اللّه فاولئك هم الكافرون.
و قيل لزيد بن ارقم:باىّ شيء كفرتم عثمان؟فقال:بثلاث:
جعل المال دولة بين الاغنياء،و جعل المهاجرين و الانصار من الصّحابة بمنزلة من حارب اللّه و رسوله،و عمل بغير كتاب اللّه.
و كان حذيفة ابن اليمان يقول:ما فى كفر عثمان بحمد اللّه شكّ و من عطّل الحدّ الواجب على عبيد اللّه بن عمر حيث قتل الهرمزان مسلما،و كان قد اوصى عمر بقتله،فدافع عنه و حمله الى الكوفة و اقطعه بها دارا او ارضا و نقم عليه المسلمون فى ذلك.
و من تبرّأ منه كلّ الصّحابة فكانوا بين قاتل له و راض،حتّى تركوه بعد قتله ثلاثة ايّام بغير دفن و منعوا من الصّلاة عليه.
و حكم بغير ما انزل اللّه و بدعه اكثر من ان تحصى.
فانّه سمّاه النبي صلّى اللّه عليه و آله رأس الفئة الباغية باخبار النّبي صلّى اللّه عليه و آله فى
قتل عمّار،انّه يدعوهم الى الجنّة و يدعونه الى النّار 1.و من سمّى دعيّا بن دعىّ.
روى 2هشام بن السّائب الكلبى قال:كان معاوية لاربعة، لعمارة بن الوليد،و لمسافر بن ابى عمر،و لابى سفيان،و لرجل مسمّاه؛و كانت أمّه من المغنّيات و كان احبّ الرجال إليها السّودان، و كانت اذا ولدت اسود قتلته؛و حمامة جدّة معاوية كانت من ذوى الرّايات فى الزّنا.
و من دعى عليه النبي صلّى اللّه عليه و آله فقال:لا اشبع اللّه بطنه،و استجيبت و اشتهر ذلك فكان لا يشبع.
و من لم يزيل مشركا مدّة كون النبي صلّى اللّه عليه و آله مبعوثا،يكذّب الوحى و يهزأ بالشّرع،فالتجأ الى الاسلام لمّا هدر النبىّ صلّى اللّه عليه و آله و لم يجد ملجا قبل موت النبي صلّى اللّه عليه و آله بخمسة اشهر.
و من روى عبد اللّه بن عمر فى حقّه فقال:اتيت النّبي صلّى اللّه عليه و آله فسمعته يقول:يطلع عليكم رجل يموت على غير سنّتى،فطلع علينا معاوية. 3و كان النبي صلّى اللّه عليه و آله يخطب فاخذ معاوية بيد ابنه يزيد و خرج و لم يسمع الخطبة،فقال النبي(ص):لعن اللّه القائد و المقود. 4
و من حارب عليّا عليه السّلام الّذي جاء فيه ما تلوناه طلبا لزهرة الحياة الدنيا،و زهدا فى اللّه و الدار الآخرة،و تعظيم عليّ ثبت بضرورة الدّين
1) .كنز العمال:ج 33533/11.
2) .بحار الانوار:522/8(الطبع القديم)نقلا عن الزام الناصب و كشف الحق.
3) .كتاب الصفين لابن مزاحم247/(بنقل الغدير:141/10).
4) .الغدير:139/10(و الصحيح ان يزيد بن معاوية لم يولد فى زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله).
و وجوب طاعته ثبت لكونه ولىّ المؤمنين.
و من قتل اربعين الفا من الانصار و المهاجرين و ابناءهم.
و من سنّ السّبّ على عليّ عليه السّلام،و قد ثبت تعظيمه بالكتاب و السّنّة،و سبّه بعد موته دليل على غلّ كامن و كفر باطن.
و من سمّ الحسن عليه السّلام على يد زوجته بنت الاشعث و وعدها على ذلك مالا جزيلا و ان يزوّجها يزيد،فوفى لها بالمال فقط.
و من جعل ابنه يزيد الفاسق ولىّ عهده على المسلمين حتّى قتل الحسين عليه السّلام و سبى نساءهم،و تظافر بالمناكر و الظّلم،و شرب الخمر و هدم الكعبة،و نهب المدينة و اخاف اهلها و اباح نسائها ثلاثة ايّام،حتّى قيل انّ دم الابكار سال فى مسجد النّبيّ المختار صلّى اللّه عليه و آله و انّه تولّد من الزّنا ما لا حصر له.
و كسر ابوه ثنية النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و اكلت أمّه كبد الحمزة.
و من قتل حجرا و اصحابه بعد ان اعطاهم العهود و الميثاق، و قتل عمر بن الجموح حامل راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الّذي ابلت العبادة وجهه من غير جرم الاّ خوف ان ينكروا عليه منكرا.و غير ذلك.
فهى الّتي خرجت الى قتال عليّ عليه السّلام و من معه من الانصار و المهاجرين بعد ان بايعه المسلمون،و خالفت اللّه تعالى فى قوله «وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ» 1فخالفت امر اللّه و هتكت حجاب رسول اللّه و تبرّجت فى جيش عظيم،و اعتلت بدم عثمان و ليست هى وليّة الدّم
1) .الاحزاب33/.
و لا لها حكم الخلافة،مع انّها اكبر الموليّين على قتل عثمان و كانت تقول:اقتلوا نعثلا قتله اللّه،و لمّا بلغها قتله فرحت بذلك،فلمّا بايعوا عليّا اسندت القتل إليه و قامت تطالب بدمه لبغضها عليّا عليه السّلام.
و تبعها على ذلك ما يزيد على ستّة عشر الفا حتّى قتل الانصار و المهاجرين،و قد قال اللّه تبارك و تعالى: «وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزٰاؤُهُ جَهَنَّمُ» 1و قال النّبي صلّى اللّه عليه و آله:من اعان على قتل مؤمن و لو بشطر كلمة لقى اللّه يوم القيامة،مكتوبا على وجهه:آيس من رحمة اللّه 2و هذا نصّ فى الشمول لكاتب الوحى و أمّ المؤمنين.
و روى البخارى فى صحيحه عن نافع بن عمر قال:قام النّبي صلّى اللّه عليه و آله خطيبا فاشار نحو مسكن عائشة و قال:الفتنة تطلع من هنا ثلاثا حيث يطلع قرن الشيطان. 3
و روى أيضا قال:خرج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من بيت عائشة و قال رأس الكفر هنا من حيث يطلع قرن الشيطان. 4
و رووا عن النبي صلّى اللّه عليه و آله نياح كلاب الحوأب. 5و غير ذلك،و كتبهم مملوّة من ذمّها و ذمّ ابيها باحاديث النّبي.
و رووا انّ عائشة لمّا حضرتها الوفاة جزعت.فقيل لها تجزعين يا أمّ المؤمنين و انت زوجة النّبي و بنت الصّديق؟فقالت:
1) .النساء93/.
2) .كنز العمال:39895/15-39936-39937.
3) .الصحيح للبخارى:46/4.
4) .المسند لابن حنبل:23/2.
5) .المسند لابن حنبل:97/6-مستدرك الصحيحين:120/3.
انّ يوم الجمل معترض فى حلقى ليتنى متّ و كنت نسيا منسيّا. 1
و نقل فى ربيع الابرار قال جميع بن عمر:دخلت على عائشة فقلت لها:من كان احبّ الى النّبيّ؟قالت:فاطمة.قلت لها:انّما اسألك عن الرجال؟قالت:زوجها على بن ابى طالب عليه السّلام و ما يمنعه فو اللّه انّه كان صوّاما قوّاما،و قد سالت نفس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بيده فردّها الى فيه و اىّ رجل يماثله.قلت:فما حملك على ما كان؟فارسلت خمارها على وجهها و قالت:امر قضى عليّ. 2
و غير ذلك.
و ما كفاهم فعلهم بذريّة النّبي صلّى اللّه عليه و آله حتّى جعلوا بيت النبي صلّى اللّه عليه و آله مقبرة لابى بكر و عمر و هما اجنبيّان،فان كان البيت ميراثا وجب استيذان كلّ الورثة،و ان كانت صدقة وجب استيذان المسلمين جميعهم،و ان كان ملك عائشة كذبها انها لم يكن لها و لابيها فى المدينة دار.
و قد روى فى الجمع بين الصحيحين انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله قال:ما بين منبرى و بيتى روضة من رياض الجنّة. 3
و روى الطّبرى انّ النّبي صلّى اللّه عليه و آله قال:اذا غسلتمونى و كفّنتمونى فضعونى على سريرى فى بيتى هذا على شفير قبرى.و لم يقل فى الموضعين و غيره بيت عائشة.
و غير ذلك مما ذكرهم.
1) .المسند لابن حنبل:276/1.
2) .بحار الانوار:268/32.
3) .الصحيح للمسلم:123/4.
فباللّه عليك تأمّل فى الحالين،و استعمل جادّة الانصاف فى البين،و اللّه الهادى الى الصّواب،و انّها لا تعمى الابصار و لكن تعمى القلوب الّتي فى الصدور.وصف نفسك عن متابعة الهوى و موافقة الامّهات و الآباء و خيّل النّبي صلّى اللّه عليه و آله كانّه قبض الآن و كان قد مات تلك الغوغاء الّتي صدرت فى ذلك الزمان،و احضر احوال القوم بين يديك،و توجّه لابصارها بكلتا عينيك،و تفكّر فى الفروع و الاتّباع لتعلم حال الاصول،و ينقطع النّزاع،لعلّ البصرة تذكرك، و جملها ينذرك،و صفّين تصفيك،و وقعة كربلاء تكفيك.و اختلاف ذات البين و حصول الشّقاق فى الجانبين ابين شاهد على انّ الحقّ فى جانب واحد،و انّ الحكم بحقيّة الطّرفين اعتقاد فاسد.
وفّقنا اللّه لاصابة اليقين،و الموافقة لرضاء ربّ العالمين.
***
المبحث الخامس فى المعاد الجسمانى.
و يجب العلم بانّه تعالى يعيد الأبدان بعد الخراب،و يرجع هيئتها الاولى بعد ان صارت الى التّراب،و يحلّ بها الارواح على نحو ما كانت و يضمّها إليها بعد ما انفصلت و بانت،فكانّ النّاس نيام انتبهوا، 1فاذا هم قيام ينظرون الى عالم جديد لا يحيط به التّوصيف و التّحديد،قد احسّوا بالمصيبة الكبرى و تأهّبوا الشدائد الرّجعة الاخرى،و قد اخذتهم الدّهشة فصاروا حيارى،و غلبت عليهم الخشية فكانوا سكارى،و ما هم بسكارى قد اتّضح لديهم ما قدموا و بدى 2و وجدوا ما عملوا حاضرا،و لا يظلم ربّك احدا،قد فقدوا النّاصر و المعين و سلّموا الامر لربّ العالمين.
1) .فى«الف»:نبهو.
2) .فى«الف»:يدى.
و الجنّة فى اثبات المعاد،انّه لولاه لذهبت مظالم العباد، و تساوى اهل الصلاح و الفساد،و ضاعت الدّماء.ثمّ لم تبق ثمرة لارسال الأنبياء،و انّ لطف اللّه تعالى يستحيل عليه الانقضاء،لانّ الموجب للابتداء هو المانع عن الانتهاء.
و ممّا يحيله العقل اختصاص لطفه تعالى بهذه الأيّام القلائل الّتي هى كظلّ زائل.
ثمّ لو لا ذلك لم يحسن الوعد و الوعيد،و الترغيب و التّهديد، و لساوى افضل الأنبياء فى الفضيلة،اشقى الاشقياء.
و فيما تواتر من بعض الكرامات،كإحياء كثير من الأموات، و اخبارهم عمّا شاهدوا من الكربات،و ما شاهدوه بعض الاولياء عند الممات،كفاية لمن نظر و عبرة لمن اعتبر.
و كفى فى ذلك شهادة الآيات،و متواتر الرّوايات،مع ما دلّ على عصمة الأنبياء و عدم جواز صدور الكذب عنهم و الافتراء.
و المقدار الواجب بعد معرفة اصل المعاد،معرفة الحساب، و ترتّب الثّواب و العقاب.و لا يجب المعرفة على التّحقيق الّتي لا يصلها الاّ صاحب النّظر الدقيق،كالعلم بانّ الأبدان هل تعود بذواتها؟او انّما يعود ما يماثلها بهيئاتها؟و انّ الارواح هل تعدم كالاجساد؟او تبقى مستمرة حتّى تتصل بالابدان عند المعاد؟و انّ المعاد هل يختص بالانسان؟او يجرى على كافّة ضروب الحيوان؟ و انّ عودها بحكم اللّه دفعىّ او تدريجى؟
و حيث لزمه معرفة الجنان و تصوّر النيران،لا يلزم معرفة
وجودهما الآن،و لا العلم بانّهما فى السّماء او فى الارض،او يختلفان.
و كذا حيث يجب عليه معرفة الميزان،لا يجب عليه معرفة انّها ميزان معنويّة،او لهما كفّتان.و لا يلزم معرفة انّ الصّراط جسم دقيق،او هو عبارة عن الاستقامة المعنوية على خلاف التّحقيق، و الغرض انّه لا يشترط فى تحقق الاسلام معرفة انّهما من الاجسام، و ان كانت الجسميّة هى الاوفق بالاعتبار،و ربّما وجب القول بها عملا بظاهر الاخبار.
و لا تجب معرفة ان الاعمال هل تعود الى الأجرام،و هل ترجع 1بعد المعنويّة الى صور الاجسام.و لا يلزم معرفة عدد الجنان و النّيران،و ادراك كنه حقيقة الحور و الولدان.
و حيث لزم العلم بشفاعة خاتم الأنبياء،لا يلزم معرفة مقدار تأثيرها فى حقّ الاشقياء.و حيث يلزم معرفة الحوض،لا يجب عليه توصيفه و لا تحديده و تعريفه.و لا يلزم 2معرفة ضروب العذاب، و كيفيّة ما يلقاه العصاة من انواع النّكال و العقاب.
نعم،ينبغى لمن صبغ بصبغة الاسلام 3،و تجنّب عن متابعة الهوى و الشيطان،ان يشغل فكره فيما يصلح امره و يرفع عند اللّه قدره؛و يستعين على نفسه بالتفكر فيما يصيبه اذا حلّ فى رمسه،و ما يلقى من الشدائد العظام بعد الحضور بين يدى الملك العلاّم؛و يكثر النّظر فى المرغّبات المحرّكة للنّفس الى طاعة ربّ السموات كالتفكر
1) .فى«الف»:يرجع.
2) .فى«الف»:و لا يلزمه.
3) .فى«الف»:«كا»:الايمان.
فى تلك الجنان و ما فيها من الحور و الولدان،و التّأمل فى تلك الاشجار الحاوية لما تشتهيه الانفس 1من الثمار.
فينبغى للعاقل ان يفرض الجنة كانّها بين يديه،و يخيّل النّار كانّها مشرفة عليه،هذه تسوقه و تلك تقوده،فليخش من لحوق السّائق و ليحكّم الجاذب حذرا من انقطاع الزّمام بيد القائد.
و هذه المعارف الثلاث(اى التوحيد و النبوة و المعاد)اصول الاسلام،فمن انكر منها واحدا عرف بالكفر بين الأنام،و لا فرق بين انكارها من اصلها و بين عدم معرفتها و جهلها.
نعم يحصل الاختلاف فى بعض شعوبها و اقسامها و ضروبها:
فانّ منها ما يكون عدم العلم به مكفّرا،من دون فرق بين الانكار و الشك و الذّهول تساهلا.
و منها ما يكون كذلك بشرط الانكار و الجحود.
و منها ما يكون فيه ذلك مع الانكار و الشك فقط.
و بعضها يلزم منها العصيان دون الكفر.و هو منقسم الى تلك الاقسام،فمن اراد تمام المعرفة،فليرجع الى بعض العارفين ليقف على حقيقة ذلك،و اللّه ولىّ التوفيق.
***
1) .فى«الف»:النفس.