عقائد الشيعة الإمامية >> شرف الدين الموسوي
الفصول المهمة
في الإشارة الى يسير مما نسبه الكذابون الى الشيعة وبيان براءتهم منه
والغرض من ذلك استئصال شأفة النتافر واقتلاع بذرة التدابر وازالة كل عثرة في طريق الاجتماع ودك كل عقبة في سبيل الوئام، وقبل الشروع في المقصود نقدم جملة لا تتم بدونها الفائدة، حاصلها: ان في اهل السنة من رمى الامامية بدواهي وفاوقر قد علم اليوم بفضل المطابع وبركة انتشار الكتب وتقلص العصبيات وبزوغ الحقائق انهم في غاية البعد عنها وتمام التقدس منها،
والرامون لهم بها على اربعة اقسام:
القسم الأول: طائفة من العلماء حملهم على ذلك مجرد التزلف الى ملوك بني أمية وسلاطين بني العباس، إذ كانت الشيعة بعد صفين والطف أعداء السياسة الأموية واضداد الدولة العشمية، يجتهدون في رفضها ويعملون على نقضها، ففتكت بهم الحكام وقتلتهم تحت كل حجر ومدر، ووازرهم على ذلك القراء المراؤون والعلماء الدجالون، فبلغوا في تسويد صحائف الشيعة كل مبلغ، والصقوا بهم كل عائبة، تهجينا لمذهبهم وتقبيحا لمشربهم وتصحيحا لما كان يرتكبه بنوا امية من تقتيل أبنائهم واستحياء نسائهم، وكانوا ينتظرون الفرج
بسقوط الدولة الأموية، فلما ملك بنو العباس نسجوا معهم على ذلك المنوال وعملوا مع أئمة أهل البيت أفظع الأعمال، حتى قضى ( الكاظم ) في سجونهم، وتجرع ( الرضا ) كأس السم من يد مأمونهم، وكربوا قبر الحسين عليه السلام، وأبادوا نسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فعاد على شيعة أهل البيت ذلك البلاء وحلت بهم من ولاة الدولة العباسية وعلمائها تلك الأواء الولاة تقنيهم بسهامها وعلماء التزلف ترميهم بأقلامها.. بيد أن ظلم السيف لم يبق وظلم القلم مسجل ما بقيت كتب الظلال، فالعاقل المتثبت لا يصدق في حق الشيعة علماء تلك الدولتين، ولا يعتني بما كان في أيامهما من الأراجيف فانها أكاذيب أوجبتها سياسة الملك واقتضتها قواعد الظالمين.
القسم الثاني: طائفة من العلماء حملهم على ذلك مجرد الخوف
من ميل الناس الى الشيعة، ومحض الحذر من اتباع سائر المسلمين لطريقتهم، وكأنهم قد استباحوا بذلك تنفير الناس عنهم بكل طريق، فقالوا ما قالوا ونالوا ما نالوا، على علم منهم بأن الامامية منزهون عما افتروه عليهم مقدسون عما نسبوه اليهم، الا في مسألةواحدة تتعلق بمباحث الامامة والسياسة لا نتحاشى منها، وهي على قواعد الخصم لا تعار اهتماما زائدا لو انصفوا لأنها ليست من الأصول عندهم كما لا يخفى.
القسم الثالث: طائفة قد التبس الأمر
عليهم، لأن اسم الشيعة غير خاص بالامامية بل مشترك بينها وبين فرق كثيرة، كالآغا خانية والكيسانية والناووسية والخطابية والفطحية والواقفية وغيرها، فربما وجدوا أقوالا منكرة ومذاهب مكفرة لاحدى تلك الفرق الضالة التي يطلق عليه لفظ الشيعة فظنوا أنه مذهب الجميع، فأرسوله عنهم ارسال المسلمات، وأعانهم على ذلك وغر في صدورهم وغيظ في نفوسهم، يمنعانهم عن التثبت في النقل.
ولله ورع الامامية وتثبتهم اذ يرون الكرامية وهم طائفة من أهل السنة
يذهبون الى ان الله سبحانه وتعالى مستقر على العرش استقرارك على الأرض ويجدون آخرين يقولون بأنه تعالى بكى على طوفان نوح حتى رمدت عيناه وعادته الملائكة، ويلفون الحائطية والحدثية (وهما فرقتان من المعتزلة) يقولون بحلول الله عز وجل في بعض الأنبياء مقالة النصارى في ابن مريم عليهما السلام نص على ذلك الشهرستاني في كتابه الملل والنحل، ومع ذلك لم ينسبوا القولين الأولين الى مطلق أهل السنة، ولا ألحقوا المقالة الأخيرة بمطلق المعتزلة، وانما نسبوا تلك الأقوال الى أربابها وقصروها على أصحابها، فلم ينسب غيرهم مقالة الخطابية والناووسية مثلا الى مطلق الشيعة يا منصفون.
القسم الرابع: جماعة قد اعتمدا في نقل تلك الدواهي والطامات
عن الشيعة على من تقدمهم من علماء سلفهم، إذ رأوهم ينقلون شيئا فنقلوه ووجدوا أثرا فاتبعوه، ولو رجعوا في معرفة أقوال الأمامية إلى علمائهم وأخذوا مذهبهم في الأصول والفروع من مؤلفاتهم، لكان أقرب الى التثبت والورع وما أدري كيف نبذوا في هذا المقام كتب الأمامية على كثرتها وانتشارها واعتمدوا على نقل أعدائهم المرجفين وخصمائهم المجازفين الذين تحكموا في تضليلهم، وسلقوهم بألسنة الافتراء وهذا عصر لا يصغى فيه الى من يرسل نقله ارسال الكذابين أو يطلق كلامه اطلاق المموهين حتى يرشدنا الى المأخذ ويدلنا على المستند، وقد طبع في اماكن من فارس والهند ألوف من مصنفات أصحابنا في الفقه والحديث والكلام والعقائد والتفسير والاصول والارواد والاذكار والسلوك والاخلاق، فليطلبها من اراد الاستبصار ولا يعول على كتب المهولين الذين بثوا روح البغضاء في جسم المسلمين، ونقلوا عن الشيعة كل إفك مبين، وإليك منه ما عقد الفصل لذكره.
قال ابن حزم الظاهري في صفة 182 من الجزء الرابع من الفصل ما هذا نصه: ومن الامامية من يجيز نكاح تسع نسوة، ومنهم من يحرم الكرنب
( هو نوع من السلق يشبه القنبيط) لانه انما نبت على دم الحسين ولم يكن قبل ذلك.
قلت: أما نكاح ما زاد على الاربع فاجماع الامامية
قاطبة نصا وفتوى على حرمته، وهذا الحكم من ضروريات مذهبهم بحيث لا يشتبه فيه أحد منهم، وأما الكرنب فليس له في كلام الامامية عنوان مخصوص وحكمه عندهم حكم الخس والفجل واللفت واشباهها، وانا انشدكم أيها الباحثون بعزة الحقيقة وناموس العدل وشرف الانصاف ان تستقصوا فقه الامامية واصولهم وتستقروا حديثهم وتفسيرهم وتتصفحوا قديم كتبهم وحديثها مختصرها ومطولها متونها وشروحها فان وجدتم أثرا لما قال فالشيعة ليست على شيء من الحق، والا فابن حزم وأمثاله من اكذب الخلق، وقد ارجف بالامامية في غير هذا المقام من فصله ارجافا لا يصدر من ذي دين، وكذب عليهم اكاذيب لا تكون من ذي يقين، وظلمهم ظلما لا يقدم عليه مؤمن بالمعاد وبهتهم بهتان من لا يخشى الله ولا يستحي من العباد. ونحن بسبب انتشار كتب الامامية في غنى عن التصدى لتزييف أقاويله وتكذيب اباطيله، على ان الرجل لم يقتصر في طلمه على الشيعة خاصة بل ظلم أئمة اهل السنة وبهت علماء المعتزلة وكفر كثيرا من السلف ولم يكد أحد يسلم من لسانه حتى قال ابن العريف كما في ترجمة على بن أحمد بن حزم من الوفيات: كان لسان ابن حزم وسيف الحجاج شقيقين.
وحسبك ما نقله في شنع المرجئة عن الامام الأشعري وأصحابه، من ان اعلان الكفر باللسان وعبادة الأصنام والأوثان بال تقية وال عذر لاينفيان مقام الولاية لله عز وجل، فراجع صفحة 204 من الجزء 4 من الفصل. ونقل في
الصفحة الأولى من الجزء 4 أيضا عن الباقلاني القول بجواز كل فسق وكفر على الأنبياء، حاشا الكذب في البلاغ. ونقل في صفحة 205 من الجزء 4 أيضا عن بعض الاشاعرة القول بجواز الكذب في البلاغ عن الأنبياء. ونقل عن السمناني وهو من أئمة الأشاعرة في صفحة 224 من الجزء الرابع تجويز الكفر على النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، ونسب الى محمد بن الحسن بن فورك وسليمان بن خلف الباجي ـ وهم من أئمة الأشعرية ـ أمورا عظيمة يطول المقام بتعدادها.
والغرض أن الرجل لا يستحي من الكذب ولا يتأثم من البهتان، وقد أجمع فقهاء عصره كما في ترجمته من الوفيات على تضليله، وذكره ابن خلدون في الفصل الذي عقده لعلم الفقه وما يتبعه من مقدمته الشهيرة فكان مما قال فيه: ونقم الناس عليه وأوسعوا مذاهبه اسهجانا وانكارا وتلقوا كتبه بالاغفال والترك حتى انه ليحظر بيعها في الاسواق،
وربما تمزق في بعض الأحيان.
فلا يغتر احد بما ينقله عن الامامية وغيرهم «يا أيها الذين آمنوا إن جائكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين» على أن الرجل من موالي يزيد بن معاوية فالحظ نسبه في الوفيات، ولذا فضل أم حبيبة بنت أبي سفيان على أبي بكر وعمر وعثمان حيث تكلم في وجوه الفضل والمفاضلة بين الصحابة ؛ واختار تفضيل نساء النبي صلى الله عليه وآله وسلم على جميع من عدا الأنبياء من سائر الناس، واعتمد في ذلك على خزعبلات مسخنة وترهات باردة وتششبث بسفاسف فاضحة وتمويهات واضحة فليراجعها كل مغرور بابن حزم في صفحة 112 وما بعدها الى صفحة 134 من الجزء الرابع من الفصل وليعجب. وقد ظهر منه في تلك المقامات وما بعدها نصب عظيم لأمير المؤمنين وعداوة لأهل البيت بالغة، حتى فضل صهيبا في صفحة 152 من الجزء الرابع على العباس وبنيه وعلى عقيل وبنيه وعلى سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين عليهما السلام، وانكر كل فضيلة لأهل البيت فراجع.
ونسج على منواله في بهت الامامية جماعة كثيرون
منهم الشهرستاني في الملل والنحل اذ ألحق بهم كل مستهجن والصق فيهم كل قبيح. ذكر انهم افترقوا بعد الامام أبي محمد الحسن العسكري احدى عشرة فرقة، والله يلعم انهم لم يفترقوا في اصول الدين أو شيء من العقائد وانما أراد بتفريقهم اطفاء نورهم، وليته اسند شيئا من الأقاويل التي نقلها عن تلك الفرق الى كتاب يتلى أو شخص خلقه الله تعالى، وليته اخبرنا عن بلاد واحدة من تلك الفرق أو زمانها او اسمها فانه قال:
وليس لهم ألقاب مشهورة ولكنا نذكر أقاويلهم. بالله عليك هل سمعت متخاصمة ونحل
آراؤها متعاركة لا يعرف لهم في الأحياء والأموات رجل ولا امرأة ولا يوجد في الخارج
لهم مسمى ولا اسم؟
وقد نقل عن زرارة بن اعين وهشام بن الحكم ومؤمن الطاق محمد بن النعمان وهشام بن سالم امورا ترتعد منها الفرائص وتقشعر لها الجلود فلم يقدح ذلك في سمو مقامهم وعظيم خطرهم عند الله ورسوله والمؤمنين وما أدري كيف اختص الشهرستاني واصحابه بالاطلاع على أقوال هؤلاء الاعلام دوننا، مع انهم سلفنا وفرطنا قد بحثنا عن رأيهم واخذنا من الدين بهديهم، فنحن اعرف الناس بمذاهبهم وصحبحنا مشحونة من حديثهم واسفارنا مملوءة من اقوالهم في الكلام والتفسير والفقه واصوله، وفي ايدينا جملة أحوالهم وتفاصيل اخبارهم، فلا يجوز ان يخفى علينا من احوالهم ما ظهر لغيرنا، مع بعده عنهم في المشرب ومخالفته لهم في المذهب وكونهم ليسوا محلا لا بتلائه في شيء من امور الدنيا والدين، ولو رأيناهم يذهبون الى ما عزاه الشهرستاني اليهم لبرأنا منهم كما هي سنتنا فيمن نراه معوجا عن الحق او منتهجا نهج الضلال.
وقد اعرضنا عن بعض اولاد ائمتنا مع شدة اخلاصنا لهذا البيت الطاهر وكفرنا جماعة ممن صحبهم وفسقنا آخرين وضعفنا قوما وامسكنا عن قوم آخرين كما يشهد به الخبير بطريقتنا، فلو كان هؤلاء كما ذكره الشهرستاني لم يعظم علينا تكفيرهم ولألحقناهم بأبي الخطاب محمد بن مقلاص الاجدع وبالمغيرة بن سعد وعبد الله بن سبأ والمختار بن ابي عبيد وامثالهم، لكن اعداء اهل البيت عمدوا الى اكابر اصحابهم فرموهم بهذه الطامات كي يسقطوهم من اعين الناس حسدا منهم وبغيا، ثم جاء الشهرستاني فرأى اثرا فاتبعه، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.
وقد بلغت القحة ببصض المتعصبين الى رمي المتاولة
(وهم الامامية في عرف سوريا) بانكار الصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر الواجبات حتى نقل ذلك عنهم جودت باشا كما في صفحة 366 من الجزء الاول من ترجمة كتابه المطبوع في بيروت سنة 1308(3) فاعجبوا لهذه الاكاذيب الدالة على حمق الكاذب وقلة حيائه نعوذ بالله من الخذلان.
وربما افك بعض المخرفين فنسب الى الشيعة انهم لا يأكلون لحوم الابل هذا مع ما ينحر من الجزر كل يوم في مشاهد الائمة عليهم السلام وغيرها من بلاد الامامية ولا سيما في النجف الأشرف وهي عاصمة فقهائهم، على ان من راجع من فقههم باب الأطعمة والاشربة لا يجدهم يفتون بكراهة الابل كما يفتون بكراهة الخيل والبغال والحمير، بل يذكرون الابل في غير المكروه قبل البقر والغنم والمعز، وفي باب الذباحة يصرحون بأن تذكية الابل بنحرها في وهدة
اللبة وهذا أمر من الضروريات لا يجهله أحد منهم اصلا.
وأعجب من هذا نسبة بعض الآفكين الى الشيعة عدم ايجاب العدة على النساء مع انهم احوط في هذه المسألة من غيرهم أن المتوفى عنها زوجها تعتد بأربعة أشهر وعشر ليال مبدؤها نفس وفاته، وتظهر الثمرة فيما لو علمت اليوم انه مات منذ أربعة أشهر وعشر ليال أو أكثر فانها لا تتزوج على رأيهم حتى تتربص لامدة وعند غيرهم بأبعد الاجلين من وضع الحمل ومضي المدة، فلو مضت المدة قبل وضع الحمل لاتتزوج عندهم حتى تضع حملها، وكذا لو وضعت قبل مضي المدة.. وان اردت التفصيل فعليك بفقه الامامية وحديثهم وتفاسيرهم، وقد ملأت انحاء الهند وارجاء فارس وانتشرت في العراقين وسوريا وسائر بلاد الاسلام، وانا ارشدك الى أسماء بعض ما هو بطبوع منها اكمالا للفائدة وخدمة للعلم، فمن الكتب افقهية شرائع الاسلام وجواهر الكلام ومسالك الافهام ومدارك الأحكام وكشف اللئام ومفتاح الكرامة وتذكرة العلامة والبرهان القاطع والمختصر النافع والروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية وجامع المقاصد في شرح القواعد الى ما لا يحصى من الكتب المطولة فضلا عن المختصرة، وحسبك من حديثهم وسائل الشيعة الى أحكام الشريعة، ومن تفاسيرهم مجمع البيان في تفسير القرآن فراجعها لتعلم الحقيقة والله المستعان على ما تصفون.