الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى 

 

اتباع سبيلهم في الحظر (1)، ولا يجب أن يكون واجبا من حيث كان الأول محظورا، وكانت معرفته لا تتم إلا بمعرفته، وقد أصاب في قوله: " لا فرق بين ذلك وبين أن يقول: " ولا يتبع غير سبيل المؤمنين " غير أنه ظن أنه لو استعمل هذا اللفظ لفهمنا منه ما ادعاه من اتباع سبيلهم، وليس الأمر كما ظن، بل التأويل الذي تأولناه، ودللنا على احتمال اللفظ الأول له قائم في الثاني، وحكم المثل الذي ضربه أيضا هذا الحكم، فإن من قال: لا تأكل غير طعامي، أو من أكل غير طعامي عاقبته، لا يفهم من ظاهر لفظه ومجرده إيجاب أكل طعامه، بل المفهوم حظر أكل ما هو غير لطعامه وحال طعامه في الحظر الإباحة أو الإيجاب موقوفة على الدليل، وأقل أحوال هذا اللفظ عند من ذهب إلى أن لفظة " غير " مشتركة بين الاستثناء وغيره وأن ظاهرها لا يفيد أحد الأمرين أن يكون محتملا لما ذكرناه من حظر أكل غير طعامه ومحتملا لإيجاب أكل طعامه، ووضع لفظة " غير " مكان لفظة " إلا " وإنما يفهم في بعض المواضع عن مستعمل هذا اللفظ إيجاب، أكل طعامه لا بمجرد اللفظ، بل بأن يعرف قصده إلى الإيجاب، أو لغير ذلك من الدلائل المقترنة (2) إلى اللفظ، ولولا أن الأمر على ما ذكرناه لما حسن أن يقول القائل: من أكل غير طعامي عاقبته، ومن أكل طعامي - أيضا - عاقبته، وكان يجب أن يكون نقضا وجاريا مجرى قوله: من أكل إلا طعامي عاقبته، ومن أكل طعامي عاقبته، فلما حسن ذلك مع استعمال لفظة " غير " ولم يحسن مع استعمال لفظة " إلا " دل على صحة قولنا.

____________

(1) الحظر: الحجر، وهو ضد الإباحة، وحظره فهو محظور أي محرم وبابه نصر.

(2) المضمومة خ ل.


الصفحة 222
فأما قوله: " وبين ما قدمناه أن اتباع سبيل المؤمنين لم يكن حجة وصوابا، لكان حاله في أنه قد يكون صوابا وخطأ بحسب قيام الدلالة على ذلك حال اتباع غير سبيلهم، في أنه قد يكون صوابا وخطأ (1) ولو كان كذلك لم يصح أن يعلق الوعيد غير سبيلهم، وكان يبطل معنى الكلام " (2) من حيث علم أن ذلك لا يكون إلا خطأ ويكون اتباع سبيلهم مما يجوز أن يكون خطأ وصوابا، ولو لم يكن كذلك وكان الأمران متساويين لجاز أن يعلق الوعيد بأحدهما دون الآخر، ويكون الصلاح للمكلفين أن يعلموا حظر اتباع غير سبيلهم بهذا اللفظ ويعلموا مساواة اتباع سبيلهم له في الحظر بدليل آخر كما يقوله [ أكثر خصومنا ] (3) وهو مذهب صاحب الكتاب. إن قوله [ عليه السلام ] (3) " في سائمة (4) الغنم الزكاة " لا يجب أن يفهم منه رفع الزكاة عما ليس بسائم، ومفارقة حاله لحال السائمة، بل يجوز أن يكون الحكم واحدا نعلمه (5) في السائمة بهذا القول، وفي غيرها بدليل آخر وبمثل هذه الشبهة التي تشبث بها صاحب الكتاب يتعلق من خالفنا في دليل الخطاب فيقول: لولا أن حكم ما ليس بسائم مخالف للسائم لم يكن لتعليق (6) الزكاة بالسائمة معنى، وإذا علق بالسائمة وجب أن يخالف حكمها حكم ما ليس بسائم، ولا طريق لجميعنا إلى إبطال هذه الطريقة

____________

(1) ما بين النجمتين ساقط من المغني.

(2) المغني 17 / 162.

(3) ما بين المعقوفين من تلخيص الشافي للشيخ الطوسي.

(4) السائمة الماشية التي ترسل للمرعى ولا تحتاج إلى العلف وجمعها سوائم.

(5) يعلم، خ ل.

(6) المتعلق، خ ل.


الصفحة 223
إذا تعلق بها الناصر لدليل الخطاب إلا ما سلكناه في دفع ما أورده في نصرة الاجماع.

ولا يزال هؤلاء القوم على سنن (1) من نصرة مذاهبهم، والذب عنها حتى إذا وقعوا (2) إلى كلام في الإمامة وما يتصل بها نسوا كل ذلك وأعرضوا عنه، وقدحوا فيها (3) بما يقدح في أصولهم، ويعترض على مذاهبهم، وليس يزين هذا إلا الهوى، وقوة العصبية.

فأما قوله: " على أن ما خرج من أن يكون سبيلا للمؤمنين إذا حرم اتباعه، فإنما وجب ذلك فيه لكونه " غيرا " لسبيلهم على ما يقتضيه اللفظ، وكونه " غيرا " لسبيلهم بمنزلة كونه تركا لسبيلهم، وخارجا عن سبيلهم. فلا بد من أن يدل على أن اتباع سبيلهم هو الواجب ليخرج به من أن يكون متبعا غير سبيلهم وهذا كقول أحدنا لغيره: لا تتبع خلاف طريقة الصالحين، وغير سبيلهم، في أنه بعث (4) له على اتباع سبيل الصالحين، وأن لا يخرج عن ذلك (5) " فلم يزد فيه على الدعوى، ولو سلمنا له ما دعاه من التعليل لم يجب أن يكون اتباع غير سبيلهم بمنزلة الخروج عن سبيلهم، لأن اتباع غير سبيلهم لا بد أن يكون اتباعا لسبيل ما ليس سبيلا لهم، والخروج عن اتباع سبيلهم ليس كذلك، لأنه قد يخرج عن اتباع سبيلهم وغير سبيلهم بأن لا يكون متبعا لسبيل أحد، لأن الاتباع الذي أريد هاهنا أن يفعل الفعل لأجل فعل المتبع على جهة التأسي

____________

(1) السنن: الطريق.

(2) إذا دفعوا، خ ل.

(3) الضمير الأول للكلام والثاني للإمامة.

(4) أي حث.

(5) المغني 17 / 162.


الصفحة 224
به (1)، وقد يجوز أن يحظر الله تعالى على المكلف اتباع سبيل المؤمنين وغير المؤمنين على هذا الوجه.

فإذا؟ صح ما ذكرناه فسد قوله " فلا بد من أن يدل على اتباع سبيلهم. هو الواجب، ليخرج عن أن يكون متبعا غير يكون متبعا سبيلهم، فأما قول أحدنا لغيره: لا تتبع خلاف طريقة الصالحين فالقول فيه كالقول فيما تقدم، وظاهر اللفظ وإطلاقه لا يدل على وجوب اتباع طريقة الصالحين، وإنما يعقل بالدلالة، ولأن المخاطب بهذا القول إذا كان حكيما علم من حاله أنه لا بد أن يوجب اتباع طريقة الصالحين، ويحث عليها، وما يعلم إلا من حيث ظاهر اللفظ " خارج عما نحن فيه، ولو أن أحدا قال بدلا من ذكر الصالحين: لا تتبع خلاف طريقة زيد، لم يجب أن يفهم من إطلاق لفظه إيجاب اتباع طريقته، ولولا أن الأمر فيما تقدم على ما قلناه دون ما ادعاه صاحب الكتاب من أن غير سبيل المؤمنين بمنزلة الخروج عنها، لوجب فيمن قال لغيره: لا تضرب غير زيد، ثم قال: ولا زيدا، أن يكون مناقضا في كلامه من حيث كان قوله: لا تضرب غير زيد إيجابا لضربه، وقوله: ولا زيدا حظرا لذلك وفي العلم بصحة هذا القول من مستعمله (2)، وأنه غير جار مجرى قوله:

اضرب زيدا ولا تضربه دلالة على استقامة تأويلنا للآية.

فأما قوله: " فالاستدلال على أن في جملة الأمة مؤمنين في كل عصر، أن نفس الظاهر يقتضي إثبات مؤمنين يصح أن يتبع سبيلهم، لأنه لا يصح (3) أن يتوعد الله تعالى توعدا مطلقا على العدول عن اتباع

____________

(1) التأسي: " الاقتداء، وفلان أسوة بالضم والكسر أي قدوة.

(2) خ " يستعمله ".

(3) غ " لا يجوز ".


الصفحة 225
سبيل المؤمنين إلا وذلك يمكن في كل حال ولا يصح دخوله في أن يكون ممكنا إلا بأن يثبت في كل عصر جماعة من المؤمنين، يبين ذلك أنه لم ا توعد على العدول عن اتباع سبيلهم فكذلك توعد على مشاقة (1) الرسول صلى الله عليه وآله، فإذا وجب في كل حال صحة المشاقة ليصح الوعيد المذكور فكذلك يجب أن يصح في كل حال اتباع سبيلهم، والعدول عنها " (2) فليس يجب من حيث توعد الله تعالى توعدا مطلقا على العدول عن اتباع سبيل المؤمنين ثبوت مؤمن (3) في كل عصر، وإنما تقتضي الآية التحذير من العدول عن اتباعهم إذا وجدوا، ويمكن من اتباعهم وتركه.

ولسنا نعلم من أي وجه ظن أن التوعد على الفعل يقتضي إمكانه في كل حال!

وليس هذا مما تدخل فيه عندنا شبهة على متكلم، ونحن نعلم أن البشارة بنينا صلى الله عليه وآله قد تقدمت على لسان من سلفت نبوته كموسى وعيسى عليهما السلام وغيرهما، وقد أمر الله تعالى أممهم باتباعه وتصديقه، وأشار لهم إليه بصفاته وعلاماته، وتوعدهم على مخالفته وتكذيبه، ولم يلزم أن يكون ما توعد عليه من مخالفته، وأوجبه من تصديقه واتباعه ممكنا من كل وقت ولا مانعا من إطلاق الوعيد، فقد قال شيخ أصحابه أبو هاشم (4) وتبعه على هذه المقالة جميع أصحابه: إن قوله تعالى (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله،

____________

(1) المشاقة: الخلاف.

(2) المغني 17 / 168.

(3) المؤمنين، خ ل.

(4) أبو هاشم: محمد بن عبد السلام الجبائي وقد تكرر ذكره في الكتاب.


الصفحة 226
الآية (1)...) لا يقتضي ثبوت من يستحق القطع على سبيل النكال، ولا يفتقر إليه وإنما يوجب أن من واقع السرقة المخصوصة على الوجه المخصوص يستحق القطع على سبيل التنكيل، ولو لم يقع التمكن (2) أبد الدهر من الوقوف على من هذه حاله لما أخل بفائدة الآية، وعول في قطع من يقطع من السراق المشهود عليهم أو المقرين (3) على الاجماع، وإذا صح هذا فكيف يجب من حيث أطلق الوعيد على العدول عن اتباع سبيل المؤمنين وجود مؤمنين في كل عصر، وما المانع من أن يكون الوعيد تعلق بحال مقدرة كأنه قال تعالى: لا تتبعوا غير سبيل المؤمنين إذا حصلوا أو وجدوا، وفساد ما تعلق به أظهر من أن يخفى.

فأما قوله: " والوجه الثاني، أن الآية دالة على وجوب اتباع سبيل المؤمنين، ونعلم أن في كل حال مؤمنين بدليل آخر، وهو ما ثبت بالقرآن وغيره أن في كل حال طائفة من أمة النبي (4) ظاهرين على الحق (5)، وأن في كل عصر شهداء يشهدون على الحق " (6) فما تراه أحال إلا على غيب، لأنه ادعى أن القرآن وغيره دال على أن في كل عصر مؤمنين وشهداء، وما نعلم في القرآن شيئا يدل على ذلك، ولا في غيره، ولو تعلق فيما ادعاه بشئ لبينا فساده، ولكنه اقتصر على محض الدعوى.

____________

(1) المائدة 38.

(2) خ " التمكين ".

(3) أي المقرين على أنفسهم بالسرقة.

(4) غ " الرسول صلى الله عليه ".

(5) يشير إلى الحديث (لا تزل طائفة من أمتي ظاهرين على الحق) وانظر فيض القدير 3 / 51.

(6) المغني 17 / 168 وفيه " يشهدون بالحق ".


الصفحة 227
وليس فيما تعلق به من قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا) إلى قوله: (وتكونوا شهداء على الناس) (1) وقوله:

(والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم (2)) وقوله تعالى: (وجئ بالنبيين والشهداء) (3) وقوله جل اسمه: (ويقول الإشهاد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم) (4) دلالة على موضع الخلاف، وهو: في أن في كل عصر مؤمنين يشهدون على غيرهم، وأكثر ما تدل عليه الآيات التي تلوناها أن يكون في الأمة شهداء، وأن من جملة المؤمنين من يستشهد فيشهد فأما أن يقتضي ذلك وجود الشهداء في كل عصر فبعيد...

فأما استدلاله من الآية " على أن إجماع كل عصر حجة (5) بأنها تقتضي التحذير من ترك اتباع سبيل المؤمنين، وليس فيها تخصيص وقت من وقت (6) " فباطل، لأنه ليس يلزم إذا لم يكن في الآية تخصيص وقت من وقت أن يحمل على كل الأوقات، وذلك أنها كما لم تخص وقتا دون وقت فلم تعم أيضا جمع الأوقات، وفقد دلالة أحد الأمرين كفقد دلالة الآخر، ولا فرق بين من ذهب إلى عمومها في الأوقات من حيث لم يكن فيها اختصاص وقت وبين من خصها بوقت معين، أما وقت نزول الآية أو

____________

(1) الحج 77.

(2) الحديد 19.

(3) الزمر 69.

(4) هود 18.

(5) في المغني " فإن قال: أتدل الآية على أن إجماع كل عصر حجة؟ قيل له نعم لأنها تقتضي " وجملة " التحذير من ترك " مكانها بياض في المغني.

(6) المغني 17 / 169 وفيه " وليس يخصص وقت من وقت ".


الصفحة 228
غيره، واحتج بأنه لما لم يجد فيها ما يقتضي عموم سائر الأوقات ولا تخصيص وقت سوى الوقت الذي عينته.

فإذا قيل (1): حكم الوقت الذي عينته كحكم غيره في أن الآية لا تقتضي تخصيصه فليس تعيين وقت أولى من تعيين غيره.

قلنا نحن: وحكم سائر الأوقات وجميعها حكم بعضها في أن الآية لا تقتضي تناوله، فليس من ادعى عموم الأوقات بأولى ممن ادعى وقتا مخصوصا.

ومما اعتمد عليه في الاستدلال على صحة الاجماع وإن كان قد ضعفه بعض التضعيف قوله (واتبع سبيل من أناب) (2) إلى أن قال: لأن من أناب إلى الله تعالى هم المؤمنون، لأنهم هم المختصون بهذه الطريقة (3)، وسلك في ترتيب الاستدلال بها المسلك في الآية المتقدمة.

وهذه الآية لا دلالة فيها على ما يذهبون إليه في صحة الاجماع، وأكثر الوجوه التي ذكرناها في الآية المتقدمة يبطل الاحتجاج بهذه الآية.

وأنت إذا تصفحتها وقفت على الفصل بين ما يختص إحدى الآيتين من الوجوه وما يمكن أن يكون كلاما على الجميع، فلهذا لم نتشاغل بإعادة شئ مما مضى.

ومما يخص هذه الآية أن الإنابة حقيقتها في اللغة هي الرجوع، وإنما تستعمل في التائب من حيث رجع عن المعصية إلى الطاعة، وليس يصح إجراؤها على التمسك بطريقة واحدة لم يرجع إليها عن غيرها على سبيل

____________

(1) في الأصل " وإذا قيل له " ولا شك أن " له " زائدة باعتبار الجواب.

(2) لقمان 15.

(3) كلام القاضي هنا نقله المرتضى بتصرف لم يخرجه عن معناه.


الصفحة 229
الحقيقة، ولو استعمل فيمن ذكرناه لكان مستعملها متجوزا عند جميع أهل اللغة، وإذا كانت حقيقة الإنابة في اللغة هي الرجوع لم يصح إجراء قوله تعالى (واتبع سبيل من أناب) إلى جميع (1) المؤمنين حتى يعم بها من كان متمسكا بالإيمان، وغير خارج عن غيره إليه، ومن رجع إلى اعتقاده وأناب إليه بعد أن كان على غيره، لأنا لو فعلنا ذلك لكنا عادلين باللفظ عن حقيقتها (2) من غير ضرورة، والواجب أن يكون ظاهرها متناولا للتائبين من المؤمنين الذين أنابوا إلى الإيمان، وفارقوا غيره، وإذا تناولت هؤلاء لم يكن دلالة على مكان الخلاف بيننا وبين خصومنا في الاجماع.

ومما تعلق به أيضا قوله تعالى: (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) (3) قال: " الوسط هو العدل ولا يكون هذا حالهم إلا وهم خيار، لأن الوسط من كل شئ هو المعتدل منه، وقوله تعالى: (قال أوسطهم ألم أقل لكم) (4) المراد بذلك خيرهم، وعلى هذا الوجه يقال له: إنه عليه السلام من أوسط العرب (5) يعني بذلك من خيرهم، وبين أنه تعالى جعلهم كذلك ليكونوا شهداء على الناس كما أنه عليه السلام شهيد عليهم، فكما أنه لا يكون شهيدا إلا وقوله حق وحجة فكذلك القول فيهم " (6).

وهذه الآية لا تدل أيضا على ما يدعونه، لأن لا يخلو أن يكون المراد بها جميع الأمة المصدقة بالرسول صلى الله عليه وآله أو بعضها (7)، وقد.

____________

(1) إلى جميع، خ ل.

(2) أي حقيقة الإنابة.

(3) البقرة 143.

(4) القلم 28.

(5) " من أوسط قريش نسبا يعني خيرهم ".

(6) المغني 17 / 171.

(7) أو بعضهم، خ ل.


الصفحة 230
علمنا أنه لا يجوز أن يريد جميعها، لأن كثيرا منها ليس بخيار ولا عدول، ولا يجوز من الحكيم تعالى أن يصف جماعة بأنهم خيار عدول وفيهم من ليس بعدل ولا خير، وهذا مما يوافقنا عليه صاحب الكتاب، وإن كان أراد بعضهم لم يخل ذلك البعض من أن يكون هو جميع المؤمنين المستحقين للثواب أو يكون بعضها منهم غير معين، فإن كان الأول فلا دلالة توجب عمومها في الكل دون حملها على بعض معين، لأنه لا لفظ هاهنا من الألفاظ التي تدعى للعموم كما هو في الآيتين المتقدمتين، وإن كان المراد بعضا معينا خرجت الآية من أن تكون فيها دلالة لخصومنا على الخلاف بيننا وبينهم، ولم يكن بعض المؤمنين بأن تقتضي تناولها له أولى من بعض فساغ لنا أن نقصرها على الأئمة من آل محمد صلوات الله عليهم (1)، ويكون قولنا أثبت في الآية من كل قول لقيام الدلالة على عصمة من عدلنا بها إليه (2) وطهارته، وتميزه من كل الأمة.

فإن قيل: إطلاق القول يقتضي دخول كل الأمة فيه لولا الدلالة التي دلت من حيث الوصف المخصوص على تخصيص من استحق المدح منهم، والثواب، فإذا خرج من لا يستحقهما بدليل وجب عمومها في كل المستحقين الثواب والمدح، لأنه ليس هي بأن تتناول بعضا أولى من بعض.

قيل: إن إطلاق القول لا يقتضي كل الأمة - على أصلنا - حتى يلزم إذا أخرجنا من لا يستحق الثواب منه أن لا يخرج غيره، ولو اقتضى ذلك ووجب تعليق الأمة من عدا الخارجين عن استحقاق الثواب لوجب

____________

(1) في " عليه وعليهم السلام ".

(2) أي عدلنا بالآية إلى الإمام المعصوم.


الصفحة 231
القضاء بعمومها في جميع من كان بهذه الصفة في سائر الأعصار، لأن ظاهر العموم يقتضيه على مذهب من قال به فكان لا يسوغ حمل القول على إجماع كل عصر، لأنه تخصيص لا يجد مقترحه فرقا بينه وبين من اقترح تخصيص فرقة من كل عصر، وهذا يبطل الغرض في الاحتجاج بالآية.

وليس لأحد أن يقول: كيف يكون اجتماع جميع أهل الأعصار على الشهادة حجة وصوابا على ما ألزمتموناه ولا يكون إجماع جميع أهل كل عصر كذلك؟ لأن هذا مما لم ينكر كما لم يكن منكرا عند خصومنا أن يكون إجماع أهل العصر حجة وصوابا، وإن لم يكن اجتماع كل فرقة من فرقهم كذلك.

فإن قيل: بأي شئ يشهد جميعهم، وهم لا يصح أن يشاهدوا كلهم شيئا واحدا فيشهدوا به؟

قيل: قد تصح الشهادة بما لا يشاهد من المعلومات كشهادتنا بتوحيد الله عز وجل، وعدله، ونبوة الأنبياء عليهم السلام إلى غير ذلك مما يكثر تعداده.

ولو قيل أيضا: فعلى من تكون الشهادة إذا كان المؤمنون جميعا في الأعصار (1) هم الشهداء؟

قلنا: تكون شهادتهم على من لا يستحق الثواب، ولا يدخل تحت القول من الأمة، ويصح أيضا أن يشهدوا على باقي الأمم الخارجين عن الملة، وكل هذا غير مستبعد.

ومما يمكن أن يقال في أصل تأويل الآية: أن قوله تعالى (جعلناكم

____________

(1) خ " إذا كان جميع المؤمنين في الأعصار ".


الصفحة 232
أمة وسطا)، إذا سلم أن المراد جعلناكم عدولا خيارا لا يدل أيضا على ما يريده الخصم، لأنه لم يبين هل جعلهم عدولا في كل أقوالهم وأفعالهم أو في بعضها؟ والقول محتمل وممكن أن يكون أراد تعالى أنهم عدول فيما يشهدون به في الآخرة، أو في بعض الأحوال، فإن رجع راجع إلى أن يقول: إطلاق القول إنما يقتضي العموم، وليس هو بأن يحمل على بعض الأحوال أو الأقوال أولى من بعض، فقد مضى الكلام على ما يشبه هذا مستقصى.

فأما حمل الأمة (1) على النبي صلى الله عليه وآله في باب الشهادة، وكونه حجة فيها، فلم يكن قول النبي صلى الله عليه وآله حجة من حيث كان شهيدا، بل من حيث كان نبيا معصوما فتشبيه أحد الأمرين بالآخر من البعيد.

ومما يسقط التعلق بالآية أيضا أن قوله تعالى: (لتكونوا شهداء) يقتضي حصول كل واحد منهم بهذه الصفة، لأن ما جرى هذا المجرى من الأوصاف لا بد أن يكون حال الواحد فيه كحال الجماعة، ألا ترى أنه لا يسوغ أن يقال في جماعة: إنهم مؤمنون إلا وكل واحد منهم مؤمن؟، فكذلك لا يسوغ أن يقال: أنهم شهداء إلا وكل واحد منهم شهيد، لأن شهداء جمع شهيد، كما أن مؤمنين جمع مؤمن، وهذا يوجب أن يكون كل واحد منهم - أعني من الأمة - حجة مقطوعا على صواب فعله وقوله، وإذا لم يكن هذا مذهبا لأحد، وكان استدلال الخصوم بالآية يوجبه فسد قولهم، ووجب صرف الآية إلى جماعة يكون كل واحد منهم شهيدا وحجة، وهم الأئمة عليهم السلام الذين ثبتت عصمتهم وطهارتهم.

____________

(1) خ " الآية ".


الصفحة 233
على أن الآية لو تجاوزنا عن جميع ما ذكرناه فيها لا يقتضي كون جميع أقوال الأمة وأفعالها حجة، لأنها غير مانعة من وقوع الصغائر (1) التي لا تسقط العدالة (2) منهم، فإن أمكن تمييز الصغائر من غيرها كانوا حجة فيما قطع عليه وإن لم يمكن علم في الجملة أن الخطأ الذي يكون كثيرا ويؤثر في العدالة مأمون منهم، وغير واقع من جهتهم وإن ما عداه يجوز عليهم، فيسقط مع ما ذكرناه تعلق المخالفين بالآية في نصرة الاجماع.

فأما قوله في نصرة هذه الطريقة: " أن كونهم عدولا كالعلة والسبب في كونهم شهداء، وأنه قد صح في التعبد أنه لا يجوز أن ينصب للشهادة إلا من تعلم عدالته، أو تعرف (3) بالأمارات التي يقتضي غالب الظن، وصح أن من ينصبه بغالب (4) الظن إذا تولى الله تعالى نصبه يجب أن يعلم من حاله ما نظنه، فإذا ثبت ذلك لم يخل من أن يكونوا حجة فيما يشهدون أو لا يكونوا، فإن لم يكونوا حجة بطلت شهادتهم، لأن من حق الشاهد إذا أخبر عما يشهد به أن يكون خبره حقا وإن لم يجر مجرى الشهادة، فلا بد

____________

(1) صغيرة منهم خ ل.

(2) العدالة - لغة - مأخوذة من العدل وهو الاستقامة، وعرفها الفقهاء بأنها ملكة اجتناب الكبائر وعدم الاصرار على الصغائر، أو إتيان الواجب وترك المحرم، أو مجرد ترك المعاصي عن ملكة، أو خصوص الكبائر منها، وغير ذلك من التعريفات التي تختلف لفظا وتتقارب معنى، وقد أخذها الفقهاء شرطا في المفتي والقاضي وإمام الجماعة، والشاهد، وتعرف بالعلم الوجداني من أي أسبابه حصل، بالبينة العادلة، والشياع المفيد للعلم، وحسن الظاهر، وبالوثوق والاطمئنان الحاصل عن علم ومعرفة لا كتسرع بعض الجهال الذين سرعان ما يثقون ثم يرجعون لأتفه الأسباب وبأدنى عارض من الشبه.

(3) خ " ويعرف ".

(4) خ " لغالب ".


الصفحة 234
من أن يكون قولهم وفعلهم صحيحا، ولا يكون كذلك إلا وهم حجة، وليس بعض أقوالهم وأفعالهم بذلك أولى من بعض، " (1) فلو سلم له جميع ما ذكره لم يلزم الاحتجاج به، ولا أن يكونوا حجة في جميع أقوالهم وأفعالهم لأن أكثر ما تدل عليه الآية فهم أن يكونوا عدولا رشحوا للشهادة، فالواجب أن ينفى عنهم ما جرى شهادتهم، وأثر في عدالتهم، دون ما لم يكن بهذه المنزلة.

وإذا كانت الصغائر على مذهب صاحب الكتاب غير مخرجة (2) عن العدالة لم يجب بمقتضى الآية نفيها عنهم، وبطل قوله " أنه ليس بعض أقوالهم وأفعالهم أولى من بعض " لأنا قد بينا فرق ما بين الأفعال المسقطة للعدالة والأفعال التي لا تسقطها.

فأما قوله: " ويخالف حالهم حال الرسول عليه السلام لأن ما يجوز (3) عليه من الصغائر لا يخرج ما يؤديه عن الله تعالى مما هو الحجة فيه من أن يكون متميزا فيصح كونه حجة، وليس كذلك لو جوزنا على الأمة الخطأ في بعض ما تقوله وتفعله، لأن ذلك يوجب خروج كل ما تجتمع (4) عليه من أن يكون حجة لأن الطريقة في الجميع واحدة " (5) فيسقط بما ذكرناه لأنه إذا كان تجويز الصغائر على الرسول لا يخرجه فيما يؤديه من أن يكون حجة، ويتميز ذلك للمكلف فكذلك إذا كانت الآية إنما تقتضي

____________

(1) المغني 17 / 178 علما بأن اختلافا يسيرا في هذا الفصل بين المغني والشافي في بعض الحروف والكلمات وليس هناك اختلاف في المعنى.

(2) خ " غير مقتضية الخروج ".

(3) في المغني " لأن ما نجوزه " وهذا تصريح من القاضي بتجويز الصغائر على النبي صلى الله عليه وآله، وقد نقل عن أبي هاشم اشتراط أن تكون غير منفرة.

(4) غ " تجمع ".

(5) المغني 17 / 178.


الصفحة 235
كون الأمة عدولا فيجب نفي ما أثر في عدالتهم، والقطع بانتفاء الكبير من المعاصي عنهم وتجويز ما عداها عليهم (1)، ولا يخرجهم هذا التجويز من أن يكونوا حجة فيما لو كان خطأ لكان كبيرا، وقد يصح تمييز ذلك على وجه، فإن في المعاصي (2) ما نقطع على كونها كبائر، ولو لم يكن إلى تمييز سبيل لصح الكلام أيضا من حيث كان الواجب علينا اعتقاد نفي الكبائر عنهم، وتجويز الصغائر، وإن شهادتهم لما لو لم يكن حقا لكانت الشهادة به كبيرة لا تقع منهم وإن جاز وقوع ما لم يبلغ هذه المنزلة ويكون هذا الاعتقاد مما يجب علينا على سبيل الجملة، وإن تعذر علينا تفصيل أعمالهم وأحوالهم (3) التي يكونون فيها حجة مما خالفهم لا سيما وشهادتهم ليست عندنا فيجب علينا تمييز خطأهم من صوابهم، وإنما هي عند الله تعالى، وإذا كانت عنده جاز أن يكون الواجب علينا هو الاعتقاد الذي ذكرناه.

فأما قوله: " وقد قيل (4): إن المراد بالآية ليس هو الشهادة في الآخرة، وإنما هو القول بالحق، والإخبار بالصدق، لقوله تعالى (شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط) (5) وكل من قال حقا فهو شاهد به، وليس هذا من باب الشهادة التي تؤدى أو تتحمل بسبيل، وإن كانوا مع شهادتهم بالحق يشهدون في الآخرة بأعمال العباد فيجب في كل ما أجمعوا عليه قولا واحدا أن يكون حقا، وفعلهم يقوم

____________

(1) أي إذا كانت الصغائر جائزة على النبي - كما يقول - فعدم منافاتها لعدالة غيره أولى.

(2) خ " من المعاصي ".

(3) خ " وأقوالهم ".

(4) في المغني: " وقد قيل: إن قوله عز وجل (لتكونوا شهداء على الناس) ليس المراد بذلك أداء الشهادة " الخ.

(5) آل عمران 18.


الصفحة 236
مقام قولهم فيجب أن يكون هذا حاله، لأنه إذا أجمعوا على الشئ فعلا وأظهروه إظهار ما يعتقد أنه حق حل محل الخبر، وهذا يوجب أنه لا فرق بين الكبير والصغير في هذا الباب " (1) فغير مؤثر فيما قدحنا به في الاستدلال بالآية بأن التعلق من الآية إنما هو بكونهم عدولا لا بلفظ الشهادة لأن التعلق لو كان بالشهادة لم يكن في الكلام شبهة من حيث كانت الشهادة لا تدل نفسها على كونها حجة كما تدل العدالة، ولو تعلق متعلق بكونهم شهودا ويذكر شهادتهم لم نجد بدا (2) من اعتبار العدالة والرجوع إليها، وإذا كانت الصغائر لا تؤثر في العدالة ولا يمتنع وقوعها على مذهب صاحب الكتاب وأهل مقالته من العدل المقبول الشهادة فما الموجب من الآية نفيها عن الأمة، ولا فرق فيما ذكرناه بين أن يكونوا شهداء في الدنيا والآخرة معا وبين أن يكونوا شهداء في الآخر دون الدنيا، فما نراه زادنا في الكلام الذي عدل إليه شيئا ينتفع به (3).

ومما تعلق به في نصرة الاجماع ما روي من قوله عليه السلام: (لا تجتمع أمتي على خطأ) (4) وهذا الخبر لا شبهة في فساد التعلق به، لأنه من أخبار الآحاد التي توجب الظن، ولا توجب علما ولا عملا، فلا يسوغ القطع بمثلها، ولا خلاف في أن نقله إلينا من طريق الآحاد، وأكثر ما

____________

(1) المغني 17 / 179.

(2) أي لم نجد عوضا، يقال: لا بد من كذا: لا فراق منه، وقيل لا عوض.

(3) المغني 17 / 180.

(4) رواه ابن ماجة في كتاب الفتن باب السواد الأعظم بلفظ " أن أمتي لا تجتمع على ضلالة " ح 3950 علق عليه محقق الكتاب بقوله: " في الزوائد: في إسناده أبو خلف الأعمى واسمه حازم بن عطاء وهو ضعيف وقد جاء الحديث بطريق في كلها نظر، قاله شيخنا العراقي في تخريج أحاديث البيضاوي ". كما رواه أحمد في المسند 5 / 145 بلفظ : (لم تجتمع أمتي إلا على هدى) ".


الصفحة 237
يتعلق به الخصوم في تصحيحه تقبل الأمة له، وتركهم الرد على راويه، وليس كل الأمة تقبله، ولو تقبلته أيضا لم يكن في تقبلها دلالة بأن الخطأ ودخول الشبهة جائزان عليها وكلامنا في ذلك، وليس يجوز أن يجعل المصحح للخبر إجماع الأمة الذي لا نعلم صحته إلا بصحة الخبر، على أنه لو لحظنا الكلام في إثبات الخبر نفسه لم يكن فيه دلالة على ما ذهب إليه القوم لأنه نفى أن يجتمعوا على خطأ، ولم يبين ما الخطأ الذي لا يجتمعون عليه (1)، وليس في اللفظ دلالة على نفي كل الخطأ، ولا نفي بعض معين، فالخبر إذا كان المجمل المفتقر إلى بيان فإن تعلق متعلق بأنه من حيث لم يكن ينفي بعض الخطأ أولى من بعض وجب أن يكون نافيا للجميع فقد سلف الكلام على فساد هذه الطريقة.

وبعد، فليس يخلو قوله: (لا تجتمع أمتي) من أن يكون عنى به جميع المصدقين، أو بعضا منهم، وهم المؤمنون المستحقون للثواب، فإن كان الأول وجب بظاهر الكلام أن لا يختص أهل كل عصر، بل يشيع في جميع المصدقين إلى قيام الساعة حتى لا يخرج عنه أحد منهم. لأن مذهب خصومنا في حمل القول المطلق على عمومه يقتضي ذلك، وإن جاز لهم حمل الكلام على المصدقين في كل عصر كان هذا تخصيصا بغير حجة، ولم يجدوا فرقا بينهم وبين من حمله على فرقة من أهل كل عصر، وإذا وجب حمله على جميع المصدقين في سائر الأعصار لم يكن دليلا على ما يذهبون إليه من كون إجماع أهل كل عصر حجة، وإن كان على ما ذكرناه ثانيا بطل بمثل ما أبطلنا الأول من وجوب حمله على كل المؤمنين المستحقين الثواب في

____________

(1) وهناك توجيه آخر للحديث - لو صح - أنهم لا يجتمعون على خطأ لو اجتمعوا، والاجماع الذي يدعيه القاضي على ما يدعيه له لم يحصل للقطع بوجود الخلاف في الأمر المدعى.


الصفحة 238
كل عصر على سبيل الجمع، وإن من خصص أهل كل عصر بتناول القول له كمن خص فرقة من أهل العصر ويبطل هذا الوجه أيضا بأن الذاهب إليه مقترح ما لا يقتضيه اللفظ، ولا توجبه الحجة، ولو قيل له: من أين لك أن لفظة (أمتي) تختص المؤمنين ومن كان للثواب مستحقا دون غيرهم؟ لم يجد متعلقا ولا فرق بين من اقترح هذا التأويل وبين من حمل اللفظ على بعض من الأمة، أو من المؤمنين مخصوص، وليس يمكن في هذا الخبر ما أمكن في الآيات المتقدمة من قولهم: إن الكلام يقتضي المدح فلا بد من إخراج من لا يستحقه من جملته، وتبقية من عداهم، لأنه ليس في نفي الاجتماع على الخطأ عنهم دلالة على مدح وتعظيم، لأنه قد يجوز أن يعلم من حال جميعهم لأنهم لا يختارون الاجتماع على الخطأ، وإن كان كل واحد منهم يفعله متفردا به، ولا شبهة في أن هذا لا يقتضي مدحا، وقد روي معنى هذا الخبر بلفظ آخر وهو (لم يكن الله ليجمع أمتي على ضلال) وهذا صحيح غير مدفوع، وهو يدل على أنهم لا يختارون الاجماع على الضلال من قبل أنفسهم.

فأما ما رواه من قوله " لا يزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق " (1) فما قدمناه يبطل الاستدلال به على أن الظهور على الأمر في اللغة هو الاطلاع عليه، والعلم به، وليس يفيد التمسك به، ونفي فعل ما يخالفه، لأنه قد يظهر على الحق ويعلمه من لا يعمل به، فكان الخبر يفيد أن طائفة من الأمة لا بد من أن تكون ظاهرة على الحق، بمعنى مطلعة عليه، عالمة به، وهذا لا يمنع من اجتماع الأمة على فعل الخطأ.

____________

(1) المغني 17 / 180 ورواه كثير من المحدثين كالبخاري في صحيحة 8 / 149 كتاب الاعتصام والتوحيد و 8 / 189 المناقب. ومسلم في كتاب الإيمان ح 156 وعقد له بابا في كتاب الأمارة. وانظر المغني 17 / 180 و 181.