الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى 

 

 

فيمن لا يعرف الإمام أن لا يعلم شيئا من الشرع، فإذا صح أن يعرف بالتواتر أركان (1) الشرع كالصلاة وغيرها، ويستغنى في ذلك عن الإمام فهلا جاز مثله في سائرها،؟... " (2).

يقال له: أما من لا يعرف الإمام في الحقيقة بعد الرسول صلى الله عليه وآله ومن كان بعده من أبنائه الأئمة الراشدين عليهم السلام ولم يرجع في الشرع إلى ما نقل عنهم، وأخذ من جهتهم فإنه لا يعرف كثيرا من الشرائع، ولم يدل على ذلك إلا فزع خصومنا إلى الظن والاستحسان في أكثر الشرائع والحوادث، وقد بينا أن ما فزعوا إليه لا يوجب معرفة، ولا يثمر علما.

فأما أركان الشرع كالصلاة وغيرها فليس يمتنع أن يعرف [ ها ] الخصوم بالتواتر، ولم نقل: إن الإمام يحتاج إليه لتعرف صحة دلالة التواتر، بل لنتيقن بأنه لم ينكتم عنا شئ من أمور الدين.

قال صاحب الكتاب: " ثم يقال لهم: من جملة الشريعة الإيمان بالإمام، والمعرفة به وبأحواله فلا بد من نعم (3)، ولأنه من أعظم أمر الدين عندهم.، قيل لهم: أيعلم ذلك بالتواتر أم من جهة الإمام؟.

فإن قالوا: من جهة الإمام.

قيل لهم: فكيف يعلم من جهته كونه إماما؟ وإنما يعلم صدقه بعد العلم بأنه إمام، فلا بد من الرجوع إلى أن ذلك يعلم بالتواتر.

____________

(1) في المغني " أو كان " وهو تحريف واضح لا يستقيم منه المعنى.

(2) المغني 20 / 71.

(3) أي لا بد من الجواب ب " نعم ".


الصفحة 184
فيقال لهم: فإذا استغني به (1) عن الإمام في هذا عن الشريعة فهلا جاز أن يستغني به في سائرها؟... " (2).

يقال له: أما المعرفة بوجود الإمام في الجملة، وصفاته المخصوصة فطريقه العقل، وليس يفتقر فيه إلى التواتر، ولا إلى القول بالإمام، وقد مضى طرف من الدلالة على هذا.

وأما العلم بأن الإمام فلان دون غيره فيحصل بالتواتر، وبقول الإمام أيضا، مع المعجز، لأن المعجز إذا دل على صدقة، وأمن من كذبه وادعائه أنه الإمام الذي احتج الله تعالى به على الخلق وجب تصديقه والتسليم لقوله، كما أن المعجز إذا دل على صدقة النبي وجب التسليم لكل ما يدعيه ويؤديه، والقطع على صدقه فيه، وهذا بخلاف ما ظننته من أن كون إماما لا يصح أن يعلم من جهته من حيث توهمت أن صدقه لا يصح أن يكون معلوما قبل إمامته.

فأما قولك: فإذا استغني به عن الإمام - وأنت تعني التواتر - فهلا جاز أن يستغنى به في سائر الشريعة،؟ فما استغني قط في التواتر عن الإمام، بل وجه الحاجة فيه إليه (3) ظاهر لأنا قد بينا أن المتواترين كان يجوز أن لا ينقلوا ذلك فلا نعلمه من جهة النقل، وبعد أن نقلوه يجوز - أيضا - أن يعدلوا عن نقله فإذا تسقط الحجة به في المستقبل، فكيف توهمت الاستغناء عن الإمام فيما نقل؟ على أنه لو سلم لك استظهارا وإيجابا لإقامة الحجة من كل وجه أن التواتر بالنص على الإمام يستغنى عنه

____________

(1) أي بالتواتر.

(2) المغني 20 ق 1 / 71.

(3) الضمير في " فيه " للتواتر. وفي " إليه " للإمام لأنه يكون من وراء المتواترين.


الصفحة 185
فيه، وكذا كل ما كان حكمه حكم النص عليه من الشريعة التي تواتر بها النقل وتظاهر لم يكن ما ذكرته قادحا في الطريقة التي استدللنا بها على وجوب وجود الإمام بعد النبي صلى الله عليه وآله لحفظ شريعته، وذلك أن جميع الشريعة - التي كلامنا فيها - ليس بمتواتر به، بل أكثرها مفقود فيه التواتر عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وآله، فالحاجة إلى الإمام في الشريعة إذا قائمة من حيث بينا وإن سلم أن ما ورد به التواتر منها مستغنى فيه عن الإمام.

قال صاحب الكتاب: " ثم يقال لهم: يجب على هذه العلة (1) في هذا الزمان والإمام مفقود أو غائب أن لا نعرف الشريعة، ثم لا يخلو حالنا من وجهين:

إما أن نكون معذورين وغير مكلفين لذلك، فإن جاز ذلك فينا ليجوزن في كل عصر بعد الرسول صلى الله عليه وآله وذلك يغني عن الإمام وتبطل علتهم (2).

وإن قالوا: بل نعرف الشريعة لا من قبل الإمام.

قيل لهم: فبأي وجه يصح أن نعرفها، يجب جواز مثله في سائر الأعصار، وفي ذلك الغنى عن الإمام في كل عصر،... " (3).

يقال له: قد بينا أن الفرقة المحقة القائلة بوجود إمام حافظ للشريعة هي عارفة بما نقل من الشريعة عن النبي صلى الله عليه وآله وما لم ينقل عنه فبما نقل عن الأئمة القائمين بالأمر بعده عليه السلام وواثقة بأن

____________

(1) وهي حفظ الشريعة بوجود الإمام.

(2) في المغني " عليهم " وهو تحريف قطعا.

(3) المغني 20 ق 711.


الصفحة 186
شيئا من الشريعة يجب معرفته لمن لم يخل به من أجل كون الإمام من ورائها. وبينا أن من خالف الحق وضل عن دين الله تعالى الذي ارتضاه لا يعرف أكثر الشريعة لعدوله عن الطريق الذي يوصل إلى العلم بها، ولا يثق بأن شيئا مما يلزمه معرفته لم ينطو عنه وإن أظهر الثقة من نفسه، ولا يجب أن يكون من هذا حكمه معذورا لتمكنه من الرجوع إلى الحق.

فأما قولك: " إن قالوا بل نعرفها لا من قبل الإمام " فإن أردت إمام زماننا فقد بينا إنا قد عرفنا أكثر الشريعة ببيان من تقدم من آبائه عليهم السلام، غير أنه لا نقضي الغني في الشريعة من الوجه الذي تردد في كلامنا مرارا.

وإن أردت أن تعرف الشريعة لا من قبل إمام في الجملة بعد الرسول صلى الله عليه وآله فقد دللنا على بطلان ذلك.

وبعده وإن تقدم أكثر ما اختلف فيه من الشريعة لولا ما نقل عن الأئمة من آل الرسول صلى الله عليه وآله فيه من البيان لما عرف الحق، وإن من عول في الشريعة على الظن فقد خبط (1) وضل عن القصد، وبينا - أيضا - أن جميع الشريعة لو كان منقولا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقف منها شئ على بيان الأئمة بعده عليه السلام لكانت الحاجة إليهم فيها قائمة من حيث كان يجوز من نقلها فعلمناها أن لا ينقلها، وبعد أن نقلها أن يعدل عن نقلها فلا يعلم في المستقبل (2).

وقد تكرر هذا المعنى دفعة بعد أخرى، والعذر فيه لنا ما استعمله صاحب الكتاب من ترداد التعلق بالشئ الواحد وتكراره.

____________

(1) خبط: سار على غير هدى ومنه قيل: خبط عشواء وهي الناقة التي في بصرها ضعف إذا مشت لا تتوقى شيئا.

(2) أي ويجوز عدوله عن النقل بعد ذلك فلا يعلم ذلك المنقول في الزمن المستقبل.


الصفحة 187
وقال صاحب الكتاب: فإن قالوا: ليس كل ما شرع (1) النبي " صلى الله عليه وآله ثابتا بالتواتر. فكيف يصح ما تعلقتم به؟ (2).

قيل لهم: إنا أردنا أن نبين أن حفظ ذلك ممكن بالتواتر، وأن ذلك يسقط علتهم لأن قولهم بالحاجة إلى الإمام إنما يمكن متى ثبت لهم أن حفظ الشريعة لا يمكن إلا به، فإذا أريناهم أنه يمكن بغيره فقد بطلت العلة.

فأما أن نقول في جميع الشريعة أن محفوظ بالتواتر، فبعيد (3)، بل فيها ما نقل بالتواتر، وفيها ما تلقته (4) الأمة بالقبول وأجمعت عليه، وقد علمنا بالدليل أنهم لا يجتمعون على خطأ، وفيها ما يثبت (5) بالكتاب المنقول بالتواتر، وفيها ما يثبت (5) بخبر يعلم صحته باستدلال على ما قدمناه من قبل، وفيها ما يثبت بطريقة الاجتهاد من قياس وخبر واحد، وكل ذلك يستغنى فيه عن الإمام...) (6) يقال له: ليس ينفعك إمكان التواتر بجميع الشريعة إذا أقررت بأن أكثرها أو بعضها لا تواتر فيه، ولا يكون ذلك معترضا للطريقة التي نحن في نصرتها، وأنت في نقضها، ولا قادحا في استمرارها، لأنا في الاستدلال بهذه الطريقة أوجبنا الحاجة إلى الإمام في الشريعة لأمر يخصها، ولأحوال هي عليها، تقتضي الحاجة إليه فيها، وإذا لم يكن جميع ما يحتاج فيه منها متواترا فقد ثبت الحاجة إليه حجة، ولا اعتبار بإمكان التواتر في

____________

(1) غ " شرعه ".

(2) وهو عدم الاستغناء عن الإمام بالتواتر.

(3) غ " فلا ".

(4) غ " نقلته الأمة ".

(5) غ " ثبت " في الموضعين.

(6) المغني 20 ق 1 / 72.


الصفحة 188
جميعها، على أنا قد بينا أن التواتر لا يجوز أن تحفظ به الشريعة واستقصيناه وأحكمناه.

فأما الاجماع فلا حجة فيه إذا لم يقطع على أن في جملة المجمعين معصوما يؤمن غلطه وزلله، لأن الخطأ يجوز على آحاد الأمة وجماعاتها، وليس يجوز أن يكون اجتماعها عاصما لها، ولا مؤمنا من وقوع الخطأ منها، ومن هذه حاله لا يجوز أن يحفظ الله تعالى به شرعا.

فأما الكتاب فليس يجوز الاقتصار عليه في حفظ الشرع. لأن أكثر الشرائع (1) ليس في صريحه بيانها على التفصيل والتحديد، وهو مع ذلك لا يترجم (2) عن نفسه، ولا ينبئ عن معناه وتفصيله وتأويله، ولا بد له من مترجم ومبين.

فإن قيل: إنه الرسول صلى الله عليه وآله لم ندفع ذلك إلا أنه لا بد لمن لم يشاهد زمن الرسول من أن يتصل ذلك به، ويكون له طريق إلى معرفته، فإن كان الطريق هو التواتر والاجماع فقد مضى ما فيهما، وهذا يوجب الرجوع إلى أنه لا بد من حجة مبلغ لما يقع من بيان الرسول صلى الله عليه وآله للكتاب.

وأما الاجتهاد والقياس فقد دللنا على بطلانهما في الشريعة وأنهما لا ينتجان علما ولا فائدة، فضلا عن أن يحفظا الشريعة وحال أخبار الآحاد في فساد حفظ الشريعة بها أظهر من كثير مما تقدم، لأنها لا توجب علما، وهي - أيضا - متكافئة متقابلة، وواردة بالمختلف من الأحكام والمتضاد، وما يعتمد في قرائنها إما أن يكون على طريقة خصومنا الاجماع أو القياس،

____________

(1) يريد الأحكام.

(2) يترجم: يبين. وكان علي عليه السلام يقول: (أنا ترجمان القرآن).


الصفحة 189
وليس مطابقة شئ من ذلك لها بموجب لصحتها والقطع عليها.

قال صاحب الكتاب: " فإن قالوا: إن أهل التواتر وإن كانوا حجة فقد يصح عليهم السهو عما ينقلون في بعض الأحوال، أو في كل حال، فلا بد من حافظ يزيل سهوهم، وينبه على كتمانهم، ولا يجوز عليه ما يجوز عليهم.

قيل لهم: إن أهل التواتر (1) علمهم به ضروري لا يزول بفعلهم، بل القديم تعالى يفعله فيهم، وكمال العقل في الجمع العظيم يقتضي أن لا ينسوا ما حل هذا المحل، ولو جاز السهو في ذلك لم نأمن من (2) حصول السهو في علمهم بالمشاهدات فتختل (3) معرفتنا بالبلدان والملوك، وفساد [ يبطل ] (4) ذلك ما قالوه ويجب أن لا يؤمن فيمن لا يعرف الإمام أن لا يعرف الصلاة والصيام والأمور الظاهرة في الشريعة، بل كان يجوز (5) الاخلال في نقل القرآن، ونقل كون الرسول في الدنيا، وثبوت إعلامه (6)... " يقال له: ليس كل ما علم ضرورة لا يصح أن يسهى عنه، وإنما يستبعد سهو العاقل والعقلاء في العلوم التي هي من جملة كمال عقولهم، كالعلم بأن الاثنين أكثر من واحد، وأن البشر لا يطابق الذراع، والموجود لا يخلو أن يكون قديما أو محدثا، إلى ما شاكل هذه العلوم وهي

____________

(1) غ " إن الذي ينقله أهل التواتر " وليس بمستقيم.

(2) غ " لم يؤمن ".

(3) " فتحيل " وفي الشافي " وهذا يختل " فآثرنا ما أثبتناه.

(4) ساقطة من الأصل وأعدناها من المغني.

(5) غ " وتجويز ".

(6) المغني 20 ق 1 / 72.


الصفحة 190
كثيرة، أو فيما تكرر علمهم به، ومشاهدتهم له من جملة المشاهدات كامتناع سهو العاقل عن اسمه، وما يتكرر علمه به، وإدراكه له من لباسه وأعضائه، وليس بمنكر أن يسهو العاقل في أشياء مخصوصة وإن علمها ضرورة إذا كانت خارجة عما ذكرناه، لأنا نعلم أن الانسان قد يسهو عما أكله في أمسه، وصنعه في عمره، وإن كان علمه بذلك عند حصوله ضروريا فكيف أحلت (1) على أهل التواتر السهو من حيث علموا ما تواتروا به ضرورة، فإن عنيت بما ذكرته إحالة السهو على جميعهم أو على الجمع العظيم منهم فهو مما لا نأباه، ولا ينفعك وقد تقدم في كلامنا أن العادات قاضية بامتناع السهو على الأمم العظيمة في الشئ الواحد في الوقت الواحد، غير أن ذلك وإن كان باطلا لم يسقط عنك ما بينا لزومه، لأنه وإن امتنع السهو على المتواترين جميعا في حالة واحدة عما نقلوه فغير ممتنع أن يسهو بعضهم عنه في حال، وبعض في حال أخرى، إلى أن يخرج الخبر من أن يكون متواترا، وهذا أيضا مما قد تقدم.

وهب أن السهو لا يجوز على المتواترين في جماعاتهم ولا في آحادهم - حيثما ادعيت -، ما المانع من عدولهم عن النقل تعمدا لبعض الأغراض والدواعي؟ وقد بينا فيما سلف من كتابنا جواز ذلك عليهم، وأن في جوازه بطلان كونهم حجة، وصحة ما نذهب إليه من وجود إمام حافظ للشريعة.

فأما المعرفة بالبلدان والملوك فمخالفة لما ذكرناه وإلزامك لنا الشك في أمرها لا يلزمنا.

أما السهو عن البلدان والظاهر الشائع من أخبار الملوك فإنا لا نجيزه

____________

(1) أي جعلته محالا.


الصفحة 191
لما قدمناه في كلامنا آنفا من استحالة السهو على العقلاء فيما تكرر علمهم به، وإدراكهم له، ولحق هذا القسم من حيث تكرر العلم فيه بالقسم الذي أحلنا سهو العقلاء عنه.

وأما تعمد العقلاء كتمان أمر البلدان قياسا على جواز كتمان العبادات والشرائع على الأمة فيستحيل لأنه لا داعي للعقلاء إلى كتمان أمر البلدان وما أشبهها يعرف ولا غرض (1)، بل كل داع معقول يدعو إلى نقلها ونشر خبرها، لأن تصرف الناس في تجاراتهم وأسفارهم وكثير من معائشهم يقتضي ذلك. ويوجب أن بهم إليه أمس الحاجة. وما كانت دواعي الإذاعة فيه قائمة وعلم استمرارها في كل زمان لا يجوز كتمانه، لأن الكتمان لا يقطع إلا بداع قوي، وغرض ظاهر، وكل ذلك مفقود في أمر البلدان مع ما بيناه من ثبوت الدواعي إلى نقل خبرها وإشاعته.

فأما ما نقل من كون الرسول في الدنيا فهو جار مجرى ما تقدم من أحوال البلدان من وجه، لأنه لا غرض لعاقل في كتمان دعاء داع إلى نفسه على وجه الظهور، ويجوز أن يكون محقا ويجوز أن يكون مبطلا، ولأن من اعتقد تكذيبه لا يمنعه هذا الاعتقاد من نقل خبره، لأن العقلاء قد يخبرون عن حال الصادق والكاذب، والمحق والمبطل.

فأما نقل القرآن، ونقل وجود الإعلام سوى القرآن فهو مما لا يمتنع حصول الدواعي إلى كتمانه، وقد يجوز من طريق الإمكان وقوع الإخلال به (2)، وليس على أن يقدر أن الحال في المصدقين به صلى الله عليه وآله في الكثرة والظهور هذه، بل بأن يقدر أن المصدق للدعوة كان في الأصل واحدا أو اثنين، وكان من عداه مكذبا معاديا فلا يمتنع مع هذا

____________

(1) أي ليس هناك داع ولا غرض يعرف للعقلاء في تعمد الكتمان.

(2) أي بالنقل.


الصفحة 192
التقدير الاخلال بنقل الإعلام بأن يدعو المكذبين دواعي الكتمان إليه، وينفر المصدقون لضعف أمرهم، غير أن هذا مما يؤمن وقوعه لقيام الدلالة عندنا على أن لله تعالى حجة في كل زمان حافظا لدينه، مبينا له متلافيا لما يجري فيه من زلل وغلط لا يمكن أن يستدركه غيره.

فأما الصلاة والصيام والأمور الظاهرة في الشريعة فليس يلزم على هذه الطريقة أن لا يعرفها إلا من عرف الإمام وإلزام صاحب الكتاب ذاك ظلم أو سهو، لأنه لا علة لنا توجبه.

وقد بينا أنه لا يمتنع أن يعرف الصلاة والصيام وما أشبهها بالتواتر من لا يعرف الإمام غير أنه وإن عرف ذلك لا يكون واثقا بأن شيئا مما يجري مجرى هذه العبادة من العبادات لم ينطو عنه، وأنه وإن أظهر الثقة بذلك فهو غير واثق في الحقيقة ولا متيقن.

فأما ما لا يزال يعارضنا به الخصوم في هذا الموضوع من قولهم:

جوزوا أن يكون القرآن قد عورض بمعارضة هي أبلغ منه وأفصح فكتم ذلك المسلمون لغلبتهم وقوتهم، وخوف المخالفين منهم فهو ساقط بما أصلناه في كلامنا، لأنا قد بينا أن ما دواعي النقل فيه ثابتة لا يلزمنا تجويز كتمانه، وقد علمنا أن لكل من خالف الملة من الدواعي إلى نقل معارضة القرآن لو كانت مما لا يجوز أن يقعدوا معه عن نقلها لخوف أو لغيره ولأن فيهم من لا يخاف جملة لحصوله في بلاد عزه ومملكته كالروم ومن جرى مجراهم، ولأن الخوف - أيضا - لا يمنع من النقل كما لم يمنعهم من نقل كثير مما يسخط المسلمين ويغضبهم من سب النبي صلى الله عليه وآله وقذفه وهجائه، ولأن الخوف إنما يمنع - إن منع - من التظاهر بالنقل، ولا يمنعهم من الاستسرار به، وفي نقله على جهة الاستسرار ما يوجب اتصاله بنا، وفي إفساد هذه المعارضة وإبطاله وجوه كثيرة، ولعلنا أن نستقصيها

الصفحة 193
فيما يأتي من الكتاب عند الكلام في النص على أمير المؤمنين عليه السلام.

وجملة ما يعقد عليه هذا الباب أن كل شئ كانت الدواعي إلى نقله للعقلاء أو لبعضهم ثابتة معلومة لم يجز كتمانه، وفي كل شئ جاز أن يدخل فيه دواعي النقل ودواعي الكتمان معا جوزنا فيه الكتمان، فاعتبر كل ما يرد عليك من أعيان المسائل هذا الاعتبار، فما لحق بما يسوغ فيه دواعي الكتمان أجزته، وما لم يسغ أحلته.

إلا أن ما يسوغ فيه الكتمان وحصول الدواعي إليه على ضربين:

منه ما يجب إذا كتم أن يبينه إمام الزمان ويظهره لتقوم الحجة به وهو ما كان من قبيل العبادات والفرائض، وما يجب على المكلفين العلم به، ومنه ما لا يجب فيه ذلك - وإن كتم - كأكثر الحوادث التي تجري من الناس في متصرفاتهم التي لا تعلق لها بشرع ولا دين.

قال صاحب الكتاب: " فأما ما يصير محفوظا بالاجماع فقد علمنا بالدليل أنه لا يجوز على الأمة فيه الخطأ، ولا يجوز عليهم الذهاب عن الحق، ولا بد من كون الحق محفوظا فيهم حتى لا يخلو الزمان ممن يحفظ الشرع والحق، فإما أن يكون واحدا بعينه أو جماعة، وإما أن يكون كل ذلك في واحد أو جميع الشرع في الجماعة، وإذا ذهب بعضهم عنه أمكنهم معرفته ممن يحفظه وينبهه على ذلك من هو حافظ له، وكذلك القول في سائر الأدلة، فمن أين أنه لا بد من الحاجة إلى الإمام؟... " (1).

فيقال له: ليس يجوز أن تكون الأمة حافظة للشرع لأن الغلط جائز على آحادها وجماعاتها كما بيناه فيما تقدم، وليس يرجع خصومنا في الاستدلال على أنهم لا يجمعون على خطأ، وإن كان العقل مجوزا

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 72.


الصفحة 194
اجتماعهم عليه إلى خبر واحد يجعلون إجماعهم وإمساكهم عن النكير على راويه (1) دليلا على صحته، ولم يثبت أنهم أجمعوا عليه في الحقيقة حسب ما ادعوه، ولو ثبت لم يصح الاستدلال على الاجماع وصحته بأمر لا يعلم أنه دليل إلا بعد صحة الاجماع، لأن لخصمهم أن يقول: جوزوا أن يكون إجماعهم على تصديق هذا الخبر، وترك النكير على رواته من جملة الخطأ الذي يجوز اجتماعهم عليه، فكأن الذاهب إلى صحة الاجماع والمستدل عليه بهذه الطريقة يقول: الدليل على صحة الاجماع نفس الاجماع، ويرجعون إلى ظاهر آيات لا دلالة في ظاهرها ولا في فحواها على صحة إجماع الأمة، بل أكثرها يتضمن أوصافا من المدع أكثر الأمة لا تستحقه، ولا يستجيز عاقل وصفهم به.

وقد بين الكلام في هذه الآيات، والصحيح في تأويلها في غير موضع.

ولم يستعمل صاحب الكتاب فيما ادعاه من صحة الاجماع شيئا من الحجاج فننقضه عليه، بل اقتصر على الدعوى (2) وأحال على ما ادعى أنه ذكره في غير هذا الموضع فلهذا لم نستقص الكلام واقتصرنا على هذه الجملة وهي كافية.

على أنا لو سلمنا له " أن الأمة لا تجتمع على خطأ " لم يغن ذلك عنه شيئا فيما ادعاه من كونها حافظة للشرع، لأنه قد اعترف في كلامه بأنه قد يجوز على بعضها الذهاب عن الحق في الشرع حتى يبقى الحق في جماعة من جملتها، ولا بد له من الاعتراف بذلك، لأن ما يدعي في صحة إجماعها لو صح لكان دالا على أنها لا تجتمع على الخطأ، فأما أن يكون دالا على

____________

(1) خ " ليس على راويه " ولا وجه له.

(2) اقتنع بالدعوى، خ ل.


الصفحة 195
أن كل حق فلا بد من اجتماعها عليه فليس مما يمكن أن يدعى، وقد علمنا أن بعضها إذا ذهب عن الحق، وبقي الحق في بعض آخر فإن البعض الذي ثبت الحق فيه ليس بإجماع، ولا يكون قولهم حجة على من ذهب عن الحق، لأنه ليس بكل الأمة الذي يدعى أن الخطأ لا يجوز عليها إذا اجتمعت.

فإن قيل: يكون قول البعض حجة بدليل سوى الاجماع إما بالتواتر أو غيره.

قلنا: ليس هذا هو الذي نحن فيه، لأن كلامنا على أن الشرع هل يصح حفظه بالاجماع أم لا؟ وإذا كان على القول دليل ثابت وجب الرجوع إليه من غير اعتبار الاجماع فيه أو الخلاف، وقد مضى في التواتر وأنه مما لا يصح حفظ الشرع به ما مضى.

قال صاحب الكتاب: " ولا بد لهم من التعلق بمثل ذلك في نقل الخبر الذي به يعلم كون الإمام وصفته، والنص على كونه إماما إلى غير ذلك، فإذا استغنى في كل ذلك عن الإمام، وقيل فيه: إن السهو والكتمان لا يقع فيه، فكذلك القول فيما عداه من الشرع، ولا يمكنهم أن يقولوا: إنه يعلم إماما بالمعجز، لأنا قد دللنا من قبل على أن ظهوره على غير الأنبياء لا يصح، ولأن المعجز لا بد من نقله، فإذا جعلوه محفوظا بالتواتر، ومنعوا فيه السهو والكتمان لزم مثله في سائر ما ذكرناه،... " (1).

فيقال له: أما وجود الإمام وصفاته المخصوصة فليس يحتاج في العلم بها إلى خبر، بل العقل يدلنا على ذلك على ما بيناه.

فأما النص على عين الإمام واسمه فنعلمه من طريق الخبر، ويجوز

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 72.


الصفحة 196
فيه الكتمان، ولو وقع لظهر الإمام، ودل على نفسه بالمعجز وبين عن الكتمان، وكان الناظر في النص على الإمام بعينه لم يكلف ما ذكرناه إلا بعد أن قطع الله تعالى عذره بعقله في وجود إمام معصوم في كل زمان، وأنه لو كتم النص على اسمه بعينه لوجب عليه البيان عنه، وإقامة الحجة فيه، وليس جهله بأن الإمام فلان دون غيره يقدح في ثقته (1) بما بيناه، لأنه وإن جهل كونه فلانا فهو يعلم أن لله تعالى في أرضه حجة حافظا لدينه، فمن هذا الوجه يثق ويسكن، وإنما غلط صاحب الكتاب من حيث ظن أن بالتواتر يعلم كون الإمام وصفته، ولو فطن لما اعتمدناه لعلم سلامة مذهبنا من الخلل.

فأما نفيه إظهار المعجز على الإمام فما اعتمد فيه إلا على الحوالة على ما قدمه في كتابه، ولو اقتصرنا على مثل فعله وأحلنا على ما في كتبنا، وما سطره أصحابنا - رضوان الله عليهم - في جواز ما أحاله لكفانا، غير أنا نجري على عادتنا في عقد كل ما يمضي في كلامنا من دعوى بدليل يمكن إصابة الحق منه.

والذي يدل على جواز إظهار المعجزات على يد من ليس بنبي أن المعجز هو الدال على صدق من يظهر على يده فيما يدعيه، أو يكون كالمدعى له لأنه يقع موقع التصديق ويجري مجرى قول الله تعالى له صدقت فيما تدعيه علي، وإذا كان هذا هو، هو حكم المعجز لم يمتنع أن يظهره الله تعالى على يد من يدعي الإمامة ليدل به على عصمته، ووجوب طاعته، والانقياد له، كما لا يمتنع أن يظهره على يد من يدعي نبوته.

فأما امتناع خصومنا من إظهار المعجزات على يد غير الأنبياء من

____________

(1) فيه نفيه، خ ل أي العذر.


الصفحة 197
حيث ظنوا أنها تدل على النبوة من جهة الإبانة والتخصيص، وأن دلالتها مخالفة لسائر الدلالات، وأنها إذا دخلت من جهة الإبانة استحال ظهورها على يد من ليس بنبي، كما أن ما أبان السواد والجوهر من سائر الأجناس يستحيل ثبوته لما ليس بجوهر ولا سواد. فباطل، لأن شبهتهم في اعتقادهم أن المعجزات تدل من جهة الإبانة، وأنها تخالف من هذا الوجه سائر الأدلة أنهم وجدوها مما يجب ظهورها وحصولها، وليس بواجب مثل ذلك في سائر الأدلة، لأنه غير منكر أن يثبت كون بعض القادرين قادرا من غير أن يقوم دلالة على أنه كذلك، وليس يسوغ مثل هذا في دلالة المعجزات لأنه لا بد من ظهورها على يد النبي، أو لأنهم رأوا سائر الأدلة لا يخرجها كثرتها من كونها دالة على مدلولاتها لأن ما دل على أن الفاعل قادر لو تكرر وتوالى لم يخرج من أن يكون دالا، وليس هذا حكم المعجزات لأن كثرتها يخرجها من كونها دالة على النبوة، وليس في شئ مما ذكروه ما يوجب كون المعجزات دالة على جهة الإبانة والتخصيص.

أما وجوب حصولها وظهورها على يد النبي ومخالفتها في ذلك لسائر الأدلة فليس بمقتض لما ذكروه، لأنه إنما وجب ذلك فيها من حيث كانت مصالحنا متعلقة بالنبي، وكان مؤديا إلينا، ومبينا لنا من مصالحنا ما لا يصح أن نقف عليه إلا من جهته، وإذا وجب على القديم تعالى تعريفنا مصالحنا، ولم يمكن أن نعرفها من جهة من لا نقطع على صدقه وجب أن يظهر المعجز على يد النبي لهذا الوجه، وليس يجب هذا في سائر الأدلة، لأنه ليس يجب أن يعرف أحوال كل قادر في العالم، ولا تتعلق هذه المعرفة بشئ من مصالحنا، من أن في الأمور العقلية ما يجب قيام الدلالة عليه، ولا يقتضي ذلك من حاله مخالفته لسائر الأدلة، ووجوب كونه دالا من جهة الإبانة.

فأما ما حكاه ثانيا فإنه غير صحيح، لأن كثرة المعجزات وتواتر

الصفحة 198
وقوعها يخرجها من أن تكون واقعة على الوجه الذي يدل عليه، لأن أحد الشروط في دلالتها كونها ناقضة للعادة، ومتى توالى وجودها وكثر حصلت معتادة، وبطل فيها انتقاض العادة فلم تدل من هذا الوجه، وليس كذلك حكم سائر الأدلة لأن تواترها وتوالي وجودها يؤثر في وجه دلالتها، ألا ترى أن ما دل على أن الحي منا قادر لا تتغير دلالته بكثرته وتواليه من حيث لم تكن الكثرة مؤثرة في وجه الدلالة، وكما أنه غير ممتنع أن يدل قدر من الأفعال المحكمة على كون فاعله عالما ولا يدل ما هو أنقص منه، ويخالف من هذا الوجه ما يدل على أن الحي قادر في أن يسيره وكثيره دال ولم يوجب مع ذلك مخالفته له ولسائر الأدلة في معنى الإبانة، بل كانت دلالة الجميع على حد واحد وإن كان بينهما الاختلاف الذي ذكرناه فكذلك غير ممتنع أن يدل المعجزات على النبوة إذا لم تبلغ حدا من الكثرة وإن كانت لو كثرت لخرجت من كونها دالة، ولا يجب أن تكون مخالفة لسائر الأدلة في معنى الإبانة.

فأما ما يقوله بعضهم من أن المعجزات لو ظهرت على يد غير الأنبياء لاقتضى تجويز ظهورها على غيرهم التنفير عن النظر فيها إذا ظهرت على أيديهم.

وقولهم: إن النظر فيها إنما وجب من جهة الخوف لأن تكون لنا مصالح لا نقف عليها إلا من جهتهم، وإذا جوزنا ظهورها على يدي من ليس بنبي ارتفعت جهة الخوف، وكان هذا سببا قويا في النفور عن النظر، والاضراب عن تكلفه، فشبيه في البطلان بما تقدم، لأن من له العلم المعجز ودعي إلى النظر فيه يلزمه النظر وإن كان مجوزا أن يكون من ظهر عليه ليس بنبي، لأنه وإن جوز ذلك فهو غير آمن من أن يكون له مصالح لا يقف عليها إلا من جهته فيجب عليه النظر في المعجز ليعلم

الصفحة 199
صدق المدعي ويرجع إلى قوله في كونه نبيا أو إماما، أوليس بنبي ولا إمام، ولو لزم النفور عن النظر لأجل تجويز الناظر أن يكون من ظهر على يده العلم ليس بنبي للزم من مثله النفور إذا كان الناظر قبل نظره في المعجز مجوزا أن يكون شعبذة ومخرفة (1)، وغير دالة على الصدق، والناظر لا بد قبل نظره من أن يكون مجوزا لما ذكرناه، فإن لزمه النظر مع هذا التجويز ولم يكن منفرا له ولا مسقطا لوجوب النظر عليه فالتجويز أيضا فيمن ظهر عليه العلم أن يكون غير نبي غير منفر، ولا مسقطا لوجوب النظر، على أن من ظهر العلم على يده لا يخلو من أن يكون ممن تتعلق مصالحنا به وبمعرفته كالنبي والإمام أو لا يكون كذلك كالصالحين الذي يجوز أن يظهر عليهم المعجزات، فإن كان على الوجه الأولى فلا بد من أن يدعونا إلى النظر في علمه ويخوفنا من ترك النظر فيه بفوت مصالحنا، ولا بد من أن يلزمنا النظر مع الخوف، فإن جوزنا قبل النظر في معجزه كونه كاذبا كان هذا التجويز عند الجميع غير مؤثر في وجوب النظر، وإن كان على الوجه الثاني لم يدعنا إلى النظر في علمه ولم يلزمنا النظر فيه فقد زال الالتباس الذي تعلق به القوم، والتنفير لأن من يدعونا إلى النظر في علمه ويخوفنا بفوت مصالحنا لا يجوز أن يكون صادقا، ولا مصلحة لنا معه بل لا يخلو عندنا من أن يكون كاذبا مخرفا، أو صادقا متحملا لمصالحنا، فيلزم النظر في أمره على كل حال، وقد زال الاشتباه على ما ذكرناه بين حال من يجوز كونه متحملا لمصالحنا وبين حال الصالح، فأين التنفير عن النظر في الإعلام لولا ذهاب القوم عن الصواب؟.

ولاستقصاء الكلام في جواز إظهار المعجزات على غير الأنبياء موضع

____________

(1) الشعبذة: الحركات السريعة التي يتخيل الرائي الأشياء على غير حقيقتها والمخرفة: فساد العقل.


الصفحة 200
غير هذا، ولعلنا أن نفرد له مسألة بمشيئة الله تعالى.

قال صاحب الكتاب: " وبعد، فإنا تتبعنا حال أكثر الشرع (1) فوجدنا النقل فيه، والأدلة عليه أظهر من النص على الإمام، بل من كون [ الإمام في بعض الاعتبار ] (2) وسائر صفاته [ في بعض ] الأعصار ]، فكيف يصح أن يجعل (3) العلم بكل ذلك فرعا على الإمام والمعرفة بكونه إماما؟... " (4).

فيقال له: أما كون الإمام ووجوده في كل عصر فطريقه العقل، وقد بيناه ولا نسبة بينه وبين العلم بأكثر الشرع الذي يعتمد فيه الخصوم على الاجتهاد، وطرق الظنون.

فأما النص على عين الإمام واسمه وهو أيضا أظهر من أكثر الشرع وأثبت، لأنا نرجع في تصحيحه إلى أخبار قد أجمع عليها المختلفون من الأمة، ونبين من فحواها الدلالة على النص أو إلى أخبار قد تواترت بها فرقة كثيرة العدد، مشهورة المكان والاعتقاد، وليس في أكثر الشرع أخبار متواترة، ولولا أن الأمر على ما ذكرناه لم يفزع خصومنا في أكثره إلى الظنون والاستحسان، لأن ما يوجد فيه أخبار متواترة لا يفتقر في تصحيحه إلى غيرها من ظن واجتهاد،.

على أنا لم نجعل العلم بالشرع والثقة بما أدى إلينا منه فرعا على معرفة إمام بعينه، بل جعلناه مسندا إلى ما يعلم بالعقول من وجود إمام معصوم في كل عصر على طريق الجملة يحفظ الشريعة، فلو كان العلم

____________

(1) غ " من تجويز ".

(2) ما بين المعقوفين ساقط فأعدناه من المغني.

(3) غ " يجفل " وهو تصحيف.

(4) المغني 20 / 73.


الصفحة 201
بأكثر الشرع أظهر من النص على الإمام - كما ظننت - لم يقدح في طريقنا على هذا الوجه.

قال صاحب الكتاب: " على أن المتعالم من حال أمير المؤمنين عليه السلام - وهو الإمام الأول - (1) أنه كان قد يرجع في معرفة بعض الشرائع إلى غيره من الصحابة وقد كان يرجع من رأي إلى رأي، فكيف يمكن ادعاء ما ذكروه من أن الشريعة لا تصير محفوظة إلا بالإمام، والمتعالم من حاله أنه كان يجوز لغيره مخالفته في الفتاوى والأحكام، وكان لا ينكر على من لا يتبع قوله كما ينكر على من لا يتبع قول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم،... (2) ".

يقال له: ما رأينا أعجب من إقدامك على ادعاء رجوع أمير المؤمنين عليه السلام إلى غيره في معرفة الشرائع مع ظهور بطلان هذه الدعوى لكل عاقل سمع الأخبار، وأكثر ما يدل على بطلانها أنك لم تشر إلى شئ رجع فيه إلى غيره من الأحكام، وأرسلت القول به إرسالا فعل من لا خلاف عليه، ولا نزاع في قوله، وكيف يستجيز منصف مثل هذه الدعوى مع ما قد تظاهرت به الرواية وأطبق عليه الولي والعدو من قول النبي صلى الله عليه وآله: " أنا مدينة العلم وعلي بابها " (3).

____________

(1) يعني في اعتقاد الإمامية.

(2) المغني 20 / 73.

(3) هذا الحديث رواه كثير من علماء أهل السنة، وقد أحصى منهم الشيخ الأميني في الغدير ج 6 من ص 61 - 77 مائة وثلاثة وأربعين عالما بطرق مختلفة، ثم عقب ذلك بقوله: " نص غير واحد من هؤلاء الأعلام بصحة الحديث من حيث السند " قال " وهناك جمع يظهر منهم اختيارها " أي صحة السند، قال: " وكثير من أولئك يرون حسنه، مصرحين بفساد الغمز فيه وبطلان القول بضعفه " ثم ذكر واحدا وعشرين عالما ممن قطع بصحته، ثم ذكر لفظ الحديث برواياتهم كل ذلك مع الإشارة إلى الأجزاء والصفحات من كتبهم وكذلك تعرض السيد في الجزء الخامس من العبقات لمثل ذلك.