الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى

 

 

لأنه جائز أن تكون هذه الطائفة المطلعة على الحق لا تعمل به، وتفعل الخطأ والباطل على علم بالحق، وهذا مما لا يمتنع عند خصومنا على طائفة من الأمة، ويكون باقي الأمة بفعل الخطأ والباطل للشبهة فيكون الاجتماع على الخطأ من الأمة قد حصل مع سلامة الخبر.

فأما ما رواه من قوله: " من سره أن يسكن بحبوحة الجنة فليكن مع الجماعة " (1) و " يد الله مع الجماعة " (2) إلى غير ذلك من الأقوال المرغبة في لزوم الجماعة، وترك الخروج عنها فهو مما يبعد التعلق به في نصرة الاجماع، لأن لفظ الجماعة محتملة ليس يتناول بظاهرها جميع الأمة، ولا فيها دلالة على تخصيص جماعة معينة منهم، ومن مذاهب خصومنا أن الألف واللام إما أن يدخلا لتعريف أو استغراق، والاستغراق هاهنا محال، لأن في الجماعات (3) من لا شبهة في قبح الحث على اتباعه، والتعريف مفقود في هذا الموضع لأنا ما نعرف جماعة يجب تناول هذا اللفظ لهم على مذاهب مخالفينا، ومن ادعى منهم جماعة معينة يختص بهذه اللفظة كمن ادعى غير تلك الجماعة.

فأما ما ادعاه في نصرة الاستدلال بالخبر الذي ذكرناه وقوع العلم بتداول الصحابة والتابعين لذلك، واعتمادهم على الاجماع، وأنه مما لا

____________

(1) بحبوحة الدار - بضم البائين وسطها - والحديث رواه أحمد في موضعين من المسند ج 1 / 18 و 26 وفي الأول منهما " بحبحة الجنة " كما رواه الترمذي في كتاب الفتن 2 / 27 هكذا: " من أراد بحبوح الجنة فليلزم الجماعة " واستشهد به في تاج العروس مادة " بح " ونقله بحروف ما في المتن ونقل عن أبي عبيد " بحبوحة كل شئ وسطه وخياره " وانظر المغني 17 ص 180 و 181.

(2) رواه الترمذي في كتاب الفتن 2 / 27 والنسائي في كتاب تحريم الدم 7 / 92 في جملة حديث.

(3) كذا في المطبوعة والمخطوطة وفي تلخيص الشافي " في الجماعة ".


الصفحة 240
يحتاج إلى تتبع الألفاظ فيه كما لا يحتاج إلى تتبع الألفاظ في مثله من الأمور الظاهرة كأصول الصلوات وكثير من الفرائض (1).

ثم قوله " والذي ندعيه متعارفا ظاهرا في هذا الباب بين الصحابة إجماع الأمة، وأنه لا يكون خطأ ولا ضلالا فهذا المعنى منقول معمول به، ولا احتجاج به يقع دون اللفظ " (2) فمما لم يزد فيه على الدعوى، لأنا نعلم من حال الصحابة ما ذكره، ولا نقطع على أن جميعهم كان يحتج بالاجماع على الوجه الذي يذهب إليه صاحب الكتاب، وأهل نحلته.

ولو كان ما ادعاه في تمسك الصحابة بالاجماع، واحتجاجهم به جاريا مجرى أصول الصلوات والظاهر من الفرائض لوجب أن يكون المخالف في الاجماع، والمنكر لتمسك الصحابة به، وعملهم عليه كالمخالف في أصول الصلوات وما أشبهها، والدافع لظهور العمل بها في الصدر الأول، وقد علمنا فرق ما بين المخالف في المسألتين، وكيف يدعى في هذا الموضع العلم الشامل للكل، ونحن نعلم كثرة من يخالف في الاجماع كالشيعة على اختلاف مذاهبها، والنظام (3) وأصحابه ممن لا يجوز عليه دفع الضرورات لتدينه بمذهبه، وتقربه إلى الله عز وجل باعتقاده.

____________

(1) أنظر المغني 17 / 181.

(2) المغني نفس الصفحة.

(3) النظام أبو إسحاق إبراهيم بن سيار بن هاني البصري أحد أئمة المعتزلة مات كما في لسان الميزان لابن حجر 1 / 67 في خلافة المعتصم سنة بضع وعشرين ومائتين وإنكاره للاجماع نقله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلادة 1 / 126 قال: " واعلم أن النظام لما تكلم في كتاب " النكت " وانتصر لكون الاجماع ليس بحجة، اضطر إلى ذكر عيوب الصحابة، فذكر لكل منهم عيبا، ووجه لكل واحد منهم طعنا " ثم نقل عنه أمورا يعرض بها بالإمام علي عليه السلام ثم استغفر ابن أبي الحديد النظام وسأل الله أن يعفو عنه في تعريضه بالإمام سلام الله عليه.


الصفحة 241
فأما ما ظنه من رجوعنا في إيجاب أصول الصلوات وما ماثلها (1) إلى ما نعلمه من عمل جميع الأمة بها، وأن ما علمنا من ذلك يغني عن لفظ مخصوص، فظاهر الفساد.

وقد بينا فيما سلف أن الرجوع في هذه العبادات وإيجابها إلى ما هو أقوى من نقل الألفاظ المخصوصة، لأن جميع المسلمين وغير المسلمين ينقلون عن أسلافهم أنهم خبروا عن أسلافهم حتى يتصل النقل بزمان الرسول صلى الله عليه وآله أنه أوجب هذه العبادات، وأنهم اضطروا من قصده إلى إيجابها، وعلموا أمر دينه ذلك كما علموا سائر ما هو ظاهر من أحواله، ولا فقربنا في العلم بما ذكرناه إلى نقل لفظ مخصوص بصيغة معينة، كما لا فقر بنا إلى ذلك في (1) نقل وجود النبي صلى الله عليه وآله ودعائه إلى نفسه، وتحديه بالقرآن، إلى غير ما عددناه (2) من الأحوال الظاهرة، وإنما يحتاج إلى تتبع الألفاظ فيما لم يبلغ هذه المنزلة في الظهور، ويشترك الجميع في نقله والعلم به.

وليس يمكن أن يدعى في اعتماد الصحابة على الاجماع وعلمهم به مثل هذه الطريقة لما ذكرناه آنفا من وجود من يخالف فيما ادعي على الصحابة من اعتقاد صحة الاجماع ممن لا يجوز أن يكون حاله حال من خالف في أمر الصلوات، ودفع ظهور العمل بها بين الصحابة.

وبعد، فليس يدفع في بعضهم أنه كان ينكر الخروج عن الجماعة، ومفارقتها في الاعتقاد، وأكثر ما نعلم من حالهم في باب الاجماع هذا

____________

(1) خ " من ".

(2) خ " إلى غير ذلك مما هو من ".


الصفحة 242
الذي ذكرناه، وليس فيه دلالة على اعتقادهم كون الاجماع حجة، وأن من خالفه ضال، وغير ممتنع أن يكون إنكارهم على من فارق الجماعة من حيث اعتقدوا من جهة الدليل كونها على الحق لا من جهة الاجماع كما يعتقد الواحد منهم ضلال من خالفه في مذهبه من حيث اعتقد أن الدليل معه، وفي يده.

فأما قوله: " وليس لأحد أن يقول: إن جاز ما ذكرتموه في أخبار الاجماع فجوزوا في كثير من التواتر الآن أن يصير من بعد آحادا، وتجويز ذلك يؤدي إلى أن لا تأمنوا في أصول الشرائع مثل ذلك (1)، بل في القرآن أن يصير كذلك، لأنا (2) قد أمنا تجويز ذلك لوجوه من الاشتهار نعلمها تتزايد على الأيام ولا تتناقص تفارق حالها في ذلك حال (3) الاجماع في الزمن الأول لأنها لم تبلغ هذا الحد، وهذا لا بد لكل أحد أن يجيب بمثله إذا سئل عن كثير من أخبار الآحاد في الزكوات (4) مما صح أن الحجة قامت به وهو من باب الآحاد في هذا الوقت " (5) فغير مقنع في الفرق بين الأمرين لأنه لم يزد على أن ادعى أن خبر الاجماع لم يبلغ في الأصل في باب الشهرة مبلغ الأخبار التي عورض بها، وهذا من أين له؟ وكيف أن أخبار الاجماع لم تبلغ في الظهور إلى حد أخبار الصلوات؟.

وبعد، فليس يخرجه ما ذكره عن المناقضة، لأنه اعتل في جواز كون أخبار الاجماع من باب الآحاد بعد أن كانت من باب التواتر بأن

____________

(1) في المغني " أن تصير كذلك ".

(2) وفيه: " قيل له: لأنا ".

(3) غ " أخبار الاجماع ".

(4) غ " أخبار الزكوات ".

(5) المغني 17 / 184.


الصفحة 243
الاجماع إذا حصل من الصحابة عليها، وظهر العمل بينهم بها قام هذا مقام التواتر، وكان آكد في معنى الحجة منه، وادعى أن أخبار الصلوات، وكثير من العبادات يجري هذا المجرى في أن حصول الاجماع عليها، والعمل بها غني عن التواتر فيها، وهذه العلة قائمة في جمع أصول الشرائع (1)، وفي القرآن نفسه، فما المانع من أن يصير نقل ذلك في طريق الآحاد بعد أن كان متواترا، ويكون الاجماع وظهور العمل به من الصحابة مغنيين عن غيرهما في معنى الحجة؟ وليس يفرق بين الأمرين أن أحدهما تمادت (2) بنقله الأزمان، ونقل من طريق التواتر على مر الأيام، أو ظهر في الأصل ظهورا لم يكن لغيره، لأن جميع ذلك تخصيص للعلة، وتلاف للفارط (3) في إطلاق القول.

فأما قوله: " ولا بد لكل أحد أن يجيب بمثل جوابنا إذا سئل عن كذا وكذا " (4) فقد بينا أن الجواب الصحيح غير جوابه، وأوضحنا القول في جهة حصول العلم بأصول الصلوات والزكوات وما أشبههما من العبادات بما يستغنى عن ذكره.

فأما قوله: " وقد علمنا أن الداعي إلى نقل القرآن إن لم يقو على الأيام لم يضعف، وذلك لشدة الحاجة من جهة الدين إليه، وكذلك القول في أصول الدين [ فلا يجوز أن يضعف نقله (5) ]، ولا يجوز ذلك من

____________

(1) الشريعة، خ ل.

(2) تمادت: بلغت مدى: وهو الغاية.

(3) الفارط: الذي يتجاوز الحد في الأمر وفي المخطوطة " من إطلاق ".

(4) المغني 17 / 185 وفيه: " ولا بد لكل أحد أن يجيب بمثله إذا سئل عن كثير من أخبار الزكوات ".

(5) ما بين المعقوفين من المغني.


الصفحة 244
جهة أخرى، لأن نقل المعجز لا بد من أن يكون اضطرارا للعلم به، وبنبوته صلى الله عليه وآله (1)، ولا يجوز أن لا تزاح علة المكلفين فيه أبدا، وكذلك القول في أصول الدين، والطريقة في نقل الجميع إذا تساوت لم يجز اختلاف حالها، وليس كذلك ما جوزناه في خبر الاجماع لأن الطريقة فيه مخالفة لما ذكرناه في القرآن فغير ممتنع أن تكون الحجة في الأخبار المروية فيه قائمة أو لا بالتواتر ثم تصير الحجة فيها من الوجه الآخر " (2) فالعلة التي ذكرها فيما أباه قائمة فيما التزمه، لأن الاجماع أيضا من أصول الدين الكبار، ولو شئنا لقلنا إنه كالأصل لسائر الأصول، لأن عليه مدار عمل مخالفينا، وإليه يفزعون في سائر الدين أو أكثر، فإن كان نقل القرآن وما أشبهه من أصول الدين يجب أن يقول على الأيام ولا يضعف لشدة الاحتجاج من جهة الدين إليه، فما تمس الحاجة من جهة الدين إليه أيضا وتشتد يجب أن يقوى نقله ولا يضعف، فكيف تم في أخبار الاجماع مع الحاجة الماسة إليها ما تم من ضعف نقلها، ورجوعها إلى الآحاد بعد التواتر ولم يجز أن يتم مثل ذلك في غيرها؟ وهل تعاطي الفرق بين الأمرين إلا محض الاقتراح!

وبعد، فقد صرح صاحب الكتاب في جميع كلامه الذي حكينا منه بعضا وتركنا آخر (3) بأن أخبار الصلوات والزكوات وكثير من أصول العبادات انتقل نقلا إلى الآحاد بعد أن كان متواترا من حيث أغنى الاجماع، وظهور العمل عن نقل الألفاظ المخصوصة، ثم رأيناه يمنع في هذا الموضع الذي قد انتهينا إليه من أن يتم في أصول الدين مثل ذلك.

____________

(1) في المغني ليعلم به نبوته صلى الله عليه.

(2) المغني 17 / 185.

(3) بعضا، خ ل.


الصفحة 245
ويعتل بأن شدة الحاجة من جهة الدين إلى الأمر المنقول يمنع من ضعف نقله، وهذا من أعجب العجب، لأنا ما نعرف شيئا من أصول الدين يفوق في باب شدة الحاجة - من جهة الدين - إليه الصلوات والزكوات التي أقر بأن نقلها قد ضعف بعد القوة، ولو صرح بذكر ما امتنع من أن يضعف نقله بعد القوة من أصول الدين لظهر لكل أحد تحكمه إذا جمع بين ما التزم جواز ضعف نقله من الصلوات والزكوات وبين ما امتنع من مثل ذلك فيه لكنه أبهم (1) الكلام سترا على نفسه فأما الجهة الأخرى التي ظن أن نقل القرآن لا يضعف من أجلها (2) فشبيهة بالضعف والفساد بالأولى، لأن القرآن لو لم ينقل على وجه الدهر لم يخل ذلك بالعلم بالنبوة، وكونه معجزا دالا عليها، لأنه إذا ظهر في الأصل وقامت به الحجة، ونقل ما يقتضي قيام الحجة به من فقد معارضته، والتسليم لم، فقد وجبت الحجة على سائر المكلفين الموجودين إلى قيام الساعة بهذا القدر وإن لم تنقل ألفاظ القرآن، ولو كان الاخلال بنقل القرآن مخلا بالاستدلال على كونه معجزا، ودالا على النبوة لكان هذا حكم سائر المعجزات التي وقعت في زمن الرسول صلى الله عليه وآله ولم تستمر حالا بعد حال.

فإذا قيل في تلك المعجزات: " إنها وإن لم تستمر فإن نقل كونها ووجودها على الوجه الذي يقتضي خرق العادة بها كاف في إزاحة علة المكلف. قلنا مثل ذلك في القرآن، وإن ادعى وجوب نقله لما يتضمنه من

____________

(1) يقال: أمر مبهم: لا معنى له، واستبهم عليه الكلام استغلق، والمراد أنه جاء بكلام لا وجه له.

(2) أنظر المغني 17 / 185.


الصفحة 246
الأحكام، قلنا: قد يجوز أن يغني عن ذلك إجماع الأمة على تلك الأحكام، وظهور العمل بينهم بها كما أغنى ما ذكرناه من حالهم عند صاحب الكتاب عن نقل أخبار الاجماع، وأخبار الصلوات والزكوات على الوجوه التي وقعت في الأصل عليها من الظهور والانتشار ونقل الجماعات.

فأما قوله: " واعلم أنه لا بد من إثبات ثلاثة أمور ليصح ما قدمناه: أحدها، صحة الخبر عنهم أنهم عملوا بموجب هذا الخبر، والثاني، أنهم تمسكوا به لأجله (1) دون غيره، والثالث، أن عملهم به على هذا الحد [ وتمسكهم به (2) ] يدل على صحة الخبر لا من جهة الاجماع، لكن لأن ذلك طريقة في صحة الأخبار الواردة في أحكام الشريعة (3)، فأما نقل تمسكهم بالاجماع وظهور ذلك فيهم مع ذكر هذه الأخبار فطريقه التواتر، وعلمنا بذلك من حال الصحابة كعلمنا بأنهم تمسكوا بالرجوع إلى أخبار الآحاد، بل العلم بذلك أقوى، والأمر ظاهر عنهم أنهم أجروه (4) مجرى القرآن والسنة لأن الاجتهاد ينقطع عنده، (5) " فلا شك في أن ثبوت ما ذكره من الأقسام يثبت الاحتجاج بالخبر ولكن دون ثبوته خرط القتاد (6) وأما القسم الأول الذي ادعى فيه حصول العلم بتمسك الصحابة

____________

(1) أي تمسكوا بالاجماع لأجل الخبر.

(2) التكملة من " المغني ".

(3) غ " في الأحكام الشرعية ".

(4) أي أجروا الاجماع.

(5) المغني 17 / 188.

(6) القتاد شجر له شوك أمثال الأبر ينبت بنجد وتهامة، والخرط نزع الورق اجتذابا بالكف، والمثل يضرب للشئ صعب المنال.


الصفحة 247
بالاجماع، والرجوع إليه، فقد بينا فساده، وأنه مقتصر فيه على دعوى، وذكرنا حال من يخالف في الاجماع ممن لا يعترف بصحة ما ذكره، ولا هو بصورة من يدفع الضرورات، وهؤلاء الذين أشرنا إليهم يقولون إن الاحتجاج بالاجماع مما ولد الفقهاء الاحتجاج به عن قرب (1)، وتبعهم عليه جماعة من المتكلمين، وأن الصحابة ومن كان في الصدر الأول لم يعرفوه لا سيما على هذا الوجه الذي يدعيه المخالفون، وإنما كانوا ينكرون على من خالف الحق، وخرج (2) عن المذهب الذي تعضده الدلائل سواء كان ذلك المذهب إجماعا أو خلافا، وقد أصاب صاحب الكتاب - وإن كان لم يقصد الإصابة - في قوله: " إن حال تمسكهم بالاجماع كحال رجوعهم إلى أخبار الآحاد " لأن الأمرين غير معلومين ولا ثابتين والمدعي لكن واحد منهما في بعده عن الحق كالمدعي للآخر.

فأما قوله في الاستدلال على أنهم تمسكوا بذلك لأجل الخبر: " إن شيخنا أبا هاشم عول في ذلك على أنه كما نقل عنهم التمسك بالاجماع، فقد نقل عنهم الاحتجاج بهذه الأخبار (3) " فقد بينا أنه لا نقل في الأول، ولا علم حاصلا على الوجه الذي ادعى، فإن كان أبو هاشم يدعي نقلا مخصوصا في احتجاج الصحابة بهذه الأخبار فيجب أن يشير لنا إليه (4)، فإنا ما نعرف خبرا عن أحد من الصحابة بأنه كان يحتج في الاجماع بهذه الأخبار المدعاة، بل قد ذكرنا أنه لم يثبت عنهم احتجاج بالاجماع على ما يذهب إليه الخصوم جملة، ومن رجع إلى نفسه، وراعى النقل علم فساد

____________

(1) ولده: صنعه، وعن قرب: أي قريب.

(2) لأنه خروج، خ ل.

(3) المغني 17 / 188.

(4) أن يدلنا عليه، خ ل.


الصفحة 248
هذه الدعوى من أبي هاشم، وإن ادعى في احتجاجهم بهذه الأخبار النقل الشائع العام الذي يشترك الجميع فيه، ولا يفتقر إلى لفظ مخصوص لظهوره وشهرته، كما ذكر مثل ذلك في الصلوات وما أشبهها، فيجب لو كان الأمر كذلك أن يرتفع الخلاف في هذا كما ارتفع في ذلك وتكون صورة المخالف فيهما واحدة، وهذا مما لا يبلغ إليه محصل.

وأما قوله: " وقد ذكر شيخنا أبو عبد الله (1) أنه إذا ثبت تمسكهم بذلك وعملهم (2) بموجب هذه الأخبار ولم يظهر بينهم إلا هذه الأخبار فيجب أن يقطع على أن عملهم بذلك لأجلها دون غيرها، كما يجب أن يقطع على أن تمسكهم بالرجم (3) لأجل الخبر المدعى (4) في ذلك، وأن قطعهم (5) للسارق المستحق للقطع، والزاني المستحق للجلد لأجل الآيات التي ذكروها " (6) فشبيه في البطلان بما تقدم، وليس يجب من حيث ظهر عملهم بالاجماع، وظهرت رواية الأخبار التي ادعوها لو سلمنا هذين الأمرين على بطلانهما أن يكون عملهم بالاجماع من أجل الأخبار دون أن يكون لأجل الآيات التي يحتج بها مخالفونا في صحة الاجماع، وقد ذكرها صاحب الكتاب واعتمدها.

فأما عملهم بالرجم والقطع لأجل الآيات دون غيرها، فليس

____________

(1) هو الحسين بن علي البصري من أكابر علماء المعتزلة، وهو من شيوخ قاضي القضاة، توفي سنة 376 أو 79. 3.

(2) غ " وعلمهم " وما في المتن أوجه.

(3) أنظر صحيح مسلم 3 / 1317 كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنى.

(4) خ " المروي ".

(5) خ " في قطع ".

(6) المغني 17 / 188.


الصفحة 249
المرجع فيه إلى ما ظنه من أن عملهم بذلك لما ظهر وكانت الآيات ظاهرة بينهم وجب القضاء بأنهم عملوا بها لأجلها، بل المرجع في ذلك إلى حصول العلم، وزوال الشك لكل أحد بعمل القوم على هذه الآيات، ومن أجلها، وليس يمكن أن يدعى مثل ذلك في أخبار الاجماع.

فأما قوله: " والواجب في الصحابة إذا علم أنهم تمسكوا بطريقة في الدين، والمتعالم من حالهم أنهم كانوا يرجعون فيما يتمسكون به من الأحكام إلى الأدلة أن يحمل (1) تمسكهم بذلك على الأمر أن (2) يظهر فيما بينهم دون غيره، لأن الذي وجب له حمل تمسكهم بالحدود والأحكام على أنه لأجل القرآن والسنة أنهم تمسكوا بذلك ولم يظهر فيهم سواه وهذا قائم فيما ذكرناه " (3) فهذا إنما كان يجب لو لم يظهر بينهم إلا ما ادعاه من الأخبار، فأما وظهور الآيات التي أشرنا إليها بينهم معلوم، فما المانع من أن يكون عملهم إنما كان لأجلها دون الأخبار.

وما رأينا أظرف من إقدام صاحب الكتاب على أن يدعي أنه لم يظهر بينهم إلا الأخبار التي ادعيت في الاجماع، وتكراره مرة بعد أخرى قوله " ولم يظهر بينهم غيرها " (4) مع علمه بأن القرآن الذي يتضمن الآيات المتعلق بها في الاجماع قد كان ظهوره فيهم (5) أقوى من ظهور كل خبر.

وبعد، فيلزمه على هذه الطريقة التي سلكها القطع على أن عمل الصحابة بالاجماع إنما كان للآيات دون الأخبار، فضلا عن التجويز

____________

(1) في المغني " نحيل ".

(2) خ " الذي ".

(3) المغني 17 / 189.

(4) أنظر المغني 17 / 189.

(5) معهم، خ ل.


الصفحة 250
لذلك، لأنه إذا أوجب على ما ادعاه في الصحابة إذا علم تمسكهم بطريقة في الدين أن يحكم بأن تمسكهم إنما كان لأجل ما يظهر بينهم من الأدلة دون غيرها، فهكذا يجب إذا علم تمسكهم بالاجماع، وظهر بينهم أمران لأحدهما على الآخر فضل عظيم في الظهور والشهرة والقوة، أن يقضى بأن عملهم إنما كان من أجل القوي العالي الرتبة في الظهور، لأن حسن الظن بهم الذي يقتضي حمل أفعالهم على الصحة، وموافقة الحق والدين يقتضي هذا، بل يجب إذا ظهر عملهم وتمسكهم واتفق على أمر ظهر بينهم واشتهر يمكن أن يكونوا فعلوا له، ومن أجله، وادعي ظهور أمر آخر بينهم لم يقع الاتفاق عليه، ولا التسليم من جماعة الأمة له، أن يحكم بأن تمسكهم إنما كان لأجل المعلوم المتيقن دون المشكوك فيه.

وهذا يوجب القطع على أن عملهم بالاجماع إن كانوا عملوا به من أجل (1) الآيات التي قد علم ظهورها بينهم، واتفق وقوفهم عليها، ومعرفتهم بها، دون الخبر الذي يعتقد كثير من الأمة أنه مولد (2) مصنوع لم تعرفه الصحابة، ولا سمعت به.

فأما قوله: " وقد صح من عادة الصحابة ومن بعده في الأخبار أنهم كانوا يتثبتون فيما لا يعظم الوزر والخطأ فيه مثل الذي روي عن عمر في الاستئذان (3) وغيره [ وما روي عن علي عليه السلام أنه كان يحلف من

____________

(1) لأجل، خ ل.

(2) مؤلف، خ ل.

(3) حديث الاستئذان رواه البخاري في كتاب الاستئذان من صحيحه 7 / 130 عن أبي سعيد الخدري، قال: كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثا فلم يأذن لي فرجعت، فقال: ما منعك؟

قلت: استأذنت ثلاثا فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا استأذن أحدكم ثلاثا فلم يؤذن له فليرجع) فقال: والله ليتضمن عليه بينة، أمنكم أحد سمع من النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم فقمت معه فأخبرت عمران النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك.


الصفحة 251
كان يخبره الخبر عن الرسول (1) ] فكيف يصح أن يجري مثل ذلك عادتهم لما هم عليه من الديانة، وشدة التحرز من الغلط فيها ومع ذلك يتمسكون بالاجماع، ويجعلونه من أصول الدين، ويعتمدون عليه في الأحكام، ويقطعون عنده الاجتهاد والرأي لأجل خبر ذكروه غير صحيح عندهم والعادة الظاهرة عنهم أن ما طريقة الخبر الذي لم تثبت (2) صحته قد كان يقبله، واحد، ويرده آخر، وإنما كانوا يطبقون (3) على الخبر، والعمل به إذا حملهم ذلك على العلم بصحة ذلك (4) ". فغير ممتنع في الصحابة أن يتوقفوا في بعض الأخبار لضعف الشبهة فيه، ويمضوا غيره، ويعتقدوا صحة لقوة الشبهة، إما لأنهم أحسنوا الظن براويه، وغلب على قلوبهم من ثقته وأمانته ما دعاهم إلى اعتقاد صحة خبره، أو لأن الخبر وافق منهم اعتقادا متقدما لمعناه فاعتقدوا صحته من حيث طابق ما في نفوسهم، أو لأنهم وجدوه موافقا للآيات التي يتعلق بها في صحة الاجماع، وكانوا معتقدين فيها أنها دالة علي كون الاجماع حجة فصدقوا به من هذا الوجه، إلى غير ما ذكرناه من وجوه الشبه، وطرقها، وهي كثيرة.

وليس يجب إذا ردوا باطلا، أو توقفوا في مشكوك في أن يفعلوا ذلك في كل ما جرى هذا المجرى، لأن المسارعة إلى قبول بعض الباطل قد تقع من العقلاء وأهل الدين لقوة الشبهة، وإن لم يجب أن يسارعوا إلى التصديق بكل باطل وإن ضعفت شبهته.

____________

(1) ما بين المعقوفين من " المغني ".

(2) غ " لم تبد ".

(3) خ يظهرون الإطباق، خ ل.

(4) المغني 17 / 190.


الصفحة 252
ومحصول كلام صاحب الكتاب أنهم إذا أصابوا في شئ فلا بد أن يصيبوا في كل شئ، وعلى هذا بنى دعواه أن عادتهم جرت بأن لا يقبلوا إلا الصحيح، وهذا ظاهر الفساد (1)، لأن المصيب في أمور كثرة لا يمتنع أن يخطئ في غيرها، وليس هذا مما يراعي فيه عادة، على أنه أيضا مدع في العادة.

ولو قيل له: من أين لك أن جميع ما ردوه كان باطلا، وكل ما قبلوه كان صحيحا؟ لم يجد متعلقا، وليس تثبت له العادة التي ذكرها إلا بعد ثبوت أنهم لم يقبلوا إلا الصحيح، ولم يدفعوا إلا الباطل.

وهذا غير مسلم في كل شئ ردوه أو قبلوه، ولا فرق بين المعتمد على (2) هذه الطريقة، وبين من قال في نفسه أو غيره: إذا كنت أو كان فلان مصيبا في كل أفعاله واعتقاداته، ومتمسكا بالحق، ودافعا للباطل، وكان هذا معلوما ومسلما وجب أن تكون هذه عادة مستمرة مانعة من أن يخطئ في شئ من الأشياء، أو يعتقده باطلا (3).

فإذا كان هذا القائل عند جميع العقلاء مبطلا واضعا للقول في غير موضعه، وكان جوابهم له: أن فلانا وإن كان مصيبا عندنا في اعتقاداته وأفعاله - كما ذكرت - فليس هذا بعاصم له من اعتقاد باطل تقوى شبهته عليه، وإنما حكمنا بصواب أفعاله من حيث علمنا بالدليل صحتها، فيجب أن يكون هذا حكمنا في جميع ما يعتقده ويفعله، ولا نجعل (4) صوابه في البعض دلالة على صوابه في الكل، وهذه صورة صاحب

____________

(1) وظاهر فساد ذلك، خ ل.

(2) في، خ ل.

(3) أو بعد باطلا قوله واضعا القول خ ل.

(4) ولا يحصل، خ ل.


الصفحة 253
الكتاب فيما تعلق به، فيجب أن يكون جوابه مثل ذلك، ونهاية ما يقتضيه حسن الظن بالصحابة، وحمل أمورهم على ما يشبه ما استقر في النفوس من تعظيمهم وتبجيلهم أن يحكم (1) بأنهم لم يقبلوا الخبر المذكور، ويعدلوا عن رده، وتكذيب راويه إلا بعد أن اعتقدوا صحته، وقويت الشبهة عليهم في أمره.

وهذا قد فعلناه، وليس ينتهي حسن الظن بهم إلى أن يوجب علينا القطع على عصمتهم، وأنهم لا يعتقدون إلا الحق، ولا يدفعون إلا الباطل.

على أنا إذا زدنا في حسن الظن، وقلنا: أنهم لم يتلقوا أخبار الاجماع عن الآحاد، بل عن الجماعة لم يثبت ما يريده الخصوم، لأنه جائز عليهم أن يعتقدوا في الجماعة التي أوردت عليهم تلك الأخبار صفة المتواترين فيصدقوهم وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك، لأن العلم بصفة الجماعة المتواترة التي يقطع خبرها العذر ليس يحصل ضرورة، بل الطريق إلى استدراكه الاستدلال الذي يجوز على الصحابة - وإن تدينت، وحسنت طرائقها - الغلط (2) فيه.

وأرجو أن لا تنتهي الضرورة بصاحب الكتاب إلى أن يدعي أن الصحابة لا يجوز عليها الغلط في الاستدلال على كون الخبر متواترا، وإن كان ما ادعاه قريبا من هذا، ومتى طولب حامل نفسه على هذه الطريقة (3) بالدلالة على صحة قوله ظهر عجزه، وبان (4) أمره من قرب.

____________

(1) أن يحكموا، خ ل.

(2) الغلط فاعل " يجوز ".

(3) الأمور، خ ل.

(4) بأن - هنا -: اتضح.


الصفحة 254
وقوله من خلال كلامه: " فكيف يصح أن يفعلوا كذا وكذا لأجل خبر غير صحيح عندهم (1) " تمويه لأنا لم نقل أنهم قبلوا ما هو غير صحيح عندهم، وإنما أجزنا عليهم أن يقبلوا ما هو غير صحيح في الحقيقة وإن اعتقدوا بالشبهة صحته.

فأما قوله: " وأما الطريقة الثانية " فقد ذكرها (2) في البغداديات، وقال: " وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه ثم رحمة الله عليهم، ملازمين له في أكثر الأزمان إلا في الأوقات اليسيرة، والتعبد (3) بما أجمعت عليه الأمة يشمل الخاصة والعامة، فلو قال لهم قائل: إنه عليه السلام (4) قال: " إن أمتي لا تجتمع على ضلال " (5) ولم يكن فيهم من سمع ذلك مع أن هذا القول يجري [ منه صلى الله عليه ] (6) مجرى ما تقوم به (7) الحجة منه على الناس، ولم يخبر بذلك إلا واحدا لا يعرفون صدقه لقد كان الواجب أن يردوه، ويقفوا عند قوله، فلما رأيناهم قد أذعنوا لهذا الخبر، ولم ينكروه، علم (8) أنه صحيح (9) " فلو وجب أن يرد الصحابة من الأخبار ما لم يسمعه جميعهم، أو أكثرهم، لوجب ردهم كل الأخبار المروية، أو أكثرها، لأن الأكثر من الأخبار قد تفرد بنقله جماعة دون

____________

(1) المغني 17 / 190.

(2) يعني أبا عبد الله الحسين بن علي البصري وقد تقدم ذكره.

(3) غ " ثم التعبد ".

(4) غ " صلى الله عليه ".

(5) تقدم تخريج هذا الحديث.

(6) ما بين الحاصرتين من المغني.

(7) غ " ما يقيم به الحجة ".

(8) غ " علم بذلك وحاله ما ذكرناه أنه صحيح ".

(9) المغني ج 17 / 191.


الصفحة 255
غيرها، وآحاد دون جماعة، ولم يكن جميع الأصحاب ملازمين للنبي صلى الله عليه وآله في كل أحواله، بل قد كان يشهد منهم بعض، ويغيب آخر، وليس يمتنع على هذا أن يخبرهم. هذا الخبر جماعة لا يكون مثلها قاطعا للعذر في الحقيقة إذا أنعم النظر (1) في أمرهم فيعتقدوا صحة قولهم بالشبهة الداخلة من بعض الوجوه التي قدمنا ذكرها، ولا يكون لهم رد خبرهم من حيث لم يشهده جميعهم لم ذكرناه آنفا من أن أكثر ما نقل من الاخبار قد كان يحضره بعضهم، ويغيب عنه سائرهم، ولا يكون لهم أيضا رده، من حيث كان متضمنا ما يعم فرضه، ولم يرد من جهة تقطع العذر، لأنهم قد اعتقدوا في الخبر - لقوة الشبهة - أنه قاطع للعذر وان لم يكن كذلك، فلم يبق إلا أن يقال: إن الغلط في الاستدلال لا يجوز عليهم.

وهذا إن قيل عقلا عرفت صورة قائله، وإن قيل سمعا فنحن في الكلام على السمع المدعى، وقبل تصحيحه لا يجب القطع على ذلك.

وقوله في كلامه: " ولم يخبر بذلك إلا واحد لا يعرفون صدقه (2) " مضى الكلام على مثله، لأنهم وإن لم يعرفوا صدقه معتقدون له.

وقوله: " لقد كان الواجب أن يردوه، ويقفوا عند قوله " صحيح، غير أن الواجب يجوز أن لا يفعله من يجب عليه وكلامنا فيما يجوز أن يفعلوه، أو يخلوا به لا فيما يجب عليهم، وليس يكون نتيجة تقديمه أن الواجب أن يردوه، ويقفوا عنده، أنهم إذا أذعنوا له ولم ينكروه، علم أنه صحيح، بل إنما تكون هذه النتيجة إذا تقدم مع أن الواجب أن يردوه

____________

(1) أنعم النظر: زاد فيه تمعنا.

(2) المغني 17 / 191.


الصفحة 256
أنهم لا يعدلون عن واجب ولا يخلون به وهيهات (1) أن يصح هذا.

فأما قوله: " ونظير ذلك أن نجد إنسانا يروي خبرا عن مجلس حافل، ومجمع عظيم، فالمعلوم أنه متى كان كاذبا أنكر عليه من يحضر ذلك المجلس، وإذا لم ينكره علم صدقه في خبره (2) " فباطل لأنه غير ممتنع أن يمسك أهل المجمع الذي ذكره عن كاذب يعرفون كذبه إذا كان هناك غرض لهم، أو كان في الامساك عن تكذيبه دفع ضرر عنهم، أو جر نفع إليهم، لأنا نعلم أنه لو كان لأهل هذا المجمع ببعض الناس عناية، وكان شريكا لهم في أموالهم، أو قريبا إليهم في نسبهم، وكانوا قد أحسوا من بعض السلاطين الظلمة يطمع في حاله وماله (3)، وقام هذا المخبر الكاذب بحضرة ذلك السلطان، أو بحضرة من يبلغه من أصحابه، فقال وأهل المجمع حضور: هؤلاء يعلمون أن فلانا - وأشار إلى الذي ذكرناه - أنه شريك للقوم، أو هم على عناية شديدة به فقير لا حال له ولا مال، وأنه حضرهم في يوم كذا فسألهم ما يصلح به حاله، ويلم به شعثه (4)، لكان جميع أهل المجمع يمسكون عن الرد عليه مع علمهم بكذبه، بل ربما صدقوه، وشهدوا لفظا بمثل قوله، ومن دفع هذا كان مكابرا لعقله، على أن ما ضربه من المثل غير مشبه لما نحن فيه، ولو سلم له لأن خبر الاجماع لم يدعيه الراوي على الصحابة، ولا استشهدهم عليه، لأنا قد بينا بطلان

____________

(1) هيهات: كلمة تبعيد وهي مبنية على الفتح وبعضهم يكسرها على كل حال.

(2) المغني 17 / 192.

(3) الحال: التراب اللين الذي يقال له: السهلة، والطين الأسود ويسمى اللبن الذي عن كراع حالا، والمال في الأصل: الذهب والفضة ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك، فعليه يكون الحال والمال كل ما يملك من نقد وغيره، وفي حديث فدك قال أبو بكر لفاطمة عليها السلام لما طالبته بها: " وهذه مالي لا تزوى عنك ولا تدخر دونك ".

(4) الشعث - بالتحريك - إنشار الأمر.