بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله الذي نهج السبيل إلى معرفته، ويسر ما دعا إليه من طاعته، وأعان على شكر منته ونعمته بما ندب إليه من العمل في عبادته، ورغب فيه من جزيل ثواب جنته، وهدى إليه بما أوضح عنه من حجته، وصلى الله على خيرته من بريته محمد سيد أنبيائه وصفوته، وعلى الأئمة الراشدين من عترته وسلم كثيرا. وبعد: فإني ممتثل ما رسمه السيد الأمير الجليل، أطال الله في عز الدين والدنيا مدته، وأدام بالتأييد نصره وقدرته، وحرس من الغير أيامه ودولته: من جمع مختصر في الأحكام، وفرائض الملة، وشرائع الإسلام، ليعتمده المرتاد لدينه، ويزداد به المستبصر في معرفته ويقينه، ويكون إماما للمسترشدين، ودليلا للطالبين، وأمينا للمتعبدين، يفزع إليه في الدين، ويقضي به على المختلفين، وأن أفتتحه بما يجب على كافة المكلفين: من الاعتقاد الذي لا يسع إهماله البالغين، إذ هو أصل الإيمان والأساس الذي عليه بناء جميع أهل الأديان، وبه يكون قبول الأعمال ويتميز الهدى من الضلال، وبالله أستعين.
واجب على كل ذي عقل أن يعرف خالقه جل جلاله، ليشكره على نعمه، ويطيعه فيما دعاه إليه، فيعلم أن له صانعا صنعه واخترعه من العدم، وأوجده، وأنعم عليه بما أسداه من الفضل والإحسان إليه، فجعله حيا سميعا بصيرا مميزا وأمره ونهاه، وأرشده وهداه، كما ذكر ذلك جل اسمه فيما عدده عليه من الآلاء، فقال: " ألم نجعل عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين فلا اقتحم العقبة. ويعتقد أنه الخالق لجميع أمثاله من البشر، وأغياره من الجن، والملائكة، والطير والوحوش، وجميع الحيوان، والجماد، والسماء، والأرض، وما فيهما، وما بينهما من الأجناس والأصناف والأفعال التي لم يقدر عليها سواه، وأنه الله القديم الذي لم يزل ولا يزال، لا تلحقه الآفات، ولا يجوز عليه التغير بالحادثات، الحي الذي لا يموت، والقادر الذي لا يعجز، والعالم الذي لا يجهل، لم يزل كذلك ولا يزال، وأنه لا يشبه شيئا ولا يشبهه شئ على حال، وكل ما توهمته النفس فهو بخلافه لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار، وهو اللطيف الخبير. وأنه عدل لا يجور، وجواد لا يبخل بدأ خلقه بالإحسان، وعرضهم بما أكمل من عقولهم لعظيم النفع بالثواب الذي يجب بالعبادة له والطاعات، ويسر عليهم ذلك بالقدرة عليه والهداية إليه والإرشاد والبيان، وأنه رحيم بهم، محسن إليهم لا يمنعهم صلاحا ولا يفعل بهم فسادا، غني لا يحتاج، وكل العباد إليه محتاج، واحد في الإلهية، فرد في الأزلية، لا يستحق العبادة غيره، يجزي بالأعمال الصالحات، ولا يضيع عنده شئ من الحسنات، ويعفو عن كثير من السيئات، لا يظلم مثقال ذرة، وإن تك حسنة يضاعفها، ويؤت من لدنه أجرا عظيما.
ويجب أن يعتقد التصديق لكل الأنبياء عليهم السلام وأنهم حجج الله على من بعثهم إليه من الأمم، والسفراء بينه وبينهم، وأن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف صلى الله عليه وآله خاتمهم وسيدهم وأفضلهم، وأن شريعته ناسخة لما تقدمها من الشرائع المخالفة لها، وأنه لا نبي بعده ولا شريعة بعد شريعته، وكل من ادعى النبوة بعده فهو كاذب على الله تعالى، ومن يغير شريعته فهو ضال، كافر من أهل النار، إلا أن يتوب ويرجع إلى الحق بالإسلام فيكفر الله تعالى حينئذ عنه بالتوبة ما كان مقترفا من الآثام. ويجب اعتقاد نبوة جميع من تضمن الخبر عن نبوته القرآن على التفصيل، واعتقاد الجملة منهم على الإجمال، ويعتقد أنهم كانوا معصومين من الخطأ، موفقين للصواب، صادقين عن الله تعالى في جميع ما أدوه إلى العباد وفي كل شئ أخبروا به على جميع الأحوال، وأن طاعتهم طاعة لله ومعصيتهم معصية لله وأن آدم، ونوحا، وإبراهيم، وإسماعيل و إسحاق ويعقوب، ويوسف، وإدريس، وموسى، وهارون، وعيسى، وداود، وسليمان، وزكريا، ويحيى، وإلياس، وذا الكفل، وصالحا، وشعيبا، ويونس، ولوطا، وهودا كانوا أنبياء الله تعالى ورسلا له، صادقين عليه كما سماهم بذلك، وشهد لهم به، وأن من لم يذكر اسمه من رسله على التفصيل كما ذكر من سميناه منهم، وذكرهم في الجملة حيث يقول: " ورسلا قد قصصناهم عليك من قبل، ورسلا لم نقصصهم عليك كلهم أنبياء عن الله، صادقون وأصفياء له، منتجبون لديه، وأن محمدا صلى الله عليه وآله سيدهم وأفضلهم، كما قدمناه. وكذلك يجب الاعتقاد في رسل الله تعالى من ملائكته عليهم السلام وأنهم أفضل الملائكة، وأعظمهم ثوابا عند الله تعالى ومنزلة كجبرائيل، وميكائيل، وإسرافيل، ويجب الإيمان بهم على التفصيل، ومن لم يتضمن القرآن ذكره باسمه على التعيين جملة كما وجب ذلك في الأنبياء من البشر عليهم السلام قال الله تعالى: " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس " فأخبر عن جملتهم في هذا المكان، وفصل ذكر من سميناه في مواضع آخر من كتابه على ما بيناه.
ويجب على كل مكلف أن يعرف إمام زمانه، ويعتقد إمامته وفرض طاعته، وأنه أفضل أهل عصره وسيد قومه، وأنهم في العصمة والكمال كالأنبياء عليهم السلام ويعتقد أن كل رسول الله تعالى فهو نبي إمام، وليس كل إمام نبيا ولا رسولا، وأن الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله حجج الله تعالى وأوليائه وخاصة أصفياء الله، أولهم وسيدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، عليه أفضل السلام وبعده الحسن والحسين، ثم علي بن الحسين، ثم محمد بن علي بن الحسين، ثم جعفر بن محمد، ثم موسى بن جعفر، ثم علي بن موسى، ثم محمد بن علي بن موسى، ثم علي بن محمد بن علي، ثم الحسن بن علي بن محمد، ثم الحجة القائم بالحق ابن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى عليهم السلام لا إمامة لأحد بعد النبي صلى الله عليه وآله غيرهم، ولا يستحقها سواهم، وأنهم الحجة على كافة الأنام كالأنبياء عليهم السلام وأنهم أفضل خلق الله بعد نبيه عليه وآله السلام والشهداء على رعاياهم يوم القيامة كما أن الأنبياء عليهم السلام شهداء الله على أممهم، وأن بمعرفتهم وولايتهم تقبل الأعمال، وبعداوتهم والجهل بهم يستحق النار.
وولاية أولياء الله تعالى مفترضة، وبها قوام الإيمان، وعداوة أعدائه واجبة على كل حال. قال الله عز وجل: " لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ". وقال: " ولو كانوا يؤمنون بالله والنبي وما أنزل إليه ما اتخذوهم أولياء ". وقال: رسول الله صلى الله عليه وآله: " أوثق عرى الإيمان الحب في الله، والبغض في الله، والولاية لأولياء الله، والعداوة لأعداء الله ".
ويجب اعتقاد البعث بعد الموت، والحساب، والجزاء والقصاص، والجنة، والنار، وأن الله تعالى يثيب المؤمنين بالنعيم الدائم في الجنات، ويعذب الكافرين بالخلود في النار، ويقتص للمؤمنين، ولا يضيع أجر العاملين، ومن شك في شئ مما سميناه أو أنكره خرج عن ملة الإسلام، ولم يقبل منه شئ من الأعمال.
ويجب معرفة الطهارة التي تزيل الأحداث، والصلوات الخمس في الليل والنهار، وصوم شهر رمضان وجملة الزكاة، وفرض الحج إلى البيت الحرام، ثم العمل بذلك على شرائطه، وإيقاعه على حدوده، والمعرفة بما ظهر من أحكام الملة واستفاض به الخير فيما يحل ويحرم، والعمل بذلك والاعتقاد لصوابه، والاجتناب لخلافه. وأنا مبين لوجوهه، وذاكر لتفصيله بعد الذي سلف من إجماله على الترتيب الذي يقتضيه الدين إن شاء الله.
تتمة البحوث الفقهية في كتاب المقنعة للشيخ المفيد
أوليات عقائد الشيعة | أصول عقائد الشيعة | الأئمة الاثنا عشر | نشأة الشيعة | عقائد الإمامية للشيخ المظفر