كتاب الفرائض والمواريث
قال الله عز وجل: " للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر نصيبا مفروضا ". فجعل تعالى تركة الميت لأقاربه من الرجال والنساء على سهام بينها في مواضع آخر في كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وآله. فينبغي أن تعرف السهام على حقائقها من مواضعها، ويسلك في علمها طريق المعرفة بها دون غيره، ليحصل للإنسان فهمها، ويستقر له الحكم فيها على يقين إن شاء الله تعالى.
[ 1 ] باب أسباب استحقاق الميراث
والميراث يستحق في حكم الله تعالى بضربين: أحدهما نسب، والآخر سبب. فمن استحقه بالنسب كان استحقاقه يترتب على القرب به، ليستوي في فريضته باستواءه في درجته، ويختلف في استحقاقه باختلافه فيه، ومن استحقه بالسبب كان استحقاقه بوجوده له دون عدمه. والنسب يتعدى المذكور بالتعيين، ويقوم فيه الولد مقام الوالد المذكور، والسبب لا يتعدى المذكور بالتعيين، ولا يقوم غيره مقامه في حكمه على حال. والسبب الذي يستحق به الميراث الزوجية دون ما عداه من الأسباب.
[ 2 ] باب الأولى من ذوي الأنساب بالميراث
وأولى ذوي الأرحام بالميراث من تقرب إلى الميت بنفسه، ولم يتقرب إليه بغيره. وهم الولد والوالدان. قال الله عز وجل: " يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وإن كانت واحدة فلها النصف ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس من بعد وصية يوصي بها أو دين آبائكم وأبنائكم لا تدرون أيهم أقرب لكم نفعا فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما. فقدم جل اسمه الوالدين والولد على جميع ذوي الرحم، لقربهم من الميت، وأخر من سواهم من الأهل عن رتبتهم في القربى، وجعل لكل واحد منهم نصيبا سماه له، وبينه، لتزول الشبهة عمن عرفه في استحقاقه.
فإذا ترك الميت أبويه ولم يترك معهما ولدا، ولا ذا سبب بالنكاح، أو حاجبا للأم عن فرض إلى دونه من الإخوة، كان ما خلفه - بعد الدين والوصية إن كان عليه دين أو له وصية - للأبوين دون غيرهما من سائر الأهل والقرابات: للأب الثلثان، وللأم الثلث. فإن ترك أحد أبويه، وليس معه ولد، ولا ذو سبب كزوج أو زوجة، فالتركة كلها له دون غيره من ذوي الأرحام وإن كانوا إخوة وأخوات وعمومة وعمات. فإن ترك مع أبويه أو أحدهما ولدا ذكرا، جماعة كانوا، أو واحدا، فللأبوين السدسان بينهما بالسوية، والباقي للولد الذكر، وليس لغيرهم من قرابات الميت نصيب على حال. فإن ترك مع الأبوين ولدا ذكورا وإناثا فللأبوين ما ذكرناه لهما مما جعله الله تعالى نصيبهما مع الأولاد - وهو السدسان - والباقي بين الولد الذكور والإناث، اثنين كانوا، أو أكثر من ذلك، للذكر مثل حظ الأنثيين على ما بينه الله تعالى، ونص عليه في القرآن، وليس لأحد من الأقارب معهم نصيب، كما قدمناه. فإن ترك مع أبويه ابنتين أو أكثر من ذلك فللأبوين السدسان - كما ذكرناه - وللبنتين الثلثان بينهما بالسوية. فإن كن أكثر من اثنتين فلهن الثلثان بينهن بالسوية على حكم القرآن وظاهر التبيان. فإن ترك مع أبويه بنتا واحدة كان لها النصف - كما سماه الله تعالى في صريح القرآن - وللأبوين السدسان، وبقي سدس يرد عليهم بحساب سهامهم، وهي خمسة أسهم، فيكون للبنت منه ثلاثة أسهم، وللأبوين سهمان، فيصير للأبوين الخمسان، وللبنت ثلاثة أخماس بتسمية الفريضة، والرد عليهم بالرحم التي كانوا أولى ممن سواهم من ذوي الأرحام، قال الله عز وجل: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ". فخبر أن بعضهم أولى ببعض للرحم فوجب أن يكون الأقرب أولى من الأبعد في الميراث، والوالدان والولد أقرب من جميع ذوي النسب - كما بيناه - لأنهم يتقربون بأنفسهم، وبهم قربة من سواهم من جميع الأهل وذوي الأرحام. فإن ترك أحد أبويه وبنتا كان للبنت النصف - على ما قدمناه، كما سماه الله تعالى لها في القرآن - وللباقي من الأبوين السدس بالتسمية أيضا في الكتاب، وبقي الثلث فيرد عليهما بحساب سهامهما، وهي أربعة أسهم: للبنت ثلاثة أسهم، وللباقي من الأبوين - أبا كان أو أما - السهم الرابع، فيحصل للبنت الثلاثة الأرباع، وللباقي من الأبوين الربع على الكمال بالتسمية لهما، والرد عليهما بالرحم على ما أوجبه القرآن، حسب ما أثبتناه. وحكم البنات إذا كن مع الأبوين - وإن بلغن مأة في العدد - حكم البنتين: لهن جميعا الثلثان، لا ينقصن منه، ولا يزدن عليه، وللأبوين السدسان، لا ينقصان منه، ولا يزادان عليه، حسب ما ذكرناه. وإذا ترك الإنسان ابنين، أحدهما أكبر من صاحبه، أو أولادا ذكورا فيهم واحد هو أكبرهم سنا، حبي الأكبر من تركته بثياب بدنه، وبخاتمه الذي كان يلبسه، وبسيفه، ومصحفه - وعلى هذا الأكبر أن يقضي عن والده ما فاته من صيام وصلاة دون إخوته - فإن كان الأكبر فاسد العقل أو سفيها فلا يجب بشئ من ذلك. فإن لم يخلف الميت من ثياب بدنه إلا ما كان عليه كانت ميراثا بين أهله، ولم يحب بها الأكبر من ولده.
[ 4 ] باب ميراث الوالدين مع الإخوة والأخوات
قد بينا أنه لا ميراث لأحد من ذوي الأرحام مع الأبوين ولا مع الولد على حال، غير أن الله تعالى سمى للأم نصيبا مع الأب، وحجبها عنه بالإخوة من الأب، وحطها إلى ما هو دونه، ليتوفر سهم الأب، لموضع عيلولته الأخوة، ووجوب ذلك عليه دونها، فقال جل اسمه: " فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث فإن كان له إخوة فلأمه السدس ". وإذا ترك الميت أبويه وأخوين لأبيه وأمه، أو لأبيه خاصة، فما زاد على ذلك، أو أربع أخوات، أو أخا وأختين، فما زاد على ذلك في العدد، حجبوا الأم عن الثلث إلى السدس، وكان الخمسة الأسداس الباقية للأب، لأنه ذو عيال يحتاج إلى النفقة عليهم. فإن كان الأخوة من الأم خاصة لم يحجبوها عن الثلث - ولو كانوا مأة أو ألفا - لأنهم يكونون حينئذ في عيالها، فهي إلى أن يتوفر سهمها أولى من أن ينقص منه، وقد ثبت الخبر بالسنة في اختصاص الإخوة من الأب، أو الأب والأم، بحجب الأم عن الثلث إلى السدس، وعدم حجب الإخوة والأخوات من الأم خاصة لها عن ذلك، فلا حاجة بنا مع ثبوته إلى ما سواه في هذا الباب. فإن ترك الميت أخا واحدا لأب، أو أب وأم، أو أختا، أو أختين، أو ثلاث أخوات، أو أخا وأختا، لم يحجبوا الأم عن الثلث، وإنما يحجبها الإخوان من الأب، أو الأب والأم، أو الأربع أخوات، أو الأخ والأختان، فما زاد على ذلك في العدد دون ما نقص منه، بالسنة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله. ولا يحجب الإخوة الأم عن حقها الزائد على السدس، إلا إذا كان الأب موجودا. فأما مع عدمه فلا يحجب عن ذلك - والأم تستحق مع البنت الربع على ما قدمناه - ونحوه إذا كان هناك صاحب سبب من زوج أو زوجة. فلو كان للميت إخوة لأب لم يحجبوها عن ذلك - ولو كانوا ألفا - وإنما يحجبونها مع الأب، ليتوفر سهمه على ما ذكرناه. وإذا كان مع الأبوين والبنت إخوة لأب كان للبنت النصف كاملا، وللأبوين السدسان، والسدس الباقي مردودا على الأب والبنت بحساب سهامهما - وهي أربعة أسهم - ولا يرد على الأم شئ، لأنها محجوبة عن الرد بالإخوة، كما حجبت عن الثلث إلى السدس مع عدم الولد، حسب ما قدمناه.
[ 5 ] باب ميراث الوالدين مع الأزواج
وإذا ترك الميت والديه، وزوجا، أو زوجة ولم يكن له ولد، كان للزوج النصف كاملا، وللأم الثلث كملا وللأب السدس، لأن الله تعالى سمى للأم الثلث مع عدم الولد، ولم يحجبها عنه إلا بهم وبالإخوة - على ما شرحناه - فهو لها على الكمال بنص الله تعالى على ذلك في القرآن. وللزوجة الربع وللأم الثلث وما بقي وهو الربع والسدس للأب لا يزاد عليه شيئا ولا ينقص منه حسب ما قسمه الله تعالى في كتابه لمن سميناه. وإن ترك الميت زوجا وأبا كان للزوج النصف، وللأب الباقي، وهو النصف. فإن ترك زوجة وأبا كان للزوجة الربع، وللأب ما يبقى، وهو الثلاثة الأرباع. وكذلك إن ترك أما وزوجا أو زوجة فللزوجة الربع، والباقي للأم، وللزوج النصف والباقي لها، لا يختلف الحكم في ذلك بين الأبوين على ما وصفناه.
والربع للزوجة مع عدم الولد - كما قدمناه - والنصف للزوج إذا لم يكن ولد - على ما شرحناه - وبذلك النص في القرآن، وعليه الإجماع والاتفاق. فإن ترك الميت ولدا مع الزوج أو الزوجة كان الزوج محجوبا بالولد - ذكرا كان أو أنثى، واحدا كان أو أكثر من ذلك - عن النصف إلى الربع، والزوجة محجوبة عن الربع إلى الثمن به بظاهر القرآن، والإجماع - أيضا - والاتفاق. ولا ترث الزوجة شيئا مما يخلفه الزوج من الرباع، وتعطى قيمة الخشب، والطوب، والبناء، والآلات فيه، وهذا هو منصوص عليه عن نبي الهدى عليه وآله السلام وعن الأئمة من عترته عليهم السلام. والرباع هي الدور والمساكن دون البساتين والضياع. وحكم الزوجتين والثلاث والأربع حكم الزوجة الواحدة: لهن مع الولد الثمن، بينهن سواء، والربع إذا لم يكن ولد، بينهن بالسواء.
[ 7 ] باب ميراث من علا من الآباء، وهبط من الأولاد
وإذا ترك الميت جده وإن علا، وجدته وإن ارتفعت، ولم يترك معهما ولدا، ولا إخوة، ولا أخوات، كانا أحق بتركته من جميع ذوي أرحامه سواهما وإن كانوا عمومة وعمات، وخؤولة وخالات، وأولاد من سميناه، لأن العمومة يتقربون بالأجداد، والخؤولة يتقربون بالجدات، والمتقرب بنفسه أولى ممن يتقرب به ممن هو دونه في قرابة الرحم، والمتقرب بشئ أقرب ممن يقرب به لأجل ذلك الشئ. وتقسم فريضة الجد والجدة إذا تساويا في الدرجة، ولم يكن معهما من يحجبهما عن حوز الميراث، كما تقسم فريضة الأبوين سواء، للذكر مثل حظ الأنثيين. وكذلك الولد يقومون مقام آبائهم وإن نزلوا في الدرجة ما لم يكن معهم من يحجبهم بالعلو من الأولاد. وتقسم فريضتهم كقسمة فرائض آبائهم على الاتفاق. ولا يجب الأبوان أولاد الولد وإن هبطوا. ويحجب الولد وولد الولد من علا من الآباء، لأنهم جميعا يدخلون تحت اسم الولد على الإطلاق، وبالاتفاق، ولا يدخل الأجداد تحت اسم الأبوة في كل حال على الإطلاق، ولأنه لا ميراث للإخوة مع ولد الولد وإن هبطوا، وهم يرثون مع الأجداد، سواء قربوا، أو بعدوا، بما ثبت من السنة عن النبي صلى الله عليه وآله. وولد الولد إذا ورثوا حجبوا الوالدين عن الثلث والثلثين إلى السدس والسدسين، وحجبوا الزوج عن النصف إلى الربع، والزوجة عن الربع إلى الثمن بالاتفاق. ولا ميراث للجد مع الأب، ولا لولد الولد مع الولد الأدنى. والبنت للصلب أحق من ابن الابن. والابن الأدنى أحق من ابن الابن وبنت الابن. والأم أولى بالميراث من الجدة. والجدة الدنيا أولى من الجدة العليا بالميراث. وهذا أصل في كل من علا وهبط من ذوي الأرحام إذا لم يكن وارثا بتسمية مفصلة، وكان وارثا بالقرابة والأرحام.
[ 8 ] باب ميراث الإخوة والأخوات
وإذا ترك الإنسان أخا لأبيه وأمه، أو لأبيه خاصة، أو لأمه، ولم يترك غيره من ذوي أرحامه، كان المال كله له. وكذلك إن كانوا إخوة جماعة، أو أختا، أو أخوات جماعة. فإن ترك أخا لأبيه وأمه، وأخا لأبيه، كانت التركة للأخ للأب والأم دون الأخ للأب خاصة، وهذا إجماع. فإن ترك أخته لأبيه وأمه وأختا لأبيه خاصة كان الحكم كذلك: للأخت من الأب والأم التركة كلها، ولم يكن للأخت من الأب خاصة معها نصيب. وهذا إجماع عن الأئمة عليهم السلام. والعامة تخالف فيه. فإن ترك أخا لأبيه وأمه، أو أخته لهما، وأخاه لأمه أو أخته لها، فللأخ أو الأخت من الأم السدس بنص التنزيل، والباقي للأخ أو الأخت للأب والأم. فإن ترك إخوة وأخوات لأب وأم، وأخا أو أختا لأم، فالحكم فيه كذلك: للأخ أو الأخت للأم السدس، والباقي للإخوة والأخوات من الأب والأم، للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن ترك أخا لأب وأم أو إخوة لهما، وأخوين لأم أو أختا وأخا لأم، أو أكثر من ذلك، فللإخوة والأخوات من الأم الثلث بينهم بالسوية، الذكر والأنثى فيه سواء، والباقي للأخ، أو الأخت، أو الإخوة والأخوات من الأب والأم، للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن ترك أخا أو أختا لأب وأم، وأخا لأم أو أختا لها، وأخا لأب أو أختا له، فللأخ من الأم أو الأخت السدس، والباقي، للأخ أو الأخت من الأب والأم، وليس للأخ من الأب أو الأخت له مع الأخ أو الأخت من الأب والأم نصيب على ما قدمناه. والحكم فيما زاد على الواحد - ممن سميناه مع من ذكرناه سواء، كان واحدا، أو أكثر من ذلك - حكم آحادهم، لا يختلف في معناه. فإن ترك أخا لأب، وأخا لأم، كان للأخ من الأم السدس، والباقي للأخ من الأب. وكذلك إن كان بدل الأخ من الأب جماعة ذكورا، أو ذكورا وإناثا، فالحكم فيه سواء. وإن ترك أخوين لأم أو أختين لها أو أكثر من ذلك، وأخا لأب أو إخوة وأخوات له، كان للأخوين أو الأختين من الأم وما زاد على ذلك الثلث بينهم. بالسوية، والباقي للإخوة والأخوات من الأب خاصة، للذكر مثل حظ الأنثيين. ولا يرث مع الإخوة والأخوات أولادهم، ولا يرث معهم عم ولا خال، لما قدمناه من كون الأقرب أولى بالميراث من الأبعد بآية ذوي الأرحام. وإذا ترك الميت زوجة أو أزواجا، وإخوة وأخوات، ولم يترك ولدا، كان للزوجة أو الزوجات الربع، والباقي للإخوة والأخوات على ما قدمناه من استحقاقهم وسهامهم بما وصفناه. وكذلك إن ترك زوجا وإخوة وأخوات فللزوج النصف، والباقي للإخوة والأخوات على ما فصلناه. وإذا لم يكن مع الأزواج إخوة وأخوات، وكان معهم غيرهم من القرابات، ورث الأزواج سهامهم على الكمال، وكان الباقي لذوي أرحام الميت وقراباته من النساء والرجال بحسب استحقاقهم لذلك، وسهامهم الثابتة في شريعة الإسلام. وإذا لم يوجد مع الأزواج قريب ولا نسيب للميت رد باقي التركة على الأزواج.
[ 9 ] باب ميراث أولاد الإخوة والأخوات
وإذا ترك الميت ابن أخيه لأبيه وأمه، وابن أخيه لأبيه، وابن أخيه لأمه، كان لابن الأخ من الأم نصيب أمه - وهو السدس - والباقي لابن الأخ للأب والأم، وليس لابن الأخ من الأب خاصة نصيب. وكذلك حكم أولاد الأخت: يقوم كل واحد منهم مقام أمه، ويأخذ نصيبها، ويسقط بسقوطها. ولا يرث ابن الأخ مع الإخوة والأخوات، لأنهم أعلى منه، وأقرب إلى الميت رحما. ويقوم أولاد الإخوة والأخوات مقام آبائهم وأمهاتهم مع الأجداد والجدات، فيرث كل واحد منهم نصيب أبيه وأمه مع الجد والجدة. وسهم الأخ مع الجد كسهم الأخ مع الأخ. وسهم الأخت مع الجدة كسهم الأخت مع الأخت. والأجداد والجدات مع الإخوة والأخوات كبعضهم مع بعض. وحكم أولاد الإخوة والأخوات معهم كحكم آبائهم، إلا أنهم لا يرثون مع وجود آبائهم على ما ذكرناه.
[ 10 ] باب ميراث الأعمام والعمات والأخوال والخالات
وإذا ترك الميت عما وعمة وخالا وخالة، ولم يترك معهم ذا رحم أقرب منهم، كان للخال والخالة الثلث بينهما بالسوية، وللعم والعمة الثلثان بينهما للذكر مثل حظ الأنثيين. وكذلك إن كانوا عشرة أعمام وعمات وأخوال وخالات، فالثلث بين الأخوال والخالات بينهم بالسوية، والثلثان بين الأعمام والعمات للذكر مثل حظ الأنثيين. فإن كان للميت زوجة أو زوج كان له نصيبه الربع أو النصف - على ما ذكرناه - والباقي للأعمام والعمات والأخوال والخالات على الفرض الذي ذكرناه. فإن ترك الميت عما، لم يترك وارثا أقرب منه، كان المال له كله. وكذلك إن ترك خالا لم يترك غيره فالمال له كله. والقول، في العمة الواحدة كذلك. والقول في الخالة كذلك. ولا يرث ابن العم مع العم، ولا ابن الخال مع الخال، إلا أن يختلف أسبابهما في النسب، فيكون العم لأب، وابن العم لأب وأم، فإن كانا كذلك كان ابن العم للأب والأم أحق بالميراث من العم للأب، لأن ابن العم يتقرب إلى الميت بسببين، والعم يتقرب بسبب واحد. وليس كذلك حكم الأخ للأب وابن الأخ للأب والأم، لأن الأخ وارث بالتسمية الصريحة، وابن الأخ وارث بالرحم دون التسمية، ومن ورث بالتسمية حجب من يستحق الميراث بالرحم دون التسمية، والعم وابن العم فإنما يرثان بالقربى دون التسمية، فمن تقرب بسببين منهما كان أحق ممن تقرب بسبب واحد - على ما بيناه - لقول الله عز وجل: " وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله "، والعم وإن ارتفع على ابن العم فقد لحقه ابن العم في رتبته للسببية من الأم، وحصل له من كلالة الأب والأم ما يحجب به الأخ أخاه من الأب من القوة على ما قدمناه. وإذا ترك الميت عمه: أخا أبيه لأبيه، وعمه: أخا أبيه لأبيه وأمه، وعمه: أخا أبيه لأمه، جروا مجرى الإخوة المتفرقين، فكان للعم من قبل الأم السدس، والباقي للعم من قبل الأب والأم، ولم يكن للعم من قبل الأب شئ. وإن ترك خاله: أخا أمه لأمها، وخاله: أخا أمه لأبيها وأمها، وخاله: أخا أمه لأبيها كان لخاله من قبل أمه السدس، ولخاله من قبل أبيه وأمه الباقي، ولم يكن للخال من قبل الأب شئ. وكذلك الحكم فيهم إذا استحقوا الثلث مع العمومة. وإن ترك جدا من قبل أبيه وعما حجب الجد العم عن الميراث، وكان أحق به من العم حسب ما بيناه. وكذلك إن ترك جدته من قبل أمه وخالته فالجدة أحق بالميراث من الخالة، لأنها تتقرب بها، وهي موجودة. ولا يرث ابن الخال مع الخالة، ولا بنت الخالة مع الخالة، كما لا يرث ابن العم مع العم، ولا بنت العمة مع العمة. وإن ترك خالا وابن عم فالمال كله للخال، لأنه أعلى من ابن العم في النسب. وإن ترك عما وابن خال فالمال كله للعم. وكذلك الحكم في الخالة وابن العم وبنتيهما، والعمة وابن الخال وبنتيهما.
[ 11 ] باب ميراث الموالي وذوي الأرحام
وإذا ترك الميت ذا رحم، وكان له مولى قد أعتقه، فميراثه لذي رحمه دون المولى، سواء قرب الرحم أو بعد. فإن لم يترك ذا رحم كان مولاه أحق بتركته من بيت المال. وإن مات المعتق قبل المعتق، ثم مات المعتق بعده، ولم يترك ولدا، ولا ذا قرابة، كان ميراثه لولد مولاه الذي أعتقه إن كانوا ذكورا. فإن لم يكن له ولد ذكور كان لعصبة مولاه دون الإناث من الولد. وإذا أعتقت المرأة العبد، ثم مات، وخلف مالا، ولم يترك ولدا، ولا ذا قرابة، فماله لسيدته التي أعتقته. فإن ماتت قبله، وخلفت ولدا ذكرا، كان ميراثه له، فإن لم يكن لها ولد ذكر فميراثه لعصبة سيدته على ما بيناه. وإذا أسلم الذمي، وتولى رجلا مسلما على أن يضمن جريرته، ويكون ناصرا له، كان ميراثه له، وحكمه معه حكم السيد مع عبده إذا أعتقه. وكذلك الحكم فيمن تولى غيره وإن كان مسلما إذا قبل ولاءه وجب عليه ضمان جريرته، وكان له ميراثه. ومن أعتق عبدا في كفارة لم يكن له عليه ولاء، إلا أن يتولاه العبد. فإن تولى غيره كان ميراثه له وجريرته عليه. فإن لم يتول أحدا حتى مات كان ميراثه لبيت المال إن لم يكن له نسيب. وكذلك الذمي إذا أسلم، ولم يتول أحدا، ومات، وله مال، ولم يكن له ذو رحم، كانت تركته لبيت المال.
[ 12 ] باب الحر إذا مات وترك وارثا مملوكا
وإذا مات الحر، وخلف مالا، وترك أباه، وهو مملوك، اشترى أبوه من تركته، فأعتق، وورث ما بقي من الذي نقد في ثمنه من تركة ابنه. وكذلك إن ترك أمه، أو ولده لصلبه. وليس حكم الجد والجدة وولد الولد كحكم الوالدين الأدنيين والولد للصلب فيما ذكرناه. ويجبر سيد الأم والأب على البيع أو العتق، ليحوزا ميراث ولدهما. فإن كان الذي تركه بقدر قيمة أبيه أو أمه اشتريا وأعتقا، وإن كان ينقص عن قيمة الأب والأم لم يجب ابتياعهما، وكانت تركته لبيت المال. وكذلك الحكم في الولد إذا زادت قيمته على التركة سواء. ولا يجب ابتياع أحد من ذوي أرحامه سوى الأبوين والولد للصلب، إلا أن يتبرع المولى بعتق الولد والقرابة. فإن أعتقهم ورثوا. فإن ترك ولدين: أحدهما حر، والآخر مملوك، كانت تركته للحر منهما دون المملوك. فإن أعتق المملوك قبل نفوذ الميراث كان بينهما جميعا. وكذلك إن ترك ولدين: أحدهما مسلم، والآخر كافر، كانت تركته للمسلم دون الكافر، فإن أسلم الكافر قبل قسمة الميراث كان الميراث بينه وبين أخيه المسلم. ولا ميراث لمن أسلم أو أعتق بعد القسمة. وأم الولد تجعل في نصيب ولدها من قسطه، وتعتق بذلك على ما بينا الحكم فيه، وذكرناه فيما سلف. والمملوك إذا كان تحته حرة فأعتق كان ولاء ولده للذي أعتقه فإن هلكوا، وتركوا مالا، ولم يكن لهم وارث من ذوي أرحامهم، كان ما تركوه للذي أعتق أباهم، وللذكور من ولده بعده، فإن لم يكن له ولد ذكور فلعصبته.
قد بينا الحكم في ذلك فيما سلف، ونحن نعيده في هذا المكان، لدخوله في أبواب المواريث، ونزيده شرحا على ما تقدم، للحاجة إلى معرفته إن شاء الله. إذا ترك ابن الملاعنة أمه وذوي أرحامه من قبلها كانت الأم أحق بميراثه. فإن ترك أمه وأباه الذي نفاه لم يكن لأبيه نصيب في ميراثه - سواء اعترف به بعد النفي أو لم يعترف به - وكان جميع تركته لأمه. فإن لم يترك أما، وترك جدة لأمه، كان ميراثه لها. وإن لم يترك أما ولا جدة لأم، وترك إخوة لأم، أو إخوة وأخوات لأم، و إخوة وأخوات من الأب الذي نفاه ولا عن أمه، ثم اعترف به من بعد، كان ميراثه لإخوته وأخواته من قبل أمه خاصة - الذكر والأنثى فيه سواء - وليس للمنتسبين إلى الأب الذي نفاه من إخوة وأخوات وغيرهم نصيب من تركته على حال. وحكم آحاد الإخوة فيما ذكرناه كحكم جماعتهم فيما وصفناه. فإن لم يكن له إخوة من قبل الأم، أو أخوات منها، أو من يرث بهم من أولادهم، وكان له خؤولة، كان ميراثه لأخواله وخالاته بينهم سواء. فإن لم يكن له أخوال ولا خالات كان لأقاربه من قبل أمه كالعمومة والعمات والخؤولة والخالات وأبنائهم بحسب ترتيبهم في الاستحقاق. فإن لم يكن له قرابة من أحد من ذكرناه كان ميراثه لبيت المال.
وإذا مات العبد المكاتب، وترك مالا، وولدا، أو ذا رحم - قريب أو بعيد - كان لولده وقريبه من تركته بحساب ما عتق منه، والباقي لسيده. وإن مات المكاتب وله ولد، أو والد، أو ذو رحم كان له من تركته بحساب ما عتق منه. وإذا كان عبد بين شريكين، فأعتق أحدهما نصيبه، كان الحكم في ميراثه كحكم المكاتب سواء، يرث، ويورث بحساب الحرية فيه.
[ 15 ] باب ميراث الخنثى، ومن يشكل أمره من الناس
وإذا خلف الإنسان وارثا يشتبه حاله بحال الذكر والأنثى، لأن له فرجين: أحدههما فرج الرجال، والآخر فرج النساء، وجب أن يعتبر بالبول. فإن بال من أحدهما دون الآخر قضى له بحكم ما بال منه. وإن بال منهما جميعا نظر من أيهما ينقطع آخرا فيحكم له بحكمه. فإن بال منهما جميعا، وقطع منهما جميعا، ورث ميراث النساء والرجال، فأعطي نصف سهم الأنثى ونصف سهم الذكر. وإذا لم يكن له ما للرجال ولا ما للنساء فإنه يورث بالقرعة: فيكتب على سهم عبد الله، ويكتب على سهم أمة الله، ويجعلان في سهام مبهمة، وتخلط، ويدعو - المقرع - وهو إمام الجماعة، فإن لم يحضرا إمام كان الحاكم يتولى ذلك، فإن لم يكن حاكم عادل تولاها فقيه القوم وصالحهم - فيقول: " اللهم أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، بين لنا أمر هذا الشخص، لنحكم فيه بحكمك "، ثم يؤخذ سهم سهم، فإن خرج على سهم عبد الله حكم له بحكم الذكور، وإن خرج عليه أمة الله حكم له بحكم الإناث. وإذا خلف الميت شخصا له رأسان أو بدنان على حقو واحد ترك حتى ينام، ثم ينبه أحدهما، فإن انتبه، والآخر نائم، فهما اثنان، وإن انتبها جميعا معا فهما واحد.
[ 16 ] باب ميراث الغرقاء والمهدوم عليهم ومن مات في وقت واحد
وإذا غرق جماعة يتوارثون، أو انهدم عليهم جدار، أو وقع عليهم سقف، فماتوا [ أو قتلوا في المعركة ونحو هذا، ولم يعرف حالهم في خروج أنفسهم، وهل كان ذلك في حالة واحدة أو أحوال ]، ولم يعلم أيهم مات قبل صاحبه، ورث بعضهم من بعض، فيقدم أضعفهم سهما في التوريث، ويؤخر أوفرهم سهما فيه. مثال ذلك: أن يغرق أب وابن في حالة واحدة، فنفرض المسألة على أن الابن مات قبل الأب، فيورث الأب منه سهمه، وهو السدس مع الولد، لأنه يأخذ الخمسة الأسداس مع أبيه إذا لم يكن غيرهما، ويأخذ السبعة الأثمان مع الزوجة إذا لم يوجد من الورثة سواهما، ثم نفرض المسألة في أن الأب مات قبل، وورثه الابن، فيورث منه ما كان ورثه من جهته، وما كان يملكه سوى ذلك إلى وقت وفاته، فيصير سهم الابن أقوى، لأنه في الأصل أقوى من سهم الأب، إذ كان الأب يأخذ السدس أحيانا وما زاد على ذلك، وللابن المال كله في موضع، وما يبقى بعد حق الوالد ومن سواه كائنا ما كان. وكذلك لو غرق رجل وامرأته أو انهدم عليهما جدار، جعل الزوج الميت أولا، وورثت منه المرأة، وجعلت المرأة الميتة بعد ذلك، والزوج هو الحي، وورث منها ما ورثته منه، وما كان ملكا لها سواه. وإذا مات جماعة يتوارثون بغير غرق ولا هدم في وقت واحد لم يورث بعضهم من بعض، بل جعل تركة كل واحد منهم لوراثة الأحياء خاصة.
إذا ترك المجوسي أمه، وهي زوجته، ورثت عندنا من الوجهين جميعا، فكان لها الثمن مع الولد من جهة الزوجية، والسدس من جهة الأمومة. وإذا اجتمع للوارث منهم سببان يحجب واحد منهما عن ميراث تركة الآخر ورث من جهة واحدة. مثال ذلك: أن يترك ابنته، وهي أخته، فتورث من جهة البنوة دون الإخوة، إذ لا ميراث للأخت مع البنت. وعلى هذا يجري مواريثهم في جميع الوجوه، فينبغي أن يعرف الأصل فيه إن شاء الله.
[ 18 ] باب مواريث أهل الملل المختلفة والاعتقادات المتباينة
ويرث أهل الإسلام بالنسب والسبب أهل الكفر والإسلام. ولا يرث كافر مسلما على حال. فإن ترك اليهودي، أو النصراني، أو المجوسي، ابنا مسلما وابنا على ملته، فميراثه عند آل محمد عليه السلام لابنه المسلم دون الكافر. ولو ترك أخا مسلما، وابنا كافرا حجب الأخ المسلم الابن عن الميراث، وكان أحق به من الابن الكافر، وجرى الابن الكافر بكفره مجرى الميت في حياة أبيه، أو القاتل الممنوع بجنايته من الميراث. وإذا ترك الذمي أولادا أصاغر، وإخوة لأبيه، وإخوة لأمه مسلمين، كان للإخوة من الأم ثلث تركته، وللأخوة من الأب الثلثان، وينفق الإخوة من الأم على الأولاد بحساب ما عزلوه بحقهم الثلث من النفقة، وينفق الإخوة من الأب بحساب حقهم الثلثين، فإذا بلغ الأولاد فأسلموا سلم الإخوة إليهم ما بقي من الميراث، وإن اختاروا الكفر تصرف الإخوة في التركة، وحرموها الأولاد. وإن كان للمسلم امرأة ذمية، فماتت، ولها ابن ذمي أو أخ، فتركتها للزوج المسلم دون الابن والأخ، لأنهما بكفرهما كالقاتل عمدا، اللهم إلا أن يكون لها ذو رحم مسلم، فيكون للزوج النصف، والباقي لذي رحمها من المسلمين دون ولدها وغيره من قراباتها الكافرين. ويرث المؤمنون أهل البدع من المعتزلة، والمرجئة، والخوارج، والحشوية. ولا ترث هذه الفرق أحدا من أهل الإيمان، كما يرث المسلمون الكفار ولا يرث الكفار أهل الإسلام. [ ويتوارث المسلمون وإن اختلفوا في الأهواء، ولا يمنع تباينهم في الآراء من توارثهم إذا كان بالإسلام وظاهر حكمه يجب التوارث، وتحل المناكحة، دون الإيمان الذي يستحق به الثواب وبتركه العقاب ]. ويورث أهل الملل بعضهم من بعض على اختلافهم، ولا يفرق بينهم في المواريث، لأن الكفر كالملة الواحدة في الضلال. والقول في المسلمة إذا كان لها ولد ذمي وقرابة، ومولى نعمة مسلم، فالميراث لمولى النعمة دون القريب الكافر. وكذلك القول إذا كانت ذمية، ومولى نعمتها مسلما، وأقاربها ذمية، فالميراث لمولى النعمة دون الأقارب، وأقاربها في حكم الأموات بكفرهم.
[ 19 ] باب إقرار بعض الورثة بوارث
وإذا أقر بعض الورثة بوارث، وأنكره الباقون، حكم عليه بإقراره في حقه دون من سواه، مثال ذلك: أخوان ورثا أخا لهما بالسوية، فأقر أحدهما بأخ ثالث، وأنكره الآخر، فالوجه أن يعطى الثلث من سهم الأخ المقر دون المنكر. وكذلك إن أقر باثنين وأكثر من ذلك. وإن أقر بزوجة، وأنكر ذلك الباقون. كان نصيبها من المال في حق المقر خاصة بحساب استحقاقها على ما بيناه.
[ 20 ] باب ميراث المرتد ومن يستحق الدية من ذوي الأرحام
وتركة المرتد إذا مات على ردته، أو قتل، ميراث بين أهله على حسب فرائضهم في كتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وآله. ودية المقتول أيضا بين ورثته على فرائضهم في شريعة الإسلام. ولا يعطى الإخوة والأخوات من قبل الأم من الدية شيئا. وكذلك الأخوال والخالات لا يرثون من الدية شيئا، لأنهم لا يعقلون عن المقتول لو قتل في حال حياته. والمرأة ترث من دية زوجها بقسطها من الميراث. والزوج يرث من دية زوجته إذا قتلت ما فرض الله تعالى من الميراث.
وقاتل العمد لا يرث المقتول إذا كان نسيبه. ويرثه إذا قتله خطأ. وإنما منع قاتل العمد من الميراث عقوبة له على جرمه وعظم ذنبه، وقاتل الخطأ غير مذنب، لأنه لم يتعمد لله خلافا، ولا أوقع بقتله له معصية، فإن قتل الإنسان أباه عمدا لم يرث من تركته شيئا. فإن كان للقاتل الذي هو الابن ولد ورث جده المقتول. فإن لم يكن له ولد كان ميراث المقتول لأقرب الناس إليه رحما بعد القاتل. وكذلك إن كان القاتل أبا لم يرث ابنه. فإن كان للمقتول أخ وجد أبو أب كان المال بينهما نصفين، وقام القاتل مقام الميت المعدوم. وهذا أصل ينبغي أن يعرف ليجري الحكم فيه على جميع القاتلين من ذوي الأرحام على ما رتبناه. وإذا قتل المسلم، وله أب نصراني، أو يهودي، أو من بعض الكفار، ولم يكن له وارث سواه من ذوي نسبه، كانت تركته وديته لبيت مال المسلمين. وإذا ورث الإنسان الدية وجب عليه أن يقضي منها الدين عن المقتول إن كان قد مضى وعليه ديون.
وإذا مات إنسان، وله أخوان كافران، ووالدان مسلمان، لم تحجب الأم عن الثلث إلى السدس بالكافرين. وكذلك إن كان الأخوان عبدين لم يحجباها عن الثلث. ولا يحجب عن الميراث من لا يستحقه لرق أو كفر أو قتل على حال. ويحجب عنه من لا يستحقه مع من هو أقرب منه، ويستحقه مع عدم الأقرب، أو وجوده مع الرق والجنايات.
[ 23 ] باب توارث الأزواج من الصبيان
وإذا عقد على الصبيان آبائهم عقد النكاح، فمات أحد الزوجين منهم، ورثه الآخر، وإن كان العاقد عليهم غير الآباء لم يكن بينهم توارث، إلا أن يبلغوا فيرضوا بالعقد، ويمضوه. وإذا زوج الرجل ابنه، وهو صغير، وفرض عنه المهر، ثم مات الأب قبل تسليم المهر، كان من أصل تركته، إلا أن يكون للابن مال في وقت العقد، فيكون من ماله دون تركة الأب.
قد تقدم القول في حكم ميراث المطلقة في المرض. ومن طلق في الصحة طلاقا يملك فيه الرجعة ورثته المطلقة ما دامت في العدة. فإن مات بعد خروجها من العدة فلا ميراث لها منه. فإن خالعها، أو بارأها، أو طلقها ثلاثا للعدة. فلا ميراث لها منه وإن مات وهي في العدة. والتي لم يدخل بها ترث الزوج إذا مات عنها، كما ترثه المدخول بها. وتعتد منه للوفاة، كما تعتد المدخول بها من ذلك. وهذا أيضا قد تقدم الحكم فيه على البيان.
[ 25 ] باب ميراث من لا وارث له من العصبة والموالي وذوي الأرحام
ومن مات، وليس له وارث قد سمى له سهم في القرآن، وترك قرابة بعيدة لا يستحق الميراث بالتسمية في القرآن، كان ميراثه لنسيبه من بعد، سواء كان من الرجال أو من النساء. فإن مات إنسان لا يعرف له قرابة من العصبة، ولا الموالي، ولا ذوي الأرحام، كان ميراثه لإمام المسلمين خاصة، يضعه فيهم حيث يرى، وكان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يعطي تركة من لا وارث له - من قريب ولا نسيب ولا مولى - فقراء أهل بلده، وضعفاء جيرانه، وخلطائه، تبرعا عليهم بما يستحقه من ذلك، واستصلاحا للرعية حسب ما كان يراه في الحال من صواب الرأي، لأنه من الأنفال، كما قدمناه في ذكر ما يستحقه الإمام من الأموال. وله إنفاقه فيما شاء، ووضعه حيث شاء، ولا اعتراض للأمة عليه في ذلك بحال. ومن مات وخلف تركة في يد إنسان لا يعرف له وارثا جعلها في الفقراء والمساكين، ولم يدفعها إلى سلطان الجور والظلمة من الولاة. وإذا مات إنسان، وله ولد مفقود لا يعرف له موت ولا حياة، عزل ميراثه حتى يعرف خبره. فإن تطاولت المدة في ذلك، وكان للميت ورثة - سوى الولد - ملاء بحقه، لم يكن بأس باقتسامه، وهم ضامنون له إن عرف للولد خبر بعد ذلك. ولا بأس أن يبتاع الإنسان عقار المفقود بعد عشر سنين من غيبته وفقده وانقطاع خبره، ويكون البايع ضامنا للثمن والدرك، فإن حضر المفقود خرج إليه من حقه.
[ 26 ] باب الأصل في حساب المواريث
وأصل حساب المواريث من ستة أبواب: أولها سهمان، وهو النصف، وما يبقى، والثاني في الثلث وما يبقى، والثالث الربع وما يبقى، والرابع السدس وما يبقى، والخامس السدسان وما يبقى، والسادس الثمن وما يبقى. فصل فالباب الأول: سهم الزوج مع ذوي الأرحام، قال الله " جل وعلا ": " ولكم نصف ما ترك أزواجكم إن لم يكن لهن ولد ". والباب الثاني: سهم الأم مع الأب، قال الله تعالى ": " فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث ". والباب الثالث: سهم الزوجة مع ذوي الأرحام، قال الله عز وجل: " ولهن الربع مما تركتم إن لم يكن لكم ولد ". والباب الرابع: سهم الأخ من الأم مع الإخوة من الأب، قال الله عز وجل: " وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس ". والباب الخامس: سهم الأبوين مع الولد، قال الله عز وجل: " ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد ". والباب السادس: سهم الزوجة مع الولد، قال الله عز وجل: " فإن كان لكم ولد فلهن الثمن مما تركتم ".
فصل: ما يتفرع من هذه الستة الأبواب
ثم قد يتفرع من هذه الستة الأبواب ستة أبواب أخر، يبنى عليها الحساب المستخرج به الحقوق من المواريث الواجبات على الأصل الذي رسمناه فيه وبيناه. فمن ذلك باب الأزواج وذوي الأرحام من الكلالة وغيرهم، وهو على ضربين، كل ضرب منهما باب على الانفراد: أحدهما: سهام ذوي الأرحام المسماة مع الأزواج، كالإخوة والأخوات من الأب والأم معا، أو من الأب وحده، أو من الأم خاصة، فلا ينقص الأزواج عن فرضهم الأعلى مع أحد من سميناه أو جماعتهم، ويختلف سهام ذوي الأرحام معهم بحسب اجتماعهم وافتراقهم، فينقص بعضه عن المسمى له حينا، ويزاد عليه حينا، ولا ينقص بعضهم عن الفرض المسمى له في حال مخصوصة، ويزاد في حالة أخرى من جهة الرد عليه بالرحم التي استحق بها الميراث. والضرب الآخر: سهام العصبة و ذوي الأرحام الذين ليست لهم فروض مسماة مع الأزواج، كالعمومة والعمات، والخؤولة والخالات، وأبنائهم القائمين مقامهم بعدهم في استحقاق الميراث، وأبناء الإخوة، وأبناء الأخوات، فلا ينقص أيضا الأزواج معهم عن أعلى سهامهم في هذا الباب، ويجري ذووا الأرحام ممن سميناه في الزيادة والنقصان معهم مجرى ذوي الأرحام من الكلالة المقدم ذكرهم من الإخوة والأخوات. والباب الثالث: سهم الأزواج مع الوالدين خاصة، فلهم السهم الأعلى ههنا أيضا على ما قدمناه، والباقي للأبوين على حسب فرائضهم مع أسباب الحجب الحاصلة إذ ذلك وعدمها بما تضمنه نص القرآن. والباب الرابع: سهم الأزواج مع الوالدين والولد، فيحطون ههنا عن أعلى السهمين إلى أدونهما بحكم القرآن، ويكون للوالدين مع الولد الزيادة على أقل سهميهما في حالة، ويكون عليهما في حالة أخرى النقصان. وإن لم ينقصا عن أدون سهميهما على حال. والباب الخامس: سهام من له سببان، يستحق بهما الميراث مع من له سبب واحد فيه على الاختصاص، كزوج - هو ابن عم - وابن خال، فللزوج النصف بالتسمية من جهة الزوجية، والثلثان مما يبقى بالرحم، ولابن الخال الثلث الباقي برحمه على حسب فرائض من تقربا به من العمومة والخؤولة، كما بيناه فيما سلف، وشرحناه. ولو كان بدل الزوج زوجة هي ابنة عم، وبدل ابن الخال ابنة الخال، أو كانت الزوجة ابنة خال أو ابنة خالة، والآخر ابن عم أو ابنة عم أو عمة، لكان الحكم فيه ما رسمناه. والباب السادس: سهام من له فرضان مسميان مع من له فرض واحد مسمى، أو باق على غير تعيين، كمجوسي خلف زوجة له هي أخته لأبيه [ وأمه، ] وأختا لأمه، فلأخته لأبيه وأمه التي هي زوجته النصف، والربع بالتسمية، ولأخته التي لأمه السدس بالتسمية، والباقي ردع عليهما بحساب سهامهما من جهة الرحم خاصة على ما ذكرناه. وإن كان بدل أخته لأمه أختا لأبيه، أو أخا له، أو أختا وأخا لأبيه، أو إخوة، أو أخوات له، لم يكن لهم مع الأخت للأب والأم نصيب، وكانت أحق بما يبقى من جهة الرد عليها باجتماع السببين لها على ما بيناه. وكان لهم الباقي من غير زيادة ولا نقصان. فهذه هي الستة الأبواب المتفرقة على ما تقدمها، ومنها يتفرع حساب المواريث على أصله الذي بيناه، فينبغي أن تعرف على حقايقها لتعمد فيه إن شاء الله.
فصل آخر: الأصل في حساب هذه الفرائض
والأصل في حساب هذه الفرائض أن تنظر، في أقل عدد يحتوي على السهام، فتستخرج منه حقوق الوارث على الصحة دون الانكسار، فإن انكسرت السهام على بعضهم نظر في أصل سهام المنكسر عليهم، فحصلت، ثم ضربت في أصل الحساب فإنها تخرج على سهام صحاح غير منكسرات إن شاء الله.
[ 27 ] باب تفسير هذه الجملة وشرح المعاني منها والأغراض
فإذا أراد الإنسان معرفة ما ذكرناه فلينظر في الباب الأول منه، وهو النصف المسمى وما يبقى، وهو سهم الزوج مع عدم الأولاد، ووجود غيرهم من ذوي الأرحام، فيجد أصل حسابه من اثنين، لأن أقل عدد له نصف صحيح اثنان، فيجعل النصف منه للزوج وهو واحد، والنصف الآخر لمن كان معه من ذوي الأرحام. فإن كان واحدا فقد سلم السهم من الانكسار. وإن كانا اثنين يتساويان في التسمية على السواء انكسر عليهما السهم، فالوجه أن تضرب سهميهما في أصل الفريضة - وهي اثنان - فيصير أربعة، فيأخذ الزوج النصف، سهمين غير منكسرين، ويأخذ الاثنان من ذوي الرحم السهمين الباقيين على غير انكسار. فإن كان الاثنان ممن يختلفان في السهام، لأن أحدهما ذكر، والآخر أنثى، كأخ للميت وأخت لأب مع الزوج، ضرب سهامهما - وهي ثلاثة: للأخ اثنان، وللأخت واحد - في أصل الفريضة - وهي اثنان - فتصير ستة أسهم، فيأخذ الزوج النصف من ذلك ثلاثة صحاحا، ويأخذ الأخ سهمين، وتأخذ الأخت سهما، فلا تنكسر عليهم حينئذ السهام. وكذلك إن كان ذو الرحم مع الزوج ابن عم وبنت عم فالحكم فيهم ما ذكرناه، وحساب فريضتهم على ما شرحناه. فإن كان ذو الرحم أخوين لأب وأختا لأب نظر في سهامهم، فإذا هي خمسة أسهم - للأخوين أربعة أسهم، وللأخت سهم واحد - فيضرب في أصل الفريضة - وهي اثنان في خمسة - فتصير عشرة أسهم، فيأخذ الزوج النصف خمسة أسهم على الكمال من غير انكسار، ويأخذ الأخوان أربعة أسهم صحاحا، وتأخذ الأخت سهما واحدا بلا انكسار. فإن كانوا أخوين وأختين نظر في سهامهم، فإذا هي ستة أسهم - للأخوين أربعة، وللأختين سهمان - فتضرب في أصل الفريضة - وهي اثنان - فتكون اثنى عشر سهما، فيأخذ الزوج النصف، وهي ستة أسهم، لا تنكسر على ما قدمناه، ويأخذ الأخوان أربعة أسهم صحاحا، وتأخذ الأختان سهمين بلا انكسار. وعلى هذا الأصل الذي شرحناه يعمل في هذا الباب الثاني، وهو سهم الأم مع الأب، فتحسبه من ثلاثة، لأن أقل عدد له ثلث صحيح ثلاثة، فيكون للأم واحد، وهو الثلث، وللأب اثنان، وهما الثلثان. والثالث سهم الزوجة، وهو الربع مع عدم الولد، ووجود غيره من ذوي الأرحام، يحسب من أربعة أسهم، لأن أقل عدد له ربع صحيح أربعة، فيكون للزوجة واحد، وهو الربع، ويكون لذوي الأرحام ما يبقى، وهو الثلاثة الأرباع. فإن كان ذو الرحم واحدا أخذ الثلاثة الأرباع على غير انكسار. وإن كان ثلاثة نفر على تساو في الاستحقاق أخذوا السهام الثلاثة على الصحة أيضا وعدم الانكسار. وإن كانوا أربعة أو اثنين ضرب سهامهم في أصل الفريضة - وهي أربعة - ثم قسمت السهام عليهم بعد ذلك فخرجت لهم على الصحة حسب ما بيناه. وكذلك إن كانوا مختلفي السهام، لأن فيهم ذكرانا وإناثا، نظر في سهامهم، فضرب عددها في أصل فريضتهم - وهي أربعة أسهم - ثم قسمت الفريضة على ما أخرجه الحساب، فإنه لا ينكسر إن شاء الله. والرابع سهم الأخ من الأم مع الأخ من الأب أو الأخت أو الإخوة و الأخوات محسوب من ستة، لأن أقل عدد له سدس صحيح ستة، فيكون للأخ من الأم السدس سهم واحد، وللأخ الباقي خمسة أسهم صحاح فإن كانا أخوين انكسرت الخمسة عليهما، ينظر في سهامهما، فيؤخذ سهمان، فتضرب في أصل الفريضة - وهي ستة أسهم - فتصير اثنى عشر سهما، فيأخذ الأخ من الأم سهمين - وهما السدس - ويأخذ الأخوان عشرة أسهم على غير انكسار. وإن كان أخا وأختا لأب مع الأخ للأم انكسرت الخمسة من الأصل عليهما ومن الاثني عشر، فينظر في سهامهما، فتؤخذ ثلاثة أسهم - للأخ اثنان وللأخت واحد - فتضرب في أصل الفريضة التي هي ستة أسهم، فتصير ثمانية عشر سهما، فيأخذ الأخ للأم السدس ثلاثة أسهم، ويأخذ الأخ للأب الثلثين من الباقي، وهو عشرة أسهم، وتأخذ الأخت الثلث الباقي، وهو خمسة أسهم على غير انكسار. وكذلك إن كانوا أكثر من اثنين في العدد، وسهامهم أكثر من ثلاثة إلى ما زاد، فالعبرة في سهامهم وتصحيحها ما رسمناه. والخامس سهم الأبوين مع الولد - وهما السدسان - وفريضتهم من ستة أسهم، لأن أقل عدد له سدس صحيح ستة، فيكون للأبوين اثنان، والباقي للولد إن كان ذكرا، فتحصل له أربعة أسهم على غير انكسار. وكذلك إن كان الولد اثنين ذكرين أخذ كل واحد منهما سهمين صحيحين. وإن كانتا ابنتين أخذتا الثلثين على السواء - وهي أربعة أسهم - كما أخذ الابنان. فإن كان الولد ذكرا وأنثى انكسرت عليهم الأربعة، لأن سهامهما ثلاثة - للابن سهمان، وللبنت سهم واحد - فيضرب سهامهما - وهي ثلاثة - في أصل الفريضة - وهي ستة - فتصير - ثمانية عشر سهما، فيأخذ الأبوان السدسين، وهما ستة أسهم، لكل واحد منهما ثلاثة أسهم صحاح، ويأخذ الابن ثلثي ما بقي، وهو ثمانية أسهم بغير انكسار، وتأخذ البنت ما بقي، وهو أربعة أسهم صحاح ثم على هذا المثال يكون العمل فيما زاد على اثنين في عدد الأولاد، اتفقت سهامهم، أو اختلفت على ما شرحناه. و السادس سهم الزوجة مع الولد، وهو الثمن، فأصل فريضتهم من ثمانية، لأن أقل عدد له ثمن صحيح ثمانية، فيكون للزوجة سهم واحد، والباقي - وهو سبعة أسهم - للولد إن كان واحدا و إن كانوا سبعة متساوين في السهام. فإن كان الولد اثنين انكسرت السهام عليهما، فتضرب سهامهما إن كانا متساويين فيها في أصل الفريضة، فتصير ستة عشر سهما، فتأخذ الزوجة الثمن - وهو اثنان - ويأخذ كل واحد منهما سبعة أسهم على غير انكسار. فإن كانوا ثلاثة ضرب سهامهم في الأصل - وهي ثمانية - فصارت أربعة وعشرين، للزوجة الثمن - ثلاثة - ولكل واحد من الأولاد سبعة على السواء. فإن كان الولد اثنين ذكرا وأنثى فحساب فريضتهم على هذا الحساب. وإن كان الولد ثلاثة منهم ذكران والآخر أنثى انكسر ذلك عليهم، فضربت سهامهم - وهي خمسة - في أصل الفريضة - وهي ثمانية - فتصير أربعين، فيكون للزوجة الثمن خمسة أسهم صحاح، ويكون للابنين ثمانية وعشرون سهما - لكل واحد منهما أربعة عشر سهما - وللبنت سبعة أسهم، فيصح لكل واحد منهم السهام على غير انكسار. ثم على هذا الحساب يكون فرائض الولد وإن زادوا على ثلاثة نفر إلى مأة وأكثر من ذلك، اتفقت سهامهم، أو اختلفت على ما شرحناه. والعمل في استخراج سهام من سمى الله تعالى لهم سهاما، فاجتمعت في فريضة واحدة، كذلك - على ما بيناه في المثال - فينظر في أقل عدد له نصف صحيح، وثلث صحيح، وهي فريضة الزوج والأم، فيكون من ستة - على ما بيناه - للزوج النصف - ثلاثة - وللأم الثلث، وما بقي فللأب إن كان معها، وإن كانت وحدها فهو رد عليها حسب ما قدمناه. وقد ذكرنا فريضة الأبوين والبنتين واجتماع ثلاثة أسهم مسماة فيها للوارث، وأنها تخرج من ستة، لأن أقل عدد له سدسان صحيحان، وثلثان صحيحان، ستة أسهم، وبينا وجه العمل فيما ينكسر من السهام إذا كان البنات ثلاثا، أو خمسا بما شرحناه.
فصل آخر: قد يجتمع في الفريضة ثلاثة أسهم مسماة ويبقى من التركة ما يرد على بعضهم دون بعض
وقد يجتمع في الفريضة ثلاثة أسهم مسماة، ويبقى من التركة ما يرد على بعضهم دون بعض، فالوجه في حساب ذلك واستخراج السهام منه على الصحة دون الانكسار: أن ترجع إلى الأصل الذي رسمناه، فينظر أقل عدد فيه تلك السهام، فيعتمد في استخراج الحقوق منه. فإن انكسر في الرد شئ نظر في سهام المردود عليهم، واستخرجت من أقل عدد تخرج منه السهام على الصحة دون الانكسار، ثم تضرب في أصل حساب الفريضة، فإنه تخرج به السهام المردودة على الصحة بلا ارتياب. مثال ذلك: فريضة الأم والبنت والزوج، ففيها ربع مذكور، وسدس مذكور، ونصف مذكور، وباق يرد على ما ذكرناه، وأقل عدد فيه نصف وربع وسدس على الصحة دون الإنسكار اثنا عشر، للبنت منه النصف - ستة أسهم - وللأم منه السدس - اثنان - وللزوج منه الربع - ثلاثة - ويبقى سهم واحد ينكسر في الرد على الأم والبنت بحساب سهامهما - وهما النصف، والسدس - فينظر في أقل عدد يكون له سدس صحيح ونصف صحيح، فيكون ستة، نصيب البنت منه ثلاثة بحق النصف، ونصيب الأم منه واحد بحق السدس، فتضرب الأربعة أسهم في أصل الفريضة - وهي اثنا عشر - فيكون ثمانية وأربعين، فيرجع إليها في حساب السهام دون الاثني عشر الأولة، فيحصل للبنت النصف - أربعة وعشرون - وللأم السدس - ثمانية - وللزوج - الربع - اثنا عشر، وتبقى أربعة فيرد على البنت ثلاثة بحساب حقها من الأصل، وعلى الأم السهم الرابع بحساب حقها، وهو السدس. وكذلك إذا اجتمعت فريضة فيها ثمن، وسدس، ونصف، وهي فريضة البنت، والأم، والزوجة، فالأصل فيها من أربعة وعشرين، لأن أقل عدد له ثمن صحيح، ونصف صحيح، وسدس صحيح، أربعة وعشرون، فيكون للبنت النصف - اثنا عشر - وللأم السدس - أربعة - وللزوجة الثمن - ثلاثة - وتبقى خمسة تنكسر في الرد على الأم والبنت، فتضرب سهامهما - وهي أربعة بحق النصف والسدس - في أصل الفريضة - وهي أربعة وعشرون - فتصير ستة وتسعين، للبنت النصف - ثمانية وأربعون - وللأم السدس - ستة عشر - وللزوجة الثمن - اثنا عشر - تبقى عشرون يرد على البنت خمسة عشر، وعلى الأم خمسة أسهم، فيصر للبنت ثلاثة وستون سهما، وللأم أحد وعشرون، وللزوجة اثنا عشر سهما، وهو ثمنها الذي ذكرناه. وعلى هذا الحساب أبواب الرد كلها، لا يختلف الحكم فيه إن شاء الله.
فصل آخر: إذا اجتمعت في الفريضة سهام مسماة فلم يف المال بالسهام
وإذا اجتمعت في الفريضة سهام مسماة فلم يف المال بالسهام، فإن السهام اجتمعت فيها بالذكر دون الحكم، لاستحالة الخطأ على الله عز وجل في الأحكام، وإيجابه ما لا يستطاع، فالوجه في ترتيب الفرض ممن ذكرناه: أن يبدأ بالقسمة لمن لهم سهام مذكورة في العلو والدنو، ومن حط عن فرض إلى ما هو دونه، فيعطى حقه بشرط حكمه في القرآن، ويدفع الباقي من التركة إلى من تأخر عنه في الترتيب ممن خرج عن حكمه في بيان سهمه على الكثرة والنقصان، ليبطل بذلك العول الذي أبدعه أهل الضلال، ونسبوا الله تعالى فيه إلى الخطأ في الحساب، أو تكليف ما لا يطاق، وإيجاب ما يتعذر فيه الإيجاد. وأنا أفسر هذه الجملة بما يصح معناها لمن تأمله من ذوي الألباب إن شاء الله: قد جعل الله تعالى للأبوين السدسين مع الولد، وجعل الزوج الربع معه ومعهما، وجعل للبنات الثلثين في نص القرآن، وقد يجتمع والدان وزوج وثلاث بنات، وليس يصح أن يكون مال واحد ولا شئ واحد له ثلثان وسدسان وربع على حال، فنعلم بهذا أن أحد هؤلاء المذكورين لم يقسم الله تعالى له ما سماه عند اجتماعهم في الميراث، لاستحالة قسمة المحال والمعدوم الذي لا وجود له بحال من الأحوال، فنظرنا فإذا الأبوان قد سمى الله تعالى لها فريضة، ثم حطهما إلى أخرى دونها، فسمى لهما مع عدم الولد الثلث والثلثين - والثلث وما يبقى - ثم حطهما عن هذه الفريضة مع الولد إلى السدسين فعلمنا أنهما لا يهبطان عن السدس أبدا، إذ لو كانت لهما درجة في الميراث يهبطان إليها ما اقتصر الله تعالى في ذلك على ما سماه، ولبينه، كما بين ما سواه، وأهبطهما إليها بالتعيين لها، كما أهبطهما عن الدرجة العليا إلى ما ذكرناه، فوجب أن يوفيهما أدنى سهم لهما مذكور في القرآن، وكذلك وجدنا الزوج والزوجة قد أهبطا من درجة في الميراث إلى دونها، فأهبط الزوج من النصف إلى الربع، وأهبطت الزوجة من الربع إلى الثمن، فجريا مجرى الأبوين في بيان أقل سهامهما عند الله، فلم يجز حطهما عن ذلك بحال، ووجدنا البنات غير مهبطات من درجة إلى درجة في التسمية والسهام، فكان الأمر في فرضهن على الإكمال، ووجب لهن بذلك الزيادة إن وجدت، وعليهن النقصان في استيفاء أهل السهام ممن ذكرنا سهامهم بتفصيل القرآن، فوجب أن يبدأ فيما ذكرناه وعيناه من الفريضة بالأبوين، فيعطيا السدسين، ويعطى الزوج الربع على الكمال، ويكون للبنتين أو البنات ما يبقى كائنا ما كان، لأنه لو لم يكن معهن أبوان أخذن الثلاثة الأرباع مع الزوج، وهو أكثر من المسمى لهن بلا ارتياب، فيكون لهن الزيادة عند وجودها، وعليهن النقصان مع أصحاب السهام ممن ذكرناه، وليس ينقصن في هذه الفريضة عن حق لهن مسمى في القرآن، لأنه لم يفرض لهن على ما تضمنه الذكر في هذا المكان، وإنما فرض لهن في غيره، وهو الموضع الذي يحصل لهن فيه على والكمال. وإذا أراد الإنسان أن يقسم فريضة من سميناه نظر أقل عدد له ربع صحيح وسدسان صحيحان، فحسب منه السهام، ووفى صاحب الربع ربعه، وصاحبي السدسين حقهما منه، ودفع ما يبقى إلى من تأخر عنهما في التسمية - لما بيناه، وشرحناه - فلا تنكسر عليه حينئذ سهام أبدا بالقسمة له على حال. فإن انكسر عليه سهام المتأخرين جمعها في الأصل، وضربها في العدد الذي استخرج منه السهام، فصح له الحساب بلا ارتياب بغير كسر إن شاء الله. مثال ذلك: أن ينظر في أقل عدد له ربع وسدسان فيكون اثنى عشر، فيأخذ الزوج الربع - ثلاثة أسهم صحاح - ويأخذ الأبوان السدسين - أربعة أسهم - لكل واحد منهما سهمان صحيحان، ويبقى خمسة تنكسر على الابنتين فتضرب سهامهما في الأصل - وهما اثنان - في أصل الفريضة، فتصير أربعة وعشرين، فيأخذ الزوج ستة، والأبوان ثمانية، وتبقى عشرة، فتأخذ كل بنت خمسة، فتصح السهام للجماعة على غير انكسار إن شاء الله تعالى.