كتاب الصيد والذبائح والأطعمة
قال الله عز وجل: " يسئلونك ما ذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكلبين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب ". وقال تعالى: " أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعا لكم و للسيارة وحرم عليكم صيد البر ما دمتم حرما واتقوا الله الذي إليه تحشرون ". فأحل سبحانه صيد البحر في كل حال، وأحل صيد البر في أحوال الإحلال. و يؤكل من صيد البحر كل ما كان له فلوس من السموك. ولا يؤكل منه ما لا فلس له. ويجتنب الجري والزمار والمارماهي من جملة السموك. ولا يؤكل الطافي منه، وهو الذي يموت في الماء فيطفو عليه. وذكاة السمك صيده. و يؤكل من بيض السمك ما كان خشنا، ويجتنب منه الأملس والمنماع. وإذا صيدت سمكة، فشق جوفها، ووجد سمكة قد كانت ابتلعتها، فإن كانت ذات فلوس أكلت. وإن لم يكن لها فلوس لم توكل. وإذا وجد الإنسان سمكة على ساحل بحر أو شاطئ نهر، ولم يدر أذكية هي أم ميتة، فليلقها في الماء، فإن طفت على ظهرها فهي ميتة. وإن طفت على وجهها فهي ذكية. ولا يؤكل ما صاده المجوس وأصناف الكفار. ويكره صيد الوحش والطائر في الليل. ولا يجوز أخذ الفراخ من أوكارها. ومن وجد في شجرة بيضا، ولم يدر أهو بيض ما يحل أكله من الطير أم بيض ما يحرم، اعتبره، فإن كان مختلف الطرفين أكله. وإن كان متفق الطرفين اجتنبه. ويحرم من الطير ما يصف. ويحل منه ما يدف. فإن كان مما يصف ويدف اعتبر، فإن كان دفيفه أكثر من صفيفه أكل. وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه اجتنب. والسنة في الصيد بالكلاب المعلمة دون ما سواها من الجوارح. وإذا أرسل الإنسان كلبه المعلم على صيد فليسم. فإن ظفر به الكلب فليذكه، ثم ليأكله. فإن لم يدرك ذكاته حتى قتله الكلب فليأكل منه إذا كان قد سمى عند إرساله. فإن لم يكن سمى فلا يأكله. ولا بأس بأكل ما أكل منه الكلب إذا كان ذلك شاذا منه. فإن كان الكلب معتادا لأكل الصيد لم يؤكل من صيده إلا ما أدرك بالذكاة. ولا يؤكل من صيد البازي والصقر والفهد إلا ما أدرك ذكاته. ويجتنب أكل ما قتله وإن كان الإنسان قد سمى عند إرساله. ولا يؤكل من الوحش ما يفرس بنابه أو بمخلبه. ولا بأس بأكل الحمار الوحشي. ولا يؤكل الأرنب، فإنه مسخ نجس. ولا يجوز أكل الثعلب والضب. ولا يؤكل ما قتله البندق من الطير وغيره. ورمي الجلاهق - وهي قسي البندق - حرام. ولا بأس أن يرمي الإنسان الوحش والطائر بالنبل والنشاب، ويسمي عند رميه. فإذا قتله السهم أكله. ولا بأس بصيد المعراض إذا خرق الجلد وأسال الدم. ولا يؤكل الصيد المقتول بالحجارة والخشب. ومن لم يجد حديدا يذكي به، ووجد زجاجة تفري اللحم، أو ليطة من قصب لها حد كحد السكين، ذكي بها. ولا يذكي بذلك إلا عند فقد الحديد. وإذا وقع الصيد في الماء فمات فيه لم يؤكل. وإن وقع من جبل فتكسر ومات لم يؤكل. ولا ذكاة إلا في الحلق واللبة، إلا أن يقع الصيد، أو غيره من الإبل والبقر والغنم في زبية، أو بئر، فلا يمكن إخراجه منهما، فلا بأس أن يطعن بالحديد في أي موضع وقع منه. فإذا برد بالقتل أكل. وإذا استعصى أيضا بعير أو ثور، فامتنعا من النحر والذبح، جاز ضربهما بالسيوف، وطعنهما بالرماح، وأكلهما بعد بردهما بعدم الحياة منهما. وذكاة الجراد أخذه. ولا يؤكل منه الدبا، وهو الذي لا يستقل بالطيران.
وما يحل من ذلك وما يحرم منه قال الله عز وجل: " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون ". فحرم سبحانه أكل ما لم يذكر اسم الله عليه من الذبائح، وحذر من دخول الشبهة فيه. وأصناف الكفار من المشركين واليهود والنصارى والصابئين لا يرون التسمية على الذبايح فرضا ولا سنة. فذبائحهم محرمة بمفهوم التنزيل حسب ما أثبتناه. والناصبة لآل محمد عليهم السلام [ على ضربين: أحدهما تحل ذبيحته، والآخر تحرم. فالذين يحل ذبائحهم منهم هم المعتقدون لمودة أمير المؤمنين عليه السلام وذريته الأبرار " عليهم السلام " وإن جهلوا كثيرا من حقوقهم على الآثار. والذين يحرم ذبائحهم فهم الخوارج ومن ضارعهم في عداوة أمير المؤمنين عليه السلام وعترته الأطهار عليهم السلام، لأنهم بذلك ] لاحقون بمن سميناه من الكفار في تحريم ذبائحهم، لأنهم وإن كانوا يرون التسمية على الذكاة فإنهم بحكم أهل الارتداد عن الإسلام، لعنادهم لأولياء الله عز وجل، واستحلالهم منهم المحظورات. وذبائح المرتدين وإن اعتقدوا التسمية عليها محرمة بالإجماع. ومن ذبح من أهل الإسلام فليستقبل القبلة بالذبيحة، ويسمي الله عز وجل، ولا يفصل الرأس من العنق حتى تبرد الذبيحة. وإذا ذبح الحيوان، فتحرك عند الذبح، وخرج منه الدم، فهو ذكي. وإن لم يكن منه حركة فهو منخنق، و في حكم الميتة. وكذلك إن لم يسل منه دم. ولا بأس بذبيحة الصبي إذا كان يحسنها. ولا بأس بذبيحة المرأة أيضا إذا كانت تحسنها. ومن وجد ذبيحة في أسواق المسلمين، ولم يعلم أن ذابحها كافر ويتيقن ذلك، فليأكل منها، وليس عليه أن يسأل عن الذابح، ويكفيه في استحلالها ظاهر الإسلام. وإن تعمد المسلم ترك التسمية على الذبيحة حرم أكلها. فإن نسي التسمية كفته النية لها، واعتقاد فرضها، والتدين بذلك في جواز أكلها. وقد ظن قوم أن ذبائح أهل الكتاب حلال، لقوله عز وجل: " اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ". وليس الأمر في معنى هذه الآية كما ظنوه، لأن اسم الطعام إذا أطلق اختص بالأخبار والحبوب المقتاتة دون الذبائح. ولو كانت سمة تعم بإطلاقها ذلك كله لأخرج الذبائح منها قوله جل اسمه: " ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون "، وقد ثبت أن اليهود والنصارى لا يرون التسمية على الذبائح، ولا يعتقدونها فرضا في ملتهم ولا فضيلة. وكذلك قد ظن هؤلاء القوم - بما في تمام هذه الآية من قوله: " والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن " - إباحة نكاح اليهوديات والنصرانيات، وهذا الحكم منسوخ بقوله: " ولا تمسكوا بعصم الكوافر ". ولا يجوز مؤاكلة المجوس، ولا استعمال آنيتهم حتى تغسل، لاستحلالهم الميتة، وإهمالهم الطهارة من النجاسات. ويجتنب الأكل والشرب في آنية مستحلي شرب الخمور وكل شراب مسكر، ولا تستعمل حتى تغسل. ولا يجوز أكل طبيخ قد جعل فيه شئ من الخمر والأشربة المسكرة. وإذا وقع ذلك في طعام أو شراب أفسدهما، ولم يجز التغذي بهما، ولا تناولهما لنفع بأكل أو شرب على حال. وكذلك الحكم في الفقاع، لأنه محرم، لا يحل شربه، ولا شئ خالطه من طعام ولا شراب. والخمر إذا انقلبت عينها، واستحالت، فصارت خلا، حل أكلها، سواء انقلبت بعلاج وصنع مخلوق، أو بصنع الله تعالى، أو تغيير طبعها بالهواء وغيره، لأن ما به اقتضت المصلحة تحريمها قد زال عنها بتغيرها عن طبيعتها. وإذا وقعت الميتة في الطعام و الشراب أفسدته أيضا. وإن وقعت في إناء فيه لحم وتوابل جاز أكل ذلك بعد غسله بالماء. وإن وقع دم في قدر تغلي على النار جاز أكل ما فيها بعد زوال عين الدم وتفريقها بالنار. وإن لم تزل عين الدم منها حرم ما خالطه الدم، وحل منها ما أمكن غسله بالماء. وإذا وقعت الفأرة في الزيت والسمن والعسل وأشباه ذلك وكان مايعا، أهرق. وإن كان جامدا ألقي ما تحتها وما وليها من جوانبها، واستعمل الباقي، وأكل، وتصرف الإنسان في الانتفاع به كيف شاء. وكذلك الحكم في الميتة وكل دابة نجسة إذا وقعت فيما سميناه. وإن وقع ذلك في الدهن جاز الاستصباح به تحت السماء، ولم يجز تحت الظلال. ولا يجوز أكله ولا الأدهان به على حال. وليس يفسد الطعام والشراب ما يقع فيه من الحيوان الذي ليس له نفس سائلة، كالذباب والبق والجراد وأشباهه، سواء مات فيه، أو لم يمت. ولا بأس باستعماله وإن وقع فيه على ما ذكرناه. وإذا وقعت النجاسة في ماء، وعجن منه، أو طبخ، أفسد ذلك العجين والطبيخ، ولم يجز أكلهما. ولا يؤكل من الأنعام والوحوش الطحال، لأنه مجمع الدم الفاسد. ولا يؤكل القضيب والأنثيان. ويكره أكل الكليتين، لقربهما من مجرى البول. وليس أكلهما حراما. ولا بأس بلحوم الجواميس، والبخت من الإبل، وألبانهما. ولا يجوز التضحية بهما. ولا بأس باستعمال وبر الميتة من الأنعام والوحوش الحلال، وشعرها، وأظلافها، وقرونها. ويؤكل ما يوجد من البيض في أجواف الميت من الطير الحلال. وما يوجد من اللبن في ضروع الميتة من الإبل والبقر والغنم، وأنفحتها. ولا بأس باستعمال عظامها وأسنانها بعد غسلها بالماء. وجنين الحيوان حلال إذا أشعر، وأوبر. وذكاته ذكاة أمه. ولا يجوز أكله قبل أن يشعر ويوبر مع الاختيار. ومن نحر بدنة، أو ذبح بقرة أو شاة في كفارة، فلا يأكل منها شيئا. ولا بأس أن يأكل مما نحره، أو ذبحه في هدي دم المتعة بالحج. ويكره لأبوي الصبي أن يأكلا من عقيقته، لأنها قربة إلى الله تعالى جارية مجرى الكفارات. ولا يؤكل ما قطع من البهيمة، وهي حية، لأنه ميتة محرم بلا ارتياب. ومن عمد إلى بهيمة، فضربها بالسيوف حتى فارقت الحياة، أو طعنها بالرماح، أو قتلها بالسهام، من غير اضطرار في ذكاتها إلى ذلك، أثم بما فعله، ولم يحل له أكلها، ولم تحل لغيره أيضا، وكانت في حكم ما فارق الحياة بغير ذكاة. وقتيل العصا والحجر من الحيوان ميتة لا يؤكل على ما قدمناه. ولا بأس بأكل ما عالجه الجنب والحائض من الخبز والطبيخ وأشباه ذلك من الآدام إذا كانا مأمونين. ويكره أكله إذا عالجه من لا يحفظ دينه من الناس، ولا يؤمن عليه إفساده بالنجاسات. ولا يؤكل في آنية الذهب والفضة، ولا يشرب فيها وإن كانت طاهرة، لأن النبي صلى الله عليه وآله نهى عن ذلك، وحذر من فعله بالنار.