عقائد الشيعة الإمامية >> شرف الدين الموسوي
الفصول المهمة
فيمن أفتى بكفر الشيعة وتفصيل ما استدل به على ذلك
والغرض استئصال بذور الشقاق بايضاح خطأه واجتثاث ارومة الافتراق ببيان اشتباهه حرصا على ان لا يكال بصاعه، واتقاء من تصديقه واتباعه، وقد اقترصنا من ذلك على ما وجدناه في باب الردة والتعزير من الفتاوي الحامدية وتنقيحها بامضاء الشيخ نوح الحنفي لاشتهار هذين الكتابين ورجوع من بأيديهم منصب الفتوى في المملكة المحروسة اليهما.
قال في جواب من سأله عن السبب في وجوب مقاتله الشيعة وجواز قتلهم: اعلم أسعدك الله أن هؤلاء الكفرة والبغاة الفجرة جمعوا بين أصناف الكفر والبغي والعناد، وأنواع الفسق والزندقة والالحاد، ومن توقف في كفرهم والحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم.
قال: وسبب وجوب قتالهم وجواز قتلهم البغي والكفر معا، أما البغي فانهم خرجوا عن طاعة الامام خلد الله تعالى ملكه الى يوم القيامة، وقد قال الله تعالى: « فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء الى أمر الله » والأمر للوجوب فينبغي للمسلمين إذا دعاهم الامام الى قتال هؤلاء الباغين الملعونين على لسان سيد المرسلين أن لا يتأخروا عنه بل يجب عليهم أن يعينوه ويقاتلوهم معه.
قال: وأما الكفر فمن وجوه: منها أنهم يستخفون بالدين ويستهزئون بالشرع المبين، ومنها أنهم يهينون العلم والعلماء، ومنها انهم يستحلون المحرمات ويهتكون الحرمات، ومنها انهم ينكرون خلافة الشيخين ويريدون أن يوقعوا في الدين الشين، ومنها أنهم يطولون السنتهم على عائشة الصديقة (رض ) ويتكلمون في حقها ما لا يليق بشأنها ( من أمر الافك ) مع أن الله تعالى أنزل عدة آيات في براءتها ( قال والله يعلم أنه كاذب فيما قال ) فهم كافرون بتكذيب القرآن العظيم وسابون النبي ضمنا بنسبتهم الى أهل بيته هذا الأمر العظيم، ومنها أنهم يسبون الشيخين سود الله وجوههم في الدارين... الى ان قال: فيجب قتل هؤلاء الأشرار الكفار تابوا أو لم يتوبوا،
ثم حكم باسترقاق نسائهم وذراريهم.
قلت: هذا الذي لا تبرك الأبل على مثله، هذا الذي لا تقوم السماء والأرض بحمله، هذا الذي لا يتسنى للغيور أن يقيم في أرض ينشر فيه، هذا الذي لا يستطيع الحمي أن يستظل بسماء تشرق شمسها على معتقديه، هذا الذي ما أنزل الله به من سلطان، هذا الذي يأباه الله ورسوله وكل ذي وجدان، هذا هو الاختلاف الذي ليس بعده ائتلاف، هذا هو الافتراق الذي ليس بعده اتفاق، هذا هو المحاربة التي ليس بعدها مصاحبة. هذا والله الافك والبهتان، هذا والله الظلم والعدوان.
بجدك قل لي هل درى صاحب الفتوى أي دماء من أهل الشهادتين سفكها، وأي حرائر قانتات هتكها، وأي حرمات لله عز وجل انتبكها، وأي صبية من بني الاسلام سلبها، وأي أموال مزكيات نهبها، واي ديار معمورة بالصلاة وتلاوة القرآن خربها، وأي كبد لرسول الله بذلك فراها، وأي عين لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم بفتواه اقذاها، واي فتنة بين المسلمين أججها، وأي حرب بينهم ألجمها وأسرجها، وأي شوكة لهم بذلك كسرها،
وأي دولة لاعدائهم أعزها ونصرها،
وأي مخالفة لحكم الله ارتكبها، وأي أوزار بتكفيره للمسلمين احتقبها «ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون»؟!
ولو درى الى اي غاية بلغ الشيعة في المحافظة على قوانين الدين ونواميس الشريعة، أو علم الى أي أوج ارتقوا في الاحتياط بالأحكام، أو الى اي حد انتهوا في التمسك بثقلي سيد الانام، أو الى أي مرتبة أخذوا بالسنة السنية أو الى أي مقدار اقتدوا بالعترة الطاهرة الزكية، لدعا بالويل والثبور وتمنى ان يكون قبل هذه البائقة من اهل القبور.
ظن الرجل انه قضى على الشيعة بعداوته، وزعم انه اسقطهم بافكه وبهتانه فطاش سهمه وظلت مطيته، بل كان كالباحث عن حتفه بظلفه، والجادع ما رن انفه بكفه.
اجل والله ما قضى الا على مروءته ولا اسقط بأكاذيبه غير امانته، وقد افتضح بين علماء العالم واتضح تحامله بالزور لدى فضلاء بني آدم، وكان كمبغضي الأنبياء اذ سطروا الأساطير افتراء عليهم واعداء الأوصياء، اذ ملأوا الطوامير في نسبة الأباطيل اليهم، فما أثر ذلك فيهم الاّ رفعة، ولا ازدادت شرائعهم الا عزا ومنعة « سنة الله قد حلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ».
كان العزم على ان نربأ عن مناقشته ولا نلوث اليراع بمحاسبته لوضوح افترائه وظهور ظلمه واعتدائه، لكن اقتدينا بالكتاب الكريم والذكر الحكيم، اذا تصدى للرد على كل أفاك أثيم فقال جل وعلا: «وقالت اليهود يد الله مغلولة غلت ايديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء» الى غير ذلك مما كان في التنزيل من هذا القبيل.
ذكر الرجل لوجوب قتال الشيعة وجواز قتلهم سببين (البغي والكفر) وقد علم الله
ورسوله واولو الفضل من عباده انه ظلم الشيعة بذلك وبغي عليهم،
كما افك اعداء الأنبياء اذ نسبوا السحر والجنون اليهم، ونحن نناشدكم الله ايها الناس متى كانت الشيعة غير خاضعة للسلطان، وفي أي جهة من مملكته المحروسة كان ذلك منهم، وبما بغوا عليه؟ ارأيتموهم تأخروا عن اداء الخراج، او توقفوا عن دفع الضرائب والاعشار والاعانات، أو تخلفوا عن جهاد عدوه، أو قصروا عن طليعة عساكره، او تقهقروا عن مقدمة جنوده، أو خانوه في خدمة، أو كفروا له نعمة؟! كلا والله ما كان ذلك منهم ولا هو جائز عندهم، والناصب الكاذب يعلم براءتهم منه ويقطع بأنهم في غاية البعد عنه، وانما اراد اغراء السلطان بهم وحمله على استئصالهم ومبالغة في ابادتهم واحتياطا على ان لا يكون لهم نصيب من مراحم الدولة ولا حصة من عدل القانون ولا سهم من انصاف الولاة ولاحظ من معاشرة العامة (ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون).
واما قوله بكفرهم فانه قول من لا يخاف من الله سطوة ولا يخشى منه نقمة، قول لم يرجع فيه الى دين ولا عمل فيه بما تواتر عن سيد النبيين والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم من الحكم بالاسلام، على كل من اقام الصلاة وآتى الزكاة وصام الشهر وحج البيت من اهل الشهادتين والايمان باليوم الآخر.
وقد افردنا في اوائل هذه الرسالة فصلا لبيان معنى الاسلام والايمان وهو الفصل الثاني منها واوردنا فيه وفي الفصول الثلاثة التي بعده طائفة من الصحاح الحاكمة بما قلنا، وتكلمنا هناك بما يجدر بالباحث المدقق ان يقف عليه، فالمرجو ممن وقف على هذا الفصل مراجعة تلك الفصول، ليعلم ان قواعد الشريعة
تحكم بايمان الشيعة، ويعرف ان الصحاح المتواترة تقضي باحترامهم في الدنيا ونجاتهم في الآخرة.
وأما الوجوه التي اعتمد الناصب عليها في التكفير فانها من أوضح أفراد الافك وافضح أنواع التزوير
إفك لا يكون من صبي يرجى فلاحه، وزور لا تأتي به أمة وكعاء الا أن تكون مدخولة العقل، ونحن نذكر تلك الوجوه ( وهي ستة ) ونتكلم في كل منها بما يوجبه العلم وتقضي به الامانة.
الوجه الأول:
زعم أن الشيعة تستخف بالدين وتهزأ بالشرع المبين.
وهذا قول لا يخفى زوره وافك لا يمطل ظهوره، فان الشيعة أحوط الناس على الدين وأعظمهم تقديما للشرع المبين، وتلك كتبهم في الأصول والفروع والتفسير والحديث تشهد ( وقد ملأت ما بين الخافقين ) لهم بذلك، على ان هذا الأمر غني عن البرهان بعد أن كان شاهده الحس والوجدان.
واذا استطال الشيء قام بنفسه * وصفات ضوء الشمس تذهب باطلا
وليته دلنا على الموارد التي استخف بها الشيعة من معالم الدين، أو أخبرنا عن المقامات التي استهزءوا فيها بالشرع المبين، أتراهم استخفوا بالخالق تبارك وتعالى فشبهوه بخلقه تارة، وجوزا عليه القبيح أخرى، أم استخفوا بالأنبياء والأوصياء، فنسبوا اليهم صلوات الله عليهم ما يليق بالأشقياء، أم استخفوا بمقام سيد البشر فقالوا أنه والعياذ بالله هجر؟!
كلا والله انهم لاعظم تقديسا لله وأكبر تنزيها لأنبيائه وأكثر تعظيما لخلفائه، واحكم قواعد في الأصول وأشد احتياطا في الفروع وأكثر تثبتا في قبول الحديث وأحرز للواقع في كل ما يرجع للدين، وانا ألفت الباحث الى أصول الامامية
وفروعهم ليعلم الحقيقة، على أن من ساح في بلادهم، وجاس خلال ديارهم يرى مواظبتهم على الصلاة والزكاة والصيام والحج وسائر الواجبات في جميع الأحوال رجالا ونساء كبارا وصغارا ومماليك، بحيث لا يتسامح في ذلك منهم إلا من سرى اليه الداء من معاشرة غيرهم. ومن ترك فريضة من الصلوات الخمس أو أفطر يوما من شهر رمضان بلا عذر، يعزر عندهم بخمس وعشرين سوطا فان أعاد عزر ثانيا فان اعاد قتل، والأحوط تأخير إعدامه الى المرة الرابعة، ولا يؤخر الى الخامسة ( لو لم تكن الحدود معطلة ) باجماعهم.
هذا في غير المنكر أما المنكر لوجوب الصلاة أو الصوم أو الزكاة أو الخمس أو الحج أو غيرها من الضروريات، كحرمة الزنى واللواط والسرقة وشرب الخمر والغيبة والفساد في الأرض واشباهها أو الشاك في شيء من ذلك فانه يقتل بمجرد الانكار أو الشك، وقد امتازوا بالاستنابة عن الميت في الصلاة والصوم كما يستنيبون عنه في الحج، وأوجبوا على وليه قضاء ما فاته من الصلاة والصوم في الجملة، ولو علموا أن في ذمته زكاة أو خمسا أو مظالم اخرجوها من اصل ماله وان لم يوص بها كسائر الديون، وهكذا احتياطهم في جميع العبادات والمعاملات والايقاعات وسائر الشرعيات، فكيف يتسنى للناصب بعد هذا أن يرميهم بالاستخفاف بالدين والاستهزاء بالشرع المبين، نعوذ بالله من سبات العقل وقبح الزلل، وبه نستجير من بوائق العثرة وسوء الخطل، انه ارحم الراحمين.
الوجه الثاني:
انهم يهينون العلم والعلماء.
سألتكم أيها المنصفون بالحقيقة التي ضيعها المرجفون هل سمعتم اوحش من هذا العدوان، او بلغكم افحش من هذا البهتان، او رأيتم احمق من هذا الدليل، او حدثتم بأسخف من هذا الوجه الساقط الرذيل؟ أللشيعة يقل ذلك؟! وهم الذي اسسوا العلوم ومهدوها واحكموا المعارف وشيدوها وسبقوا بالتأليف فلم يلحقوا وعرجوا الى أوج الفضل فحلقوا فما من
علم من العلوم الدينية إلا وهم اصله وفرعه، وما من فن من الفنون الاسلامية إلا وهم معدنه.
وما ادرى بأي شيء اهانوا العلم والمعارف ابا لمدارس التي عمروها، ام بالأوطان التي رغبة في العلم هجروها، ام بالاعمار التي على التعلم قصروها ام بالأفكار التي في خدمة العلم حصروها، ام بالأموال التي في سبيله اتلفوها ام بالقرى التي على طلابه وقفوها، ام بالقواعد التي احكموها، والأصول التي ابرموها، والأحكام التي اقاموا دليلها، والغاية التي اوضحوا للعالمين سبيلها؟؟؟.
وما ادري كيف رماهم باهانة العلماء مع شهادة البر والفاجر بأنهم اشد الناس للعلماء تعظيما واعظم العالمين لهم تبجيلا، لا يرجعون في الحوادث الا اليهم، ولا يعولون في امور الدنيا والدين الا عليهم.
نعم هناك من قضاة الرشوة وشيوخ الزور وعلماء السوء والمرجفين في المسلمين والناصبين للمؤمنين، من لا يسع المؤمن تعظيمه ولا تباح له موالاته، فاهانته بالاعراض عنه وعدم اخذ الدين منه واجبة باجماع المسلمين وحكم الضرورة من
الدين، على أنا ننقض على الناصب بنفسه إذ أهان بهذه الفتوى جميع علماء الشيعة وكافة حفاظ الشريعة، بل أهان بقوله: « ومن توقف في كفرهم والحادهم ووجوب قتالهم وجواز قتلهم فهو كافر مثلهم » جميع من توقف في هذه المسألة من أهل السنة وجميع من حكم من علمائهم باسلام الشيعة ممن سمعت كلامهم في الفصل المختص بما افتى به علماء السنة كما لا يخفى، ومن وقف علي حكم هذا الرجل بكفر من توقف في تكفير الشيعة بعد مراجعة ذلك الفصل وهو الفصل 6 من الفصول المتقدمة علم انه قد كفر إمامية أبا حنيفة والأشعري وكفر الامام الشافعي وسفيان الثوري وابن أبي ليلى وداوود بن علي والحسن البصري وسعيد بن المسيب وابن عيينة وابن سيرين والزهري وأبا طاهر القزويني والامام السبكي وأبا المحاسن الروياني والقدماء من علماء بغداد قاطبة، وكفر ابن حزم الظاهري والشيخ الكبير ابن العربي والعارف الشعراني وصاحب فتح القدير والملا علي الحنفي وابن تيمية وابن عابدين والمعاصر النبهاني وغيرهم، إذ حكموا جميعا باسلام كافة أهل الأركان الخمسة من الشيعة وغيرهم فان كانت اهانة العلماء كفرا فالناصب من أكفر العالمين، إذ أهان بهذه الفتوى جميع أئمة المسلمين وكافة علماء الموحدين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
الوجه الثالث:
أنهم يستحلون المحرمات ويهتكون الحرمات.
بالله عليك هل يكون في صفاقة الوجه، وصلابة الخد، وعدم الحياء، والجرأة على الأفك أكثر من هذا نعوذ بالله من الخذلان وبه نستجير من سوء عواقب الظلم والعدوان.
سلوا أيها المسلمون كتب الامامية متونها وشروحها قديمها وحديثها تخبركم ـ وصاحب البيت أدرى بالذي فيه ـ أنهم أبعد الناس عن المحرمات وأحوط العالمين على الحرمات، ألم يحكم فقههم بالجلد والرجم معاً على كل من المحصن إذا زنى ببالغة عاقلة والمحصنة إذا زنى بها البالغ وان لم يكن عاقلا؟ ألم يقض
بالقتل على مطلق من زنى بالمرأة مكرها لها وعلى كل من زنى بمحارمه النسبية وعلى الذمي إذا زنى بالمسلمة مطلقا، ألم يوجب مائة جلدة للمحصن إذا زنى بطفلة أو مجنونة وللزانية إذا لم تكن محصنة أو كانت محصنة لكن الزاني بها طفل، الم يعلن فقههم باقامة الحد على الذكر الحر غير المحصن إذا زنى بضربه مائة جلدة وجز رأسه ونفيه سنة كاملة، ألم يصرح بضرب المملوك والمملوكة البالغين العاقلين خمسين جلدة إذا زنى أحدهما مطلقا، ألم يبعضوا في حد من تحرر بعضه فأوجبوا له من حد الأحمرار بقدر ما فيه من الحرية ومن حد العبيد بقدر العبودية، الم يوجبوا لمن زنى في زمان معظم أو مكان شريف عقوبة زائدة على الحد لهتكه حرمة الزمان أو المكان، ألم يحكموا على مطلق الحر البالغ إذا لاط بالقتل بالسيف أو بالرجم أو بالقائه من شاهق أو بهدم جدار عليه؟ وهل عرفت انه يجوز إحراقه عندهم، وهل بلغك ان هذا الحكم ثابت للمحصن وغيره، ألم يحكموا بالقتل كذلك على المفعول به ان كان بالغا عاقلا مختارا، ألم يوجبوا تعزير الصبي فاعلا أو قابلا وتأديب المجنون فاعلا أو مفعولا، ألم يعلنوا بالحكم بمائة جلدة على كل من الفاعل والقابل مع البلوغ والعقل والاختيار إذا حصل منهما مجرد التفخيذ أو بين الاليتين دون الايقاب؟؟؟ (1).
ألم يصرحوا بالحكم بمائة جلدة على كل واحدة من المساحقتين، ألم يحكموا بخمس وسبعين جلدة على القيادة وثمانين على كل من القذف وتناول المسكر ولو حشيشة، ألم يحكموا على السارق أول مرة بقطع الأربع من أصابع يده اليمنى، فلو سرق ثانيا قطعت رجله اليسرى من مفصل القدم، وفي الثالثة يحبس أبدا، وفي الرابعة يقتل؟؟ الى غير ذلك مما لا يسع المقام تفصيله من جزاء المفسد في الأرض والمرتد عن الاسلام وبقية الحدود وسائر التعزيزات.
ومن اراد التفصيل فعليه بأبوابها من فقه الامامية وحديثهم، وقد انتشر منها ببركة الطبع في ايران وفضل المطابع في الهند ألوف ومئات مختصرات ومطولات، فراجعها لتعلم حال الشيعة في انكار المنكرات واستعظام المحرمات ولهم في أهل الكبائر حكم قد امتازوا به، وذلك ان صاحب الكبيرة مطلقا إذا أقاموا عليه الحد مرتين قتلوه في الثالثة، وربما احتاطوا بتأخيره الى الرابعة ولا قائل منهم بتأخيره الى الخامسة. وهذا في غير المستحل أما المستحل فيقتل عندهم بمجرد الاستحلال.
ناشدتكم الله رب العالمين، هل يجوز دينا ام يسوغ مروءة ان ترمى الشيعة بعد هذا كله باستحلال المحرمات وهتك الحرمات؟! وليت الظالم دلنا على محرم اباحوه او ارشدنا الى حرمة من حرمات الدين هتكوها. هيهات هيهات، انهم ابرأ من أن يكون ذلك منهم واجل من ان يؤثر شيء مما هو دونه عنهم، وانما وصفهم الناصب بصفاته وألزمهم بذنوبه وموبقاته، إذ استحل بهذه الفتوى انواعا من المحرمات واستباح اقساما من الحرمات، استحل الكذب والبهتان، استحل الظلم والعدوان، استحل تكفير المؤمنين، استحل ايقاد الحرب بين المسلمين، استحل قتل الشيعة وهم ركن الاسلام، استحل نهب مالهم وهو الحرام، استحل سبي المسلمات القانتات، استحل اطفال المسلمين وهتك الحرمات، وقد اباد بهذه الفتوى من مؤمني حلب اربعين الفا او يزيدون وانتهبت اموالهم واخرج الباقون منهم من ديارهم الى نبل والنغاولة وام العمد والدلبوز والفوعة وقراها، وهاجم الامير ملحم بن الأمير حيدر « بسبب هذه الفتوى » جبل عامل سنة 1147 فانتهك الحرمات واستباح المحرمات « يوم وقعة انصار » وقتل وسلب وخرب ونهب واسر الفا واربع مائة من المؤمنين فلم يرجعوا حتى هلك في الكنيف ببيروت، الى غير ذلك مما كان بسبب هذه الفتوى من الفظائع والفجائع. على انها في ذاته بائقة الدهر وفاقرة الظهر، الحكم لله والمصير اليه، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الوجه الرابع:
انهم ينكرون خلافة الشيخين، ويريدون أن يوقعوا في الدين الشين.
والجواب انه لا ينكر استخلاف الشيخين (رض) ذو شعور، ولا يرتاب فيه ذو وجدان، وقد امتدت امارتهما من سنة 11 الى سنة 23 وفتحت بها الفتوحات وضرب الدين فيها بجرانه، على أن خلافتهما من الشؤون السياسية التي خرجت بانقضائها وتصرمها عن محل الابتلاء، فأي وجه لتنافر المسلمين اليوم بسببها وأي ثمرة عملية تترتب فعلا على الاعتقاد بها.
فهلموا يا قومنا للنظر في سياستنا الحاضرة وعرجوا عما كان من شؤون السياسة الغابرة، فان الأحوال حرجة والمآزق ضيقة لا يناسبها نبش الدفائن ولا يليق بها اثارة الضغائن، وقد آن للمسلمين ان يلتفتوا الى ما حل بهم من هذه المنابذات والمشاغبات التي غادرتهم طعمة الوحوش وفرائس الحشرات.
وأي وجه لتكفير المسلمين بانكار سياسة خالية وخلافة ماضية؟ قد اجمع أهل القبلة على انها ليست من أصول الدين، وتصافقوا على انها ليست مما بني الاسلام عليه، ونحن نظرنا فيما صح عند أهل السنة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تفسير معنى الاسلام والايمان فلم نجده مقيدا بها، وتتبعنا الأمور التي جعلها صلى الله عليه وآله وسلم سببا في احترام الدماء والأعراض والأموال فلم تكن من جملتها، واستقرأنا من نصوصه شرائط دخول الجنة فلم نجدها (4) في زمرتها، فأي مانع
بعد هذا من جريان الاجتهاد فيها، وأي دليل كفر المتأولين من منكريها.
فان القوم لم تكن بينهم وبين الحق عداوة وانما قادتهم الأدلة الشرعية الى القطع باشتراط أمور في القائم في مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمستوى على مرقاة الخلافة عنه، كعدم سبق الكفر منه على الايمان وكعصمته والعهد اليه وعدم كونه مفضولا، واستدلوا على هذه الشروط بأدلة من الكتاب والسنة والعقل كثيرة لا يسع المقام بيانها، وقد استقصيناها في كتابنا «سبيل المؤمنين».
وهبها شبها كما تقول لكنها توجب العذر لمن غلبت عليه لانها من الكتاب والسنة، وقد الجأته الى القطع بما صار اليه، فان كان مصيبا والا فقد أجمع المسلمون على معذرة من تأول في غير أصول الدين وان اخطأ كما سمعته في فصل المتأولين.
على انه لا وجه التكفير بانكارها حتى لو فرضنا انها من أصول الدين عندهم، لأنها ليست من الضروريات التي يرجع انكارها الى تكذيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا هي في نظر منكريها من الأمور التي قد انعقد الاجماع عليها، وقد سبقوا بشبهة من الكتاب والسنة تمنعهم من الاعتقاد بها، ألا ترى أن الشيعة لم تكفر أهل السنة بانكرها امامة الأئمة من أهل اليت عليهم لاسلام مع أن امامتهم من أصول الدين على رأي الشيعة، وكذلك العدلية من الشيعة والمعتزلة لم تكفر طائفة الاشاعرة بانكارها العدل مع انه من الأصول عندهم ايضا.
وقد تأول في انكار هذه الخلافة سعد بن عبادة وحباب بن المنذر الانصاريان وتخلف عنها جمعة وأكره عليه آخرون كما ذكرناه في فصل المتأولين، فلم يكفر أحد من أولئك بما كان منه ولا فسق بما تواتر من القول والفعل عنه، فكيف هؤلاء وحكم الله واحد يا ايها المنصفون؟ على أن الأحاديث المتواترة من طريق العترة الطاهرة والصحاح الوافرة من طريق أهل السنة، ألجأت هؤلاء الى القطع بعهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى علي من بعده، فدانوا بما رأوا انه الحق من دين
الاسلام، فهم معذورون بل مأجورون ان اصابوا بذلك وان اخطأوا بالاجماع.
قال ابن حزم حيث تكلم فيمن يكفر ولا يكفر في صفحة 247 من الجزء الثالث من فصله ما هذا نصه: وذهبت طائفة الى انه لا يكفر ولا يفسق مسلم بقول قاله في اعتقاد أو فتيا، وان كل من اجتهد في شيء من ذلك فدان بما رأى انه الحق فانه مأجور على كل حال، ان أصاب فأجران وان اخطأ فأجر واحد.
قال: وهذا قول ابن ابي ليلى وأبي حنيفة والشافعي وسفيان الثوري وداوود ابن علي، وهو قول كل من عرفنا له قولا في هذه المسالة من الصحابة (رض) لا نعلم منهم خلافا في ذلك أصلا.
قلت: اجماع الصحابة وهؤلاء الأئمة يقطع دابر المشاغبين وينقض أساس المجازفين، ضروة ان القائلين بخلافة علي والمنكرين لغيره لم يقولوا هذا القول ولم يعتقدوا هذا الأمر الا بعد الاجتهاد التام واستفراغ الوسع والطاقة وبذل الجهد في الاستنباط من الكتاب والسنة، ولقد عز عليهم فراق اخوانهم من أهل السنة في هذه المسألة، وقاسوا في سبيلها من أنواع البلايا وأقسام المحن والرزايا ما قد علمه جميع الناس، ولكن ما يصنعون فيما يرونه الحق ويقطعون بأنه عين الصواب،
وقد صرح بمعذرتهم وكونهم مأجورين جماعة من أفاضل المعاصرين كالعلامة القاسمي
الدمشقي حيث قال في ميزان الجرح والتعديل بعد ذكر الشيعة واحتجاج مسلم بهم في صحيحه
ما هذا لفظه: لأن مجتهدي كل فرقة من فرق الاسلام مأجورون أصابوا أم اخطأوا بنص
الحديث.
قلت: ومن راجع هذه الرسالة الفصل المشتمل على فتاوى علماء السنة يجدهم مجمعين على ذلك، ومن سبر فصل المتأولين لا يرتاب فيه. والحمد لله رب العالمين.
الوجه الخامس:
انهم يطولون السنتهم على عائشة الصديقة رضي الله عنها ويتكلمون في حقها من أمر الافك والعياذ بالله ما لا يليق بشأنها.. إلى آخر افكه وبهتانه.
والجواب أنها عند الامامية وفي نفس الأمر والواقع أنقى جيباُ واطهر ثوبا وأعلى نفسا وأغلى عرضا وامنع صوتا وارفع جنابا وأعز خدرا واسمى مقاما من أن يجوز عليها غير النزاهة أو يمكن في حقها الا العفة والصيانة، وكتب الامامية قديمها وحديثها شاهد عدل بما أقول، على أن أصولهم في عصمة الانبياء تحيل ما بهتها به أهل الافك بتاتا، وقواعدهم تمنع وقوعه عقلا ولذا صرح فقيه الطائفة وثقتها أستاذنا المقدس الشيخ محمد طه النجفي أعلى بما يستقل بحكمه العقل من وجوب نزاهة الأنبياء عن أقل عائبة ولزوم طهارة اعراضهم عن أدنى وصمة فنحن والله لا نحتاج في براءتها الى دليل ولا نجوز عليها ولا على غيرها من أزواج الأنبياء والأوصياء كل ما كان من هذا القبيل.
قال سيدنا الامام الشريف المرتضى علم الهدى في المجلس 38 من الجزء الثاني من أماليه ردا على من نسب الخنا الى امرأة نوح ما هذا لفظه: ان الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يجب عقلا ان ينزهوا عن مثل هذه الحال لأنها تعر وتشين وتغض من القدر، وقد جنب الله تعالى أنبياءه عليهم الصلاة والسلام ما هو دون ذلك تعظيما لهم وتوقيرا لكل ما ينفر عن القبول منهم... الى آخر كلامه الدال على وجوب نزاهة امرأة نوح وامرأة لوط من الخنا، وعلى ذلك اجماع مفسري الشيعة ومتكلميهم وسائر علمائهم.
نعم ننتقد من أفعال أم المؤمنين خروجها من بيتها
بعد قوله تعالى « وقرن في بيوتكن » وركوبها الجمل بعد تحذيرها من ذلك ومجيئها الى البصرة تقود جيشا
عرمر ما تطلب على زعمها بدم عثمان، وهي التي أمالت حربه وألبت عليه وقالت فيه ما قالت، ونلومها على أفعالها في البصرة يوم الجمل الأصغر مع عثمان بن جنيف وحكيم بن جبلة ونستنكر أعمالها يوم الجمل الأكبر مع امير المؤمنين ويوم البغل حيث طنت ان بني هاشم يريدون دفن الحسن المجتبى عند جده صلىالله عليه وآله وسلم فكان ما كان منها ومن مروان، بل نعتب عليها في سائر سيرتها مع سائر أهل البيت عليهم السلام، والناصب الكاذب بلغ عداوة الشيعة الى حد لا يبلغه مسلم وتجشم في بغضائهم مسلكا لا يسلكه موحد، اذ وصم الاسلام واهله بما افتراه في هذا الوجه على الشيعة وهم نصف المسلمين وصمة اقر بها عيون الكافرين وفرى بها مرائر الموحدين وظلم ام المؤمنين وجميع المسلمين، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
الوجه السادس:
انهم يسبون الشيخين (رض).
والجواب ان البحث يقع هنا في كل من صغرى هذا الوجه وكبراه وبعبارة اخرى هي اوضح
يقع البحث في مقامين:
المقام الأول: في أنهم هل يسبون؟
(اولا) يسبون؟
(والثاني) في انه هل يكفر الساب (والعياذ بالله) او لا يكفر.
وقد رأيت البحث في المقام الأول عبثا صرفا ولغوا محضا، اذ لا يمكن اذعان الخصم ببراءة الشيعة من هذا الأمر، ولو حلفنا له برب الكعبة، بل لا يلتفت الى نفيه عنهم ولو جئناه بكل آية، والامامية طالما اذنت فلم يسمع اذانها وشد ما اعلنت فلم يصغ لاعلانها، فسد هذا الباب اقرب الى الصواب واولى بأولي الألباب ولا حول ولا قوة الا بالله.
واما المقام الثاني:
فالحق عدم الكفر، ولنا على ذلك ادلة قاطعة وبراهين ساطعة
نذكر منها ستة ثم نوكل الحكم بعدها لرأي المنصفين:
الأول:
الأصل مع عدم ما يدل على الكفر من عقل او نقل او اجماع.
الثاني: أنا تتبعنا سيرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فما رايناه يكفر أحدا يشتم واحد من أصحابه رضي الله عنهم، وكان الصحابة يتنازعون ويتشاتمون على عهده فلم يؤثر عنه تكفير أحد منهم بسبب ذلك، حتى تشاتموا مرة أمامه وتضاربوا بالنعال (كما رواه البخاري في أول كتاب الصلح من صحيحه وأخرجه مسلم في آخر باب دعاء النبي الى الله من كتاب الجهاد من صحيحه) وتقاتل الأوس والخزرج مرة على عهده صلى الله عليه وآله وسلم وأخذوا السلاح واصطفوا للقتال كما في آخر صفحة 107 من الجزء الثاني من السيرة الحلبية وكذا في السيرة الدحلانية وغيرها، فأصلح بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يكفر بذلك أحدا منهم، وموارد اختلافهم وتشاتمهم بل تقاتلهم وتحاربهم مسطورة في كتب الحديث والأخبار، فهل بلغكم تكفير النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأحدهم بهذا السبب، أم هل سمعتم ذلك عن أحد الصحابة رضي الله عنهم؟
وإذا كان القوم لم يثبتوا لأنفسهم هذه المنزلة فكيف أثبتها لهم المجازفون؟
الثالث: ما سمعته في الفصول الثلاثة المنعقدة
لبيان معنى الايمان واحترام الموحدين ونجلتهم من الأحاديث الصحيحة والنصوص المتواترة الصريحة، فراجعها لتعلم حكمها على مطلق أهل الأركان الخمسة بالايمان والاحترام ودخول الجنة ولا يخفى على كل من لحظها بطرفه أو رمقها ببصره أو سمع بيانها أو عرف لسانها امتناع تقييدها واستحالة تخصيصها، ولذا أجمع المسلمون على عدم تخصيصها بما أخرجه مسلم في أوائل صحيحه من الأحاديث الظاهرة بكفر التارك للصلاة من المسلمين والمقاتل منهم للمسلم والعبد الآبق والنائحة على الميت والطاعن في النسب، بل قالوا ان الغرض من هذه الصحاح وأمثالها انما هو تغليظ الحرمة وتفظيع
المعصية لا الكفر الحقيقي، فلتكن الأخبار المتعلقة في السب مثلا على فرض صحتها نظير هذه الصحاح، ويوضع لك ما نقول اجماع الخلف والسلف من أهل السنة على أن من مات موحدا دخل الجنة ولو عمل من المعاصي ما عمل، كما ستسمعه عن الفاضل النووي قريبا ان شاء الله تعالى.
الرابع:
ما أورده القاضي عياض في الباب الأول من القسم الرابع من كتاب الشفا، ان رجلا من المسلمين سب أبا بكر بمحضر منه (رض) فقال أبو برزة الأسلمي: خليفة رسول الله دعني أضرب عنقه. فقال: اجلس ليس ذلك لأحد إلا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. واخرجه الامام احمد من حديث ابي بكر في صفحة 9 من الجزء الأول من مسنده.
بالله عليك إذا كان هذا حكم الصديق فيمن واجهه بالسب وهذه فتواه فيمن تسور على مقامه بالشتم فمن أين نحكم بعده بالتكفير، وكيف نقضي بوجوب القتل أو نفتي بجواز التعزير؟ أنحن اعرف منه بالأحكام ام احرص على اقامة الحدود؟ كلا بل لو ارتد ذلك الساب لاقام عليه حد المرتدين، ولو كفر بها لرتب عليه آثار الكافرين، وحاشا ابا بكر من تعطيل حدود الله أو تبديل احكامه عز وجل.
وقد افتدى به في ذلك الصالحون، ونسج على منواله المتورعون كعمر بن عبد العزيز حيث كتب اليه عامله بالكوفة يستشيره في قتل رجل سب عمر بن الخطاب (رض) فكتب اليه كما في الباب المتقدم ذكره من الشفا: لا يحل قتل امرىء مسلم بسبب احد من الناس، الا رجلا سب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فمن سبه فقد حل دمه.
واخرج محمد بن سعد في أحوال عمر بن عبدالعزيز في صفحة 279 من الجزء الخامس من طبقاته بسنده الى سهيل بن ابي صالح قال: ان عمر بن عبدالعزيز
قال: لا يقتل احد في سب الا في سب نبي ـ وأخرج احمد من حديث أبي هريرة في صفحة 436 من الجزء الثاني من مسنده ان رجلا شتم ابا بكر والنبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعجب ويبتسم... الحديث.
الخامس:
اجماع فقهائهم على ان مجرد السب
لا يوجب الكفر، وقد نقله من علماء السنة خلق كثير فمنهم فقيه الحنفية في عصره (الأمين) ابن عابدين، حيث جزم في كتابيه رد المختار وتنبيه الولاة بعدم كفر المتأولين في هذه المسألة، وصرح في كليهما بأن القول بكفرهم مخالف لاجماع الفقهاء مناقض لما في متونهم وشروحهم، فراجع من رد المحتار صفحة 302 من جزئها الثالث في باب المرتد لتعلم الحقيقة.
ومنهم صاحب الاختيار حيث قال ـ كما نص عليه ابن عابدين فيما اشرنا اليه من رد
المحتار ـ اتفق الأئمة على تضليل اهل البدع اجمع وتخطئتهم وسب احد من الصحابة وبغضه
لا يكون كفرا لكن يضلل.
ومنهم ابن المنذر حيث صرح ـ كما في رد المحتار ايضا ـ بما يقتضي نقل اجماع الفقهاء على عدم تكفير الخوارج، وان استحلوا دماء المسلمين واموالهم وكفروا الصحابة رضي الله عنهم.
ومنهم صاحب فتح القدير حيث قطع بعدم كفر احد من اهل البدع، وان خاف ببدعته دليلا قطعيا كالخوارج الذين يكفرون الصحابة وسبونهم مثلا، وذكر ان ما وقع في كلام اهل المذهب من تكفيرهم ليس من كلام القهاء الذين هم المجتهدون وانما هو من كلام غيرهم،
قال: ولا عبرة بغير الفقهاء والمنقول عن الفقهاء ما ذكرناه.
ومنهم ابن حجر حيث قال كما في خاتمة الصواعق، فمذهبنا ( فيمن يسب ) انه لا يكفر
بذلك.
ومنهم الشيخ ابو طاهر القزويني في كتابه سراج العقول حيث نقل القول بعدم كفر احد من اهل الأركان الخمسة من الروافض وغيرهم عن جمهور العلماء والخلفاء من ايام الصحابة الى زمنه، فراجع ما نقلناه عنه في الفصل المعقود لفتاوى علماء السنة.
ومنهم العارف الشعراني حيث قال في آخر المبحث 58 من يواقيته ما هذا لفظه: فقد
علمت يا أخي ان جميع العلماء المتدينين امسكوا عن القول بالتكفير لاحد من اهل
القبلة.
وقد ارسل ابن حزم عدم الكفر ارسال المسلمات، فقال في صفحة 257 من اواخر الجزء الثالث من فصله ما هذا لفظه: واما من سب احدا من الصحابة فان كان جاهلا فمعذور وان قامت عليه احجة فتمادى غير معاند فهو فاسق كمن زنى أو سرق، وان عاند الله تعالى ورسوله في ذلك فهو كافر. قال: وقد قال عمر بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن حاطب « وحاطب مهاجري بدري »: دعني أضرب عنق هذا المنافق، فما كان عمر بتكفيره حاطبا كافرا،
بل كان مخطئا متأولا.
قلت: حسبك في عدم كفر الموحدين بمجرد هذا ما هو معلوم بحكم البداهة الأولية من
اجماع أهل السنة على أن مطلق الموحدين يدخلون الجنة على كل حال. قال الفاضل النووي
« في باب الدليل على ان من مات على التوحيد دخل الجنة قطعا من شرح الصحيح »: واعلم
ان مذهب أهل السنة وما عليه أهل الحق من الخلف والسلف ان من مات موحدا دخل الجنة
قطعا... الى ان قال: فال يخلد في النار أحد مات على التوحيد ولو عمل من المعاصي ما
عمل.
السادس:
أنه لا يفتى بالتكفير عندهم إلا ان يكون
الموجب للكفر مجمعا على ايجابه، لذلك قال في شرح تنوير الأبصار:
والعم انه لا يفتى بكفر مسلم أمكن حمل كلامه على محمل حسن او كان في كفره خلاف ولو
كان ذلك رواية ضعيفة.
وقال الخير الرملي كما في صفحة 398 من الجزء الثالث من رد المحتار: ولو كانت « تلك الرواية » لغير اهل مذهبنا، واستدل على ذل باشتراط كون ما يوجب الكفر مجمعا على ايجابه لذلك.
قلت. اذا كان التكفير مشروطا بهذا فكيف يفتى بالكفر في مسألتنا مع ما سمعت من انعقاد الاجماع على عدم الكفر فيها؟ ولو أنكر الخصم ذلك الاجماع فصسبه وجود القائل بعد التكفير، فانه مما لا يمكن انكره كما لا يخفي. وقد اغرب النصب اذ حكم بعدم قبول توبته مع اجماعهم على قبول توبة من يسب الله عز وجل.
فهل هذا الا تحامل قبيح وظلم صريح، وجرأة على الله عز وجل في تبديل أحكامه واستخفاف فيما شرغ الله سبحانه من حلاله وحرامه، وما أراه الا مدفوعا على هذا الفتوى من ملوك الجور تحسينا لأفعالهم او مستأجرا عليها من ولاة الجور تصحيحا لأعمالهم.
ولا غرو فان علماء السوء وقضاة الرشوة يبدلون احكام الله بالتافه ويبيعون الامة بالنزر القليل.
فقاتل الله الحرص على الدنيا، وقبح الله التهالك على الخسائس، ما اشد ضررهما وما افظع خطرهما، نبذ اولئك الدجالون حكم الله وراء ظهورهم طمعا في الوظائف، وحكموا بما تقتضيه سيسة ملوكهم رغبة في المناصب، وارجفوا في المؤمنين وفرقوا كلمة المسلمين، ولولاهم لتعارفت الأرواح وائتلفت القلوب وامتزجت النفوس واتحدت العزائم، فلم يطمع بالمسلمين طامع ولم يرمقهم من النواظر الا بصر خاشع، ولكن وا أسفاه استحوذ عليهم اولئك المفسدون الذين ينحرون دين الله في سبيل الوظائف ويضحون عباده في طلب القضاء والأفتاء، فتناكرت بفتاويهم وجوه المسلمين وتباينت بأراجيفهم رغائب الموحدين حتى كان من تفرق آرائهم وتضارب اهوائهم ما تصاعدت به الزفرات وفاضت منه العبارات، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.