- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 56:
24- القول في وصف الباري تعالى بالقدرة
على العدل وخلافه وما علم كونه وما علم أنه لا يكون
وأقول: إن الله جل جلاله قادر على خلاف
العدل كما أنه قادر على العدل، إلا أنه لا يفعل جورا ولا ظلما ولا قبيحا، وعلى هذا
جماعة الإمامية.
والمعتزلة كافة سوى النظام وجماعة من
المرجئة والزيدية وأصحاب الحديث والمحكمة، ويخالفنا فيه المجبرة بأسرها والنظام ومن
وافقهم في خلاف العدل والتوحيد.
- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 57:
وأقول: إنه سبحانه قادر على ما علم أنه لا
يكون، مما لا يستحيل كاجتماع الأضداد ونحو ذلك من المحال، وعلى هذا إجماع أهل
التوحيد إلا النظام وشذاذ من أصحاب المخلوق.
- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 57،
58:
26- القول في العدل والخلق
أقول: إن الله عز وجل عدل كريم، خلق الخلق
لعبادته وأمرهم بطاعته ونهاهم عن معصيته وعمهم بهدايته، بدأهم بالنعم وتفضل عليهم
بالإحسان، لم يكلف أحدا إلا دون الطاقة، ولم يأمره إلا بما جعل له عليه الاستطاعة.
لا عبث في صنعه ولا تفاوت في خلقه لا قبيح
في فعله، جل عن مشاركة عباده في الأفعال، وتعالى عن اضطرارهم إلى الأعمال.
لا يعذب أحدا إلا على ذنب فعله، ولا يلوم
عبدا إلا على قبيح صنعه.
لا يظلم مثقال ذرة فإن تك حسنة يضاعفها
ويؤت من لدنه أجرا عظيما.
وعلى هذا القول جمهور أهل الإمامية وبه
تواترت الآثار عن آل محمد صلى الله عليه وآله.
وإليه يذهب المعتزلة بأسرها إلا ضرارا
منها وأتباعه، وهو قول كثير من المرجئة وجماعة من الزيدية والمحكمة ونفر من أصحاب
الحديث، وخالف فيه جمهور العامة وبقايا ممن عددناه، وزعموا أن الله تعالى خلق أكثر
خلقه لمعصيته، وخص بعض عباده بعبادته، ولم يعمهم بنعمته وكلف أكثرهم ما لا يطيقون
من طاعته، وخلق أفعال جميع بريته، وعذب العصاة على ما فعله فيهم من معصيته، وأمر
بما لم يرد ونهى عما أراد، وقضى بظلم العباد وأحب الفساد وكره من أكثر عباده
الرشاد، تعالى عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 105، 106:
107 - القول في أفعال الله تعالى وهل فيها متولدات أم لا؟
وأقول: إن في كثير من أفعال الله تعالى مسببات، وأمتنع من إطلاق لفظ الوصف
عليها بأنها متولدات وإن كانت في المعنى كذلك لأنني أتبع فيما أطلقه في صفات الله
تعالى وصفات أفعاله الشرع ولا ابتدع.
وقد أطلق المسلمون على كثير من أفعال الله تعالى أنها أسباب ومسببات، ولم
أجدهم يطلقون عليها لفظ المتولد، ومن أطلقه منهم فلم يتبع فيه حجة في القول، ولا
لجأ فيه إلى كتاب ولا سنة ولا إجماع، وهذا مذهب اختص به لما ذكرت من الاستدلال
ولدلائل آخر ليس هنا موضع ذكرها.
فأما قولي في الأسباب فهو مذهب جماعة من البغداديين ومذهب أبي القاسم على
قرب وأبي علي، وإنما خالف فيه أبو هاشم بن أبي علي خاصة من بين أهل العدل.
وقد قال الله عز وجل مما يشهد بصحته: {وَهُوَ
الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا
أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ
الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى
لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} وقال: {أَلَمْ
تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي
الأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ
فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} وآي في القرآن تدل على هذا المعنى كثيرة.
- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد
ص 42، 45:
[خلق أفعال العباد]
فصل: في أفعال العباد قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله أفعال العباد مخلوقة خلق
تقدير لا خلق تكوين، ومعنى ذلك أنه تعالى لم يزل عالما بمقاديرها.
قال الشيخ أبو عبد الله رحمه الله: الصحيح عن آل محمد صلى الله عليه وآله:
أن أفعال العباد غير مخلوقة لله تعالى، والذي ذكره أبو جعفر رحمه الله قد جاء به
حديث غير معمول به ولا مرضي الإسناد، والأخبار الصحيحة بخلافه.
وليس يعرف في لغة العرب أن العلم بالشيء هو خلق له، ولو كان ذلك كما قال
المخالفون للحق لوجب أن يكون من علم النبي صلى الله عليه وآله فقد خلقه، ومن علم
السماء والأرض فهو خالق لهما، ومن عرف بنفسه شيئا من صنع الله تعالى وقرره في نفسه
لوجب أن يكون خالقا له، وهذا محال لا يذهب وجه الخطأ فيه على بعض رعية الأئمة عليهم
السلام فضلا عنهم.
فأما التقدير فهو الخلق في اللغة، لأن التقدير لا يكون إلا بالفعل، فأما
بالعلم فلا يكون تقديرا ولا يكون أيضا بالفكر، والله تعالى متعال عن خلق الفواحش
والقبائح على كل حال.
وقد روي عن أبي الحسن علي بن محمد بن علي بن موسى الرضا صلوات الله عليهم:
أنه سئل عن أفعال العباد، فقيل له: [هل هي] مخلوقة لله تعالى؟ فقال عليه السلام: لو
كان خالقا لها لما تبرأ منها. وقد قال سبحانه: {أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ
وَرَسُولُهُ} ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم، وإنما تبرأ من شركهم وقبائحهم.
وسأل أبو حنيفة أبا الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام عن أفعال العباد ممن
هي؟ فقال له أبو الحسن عليه السلام: إن [أفعال العباد] لا تخلو من ثلاثة منازل: إما
أن تكون من الله تعالى خاصة، أو من الله ومن العبد على وجه الاشتراك فيها، أو من
العبد خاصة، فلو كانت من الله تعالى خاصة لكان أول بالحمد على حسنها والذم على
قبحها، ولم يتعلق بغيره حمد ولا لوم فيها، ولو كانت من الله ومن العبد لكان الحمد
لهما معا فيها والذم عليهما جميعا فيها، وإذا بطل هذان الوجهان ثبت أنها من الخلق،
فإن عاقبهم الله تعالى على جنايتهم بها فله ذلك، وإن عفا عنهم فهو أهل التقوى وأهل
المغفرة.
وفي أمثال ما ذكرناه من الأخبار ومعانيها ما يطول به الكلام.
فصل: وكتاب الله تعالى مقدم على الأحاديث والروايات، وإليه يتقاضى في صحيح
الأخبار وسقيمها، فما قضى به فهو الحق دون ما سواه. قال الله تعالى: {الَّذِي
أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِن طِينٍ} فخبّر بأن كل شيء خلقه فهو
حسن غير قبيح، فلو كانت القبائح من خلقه لنافى ذلك حكمه بحسنها، وفي حكم الله تعالى
بحسن جميع ما خلق شاهد ببطلان قول من زعم أنه خلق قبيحا.
وقال تعالى: {مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن
تَفَاوُتٍ} فنفى التفاوت عن خلقه، وقد ثبت أن الكفر والكذب متفاوت في نفسه، والمتضاد
من الكلام متفاوت! فكيف يجوز أن يطلقوا على الله تعالى أنه خالق لأفعال العباد وفي
أفعالهم من التفاوت والتضاد ما ذكرناه مع قوله تعالى: {مَّا
تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ} فنفى ذلك ورد على مضيفه
إليه وأكذبه فيه.
- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد
ص 48، 53:
فصل: في الإرادة والمشيئة قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله. نقول: شاء الله
وأراد ولم يحب ولم يرض، وشاء عز اسمه ألا يكون شيء إلا بعلمه وأراد مثل ذلك.
قال الشيخ المفيد رحمه الله: الذي ذكره الشيخ أبو جعفر رحمه الله في هذا
الباب لا يتحصل، ومعانيه تختلف وتتناقض، والسبب في ذلك أنه عمل على ظواهر الأحاديث
المختلفة ولم يكن ممن يرى النظر فيميز بين الحق منها والباطل ويعمل على ما يوجب
الحجة، ومن عول في مذهبه على الأقاويل المختلفة وتقليد الرواة كانت حاله في الضعف
ما وصفناه.
والحق في ذلك: أن الله تعالى لا يريد إلا ما حسن من الأفعال، ولا يشاء إلا
الجميل من الأعمال ولا يريد القبائح ولا يشاء الفواحش، تعالى الله عما يقول
المبطلون علوا كبيرا. قال الله تعالى: {وَمَا اللَّهُ
يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ} وقال تعالى: {يُرِيدُ
اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} وقال تعالى: {يُرِيدُ
اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ} الآية. وقال: {وَاللَّهُ
يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن
تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا}. وقال: {يُرِيدُ
اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} فخبر سبحانه أنه لا يريد
بعباده العسر، بل يريد بهم اليسر، وأنه يريد لهم البيان ولا يريد لهم الضلال، ويريد
التخفيف عنهم ولا يريد التثقيل عليهم، فلو كان سبحانه مريدا لمعاصيهم لنافى ذلك
إرادة البيان لهم والتخفيف عنهم واليسر لهم، وكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب إليه
الضالون المفترون على الله الكذب، تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا.
فأما ما تعلقوا به من قوله تعالى: {فَمَن
يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن
يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} فليس للمجبرة به تعلق ولا
فيه حجة من قبل أن المعنى فيه أن من أراد الله تعالى أن ينعمه ويثيبه جزاء على
طاعته شرح صدره للإسلام بالألطاف التي يحبوه بها، فييسر له بها استدامة أعمال
الطاعات، والهداية في هذا الموضع هي النعيم.
قال الله تعالى فيما خبر به عن أهل الجنة: {الْحَمْدُ
لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا} الآية، أي: نعمنا به وأثابنا إياه، والضلال في
هذه الآية هو العذاب قال الله تعالى: {إِنَّ
الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَسُعُرٍ} فسمى الله تعالى العذاب ضلالا والنعيم هداية،
والأصل في ذلك أن الضلال هو الهلاك والهداية هي النجاة.
قال الله تعالى حكاية عن العرب: {أَئِذَا
ضَلَلْنَا فِي الأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} يعنون إذا هلكنا فيها وكان
المعنى في قوله: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ} ما قدمناه وبيناه، {وَمَن
يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ} ما وصفناه، والمعنى في قوله تعالى: {يَجْعَلْ
صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا} يريد سلبه التوفيق عقوبة له على عصيانه ومنعه
الألطاف جزاء له على إساءته، فشرح الصدر ثواب الطاعة بالتوفيق، وتضييقه عقاب
المعصية بمنع التوفيق، وليس في هذه الآية على ما بيناه شبهة لأهل الخلاف فيما ادعوه
من أن الله تعالى يضل عن الإيمان، ويصد عن الإسلام، ويريد الكفر، ويشاء الضلال.
وأما قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ
لآمَنَ مَن فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا} فالمراد به الإخبار عن
قدرته، وأنه لو شاء أن يلجئهم إلى الإيمان ويحملهم عليه بالإكراه والاضطرار لكان
على ذلك قادرا، لكنه شاء تعالى منهم الإيمان على الطوع والاختيار، وآخر الآية يدل
على ما ذكرناه وهو قوله تعالى: {أَفَأَنتَ تُكْرِهُ
النَّاسَ حَتَّى يَكُونُواْ مُؤْمِنِينَ} يريد أنه قادر على إكراههم على الإيمان، لكنه لا
يفعل ذلك، ولو شاء لتيسر عليه.
وكل ما يتعلقون به من أمثال هذه الآية فالقول فيه ما ذكرناه أو نحوه على ما
بيناه، وفرار المجبرة من إطلاق القول بأن الله تعالى يريد أن يعصى ويكفر به، ويقتل
أولياؤه، ويشتم أحباؤه إلى القول بأنه يريد أن يكون ما علم كما علم، ويريد أن تكون
معاصيه قبائح منهيا عنها، وقوع فيما هربوا منه، وتورط فيما كرهوه، وذلك أنه إذا كان
ما علم من القبيح كما علم وكان تعالى مريدا لأن يكون ما علم من القبيح كما علم فقد
أراد القبيح وأراد أن يكون قبيحا فما معنى فرارهم من شيء إلى نفسه وهربهم من معنى
إلى عينه، فكيف يتم لهم ذلك مع أهل العقول، وهل قولهم هذا إلا كقول إنسان: أنا أسب
زيدا لكني أسب أبا عمرو، وأبو عمرو هو زيد، أو كقول اليهود إذ قالوا سخرية بأنفسهم:
نحن لا نكفر بمحمد صلى الله عليه وآله لكنا نكفر بأحمد، فهذا رعونة وجهل ممن صار
إليه، وعناء وضعف عمل ممن اعتمد عليه.
- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد
ص 60، 62:
[معنى فطرة الله]
قال أبو جعفر رحمه الله في معنى الفطرة: إن الله تعالى فطر [جميع الخلق] على
التوحيد.
قال الشيخ المفيد رحمه الله: ذكر أبو جعفر رحمه الله الفطرة ولم يبين
معناها! وأورد الحديث على وجهه ولم يذكر فائدته، والمعنى في قوله عليه السلام فطر
الله الخلق، أي: ابتدأهم بالحدوث، والفطرة هي الخلق.
قال الله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ
فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} يريد به خالق السموات والأرض على الابتداء والاستقبال، وقال: {فِطْرَةَ
اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا} يعني خلقته التي خلق الناس
عليها [وهو معنى] قول الصادق عليه السلام: فطر الله الخلق على التوحيد، أي: خلقهم
للتوحيد وعلى أن يوحدوه، وليس المراد به أنه [أراد منهم] التوحيد، ولو كان الأمر
كذلك ما كان مخلوق إلا موحدا، وفي وجودنا من المخلوقين من لا يوحد الله تعالى دليل
على أنه لم يخلق التوحيد في الخلق، بل خلقهم ليكتسبوا التوحيد! وقد قال تعالى في
شاهد ما ذكرناه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ
لِيَعْبُدُونِ} فبين أنه إنما خلقهم لعبادته.
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله رواية تلقاها العامة والخاصة بالقبول،
قال: كل مولود يولد فهو على الفطرة، وإنما أبواه يهودانه أو ينصرانه.
وهذا أيضا مبين عن صحة ما قدمناه من أن الله تعالى خلق الخلق ليعبدوه،
وفطرهم ليوحدوه، وإنما أتي الضالون من قبل [أنفسهم و] من أضلهم من الجن والإنس دون
الله تعالى، والذي أورده أبو جعفر في بيان... الله الخلق وهدايتهم إلى الرشد على ما
ذكر وقد أصاب في ذلك وسلك الطريقة المثلى فيه وقال ما يقتضيه العدل ويدل عليه
العقل، وهو خلاف مذهب المجبرة الرادين على الله فيما قال والمخالفين في أقوالهم
دلائل العقول.
- الفصول
المختارة- الشيخ المفيد
ص 108، 109:
فصل: ومن كلام
الشيخ أدام الله عزه: سئل عن قول الله عز وجل: {وَإِنَّ
يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} وقوله في موضع آخر: {تَعْرُجُ
الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ
سَنَةٍ * فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً} وقوله تعالى في موضع آخر {يُدَبِّرُ
الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ
مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} وما الوجه في هذه الآيات مع اختلاف ظواهرها؟.
فقال الشيخ أدام
الله عزه: أما معنى الأولة والثانية فإنه تحمل على التعظيم لأمر الآخرة والإخبار عن
شدته وأهواله، فاليوم الواحد من أيامها على أهل العذاب كألف سنة من سني الدنيا
لشدته وعظم بلائه وما يحل بالكافرين فيه من أنواع العذاب.
واليوم الذي
مقداره خمسون ألف سنة فهو يوم المحشر وإنما طال على الكافرين حتى صار قدره عندهم
ذلك لما يشاهدون فيه من شدة الحساب وعذاب جهنم وصعوبته، والممر على الصراط،
والمعاينة للسعير وإسماعهم زفرات النار وصوت سلاسلها وأغلالها، وصياح خزنتها،
ورؤيتهم لاستطارة شررها.
ألا ترى إلى قوله
تعالى: {إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا *
وَنَرَاهُ قَرِيبًا} وقد وصف الله
عز وجل ذلك اليوم وقال: {إِنَّ هَؤُلاء
يُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَرَاءهُمْ يَوْمًا ثَقِيلاً} وقال تعالى: {يَوْمَ
تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ
حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ
عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} وقال تعالى: (يَوْمَ يَفِرُّ
الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ
امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} وهذا الذي ذكرناه معروف في اللسان يقول القائل (كانت
ليلتي البارحة شهرا) وقال امرؤ القيس:
ألا أيها الليل الطويل ألا انجل بصبح
وما الإصباح منك بأمثل
فيا لك من ليل كأن نجومــه بكل
مغار الفتل شدت بيذبــل
والليل لم يطل في
نفسه ولكن طال عليه لما قاسى فيه من الهم والسهر، والعرب تقول ليوم الشر (هذا يوم
أطول من عمر النسر).
وأما قوله عز
وجل: {يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى
الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ
مِّمَّا تَعُدُّونَ} فالمعنى فيه
على ما ذكر أنه يعرج في يوم مقداره لو رام بشر قطعه، لما قطعه إلا في ألف سنة، وإذا
كان الأمر على ما بيناه لم يكن بين المعاني تفاوت على ما وصفناه.