الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى 

 

بالشبهة خبرا غير صحيح، ويجمعوا عليه، ولا يكون ما جرت به عادتهم مانعا مما ذكرناه، وما نجد بين الطريقة التي اعتمدها، والتي أبطلها فرقا يرجع إلى المعنى وإن كان قد ذكر في إحداهما العادة ولم يذكرها في الأخرى، بل أورد معناها، وجعلها في طريقته عادة في قبول الصحيح من الأخبار دون السقيم، وفي هذا الموضع عادة في تجنب الخطأ على سبيل الجملة، ولا فرق بين الأمرين في المعنى، لأنه إذا جوز عليهم خلاف المعلوم منهم من قصد الحق، ومفارقة الباطل، وتجنبه على سبيل الجملة جوز عليهم خلاف المعلوم منهم من رد سقيم الأخبار، وقبول صحيحها، وما قامت به الحجة منها، فإن تجويز ذلك ضرب من تفصيل الجملة المجوز عليهم.

فأما قوله: " وهذه القضية قائمة في كثير من أمم من تقدم، وهي أيضا قائمة في الجماعات الكثيرة من الأمة (1) فكذلك ما ذكره من قبول الثابت من الأخبار، ورد المشكوك فيه، هو قائم في الجماعات من أمتنا وغيرهم من الأمم المتقدمة، ولم يمنع حصوله فيهم من الخطأ بالشبهة، فيجب أن يجوز مثله على الكل انتهى الكلام في الاجماع (2) ونحن نعود إلى كلامه فيما يتعلق بالإمامة والنقض عليه.

قال صاحب الكتاب: " على أنه لو صح ما قالوه، كان لا يجب إثبات معصوم لجواز أن تكون الشريعة محفوظة بالنقل المتواتر، كما أن

____________

(1) في الأصل " الأمم " واستظهرنا ما في المغني كما تقدم قبل قليل.

(2) إلى هنا انتهى ما نقله المرتضى من كلام قاضي القضاة في الاجماع وقد حذف ما لا يتعلق بمراده منه وتجده كاملا في الجزء السابع عشر وهو جزء الشرعيات " من " المغني " ص 153 - 203.


الصفحة 276
القرآن محفوظ بهذه الطريقة، إلى غير ذلك من السنن، فكأن لا يمتنع في كل شرع أن يكون منقسما (1) إلى ما يثبت بالتواتر، وإلى ما يثبت بطريقة الاجتهاد والقياس،... " (2).

فيقال له: قد مضى الكلام على هذا حيث بينا أن التواتر لا يجوز أن تحفظ به الشريعة، وإن كانت الحجة به تثبت عند وروده، وأنه لا بد من معصوم يكون وراء الناقلين.

فأما الاجتهاد والقياس فقد بينا بطلانهما في الشريعة، وأنهما لا يثمران فائدة، ولا ينتجان علما ولا ظنا، فضلا عن أن تكون الشريعة محفوظة بهما.

قال صاحب الكتاب: " فلا بد للقوم مما ذكرناه في الطريق الذي يعرف به الإمام المعصوم، لأنه لا بد من أن يرجعوا فيه إلى التواتر، فإذا صار ذلك محفوظا وهو من أصل الشريعة لم يمتنع مثله فيما عداه وإلا أدى ذلك إلى إثبات لا نهاية لهم،... " (3).

وهذا أيضا مما قد مضى الكلام عليه، لأنا قد بينا أن المعرفة بوجود إمام معصوم حجة في كل زمان لا يفتقر إلى التواتر والنقل، بل هو مستفاد بأدلة العقول.

فأما المعرفة بعين الإمام، وأنه فلان دون فلان، فهو وإن كان معلوما بالنقل فالأمان حاصل للمكلفين من ضياعه (4) بعلمهم بوجود

____________

(1) غ " منتسبا ".

(2) المغني 20 ق 1 / 80.

(3) المغني 20 ق 1 / 80.

(4) من اشتباهه خ ل.


الصفحة 277
معصوم في الزمان، فمتى لم يقم الناقلون بما يجب عليهم من النقل للنص على عين الإمام ظهر الإمام، ودل على نفسه بالمعجز، وهذا بخلاف ما ظنه صاحب الكتاب.

قال صاحب الكتاب: " ولا بد لهم في ذلك من وجه آخر، وذلك أنهم زعموا أن الإمام الذي يحفظ الشرع، لا يلقى كل المكلفين، ولا يلقاه جميعهم، ولا بد فيما يحفظه أن يبلغه المحتاج إليه منهم بطريق التواتر، فإذا صح فيما يحفظه أن ينتهي إلى المكلفين بهذا الوجه لم يمنع مثله في شريعة الرسول صلى الله عليه وآله ويستغنى عن إثبات المعصوم،... " (1) وهذا مما قد تكلمنا عليه، وبينا أن الشرع وإن كان واصلا إلى من نأى عن الإمام بالتواتر، فإنه محفوظ في الإمام، لكونه مراعيا له، ومراقبا لتلافي ما يعرض فيه من خطأ، وإخلال بواجب، فإن ألزمنا مخالفونا القول بوصول شريعة الرسول صلى الله عليه وآله، إلينا على هذا الوجه التزمناه لأنا لا نأبى أن تكون الشريعة واصلة إلينا بنقل متواتر يكون من ورائه معصوم يراعيه، ويتلافى ما يعرض فيه (2) بل هذا هو نص مذهبنا، وإن أرادوا إلزامنا كون الشريعة منقولة إلينا ولا معصوم وراءها لم يكن هذا مشبها لما نقوله فيما ينقل عن الإمام وهو حي إلى من نأى عنه في أطراف البلاد، وصار قولهم لنا: قولوا في هذا ما قلتموه في ذلك لا معنى له.

قال صاحب الكتاب: " ولا بد لهم من ذلك من وجه آخر، لأن الإمام عندهم قد يكون مغلوبا بالخوارج وغيرهم، ولا بد مع إثبات

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 80.

(2) ومتلافيا ما يعرض، خ ل.


الصفحة 278
التكليف من معرفة الشرائع، فإذا صح أن يعرفوها (1) والحال هذه لا من جهة الإمام فلا يمتنع في سائر الأحوال مثله، ويستغنى عن الإمام المعصوم، ولا بد من ذلك من وجه آخر، لأن الإمام منذ زمان غير معلوم عينه، وإن كان له عين فغير معلوم مكانه، وغير متميز على وجه يصح أن يقصد، وقد صح مع ذلك أن نعرف الشرائع ونقوم بها، فغير ممتنع مثله في سائر الأزمنة،... " (2) يقال له: أما غلبة الخوارج فغير مانعة من حفظ الشرع، وأما معرفته في هذه الأحوال - يعني أحوال غلبتهم - فيكون بالنقل عن صاحب الشرع، أو عمن تقدم إمام الزمان من الأئمة، ويكون ذلك النقل محفوظا بإمام الزمان، وليس يجوز أن تنتهي غلبة الخوارج إلى حد يمنع الإمام من بيان ما ضاع من الشرع (3)،. وأخل به الناقلون، لأن ذلك لو علم لما كلفنا الله تعالى العمل بالشرع، والثقة به، والقطع على وصوله إلينا، وفي العلم بأنا مكلفون بما ذكرناه دليل على أن الإمام لا يجوز أن ينتهي به غلبة الخوارج إلى حد يمنعه من بيان ما يضيع من الشرع.

فأما حال الغيبة فغير مانعة من المعرفة بالشرع، ومن حفظة أيضا على الوجه الذي بيناه، ولم نقل: إنا نحتاج إلى الإمام في كل حال لنعرف الشرع، بل لنثق بوصوله إلينا، ونحن نثق بذلك في حال الغيبة لعلمنا بأنه لو أخل الناقلون منه بشئ يلزمنا معرفته لظهر الإمام، وبين بنفسه عنه.

قال صاحب الكتاب: " قد قال شيخنا أبو علي: إن كان الغرض

____________

(1) في الأصل (أن يعرفوه) وما في المتن عن " المغني ".

(2) المغني 20 ق 1 / 81.

(3) الشريعة، خ ل.


الصفحة 279
إثبات إمام في الزمان، وإن لم يبلغ (1) ولم يقم بالأمور، وصح ذلك، فما الأمان (2) من أنه جبرائيل، أو بعض الملائكة في السماء ويستغنى عن إمام في الأرض لأن المعنى الذي لأجله يطلب الإمام عندكم يقتضي ظهوره فإذا لم يظهر كان وجوده كعدمه وكان كونه في الزمان ككون (3) جبرئيل في السماء " (4).

يقال له: لا شك في أن الغرض ليس هو وجود الإمام فقط، بل أمره ونهيه وتصرفه، لأن بهذه الأمور ما يكون المكلفون من القبيح أبعد، وإلى فعل الواجب أقرب، غير أن الظالمين منعوه مما هو الغرض، واللوم فيه عليهم، والله المطالب لهم، ولما كان ما هو الغرض لا يتم إلا بوجوده أوجده الله تعالى، وجعله بحيث لو شاء المكلفون أن يصلوا إليه، وينتفعوا به لوصلوا وانتفعوا بأن يعدلوا عما أوجب خوفه وتقيته فيقع منه الظهور الذي أوجبه الله تعالى عليه مع التمكن، ولما كان المانع من تصرفه وأمره ونهيه غير مانع من وجوده لم يجب (5) من حيث امتنع عليه التصرف بفعل الظلمة أن يعدمه (6) الله تعالى، أو ألا يوجده في الأصل، ولو فعل ذلك لكان هو المانع حينئذ للمكلفين لطفهم، ولكانوا إنما أوتوا في فسادهم، وارتفاع صلاحهم من جهته، لأنهم غير متمكنين مع عدم

____________

(1) غ " وإن لم يقع " والظاهر التحريف..

(2) فما المانع، خ ل.

(3) بمنزلة كون، خ ل.

(4) المغني 20 ق 1 / 81.

(5) لم يجز، خ ل.

(6) أي لا يوجده أصلا.


الصفحة 280
الإمام من الوصول إلى ما فيه لطفهم ومصلحتهم، فجميع ما ذكرناه يفرق بين وجود الأمم مع الاستتار وبين عدمه، وبما تقدم يعلم أيضا الفرق بينه وبين جبرائيل في السماء لأن الإمام إذا كان موجودا مستترا كانت الحجة لله تعالى على المكلفين به ثابتة، لأنهم قادرون على أفعال تقتضي ظهوره، ووصولهم من جهته إلى منافعهم ومصالحهم، وكل هذا غير حاصل في جبرئيل عليه السلام فالمعارض به ظاهر الغلط.

قال صاحب الكتاب: " ومتى قالوا: بأن الاجماع حق لكون الإمام فيه، أريناهم أنه لا فائدة تحت هذا القول، لأن الحجة هي قول الإمام، فضم سائرهم إليه لا وجه له، كما لا يجوز أن يقال: إجماع النصارى حق إذا كان عيسى فيهم، وقول اليهود حق إذا كان موسى فيهم، وكما لا يجوز أن يقال: إن إجماع الكفار حق إذا كان رسول الله (1) صلى الله عليه وآله وسلم فيهم، فقد بينا من قبل أنه لا بد من محقين في الأمة من الشهداء وغيرهم على ما يقوله شيخنا أبو علي (2)، فإن رجعوا بهذا الكلام علينا في الشهداء لم يكن لازما لأنا لا نعينهم (3) ولا يمتنع لفقد التعين أن يجعل الاجماع الذي هو حجة إجماع المؤمنين ولو تميز ولجعلنا إجماعهم هو الحجة، وليس كذلك ما قاله القوم بأن الإمام عندهم مميزا، فالذي ألزمناه (4)، متوجه، وهو عنا زائل،... " (5).

يقال له: قول الإمام وإن كان بانفراده حقا، ولا تأثير لضم غيره

____________

(1) في المغني " رسولنا عليه السلام ".

(2) وهو أبو علي الجبائي وقد تقدمت الإشارة إليه.

(3) غ " لا نعيهم ".

(4) غ " ألزمناهم ".

(5) المغني 20 ق 1 / 81.


الصفحة 281
إليه، فلا بد من أن يكون جواب من سأل عن الاجماع الذي الإمام في جملته أنه حق، كما يكون مثل ذلك الجواب لمن سأل عن عشره (1) في جملتهم نبي.

فأما الفائدة في ذكر غير الإمام معه، والحجة في قوله بعينه، فإنما يسأل عنها من استعمل هذه اللفظة مبتدئا مع تميز قول الإمام، ونحن لا نكاد نستعملها في مثل هذه الحال، وإنما نجيب بالصحيح عندنا فيه عند سؤال المخالف عنه، وإن كان لا يمتنع أن يكون لذلك فائدة، وهي أن قول الإمام قد يكون غير متميز في بعض الأحوال كأحوال الغيبة، والخوف التي لا نعرف قول الإمام فيها على سبيل التفصيل، فلا يمتنع في مثل هذه الأحوال أن يعتبر الاجماع لعلمنا بدخول الإمام فيه، كما يقول خصومنا في الشهداء والمؤمنين، لأن إجماع هؤلاء عندهم هو الحجة، ولا تأثير بضم غيره إليه، ومع ذلك فنحن نراهم يعتبرون إجماع الأمة من حيث لم يتميز عندهم أقوال الشهداء والمؤمنين، وعلموا دخولها في جملة أقوال الأمة، وبهذا الجواب الذي ذكرناه يجب أن يجيب من سلم (2) الخبر المروي في الاجتماع الذي هو قوله: " لا تجتمع أمتي على ضلال " إذا تأوله على أن اجتماعهم حق لمكان الإمام المعصوم، ودخولهم في جملتهم متى سأل فقيل له: إذا كان قول الإمام هو الحجة بانفراده فأي معنى لضم غيره إليه، لأنا قد بينا الوجه في حسن استعمال ذلك ابتداء، ونبهنا على وجه الفائدة فيه في الأحوال التي لا يتميز قول الإمام فيها، وبينا أيضا الفرق بين ما يبتدئ المستعمل باستعماله من الكلام فيلزمه المطالبة لفائدته وبين ما يتناوله من سؤال خصمه، ويخرج له الوجوه وليس يمتنع أن يجيب من

____________

(1) عن غيره خ ل وما في المتن أوجه بل أصح.

(2) سلم الخبر: أي جعله سالما من الطعن والخدش.


الصفحة 282
سأل عن إجماع النصارى إذا كان عيسى عليه السلام فيهم بأنه حق، وكذلك القول في إجماع اليهود إذا كان قول موسى عليه السلام في جملة أقوالهم، لأنا إن لم نقل أنه حق فلا بد أن يكون باطلا وكيف يكون باطلا وفي جملتهم نبي مقطوع على صدقه، اللهم إلا أن يسأل عن الفائدة في الابتداء بهذا القول، فقد قلنا إنه لا فائدة فيه إذا كان قول عيسى عليه السلام منفردا متميزا ولو عدم تميزه في بعض الأحوال لحسن استعماله كما حسن ذلك في الإمام عند الغيبة على مذهبنا، وفي الشهداء والمؤمنين على مذاهب خصومنا.

فأما تعاطيه (1) الفرق بين قولنا في الإمام وقوله في الشهداء، لأن الإمام متميز والشهداء غير متميزين، فقد بينا أن قول الإمام قد يكون غير متميز في بعض الأحوال فيجب أن يسوغ لنا فيه ما ساغ له في الشهداء.

ثم يقال له: لو تعين الشهداء عندكم وتميزوا وسئلت عن إجماع الأمة هل هو حق بأي شئ كنت تجيب؟ فإذا قال أجيب بأنه حق قلنا:

فلم عبت علينا أن نجيب بمثل ذلك إذا سئلنا عن إجماع الأمة؟ وألا منعك من الجواب بأنه حق تميز الشهداء أو تعينهم؟ وأنه لا تأثير لضم غيرهم إليهم، فإن قال: كل هذا لا يمنع من الجواب بأنه حق إذا سئلت عن ذلك، لأنه لا بد أن يكون حقا إذا فرضنا هذا الفرض، وإنما العيب إذا ضم مبتدئا إلى الشهداء مع تعينهم وتميزهم غيرهم ثم قضى بأن في قولهم الحق قلنا: أصبت في هذا التفصيل وبمثله أجبنا.

قال صاحب الكتاب: " شبهة لهم أخرى، قالوا: إذا كان لا بد في شريعة محمد صلى الله عليه وآله وهو خاتم الأنبياء من حافظ

____________

(1) يقال: فلان يتعاطى كذا: أي يخوض فيه.


الصفحة 283
ومبلغ، وكان لا يصح أن يقع ذلك بالتواتر فلا بد من إثبات إمام معصوم يكون في حال بمنزلة الرسول صلى الله عليه وآله في أنه يبلغ ويعلم ويرجع إليه في المشكل، ويؤخذ عنه الدين وكما لا يجوز أن لا يكون الرسول في كل حال مع الحاجة إلى معرفة الشرع (1) فكذلك لا يجوز أن لا يكون الإمام في كل حال مع الحاجة إلى ذلك، وقد حوا في التواتر بوجوه قد قدمنا ذكرها في باب الأخبار (2) وأحدها أن كل واحد منهم إذا جاز أن يكتم النقل ويكذب ويغير فيجب جواز ذلك على جميعهم، وإن لا يصح القطع عل صحة خبرهم، (3)... ".

يقال له: هذه الطريقة صحيحة معتمدة ويؤيدها ما دللنا عليه من قبل أن التواتر لا يجوز أن يقتصر عليه في حفظ الشرع، وأدائه، وأنه لا بد من كون معصوم وراءه.

فأما القدح في التواتر فمعاذ الله أن نراه أو نذهب إليه، فإن كان يظن أنا إذا منعنا من أن يحفظ الشرع به، فقد قدحنا فيه، فقد أبعد لأن القدح فيه إنما يكون بالطعن في كونه حجة، وطريقا إلى العلم عند وروده على شرائطه فأما لما ذكرناه فلا.

وقوله في الحكاية عنا: " إن كل واحد منهم إذا جاز أن يكتم ويكذب فيجب جواز ذلك على جميعهم، وإن لا يصح القطع على صحة خبرهم " غلط طريف لأنا لا نجيز الكذب على جماعتهم على الحد الذي أجزناه على آحادهم، ولو كنا نجيز ذلك للحقنا بمنكري الأخبار، والذاهبين إلى أنها لا توجب علما، والمعلوم من مذهبنا خلاف هذا.

____________

(1) غ " الشريعة ".

(2) باب الأخبار في الجزء السادس عشر من المغني.

(3) المغني 20 ق 1 / 82.


الصفحة 284
وأما الكتمان فإذا جاز على آحادهم وجماعاتهم فليس يجب أن يكون مانعا من القطع على صحة خبرهم إذا ورد على الشرائط المخصوصة، وإنما يكون مانعا من كونهم حافظين للشرع، لأنه إذا جاز ذلك عليهم لم نثق بأنه لم يقع منهم إلا بأن يقطع على وجود معصوم يكون وراءهم متى وقع منهم الكتمان الجائز عليهم تلافاه وبين عنه فليس يجب أن يخلط صاحب الكتاب جواز الكتمان بجواز الكذب (1) وإخراجهم من أن يكونوا حافظين للشرع بإخراجهم من أن يكونوا حجة فيما يتواترون به فإن ذلك لا يختلط إلا عند من لا معرفة عنده.

قال صاحب الكتاب: " واعلم أن أمثال هذه الشبهة (2) لا يجوز أن يكون مبتداها إلا من ملحد طاعن في الدين لأنها إذا صحت وجب بطلان النبوة والإمامة لأنا إنما نعلم بالتواتر كون النبي صلى الله عليه وآله وكون القرآن ووقوع التحدي به، وأنه لم يقع من جهتهم معارضة، وبه نعلم ثبوت الشرائع (3) ونسخ المنسوخ منها، وبه نعلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم خاتم النبيين، وأن شريعته ثابتة، وأنه لا نبي معه ولا بعده [ إلى غير ذلك ] (4) فالطاعن في التواتر يريد التشكيك في جميع ما قدمناه مما بإبطاله أو بإبطال بعضه يبطل الدين، فكيف يعلم مع فساد التواتر القرآن وتميزه من غيره حتى يكون حجة؟ وهذا القول أداهم إلى جواز الزيادة في القرآن وأنها قد كتمت،... " (5)

____________

(1) خ " بجواز الكذب جواز الكتمان ".

(2) غ " الشبه ".

(3) غ " إثبات الشرائع ".

(4) الزيادة من المغني.

(5) المغني 20 ق 1 / 82.


الصفحة 285
يقال له: أما التواتر فقد بينا أنا لا نطعن عليه ولا نقدح فيه، بل هو عندنا من حجج الله تعالى على عباده، وأحد الطرق إلى العلم، فمن ظن علينا خلاف هذا، أو رمانا بإبطاله فهو مبطل سرف (1) والذي نذهب إليه من جواز الكتمان والعدول عن النقل عن الناقلين لا يقتضي إبطال التواتر، وترك العمل عليه إذا ورد على شرائطه، لأنه إنما يكون حجة إذا قام الرواة بأدائه ونقله، فأما إذا لم يفعلوا ذلك فقد سقطت الحجة به، وجميع ما ذكره وجعل التواتر طريقا إليه من العلم بكون النبي والقرآن ووقوع التحدي صحيح، وليس بحجة علينا، بل على من طعن على التواتر، وذهب إلى أنه ليس بطريق إلى العلم.

فأما عدم المعارضة وادعاؤه أن الطريق إلى فقدها (2) هو التواتر وإدخاله ذلك في جملة ما تقدم فطريف، لأن مثل هذا لا يعلم بالتواتر ولا يصح النقل فيه، وإنما يعلم فقد المعارضة من حيث علمنا توفر دواعي المخالفين إلى نقلها، وحرصهم على ذكرها والإشارة بها، لو كانت موجودة، فإذا فقدنا الرواية لها مع قوة الدواعي وشدة البواعث قطعنا على نفيها.

وأما ثبوت الشرائع، والناسخ والمنسوخ، وما جرى مجراهما فنعلم من جهة التواتر ما وردت به الرواية المتواترة، ونعلم أن جميع الشرع وأصل إلينا من جهته وأنه لم ينكتم عنا منه شئ بالطريق الذي قدمناه، وهو أن الإمام المعصوم إذا كان موجودا في كل زمان وجرى في الشريعة ما قدرناه وجب عليه الظهور والبيان، وإيصال المكلفين إلى العلم بما طواه

____________

(1) السرف - بفتح السين وكسر الراء -: الجاهل والسرف: الخطأ، وهي في الأصل " مشوف " ولم يظهر معناها.

(2) الضمير للمعارضة.


الصفحة 286
الناقلون، فنعلم بفقد تنبيهه على الخلل الواقع في الشريعة عدم ذلك.

فأما القول بأن في القرآن زيادة كتمت ولم تنقل فلم يتعد الذاهبون إليه ما تناصرت به الروايات وأجمع عليه الرواة من نقل آي وألفاظ كثيرة شهد جماعة من الصحابة أنها كانت تقرأ في جملة القرآن وهي غير موجودة فيما تضمنه مصحفنا والحال فيما روي من ذلك ظاهرة (1)، وليس المعقول فيما جرى مجرى النقل على من ليس من أهله ممن يدفع باقتراح كل ما ثلم اعتقادا له أو خالف مذهبا يذهب إليه، وليس يلزم لأجل هذا التجويز ما لا يزال يقوله لنا مخالفونا من الزامهم التجويز، لأن يكون في جملة ما لم

____________

(1) كرواية مسلم في صحيحه 3 / 1317 في كتاب الحدود باب رجم الثيب في الزنى عن ابن عباس، قال عمر بن الخطاب وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها، فرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بنا الزمان، أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، وأن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف " فيكون هذا من باب ما نسخ رسمه وبقي حكمه، أو كما روي عن ابن مسعود أنه كان إذا قرأ (وكفى الله المؤمنين القتال) يتبعها " بعلي " فيكون هذا من باب التوضيح وتبين سبب النزول لا أنها من نفس القرآن الكريم، وكل ما ورد من الروايات سواء كان من طريق أهل السنة أو الشيعة مرفوضة مردودة على روايتها لأن القرآن كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ومن خلفه، وقد تعهد سبحانه بحفظه (لو كان من عنده غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا) وكل من ادعى غير ذلك فهو مخترق أو مغالط أو مشتبه، هذا غير القراءات التي لا تغير مباني الكلمات التي أذن الله بها على لسان نبيه صلى الله عليه وآله كما هو معروف بين الإمامية للمظفر، وأصل الشيعة وأصولها لكاشف الغطاء ومراد المرتضى أن ذلك وارد لا أنه يعتقد صحته، وعلى كل حال فإجماع الأمة أن من زعم أن شيئا ما بين الدفتين ليس من القرآن فهو خارج عن الملة، وانظر الاتقان للسيوطي 1 / 101 و 120 و 2 / 40 و 41.


الصفحة 287
يتصل بنا من القرآن فرائض وسنن وأحكام لأنا نأمن ذلك بالوجه الذي ذكرناه وعولنا عليه بالثقة بوصول جميع الشرع إلينا، وليس الملحد المشكك في الدين من لم يجعل الأمة المختلفة المتضاربة (1) التي يجوز عليها الخطأ والضلال حجة في حفظ الشرع وقصر حفظه على معصوم كامل لا يجوز عليه شئ مما عددناه، بل الملحد المشكك في الذين الناطق بلسان أعدائه وخصومه هو من ذهب إلى أن الشرع محفوظ بمن وصفنا حاله، لأن الناظر المتأمل إذا فكر فيمن جعله هؤلاء القوم حجة في الشرع حافظا له، ورأى ما هم عليه من جواز الخطأ، والإعراض عن النقل، والميل إلى الهوى وأسبابه كان هذا له طريقا مهيعا (2) إلى الشك في الدين، وارتفاع الثقة بالشريعة، إن لم يوفقه الله تعالى لإصابة الحق، ويلهمه ما ذهبنا إليه من أن الحافظ للشرع والحجة فيه هو المعصوم الخارج عن صفات الأمة.

قال صاحب الكتاب: " فإن لم يثبت التواتر كيف يعلم الإمام المعصوم لأنه لا يمكن في إثباته إلا أحد طريقين أما النص أو المعجز، ولا بد في صحتهما من التواتر وكيف يعلم من جهة الإمام ما يتحمله من الشرع [ لأنه لا يمكن إثبات النص عند كل مكلف إلا بهذا الوجه، وكذلك القول في المعجز إذا كان به يتبين الإمام من غيره، وبه تعرف إمامته ] (3)... " (4) وهذا كله مما قد مضى الكلام عليه مكررا.

قال صاحب الكتاب: " على أن ذلك يجري مجرى البهت (5) لأنا

____________

(1) خ " المتعادية ".

(2) المهيع: الواسع.

(3) ما بين المعقوفين ساقط من " الشافي " وأعدنا من " المغني ".

(4) المغني 20 ق 1 / 82.

(5) البهت - بسكون وبفتح أيضا - البهتان، وهو الكذب على الغير، مأخوذ من الحيرة، لأن المكذوب عليه إذا سمعه تأخذه الحيرة.


الصفحة 288
نجد من أنفسنا أنا نعرف إن كان الشرائع بالتواتر وإن لم نعرف الإمام المعصوم [ ولا تعرف صحته ] (1) ولا يمكنهم أن يدعوا علينا هذا الاعتقاد ونحن نعلم من أنفسنا خلافه، بل يعلمون ذلك من حالنا... " (2).

يقال له: هذا الكلام إنما يلزم من يذهب إلى أن التواتر لا يعرف به صحة شئ، وإن عرفت به فلا بد من تقدمة معرفة الإمام، وليس هذا مما نذهب إليه ولا نراه، بل قد يتمكن من الاستدلال بالتواتر من يجهل الإمام، فإن أراد بقوله: " إنا نجد من أنفسنا معرفة إن كان الشرع ما ذكرناه مما قد تواتر الخبر به، وقامت حجته بالنقل " فقد قلنا: " إن ذلك غير ممتنع، وإن أراد أنه يعرف من نفسه الثقة بأن شيئا من الشرع لم ينطو عنه، ولم يخف عليه، وإن لم يعرف الإمام ليبطل بذلك ما اعتمدناه من أن هذه الثقة لا تحصل إلا مستندة إلى الإمام فغير مسلم له ما ادعاه من المعرفة، وعندنا أنه متوهم غير عارف، ومعتقد غير عالم، وكون الانسان عارفا في الحقيقة لا يعلمه ألواح منا من نفسه ضرورة، وليس هذه الدعوى بأكثر من دعوى سائر المبطلين (3) من المجبرة وغيرهم، أنهم عارفون بصحة مذاهبهم، وعالمون بها، فكما أن ذلك غير ملتفت إليه منهم فكذلك ما ادعاه.

قال صاحب الكتاب: " شبهة لهم أخرى، قالوا: متى جوزنا على الإمام أن لا يكون معصوما يؤمن سهوه وغلطه جوزنا أن يقدم على ما يوجب الحد وسائر ما احتيج من أجله إلى الإمام، وذلك يوجب أنه مشارك (4) للرعية فيما له احتاجت إلى الإمام، وهذا يوجب حاجته إلى الإمام

____________

(1) الزيادة من المغني.

(2) المغني 20 ق 1 / 83.

(3) مخالفينا، خ ل.

(4) غ " مساو ".


الصفحة 289
آخر، والقول فيه كالقول في هذا الإمام إن لم يكن معصوما، ولا يمكن التخلص من ذلك إلا بإثبات معصوم في الزمان على ما نقوله ".

قال: " واعلم أن ذلك ينتقض عليهم بالأمير لأنهم يجوزون عليه ما يجوز [ ون ] على رعيته، ولم يمنع ذلك من كونه أميرا يقيم عليهم الحدود، ولا يقيمونها (1) عليه، ومتى قالوا في الأمير (2): إنه متى أقدم على ما يوجب الحد فالإمام يقيم الحد عليه، لم يمنع ذلك من صحة التفرقة بينه وبين رعيته، وإنما أردنا بالكلام (3) إبطال قولهم: إن كونه غير معصوم يؤدي إلى أن لا يكون بينه وبين رعيته فرق لأنه قد ظهر الفرق بما ذكرناه، فكما يجوز في الأمير أن يقوم بهذه الأمور ويكون له المزية عليهم فإذا أحدث حدثا وجب عزله، ولم يقدح عزله في مزيته عليهم من قبل، فكذلك القول عندنا في الإمام... " (4).

فيقال له: هذا الدليل من آكد ما اعتمد عليه في عصمة الإمام من طريق العقول، وترتيبه أن حاجة الناس إلى الإمام إذا وجبت بالعقل لم يخل من وجهين، إما أن يكون ثبت وجوبها لارتفاع العصمة عنهم، وجواز فعل القبيح منهم، أو لغير ذلك، فإن كان لغيره لم يمتنع أن تثبت حاجتهم إلى الإمام مع عصمة كل واحد منهم، لأن العلة إذا لم تكن ما ذكرناه لم يكن لفقدها تأثير، وجاز أن تثبت الحاجة بثبوت مقتضاها، ألا ترى أن المتحرك لم تكن العلة في كونه متحركا سواده جاز أن يكون متحركا

____________

(1) غ " ولا يقيمون ".

(2) يعني بالأمير الذي يوليه الإمام إحدى الجهات.

(3) " بالكلام " ساقطة من " المغني ".

(4) المغني 20 ق 1 / 84.


الصفحة 290
مع عدم السواد (1)، ولو جاز أن يحتاج المكلفون إلى الإمام مع عصمتهم لجاز أن يحتاج الأنبياء إلى الأمة، والرعاة مع ثبوت عصمتهم، والقطع على أنهم لا يقارفون شيئا من القبائح، وهذا معلوم فساده على أنه لو لم تكن العلة في حاجتهم ارتفاع العصمة لجاز أن يستغنوا عنه مع كونهم غير معصومين، وليس يجوز أن يستغنوا عن الإمام، وأحوالهم هذه، لما دللنا عليه عند الكلام في وجوب الإمامة، ولا شئ أظهر في إثبات العلة من وجود الحكم تابعا لوجوده، وارتفاعه بارتفاعها، وإن كانت الحاجة إلى الإمام إنما وجبت بارتفاع العصمة وجواز الخطأ، وفعل القبيح لم يخل حال الإمام نفسه من وجهين، إما أن يكون معصوما مأمونا من فعل القبيح، أو غير معصوم فإن لم يكن معصوما وجب حاجته إلى الإمام بحصول علة الحاجة فيه، ولم يخل إمام (2) أيضا من أن يكون معصوما أو غير معصوم، فإن لم يكن معصوما احتاج إلى إمام، واتصل ذلك بما لا نهاية له، فلم يبق إلا القول بعصمة الإمام، وانتهاء الأمر في الرئاسة والإمامة إلى معصوم لا يجوز عليه فعل القبيح.

فإن قيل: قد بنيتم كلامكم على أن المعصوم لا يحتاج إلى إمام، وعولتم في ذلك على أمر الأنبياء عليهم السلام فلم زعمتم أن كل من ثبتت عصمته لا يحتاج إلى إمام؟ ولم أنكرتم أن يعلم الله تعالى من بعض عباده أنه إذا نصب له إماما اختار الامتناع من كل القبائح وفعل جميع الواجبات؟ ومتى لم ينصب له إماما لم يختر ذلك فيكون معصوما مع أن له إماما؟.

____________

(1) سواده خ ل.

(2) في الأصل " إمامة " والوجه ما أثبتناه.


الصفحة 291
يقدح في قولنا إن المعصوم لا يحتاج إلى إمام مع عصمته لأن كل من كانت عصمته بالإمام لم يحتج إلى إمام مع عصمته، وإنما احتاج إليه ليكون معصوما به، فلم تستقر له العصمة بغير الإمام مع حاجته إلى الإمام، وإنما يكون مفسدا لما ذكرناه (1) معارضتك لنا على معصوم لم تكن عصمته ثابتة بالإمام، وهو مع ذلك يحتاج إلى إمام، على أن ما بنينا عليه الدليل يسقط هذه المعارضة، لأنا عللنا (2) وجوب حاجة الناس إلى ذلك المعصوم، وقضينا بأن من كان معصوما لا تجب حاجته إلى إمام، وتقديرك هذا ليس بموجب حاجة المعصوم إلى إمام، وإنما يقتضي إذا صح تجويز ذلك، والتجويز لا يقدح فيما اعتمدناه، لأن الحاجة إلى إمام لا تجب للمعصوم.

فإن قيل: ولم أنكرتم أن يكون يحتاج المعصوم مع عصمته الثابتة بغير إمام إلى إمام ليكون مع وجوده أقرب إلى فعل الواجب وترك القبيح؟

قيل له: ليس يجب عندنا إذا فعل الله تعالى ما يعلم أن العبد يفعل عنده الواجب وترك القبيح أن يفعل به جميع ما يكون معه أقرب إلى فعل الواجب وترك القبيح، لأن ما فعله مما قد علم أنه لا يخل معه بالواجب يغني ويكفي، وإذا ثبتت هذه الجملة بطل ما سأل عنه، لأن المعصوم الذي قد علم الله تعالى أنه لا يختار شيئا من القبائح عندما فعله به من الألطاف التي ليس من جملتها الإمامة هو مستغن عن إمام يكون عند وجوده أقرب إلى ما ذكر.

فإن قيل: ما ذكرتموه يؤدي إلى أن يكون المعصومون مستغنين عن

____________

(1) لما اعتمدناه، خ ل.

(2) دللنا خ ل.


الصفحة 292
تكليف المعرفة بالله تعالى (1) بعصمتهم كما استغنوا بعصمتهم عن الإمام وإلا فإن وجب أن يحتاجوا إلى المعرفة مع عصمتهم ليكونوا عندنا أقرب إلى فعل المراد وتجنب المكروه وجب أن يحتاجوا إلى إمام مع عصمتهم لمثل ذلك.

قيل له: ليس ينكر أن يكون المعصومون إنما كلفوا المعرفة بالله تعالى لأن بها تتكامل عصمتهم، ومن أجلها لم يختاروا فعل القبيح، ولو جاز أن تتكامل لهم العصمة من دون تكليف المعرفة لم يجب تكليفهم المعرفة، كما لا تجب إقامة أئمة لهم إذا ثبتت عصمتهم من دون الإمام، فيكون الدليل الدال على عموم تكليف المعرفة للخلق كاشفا عن وقوع ما قدرناه في المعصومين منهم، من أن بالمعرفة تتكامل عصمتهم.

فإن قيل: هذا كلام من يجوز أن لا يكلف الله تعالى معرفته المعصومين على حال من الأحوال، وهي الحال التي يعلم أن عصمتهم تحصل من دون المعرفة، فإذا جاز ذلك عندكم فما الدليل الموجب لعموم تكليف المعرفة للمعصومين، وإذا كنتم قد أفسدتم التعلق بطريقة الأقرب فلم يبق لكم معتمد في عموم تكليفها.

قيل: ليس الأمر كما ظننت من بعد الدلالة على عموم تكليف المعرفة علينا إذا لم نعتمد طريقتك، وعندنا أن طريقة السمع هي الدلالة على عموم تكليفها لسائر من تكاملت شروطه، ولا شبهة في دلالة السمع على ذلك، لأن الأمة مجمعة على تساوي أحوال العباد في باب المعرفة لأن من ذهب إلى أنها مستدل عليها يذهب إلى عموم الخلق بتكليفها إذا تكاملت شروطه تكليفهم، ومن قال فيها بالاضطرار يقول في عمومها

____________

(1) حيث أن معرفته تعالى واجبة - كما يقول القاضي في شرح الأصول الخمسة ص 64 - لأنها لطف في أداء الواجبات واجتناب المقبحات.