- أوائل المقالات
- الشيخ المفيد ص 80،82:
59 - القول في
تأليف القرآن وما ذكر قوم من الزيادة فيه والنقصان
أقول: إن الأخبار
قد جاءت مستفيضة عن أئمة الهدى من آل محمد صلى الله عليه وآله، باختلاف القرآن وما
أحدثه بعض الظالمين فيه من الحذف والنقصان، فأما القول في التأليف فالموجود يقضي
فيه بتقديم المتأخر وتأخير المتقدم ومن عرف الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني لم يرتب
بما ذكرناه.
وأما النقصان فإن
العقول لا تحيله ولا تمنع من وقوعه، وقد امتحنت مقالة من ادعاه، وكلمت عليه
المعتزلة وغيرهم طويلا فلم اظفر منهم بحجة اعتمدها في فساده. وقد قال جماعة من أهل
الإمامة إنه لم ينقص من كلمة ولا من آية ولا من سورة ولكن حذف ما كان مثبتا في مصحف
أمير المؤمنين عليه السلام من تأويله وتفسير معانيه على حقيقة تنزيله وذلك كان
ثابتا منزلا وإن لم يكن من جملة كلام الله تعالى الذي هو القرآن المعجز، وقد يسمى
تأويل القرآن قرآنا قال الله تعالى: {وَلا
تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُل رَّبِّ
زِدْنِي عِلْمًا} فسمى تأويل
القرآن قرآنا، وهذا ما ليس فيه بين أهل التفسير اختلاف. وعندي أن هذا القول أشبه من
مقال من ادعى نقصان كلم من نفس القرآن على الحقيقة دون التأويل، وإليه أميل والله
أسأل توفيقه للصواب.
وأما الزيادة فيه
فمقطوع على فسادها من وجه ويجوز صحتها من وجه، فالوجه الذي أقطع على فساده أن يمكن
لأحد من الخلق زيادة مقدار سورة فيه على حد يلتبس به عند أحد من الفصحاء، وأما
الوجه المجوز فهو أن يزاد فيه الكلمة والكلمتان والحرف والحرفان وما أشبه ذلك مما
لا يبلغ حد الإعجاز، ويكون ملتبسا عند أكثر الفصحاء بكلم القرآن، غير أنه لا بد متى
وقع ذلك من أن يدل الله عليه، ويوضح لعباده عن الحق فيه، ولست أقطع على كون ذلك بل
أميل إلى عدمه وسلامة القرآن عنه، ومعي بذلك حديث عن الصادق جعفر بن محمد عليه
السلام، وهذا المذهب بخلاف ما سمعناه عن بني نوبخت رحمهم الله من الزيادة في القرآن
والنقصان فيه، وقد ذهب إليه جماعة من متكلمي الإمامية وأهل الفقه منهم والاعتبار.
- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 122، 123:
132 - القول في ناسخ القرآن ومنسوخه
وأقول: إن في القرآن ناسخا ومنسوخا كما أن فيه محكما ومتشابها بحسب ما علمه
الله من مصالح العباد. قال الله عز اسمه: {مَا
نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا}.
والنسخ عندي في القرآن إنما هو نسخ متضمنه من الأحكام وليس هو رفع أعيان
المنزل منه كما ذهب إليه كثير من أهل الخلاف، ومن المنسوخ في القرآن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ
يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا
إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ} وكانت العدة بالوفاة بحكم
هذه الآية حولا ثم نسخها قوله تعالى:
{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ
وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ
وَعَشْرًا}. واستقر هذا الحكم باستقرار شريعة الإسلام، وكان الحكم الأول منسوخا
والآية به ثابتة غير منسوخة وهي قائمة في التلاوة كناسخها بلا اختلاف. وهذا مذهب
الشيعة وجماعة من أصحاب الحديث وأكثر المحكمة والزيدية.
ويخالف فيه المعتزلة وجماعة من المجبرة، ويزعمون أن النسخ قد وقع في أعيان
الآي كما وقع في الأحكام، وقد خالف الجماعة شذاذ انتموا إلى الاعتزال، وأنكروا نسخ
ما في القرآن على كل حال. وحكي عن قوم منهم أنهم نفوا النسخ في شريعة الإسلام على
العموم، وأنكروا أن يكون الله نسخ منها شيئا على جميع الوجوه والأسباب.
- أوائل المقالات - الشيخ المفيد ص 123، 124:
133 - القول في نسخ القرآن بالسنة
وأقول: إن القرآن ينسخ بعضه بعضا ولا ينسخ شيئا منه السنة بل تنسخ السنة به
كما تنسخ السنة بمثلها من السنة قال الله عز وجل: {مَا
نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} وليس يصح أن يماثل كتاب
الله تعالى غيره، ولا يكون في كلام أحد من خلقه خير منه، ولا معنى لقول أهل الخلاف،
نأت بخير منها في المصلحة، لأن الشيء لا يكون خيرا من صاحبه بكونه أصلح منه لغيره،
ولا يطلق ذلك في الشرع ولا تحقيق اللغة ولو كان ذلك كذلك لكان العقاب خيرا من
الثواب، وإبليس خيرا من الملائكة والأنبياء، وهذا فاسد محال.
والقول بأن السنة لا تنسخ القرآن مذهب أكثر الشيعة وجماعة من المتفقهة
وأصحاب الحديث ويخالفه كثير من المتفقهة والمتكلمين.
- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد
ص 120:
فصل: في كيفية نزول الوحي
قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله [في نزول الوحي]: اعتقادنا في ذلك أن بين عيني
إسرافيل... إلخ.
قال الشيخ المفيد رحمه الله: هذا أخذه أبو جعفر رحمه الله من شواذ الحديث،
وفيه خلاف لما قدمه من أن اللوح ملك من ملائكة الله تعالى. وأصل الوحي هو الكلام
الخفي، ثم قد يطلق على كل شيء قصد به إفهام المخاطب على السر له عن غيره والتخصيص
له به دون من سواه، وإذا أضيف إلى الله تعالى كان [فيما يخص] به الرسل صلى الله
عليهم خاصة دون من سواهم على عرف الإسلام وشريعة النبي صلى الله عليه وآله.
قال الله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى
أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} الآية، فاتفق أهل الإسلام على أن الوحي كان رؤيا
مناما أو كلاما سمعته أم موسى في منامها على الاختصاص، قال الله تعالى: {وَأَوْحَى
رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} الآية، يريد به الإلهام الخفي، إذ كان [خاصا بمن]
أفرده به دون من سواه، فكان علمه حاصلا للنحل بغير كلام جهز به المتكلم فأسمعه
غيره.
وقال تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى
أَوْلِيَآئِهِمْ} بمعنى ليوسوسون إلى أوليائهم بما يلقونه من الكلام في أقصى أسماعهم،
فيخصون بعلمهم دون من سواهم، وقال سبحانه: {فَخَرَجَ
عَلَى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} يريد به أشار إليهم من غير
إفصاح الكلام، شبه ذلك بالوحي لخفائه عمن سوى المخاطبين، ولستره عمن سواهم.
وقد يري الله سبحانه وتعالى في المنام خلقا كثيرا ما يصح تأويله [ويثبت حقه]
لكنه لا يطلق بعد استقرار الشريعة عليه اسم الوحي، ولا يقال في هذا الوقت لمن طبعه
الله على علم شيء أنه يوحى إليه.
وعندنا أن الله تعالى يسمع الحجج بعد نبيه صلى الله عليه وآله كلاما يلقيه
إليهم في علم ما يكون، لكنه لا يطلق عليه اسم الوحي لما قدمناه من إجماع المسلمين
على أنه لا وحي [إلى أحد] بعد نبينا صلى الله عليه وآله، وأنه لا يقال في شيء مما
ذكرناه أنه وحي إلى أحد.
ولله تعالى أن يبيح إطلاق الكلام أحيانا ويحظره أحيانا، ويمنع السمات بشيء
حينا ويطلقها حينا. فأما المعاني، فإنها لا تتغير عن حقائقها على ما قدمناه.
فصل: قال الشيخ المفيد رحمه الله: فأما الوحي من الله تعالى إلى نبيه صلى
الله عليه وآله فقد كان تارة بإسماعه الكلام من غير واسطة، وتارة بإسماعه الكلام
على ألسن الملائكة.
والذي ذكره أبو جعفر رحمه الله من اللوح والقلم وما ثبت فيه فقد جاء به
حديث، إلا أنا لا نعزم على القول به، ولا نقطع على الله بصحته، ولا نشهد منه إلا
بما علمناه، وليس الخبر به متواترا يقطع العذر ولا عليه إجماع، ولا نطق به القرآن،
ولا ثبت عن حجة الله تعالى فينقاد له والوجه أن نقف فيه ونجوزه ولا نقطع به ولا
نجزم له ونجعله في حيز الممكن.
فأما قطع أبي جعفر به وعلمه على اعتقاده فهو يستند إلى ضرب من التقليد،
ولسنا من التقليد في شيء.
- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد
ص 123، 127:
فصل: في نزول القرآن
قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: إن القرآن نزل في شهر رمضان في ليلة القدر
جملة واحدة إلى البيت المعمور، ثم أنزل من البيت المعمور في مدة عشرين سنة... إلخ.
قال الشيخ المفيد رحمه الله: الذي ذهب إليه أبو جعفر في هذا الباب أصله حديث
واحد لا يوجب علما ولا عملا. ونزول القرآن على الأسباب الحادثة حالا بحال يدل على
خلاف ما تضمنه الحديث، وذلك أنه قد تضمن حكم ما حدث وذكر ما جرى على وجهه، وذلك لا
يكون على الحقيقة إلا بحدوثه عند السبب، ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَقَوْلِهِمْ
قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} وقوله: {وَقَالُوا
لَوْ شَاء الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُم مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ} وهذا خبر عن ماض، ولا يجوز
أن يتقدم مخبره، فيكون حينئذ جزاءا عن ماض وهو لم يقع بل هو في المستقبل. وأمثال
ذلك في القرآن كثيرة.
وقد جاء الخبر بذكر الظهار وسببه، وأنها لما [جادلت النبي صلى الله عليه
وآله] في ذكر الظهار أنزل الله تعالى:
{قَدْ سَمِعَ
اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا} وهذه قصة كانت بالمدينة
فكيف ينزل الله تعالى الوحي بها بمكة قبل الهجرة، فيخبر بها أنها قد كانت ولم تكن!
ولو تتبعنا قصص القرآن لجاء مما ذكرناه كثير لا يتسع به المقال، وفيما ذكرناه منه
كفاية لذوي الألباب. وما أشبه ما جاء به الحديث بمذهب المشبهة الذين زعموا أن الله
سبحانه وتعالى لم يزل متكلما بالقرآن ومخبرا عما يكون بلفظ كان، وقد رد عليهم أهل
التوحيد بنحو ما ذكرناه.
وقد يجوز في الخبر الوارد في نزول القرآن جملة في ليلة القدر بأن المراد أنه
نزل جملة منه في ليلة القدر ثم تلاه ما نزل منه إلى وفاة النبي صلى الله عليه وآله
فأما أن يكون نزل بأسره وجميعه في ليلة القدر فهو بعيد مما يقتضيه ظاهر القرآن
والمتواتر من الأخبار وإجماع العلماء على اختلافهم في الآراء.
فصل: فأما قوله تعالى: {وَلا تَعْجَلْ
بِالْقُرْآنِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} ففيه وجهان غير ما ذكره أبو
جعفر وعول فيه على حديث شاذ:
أحدهما: أن الله تعالى نهاه عن التسرع إلى تأويل القرآن قبل الوحي إليه به،
وإن كان في الإمكان من جهة اللغة ما قالوه على مذهب أهل اللسان.
والوجه الآخر: أن جبرئيل عليه السلام كان يوحي إليه بالقرآن فيتلوه معه حرفا
بحرف، فأمره الله تعالى أن لا يفعل ذلك ويصغي إلى ما يأتيه به جبرئيل، أو ينزله
الله تعالى عليه بغير واسطة حتى يحصل الفراغ منه، فإذا تم الوحي به تلاه ونطق به
وقرأه.
فأما ما ذكره المعول على الحديث من
التأويل فبعيد، لأنه لا وجه لنهي الله تعالى له عن العجلة بالقرآن الذي هو في
السماء الأربعة حتى يقضى إليه وحيه، لأنه لم يكن محيطا علما بما في السماء الرابعة
قبل الوحي به إليه، فلا معنى لنهيه عما ليس في إمكانه. اللهم إلا أن يقول قائل ذلك
أنه كان محيطا علما بالقرآن المودع في السماء الرابعة، فينتقض كلامه ومذهبه، لأنه
كان في السماء الرابعة لأن ما في صدر رسول الله صلى الله عليه وآله وحفظه في الأرض
فلا معنى لاختصاصه بالسماء، ولو كان ما في حفظ رسول الله صلى الله عليه وآله يوصف
بأنه في السماء الرابعة خاصة لكان ما في حفظ غيره موصوفا بذلك، ولا وجه يكون حينئذ
لإضافته إلى السماء الرابعة، ولا إلى السماء الأولى فضلا عن السماء الرابعة! ومن
تأمل ما ذكرناه علم أن تأويل الآية على ما ذكره المتعلق بالحديث بعيد عن الصواب.
- الإفصاح - الشيخ المفيد ص 36:
والجواب عن السؤال الثاني: أن الدلائل قد
قامت على أن رسول الله صلى الله عليه وآله لم ينطق عن الهوى، ولا فعل في شرعة شيئا
ولا قال إلا بوحي يوحى، وقد علمنا أن الوحي من الله جل اسمه العالم بالسر وأخفى،
وأنه جل اسمه لا يحابي خلقه، ولا يبخس أحدا منهم حقه.
فلولا أن أمير المؤمنين عليه السلام كان
الأفضل عنده جل اسمه لما فرض على نبيه صلى الله عليه وآلهالتفضيل له على الكافة،
والتنويه بفضله من بين الجماعة، والإقرار له من التعظيم بما لم يشركه فيه غيره،
لأنه لو لم يكن ذلك كذلك لكان محابيا له وباخسا لغيره حقه، أو غير عالم بحقيقة
الأمر في مستحقه، وذلك كله محال، فثبت أن الفضل الذي بان به أمير المؤمنين عليه
السلام في الظاهر من الجماعة بأفعال الرسول صلى الله عليه وآله وأقواله، أدل دليل
على فضله في الحقيقة، وعند الله سبحانه على ما ذكرناه.
- المسائل
السروية- الشيخ المفيد
ص 78 :
المسألة التاسعة:
صيانة القرآن من التحريف:
ما قولة أدام
الله تعالى حراسته في القران: أهو ما بين الدفتين، الذي في أيدي الناس، أم هل ضاع
مما أنزل الله تعالى على نبيه منه شيء، أم لا؟ وهل هو ما جمعه أمير المؤمنين عليه
السلام، أم ما جمعه عثمان بن عفان على ما يذكره المخالفون؟
الجواب: لا شك أن
الذي بين الدفتين من القرآن جميعه كلام الله تعالى وتنزيله، وليس فيه شيء من كلام
البشر، وهو جمهور المنزل. والباقي مما أنزله الله تعالى عند المستحفظ للشريعة،
المستودع للأحكام، لم يضع منه شيء. وإن كان الذي جمع ما بين الدفتين الآن لم يجعله
في جملة ما جمع لأسباب دعته إلى ذلك، منها: قصوره عن معرفة بعضه. ومنها: شكه فيه
وعدم تيقنه. ومنها: ما تعمد إخراجه منه. وقد جمع أمير المؤمنين عليه السلام القرآن
المنزل من أوله إلى آخره، وألفه بحسب ما وجب من تأليفه، فقدم المكي على المدني،
والمنسوخ على الناسخ، ووضع كل شيء منه في محله. فلذلك قاد جعفر بن محمد الصادق
عليهما السلام: "أما والله لو قرئ القرآن كما أنزل لألفيتمونا فيه مسمين كما سمي من
كان قبلنا" وقال عليه السلام: "نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدونا،
وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام، ولنا أهل البيت كرائم
القرآن".
لزوم التقيد بما
بين الدفتين:
غير أن الخبر قد
صح عن أئمتنا عليهم السلام أنهم أمروا بقراءة ما بين الدفتين، وأن لا يتعداه إلا
زيادة فيه ولا نقصان منه حتى يقوم القائم عليه السلام فيقرأ للناس القرآن على ما
أنزله الله تعالى وجمعه أمير المؤمنين عليه السلام. إنما نهونا عليهم السلام عن
قراءة ما وردت به الأخبار من أحرف تزيد على الثابت في المصحف لأنها لم تأت على
التواتر، وإنما جاء بها
الآحاد، وقد يغلط الواحد فيما ينقله. ولأنه متن قرأ الإنسان بما خالف ما بين
الدفتين غرر بنفسه وعرض نفسه للهلاك. فنهونا عليهم السلام عن قراءة
القرآن بخلاف ما ثبت بين
الدفتين لما ذكرناه.
- المسائل
السروية- الشيخ المفيد
ص 82 ، 85:
فصل: وحدة القرآن
وتعدد القراءات:
فإن قال قائل:
كيف يصح القول بأن الذي بين الدفتين هو كلام الله تعالى على الحقيقة، من غير زيادة
فيه ولا نقصان، وأنتم تروون عن الأئمة عليهم السلام أنهم قرءوا: (كنتم خير أئمة
أخرجت للناس)، و (كذلك جعلناكم أئمة وسطا). وقرءوا: (يسألونك الأنفال)، وهذا بخلاف
ما في المصحف الذي في أيدي الناس؟.
قيل له: قد مضى
الجواب عن هذا، وهو: أن الأخبار التي جاءت بذلك أخبار آحاد لا يقطع على الله تعالى
بصحتها، فلذلك وقفنا فيها، ولم نعدل عما في المصحف الظاهر على ما أمرنا به حسب ما
بيناه. مع أنه لا ينكر أن تأتي القراءة على وجهين منزلين: أحدهما: ما تضمنه المصحف.
والثاني: ما جاء به الخبر، كما يعترف مخالفونا به من نزول القرآن على أوجه شتى. فمن
ذلك: قوله تعالى: {وَمَا هُوَ عَلَى
الْغَيْبِ بِضَنِينٍ} يريد: ما هو
ببخيل. وبالقراءة الأخرى: (وَمَا هُوَ عَلَى
الْغَيْبِ بِظَنِينٍ) يريد: بمتهم.
ومثل قوله تعالى:
{جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ} وعلى قراءة أخرى: (مِنْ
تَحْتَهَا الأَنْهَارُ). ونحو قوله تعالى: {إِنْ هَذَانِ
لَسَاحِرَانِ} . وفي قراءة
أخرى: (إِنْ هَذَينِ لَسَاحِرَانِ). وما أشبه ذلك بما يكثر تعداده، ويطول الجواب بإثباته.
وفيما ذكرناه كفاية إن شاء الله تعالى.