الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى 

 

بمثل ذلك، ولو لم يكن في هذا إلا ما يعلم ضرورة من دين النبي صلى الله عليه وآله من أن تكليف معرفة الله تعالى، ومعرفة رسله عليهم السلام عامة للعقلاء، وأنه لا تخصيص فيها ولا تمييز إلا لمن لم تتكامل شروطه (1) لكان مقنعا، وبعد فقد علم أيضا من دين محمد صلى الله عليه وآله عموم وجوب الصلوات، وما أشبهها من العبادات الشرعية، لكل من تكاملت شروطه من المكلفين على وجه لا إشكال فيه، ونحن نعلم أن هذه العبادات لا يصح وقوعها قربة، وعلى الوجوه التي وجبت عليها ممن هو جاهل بالله تعالى أو غير عالم به، بل لا بد من تقدم معرفته تعالى بصفاته ومعرفة صدق رسوله صلى الله عليه وآله وفي هذا أوضح دلالة على وجوب المعرفة، لأن ما لا يتم فعل الواجب إلا به لا بد أن يكون واجبا، وليس لأحد أن يقول: هذه العبادات قد تسقط عن بعض العقلاء لأعذار معلومة فيجب أن تسقط المعرفة بسقوطها حتى يقضى على كل من لا يلزمه فعل شئ من العبادات بزوال تكليف المعرفة عنه، لأنه غير ممتنع أن يرجع في ثبوتها على من سقطت عنه العبادات الشرعية لبعض العذر إلى ضرب آخر من الاعتبار، وهو أن الأمة مجمعة على أن سقوط فرض المعرفة غير مانع لسقوط هذه العبادات، وهذا ما لا خلاف فيه، لأن من ذهب فيها إلى الضرورة لا يجعل فرضها ثابتا على المكلف في حال من الأحوال، فكيف يجعل سقوطها تابعا لسقوط العبادات في بعض الأحوال، ومن ذهب إلى أنها اكتساب من أهل الحق لا شبهة في قطعه على عموم تكليفها وأنها مما لا تتبع في الزوال العبادات الشرعية، والذاهب إلى أنها تقع

____________

(1) أي شروط التكليف.


الصفحة 294
بالطبع بعد النظر لا يخالف أيضا في هذه الجملة التي هي أن المعرفة غير تابعة في الزوال هذه العبادات.

واعلم أنا إنما سلكنا في ترتيب الدلالة التي قدمناها على عصمة الإمام مسلك من تقدم من سلفنا رضي الله عنهم، وإن كنا قد احترزنا في أثنائها بألفاظ مسقطة لبعض شبه الخصوم اللازمة على من يخالف ترتيبنا، واستقصينا الجواب عن قوي ما يمكن إيراده عليها من المطاعن والاعتراضات، ويمكن أن يستدل بمعنى هذه الطريقة على الترتيب الذي رتبته الآن.

فيقال: إذا ثبت وجوب الإمامة من الوجه الذي تقدم بيانه فالطريق الذي به يعلم وجوبها به يعلم جهة الوجوب المقتضي له، لأن الطريق إلى وجوب الحاجة إلى الإمام إذا كان هو كونه لطفا في ارتفاع القبيح وفعل الواجب، قد ثبت أن فعل القبيح والاخلال بالواجب لا يكونان إلا ممن ليس بمعصوم، فقد ثبت أن جهة الحاجة هي ارتفاع العصمة، وجواز فعل القبيح، واقترن العلم بالحاجة بالعلم بجهتها، وصارت الحاجة إلى وجوب الإمامة ما ثبت من كونها لطفا، وجهة الحاجة إلى كونها لطفا ارتفاع العصمة وجواز فعل القبيح، فالنافي لجهة الحاجة ومقتضيها كالنافي لنفس الحاجة، وجرى هذا في بابه مجرى ما يعتبره في تعلق أفعالنا بنا من حيث كانت محدثة، لأنا نقول ما دل على تعلقها بنا وحاجتها إلينا هو بعينه دال على أنها احتاجت إلينا من حيث كانت محدثة، لأنا إنما أثبتنا التعلق، والحاجة من حيث وجب وقوعها بحسب قصورنا وأقوالنا مع السلامة، وإذا وجدنا الصفة التي تحل عليها عند قصدنا هي الحدوث قطعنا على حاجتها إلينا في الحدوث، ومثل هذا الاعتبار استعملنا في استخراج جهة الحاجة إلى الإمام فلا بد على هذا من أن يكون الإمام معصوما ليخرج عن

الصفحة 295
العلة المحوجة إلى الإمام، وإلا أدى ذلك إلى وجود من لا نهاية له من الأئمة، ومتى اعتمد في عصمة الإمام هذا الترتيب الذي اخترناه سقط سائر ما يعترض به المخالفون في استخراج علة الحاجة إلى الإمام، وخف بذلك شغل كثير.

ويسقط أيضا ما لا يزالون يتعلقون به، فيقولون: كي تحكمون بأن المعصوم لا يجب حاجته إلى الإمام مع اعتقادكم كون أمير المؤمنين عليه السلام معصوما في حياة النبي صلى الله عليه وآله وهو مع ذلك محتاج إليه ومؤتم به وكذلك القول في الحسن والحسين عليهما السلام في حياة أمير المؤمنين عليه السلام، اللهم إلا أن تزعموا أن أمير المؤمنين عليه السلام لم يكن محتاجا إلى النبي صلى الله عليه وآله فتخرجوا عن الدين أو تزعموا أنه لم يكن معصوما في تلك الحال فتتركوا مذهبكم، وذلك أنا إنما منعنا حاجة المعصوم إلى إمام يكون لطفا له في تجنب القبيح وفعل الواجب، ولم نمنع حاجته إليه من غير هذه الوجهة، ألا ترى أن كلامنا إنما يكون في تعليل الحاجة إلى إمام يكون لطفا في الامتناع من المقبحات، ولم يكن في تعليل غير هذه الحاجة فإذا ثبتت هذه الجملة لم يمتنع استغناء أمير المؤمنين عليه السلام بعصمته في حال حياة النبي صلى الله عليه وآله عنه فيما ذكرناه، وإن لم يكن مستغنيا عنه في غير ذلك من تعليم وتوقيف (1) وما أشبهها، وكذلك القول في الحسن والحسين عليهما السلام أنهما يستغنيان بعصمتهما عن إمام يكون لطفا لهما في الامتناع عن القبيح. وإن جازت حاجتهما إلى الإمام للوجه الذي ذكرناه.

فأما قول بعضهم: إن الإمام إنما احتيج إليه لإقامته الحدود،

____________

(1) وهو الاستغناء بعصمته عنه بأن يكون لطفا له في الامتناع عن القبيح ولكنه لا يستغني عن تعليمه (لأنه باب مدينة علمه) وتوقيفه على ما يختص الإمامة.


الصفحة 296
وصلاة الجمعة، والغزو بالمسلمين، وقسمة الفئ، فيبطل بما بينا من ثبوت الحاجة إليه من الوجه الذي ذكرناه، وبأن الحاجة إليه عقلية وسائر ما ذكر سمعي، وبأن سائر ما ذكر قد يسقط عن بعض الأمة لأعذار مع ثبوت الحاجة إلى الإمام، على أنه ليس يخلو ما ذكروه من إقامة الحدود أن يريدوا به إقامتها على مستحقيها، أو يريدوا أن الإمام يحتاج إليه قبل استحقاقها ليتولى إقامتها عند استحقاق الجناة لها، فإن أرادوا الوجه الثاني فإنا لا نضايق فيه لأن المعنى يرجع إلى ما أردناه لأن من لم يقارف ما يوجب الحد إذا احتاج إلى إمام قبل مقارفته فلم يحتج إليه إلا للوجه الذي نعتبره، وهو كونه ممن يجوز أن يفعل القبيح ويقارف ما يستحق به التأديب، وإن أرادوا الوجه الأول (1) بطل بأنه مؤد إلى أن يكون أبرار الأمة (2) ومن كان منهم على حال السلامة غير محتاجين إلى الإمام، وأن تكون الحاجة إليه مختصة بالفساق ومستحقي الحدود، وهذا فاسد بالعقل والسمع معا.

وأما معارضة صاحب الكتاب لنا بالأمير (3) وقوله " إذا جوزتم عليه ما تجوزونه على رعيته ولم يمنع ذلك من إثبات فرق ما بينه وبين رعيته، فقولوا: في الإمام مثله " فظاهر البطلان، لأنا أولا لم نقل: إن الإمام لو لم يكن معصوما لوجب أن لا يكون بينه وبين رعيته فرق من غير تقييد، بل قلنا: كان يجب أن لا يكون فرقا فيما احتاجوا من أجله إليه، وهكذا حكى عنا في الكلام الذي تعاطى اعتراضه، ولا ندري كيف استحسن

____________

(1) وهو القول بأن الحاجة إلى الإمام لإقامة الحدود بعد استحقاقها.

(2) أبرار الأمة: أهل الطاعة منهم، واحدهم بر قال الجوهري: " فلان يبر خالقه ويتبرره: أي يطيعه ".

(3) أي المنصوب من قبل الإمام في بعض الجهات.


الصفحة 297
حكاية شئ والكلام على غيره؟ ولم نقل أيضا إنه لا يجوز أن يقيم الحد من يمكن أن يستحق إقامته عليه، والذي قلناه غير هذا، وقد بيناه، وهو مفهوم، فأما الأمير فإنه لما لم يكن معصوما، وشارك رعيته في علة الحاجة إلى الإمامة والسياسة، قضينا بحاجته إلى إمام كما قضينا بحاجتهم، فإمامه هو إمام الكل، ورئيس الجميع، فيجب على صاحب الكتاب إذا ألزمنا حمل حال الإمام على حال الأمير أن يلتزم كون الإمام إذا كان غير معصوم مأموما بغيره قبل أن يحدث كما كان الأمير كذلك قبل أن يحدث، ولو جاز أن يستغني الإمام مع كونه مشاركا لرعيته والأمراء من قبله في كونهم غير معصومين عن إمام إلى أن يحدث لجاز أن يستغني الأمير وأبرار الأمة عن الإمام إلى أن يحدثوا، وإذا كان استغناء هؤلاء عنه محالا وجب ما ذكرناه فيه من لزوم الحاجة إلى إمام.

قال صاحب الكتاب: " ومتى قالوا بأن ذلك لا يصح لأمر يرجع إلى أن الإمام لا يكون (1) بالاختيار بينا فساد قولهم بما نذكره من بعد " (2) يقال له: الاختيار وإن كان عندنا فاسدا بما سنبينه بمشيئة الله تعالى عند بلوغنا إلى كلامك فيه، فإنا غير محتاجين في كسر اعتراضك على دليلنا في العصمة إلى ذكره، وفي بعض ما أوردناه كفاية في إبطاله.

قال صاحب الكتاب: بعد كلام في الحدود ذكره لا نرتضيه ولا نتعلق بمثله: " على أن الذي أوردتموه (3) من دعوى لا دلالة عليها فيقال لهم:

فما الذي يمنع من أن يجوز على الإمام الحدث ومع ذلك يقارف حاله حال

____________

(1) غ " لا يصح أن يكون ".

(2) المغني 20 ق 1 / 84.

(3) في الأصل " ذكروه " والتصحيح من المغني.


الصفحة 298
الرعية، لأنه إنما صار إماما لا من حيث لا يجوز عليه الحدث، لكن لطريق مخصوص حصل فيه ولم يحصل في أحد (1) من رعيته فكان له أن يقوم بالحدود والأحكام دونهم، فإن جاز عليه في المستقبل ظهور الحدث فما الذي يمنع من ذلك،... (2). " يقال له: إذا جاز عليه الحدث فقد شارك الرعية فيما من أجله احتاجت إليه، ووجبت حاجته إلى إمام كما وجبت حاجتهم إليه، ومفارقته للرعية في غير ذلك مع مشاركته لهم في علة الحاجة لا يمنع من حاجته إلى إمام كحاجتهم.

فأما قولك: " إنما صار إماما لا من حيث لا يجوز عليه الحدث " فهو صحيح إلا أنه رد على غيرنا لأنا لم نقل ذلك ولم نعتمده، وإن كان الإمام عندنا لا بد أن يكون ممن لا يجوز عليه الحدث للوجه الذي ذكرناه لا لأنه إنما صار إماما لأن الحدث لا يجوز عليه.

قال صاحب الكتاب: " فإن قالوا: لو جاز ذلك فيه لجاز في الرسول صلى الله عليه وآله حتى لا يبين (3) من أمته ولا يجب عصمته، قلنا لهم إنما وجب ذلك في الرسول صلى الله عليه وآله لأنه حجة فيما يؤديه لا للوجه الذي ذكرتم، فما الذي يمنع إذا لم يكن هذه حالة الإمام أن يكون بمنزلتهم في جواز ذلك عليه؟ وإن كان قد بان منهم بأن حصل معه الطريق الذي له كان إماما... " (4).

____________

(1) في المغني " حصل منه ولم يحصل من أحد ".

(2) المغني 20 ق 1 / 84.

(3) يبين: يفترق.

(4) المغني 20 ق 1 / 85.


الصفحة 299
يقال له: قد بينا فيما تقدم أن الإمام حجة فيما يؤديه من الشرع وأنه يجب أن يكون معصوما لنا من خطئه فيما يؤديه كالرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأبطلنا أن يكون الشرع محفوظا مؤدى بالأمة بما نستغني عن إعادته، وهو موجب لحصول العلة التي ارتضاها القوم في عصمة الرسول في الإمام غير أن كلامنا في هذا الموضع في نصرة الدليل الذي حكاه عنا، ورتبناه على الوجه الذي يصح معه دلالته على العصمة.

فيقال له: لو سلمنا أن الإمام ليس بحجة فيما يؤديه تبرعا، ولئلا نخرج من دليل إلى غيره لوجبت عصمته (1) لما قدمنا ذكره، لأن علة الحاجة إليه إذا كانت جواز فعل القبيح فلو لم يكن هو معصوما لجاز عليه فعل القبيح ولاحتاج إلى إمام لحصول علة الحاجة فيه ولا تصل ذلك بما لا نهاية له، وليس إذا لم تكن العلة في عصمة الرسول بعينها حاصلة في الإمام يجب أن ننفي عصمته، بل غير منكر أن تثبت عصمتهما جميعا بطريقين مختلفين.

قال صاحب الكتاب: " على أنه يقال لهم على علتهم هذه: فيجب أن لا يكون في رعية الإمام عندكم من يشاركه في العصمة ليكون بائنا منهم وإلا فإن جاز أن يكون فيهم من يكون حاله كحاله ولم يمنع ذلك من كونه إماما دونهم يلزمه في طريقه إثبات الإمامة فما الذي يمنع من مثله فيما نذهب إليه... " (2).

يقال: هذا الكلام إنما يلزم على العلة التي تظنها لا على العلة التي حكيتها عنها، ولا على ما رتبناه لأنا لم نقل: أن الإمام يجوز أن يشارك

____________

(1) عصمة الإمام، خ ل.

(2) المغني 20 ق 1 / 86.


الصفحة 300
رعيته في شئ من الصفات فيلزمنا أن لا نجوز أن يكون في رعيته معصوم، والذي قلناه وحكيت عنا معناه هو أن الإمام لا يجوز أن يشارك رعيته فيما احتاجوا من أجله إليه لأنه يؤدي إلى ما ذكرناه.

فأما قولك: " فما الذي يمنع من مثله فيما نذهب إليه " فالذي يمنع منه أنا إذا أثبتنا في الرعية معصوما مشاركا للإمام في العصمة لم نقض بحاجته إلى الإمام في الوجه الذي يكون الإمام عليه لطفا في ارتفاع القبيح لحصول علة الغنى ولم نناقض؟ وأنت إذا أثبت الإمام غير معصوم وجوزت عليه القبيح لزمك أن يكون له إمام لحصول علة الحاجة فمتى أثبت ذلك ناقضت.

قال صاحب الكتاب - بعد كلام في معنى العصمة وحدها لا حاجة بنا إلى ذكره: " فإن قالوا إنما نمنع من مشاركة الإمام رعيته فيما له وقعت الحاجة إلى الإمام وهو جواز الحدث فأما أن يشاركهم في العصمة فمما لا ننكره لأن ذلك بأن يكون مغنيا عن الإمام أولى من أن يكون سببا [ فكيف يلزمنا ما ذكرتموه ] (1) للحاجة إليه.

قيل لهم: ذلك لازم لا من الوجه الذي ظننتم لكن بأن يقول إذا كان في رعيته من يستغني عنه فيما ذكرتم ولم يمنع ذلك من كونه باينا منه بطريق الإمامة فما الذي يمنع من مثله فيما نذهب إليه ولا يجب أن يلزم الكلام إلا على طريق المناقضة، بل قد يلزم على هذا الوجه الذي ذكرناه، ويقع به التنبيه على أن الذي أوردتموه دعوى لا دلالة عليها،... " (2).

____________

(1) التكملة من المغني.

(2) المغني 20 ق 1 / 87.


الصفحة 301
يقال له: وهذا كالأول في أنه كلام على غير ما اعتمدناه، واعتراض على غير اعتلالنا،.

وقد بينا علتنا وطريق توجهها وإنا لم نحل مشاركة الإمام للرعية في بعض الصفات والذي أحلناه (1) وأبطلناه قد أفصحنا عنه.

والجواب من قولك: " فما الذي يمنع من مثله فيما نذهب إليه " فقد تقدم، وجملته أنك تثبت للإمام الصفة الموجبة للحاجة وتمنع من حاجته، ونحن إذا أثبتنا الصفات المغنية لبعض الرعية لم تدفع القطع على استغنائه، بل قضينا بذلك على الوجه الذي تقدم بيانه، اللهم إلا أن تلزم (2) حاجة الإمام لحصول علة الحاجة كما فعلنا نحن عكس ذلك عند حصول علة الاستغناء، وهذا إذا صرت إليه أبطل بما ذكرناه من أنه يؤدي إلى ما لا نهاية له من الأئمة.

قال صاحب الكتاب: " على أن القوم إذا اعتلوا بهذه العلة عقلا فهي غير مسلمة، لأنا نجوز في العقل ورود الشرع بأن نجعل إقامة الحد إلى من يلزمه الحد كما لا يمتنع ورود الشرع بأن يكون على المقدم على المنكر إنكار مثله، وإن كانوا يعولون في ذلك على السمع فيجب أن يبينوا طريقه... " (3) يقال له: ما اعتللنا بما ذكرناه إلا عقلا من غير رجوع إلى السمع، أو تعلق به، وقولك " يجوز أن تجعل إقامة الحد إلى من يلزمه الحد " إن أردت أنه يجعل إلى من هذه حالة من غير أن يكون وراءه راع أو إمام فهذا

____________

(1) أي لم نجعله محالا.

(2) تلتزم، خ ل.

(3) المغني 20 ق 1 / 87 وفيه " فيجب أن يثبتوا طريق ذلك ".


الصفحة 302
لا يجوز لأن من جعل إليه أن يقيم الحد عليه إنما احتاج إلى كونه من ورائه لجواز وقوع ما يوجب الحد منه، فإذا كانت هذه العلة قائمة في المقيم للحد احتاج إلى مثل نفسه، وإن أردت جواز إقامة الحد ممن يجوز أن يستحق الحد مع أن له إماما من ورائه يقيم عليه الحد عند استحقاقه فهذا مما لا نأباه، وهذا حال الأمراء وجميع خلفاء الإمام عندنا.

قال صاحب الكتاب: " شبهة أخرى لهم، ربما قالوا: لا بد من كون إمام معصوم في كل زمان لأن أدلة الشرع من كتاب وسنة لا تدل بنفسها لاحتمالها (1) ولذلك اختلفوا في معناها مع اتفاقهم في كونها دلالة، فلا بد من مبين عرف معناها اضطرارا من الرسول أو من إمام سواه، فقالوا: فلو جاز خلافه كان لا يمتنع أن ينزل الله تعالى كتابا ولا نبي في الزمان، فلما بطل ذلك من حيث لا بد من مبين للمراد بالكتاب للاحتمال الحاصل فيه فكذلك القول في الإمام " قال: " وهذا مبني على أن الكلام لا يدل بظاهره، وقد بينا فيما تقدم أنه يدل وأبطلنا الأقاويل المخالفة لذلك وبينا ما يلزم عليها من الفساد... " (2).

يقال له: " لسنا نقول: إن جميع أدلة الشرع محتملة غير دالة بنفسها بل فيها ما يدل إذا كان ظاهره مطابقا لحقائق اللغة، وتقدم العلم للمستدل بأن المخاطب به حكيم وأنه لا يجوز أن يريد خلاف الحقيقة من غير أن تدل عليه (3) ولا شبهة في أن جميع أدلة الشرع ليست بهذه الصفة

____________

(1) أي لأنها تحتمل عدة وجوه.

(2) المغني 20 ق 1 / 88.

(3) أي حقائق اللغة.


الصفحة 303
لأنا نعلم أن في القرآن متشابها (1) وفي السنة محتملا (2) وأن العلماء من أهل اللغة قد اختلفوا في المراد بهما، وتوقفوا في الكثير مما لم يصح لهم طريقة ومالوا في مواضع إلى طريقة الظن، والأولى فلا بد والحال هذه من مبين للمشكل، ومترجم للغامض، يكون قوله حجة كقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وليس يبقى بعد هذا إلا أن يقال إن جميع ما في القرآن إما معلوم بظاهر اللغة، وفيه بيان من الرسول صلى الله عليه وآله يفصح عن المراد به، وإن السنة جارية هذا المجرى، وهذا قول يعلم بطلانه ضرورة لوجودنا مواضع كثيرة من الكتاب والسنة قد أشكلت على كثير من العلماء وأعياهم القطع فيها على شئ بعينه، ولو لم يكن في القرآن إلا ما لا خلاف فيه ولا في وجوده، ولا يتمكن من دفعه وهو المجمل الذي لا شك فيه أغني في حاجته إلى البيان والايضاح، مثل قوله تعالى: (خذ من أموالهم صدقة) (3) وقوله: (في أموالهم حق معلوم) (4) إلى غير ما ذكرناه وهو كثير، وإذا كان هذا مما لا بد من

____________

(1) في القرآن الكريم آيات محكمات وآخر متشابهات فالمحكم هو ما علم المراد بظاهره من غير قرينة تقترن إليه ودلالة تدل على المراد به لوضوحه نحو قوله تعالى: (إن الله لا يظلم الناس شيئا) وقوله تعالى: (ولا يظلم مثقال ذرة) لأنه لا يحتاج في معرفة المراد إلى دليل، والمتشابه ما لا يعلم المراد بظاهره حتى يقترن به ما يدل على المراد منه، نحو قوله تعالى: (وأضله الله على علم) فإنه يفارق قوله: (وأصلهم السامري) لأن إظلال السامري قبيح، وإضلال الله - بمعنى حكمه بأن العبد ضال - ليس بقبيح بل هو حسن، كما عرف المحكم والمتشابه بتعاريف أخرى أكثرها يختلف لفظا، ويتقارب معنى، ينظر في ذلك التبيان للشيخ الطوسي عند تفسير قوله تعالى (هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات...) الآية آل عمران 7.

(2) أي يحتمل عدة وجوه.

(3) التوبة 103.

(4) المعارج 24.


الصفحة 304
ترجمته، والبيان من المراد به، فلو سلمنا أن الرسول صلى الله عليه وآله قد تولى بيان جميع ما يحتاج إلى البيان منه، ولم يخلف (1) منه شيئا على بيان خليفته، والقائم بالأمر بعده، على نهاية ما يقترحه الخصوم في هذا الموضع، لكانت الحاجة من بعده إلى الإمام في هذا الوجه ثابتة، لأنا نعلم أن بيانه عليه السلام وإن كان حجة على من شافهه به، وسمعه من لفظه فهو حجة أيضا على من يأتي بعده فمن لم يعاصره ويلحق زمانه (2)، ونقل الأمة لذلك البيان قد بينا أنه ليس بضروري، وأنه غير مأمون منهم العدول عنه، وقد تقدم استقصاء هذا الموضع وتكرر فلا بد مع ما ذكرناه من إمام مؤد لترجمة النبي صلى الله عليه وآله مشكل القرآن وموضح عما غمض عنا من ذلك، فقد ثبتت الحاجة إلى الإمام مع التسليم لكثير مما ينازع فيه المخالف.

قال صاحب الكتاب: " ويقال لهم: إن الكتاب يعرف به المراد، وإذا لم يعرف ببعضه قارنه ما يعرف به المراد من سنة وغيرها، فلماذا يجب أن يحتاج إلى مبين؟ وإن كان ذلك واجبا فواجب في نفس (3) الإمام أن يعرف من غاب عنه بكلامه المراد، فإن بين تأويل الآية وصح أن يعرفه الغائب عنه بكلامه، كذلك القول في القرآن، وبعد فلو صح ما قاله لكان لا يمتنع أن يكون بيان الرسول ينقل بالتواتر فيغني عن الإمام كما أن بيان الإمام ينقل إلى الغائب عنه بالتواتر ويغني عن إمام سواه... " (4).

____________

(1) يخلف: يؤخر، والمراد يترك.

(2) لأن شريعته صلى الله عليه وآله خاتمة الشرائع فتعم جميع البشر بعد وفاته كما هي لجميع البشر في حياته.

(3) غ " في تبيين الإمام ".

(4) المغني 20 ق 1 / 89.


الصفحة 305
يقال له: قد بينا أن في الكتاب متشابها لا يقطع على المراد به، وأنه لم يثبت من السنة ما يكون مبينا لذلك وموضحا عنه، وكلامك في هذا الفصل كلام من ينازع فيما ذكرناه، فقد تقدم أن الدفع له مكابرة ظاهرة والمحنة بيننا وبينك إذا أنكرت أن يكون في القرآن من المتشابه ما هو بالمنزلة التي ذكرناها فإنما (1) نكشف عن الحقيقة فيما اختلفنا فيه فأما كلام الإمام الذي عارضت به ومعرفة من غاب عنه مراده به فغير مشبه لما نحن فيه، لأن الإمام يمكن أن يتكلم بكلام غير محتمل فلا يشتبه على السامع ولا على المنقول إليه ذلك الكلام مراده منه، ويمكن إذا كان كلامه محتملا أن يضطر السامع إلى مراده بمخارجه وقرائنه، ومن غاب عنه وإن لم يكن مضطرا فإنه يعرف المراد بنقل من سمعه من الإمام ممن الإمام مراع لنقلهم، وحافظ لأمرهم، فمتى علم أنهم قد أخبروا عنه على وجه لا حجة (2) فيه أو لا ينبئ عن مراده أردفهم (3) بغيرهم من النقلة أو يتولى الإفهام بنفسه، وهذا كله مفقود في القرآن لاحتمال مواضع منه واشتباهها، ولأن ما يثبت بالسنة في بيان تلك المواضع لو كانت ثابتة إذا لم يكن وراء الناقلين لها من يرعاهم كما أثبتنا وراء النقلة (4) عن الإمام من يرعاهم، ويتلافى ما يعرض فيه، لم يؤمن فيه الاخلال والعدول عن الواجب، وهذا هو الفرق بين بيان الرسول صلى الله عليه وآله المنقول بالتواتر وبين بيان الإمام المنقول إلى الغائب عنه، ومعنى هذا الكلام كله قد تقدم حيث دللنا على أن حفظ الشريعة لا يجوز أن يكون بالتواتر من غير إمام في الزمان.

____________

(1) فإنها، خ ل.

(2) أردفهم: أتبعهم، وكل شئ تبع شيئا فهو ردفه.

(3) خ " لا حاجة ".

(4) الناقلين، خ ل.


الصفحة 306
قال صاحب الكتاب: " على أن الإمام عرف من قبل الرسول، ولا بد من أول عرفه من قبل الله تعالى، ولا يعلم مراده باضطرار فإذا صح أن يعرف مراده بكلامه ولا ضرورة فمن الذي يمنع من مثله في كل زمان ولا يمكن التخلص من ذلك إلا بأن يوجب أن كل أحد جاهل بمراد الله تعالى ذاهب عن الحق في هذا الزمان، وفي كل زمان كان الإمام مغلوبا عليه فيه فيجب من ذلك الشهادة على الكل بالجهل والكفر وأن يلزمه أن لا يكون هو محقا... " (1).

يقال له: ما قدمته في هذا الفصل يدل على أنك ظننت علينا أن المراد بالكلام إذا لم يعلم (2) ضرورة لم يصح أن يعلم، وأنا نفصل بين القرآن في العلم بالمراد منه وبين كلام الإمام، بأن كلام الإمام يعلم مراده باضطرار، وليس كذلك القرآن، وهذا ظن بعيد وغلط شديد، لأن الذي قلناه وذهبنا إليه هو غير ما ظننته، وإنما أوجبنا في كثير من القرآن والسنة الحاجة إلى مترجم للاحتمال والاشتباه، وفقد الدليل المقطوع به على المراد لا لفقد العلم الضروري ولو كان جميع القرآن والسنة محكما غير متشابه، ومفصلا غير مجمل يصح أن يعلم المراد بهما.

فأما الأول الذي عرف من جهة الإمام أو الرسول وكيفية علمه بمراد الله تعالى فيصح أن يكون يعلم مراده جل اسمه بأن يخاطبه بلغة لا مجاز فيها ولا احتمال، أو يخاطبه بما ظاهره متطابق لحقائق اللغة، ويعلمه أنه لم يرد إلا الظاهر، وليس يمكن أن يدعي في جميع الكتاب والسنة مثل ذلك.

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 89.

(2) يعرف، خ ل.


الصفحة 307
فأما زمان الغيبة فليس يجب الجهل بمراد الله تعالى كما ألزمت لأنا قد علمنا تأويل مشكل الدين ببيان من تقدم من الأئمة صلوات الله عليهم، الذين لقيتهم الشيعة وأخذت عنهم الشريعة، فقد بثوا من ذلك ونشروا ما دعت الحاجة إليه ونحن آمنون من أن يكون من ذلك شئ لم يتصل بنا لكون إمام الزمان من وراء الناقلين على ما بيناه وفصلناه.

قال صاحب الكتاب: " وإذا جاز أن يقع الاختلاف في العقليات، والمحق يرجع إلى الدليل القائم فما الذي يمنع من مثله في الشرعيات؟ وإذا جاز والإمام الذي هو أعظم الأئمة حاضر (1) أن يقع الاختلاف الشديد كما وقع في أيام أمير المؤمنين عليه السلام (2) ولم يمنع ذلك من ثبوت الدليل فما الذي يمنع مع الاختلاف الشديد من أن يدل القرآن والسنة على الحق، وإن ذهب بعضهم عنه، وإذا جاز عندهم في دليل الإمامة أن يذهب بعضهم عنه ولا يخرجه من أن يكون دالا وإن لم يحصل فيه الاضطرار فما الذي يمنع من مثله في سائر الأدلة... " (3).

يقال له: وهذا كلام من لم ينعم النظر في الاستدلال الذي حكاه عنا وحقيقة مرادنا به لأنا لم نوجب الإمامة لأجل الاختلاف الحاصل في الشرعيات، وذهبنا إلى أن الاختلاف في الشئ مزيل لقيام الحجة به إذا

____________

(1) في المغني " قائم " ويريد بأعظم الأئمة أمير المؤمنين عليه السلام.

(2) قال الدكتور زكي مبارك: " أمير المؤمنين هو اللقب الاصطلاحي لعلي بن أبي طالب فإذا رأى القارئ هذا اللقب في كتاب قديم من غير نص على اسم فليعلم أن المراد علي بن أبي طالب " (أنظر عبقرية الشريف الرضي 2 / 228) وقاضي القاضي عادته في المغني إطلاق هذا اللقب ولا يريد به إلا عليا عليه السلام كما يظهر ذلك بحسب مقتضى كلامه.

(3) المغني 20 ق 1 / 89.


الصفحة 308
كانت الأدلة عليه منصوبة، والطرق إليه واضحة، أوجبنا الحاجة إلى الإمام في الشرعيات لاشتباه كثير منها واحتماله ووروده مجملا غير مفصل.

ولفقدنا في كثير منها الأدلة القاطعة على المراد بعينه، حتى أوجب ذلك وقوف بعضنا في المراد، وميل بعض آخر إلى طريقة الظن والاجتهاد، ولو كان جميع الشرع نصل إليه بالأدلة القاطعة كما نصل إلى الحق في العقليات بمثل ذلك لما وجبت الحاجة إلى الإمام من هذا الوجه، كما لم تجب إليه في العقليات من هذا الوجه، وهذه الجملة تسقط جميع كلامه في هذا الفصل، ومعارضته بالاختلاف الواقع في أيام أمير المؤمنين عليه السلام، وفي الإمامة نفسها لأنه مبني على التوهم علينا إيجاب الإمامة من حيث الاختلاف، والذي قصدناه قد أوضحنا عنه.

قال صاحب الكتاب: " شبهة أخرى لهم، وربما تعلقوا في إثبات معصوم (1) بأنه يجب الائتمام به، والقبول منه، والانقياد له، فلو لم يكن معصوما لم يؤمن فيما يأتيه ويأمر به أن يكون قبيحا، ولا يجوز أن يكلف الرعية الاقتداء بمن هذه حاله، والتزام (2) طاعته، بل كان لا يمتنع إن لم يكن معصوما أن يرتد، ويدعو إلى الارتداد، وفساد ذلك يوجب كونه معصوما، وليس بعد ثبوت العصمة إلا القول بأنه لا بد من إمام منصوص عليه في كل زمان ".

قال: " وهذا بعيد، لأنه لا خلاف فيما إلى الإمام، وعندنا أن الذي إليه القيام بأمور مبينة في الشرع أو الذي يلزم من طاعته فيه ما بين الشرع أن ذلك يحسن، ولسنا نجعله إماما من حيث يتبع في كل شئ، بل نقول فيه مثل الذي روي عن أبي بكر إنه قال: " أطيعوني ما أطعت

____________

(1) غ " إمام معصوم ".

(2) إلزام، خ ل.


الصفحة 309
الله تعالى، فإذا عصيت الله تعالى فلا طاعة لي عليكم " وهذه طريقة أمير المؤمنين عليه السلام فيما كان يأمر به،... " (1).

يقال له: قد استدل بهذا الوجه كثير من أصحابنا على عصمة الإمام، وأقوى ما ينصر به، أن الإمام لا بد أن يكون مقتدى به، لأن لفظ الإمامة مشتق من معنى الاقتداء والاتباع، والاجماع أيضا حاصل على هذه الجملة، يعني أن الإمام مقتدى به، وإن كان الخلاف واقعا في كيفية الاقتداء به وصورته، وإذا ثبت وجوب الاقتداء به وجب أن يكون معصوما، لأنه إذا كان غير معصوم لم نأمن في بعض أفعاله أن يكون قبيحا، ويجب علينا موافقته فيه من حيث وجب الاقتداء به، وفي استحالة تعبدنا بالأفعال القبيحة دليل على أن من أوجب علينا الاقتداء به لا بد أن يكون ذلك منه مأمونا، ولا يكون كذلك إلا وهو معصوم.

فإن قال قائل: ولم أنكرتم أن يكون الاقتداء بالإمام إنما يجب فيما نعلمه حسنا، فأما ما نعلمه قبيحا، أو نشك في حاله فلا يجب الاقتداء به فيه؟.

قيل له: هذا إسقاط لمعنى الاقتداء جملة، وإزالة عن وجهه، لأنه لو كان من يعمل بالشئ لا من أجل عمله به، ولا من حيث كان حجة فيه، مقتدى به في ذلك الفعل لوجب أن يكون بعضنا مقتديا ببعض في جميع أفعاله التي اتفقنا عليها (2)، وإن كنا لم نقل بذلك القول، أو نفعل ذلك الفعل من أجل قول بعضنا به، أو فعله له، ولوجب أيضا أن نكون مقتدين باليهود والنصارى لموافقتنا لهم بالاقرار بنبوة موسى وعيسى عليهما

____________

(1) المغني 20 ق 1 / 89 و 90.

(2) ما اتفقنا فيه، خ ل.


الصفحة 310
السلام وإن كنا لم نعترف بنبوتهما من أجل إقرار اليهود والنصارى بهما، وللزم أيضا أن يكون الإمام نفسه مقتديا برعيته من هذا الوجه، وفساد ما أدى إلى ما ذكرنا ظاهر.

فإن قال: لو كان الإمام إنما كان يقتدى به فيما يعلم صوابه منه، ولا يكون إماما ومقتدى به فيما عرف صوابه بغيره للزم من هذا أن لا يكون الإمام إماما لنا في أكثر الدين، لأن أكثره معلوم بالأدلة التي ليس من جملتها قول الإمام، وللزم أيضا أن لا يكون النبي صلى الله عليه وآله إماما لنا فيما أكده من العقليات.

قيل له: ليس الأمر كما توهمت لأن الذي أفسدناه هو أن الإمام مقتدى به فيما لا يكون قوله أو فعله حجة فيه، وطريقا إلى العلم بصوابه، ولم نفسد أن يكون إماما فيما عرفنا صوابه بغيره إذا كنا أيضا نعرف صوابه، فالإمام على هذا التقدير حجة في جميع الشرعيات والعقليات، لأن ما علم من جملتها بأدلته فقول الإمام أيضا حجة فيه، وطريق إلى العلم بصوابه، وما كان هو الطريق إليه دون غيره فكونه حجة فيه ظاهر، وقد ذكر ابن الراوندي (1) في كتابه في الإمامة في نصرة هذا الدليل شيئا ليس بمرضي ولا مستمر لأنه قال: " لو جاز أن يكون من يعمل بالشئ لا من أجل عمله به، وفعله له إماما فيه وقدوة لجاز أن يكون من يعمل الشئ من أجل عمله به، ويعرف صوابه بفعله له لا يكون إماما فيه " وهذا ليس بصحيح، لأن الذي قدره إنما يسوغ لو كان

____________

(1) هو أبو الحسين يحيى بن أحمد بن إسحاق الراوندي نسبة إلى راوند قرية من قرى قاسان بنواحي إصبهان تقدم ذكره، وتكرر في الكتاب تجد له ترجمة مفصلة في معاهد التنصيص 1 / 155.