- تصحيح اعتقادات الإمامية -
الشيخ المفيد
ص 74:
فصل: في اللوح والقلم
قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: اعتقادنا في اللوح والقلم أنهما ملكان.
قال الشيخ المفيد عليه السلام: اللوح كتاب الله تعالى كتب فيه ما يكون إلى
يوم القيامة، وهو قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا
فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ
الصَّالِحُونَ} فاللوح هو الذكر والقلم هو الشيء الذي أحدث الله به الكتابة في اللوح،
وجعل اللوح أصلا ليعرف الملائكة عليهم السلام منه ما يكون [من غيب أو وحي]، فإذا
أراد الله تعالى أن يطلع الملائكة على غيب له أو يرسلهم إلى الأنبياء عليهم السلام
بذلك أمرهم بالاطلاع في اللوح، فحفظوا منه ما يؤدونه إلى من أرسلوا إليه، وعرفوا
منه ما يعملون، وقد جاءت بذلك آثار عن النبي صلى الله عليه وآله وعن الأئمة عليهم
السلام.
فأما من ذهب إلى أن اللوح والقلم ملكان؟ فقد أبعد بذلك ونأى به عن الحق، إذ
الملائكة لا تسمى ألواحا، ولا أقلاما، ولا يعرف في اللغة اسم ملك ولا بشر لوح ولا قلم.
- تصحيح اعتقادات الإمامية - الشيخ المفيد
ص 75، 78:
فصل: في معنى العرش
قال الشيخ أبو جعفر رحمه الله: اعتقادنا في العرش أنه حملة جميع الخلق
والعرش في وجه آخر هو العلم... إلخ.
قال الشيخ أبو عبد الله المفيد رحمه الله: العرش في اللغة هو الملك، قال
الشاعر بذلك:
إذا ما بنو مروان ثلّت عروشهم
وأودت كما أودت أياد وحمير
يريد إذا ما بنو مروان هلك ملكهم وبادوا، وقال آخر:
أظننت عرشك لا يزول ولا يغير
يعني: أظننت ملكك لا يزول ولا يغير وقال الله تعالى مخبرا عن واصفي ملك ملكة
سبأ: {وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا
عَرْشٌ عَظِيمٌ} يريدون: لها ملك عظيم، فعرش الله تعالى هو ملكه، واستواؤه على العرش هو
استيلاؤه على الملك، والعرب تصف الاستيلاء بالاستواء، قال الشاعر:
قد استوى بشر على العراق
من غير سيف ودم مهراق
يريد به قد استولى على العراق، فأما العرش الذي تحمله الملائكة، فهو بعض
الملك، وهو عرش خلقه الله تعالى في السماء السابعة، وتعبد الملائكة عليهم السلام
بحمله وتعظيمه، كما خلق سبحانه بيتا في الأرض وأمر البشر بقصده وزيارته والحج إليه
وتعظيمه، وقد جاء في الحديث أن الله تعالى خلق بيتا تحت العرش سماه البيت المعمور
تحجه الملائكة في كل عام، وخلق في السماء الرابعة بيتا سماه الضراح وتعبد الملائكة
بحجه والتعظيم له والطواف حوله، وخلق البيت الحرام في الأرض وجعله تحت الضراح.
وروي عن الصادق عليه السلام أنه قال: لو ألقي حجر من العرش لوقع على ظهر
البيت المعمور، ولو القي حجر من البيت المعمور لسقط على ظهر البيت الحرام، ولم يخلق
الله عرشا لنفسه ليستوطنه، تعالى الله عن ذلك. لكنه خلق عرشا أضافه إلى نفسه تكرمة
له وإعظاما وتعبد الملائكة بحمله كما خلق بيتا في الأرض ولم يخلقه لنفسه ولا
ليسكنه، تعالى الله عن ذلك كله.
لكنه
خلقه لخلقه وأضافه لنفسه إكراما له وإعظاما، وتعبد الخلق بزيارته والحج إليه.
فأما [الوصف للعلم] بالعرش فهو في مجاز اللغة دون
حقيقتها، ولا وجه لتأويل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ
عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} بمعنى أنه احتوى على العلم، وإنما الوجه في ذلك
ما قدمناه.
والأحاديث التي رويت في صفة الملائكة الحاملين للعرش أحاديث آحاد وروايات
أفراد لا يجوز القطع بها ولا العمل عليها، والوجه الوقوف عندها والقطع على أن
[العرش في الأصل] هو الملك، والعرش المحمول جزء من الملك تعبد الله تعالى بحمله
الملائكة على ما قدمناه.