عقائد الشيعة الإمامية >> شرف الدين الموسوي
الفصول المهمة
إعراض إخواننا السنة عن مذهب الأئمة من أهل ابيت
في الأمور التي ينفر منها الشيعي ولا يكاد يمتزج بسببها مع السني، وأهمها شيئان:
الأول: ما سمعته في الفصول السابقة من التكفير والتحقير
والشتم والتزوير.
الثاني: إعراض اخواننا أهل
السنة عن مذهب الأئمة من أهل البيت، وعدم الاعتناء بأقوالهم في أصول الدين وفروعه
بالمرة، وعدم الرجوع اليهم في تفسير القرآن العزيز (وهو شقيقهم) الا دون ما يرجعون
فيه الى مقاتل
ابن سليمان المجسم
المرجىء الدجال، وعدم الاحتجاج بحديثهم الا دون ما يحتجون بدعاة
الخوارج والمشبهة والمرجئة والقدرية، ولو أحصيت جميع ما في كتبهم من حديث ذرية
المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ما كان إلا دون ما أخرجه البخاري وحده عن عكرمة
البربري الخارجي المكذب.
وأنكى من هذا كله عدم احتجاج البخاري في صحيحه بأئمة أهل البيت النبوي، اذ لم يرو
شيئا عن الصادق والكاظم والرضا والجواد والهادي والزكي العسكري وكان معاصرا له، ولا
روى عن الحسن بن الحسن ولا عن زيد بن علي بن الحسين، ولا عن يحيى بن زيد، ولا عن
النفس الزكية محمد بن عبدالله الكامل ابن الحسن الرضا ابن الحسن السبط، ولا عن أخيه
ابراهيم بن عبدالله، ولا عن الحسين الفخي بن علي بن الحسن بن الحسن، ولا عن يحيى بن
عبدالله بن الحسن، ولا عن أخيه ادريس بن عبدالله ولا عن محمد بن جعفر الصادق، ولا
عن محمد بن ابراهيم بن اسماعيل بن ابراهيم بن الحسن بن الحسن المعروف بابن طباطبا،
ولا عن أخيه القاسم الرسي، ولا عن محمد بن محمد بن زيد بن علي، ولا عن محمد ابن
القاسم بن علي بن عمر الأشرف ابن زين العابدين صاحب الطالقان المعاصر للبخاري ولا
عن غيرهم من أعلام العترة الطاهرة وأغصان الشجرة الزاهرة كعبدالله بن الحسن وعلي بن
جعفر العريضي وغيرهما من ثقل رسول الله، وبقيته في أمته صلى الله عليه وآله وسلم
حتى أنه لم يرو شيئا من حديث سبطه الأكبر وريحانته من الدنيا أبي محمد الحسن
المجتبى سيد شباب أهل الجنة، مع احتجاجه بداعية الخوارج وأشدهم عداوة لأهل البيت
عمران بن حطان القائل في ابن ملجم وضربته لأمير المؤمنين عليه السلام:
يا ضربة من تقي ما أراد بها * إلا ليبلغ من ذي العرش رضوانا
انـي لاذكـره يومـا فأحسبه * أوفــى البـريـة عند الله ميزنا
أما ورب الكعبة وباعث النبيين لقد وقفت هنا وقفة
المدهوش وقمت مقام المذعور، وما كنت أحسب ان الأمر يبلغ هذه الغاية، وقد باح
العلامة ابن خلدون بسرها المكنون حيث قال في الفصل الذي عقده لعلم الفقه وما يتبعه
من مقدمته الشهيرة بعد ذكر مذاهب أهل السنة ما هذا لفظه: وشذ أهل البيت بمذاهب
ابتدعوها وفقه انفردوا به، وبنوه على مذهبهم في تناول بعض الصحابة بالقدح وعلى
قولهم بعصمة الأئمة، ورفع الخلاف عن أقوالهم، وهي كلها أصول واهية.
قال: وشذ بمثل ذلك الخوارج ولم يحتفل الجمهور بمذاهبهم، بل أوسعوها جانب الانكار
والقدح، فلا نعرف شيئا من مذاهبهم ولا نروي كتبهم ولا أثر لشيء منها إلا في
مواطنهم، فكتب الشيعة في بلادهم، وحيث كانت دولتهم قائمة في المغرب والمشرق واليمن
والخوارج كذلك ولكل منهم كتب وتآليف وآراء في الفقه غريبة. هذا كلامه فتأمله واعجب.
ثم رجع الى مذاهب أهل السنة فذكر انتشار مذهب أبي حنيفة في العراق ومذهب مالك في
الحجاز، ومذهب أحمد في الشام وفي بغداد، ومذهب الشافعي في مصر، وهنا قال ما هذا
لفظه: ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضة، وتداول بها فقه أهل البيت
وتلاشى من سواهم، الى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة على يد صلاح الدين يوسف بن
أيوب، ورجع اليهم فقه الشافعي الخ.
وقال ابن خلدون وأمثاله
انهم على الهدى والسنة وان أهل البيت شذاذ مبتدعة وضلال رافضة.
إذا وصف الطائي بالبخل ما در |
* |
وعيـر قسـا بالفهامـة باقــل |
وقال السهى للشمس أنت ضئيلة |
* |
وقال الدجى للصبح لونك حائـل |
وطاولت الأرض السماء سفاهة |
* |
وكاثرت الشهب الحصى والجنادل |
فيا موت زر ان الحياة ذميمة |
* |
ويا نفس جدي ان سبقك هازل |
ولا غرو ان قام المسلم عند سماع هذه الكلمة
وقعد، بل لا عجب أن مات أسفا على الإسلام وأهله، إذ بلغ الأمر هذه الغاية، فلا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
أيقول ابن خلدون ان أهل البيت شذاذ ضلال مبتدعون، وهم الذي أذهب الله عنهم الرجس
بنص التنزيل وهبط بتطهيرهم جبرائيل وباهل بهم النبي صلى
الله عليه وآله وسلم بأمر ربه الجليل، وقد فرض القرآن مودتهم وأوجب الرحمن ولايتهم
وهم سفينة النجاة إذا طغت لجج النفاق، وأمان الأمة إذا عصفت عواصف الشقاق،
وباب حطة يأمن من دخلها، والعروة الوثقى لا انفصام لها، وأحد الثقلين لا يضل من
تمسك بهما، ولا يهتدي الى الله من ضل عن أحدهما وقد أمرنا صلى الله عليه وآله وسلم
بأن نجعلهم منا مكان الرأس من الجسد، بل مكان العينين من الرأس، ونهانا عن التقدم
عليهم والتقصير عنهم، ونص على انهم القوامون على الدين، النافون عنه في كل خلف من
هذه الأمة تحريف الضالين، وقد أعلن صلى الله عليه وآله وسلم بأن معرفتهم براءة من
النار وحبهم جواز على الصراط، والولاية لهم أمان من العذاب وأن الأعمال الصالحة لا
تنفع عامليها الا بمعرفة حقهم ولا تزول يوم القيامة قدما أحد من هذه الأمة حتى يسأل
عن حبهم ولو أن رجلا أفنى عمره قائما وقاعدا وراكعا وساجدا بين الركن والمقام مات
غير موال لهم دخل النار.
فهل يحسن من الأمة المسلمة بعد هذا أن تجري الا على أسلوبهم، وهل يتسنى لمسلم يؤمن
بالله ورسوله أن يستن بغير سنتهم، فكيف يعدّهم ابن خلدون في أهل البدع بكل صراحة
ووقاحة من غير خجل ولا وجل.
أبهذا أمرته آية القربى وآية التطهير وأيتا أولي الأمر والاعتصام بحبل الله، أم
بهذا أمره سبحانه حيث يقول « وكونوا مع الصادقين » أم به صدع رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في نصوصه المجمع على صحتها ؟ وقد استقصيناها بطرقها وأسانيدها في
كتابنا سبيل المؤمنين، واستقصتها علماؤنا الاعلام في مؤلفاتهم فراجعها لتعلم حقيقة
أهل البيت ومنزلتهم في دين الاسلام.
على أنهم لا ذنب لهم يستوجب الجفاء، ولا قصور بهم يقتضي هذا الأعراض، فليت أهل
المذاهب الأربعة نقلوا في مقام الاختلاف مذهب أهل البيت كما ينقلون سائر المذاهب
التي لا يعلمون بها، ما رأيناهم يعاملون أهل البيت هذه المعاملة في عصر من الأعصار،
وانما يعاملونهم معاملة من لم يخلقه الله عز وجل، أو من لم يؤثر عنه شيء من العلم
والحكمة.
نعم ربما تعرضوا لشيعتهم فنبزوهم بالرفض، وسلقوهم بألسنة الافتراء كما سمعت في
الفصول السابقة ـ وقد ولى زمن الاعتداء واقبل عصر الاخاء وآن لجميع المسلمين ان
يدخلوا مدينة العلم النبوي من بابها ويلجوا من باب حطة ويلجأوا الى أمان أهل الأرض
بركوب سفينتهم ومقاربة شيعتهم، فقد زال سوء التفاهم من البين، وأسفر الصبح عن توثق
الروابط بين الطائفتين، والحمد لله رب العالمين.