الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

فأما تأوله الحديث، وحمله إياه على الاستحباب، فهو دفع للعيان لأن المروي أنه منع من ذلك وحظره حتى قالت له المرأة ما قالت، ولو كان راغبا عن المغالاة وغير حاظر لها (1) - لما كان في الآية حجة عليه ولا كان لكلام المرأة موقع ولا كان يعترف لها بأنها أفقه منه بل كان الواجب أن يرد عليها ويوبخها ويعرفها أنه ما حظر ذلك، وإنما تكون الآية حجة عليه لو كان حاظرا مانعا.

فأما التواضع فلا يقتضي إظهار القبيح، وتصويب الخطأ ولو كان الأمر على ما توهمه صاحب الكتاب لكان هو المصيب والمرأة مخطئة فكيف يتواضع بكلام يوهم أنه المخطي وهي المصيبة.

فأما التجسس فهو محظور بالقرآن والسنة، وليس للإمام أن يجتهد فيما يؤدي إلى مخالفة الكتاب والسنة، وقد كان يجب إن كان هذا عذرا صحيحا أن يعتذر به إلى من خطأه في وجهه، وقال له: إنك أخطأت السنة من وجوه فإنه بمعاذير نفسه أعلم من صاحب الكتاب، وتلك الحال تدعو إلى الاحتجاج وإقامة العذر وكل هذا تلزيق وتلفيق. (2) قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى وأحد ما طعنوا به ونقموا عليه أنه كان * يعطي من بيت المال ما لا يجوز (3) حتى * كان يعطي عائشة وحفصة عشرة آلاف درهم في كل سنة وبأنه حرم أهل البيت خمسهم الذي يجري مجرى الواصل إليهم من قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وأنه كان عليه ثمانون ألف درهم من بيت المال على سبيل القرض وأجاب عن ذلك بأن

____________

(1) حاظر لها: أي مانع.

(2) التلزيق هنا - الترقيع، والتلفيق، الأصل فيه أن يضم شقة من الثوب إلى أخرى فيخيطهما، والمراد هنا زخرفة الكلام من غير تحقق.

(3) ما بين النجمتين ساقط من " المغني ".


الصفحة 186
دفعه إلى الأزواج من حيث ظن أن لهن حقا في بيت المال، وللإمام أن يدفع ذلك على قدر ما يراه، وهذا الفعل مما قد فعله من قبله ومن بعده ولو كان منكرا (1) لما استمر عليه أمير المؤمنين عليه السلام وقد ثبت استمراره عليه، ولو كان ذلك طعنا لوجب إذا كان يدفع إلى الحسن والحسين عليهما السلام وعبد الله بن جعفر وغيرهم من بيت المال أن يكون في حكم الخائن وكل ذلك يبطل ما قالوه لأن بيت المال إنما يراد لوضع الأموال في حقها ثم الاجتهاد إلى المتولي للأمر في القلة والكثرة.

فأما أمر الخمس فمن باب الاجتهاد، وقد اختلف الناس فيه فمنهم من جعله حقا لذوي القربى وسهما مفردا لهم على ما يقتضيه ظاهر الآية ومنهم من جعله حقا لهم من جهة الفقر وأجراهم مجرى غيرهم، وإن كانوا قد خصوا بالذكر كما أجرى الأيتام وإن خصوا بالذكر مجرى غيرهم في أنهم يستحقون بالفقر، والكلام في ذلك يطول فلم يخرج بما حكم به عن طريق الاجتهاد، ومن قدح في ذلك فإنما يقدح في الاجتهاد الذي هو طريقة جميع الصحابة على ما قدمناه من قبل.

فأما اقتراضه من بيت المال فإن صح فهو غير محظور، بل ربما كان (2) أحوط إذا كان على ثقة من رده بمعرفة الوجه الذي يمكنه منه الرد، وقد ذكر الفقهاء ذلك وقال أكثرهم إن الاحتياط في مال الأيتام وغيرهم أن يجعل في ذمة الغني المأمون لبعده عن الخطر ولا فرق بين أن يقرض الغير أو يقترض ومن بلغ من أمره أن يطعن على عمر بمثل هذه الأخبار مع ما يعلم من سيرته وتشدده في ذات الله واحتياطه فيما يتصل بملك الله وتنزيهه

____________

(1) غ " لو كان مستنكرا ".

(2) غ " كان أحوط، وعن الخطر أبعد إذا كان على ثقة من نفسه من رده ".


الصفحة 187
عنه (1) حتى فعل بالصبي الذي أكل من تمر الصدقة واحدة ما فعل به وحتى كان يرفع نفسه عن الأمر الخطير (2) ويتشدد على كل أحد حتى على ولده فقد أبعد في القول والمطاعن... (3)).

يقال له: أما تفضيل الأزواج فإنه لا يجوز لأنه لا سبب فيهن يقتضي ذلك، وإنما يفضل الإمام في العطاء ذي الأسباب المقتضية لذلك مثل الجهاد وغيره من الأمور العام نفعها للمسلمين وقوله: (إن لهن حقا في بيت المال) صحيح إلا أنه لا يقتضي تفضيلهن على غيرهن وما عيب بدفع حقهن وإنما عيب بالزيادة عليه وما نعلم أن أمير المؤمنين عليه السلام استمر على ذلك وإن كان صحيحا كما ادعى فالمسبب الداعي إلى الاستمرار على جميع الأحكام.

فأما تعلقه بدفع أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن والحسين عليهما السلام وغيرها من بيت المال فعجيب لأنه لم يفضل هؤلاء في العطية فيشبه ما ذكرناه في الأزواج وإنما أعطاهم حقوقهم وسوى بينهم وبين غيرهم.

فأما الخمس فهو للرسول صلى الله عليه وآله ولأقربائه على ما نطق به القرآن وإنما عني تعالى بقوله: (ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل) (4) من كان من آل الرسول صلى الله عليه وآله خاصة لأمور (5) كثيرة لا حاجة بنا إلى ذكرها ها هنا وقد روى سليم بن

____________

(1) غ " بمال الله، وتنزهه وبعده عنه ".

(2) ش " الأمر الحقير ".

(3) المغني 20 ق 2 / 15 - 16.

(4) الأنفال 41.

(5) ش " لأدلة كثيرة ".


الصفحة 188
قيس الهلالي قال سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول " نحن والله الذين عني الله بذي القربى الذين قرنهم الله بنفسه وبنبيه صلى الله عليه وآله فقال: (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين) (1) وكل هؤلاء منا خاصة لم يجعل لنا سهما في الصدقة أكرم الله تعالى بها نبيه. صلى الله عليه وآله وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ ما في أيدي الناس " وروى يزيد بن هرمز (2) قال كتب نجدة إلى ابن عباس يسأله عن الخمس لمن هو؟ قال: فكتب إليه كتبت تسألني عن الخمس لمن هو؟ وإنا كنا نزعم أنه لنا فأبى قومنا علينا بذلك فصبرنا عليه، والكلام في هذا الباب يطول ولا حاجة بنا إلى تقصيه هاهنا.

وأما الاجتهاد الذي عول عليه وجعله عذرا في إخراج الخمس عن أهله قد أبطلناه.

فأما الاقتراض من بيت المال فهو مما يدعوا إلى الريبة والتهمة ومن كان من التشدد والتحفظ والتعفف (3) على الحد الذي ذكره فكيف تطيب نفسه بالاقتراض من بيت المال وفيه حقوق وربما مست الحاجة إلى الاخراج فيها وأي حاجة لمن كان متقللا خشنا جشب المأكل خشن الملبس يتبلغ بالقوت إلى اقتراض الأموال فأما حكايته عن الفقهاء أن الاحتياط أن يجعل أموال الأيتام في ذمة الغني المأمون، فذلك إذا صح لم يكن نافعا لأن عمر لم يكن غنيا ولو كان غنيا لما اقترض وقد خرج اقتراضه عن أن يكون من باب الاحتياط، وإنما شرط الفقهاء مع الإمامة الغنى لئلا تمس الحاجة إليه، فلا يمكن ارتجاعه ولهذا قلنا إن اقتراضه لحاجته إلى المال لم يكن

____________

(1) الحشر: 7.

(2) " يزيد بن هرم ".

(3) خ " التقشف ".


الصفحة 189
صوابا وحسن نظر للمسلمين وفي هذه الجملة كفاية.

قال صاحب الكتاب: (شبهة أخرى لهم (1) وأحد ما نقموا عليه قولهم: إنه عطل حد الله تعالى في المغيرة بن شعبة لما شهدوا عليه بالزنا، ولقن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة اتباعا لهواه، فلما فعل ذلك عاد إلى الشهود فحدهم وضربهم، فتجنب أن يفضح المغيرة وهو واحد وفضح الثلاثة مع تعطيله لحكم الله تعالى ووضعه الحد في غير موضعه) وأجاب عن ذلك (أنه لم يعطل الحد إلا من حيث لم تكمل الشهادة وإرادة الرابع لأن يشهد لا تكمل البينة وإنما تكمل الشهادة) وذكر (أن قوله أرى وجه رجل لا يفضح الله به رجلا من المسلمين يجري في أنه سائغ صحيح مجرى ما روي عنه عليه السلام من أنه أتي بسارق فقال له: (لا تفر) وقال لصفوان بن أمية لما أتاه بالسارق وأمر بقطعه فقال: (هي له) (2) يعني ما سرق (هلا قبل أن تأتيني (3) به) فلا يمتنع من عمر أن يجيب ألا تكمل الشهادة، وينبه الشاهد على لا يشهد) وذكر (أن له أن يجلد الثلاثة من حيث صاروا قذفة وأنه ليس حالهم وقد شهدوا كحال من لم تتكامل الشهادة عليه، لأن الحيلة في إزالة الحد عنه ولما تكاملت الشهادة ممكنة بتنبيه وتلقين ولا حيلة فيما قد وقع من الشهادة، فلذلك حدهم) قال:

(وليس في إقامة الحد عليهم من الفضيحة ما في تكامل الشهادة على المغيرة لأنه يتصور بأنه زان، ويحكم بذلك، وليس كذلك حال الشهود، لأنهم لا يتصورون بذلك وإن وجب في الحكم أن يجعلوا في حكم القذفة) وحكي عن أبي علي أن الثلاثة كان القذف قد تقدم منهم للمغيرة بالبصرة

____________

(1) عبارة " شبهة أخرى لهم " ساقط من " الشافي " وأعدناها من " المغني ".

(2) أي صفوان.

(3) أي هلا كان قولك قبل أن تأتيني به.


الصفحة 190
[ واشتهر لما خرج للصلاة بهم (1) لأنهم صاحوا به من نواحي المسجد بأنا نشهد بأنك زان فلو لم يعيدوا الشهادة لكان يحدهم لا محالة فلم يمكن في إزالة الحد عنهم ما أمكن في المغيرة ] وحكي عن أبي علي في جواب اعتراضه على نفسه بما روي عن عمر أنه كان إذ رآه يقول لقد خفت أن يرميني الله عز وجل بحجارة من السماء أن هذا الخبر غير صحيح ولو كان حقا لكان تأويله التخويف وإظهاره قوة الظن بصدق القوم لما شهدوا عليه ليكون ردعا له وذكر أنه غير ممتنع أن يجب أن لا يفضح لما كان متوليا للبصرة من قبله ثم أجاب عن سؤال من سأله عن امتناع زياد من الشهادة، (وهل يقتضي الفسق أم لا) بأن قال: (لا يعلم أنه كان يتم الشهادة ولو علمنا ذلك لكان من حيث ثبت في الشرع أن له السكوت لا يكون طعنا، ولو كان ذلك طعنا وقد ظهر أمره لأمير المؤمنين لما ولاه، فارس ولما ائتمنه على أموال الناس وعلى دمائهم) (2).

يقال له: إنما نسب عمر إلى تعطيل الحد من حيث كان في حكم الثابت، وإنما بتلقينه لم تكمل الشهادة، لأن زيادا ما حضر إلا ليشهد بما شهد به أصحابه، وقد صرح بذلك كما صرحوا قبل حضورهم، ولو لم يكن هذا هكذا لما شهد القوم قبله وهم لا يعلمون حال زياد، هل حاله في ذلك الحكم كحالهم، لكنه مجمع بالشهادة لما رأى كراهية متولي الأمر لكمالها، وتصريحه بأنه لا يريد أن يعمل بموجبها، ومن العجايب أن يطلب الحيلة في دفع الحد عن واحد وهو لا يندفع إلا بانصرافه إلى ثلاثة فلو كان درء الحد والاحتيال في دفعه من السنن المتبعة فدرؤه عن ثلاثة أولى من درئه عن واحد.

____________

(1) ما بين المعقوفين من " المغني ".

(2) المغني 20 ق 2 / 16 و 17.


الصفحة 191
وقوله: (إن دفع الحد عن المغيرة ممكن ودفعه عن ثلاثة وقد شهدوا غير ممكن) طريف لأنه لو لم يلقن الشاهد الرابع الامتناع من الشهادة لا ندفع عن الثلاثة الحد فكيف لا تكون الحيلة ممكنة فيما ذكره؟ بل لو أمسك عن الاحتيال في الجملة لما لحق الثلاثة حد.

وقوله: (إن المغيرة يتصور بصورة زان لو تكاملت الشهادة وفي هذا من الفضيحة ما ليس في حد الثلاثة) غير صحيح لأن الحكم في الأمرين واحد لأن الثلاثة إذا ما حدوا يظن بهم الكذب وإن جوزوا أن يكونوا صادقين والمغيرة لو كملت الشهادة عليه بالزنا لظن ذلك به مع التجويز لأن يكون الشهود كذبة وليس في أحد الأمرين إلا ما في الآخر (1) وما روي عنه عليه السلام من أنه أتي بسارق فقال له: (لا تقر) إن كان صحيحا لا يشبه ما نحن فيه، لأنه ليس في دفع الحد عن السارق إيقاع غيره في المكروه، وقصة المغيرة تخالف هذا لما ذكرناه.

فأما قوله عليه السلام: (هلا قبل أن يأتيني به) فلا يشبه كل ما نحن فيه، لأنه بين أن ذلك القول كان يسقط الحد لو تقدم، وليس فيه تلقين يوجب إسقاط الحد.

فأما ما حكاه عن أبي علي من أن القذف من الثلاثة كان قد تقدم

____________

(1) نقل ابن أبي الحديد كل ما أورده القاضي في هذه القضية ونفض المرتضى له في شرح نهج البلاغة ج 12 ص 227 - 230.

وقال معقبا على ذلك بقوله: " أما المغيرة فلا شك أنه زنى بالمرأة ولكني لست أخطئ عمر في درء الحد عنه " ثم نقل تفصيل القصة من تاريخ الطبري، والأغاني لأبي الفرج الأصبهاني وعقب على ذلك بقوله: " إن الخبر بزناه كان شائعا مستفيضا " ثم قال: " وإنما قلنا في أن عمر لم يخطئ في درء الحد عنه، لأن الإمام يستحب له ذلك، وإن غلب على ظنه أنه يجب الحد عليه " ج 12 ص 241.


الصفحة 192
وأنهم لو لم يعيدوا الشهادة لكان يحدهم لا محالة، فغير معروف والظاهر المروي خلافه، وهو أن حدهم عند نكول زياد عن الشهادة، وأن ذلك كان السبب في إيقاع الحد بهم، وما تأول عليه قوله: لقد خفت أن يرميني الله بحجارة من السماء لا يليق بظاهر الكلام، لأنه يقتضي التندم والتأسف على تفريط وقع، ولم يخاف أن يرمي بالحجارة، وهو لم يدرء الحد عن مستحق له، ولو أراد الردع والتخويف للمغيرة لأتى بكلام يليق بذلك، ولا يقتضي إضافة التفريط إلى نفسه، وكونه واليا من قبله لا يقتضي أن يدرأ عنه الحد ويعدل به إلى غيره.

وأما قوله: (إنا ما كنا نعلم أن زيادا كان يتمم الشاهد) فقد بينا أن ذلك كان معلوما بالظاهر ومن قرأ ما روي في هذه القصة علم بلا شك أن حال زياد كحال الثلاثة في أنه إنما حضر ليشهد، وإنما عدل عنها لكلام عمر وقوله: (إن الشرع يبيحه السكوت) ليس بصحيح لأن الشرع قد حظر كتمان الشهادة.

فأما استدلاله على أن زياد لم يفسق بالامساك عن الشهادة، واستدل بتولية أمير المؤمنين له فارس فليس بشئ يعتمد لأنه لا يمتنع أن يكون قد تاب بعد ذلك. وأظهر توبته لأمير المؤمنين عليه السلام فجاز أن يوليه، وكان بعض أصحابنا يقول في قصة المغيرة شيئا طيبا، وإن كان معتمدا في باب الحجة كان يقول: إن زياد إنما امتنع من التصريح بالشهادة المطلوبة في الزنا وقد شهد أنه شاهده بين شعبها الأربع. وسمع نفسا عاليا فقد صح على المغيرة بشهادة الأربع وجلوسه منها مجلس الفاحشة إلى غير ذلك، من مقدمات الزنا وأسبابه، فألا ضم إلى جلد الثلاثة تعزير هذا الذي قد صح عنده بشهادة الأربع ما صح من الفاحشة من تعريك أذن أو ما يجري مجراه من خفيف التعزير ويسيره، وهل في العدول عن ذلك حتى كف

الصفحة 193
عن لومه وتوبيخه والاستخفاف به إلا ما ذكروه من السبب الذي يشهد الحال به؟

قال صاحب الكتاب: (شبهة أخرى لهم (1) وأحد ما نقموا عليه أنه كان يتلون في الأحكام حتى روي عنه أنه قضى في الجد بسبعين قضية، وروي مائة قضية، وأنه كان يفضل في القسمة والعطاء وقد سوى الله تعالى بين الجميع وأنه قال في الأحكام من جهة الرأي والحدس والظن).

وأجاب عن ذلك بأن مسائل الاجتهاد يجوز فيها الاختلاف، والرجوع من رأي إلى رأي بحسب الإمارات وغالب الظن، وادعى أن هذه طريقة أمير المؤمنين عليه السلام في أمهات الأولاد ومقاسمة الجد مع الإخوة ومسألة الحرام.

قال: (وإنما الكلام في أصل القياس والاجتهاد، فإذا ثبت خرج من أن يكون ذلك طعنا وقد ثبت أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يولي من يرى خلافه (2) كابن عباس وشريح ولا يمنع زيد (3) وابن مسعود من الفتيا مع الاختلاف بينه وبينهما.

فأما ما روى في السبعين قضية فالمراد به في مسائل الجد لأن مسألة واحدة لا يوجد فيها سبعون قضية مختلفة، وليس في ذلك عيب بل يدل على سعة علمه) (4) قال (وقد صح في زمان الرسول صلى الله عليه وآله مثل ذلك، لأنه لما شاور في أمر الاسراء أبا بكر أشار أن لا يقتلهم،

____________

(1) " شبهة أخرى لهم " ساقطة من الشافي.

(2) غ " خلاف رأيه ".

(3) غ " زيد بن ثابت ".

(4) في المغني " وإنما المراد بذلك الدلالة على سعة علمه وعلى كثرة ما اتفق في مسائل الجد في أيامه ".


الصفحة 194
وأشار عمر بقتلهم فمدحهما جميعا، فما الذي يمنع من كون القولين صوابا من المجتهدين، ومن الواحد في الحالين؟ وبعد فقد ثبت أن اجتهاد الحسن عليه السلام في طلب الإمامة كان بخلاف اجتهاد الحسين عليه السلام، لأنه سلم الأمر وتمكنه أكثر من تمكن الحسين (1) عليه السلام ولم يمنع ذلك من كونهما مصيبين... (2)).

يقال له: لا شك أن التلون في الأحكام، والرجوع من قضاء إلى قضاء، إنما يكون عيبا وطعنا إذا بطل الاجتهاد الذي تذهبون إليه، فأما لو ثبت لم يكن ذلك عيبا.

فأما الدعوى على أمير المؤمنين عليه السلام أنه ينتقل في الأحكام ورجع من مذهب إلى آخر فإنها غير صحيحة ولا نسلمه * ونحن ننازعه في ذلك كل النزاع، ونذهب إلى دفعه أشد الدفاع وهو لا ينازعنا في تلون صاحبه في الأحكام فلا يشتبه الأمران * (3) وأطهر ما روي في ذلك خبر أمهات الأولاد وقد سلف من كلامنا في هذا الكتاب ما فيه كفاية، وقلنا: إن مذهبه عليه السلام في بيعهن كان واحدا غير مختلف وإن كان قد وافق عمر في بعض الأحوال لضرب من الرأي فأما توليته لمن يرى خلاف رأيه، فليس ذلك لتسويغه الاجتهاد الذي تذهبون إليه، بل لما بيناه من قبل أنه عليه السلام كان غير متمكن من اختياره، وأنه كان يجري أكثر الأمور مجراها المتقدم للسياسة والتدبير، وهذا السبب في أنه لم يمنع من خالفه من الفتيا.

____________

(1) غ " من تمكن الحسين عليه السلام لما اشتد في الطلب ".

(2) المغني 20 ق 2 / 19.

(3) ما بين النجمتين ساقط من نقل ابن أبي الحديد.


الصفحة 195
فأما قوله: (إن السبعين قضية لم تكن في مسألة واحدة وإنما كانت في مسائل من الجد) فكلا الأمرين واحد فيما قصدناه لأن حكم الله تعالى لا يختلف في المسألة الواحدة والمسائل.

فأما أمر الأسارى فإن صح فإنه لا يشبه أحكام الدين المبنية على العلم واليقين، لأنه لا سبيل لأبي بكر وعمر إلى المشورة في أمر الأسارى إلا من طريق الظن والحسبان وأحكام الدين معلومة وإلى العلم بها سبيل.

فأما ادعاؤه من أن الاجتهاد من الحسن عليه السلام بخلاف اجتهاد الحسين عليه السلام فليس على ما ظنه لأن ذلك لم يكن عن اجتهاد وظن بل كان عن علم ويقين فمن أين له أنهما عليهما السلام عملا على الظن فما نراه اعتمد على حجة ومن أين له أن تمكن الحسن عليه السلام كان أكثر من تمكن الحسين عليه السلام على أن هذا لو كان على ما قاله لم يحسن من هذا التسليم، ومن ذاك القتال، لأن المقاتل كان مغررا ملقيا بيديه إلى التهلكة، والمسلم مضيعا للأمر مفرطا وإذا كان عند صاحب الكتاب التسليم والقتال إنما كانا أصابها عن ظن وإمارات، فليس يجوز أن يغلب الظن بأن الرأي في القتال مع ارتفاع إمارات التمكن ولا يغلب في الظن المسالمة مع أمارات القوة والتمكن، وهذا بين لمن تدبره بعين بصيرة (1) قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى واحد منا طعنوا به ونقموا عليه، قوله: (متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما) قالوا: وهذا اللفظ قبيح لو صح المعنى،

____________

(1) هذا الفصل نقله ابن أبي الحديد عن " الشافي " في شرح نهج البلاغة ج 12 / 246 - 249 بتفاوت غير مهم في بعض الحروف والكلمات والمظنون قويا أنها من تصرفاته.


الصفحة 196
فكيف إذا فسد لأنه ليس ممن يشرع فيقول هذا القول، ولأنه يوهم مساواة الرسول صلى الله عليه وآله في الأمر والنهي [ ولأنه أوهم (1) ] أن اتباعه أولى من اتباع الرسول صلى الله عليه وآله قال: (وهذا غير لازم لأنه إنما عني بقوله: أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، كراهية لذلك، وتشدده فيه من حيث نهى رسول الله صلى الله عليه وآله بعد أن كانتا في أيامه منبها بذلك على حصول النسخ فيهما، وتغير الحكم لأنا نعلم أنه كان متبعا للرسول ومتدينا بالاسلام، فلا يجوز أن يحمل قوله على خلاف ما تواتر من حاله) وقد حكي عن أبي علي: إن ذلك بمنزلة أن يقول: أنا أعاقب من صلى إلى بيت المقدس، وإن كان قد صلى إلى بيت المقدس في حياة رسول الله (2) صلى الله عليه وآله واعتمد في تصويبه على كف الصحابة عن النكير عليه، وادعى أن أمير المؤمنين أنكر على ابن عباس رحمه الله إحلال المتعة، وأنه روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحريمها قال: (فأما متعة الحج فإنما أراد ما كانوا يفعلون من فسخ الحج لأنه كان يحصل لهم عنده التمتع، لم يرد بذلك التمتع الذي يجري مجرى تقديم العمرة وإضافة الحج إليها بعد ذلك لأنه جائز لم يقع فيه فسخ) (3).

يقال له: ظاهر الخبر المروي عن عمر في المتعتين يبطل هذا التأويل لأنه قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنهى عنهما وأعاقب عليهما، وأضاف النهي إلى نفسه، ولو كان الرسول

____________

(1) التكملة من " المغني ".

(2) غ " وإن كان قد صلى إلى هذه القبلة في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

(3) المغني 20 ق 2 / 20 وعند ابن أبي الحديد " قبح " بدل " فسخ ".


الصفحة 197
نهى عنهما لأضاف النهي إليه، ولكان أوكد وأولى، وكان يقول: فنهى عنهما أو نسخهما وأنا من بعده أنهى عنهما، وأعاقب عليهما، وليس يشبه ذلك ما ذكره من الصلاة إلى بيت المقدس لأن نسخ الصلاة إلى بيت المقدس معلوم ضرورة من دينه صلى الله عليه وآله وسلم وليس كذلك المتعة على أنه لو قال: إن الصلاة إلى بيت المقدس كانت في أيام النبي صلى الله عليه وآله جائزة وأنا الآن أنهى عنهما لكان ذلك قولا قبيحا، يجري مجرى ما استقبحناه من القول الأول، وليس هذا القول منه ردا على الرسول صلى الله عليه وآله لأنه لا يمتنع أن يكون استحسن حظرها في أيامه لوجه لم يكن فيما تقدم واعتقد أن الإباحة في أيام الرسول صلى الله عليه وآله كان لها شرط لم يوجد في أيامه، وقد روي عنه أنه صرح بهذا المعنى، فقال: إنما أحل الله المتعة للناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله والنساء يومئذ قليل وكذلك روي عنه في متعة الحج، أنه قال: قد علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد فعلها وأصحابه ولكن كرهت أن يظلوا بهن معرسين تحت الأراك، ثم يرجعوا بالحج تقطر رؤسهم.

فأما اعتماده على الكف عن النكير، فقد تقدم أنه ليس بحجة إلا على شرائط شرحناها وأوضحناها ولا معنى لإعادتها، على أنه قد روي عن عمر أنه قال بعد نهيه عن المتعة: ولا أقدر على أحد تزوج متعة إلا عذبته بالحجارة، ولو كنت تقدمت فيها لرجمت، وما وجدنا أحدا أنكر عليه هذا القول، لأن المتمتع عندهم لا يستحق الرجم، ولم يدل ترك النكير على صوابه.

فأما ادعاؤه أن أمير المؤمنين عليه السلام أنكر على ابن عباس إحلالها فالأمر بخلافه وعكسه، فقد روي عنه عليه السلام بطرق كثيرة

الصفحة 198
أنه كان يفتي بها وينكر على من حرمها ونهى عنها، وروي عن عمر بن سعد الهمداني عن حبيش بن المعتمر قال: سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول لولا ما سبق من ابن الخطاب في المتعة ما زنى إلا شقي (1) وروى أبو بصير قال: سمعت أبا جعفر محمد بن علي الباقر عليهم السلام يقول: سمعت علي بن الحسين يروي عن جده أمير المؤمنين عليه السلام يقول: (لولا ما سبقني به ابن الخطاب ما زنى إلا شقي) وقد أفتى بالمتعة جماعة من الصحابة والتابعين كعبد الله بن عباس (2) وعبد الله ابن مسعود (3) وجابر بن عبد الله الأنصاري (4) وسلمة بن الأكوع (5) وأبي سعيد الخدري (6) وسعيد بن جبير (7) وابن جريج (8) ومجاهد (9) وغير من ذكرنا ممن يطول ذكره.

____________

(1) انظر تفسير الطبري ج 5 / 9 وكنز العمال 8 / 294.

(2) عبد الله بن عباس بن عبد المطلب حبر الأمة ولد بمكة وكف بصره في آخر عمره فسكن الطائف وتوفي بها سنة 68 ورأي ابن عباس نقله جماعة منهم الجصاص في أحكام القرآن، والزمخشري في الفائق 1 ك 331 وابن الأثير في النهاية 2 / 488 مادة " شفا ".

(3) عبد الله بن مسعود الهذلي من أكابر الصحابة توفي في أيام عثمان سنة 32 وانظر صحيح، مسلم بشرح النووي 9 / 181.

(4) جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري السلمي صحابي كبير توفي سنة 78 وانظر عمدة القاري للعيني 8 / 310 وأحكام القرآن للجصاص 2 / 178.

(5) سلمة بن عمر بن سنان الأكوع صحابي معروف غزا إفريقية أيام عثمان توفي بالمدينة سنة 74.

(6) أبو سعيد الخدري سعد بن مالك بن سنان من أكابر الصحابة توفي سنة 74.

وانظر عمدة القارئ 8 / 310.

(7) سعيد بن جبير الأسدي بالولاء الكوفي حبشي الأصل تابعي من تلامذة ابن عباس قتله الحجاج بواسط سنة 95.

(8) ابن جريج عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج رومي الأصل، من فقهاء مكة مكي المولد والوفاة توفي سنة 150، وانظر تهذيب التهذيب 6 / 406.

(9) مجاهد بن جبر أبو الحجاج المكي مولى بني مخزوم تابعي مفسر توفي سنة 104 وانظر تفسير الطبري ج 5 ص 9.


الصفحة 199
فأما سادة أهل البيت وعلماؤهم فأمرهم واضح في الفتيا بها كعلي ابن الحسين زين العابدين، وأبي جعفر الباقر، وأبي عبد الله الصادق، وأبي الحسن موسى الكاظم، وعلي بن موسى الرضا عليهم السلام.

وما ذكرنا من فتيا من أشرنا إليه من الصحابة بها يدل على بطلان ما ذكره صاحب الكتاب من ارتفاع النكير لتحريمها لأن مقامهم على الفتيا بها نكرة فأما متعة الحج فقد فعلها النبي صلى الله عليه وآله والناس أجمع من بعده، والفقهاء في أعصارنا هذه لا يرونها خطأ بل صوابا.

فأما قول صاحب الكتاب: (إن عمر إنما أنكر فسخ الحج فباطل لأن ذلك أولا لا يسمى متعة، ولأن ذلك ما فعل في أيام النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولا فعله أحد من المسلمين بعده، وإنما هو من سنن الجاهلية، فكيف يقول: متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف يغلظ ويشدد فيما لم يفعل ولا يفعل، وهذا الكلام أضعف من أن يحتاج إلى الاكثار (1) فيه.

قال صاحب الكتاب: (شبهة لهم أخرى) ثم ذكر الطعن بقصة الشورى وأنه خرج بها عن الاختيار والنص معا وذم كل واحد بأن ذكر فيه طعنا * ثم أهله للخلافة بعد أن طعن فيه، وأنه * (2) جعل الأمر إلى ستة، ثم إلى أربعة ثم إلى واحد وقد وصفه بالضعف والقصور، وقال: إن اجتمع علي وعثمان فالقول ما قالاه، وإن صاروا ثلاثة وثلاثة فالقول للذين فيهم عبد الرحمن، لعلمه بأن عليا وعثمان لا يجتمعان، وأن عبد الرحمن لا يكاد يعدل بالأمر عن ختنه وابن عمه وأمر بضرب أعناقهم إن تأخروا عن البيعة فوق ثلاثة

____________

(1) نقل ابن أبي الحديد كلام القاضي في المتعتين ونقض المرتضى له في شرح نهج البلاغة ج 12 / 251 - 254 وينظر في ذلك كتاب المتعة للأستاذ توفيق الفكيكي رحمه الله فإنه من خير ما كتب في هذا الموضوع والغدير 6 / 220 - 227.

(2) ما بين النجمتين ساقط من المغني والشافي وأعدناه من شرح النهج.


الصفحة 200
أيام، وأنه أمر بقتل من يخالف الأربعة منهم. والذين ليس فيهم عبد الرحمن، فأجاب عن ذلك: (بأن الأمر الظاهرة لا يجوز أن يعترض عليها بأخبار آحاد غير صحيحة، والأمر في الشورى ظاهر وإن الجماعة دخلت فيها بالرضي [ وكانوا يجتمعون ويتشاورون على وجه يدل على الرضى (1) ] فلا فرق بين من قال في أحدهم أنه دخل فيها إلا بالرضى وبين من قال ذلك في جميعهم، ولذلك جعلنا دخول أمير المؤمنين عليه السلام في الشورى أحد ما نعتمد عليه، في أن لا نص يدل على أنه المختص بالإمامة وأطنب في أنه كان يجب أن يصرح بالنص على نفسه.

ولا يحتاج إلى ذكر فضائله ومناقبه لأن الحال حال مناظرة ولم يكن الأمر مستقرا لواحد، ولا يمكن أن يتعلق بالتقية قال: (والمتعالم من حاله أنه لو امتنع من الدخول في الشورى أصلا لم يلحقه الخوف فضلا عن غيره) وذكر (أن دلالة الفعل أقوى من دلالة القول من حيث كان الاحتمال فيه أقل) وذكر (أن عبد الرحمن أخذ الميثاق على الجماعة بالرضا بمن يختاره) قال:

(ولا يجب القدح في الأفعال بالظنون بل يجب حملها على ظاهر الصحة دون الاحتمال، كما يجب مثله في الألفاظ ويجب إذا تقدمت للفاعل حالة تقتضي حسن الظن به أن يحمل فعله على ما يطابقها).

قال: (وقد علمنا أن حال عمرو ما كان عليه من النصيحة للمسلمين يمنع من صرف أمره في الشورى إلى الأغراض التي يظنها القوم، فلا يصح أن يقولوا: كان مراده بالشورى بأن يجعل الأمر إلى الفرقة التي فيها عبد الرحمن عند الخلاف أن يتم الأمر لعثمان [ وينصرف عن

الصفحة 201
علي ] (1) لأنه لو كان هذا مراده لم يكن هناك ما يمنعه عن النص على عثمان، كما لم يمنع ذلك أبا بكر لأن أمره إن لم يكن أقوى من أمر أبي بكر لم ينقص عنه قال: (وليس ذلك بدعة [ ولا خلاف سنة (1) ] لأنه إذا جاز في غير الإمام إذا اختار [ الإمام ] (1) أن يفعل ذلك، بأن ينظر في أماثل القوم فيعلم إنهم عشرة، ثم ينظر في العشرة فيعلم أن الأماثل خمسة، ثم ينظر في واحد منهم، فما الذي يمنع من مثله في الإمام، وهو في هذا الباب أقوى اختيارا لأن له أن يختار واحدا بعينه) وذكر (إنه إنما حصر الأمر في الجماعة الذين انتهى إليهم الفضل وجعله شورى بينهم ثم بين أن الانتقال من الستة إلى الأربعة، ومن الأربعة إلى الثلاثة، لا يكون مناقضا لأن الأحوال مختلفة، وليست الحال واحدة، ولو كانت أيضا واحدة لكان كالرجوع لأن للإمام أن يرجع في مثل ذلك لأنه في حكم الوصية) قال:

(وقولهم: أنه كان يعلم أن عليا وعثمان لا يجتمعان وأن عبد الرحمن يميل إلى عثمان [ فلذلك قال ما قال، وقد بينا أن ذلك ظن منه والظاهر من الفعل خلافه، وقولهم: إنه كان يعلم ذلك (1) ] قلة دين لأن الأمور المستقبلة لا تعلم، وإنما يحصل فيها إمارة) وقال: (والإمارات توجب أنه لم يكن فيهم حرص شديد على الإمامة [ على وجه يقع فيه الاختلاف ] (1) بل الغالب من حالهم طلب الاتفاق والائتلاف، والاسترواح إلى قيام الغير بذلك، وإنما جعل عمر الأمر إلى عبد الرحمن عند الاختلاف لعلمه بزهده في الأمر وأنه لأجل ذلك أقرب إلى أن يتثبت لأن الراغب عن الشئ يحصل له من التثبت ما لا يحصل للراغب فيه، ومن كانت هذه حاله كان القوم إلى الرضا به أقرب) حكي عن أبي علي

____________

(1) ما بين المعقوفين من " المغني ".


الصفحة 202
(إن المخادعة إنما تظن بمن قصده في الأمور طريق الفساد، وعمر برئ من ذلك) قال: (والضعف الذي وصف به عبد الرحمن إنما أراد به الضعف عن القيام بالإمامة لا ضعف الرأي ولذلك رد الاختيار والرأي إليه) وحكي عن أبي علي أنه ضعف ما روي من أمره بضرب أعناق القوم إذا تأخروا عن البيعة، وإن ذلك لو صح لأنكره القوم، ولم يدخلوا في الشورى بهذا الشرط، ثم تأوله إذا سلم صحته على أنهم إن تأخروا عن البيعة على سبيل شق العصا وطلب الأمر من غير وجهه، وقال: (لا يمتنع أن يقول ذلك على طريق التهديد، وإن بعد عنده أن يقدموا عليه، كما قال تعالى: (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين... (1)) (2).

يقال له: قد بينا فيما تقدم طرفا من الكلام في الشورى، وذكرنا أن الذي رتبه فيها من ترتيب العدد واتفاقه واختلافه يدل على بطلان مذهب أصحاب الاختيار في عدد العاقدين للإمامة، وأنه يتم بعقد واحد لغيره برضى أربعة، وأنه لا يتم بدون ذلك، وقصة الشورى تصرح بخلاف هذا الاعتبار، فهذا من وجوه المطاعن في قصة الشورى من جملتها أنه وصف كل واحد منهم بوصف زعم أنه يمنع من الإمامة، ثم جعل الأمر فيمن له هذه الأوصاف. وروى محمد بن سعد عن الواقدي عن محمد بن عبد الله الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال:

قال عمر: لا أدري ما اصنع بأمة محمد صلى الله عليه وآله وذلك قبل أن يطعن فقلت: ولم تهتم وأنت تجد من تستخلفه عليهم، قال:

أصاحبكم يعني عليا قلت: نعم والله هو لها أهل في قرابته من رسول الله

____________

(1) الزمر / 65.

(2) نقل المرتضى كلام القاضي باختصار، وتجده كاملا في المغني 20 ق / 2 ص 21 إلى 26.