كتاب الطهارة
[1] باب الأحداث الموجبة للطهارات
وجميع ما يوجب الطهارة من الأحداث عشرة أشياء: النوم الغالب على العقل، والمرض المانع من الذكر كالمرة التي ينغمر بها العقل، والإغماء، والبول، والريح، والغائط، والجنابة، والحيض للنساء، والاستحاضة منهن، والنفاس، ومس الأموات من الناس بعد برد أجسامهم بالموت وارتفاع الحياة منها قبل تطهيرهم بالغسل. وليس يوجب الطهارة شئ من الأحداث سوى ما ذكرناه على حال من الأحوال.
والطهارة المزيلة الحكم الأحداث على ضربين: أحدهما غسل، والآخر وضوء. والغسل من الجنابة، وهي تكون بشيئين بأحدهما إنزال الماء الدافق في النوم واليقظة وعلى كل حال، والآخر بالجماع في الفرج سواء كان معه إنزال أم لم يكن. والغسل من الحيض للنساء إذا انقطع الدم منه عنهن وفي الاستحاضة إذا غلب الدم عليهن، وسأبين أحكام ذلك في مواضعه إن شاء الله تعالى، ومن النفاس عند آخره بانقطاع الدم منه. والغسل للأموات من الناس واجب. والغسل من مسهم على ما قدمناه أيضا واجب. وما سوى هذه الأحداث المقدم ذكرها فالوضوء منه واجب دون الغسل.
[ 3 ] باب آداب الأحداث الموجبة للطهارات
ومن أراد الغائط فليرتد موضعا يستتر فيه عن الناس بالحاجة، وليغط رأسه إن كان مكشوفا، ليأمن بذلك من عبث الشيطان، ومن وصول الرائحة الخبيثة أيضا إلى دماغه، وهو سنة من سنن النبي صلى الله عليه وآله، وفيه إظهار الحياء من الله تعالى لكثرة نعمه على العبد، وقلة الشكر منه. فإذا انتهى إلى المكان الذي يتخلى فيه قدم رجله اليسرى قبل اليمنى و قال: " بسم الله وبالله. أعوذ بالله من الرجس النجس الخبيث المخبث الشيطان الرجيم "، ثم ليجلس، ولا يستقبل القبلة بوجهه، ولا يستدبرها، ولكن يجلس على استقبال المشرق إن شاء أو المغرب.
ولا ينبغي له أن يتكلم على الغائط إلا أن تدعوه ضرورة إلى ذلك، أو يذكر الله تعالى فيمجده، أو يسمع ذكر الرسول صلى الله عليه وآله فيصلي عليه وعلى أهل بيته الطاهرين عليهم السلام وما أشبه ذلك مما يجب في كل حال، ولا يمتنع الإنسان منه على حال. فإذا فرغ من حاجته وأراد الاستبراء فليمسح بإصبعه الوسطى تحت أنثييه إلى أصل القضيب مرتين أو ثلاثا، ثم يضع مسبحته تحت القضيب وإبهامه فوقه، ويمرهما عليه باعتماد قوي من أصله إلى رأس الحشفة مرتين أو ثلاثا، ليخرج ما فيه من بقية البول. وليهرق على يمينه من الماء قبل أن يدخلها الإناء فيغسلها مرتين، ثم يولجها فيه فيأخذ منه الماء للاستنجاء، فيصبه على مخرج النجو، ويستنجي بيده اليسرى حتى تزول النجاسة منه بزوال أثرها، ويختم بغسل مخرج البول من ذكره إن شاء. فإذا فرغ من الاستنجاء فليقم، ويمسح بيده اليمنى بطنه، وليقل: " الحمد لله الذي أماط عني الأذى وهناني طعامي، وعافاني من البلوى، الحمد لله الذي رزقني ما اغتذيت به، وعرفني لذته، وأبقى في جسدي قوته، وأخرج عني أذاه، يا لها نعمة يا لها نعمة، لا يقدر القادرون قدرها "، ثم يقدم رجله اليمنى قبل اليسرى لخروجه إن شاء الله.
ولا يجوز التغوط على شطوط الأنهار لأنها موارد الناس للشرب والطهارة، ولا يجوز أن يفعل فيها ما يتأذون به، ولا يجوز أيضا التغوط على جواد الطرق، لمثل ما ذكرناه من الأذى به، ولا في أفنية الدور، ولا يجوز تحت الأشجار المثمرة، ولا في المواضع التي ينزلها المسافرون من ظواهر القرى، ولا يجوز في مجاري المياه، ولا في الماء الراكد. وإذا دخل الإنسان دارا قد بنى فيها مقعد للغائط على استقبال القبلة أو استدبارها لم يضره الجلوس عليه، وإنما يكره ذلك في الصحارى والمواضع التي يتمكن فيها من الانحراف عن القبلة. وإذا كان في يد الإنسان اليسرى خاتم على فصه اسم من أسماء الله " تعالى " أو خاص أسماء أنبيائه، أو الأئمة عليهم السلام فلينزعه عند الاستنجاء، ولا يباشر به النجاسة ولينزهه عن ذلك تعظيما لله تعالى ولأوليائه عليهم السلام. ولا يجوز السواك والإنسان على حال الغائط حتى ينصرف منه. ومن أراد البول فليترد له موضعا، ويجتنب الأرض الصلبة فإنها ترده عليه، ولا يستقبل الريح ببوله فإنها تعكسه فترده على جسده وثيابه. ولا يجوز البول في الماء الراكد، ولا بأس به في الماء الجاري، واجتنابه أفضل.
ولا يجوز لأحد أن يستقبل بفرجه قرصي الشمس والقمر في بول ولا غائط. وإذا أراد الاستبراء من البول فليصنع بمسح تحت الأنثيين والقضيب على ما وصفناه في باب الاستنجاء من الغائط، ليخرج بقايا البول منه، ثم ليغسل موضع خروجه منه. وأدنى ما يجزيه لطهارته من البول أن يغسل موضع خروجه بالماء بمثلي ما عليه منه، وفي الإسباغ للطهارة منه ما زاد على ذلك من القدر إن شاء الله. ومن أجنب فأراد الغسل فلا يدخل يده في الماء إذا كان في إناء حتى يغسلها ثلاثا. وإن كان وضوئه من الغائط فليغسلها قبل إدخالها فيه مرتين على ما ذكرناه، ومن حدث البول يغسلها مرة واحدة قبل إدخالها الإناء، وكذلك من حدث النوم، فإن كان وضوئه من ماء كثير في غدير أو نهر فلا بأس أن يدخل يده من هذه الأحداث فيه وإن لم يغسلها، ولو أدخلها من غير غسل على ما وصفناه في المياه المحصورة في الآنية لم يفسد ذلك الماء، ولم يضر بطهارته منه إلا أنه يكون بذلك تاركا فضلا، ومهملا سنة. فإن أدخل يده الماء وفيها نجاسة أفسده إن كان راكدا قليلا، ولم يجز له الطهارة منه، وإن كان كرا وقدرة ألف رطل ومائتا رطل بالعراقي لم يفسده وإن كان راكدا، ولا يفسد الماء الجاري بذلك قليلا كان أو كثيرا. وليس على المتطهر من حدث النوم والريح استنجاء، وإنما ذلك على المتغوط، ومن بال فعليه غسل مخرج البول دون غيره، وكذلك الجنب يغسل ذكره، وليس عليه استنجاء مفرد، لأن غسل ظاهر جسده يأتي على كل موضع يصل الماء إليه منه إن شاء الله.
[ 4 ] باب صفة الوضوء والفرض منه والسنة والفضيلة فيه
وإذا أراد المحدث الوضوء من بعض الأشياء التي توجبه من الإحداث - المقدم ذكرها - فمن السنة أن يجعل الإناء الذي فيه الماء عن يمينه، ويقول حين ينظر إليه قبل إدخال يده فيه: " الحمد لله الذي جعل الماء طهورا، ولم يجعله نجسا "، ثم يقول: " بسم الله وبالله "، ويدخل يده اليمنى في الإناء فيأخذ ملأ كفه من الماء، فيتمضمض به ثلاث مرات، ويقول: " اللهم لقني حجتي يوم ألقاك، وأطلق لساني بذكرك "، ثم يأخذ كفا آخر، فيستنشق به ثلاثا، ويقول: " اللهم لا تحرمني طيبات الجنان، واجعلني ممن يشم ريحها وروحها وريحانها "، ثم يأخذ كفا آخر، فيضعه على وجهه من قصاص شعر رأسه، ويمر يده على ما دارت عليه الإبهام والوسطى عرضا، منه إلى محادر شعر ذقنه طولا، ثم يأخذ كفا آخر، فيغسله به مرة أخرى على الصفة التي ذكرناها، ويقول وهو يغسل وجهه اللهم بيض وجهي يوم تسود فيه الوجوه، ولا تسود وجهي يوم تبيض فيه الوجوه "، ثم يأخذ كفا آخر من الماء بيده اليمنى، فيديره إلى كفه اليسرى، ويغسل به يده اليمنى من مرفقه إلى أطراف أصابعه، ولا يستقبل شعر ذراعه بغسله، ويأخذ كفا آخر، فيديره إلى كفه اليسرى، ويغسل به يده اليمنى مرة ثانية كالأولة سواء، ويسبغ غسلها حتى يدخل المرفق في الغسل، ويقول وهو يغسلها: " اللهم أعطني كتابي بيميني، والخلد في الجنان بشمالي، وحاسبني حسابا يسيرا، واجعلني ممن ينقلب إلى أهله مسرورا "، ثم يأخذ كفا آخر من الماء بيمينه، فيغسل به يده اليسرى من المرفق إلى أطراف الأصابع كما غسل يده اليمنى، ولا يستقبل الشعر بغسله، ثم يأخذ كفا آخر، فيغسلها به مرة أخرى، ويقول وهو يغسلها: " اللهم لا تعطني كتابي بشمالي، ولا تجعلها مغلولة إلى عنقي "، ثم يرفع يده اليمنى بما فيها من البلل، فيمسح بها من مقدم رأسه مقدار ثلاث أصابع مضمومة من ناصيته إلى قصاص شعره مرة واحدة، ولا يستقبل بالمسح شعر رأسه، ويقول: " اللهم غشني برحمتك وبركات "، ثم يضع يديه جميعا بما بقي فيهما من البلل على ظاهر قدميه فيمسحهما، جميعا معا من أطراف أصابعهما إلى الكعبين مرة واحدة أيضا، ويقول: " اللهم ثبت قدمي على الصراط يوم تزل فيه الأقدام، واجعل سعيي فيما يرضيك عني يا ذا الجلال والإكرام ". والكعبان هما قبتا القدمين أمام الساقين ما بين المفصل والمشط، وليسا الأعظم التي عن اليمين والشمال من الساقين، الخارجة عنهما، كما يظن ذلك العامة، ويسمونها الكعبين بل هذه عظام الساقين، والعرب تسمي كل واحد منهما ظنبوبا، والكعب في كل قدم واحد وهو ما علا منه في وسطه على ما ذكرناه.
وإذا فرغ المتوضي من وضوئه فليقل: " الحمد لله رب العالمين، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين ". ووضوء المرأة كوضوء الرجل سواء، إلا أن السنة أن تبتدئ المرأة في غسل يديها بعد وجهها بباطن ذراعيها، ويبتدئ الرجل بغسل الظاهر منهما. ومرخص للمرأة في مسح رأسها أن تمسح منه بإصبع واحدة ما اتصل بها منه، وتدخل إصبعها تحت قناعها فتمسح على شعرها ولو كان ذلك مقدار أنملة في صلاة الظهر والعصر والعشاء الآخرة، وتنزع قناعها في صلاة الغداة والمغرب فتمسح على رأسها بمقدار ثلاث أصابع منه حتى تكون مسبغة لطهارتها بذلك، وإنما رخص لها في الصلوات الثلاث المذكورة أن تمسح رأسها من تحت القناع لرفع المشقة عنها بنزعه في هذه الأوقات، ووجب عليها إيصال المسح إلى حده، وإن كان ذلك لا يتم إلا بنزع القناع في وضوء المغرب والغداة، لأن من عادة النساء أن يضعن ثيابهن في هذين الوقتين فلا يشق عليهن مسحه على الإسباغ، ومن توضأ على ما شرحناه، وقال في وضوئه ما أثبتناه فقد أتى بالفرض والسنة. ومن ترك المضمضة والاستنشاق في الوضوء لم يخل تركه بطهارته إلا أنه يكون تاركا فضلا. ومن غسل وجهه وذراعيه مرة مرة أدى الواجب عليه، وإذا غسل هذه الأبعاض مرتين مرتين حاز به أجرا، وأصاب به فضلا، وأسبغ وضوئه بذلك، واحتاط لنفسه. وليس في المسح على الرأس والرجلين سنة أكثر من مرة مرة، وهو الفرض لأنه مبني على التخفيف، وتثنيته موجبة للتثقيل، وربما أشبه إعادة المسح الغسل بالإسباغ فلذلك لا يجوز المسح أكثر من مرة واحدة.
وإن توضأ الإنسان فقال على وضوئه من الكلام ما شرحناه أصاب السنة والفضيلة، وإن لم يقل شيئا منه لم يضر ذلك بفرضه وإن كان تاركا عملا طيبا يؤجر عليه والوضوء قربة إلى الله تعالى فينبغي للعبد أن يخلص النية فيه، ويجعله لوجه الله عز وجل وكل ما فعل فيه فضلا، وأصاب به سنة كان أكمل له، وأعظم لأجره فيه، وأقرب إلى قبوله منه إن شاء الله. ومن توضأ وفي يده خاتم فليدره أو يحركه عند غسل يده، ليصل الماء إلى تحته، وكذلك المرأة إذا كان عليها سوار أو نحوه فينبغي أن تديره أو تحركه ليدخل الماء، فإن كان الخاتم ضيقا لا يمكن تحريكه فلينزعه عند الوضوء، وكذلك الحكم في الدملج عند الطهارة المفترضة بالغسل، والسير يكون في عضد الإنسان لحرز وأشباهه. وليس يضر المتوضي ما رجع من الماء الواقع على الأرض أو غيرها على ثيابه وبدنه، بل هو طاهر، وكذلك ما يقع على الأرض الطاهرة من الماء الذي يستنجي به، ثم يرجع عليه لا يضره، ولا ينجس شيئا من ثيابه وبدنه إلا أن يقع على نجاسة ظاهرة فيحملها في رجوعه عليه فيجب عليه حينئذ غسل ما أصابه منه. ولا يجوز التفريق بين الوضوء فيغسل الإنسان وجهه، ثم يصبر هنيئة، ثم يغسل يديه، بل يتابع ذلك، ويصل غسل يديه بغسل وجهه، ومسح رأسه بغسل يديه، ومسح رجليه بمسح رأسه، ولا يجعل بين ذلك مهلة إلا لضرورة بانقطاع الماء عنه، أو غيره مما يلجئه إلى التفريق، وإن فرق وضوئه لضرورة حتى يجف ما تقدم منه استأنف الوضوء من أوله، وإن لم يجف وصله من حيث قطعه، وكذلك إن نسي مسح رأسه، ثم ذكره وفي يديه بلل من الوضوء فليمسح بذلك عليه وعلى رجليه، وإن نسي مسح رجليه فليمسحهما إذا ذكر ببلل وضوئه من يديه، فإن لم يكن في يديه بلل وكان في لحيته أو حاجبيه أخذ منه ما تندى به أطراف أصابع يديه، ومسح بهما رأسه وظاهر قدميه وإن كان قليلا، فإن ذكر ما نسيه وقد جف وضوئه، ولم يبق من نداوته شئ فليستأنف الوضوء من أوله، ليكون مسح رأسه ورجليه بنداوة الوضوء كما قدمناه.
ويجزي الإنسان في مسح رأسه أن يمسح من مقدمه مقدار إصبع يضعها عليه عرضا مع الشعر إلى قصاصه، وإن مسح منه مقدار ثلاث أصابع مضمومة بالعرض كان قد أسبغ، وفعل الأفضل كما ذكرناه. وكذلك يجزيه في مسح رجليه أن يمسح على كل واحدة منهما برأس مسبحته من أصابعهما إلى الكعبين، وإذا مسحهما بكفيه كان أفضل. ولا يجوز لأحد أن يجعل موضع المسح من رجليه غسلا، ولا يبدل مسح رأسه بغسله كما لا يجوز أن يجعل موضع عسل وجهه ويديه مسحا، بل يضع الوضوء مواضعه: فيغسل الوجه واليدين، ويمسح بالرأس والرجلين، ولا يتعدى أمر الله عز وجل إلى خلافه. فإن أحب الإنسان أن يغسل رجليه لإزالة أذى عنهما، و تنظيفهما، أو تبريد هما فليقدم ذلك قبل الوضوء، ثم ليتوضأ بعده، ويختم وضوئه بمسح رجليه حتى يكون بذلك متمثلا أمر الله تعالى في ترتيب الوضوء، فإن نسي تنظيف رجليه بالغسل قبل الوضوء، أو أخره لسبب من الأسباب فليجعل بينه وبين وضوئه مهلة، ويفرق بينهما بزمان قل أم كثر، ولا يتابع بينه ليفصل الوضوء المأمور به من غيره إن شاء الله. وليس في مسح الأذنين سنة ولا فضيلة، ومن مسح ظاهر أذنيه أو باطنهما في الوضوء فقد أبدع. وغسل الوجه والذراعين في الوضوء مرة مرة فريضة، وتثنيته إسباغ وفضيلة، وتثليثه تكلف، ومن زاد على ثلاث أبدع، وكان مأزورا. ولا يجوز المسح بالرأس في الوضوء أكثر من مرة واحدة، وكذلك مسح الرجلين لأنه موضوع على التخفيف.
ولا يستأنف للمسح ماء جديدا، بل يستعمل فيه نداوة الوضوء بالغسل على ما قدمناه. ومن أخطأ في الوضوء، فقدم غسل يديه على غسل وجهه رجع فغسل وجهه، ثم أعاد غسل يديه، وكذلك إن قدم غسل يده اليسرى على يده اليمنى وجب عليه الرجوع إلى غسل يده اليمنى، وأعاد غسل يده اليسرى، وكذلك إن قدم مسح رجليه على مسح رأسه رجع فمسح رأسه، ثم أعاد مسح رجليه، فإن ترك ذلك حتى يجف ما وضاه من جوارحه أعاد الوضوء مستأنفا، ليكون وضوئه متتابعا غير متفرق إن شاء الله. ومن كان جالسا على حال الوضوء لم يفرغ منه فعرض له ظن أنه قد أحدث ما ينقض وضوئه، أو توهم أنه قدم مؤخرا منه، أو أخر مقدما منه وجب عليه إعادة الوضوء من أوله، ليقوم من مجلسه وقد فرغ من وضوئه على يقين لسلامته من الفساد. فإن عرض له شك فيه بعد فراغه منه وقيامه من مكانه لم يلتفت إلى ذلك، وقضى باليقين عليه. فإن تيقن أنه قد انتقض بحادث يفسد الطهارة، أو بتقديم مؤخر، أو تأخير مقدم أعاد الوضوء من أوله على الاستيناف. فإن تيقن أنه قد تطهر، وتيقن أنه قد أحدث، ولم يعلم أيهما سبق صاحبه وجب عليه الوضوء، ليزول الشك عنه فيه، ويدخل في صلاته على يقين من الطهارة. ومن كان على يقين من الطهارة، وشك في انتقاضها فليعمل على يقينه، ولا يلتفت إلى الشك، وليس عليه طهارة إلا أن يتيقن الحدث. وكذلك إن كان على يقين من الحدث، وشك في الطهارة فالواجب عليه استيناف الطهارة ليحصل له اليقين بها، ولا يجزيه صلاة مع شك في الطهارة لها، فينبغي أن يعرف هذا الباب ليكون العمل عليه.
[5] باب الأغسال المفترضات والمسنونات
والأغسال المفترضات ستة أغسال، والأغسال المسنونات ثمانية وعشرون غسلا. فأما المفترضات من الأغسال فالغسل من الجنابة، والغسل على النساء من الحيض، والغسل عليهن من الاستحاضة، والغسل من النفاس، والغسل من مس أجساد الموتى من الناس بعد بردها بالموت وقبل تطهيرها بالغسل، وتغسيل الأموات من الرجال والنساء والأطفال مفترض في ملة الإسلام. وأما الأغسال المسنونات فغسل يوم الجمعة سنة مؤكدة على الرجال والنساء، وغسل الإحرام للحج سنة أيضا بلا اختلاف، وكذلك أيضا غسل الإحرام للعمرة سنة، وغسل يوم الفطر سنة، وغسل يوم الأضحى سنة، وغسل يوم الغدير سنة، وغسل يوم عرفة سنة، وغسل أول ليلة من شهر رمضان سنة، وغسل ليلة النصف منه سنة، وغسل ليلة سبع عشرة منه سنة، وغسل ليلة تسع عشرة منه سنة، وغسل ليلة إحدى وعشرين منه سنة، وغسل ليلة ثلاث وعشرين منه سنة مؤكدة، وغسل ليلة الفطر سنة، وغسل دخول مدينة الرسول صلى الله عليه وآله لأداء فرض بها أو نفل سنة، وغسل دخول مكة لمثل ذلك سنة، وغسل زيارة النبي صلى الله عليه وآله سنة، وغسل زيارة قبور الأئمة عليهم السلام سنة، وغسل دخول الكعبة سنة. وغسل دخول المسجد الحرام سنة، وغسل المباهلة سنة وغسل التوبة من الكبائر سنة، وغسل صلاة الاستسقاء سنة، وغسل صلاة الاستخارة سنة، وغسل صلاة الحوائج سنة، وغسل ليلة النصف من شعبان سنة، وغسل قاضي صلاة الكسوف لتركه إياها متعمدا سنة، وغسل المولود عند ولادته سنة.
[6] باب حكم الجنابة وصفة الطهارة منها
والجنابة تكون بشيئين: أحدهما إنزال الماء الدافق في النوم واليقظة وعلى كل حال، والآخر بالجماع في الفرج، سواء أنزل المجامع أو لم ينزل، فإذا أجنب الإنسان بأحد هذين الشيئين فلا يقرب المساجد إلا عابر سبيل، ولا يجلس في شئ منها إلا لضرورة، ولا يمس أسماء الله تعالى مكتوبا في لوح، أو قرطاس، أو فص أو غير ذلك، ولا يمس القرآن، ولا بأس أن يقرأ من سور القرآن أو آية ما شاء إلا أربع سور منه فإنه لا يقرئها حتى يتطهر، وهي سورة " سجدة، لقمان، وحم السجدة، والنجم إذا هوى، وأقرأ باسم ربك الذي خلق " لأن في هذه السور سجودا واجبا، ولا يجوز السجود إلا لطاهر من النجاسات.
وإذا عزم الجنب على التطهير بالغسل فليستبرء بالبول، ليخرج ما بقي من المني في مجاريه، فإن لم يتيسر له ذلك فليجتهد في الاستبراء بمسح تحت الأنثيين إلى أصل القضيب، وعصره إلى رأس الحشفة، ليخرج ما لعله باق فيه من نجاسة، ثم ليغسل رأس إحليله ومخرج المني منه، وإن كان أصاب فخذيه أو شيئا من جسده مني غسله، ثم ليتمضمض ثلاثا، ويستنشق ثلاثا سنة وفضيلة، ثم يأخذ كفا من الماء بيمينه، فيفيضه على أم رأسه، ويغسله به، ويميز الشعر منه حتى يصل الماء إلى أصوله، وإن أخذ بكفيه الماء فأفاضه على رأسه كان أسبغ، فإن أتى على غسل رأسه ولحيته وعنقه إلى أصل كتفيه وإلا غسله بكف آخر، ويدخل إصبعيه السبابتين في أذنيه، فيغسل باطنهما بالماء، ويلحق ذلك بغسل ظاهرهما، ثم يغسل جانبه الأيمن من أصل عنقه إلى تحت قدمه اليمنى بمقدار ثلاث أكف من الماء إلى ما زاد على ذلك، ثم يغسل جانبه الأيسر كذلك، ويمسح بيديه جميعا سائر جسده، ليصل إلى جميعه الماء، وإن أفاض الماء على نفسه بإناء يستعين به فليصنع كما وصفناه من الابتداء بالرأس، ثم ميامن الجسد، ثم مياسره، وليجتهد أن لا يترك شيئا من ظاهر جسده إلا ويمسه الماء.
والغسل بصاع من الماء - وقدره تسعة أرطال بالبغدادي إسباغ، ودون ذلك مجز في الطهارة، وأدنى ما يجزي في غسل الجنابة من الماء ما يكون كالدهن للبدن يمسح به الإنسان عند الضرورة لشدة البرد، أو عوز الماء. وليس على الجنب وضوء مع الغسل، ومتى اغتسل على ما وصفناه فقد طهر للصلاة وإن لم يتوضأ قبل الغسل ولا بعده، وإن ارتمس في الماء للغسل من الجنابة أجزأه عن الوضوء للصلاة. وكل غسل لغير جنابة فهو غير مجز في الطهارة من الحدث حتى يتوضأ معه الإنسان وضوء الصلاة قبل الغسل.
وإذا وجد المغتسل من الجنابة بللا على رأس إحليله، أو أحس بخروج شئ منه بعد اغتساله فإنه إن كان قد استبرء بما قدمنا ذكره من البول، أو الاجتهاد فيه فليس عليه وضوء ولا إعادة غسل، لأن ذلك ربما كان وذيا أو مذيا، وليس تنتقض الطهارة بشئ من هذين، وإن لم يكن استبرء على ما شرحناه أعاد الغسل. وينبغي للجنب أن لا يدخل يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا على ما قدمناه، ويسمى الله " تعالى " عند اغتساله، ويمجده، ويسبحه، فإذا فرغ من غسله فليقل: " اللهم طهر قلبي، وزك عملي، واجعل ما عندك خيرا لي، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين " و ". وغسل المرأة من الجنابة كغسل الرجل في الترتيب تبدء بغسل رأسها حتى توصل الماء إلى أصول شعرها، وإن كان مشدودا حلته، ثم تغسل جانبها الأيمن، ثم جانبها الأيسر، وينبغي لها أن تستبرئ قبل الغسل بالبول، فإن لم يتيسر لها ذلك لم يكن عليها شئ. والجنب إذا ارتمس في الماء أجزأه لطهارته ارتماسة واحدة، ولا ينبغي له أن يرتمس في الماء الراكد، فإنه إن كان قليلا أفسده، ولم يطهر به، وإن كان كثيرا خالف السنة بالاغتسال فيه، ولا بأس بارتماسه في الماء الجاري، واغتساله فيه.
[7] باب حكم الحيض والاستحاضة والنفاس والطهارة من ذلك
والحائض هي التي ترى الدم الغليظ الأحمر الخارج منها بحرارة، فينبغي لها إذا رأته أن تعتزل الصلاة، ولا تقرب المسجد إلا مجتازة، كما ذكرناه في باب الجنابة، ولا تمس القرآن، ولا اسما من أسماء الله " تعالى " مكتوبا في شئ من الأشياء، ولا يحل لها الصيام، ويحرم على زوجها وطؤها حتى تخرج من الحيض، وينقطع عنها دمها. وأقل أيام الحيض ثلاثة أيام، وأكثره عشرة أيام، وأوسطها ما بين ذلك، ومتى رأت المرأة الدم أقل من ثلاثة أيام فليس ذلك بحيض، وعليها أن تقضي ما تركته من الصلاة، وإن رأته أكثر من عشرة أيام فذلك استحاضة، وأنا أبين حكمها إن شاء الله " تعالى ".
وينبغي للحائض أن تتوضأ وضوء الصلاة عند أوقاتها، وتجلس ناحية من مصلاها، فتحمد الله، وتكبره، وتهلله، وتسبحه بمقدار زمان صلاتها في وقت كل صلاة، وليس عليها إذا طهرت قضاء شئ تركته من الصلوات، لكن عليها قضاء ما تركته من الصيام. فإذا انقطع دم الحيض عن المرأة، وأرادت الطهارة بالغسل فعليها أن تستبرئ بقطنة تحتملها، ثم تخرجها، فإن خرج عليها دم فهي بعد حائض، فلتترك الغسل حتى تنقى، وإن خرجت نقية من الدم فلتغسل فرجها، ثم تتوضأ وضوء الصلاة وتبدء بالمضمضة والاستنشاق في وضوئها، ثم تغسل وجهها ويديها، وتمسح برأسها وظاهر قدميها، ثم تغتسل، فتبدء بغسل رأسها، ثم جانبها الأيمن، ثم جانبها الأيسر كما وصفناه في غسل الجنابة، فإن تركت المضمضة والاستنشاق في وضوئها لم تحرج، وفعله أفضل.
ومن وطأ امرأته وهي حائض على علم بحالها أثم، ووجب عليه أن يكفر إن كان وطؤه لها في أول الحيض بدينار، وقيمته عشرة دراهم فضة جيادا وأول الحيض أول يوم منه إلى الثلث الأول من اليوم الرابع منه، وإن كان وطؤه في وسطه ما بين الثلث الأول من اليوم الرابع منه إلى الثلثين من اليوم السابع منه كفر بنصف دينار وقيمته خمسة دارهم، وإن كان وطؤه في آخره ما بين الثلث الأخير من اليوم السابع إلى آخر اليوم العاشر منه كفر بربع دينار وقيمته درهمان ونصف، واستغفر الله " عز وجل "، هذا على حكم أكثر أيام الحيض، وابتدائه من أوائلها، فما سوى ذلك ودون أكثرها فبحساب ما ذكرناه وعبرته، فإن لم تعلمه المرأة بحالها فوطأها على أنها طاهرة لم يكن عليه حرج، ولا كفارة، وكانت المرأة بذلك آثمة، عاصية لله " عز وجل ".
وإذا انقطع دم الحيض عن المرأة، وأراد زوجها جماعها فالأفضل له أن يتركها حتى تغتسل، ثم يجامعها، فإن غلبته الشهوة، وشق عليه الصبر إلى فراغها من الغسل فليأمرها بغسل فرجها، يطأها، وليس عليه في ذلك حرج إن شاء الله. وأما المستحاضة فهي التي ترى في غير أيام حيضها دما، رقيقا، باردا، صافيا فعليها أن تغسل فرجها منه، ثم تحتشي بالقطن، وتشد الموضع بالخرق، ليمنع القطن من الخروج، فإن كان الدم قليلا، ولم يرشح على الخرق، ولا ظهر عليها لقلته كان عليها نزع القطن عند وقت كل صلاة، والاستنجاء، وتغيير القطن والخرق، وتجديد الوضوء للصلاة، وإن رشح الدم على الخرق رشحا قليلا، ولم يسل منها كان عليها تغيير القطن والخرق عند صلاة الفجر بعد الاستنجاء بالماء، ثم الوضوء للصلاة، والاغتسال بعد الوضوء لهذا الصلاة، وتجديد الوضوء وتغيير القطن والخرق عند كل صلاة من غير اغتسال، وإن كان الدم كثيرا فرشح على الخرق، وسال منها وجب عليها أن تؤخر صلاة الظهر عن أول وقتها، ثم تنزع الخرق والقطن، وتستبرئ بالماء، وتستأنف قطنا نظيفا وخرقا طاهرة تتشدد بها، وتتوضأ وضوء الصلاة، ثم تغتسل، وتصلي بغسلها ووضوئها صلاتي الظهر والعصر معا على الاجتماع، وتفعل مثل ذلك للمغرب والعشاء الآخرة، وتؤخر المغرب عن أول وقتها ليكون فراغها منها عند مغيب الشفق، وتقدم العشاء الآخرة في أول وقتها، وتفعل مثل ذلك لصلاة الليل والغداة، فإن تركت صلاة الليل فعلت ذلك لصلاة الغداة، وإذا توضأت واغتسلت على ما وصفناه حل لزوجها أن يطأها، وليس يجوز لها ذلك حتى تفعل ما ذكرناه من نزع الخرق وغسل الفرج بالماء.
والمستحاضة لا تترك الصلاة والصوم في حال استحاضتها، وتتركهما في الأيام التي كانت تعتاد الحيض قبل تغير حالها بالاستحاضة. وأما النفساء فهي التي تضع حملها فيخرج معه الدم فعليها أن تعتزل الصلاة، وتجتنب الصوم، ولا تقرب المسجد كما ذكرناه في باب الحائض والجنب. فإذا انقطع دمها استبرأت كاستبراء الحائض بالقطن، فإذا خرج نقيا من الدم غسلت فرجها منه، وتوضأت وضوء الصلاة، ثم اغتسلت كما وصفناه من الغسل للحيض والجنابة، وإن خرج على القطن دم أخرت الغسل إلى آخر أيام النفاس، وهو انقطاع الدم عنها. وأكثر أيام النفاس ثمانية عشر يوما، وقد جاءت أخبار معتمدة بأن انقضاء مدة النفاس مدة الحيض، وهو عشرة أيام وعليه أعمل لوضوحه عندي، فإن رأت النفساء الدم يوم التاسع عشر من وضعها الحمل فليس ذلك من النفاس، وإنما هو استحاضة فلتعمل بما رسمناه للمستحاضة في أن انقضاء مدة النفاس مدة الحيض، وهو عشرة أيام، وتصلي، وتصوم، وكذلك إذا رأت الحائض دما في اليوم الحادي عشر من أول حيضها اغتسلت بعد الاستبراء والوضوء، وصلت، وصامت، فذلك دم استحاضة، وليس بحيض على ما قدمناه.
ويكره للحائض والنفساء أن يخضبن أيديهن وأرجلهن بالحناء وشبهه مما لا يزيله الماء، لأن ذلك يمنع من وصول الماء إلى ظاهر جوارحهن التي عليها الخضاب، وكذلك مكروه للجنب الخضاب بعد الجنابة وقبل الغسل منها، فإن أجنب بعد الخضاب لم يحرج بذلك، وكذلك لا حرج على المرأة أن تختضب قبل الحيض، ثم يأتيها الدم وعليها الخضاب، وليس الحكم في ذلك كالحكم في استينافه مع الحيض والجنابة على ما بيناه.
وإذا فقد المحدث الماء، أو فقد ما يصل به إلى الماء، أو حال بينه وبين الماء حائل من عدو أو سبع أو ما أشبه ذلك، أو كان مريضا يخاف التلف باستعمال الماء، أو كان في برد أو حال يخاف على نفسه فيها من الطهور بالماء فليتيمم بالتراب كما أمر الله " تعالى "، ورخص فيه للعباد، فقال " جل اسمه ": " وإن كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه "، والصعيد هو التراب، وإنما سمي صعيدا لأنه يصعد من الأرض على وجهها، والطيب منه ما لم تعلم فيه نجاسة.
ويستحب التيمم من الربى وعوالي الأرض التي تنحدر عنها المياه، فإنها أطيب من مهابطها. ولا يجوز التيمم بغير الأرض مما أنبتت الأرض وإن أشبه التراب في نعومته وانسحاقه كالأشنان والسعد والسدر وما أشبه ذلك، ولا يجوز التيمم بالرماد، ولا بأس بالتيمم من الأرض الجصية البيضاء، وأرض النورة، ولا يتيمم بالزرنيخ، فإنه معدن، وليس بأرض يكون ما على فوقها منها ترابا. وإذا حصل الإنسان في أرض وحلة وهو محتاج إلى التيمم، ولم يجد ترابا فلينفض ثوبه، أو عرف دابته إن كان معه دابة أو لبد سرجه، أو رحله فإن خرج من شئ من ذلك غبرة تيمم بها، وإن لم تخرج غبرة فليضع يديه على الوحل، ثم يرفعهما، فليمسح إحداهما على الأخرى حتى لا يبقى فيهما نداوة، وليمسح بهما وجهه وظاهر كفيه. فإن حصل في أرض قد غطاها الثلج، وليس له سبيل إلى التراب فليكسره، وليتوضأ بمائه، فإن خاف على نفسه من ذلك وضع بطن راحته اليمنى على الثلج، وحركها عليه تحريكا باعتماد، ثم رفعها بما فيها من نداوته فمسح بها وجهه كالدهن، ثم يضع راحته اليسرى على الثلج، ويصنع بها كما صنع باليمنى، ويمسح بها يده اليمنى من المرفق إلى أطراف الأصابع كالدهن، ثم يضع يده اليمنى على الثلج كما وضعها أولا، ويمسح بها يده اليسرى من مرفقه إلى أطراف الأصابع، ثم يرفعها فيمسح بها مقدم رأسه، ويمسح ببلل يديه من الثلج قدميه، ويصلي إن شاء الله.
وإن كان محتاجا في التطهير إلى الغسل صنع بالثلج كما صنع به عند وضوئه من الاعتماد عليه، ومسح به رأسه وبدنه كالدهن حتى يأتي على جميعه، فإن خاف على نفسه من ذلك أخر الصلاة حتى يتمكن من الطهارة بالماء، أو يفقده، ويجد التراب فيستعمله، ويقضي ما فاته إن شاء الله. فإن كان في أرض صخر و أحجار ليس عليها تراب وضع يديه أيضا عليها، ومسح وجهه وكفيه كما ذكرناه في تيممه بالتراب، وليس عليه حرج في الصلاة بذلك لموضع الاضطرار، ولا إعادة عليه. ومتى وجد المتيمم الماء، و تمكن منه، ولم يخف على نفسه من الطهور به لم يجزه الصلاة حتى يتطهر به، وليس عليه فيما صلى بتيمم قضاء.
ومن احتلم فخاف على نفسه من الغسل لشدة البرد، أو كان به مرض يضره معه استعمال الماء ضررا يخاف على نفسه منه تيمم، وصلى، وإذا أمكنه الغسل اغتسل لما يستأنف من الصلاة. وإن أجنب نفسه مختارا وجب عليه الغسل وإن خاف منه على نفسه، ولم يجزه التيمم، بذلك جاء الأثر عن أئمة آل محمد " عليهم السلام ". والمتيمم يصلي بتيممه صلوات الليل والنهار كلها من الفرائض والنوافل ما لم يحدث شيئا ينقض الطهارة، أو يتمكن من استعمال الماء، فإذا تمكن منه انتقض تيممه، ووجب عليه الطهور به للصلاة، فإن فرط في ذلك حتى يفوته الماء، أو يصير إلى حال يضر به استعمال الماء أعاد التيمم إن شاء الله. ومن فقد الماء فلا يتيمم حتى يدخل وقت الصلاة، ثم يطلبه أمامه وعن يمينه وعن شماله مقدار رمية سهمين من كل جهة إن كانت الأرض سهلة، وإن كانت حزنة طلبه في كل جهة مقدار رمية سهم، فإن لم يجده تيمم في آخر أوقات الصلاة عند الأياس منه، ثم صلى بتيممه الذي شرحناه.
ومن قام إلى صلاة بتيمم لفقد الماء، ثم وجده بعد قيامه فيها فإنه إن كان كبر تكبيرة الإحرام فليس عليه الانصراف من الصلاة، وإن لم يكن كبرها فلينصرف، وليتطهر بالماء، ثم ليستأنف الصلاة إن شاء الله. ولو أن متيمما دخل في الصلاة فأحدث ما ينقض الوضوء من غير تعمد، ووجد الماء، كان عليه أن يتطهر بالماء، ويبنى على ما مضى من صلاته ما لم ينحرف عن القبلة إلى استدبارها، أو يتكلم عامدا بما ليس من الصلاة [ فإن أحدث ذلك متعمدا كان عليه أن يتطهر ويستأنف الصلاة من أولها ولم يجزه ما تقدم منها ].
[9] باب صفة التيمم وأحكام المحدثين فيه وما ينبغي لهم أن يعملوا عليه من الاستبراء والاستظهار
وإذا بال الإنسان وهو غير واجد للماء فليستبرئ من البول بما وصفناه في باب الطهارة، ليخرج ما بقي منه في مجاريه، ثم ليتنشف بالخرق إن وجدها أو بالأحجار أو التراب، ثم يضرب بباطن كفيه على ظاهر الأرض وهما مبسوطتان قد فرق بين أصابعهما، ويرفعهما، فينفضهما، ثم يرفعهما، فيمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه، ثم يرفع كفه اليسرى، فيضعها على ظاهر كفه المينى، فيمسحها بها من الزند إلى أطراف الأصابع، ويرفع كفه اليمنى، فيضعها على ظاهر كفه اليسرى، فيمسحها بها من الزند إلى أطراف الأصابع، وقد حل له بذلك الدخول في الصلاة.
فإن كان حدثه من الغائط استبرأ بثلاثة أحجار طاهرة لم تستعمل في إزالة نجاسة قبل ذلك يأخذ منها حجرا، فيمسح به مخرج النجو، ثم يلقيه، ويأخذ الحجر الثاني، فيمسح به الموضع، ويلقيه، ثم يمسح بالثالث، ولا يجوز له التطهير بحجر واحد، و يتبع مواضع النجاسة الظاهرة فيزيلها بالأحجار، ثم يصنع في التيمم كما وصفناه: من ضرب التراب بباطن كفيه ومسح وجهه وظاهر كفيه، وقد زال عنه بذلك حكم النجاسة كما قدمناه. وإن كان المحدث جنبا يريد الطهارة استبرأ قبل التيمم بما بيناه فيما سلف ثم ضرب الأرض بباطن كفيه ضربة واحدة، فمسح بهما وجهه من قصاص شهر إلى طرف أنفه، ثم ضرب الأرض بهما ضربة أخرى، فمسح باليسرى منهما ظهر كفه اليمنى، وباليمنى ظهر كفه اليسرى، وقد زال عنه حكم الجنابة، وحلت له الصلاة. وكذلك تصنع الحائض والنفساء والمستحاضة بدلا من الغسل إذا فقدن الماء أو كان يضربهن استعماله.
والمحدث بالنوم والإغماء والمرة يتيمم كما ذكرناه في باب المحدث بالبول والغائط، و يدخل بذلك في الصلاة. ومتى وجد واحد ممن سميناه الماء بعد فقده، أو تمكن من استعماله تطهر به حسب ما فاته: إن كان وضوء فوضوء، وإن كان غسلا فغسلا. و الفرق بين التيمم بدلا من الغسل، والتيمم بدلا من الوضوء ما بيناه: من أن المحدث لما يوجب طهارته بالغسل إذا لم يقدر عليه تيمم بضربتين: إحداهما لوجهه، والثانية لظاهر كفيه، والمحدث لما يوجب طهارته بالوضوء يتيمم بضربة واحدة لوجهه ويديه. والميت إذا لم يوجد الماء لغسله يممه المسلم، كما يؤمم الحي العاجز بالزمانة عند حاجته إلى التيم من جنابته: فيضرب بيديه على الأرض، ويمسح بهما وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه، ويضرب بهما ضربة أخرى، فيمسح بهما ظاهر كفيه، ثم يتيمم لمسه بمثل ذلك سواء.
[10] باب المياه وأحكامها وما يجوز التطهر به منها وما لا يجوز
قال الله " تعالى ": " فأنزلنا من المساء ماء طهورا " فكل ماء نزل من السماء، أو نبع من الأرض عذبا كان أو ملحا فإنه طاهر مطهر إلا أن ينجسه شئ يتغير به حكمه. والجاري من الماء لا ينجسه شئ يقع فيه من ذوات الأنفس السائلة فيموت فيه، ولا شئ من النجاسات إلا أن يغلب عليه: فيغير لونه أو طعمه أو رائحته، وذلك لا يكون إلا مع قلة الماء وضعف جريه وكثرة النجاسة. وإذا وقع في الماء الراكد شئ من النجاسات، وكان كرا وقدره ألف رطل ومائتا رطل بالبغدادي وما زاد على ذلك، لم ينجسه شئ إلا أن يتغير به كما ذكرناه في المياه الجارية، هذا إذا كان الماء في غدير أو قليب وشبهه، فأما إذا كان في بئر، أو حوض، أو إناء فإنه يفسد بسائر ما يموت فيه من ذوات الأنفس السائلة، وبجميع ما يلاقيه من النجاسات ولا يجوز التطهير به حتى يطهر، وإن كان الماء في الغدران والقلبان وما أشبههما، دون ألف رطل ومأتي رطل جرى مجرى مياه الآبار والحياض التي يفسدها ما وقع فيها من النجاسات، ولم يجز الطهارة به.
ولا يجوز الطهارة بالمياه المضافة كماء الباقلا، وماء الزعفران، وماء الورد، وماء الآس، وماء الأشنان، وأشباه ذلك حتى يكون الماء خالصا مما يغلب عليه وإن كان ظاهرا في نفسه، وغيره منجس لما لاقاه. ولا يجوز الطهارة أيضا بالمياه المستعملة في الغسل من النجاسات: كالحيض، والاستحاضة، والنفاس، والجنابة، وتغسيل الأموات. ولا بأس بالطهور بماء قد استعمل في غسل الوجه واليدين لوضوء الصلوات، وبما استعمل أيضا في غسل الأجساد الطاهرة للسنة: كغسل الجمعة والأعياد والزيارات، والأفضل تحري المياه الطاهرة التي لم تستعمل في أداء فريضة ولا سنة على ما شرحناه.
ولا يجوز الطهارة بأسئار الكفار: من المشركين، واليهود، والنصارى، والمجوس، والصابئين. وأسئارهم هو ما فضل في الأواني مما شربوا منه أو توضؤوا به أو مسوه بأيديهم وأجسادهم. ولا يجوز التطهر بسؤر الكلب والخنزير، ولا بأس بسور الهر فإنها غير نجسة. وإذا ولغ الكلب في الإناء وجب أن يهراق ما فيه ويغسل ثلاث مرات، مرتين منها بالماء ومرة بالتراب تكون في أوسط الغسلات الثلاث، ثم يجفف، ويستعمل. ولا بأس بالوضوء من فضلة الخيل، والبغال، والحمير، والإبل، والبقر، والغنم، وما شرب منه سائر الطير إلا ما أكل الجيف منها فإنه يكره الوضوء بفضلة ما قد شرب منه، وإن كان شربه منه وفي منقاره أثر دم وشبهه لم يستعمل في الطهارة على حال. والمياه إذا كانت في آنية محصورة فوقع فيها نجاسة لم يتوضأ منها، ووجب إهراقها. وليس ينجس الماء شئ يموت فيه إلا ما كان له دم من نفسه، فإن مات فيه ذباب، أو زنبور، أو جراد، وما أشبه ذلك مما ليس له نفس سائلة لم ينجس به.
[11] باب تطهير المياه من النجاسات
وإذا غلبت النجاسة على الماء فغيرت لونه أو طعمه أو رائحته وجب تطهيره بنزحه إن كان راكدا، وبدفعه إن كان جاريا حتى يعود إلى حاله في الطهارة، ويزول عنه التغير، ومن توضأ منه قبل تطهيره بما ذكرناه، أو اغتسل منه لجنابة وشبهها، ثم صلى بذلك الوضوء أو الغسل لم تجزه الصلاة، ووجب عليه إعادة الطهارة بماء طاهر، وإعادة الصلاة، وكذلك إن غسل به ثوبا، أو ناله منه شئ، ثم صلى فيه وجب عليه تطهير الثوب بماء طاهر يغسله به، ولزمه إعادة الصلاة.
وإن مات إنسان في بئر أو غدير ينقص مائه عن مقدار الكر، ولم يتغير ذلك الماء فلينزح منه سبعون دلوا، وقد طهر بعد ذلك. فإن مات فيها حمار، أو بقرة، أو فرس وأشباهها من الدواب، ولم يتغير لموته الماء نزح منه كر من الماء وقدره ألف رطل ومائتا رطل، فإن كان ماء البئر أقل من ذلك نزح كله. وينزح منها إذا ماتت فيها شاة، أو كلب، أو خنزير، أو سنور، أو غزال، أو ثعلب، وشبهه في قدر جسمه أربعون دلوا. وإذا مات فيها دجاجة، أو حمامة، وما أشبههما نزح منها سبع دلاء. وإذا مات فيها فأرة نزح منها ثلاث دلاء، فإن تفسخت فيها، أو انتفخت، ولم يتغير بذلك الماء نزح منها سبع دلاء.
وإن مات فيها بعير نزح جميع ما فيها، فإن صعب ذلك لغزاة مائها وكثرته تراوح على نزحها أربعة رجال، يستقون منها على التراوح من أول النهار إلى آخره، وقد طهرت بذلك. فإن وقع فيها خمر وهو الشراب المسكر من أي الأصناف كان نزح جميع ما فيها إن كان قليلا، وإن كان كثيرا تراوح على نزحه أربعة رجال من أول النهار إلى آخره على ما ذكرناه. فإن بال فيها رجل نزح منها أربعون دلوا. فإن بال فيها صبي نزح منها سبع دلاء. فإن بال فيها رضيع لم يأكل الطعام بعد نزح منها دلو واحد. فإن وقع فيها عذرة يابسة، ولم تذب فيها، وتقطع نزح منها عشر دلاء، وإن كانت رطبة فذابت وتقطعت فيها نزح منها خمسون دلوا. فإن ارتمس فيها جنب، أو لاقاها بجسمه وإن لم يرتمس فيها أفسدها، ولم يطهر بذلك، ووجب تطهيرها بنزح سبع دلاء. وإن وقع فيها دم، وكان كثيرا نزح منها عشر دلاء. وإن كان قليلا نزح منها خمس دلاء. فإن وقع فيها حية فماتت نزح منها ثلاث دلاء، وكذلك إن وقع فيها وزغة. أو مات فيها عصفور وشبهه نزح منها دلو واحد. وإن وقع فيها بعر غنم، أو إبل، أو غزلان، و أبوالها لم تنجس بذلك، وكذلك الحكم في أرواث وأبوال كل ما أكل لحمه، فإنه لا يفسد الماء به، ولا ينجس به الثوب والجسد بملاقاته إلا ذرق الدجاج خاصة، فإنه إن وقع في الماء القليل نزح منه خمس دلاء، وإن أصاب الثوب، أو البدن وجب غسله بالماء.
والاناء إذا وقع فيه نجاسة وجب إهراق ما فيه من الماء وغسله. وقد بينا حكمه إذا شرب منه كلب، أو وقع فيه، أو ماسه ببعض أعضائه فإنه يهراق ما فيه من ماء، ثم يغسل مرة بالماء، ومرة ثانية بالتراب، ومرة ثالثة بالماء، ويجفف، ويستعمل، وليس حكم غير الكلب كذلك، بل يهراق ما فيه، ويغسل مرة واحدة بالماء. ومن أراد الطهارة ولم يجد إلا ماء نجسا بشئ مما ذكرناه فلا يتطهر به، ولا يقر به، وليتيمم لصلاته، فإذا وجد ماء طاهرا تطهر به من حدثه الذي كان تيمم له، واستقبل ما يجب عليه من الصلاة به، وليس عليه إعادة شئ مما صلى بتيممه على ما قدمناه. ولا بأس أن يشرب المضطر من المياه النجسة بمخالطة الميتة لها، والدم، وما أشبه ذلك، ولا يجوز له شربها مع الاختيار، وليس الشرب منها مع الاضطرار كالتطهر بها، لأن التطهر قربة إلى الله عز وجل والتقرب إليه لا يكون بالنجاسات، ولأن المتوضي والمغتسل من الأحداث يقصد بذلك التطهر من النجاسة ولا تقع الطهارة بالنجس من الأشياء، ولأن المحدث يجد في إباحته للصلاة التراب بدلا من الماء، ولا يجد المضطر بالعطش في إقامة رمقه بدلا من الماء غيره، ولو وجد ذلك لم يجز له شرب ما كان نجسا من المياه. ولو أن إنسانا كان معه إناء إن وقع في أحدهما ما ينجسه، ولم يعلم في أيهما هو، يحرم عليه الطهور منهما جميعا، ووجب عليه إهراقهما، والوضوء بماء من سواهما، فإن لم يجد غير ما أهرق منهما من الماء تيمم، وصلى، ولم يكن له استعمال ما أهرقه منهما. وحكم ما زاد على الإنائين في العدد إذا تيقن أن في واحد منها نجاسة على غير تعيين حكم الإنائين سواء.
[12] باب تطهير الثياب وغيرها من النجاسات
وإذا أصاب ثوب الإنسان بول، أو غائط، أو منى تجز له الصلاة فيه حتى يغسله بالماء، قليلا كان ما أصابه أو كثيرا، فإن أصاب ثوبه دم، وكان مقداره في سعة الدرهم الوافي الذي كان مضروبا من درهم وثلث، وجب عليه غسله بالماء، ولم يجز له الصلاة فيه، وإن كان قدره أقل من ذلك، وكان كالحمصة، والظفر، وشبهه، جاز له الصلاة فيه قبل أن يغسله وغسله للصلاة فيه أفضل، اللهم، إلا أن يكون دم حيض، فإنه لا يجوز الصلاة في قليل منه ولا كثير، وغسل الثوب منه واجب وإن كان قدره كرأس الإبرة في الصغر. وإن كان على الإنسان بثور يرشح دمها دائما لم يكن عليه حرج في الصلاة فيما أصابه ذلك الدم من الثياب وإن كثر، رخصة من الله تعالى لعباده، ورفعا عنهم الحرج بإيجاب غسل الثياب عند وقدت كل صلاة.
وكذلك إن كان به جراح ترشح فيصيب دمها وقيحها ثوبه فله أن يصلي في الثوب وإن كثر ذلك فيه، لأنه لو ألزم غسله للصلاة لطال عليه ذلك، ولزمه تجديد غسله وإزالة ما فيه عنه وقت كل صلاة، ولحقه بذلك كلفة ومشقة، وربما فاته معها الصلاة، وربما لم يكن مع الإنسان إلا ثوب واحد فلا يتمكن مع حاجته إلى لبسه من تطهيره وقت كل صلاة ولو غسله عند الصلاة، ثم لبسه رطبا، للجقته النجاسة بلبسه وهو في الصلاة فلم ينفك منها في حال، ولم يقدر على تأدية فرضه من الصلاة بحال.
وكذلك حكم الثوب إذا أصابه دم البراغيث والبق، فإنه لا حرج على الإنسان أن يصلي فيه وإن كان ما أصابه من ذلك كثيرا، لأنه لو ألزم غسله عند وقت كل صلاة لحرج به، ولم يتمكن منه لمثل ما ذكرناه، وقريب منه في الاعتبار، ألا ترى أن الإنسان ربما يكن له أكثر من ثوب واحد، فيه ينام، وفيه ينصرف لحوائجه، ودم البراغيث والبق مما لا يمكن الإنسان دفعه عن نفسه في كل حال، وهو متى غسل ثوبه، ثم لبسه للصلاة، لم يأمن حصوله فيه وهو مشغول بها، فأباح الله تعالى لعباده الصلاة في قليل ذلك وكثيره، دفعا للمشقة عنهم، ورخصة لهم على ما شرحناه.
وإذا مس ثوب الإنسان كلب، أو خنزير، وكانا يابسين، فليرش موضع مسهما منه بالماء، وإن كانا رطبين فليغسل ما مساه بالماء، وكذلك الحكم في الفأرة والوزغة يرش الموضع الذي مساه بالماء من الثوب إذا لم يؤثرا فيه وإن رطباه وأثرا فيه غسل بالماء، وكذلك إن مس واحد مما ذكرناه جسد الإنسان، أو وقعت يده عليه، وكان رطبا غسل ما أصابه منه، وإن كان يابسا مسحه بالتراب. وإذا صافح الكافر المسلم ويده رطبة بالعرق أو غيره غسلها من مسه بالماء، وإن لم تكن فيها رطوبة مسحها ببعض الحيطان أو التراب. ويغسل الثوب من ذرق الدجاج خاصة، ولا يجب غسله من ذرق الحمام وغيره من الطير التي يحل أكلها على ما بيناه. ويغسل الثوب أيضا من عرق الإبل الجلالة إذا أصابه كما يغسل من سائر النجاسات.
وإذا ظن الإنسان أنه قد أصاب ثوبه نجاسة، ولم يتيقن ذلك رشه بالماء، فإن تيقن حصول النجاسة فيه، وعرف موضعها غسله بالماء، وإن لم يعرف الموضع بعينه غسل جميع الثوب بالماء، ليكون على يقين من طهارته، ويزول عنه الشك فيه والارتياب. ولا بأس بعرق الحائض والجنب، ولا يجب غسل الثوب منه، إلا أن تكون الجنابة من حرام، فيغسل ما أصابه عرق صاحبها من جسد وثوب، ويعمل في الطهارة بالاحتياط.
وإذا غسل الثوب من دم الحيض فبقي منه أثر لا يقلعه الغسل لم يكن بالصلاة فيه بأس، ويستحب صبغه بما يذهب لونه، ليصلي فيه على سبوغ من طهارته. وإذا أصابت النجاسة شيئا من الأواني طهرت بالغسل. والأرض إذا وقع عليها البول، ثم طلعت عليها الشمس فجففتها، طهرت بذلك، وكذلك البواري والحصر. ولا بأس أن يصلي الإنسان على فراش قد أصابه مني وغيره من النجاسات إذ كان موضع سجوده طاهرا. ولا بأس بالصلاة في الخف وإن كان فيه نجاسة وكذلك النعل، والتنزه عن ذلك أفضل.
وإذا داس الإنسان بخفه، أو نعله نجاسة، ثم مسحهما بالتراب طهرا بذلك. وإن أصابت تكته، أو جوربه لم يحرج بالصلاة فيهما، وذلك أنهما مما لا تتم الصلاة بهما دون ما سواهما من اللباس. وإذا وقع ثوب الإنسان على جسد ميت من الناس قبل أن يطهر بالغسل نجسه، ووجب عليه تطهيره بالماء، وإذا وقع عليه بعد غسله لم يضره ذلك، وجازت له فيه الصلاة وإن لم يغسله، وإذا وقع على ميتة من غير الناس نجسه أيضا، ووجب غسله منه بالماء. وإن مس الإنسان بيده أو ببعض جوارحه ميتا من الناس قبل غسله وجب عليه أن يغتسل لذلك، كما قدمناه. وإن مس بها ميتة من غير الناس لم يكن عليه أكثر من غسل ما مسه من الميتة، ولم يجب عليه غسل، كما يجب على من مس الميت من الناس.
وما ليس له نفس سائلة من الهوام والحشار كالزنبور، والجراد، والذباب، والخنافس، وبنات وردان إذا أصابت يد الإنسان، أو جسده، أو ثيابه لم تنجسه بذلك، ولم يجب عليه غسل ما لاقاه منها، وكذلك إن وقعوا في طعامه أو شرابه لم يفسدوه، وكان له استعماله بالأكل والشرب والطهارة مما وقعوا فيه من الماء. والخمر، ونبيذ التمر، وكل شراب مسكر نجس، إذا أصاب ثوب الإنسان شئ منه، قل ذلك أم كثر، لم تجز فيه الصلاة حتى يغسل بالماء وكذلك حكم الفقاع. وإن أصاب جسد الإنسان شئ من هذه الأشربة نجسة، ووجب عليه إزالته، وتطهير الموضع الذي أصابه بغسله بالماء. وأواني الخمر والأشربة المسكرة كلها نجسة لا تستعمل حتى يهراق ما فيها منها، وتغسل سبع مرات بالماء.
وإذا حضر العبد المسلم الوفاة فالواجب على من يحضره من أهل الإسلام أن يوجهه إلى القبلة: فيجعل باطن قدميه إليها، ووجهه تلقائها. ثم يلقنه: شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ولي الله، القائم بالحق بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، ويسمى الأئمة له واحدا واحدا، ليقر بالإيمان بالله تعالى ورسوله وأئمته عليهم السلام عند وفاته، ويختم بذلك أعماله، فإن استطاع أن يحرك بالشهادة بما ذكرناه لسانه، وإلا عقد بها قلبه إن شاء الله. ويستحب أن يلقن أيضا كلمات الفرج وهي " لا إله إلا الله الحليم الكريم، لا إله الله العلي العظيم، سبحان الله رب السماوات السبع ورب الأرضين السبع، وما فيهن وما بينهن، ورب العرش العظيم، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين فإن ذلك مما يسهل عليه صعوبة ما يلقاه من جهد خرج نفسه. فإذا قضى نحبه فليغمض عيناه، ويطبق فوه، وتمد يداه إلى جنبيه، ويمد ساقاه إن كانا منقبضين، ويشد لحيه إلى رأسه بعصابة، ويمد عليه ثوب يغطى به.
وإن مات ليلا في بيت أسرج في البيت مصباح إلى الصباح، ولم يترك وحده فيه، بل يكون عنده من يذكر الله عز وجل، ويتلو كتابه، أو ما يحسنه منه، ويستغفر الله تعالى. ولا يترك على بطنه حديدة، كما يفعل العامة الجهال ذلك. ثم ليستعد لغسله، فيؤخذ من السدر المسحوق رطل أو نحو ذلك، ومن الأشنان شئ يسير ما ينحى به، ومن الكافور الحلال الخام وزن نصف مثقال إن تيسر، وإلا فما تيسر منه وإن قل، ومن الذريرة الخالصة من الطيب المعروفة بالقمحة مقدار رطل إلى أكثر من ذلك، ويؤخذ لحنوطه وزن ثلاثة عشر درهما وثلث من الكافور الخام الذي لم تمسه النار، وهو السائغ للحنوط، وأوسط أقداره وزن أربعة دراهم، وأقلها وزن مثقال إلا أن يتعذر ذلك، ثم يعد له شئ من القطن، ويعد الكفن وهو قميص ومئزر وخرقة يشد بها سفله إلى وركيه، ولفافة، وحبرة، وعمامة، ويستعد جريدتان من النخل خضراوان طول كل واحدة منهما قدر عظم الذراع، فإن لم يوجد من النخل الجريد يعوض عنه بالخلاف، فإن لم يوجد الخلاف يعوض عنه بالسدر، وإن لم يوجد شئ من هذه الشجر ووجد غيره من الشجر يعوض عنه منه بعد أن يكون رطبا، فإن لم يوجد شئ من ذلك فلا حرج على الإنسان في تركه للاضطرار.
ولا ينبغي أن يقطع شئ من أكفان الميت بحديد، ولا يقرب النار ببخور ولا غيره، والسنة أن تكون إحدى اللفافتين حبرة يمنية غير مذهبة. ويفرغ من حوائجه وكفنه، ثم يؤخذ في غسله إن شاء الله. وإذا أراد المتولي لأمره غسله فليرفعه على ساجة أو شبهها موجها إلى القبلة و باطن رجليه إليها ووجهه تلقائها حسب ما وجهه عند وفاته، ثم ينزع قميصه إن كان عليه قميص من فوقه إلى سرته يفتق جيبه، أو يخرقه، ليتسع عليه في خروجه، ثم يضع على عورته ما يسترها، ثم يلين أصابع يديه برفق، فإن تصعب تركها، ويأخذ السدر فيضعه في إجانة وشبهها من الأواني النظاف، ويصب عليه الماء، ثم يضربه حتى يجمع رغوته على رأس الماء، فإذا اجتمعت أخذها بكفيه فجعلها في إناء نظيف كإجانة أو طشت أو ما أشبههما، ثم يأخذ خرقة نظيفة فيلف بها يده من زنده إلى أطراف أصابعه اليسرى، ويضع عليها شيئا من الأشنان الذي كان أعده، ويغسل بها مخرج النجو منه، ويكون معه آخر يصب عليه الماء، فيغسله حتى ينقيه، ثم يلقى الخرقة من يده، ويغسل يديه جميعا بماء قراح، ثم يوضي الميت: فيغسل وجهه وذراعيه، ويمسح برأسه وظاهر قدميه، ثم يأخذ رغوة السدر فيضعه على رأسه، ويغسله به ويغسل لحيته، والآخر يصب عليه ماء السدر، حتى يغسل رأسه ولحيته بمقدار تسعة أرطال من ماء السدر، ثم يقلبه على مياسره، لتبدو له ميامنه، ويغسلها من عنقه إلى تحت قدميه بمثل ذلك من ماء السدر، ولا يجعله بين رجليه في غسله، بل يقف من جانبه، ثم يقبله على جنبه الأيمن، لتبدو له مياسره فيغسلها كذلك، ثم يرده إلى ظهره فيغسله من أم رأسه إلى تحت قدميه بماء السدر، كما غسل رأسه بنحو التسعة أرطال من ماء السدر إلى أكثر من ذلك، ويكون صاحبه يصب عليه الماء، وهو يمسح ما يمر عليه يده من جسده، وينظفه، ويقول، وهو يغسله: " اللهم عفوك عفوك " ثم يهريق ماء السدر من الأواني، ويصب فيها ماء قراحا، ويجعل فيه ذلك الجلال من الكافور الذي كان أعده، ويغسل رأسه به كما غسله بماء السدر، ويغسل جانبه الأيمن، ثم الأيسر، ثم صدره على ما شرحناه في الغسلة الأولى - ويهريق ما في الأواني من ماء الكافور، ويجعل فيها ماء قراحا لا شئ فيه، ويغسله به غسلة ثالثة، كالأولى والثانية.
ويمسح بطنه في الغسلة الأولة مسحا رفيقا، ليخرج ما لعله من الثقل الذي في جوفه مما لو لم يدفعه المسح لخرج منه بعد الغسل فانتقض به، أو خرج في أكفانه، وكذلك يمسح بطنه في الغسلة الثانية، فإن خرج: في الغسلتين منه شئ أزاله عن مخرجه، وما أصاب من جسده، بالماء ولا يمسح بطنه في الثالثة. فإذا فرغ من الغسلات الثلاث ألقى عليه ثوبا نظيفا، فنشفه به، ثم اعتزل ناحية، فغسل يديه إلى مرفقيه، وصار إلى الأكفان التي كان أعدها له، فيبسطها على شئ طاهر يضع الحبرة أو اللفافة التي تكون بدلا منها وهي الظاهرة، وينشرها، وينثر عليها شيئا من تلك الذريرة التي كان أعدها، ثم يضع اللفافة الأخرى عليها، وينثر عليها شيئا من الذريرة، ويضع القميص على الإزار، وينثر عليه شيئا من الذريرة، ويكثر منه، ثم يرجع إلى الميت، فينقله من الموضع الذي غسله فيه حتى يضعه في قميصه، ويأخذ شيئا من القطن، فيضع عليه شيئا من الذريرة، ويجعله على مخرج النجو، ويضع شيئا من القطن وعليه ذريرة على قبله، ويشده بالخرقة التي ذكرناها شدا وثيقا إلى وركيه، لئلا يخرج منه شئ، ويأخذ الخرقة التي سميناها مئزرا فيلفها عليه من سرته إلى حيث تبلغ من ساقة، كما يأتزر الحي، فتكون فوق الخرقة التي شدها على القطن ويعمد إلى الكافور الذي أعده لتحنيطه، فيسحقه بيده، ويضع منه على جبهته التي كان يسجد عليها لربه تبارك وتعالى ويضع منه على طرف أنفه الذي كان يرغم به له في سجوده، ويضع منه على بطن كفيه فيمسح به راحتيه أصابعهما التي كان يتلقى الأرض بهما في سجوده، ويضع على عيني ركبتيه وظاهر أصابع قدميه، لأنها من مساجده، فإن فضل من الكافور شئ كشف قميصه عن صدره، وألقاه عليه، ومسحه به، ثم رد القميص بعد ذلك إلى حاله، ويأخذ الجريدتين فيجعل عليهما شيئا من القطن، ويضع إحديهما من جانبه الأيمن مع ترقوته يلصقها بجلده، ويضع الأخرى من جانبه الأيسر ما بين القميص والإزار ويستحب أن يكتب على قميصه، وحبرته، أو اللفافة التي تقوم مقامها، والجريدتين بإصبعه: " فلان يشهد أن لا إله إلا الله، فإن كتب ذلك بتربة الحسين " صلوات الله عليه " كان فيه فضل كثير، ولا يكتبه بسواد، ولا صبغ من الأصباغ، ويعممه كما يتعمم الحي، ويحنكه بالعمامة، ويجعل لها طرفين على صدره، ثم يلفه في اللفافة: فيطوي جانبها الأيسر على جانبه الأيمن، وجانبها الأيمن على الجانب الأيسر، ويصنع بالحبرة مثل ذلك، ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه.
وينبغي للذي يلي أمر الميت في غسله وتكفينه أن يبدأ عند حصول حوائجه التي ذكرناها بقطع أكفانه، ونثر الذريرة عليها، ثم يلفها جميعا، ويعزلها، فإذا فرغ من غسله نقله إليها من غير تلبث واشتغال عنه، وإن أخر نثر الذريرة حتى يفرغ من غسله فيصنع به ما وصفناه، وإعدادها مفروغا منها بجميع حوائجه قبل غسله أفضل، ويكفنه وهو موجه كما كان في غسله. فإذا فرغ غاسل الميت من غسله توضأ وضوء الصلاة، ثم اغتسل كما ذكرناه في أبواب الأغسال وشرحناه. وإن كان الذي أعانه بصب الماء عليه قد مس الميت قبل غسله فليغتسل أيضا من ذلك - كما اغتسل المتولي لغسله، وإن لم يكن مسه قبل غسله لم يجب عليه غسل ولا وضوء، إلا أن يكون قد أحدث ما يوجب ذلك عليه فيلزمه الطهارة له لا من أجل صب الماء على الميت.
فإذا فرغ من غسله وتكفينه وتحنيطه فليحمله على سرير إلى قبره، وليصل عليه ومن اتبعه من إخوانه قبل دفنه، وسأبين الصلاة على الأموات في أبواب الصلاة إن شاء الله. وينبغي لمن شيع جنازة أن يمشي خلفها، وبين، جنبها، ولا يمشي أمامها، فإن الجنازة متبوعة، ليست تابعة، ومشيعة غير مشيعة. فإذا فرغ من الصلاة عليه فليقرب سريره من شفير قبره، ويوضع على الأرض، ثم يصبر عليه هنيئة، ثم يقدم قليلا، ثم يصبر عليه هنيئة، ثم يقدم إلى شفير القبر فيجعل رأسه مما يلي رجليه في قبره، وينزل إلى القبر، وينزله وليه أو من يأمره الولي، بذلك، وليتحف عند نزوله ويحلل أزراره، وإن نزل معه لمعاونته آخر جاز ذلك، ثم يسل الميت من قبل رجليه في قبره، ليسبق إليه رأسه، كما سبق إلى الدنيا في خروجه إليها من بطن أمه وليقل عند معاينة القبر: " اللهم اجعلها روضة من رياض الجنة، ولا تجعلها حفرة من حفر النيران ". ويقول إذا تناوله: " بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم إيمانا بك، وتصديقا بكتابك، هذا ما وعد الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا وتسليما "، ثم يضعه على جانبه الأيمن، ويستقبل بوجهه القبلة، ويحل عقد كفنه من قبل رأسه حتى يبدو وجهه، ويضع خده على التراب، ويحمل أيضا عقد كفنه من قبل رجليه ثم يضع اللبن عليه، ويقول وهو يضعه: " اللهم صل وحدته، وآنس وحشته، وارحم غربته، واسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك، واحشره مع من كان يتولاه ".
ويستحب أن يلقنه الشهادتين وأسماء الأئمة " صلوات الله عليهم " عند وضعه في القبر قبل تشريج اللبن عليه، فيقول: " يا فلان بن فلان اذكر العهد الذي خرجت عليه من دار الدنيا: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عليا أمير المؤمنين، والحسن والحسين ويذكر الأئمة عليهم السلام إلى آخرهم أئمتك، أئمة هدى أبرارا "، فإنه إذا لقنه ذلك كفى المسألة بعد الدفن إن شاء الله. فإذا فرغ من وضع اللبن عليه هال التراب على اللبن، ويحثو من شيع جنازته عليه التراب بظهور أكفهم، ويقولون وهم يحثون التراب عليه: " إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا ما وعد الله ورسوله، وصدق الله ورسوله، اللهم زدنا إيمانا وتسليما ". ويكره للأب أن يحثو على ابنه إذا أقبره التراب، وكذلك يكره للابن أن يحثو على أبيه، لأن ذلك يقسي القلب من ذوي الأرحام. ويربع قبره، ولا يطرح عليه من تراب غيره، ويرفع عن الأرض مقدار أربع أصابع مفرجات لا أكثر من ذلك، ويصب عليه الماء فيبدأ بالصب من عند رأسه، ثم يدار به من أربعة جوانبه حتى يعود إلى موضع الرأس، فإن بقي من الماء شئ صب على وسط القبر.
فإذا انصرف الناس عنه تأخر عند القبر بعض إخوانه، فنادى بأعلى صوته: " يا فلان بن فلان الله ربك، ومحمد نبيك، وعلي إمامك، والحسن والحسين، وفلان وفلان - إلى آخرهم - أئمتك، أئمة الهدى الأبرار " فإن ذلك ينفع الميت، وربما كفى به المسألة في قبره إن شاء الله. ويكره أن يحمى الماء بالنار لغسل الميت، فإن كان الشتاء شديد البرد فليسخن له قليلا ليتمكن غاسله من غسله. ولا يجوز أن يقص شئ من شعر الميت، ولا من أظفاره، وإن سقط من ذلك شئ جعله معه في أكفانه. وغسل المرأة كغسل الرجل، وأكفانها كأكفانه، ويستحب أن تزاد المرأة في الكفن ثوبين، وهما لفافتان أو لفافة ونمط.
وإذا أريد إدخال المرأة القبر جعل سريرها أمامه في القبلة، ورفع عنها النعش، وأخذت من السرير بالعرض، وينزلها القبر اثنان، يجعل أحدهما يديه تحت كتفيها والآخر يديه تحت حقويها، وينبغي أن يكون الذي يتناولها من قبل وركيها زوجها، أو بعض ذوي أرحامها كابنها أو أخيها وأبيها إن لم يكن لها زوج، ولا يتولى ذلك منها الأجنبي إلا عند فقد ذوي أرحامها، وإن أنزلها قبرها نسوة يعرفن كان أفضل. وغسل الطفل كغسل البالغ. والجريدة تجعل مع جميع الأموات من المسلمين كبارهم وصغارهم، و ذكرانهم وإناثهم - سنة وفضيلة، والأصل في وضع الجريدة مع الميت أن الله: " تعالى لما أهبط آدم عليه السلام من الجنة استوحش في الأرض، فسأل الله تعالى أن ينزل إليه شيئا من أشجار الجنة يأنس به، فأنزلت عليه النخلة، فلما رآها عرفها، وآنس بها، وآوى إليها، فلما جمع الله بينه وبين زوجته حواء، وأقام معها ما شاء الله أن يقيم، وأولدها، ثم حضرته الوفاة جمع ولده، وقال لهم: يا بني إني كنت قد استوحشت عند نزولي هذه الأرض، فآنسني الله بهذه النخلة المباركة، وأنا أرجو الأنس بها في قبري، فإذا قضيت نحبي فخذوا منها جريدا، فشقوها باثنتين، وضعوها معي في أكفاني، ففعل ولده ذلك بعد موته، وفعلته الأنبياء عليهم السلام بعده، ثم اندرس أثره في الجاهلية، فأحياه النبي صلى الله عليه وآله، وشرعه، ووصى أهل بيته عليهم السلام باستعماله، فهو سنة إلى أن تقوم الساعة ". وقد روى عن الصادق عليه السلام: " أن الجريدة تنفع المحسن والمسئ: فأما المحسن فتؤنسه في قبره، وأما المسئ فتدرأ عنه العذاب ما دامت رطبة، ولله تعالى بعد ذلك فيه المشية ".
ومن لم يتمكن من وضع الجريدة مع ميته في أكفانه، تقية من أهل الخلاف، وشناعتهم بالأباطيل عليه فليدفنها معه في قبره، فإن لم يقدر على ذلك، أو خاف منه بسبب من الأسباب فليس عليه في تركها شئ، والله تعالى يقبل عذره مع الاضطرار. وإذا أسقطت المرأة، وكان السقط تاما لأربعة أشهر فما زاد، غسل، وكفن، ودفن، وإن كان لأقل من أربعة أشهر لف في خرقة، ودفن بدمه من غير تغسيل. وليس على الإنسان غسل من مس السقط الذي لا غسل عليه، ويغتسل من مس من يجب غسله إذا كان مسه له قبل تطهيره بالماء على ما قدمناه.
والمحرم إذا مات غسل، وكفن، وغطى وجهه بالكفن غير أنه لا يقرب الكافور ولا غيره من الطيب، وليس عليه تحنيطه. والمقتول في سبيل الله بين يدي إمام المسلمين إذا مات من وقته لم يكن عليه غسل، ودفن بثيابه التي قتل فيها، وينزع عنه من جملتها السراويل إلا أن يكون أصابه دم فلا ينزع عنه، ويدفن معه، وكذلك ينزع عنه الفرو والقلنسوة، فإن أصابهما دم دفنا معه، وينزع عنه الخف على كل حال. وإن لم يمت في الحال، وبقي ثم مات بعد ذلك غسل، وكفن، وحنط. وكل قتيل سوى من ذكرناه، ظالما كان أو مظلوما، فإنه يغسل، ويحنط، ويكفن، ثم يدفن إن شاء الله. والمجدور، والمحترق، وأمثالهما ممن يحدث الآفات التحليل لجلودهم وأعضائهم ولحومهم إذا كان المس لهم باليد في تغسيلهم يزيل شيئا من لحمهم أو شعرهم لم يمسوا باليد، وصب عليهم الماء صبا، فإن خيف أن يلقي الماء عنهم شيئا من جلودهم أو شعرهم لم يقربوا الماء، ويمموا بالتراب، كما يؤمم الحي العاجز بالزمانة عند حاجته إلى التيمم من جنابته، فيمسح وجهه من قصاص شعر رأسه إلى طرف أنفه، ويمسح ظاهر كفيه حسب ما رسمناه.
وإذا لم يوجد للميت ما يطهر به لعدم الماء، أو عدم ما يتوصل به إليه، أو لنجاسة الماء، أو كونه مضافا مما لا يتطهر به يمم بالتراب، ودفن، وكذلك إن منع من غسله بالماء ضرورة تلجئ إليه لم يغسل به، ويمم بالتراب. والمقتول قودا يؤمر بالاغتسال قبل قتله، فيغتسل كما يغتسل من جنابته، ويتحنط بالكافور فيضعه في مساجده، ويتكفن، ثم يقام فيه بعد ذلك الحد بضرب عنقه، ثم يدفن. وإذا ماتت امرأة ذمية، وهي حامل من مسلم دفنت في مقابر المسلمين لحرمة ولدها من المسلم، ويجعل ظهرها إلى القبلة في القبر، ليكون وجه الولد إليها، إذ الجنين في بطن أمه متوجه إلى ظهرها.
ولا يجوز ترك المصلوب على ظاهر الأرض أكثر من ثلاثة أيام، وينزل بعد ذلك من خشبته فتوارى حينئذ جثته بالتراب. ولا يجوز لأحد من أهل الإيمان أن يغسل مخالفا للحق في الولاء، ولا يصلى عليه إلا أن تدعوه ضرورة إلى ذلك من جهة التقية، فيغسله تغسيل أهل الخلاف، ولا يترك معه جريدة، وإذا صلى عليه لعنه في صلاته ولم يدع له فيها. ومن افترسه السبع فوجد منه شئ فيه عظم غسل، وكفن، وحنط، ودفن فإن، لم يوجد فيه عظم دفن بغير غسل كما وجد، وإن كان الموجود من أكيل السبع صدره أو شيئا فيه صدره صلى عليه، وإن وجد ما سوى ذلك منه لم يصل عليه.
وينتظر بصاحب الذرب، والغريق، ومن أصابته صاعقة، أو انهدم عليه بيت، أو سقط عليه جدار، ولا يجعل بغسله ودفنه فربما لحقته السكتة بذلك، أو ضعف حتى يظن به الموت، وإذا تحقق موته غسل، وكفن، ودفن، ولا ينتظر به أكثر من ثلاثة أيام، فإنه لا شبهة في الموت بعد ثلاثة أيام. وإذا لم يوجد للميت سدر وكافور وأشنان غسل بالماء القراح، وإن لم يوجد له ذريرة وحنوط أدرج في أكفانه، ودفن بعد غسله والصلاة عليه، وإن لم يكن له أكفان دفن عريانا، وجاز ذلك للاضطرار.
وإذا مات الإنسان في البحر، ولم توجد أرض يدفن فيها، غسل، وحنط، وكفن، وخيطت عليه أكفانه، وثقل، وألقي في البحر، ليرسب بثقله في قرار الماء. وإذا مات رجل مسلم بين رجال كفار ونساء مسلمات، ليس له فيهن محرم، أمر بعض الكفار بالغسل، وغسله بتعليم النساء له غسل أهل الإسلام. وكذلك إن ماتت امرأة مسلمة بين رجال مسلمين ليس فيهم لها محرم ونساء كافرات أمر الرجال امرأة منهن أن تغتسل، وعلموها تغسيلها على سنة الإسلام. فإن مات صبي مسلم بين نسوة مسلمات لا رحم بين واحدة منهن وبينه، وليس معهن رجل، وكان الصبي ابن خمس سنين غسله بعض النساء مجردا من ثيابه، وإن كان ابن أكثر من خمس سنين غسلته من فوق ثيابه، وصببن عليه الماء صبا، ولم يكشفن له عورة، ودفنه بثيابه بعد تحنيطه بما وصفناه. وإن ماتت صبية بين رجال ليس لها فيهم محرم، وكانت ابنة أقل من ثلاث سنين جردوها، وغسلوها، وإن كانت الأكثر من ثلاث سنين غسلوها في ثيابها، وصبوا عليها الماء صبا، وحنطوها بعد الغسل، ودفنوها في ثيابها.
فإن ماتت امرأة، وفي جوفها ولد حي يتحرك، شق بطنها مما يلي جنبها الأيسر، وأخرج الولد منه، ثم خيط الموضع، وغسلت، وكفنت، وحنطت بعد ذلك، ودفنت. وإن مات الولد في جوفها، وهي حية، أدخلت القابلة أو من يقوم مقامها في تولي أمر المرأة يدها في فرجها فأخرجت الولد منه، [فإن لم يمكنها إخراجه صحيحا قطعته وأخرجته قطعا] وغسل، وكفن، وحنط، ثم دفن.