الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى
يقال له: ليس الأمر على ما ظنه أبو هاشم من أن الآية تقتضي الصلاة والزكاة الواجبتين دون ما كان متنفلا به لأنها لم تخرج مخرج الصفة لما يكون به المؤمن مؤمنا وإنما وصف الله تعالى من أخبر بأنه ولينا بالائتمام وبإقامة الصلاة وبإيتاء الزكاة ولا مانع من أن يكون في جملة من الصفات ما لو انتفى لم يكن مخلا بالإيمان، وإنما كان يجب ما ظنه أن لو قال: إنما المؤمنون الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة، فأما إذا كانت الآية خارجة خلاف هذا المخرج فلا وجه لما قاله ولا شبهة في أنه كان يحسن أن يصرح تعالى بأن يقول: (إنما وليكم) بعد ذكر نفسه تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله (الذين آمنوا) الذين يتطوعون بفعل الخيرات ويتنفلون بضروب القرب ويفعلون كذا وكذا مما لا يخرج المؤمن بانتفائه عنه من أن يكون مؤمنا هذا إذا سلمنا ما يريده من أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة الواجبتين من شرائط الإيمان، ومما لا يكون المؤمن مؤمنا إلا معه والصحيح عندنا خلافه، وليس يمكن أن يدعى أن لفظ الصلاة في الشرع يفهم من ظاهره الصلاة الواجبة دون النفل، وليس ادعاء ذلك في الصلاة بجار مجرى ادعائه في الزكاة لأنا نعلم من عرف أهل الشرع جميعا أنهم يستعملون لفظ الصلاة في الواجب والنفل على حد واحد حتى أن أحدهم لو قال: رأيت فلأنا يصلي ومررت بفلان وهو في الصلاة لم يفهم من قوله الصلاة الواجبة دون غيرها، على أنا قد بينا قبيل هذا الفصل أن الذي فعله أمير المؤمنين عليه السلام ليس بمنكر أن يكون واجبا، وأن المستبعد فيه وفيمن علمنا من حاله ما علمناه من حاله عليه السلام استمرار وجوب الزكاة في الأحوال ووجوب المقادير منها التي يعدها الناس يسارا فأما وجودا قبل مقاديرها في بعض الأحوال فغير مستنكر ولا مناف للمعلوم والعدد اليسير الذي أشار إليهم وإخراج أمير المؤمنين عليه السلام من جملتهم هم
|
فأما التعلق بلفظ الجمع فقد مضى الكلام فيه.
وأما تعلقه بالعمل في الصلاة فيسقط من وجهين: أحدهما، أنه لا دليل على وقوع فعله عليه السلام على وجه يكون قاطعا للصلاة بل جائز أن يكون عليه السلام أشار إلى السائل بيده إشارة خفيفة لا تقطع منها الصلاة فهم منها أنه يريد التصدق عليه، فأخذ الخاتم من إصبعه، وقد أجمعت الأمة على أن يسير العمل في الصلاة لا يقطعها. والوجه الآخر أنه غير واجب للقطع على أن جميع الأفعال في الصلاة كانت محظورة في تلك الحال.
وقد قيل: إن الكلام فيها كان مباحا ثم تجدد حظره من بعد، فلا ينكر أن يكون هذه أيضا حال بعض الأفعال، والذي يبين ما ذكرناه، ويوجب علينا القطع على أن فعله عليه السلام لم يكن قاطعا للصلاة ولا ناقضا من حدودها ما علمنا من توجه مدح الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله إليه بذلك الفعل المخصوص.
وقوله: " فيجب أن يحمل على ما ذكرناه من أنه أداء الواجب " إن أراد به أداءه في الصلاة فهو الذي أنكره وعده قطعا لها، وإن أراد أداءه على طريق الانفصال من الصلاة فقد مضى أن الكلام يقتضي إيتاء الزكاة في حال الركوع، والتعلق بلفظ الاستقبال قد مضى أيضا ما فيه، وكذلك
|
وقلنا: إن الخطاب أفاد الوصف لمن عني بلفظ (الذين آمنوا) والتمييز له عن سواء فكأنه تعالى قال: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) الذين يصلون ويؤتون الزكاة في حال ركوعهم ليتميز المذكور الأول مع أن فعله عليه السلام لا بد أن يكون واقعا على نهاية القربة لما حصل عليه من المدح، ويشبه ما تأولنا عليه الآية قول أحد ملوكنا مقبلا على أصحابه: أفضلكم عندي وأكرمكم لدي من نصرني في غرة شهر كذا، وهو راكب فرسا من صفته كذا، وأشار إلى فعل مخصوص وقع من بعض أصحابه على وجه ارتضاه وعظمت منزلته به عنده، ونحن نعلم أن قوله لا يقتضي أن لغرة الشهر والأوصاف التي وصف ناصره بها تأثيرا في قوة نصرته حتى يكون ذلك جهة وطريقة يقصد إليها من أراد نصرته، وقد تقدم أن حقيقة الركوع ما ذكرناه، وأنه يستعمل في الخضوع وما يجري مجراه على سبيل المجاز، والبيت الذي أنشده مما يجوز فيه شاعر، والمجاز لا يقاس عليه.
فأما قوله: حاكيا عن أبي مسلم بن بحر: " أن الذين وصفهم في هذا الموضع بالركوع والخضوع هم الذين وصفهم من قبل بأنه يبدل المرتدين بهم " فغير صحيح لأنه غير منكر (1) أن يكون الموصوف بإحدى الآيتين غير الموصوف بالآية الأخرى حتى تكون الآية التي دللنا على اختصاصها بأمير المؤمنين عليه السلام على ما حكمناه به من خصوصها، والآية الأولى عامة
____________
(1) غير ممتنع، خ ل.
|
وإذا كنا قد دللنا على أن لفظة قوله تعالى: (إنما وليكم الله) يدل على اختصاص أمير المؤمنين عليه السلام بالآية فليس يسوغ أن يترك ما تقتضيه الدلالة لما يظن أن نسق الكلام وقرب بعضه من بعض يقتضيه، على أنه لا مانع لنا من أن نجعل الآية الأولى متوجهة إلى أمير المؤمنين عليه السلام ومختصة به أيضا لأنا قد بينا أن لفظ الجمع قد يستعمل في الواحد بالعرف فليس لمتعلق أن يتعلق بلفظ الآية في دفع اختصاصها به عليه السلام ومما يقوي هذا التأويل أن الله تعالى وصف من عناه بالآية بأوصاف وجدنا أمير المؤمنين عليه السلام مستكملا لها بالاجماع، لأنه تعالى قال:
(يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) (1) وقد شهد النبي صلى الله عليه وآله لأمير المؤمنين عليه السلام بما يوافق لفظ الآية في الخبر الذي لا يختلف فيه اثنان حين قال صلى الله عليه وآله وقد ندبه لفتح خيبر بعد فرار من فر عنها واحدا بعد آخر:
" لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار لا يرجع حتى يفتح الله على يديه " (2) فدفعها إلى أمير المؤمنين عليه السلام
____________
(1) المائدة 54.
(2) حديث الراية رواه عامة علماء الحديث والسير نذكر منهم البخاري ج 4 / 12 في كتاب الجهاد والسير، باب ما قيل في لواء النبي صلى الله عليه وسلم وفي باب فضل من أسلم على يديه وص 20 و ج 4 / 207 في كتاب بدأ الخلق باب مناقب علي بن أبي طالب و ج 5 / 76 كتاب المغازي باب غزوة خيبر ومسلم ج 7 / 121 و 122 في كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن أبي طالب و ج 5 / 195 في كتاب الجهاد والسير في باب غزوة ذي قرد وغيرها.، والترمذي ج 2 / 300 والإمام أحمد في المسند ج 1 / 99 و 320 و ج 2 / 382. و ج 4 / 51 و ج 5 / 353، والنسائي ص 5 وفي مواضع أخرى من خصائص أمير المؤمنين الخ.
|
وقد علمنا أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وآله بين رجلين رجل لا غناء له في الحرب ولا جهاد، وآخر له جهاد وغناء، ونحن نعلم قصور كل مجاهد عن منزلة أمير المؤمنين في الجهاد، وأنهم مع علو منزلتهم في الشجاعة وصدق البأس لا يلحقون منزلته، ولا يقاربون رتبته، لأنه عليه السلام المعروف بتفريج الغم، وكشف الكرب عن وجه الرسول صلى الله عليه وآله وهو الذي لم يحجم قط عن قرن، ولا نكص عن هول، ولا ولى الدبر، وهذه حال لم يسلم لأحد قبله ولا بعده وكان عليه السلام للاختصاص بالآية أولى لمطابقة أوصافه لمعناها وقد ادعى قوم من أهل الغباوة والعناد أن قوله تعالى: (فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه) المراد به أبو بكر من حيث قاتل أهل الردة.
ولسنا نعرف قولا أبعد من الصواب من هذا القول، حتى أنه ليكاد أن يعلم بطلانه ضرورة لأن الله تعالى إذا كان قد وصف من أراده بالآية
|
وقد روي نزولها في قتال أمير المؤمنين عليه السلام أهل البصرة عنه عليه السلام نفسه، وعن عبد الله بن عباس وعمار بن ياسر رضي الله عنهما وإذا عضد ما ذكرناه من مقتضى الآية الرواية زالت الشبهة، وقويت الحجة على أن صاحب الكتاب قد وهم في الحكاية عن أبي مسلم، وحكى عنه ما لم يقله ولا يقتضيه صريح قوله ولا معناه، لأن الذي قاله أبو مسلم بعد إنشاد البيت: " والذي وصفهم به من الركوع في هذا المعنى هو الذي وصف به من أوعد المرتدين بالإتيان بهم بدلا منهم من الذلة على المؤمنين، والعزة على الكافرين " هذه ألفاظه بعينها في كتابه في تفسير القرآن وهي بخلاف حكاية صاحب الكتاب لأن أبا مسلم جعل الوصف في الآيتين واحدا، ولم يقل أن الموصوف واحد وصاحب الكتاب حكى عنه أن الموصوفين بالآية الأولى هم الموصوفون بالآية الأخرى، وهذا تحريف ظاهر لأنه غير ممتنع أن يكون الوصف واحدا والموصوف يختلف ولم يحقق حكايته هذا الضرب من التحقيق لأن أبا مسلم لو ادعى ما حكاه عنه كانت دعواه حجة، بل أردنا أن نبين عن وهم صاحب الكتاب في الحكاية، والذي
|
فأما قوله: " وقد روى أنها نزلت في عبادة بن الصامت " فباطل وليس يقابل ما ادعاه من الرواية ما روي من نزولها في أمير المؤمنين عليه السلام لأن تلك رواية أطبق على نقلها جماعة أصحاب الحديث من الخاصة والعامة وما ادعاه أحسن أحواله أن يكون مسندا إلى واحد معروف بالتحايل والعصبية، ولا يوجد له موافق من الرواة ولا متابع، على أن مفهوم الآية ممتنع مما ذكره، لأنا قد دللنا على اقتضائها فيمن وصف بها معنى الإمامة، فليس يجوز أن يكون المعني بها عبادة بعينه للاتفاق على أنه لا إمامة له في حال من الأحوال، ولا يجوز أيضا أن يكون نزلت بسببه الذي ذكره لأن الآية يصح خروجها على سبب لا يطابقها وإن جاز مع مطابقته أن يتعدى إلى غيره وقد بينا أن المراد بها لا يجوز أن يكون ولاية الدين والنصرة لدخول لفظة " إنما " المقتضية للتخصيص فلم يبق فيما ذكرناه شبهة.
قال صاحب الكتاب: " دليل لهم آخر، ربما تعلقوا بقوله تعالى:
(وأن تظاهرا عليه فإن الله هو موليه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير) (1) ويقولون المراد بصالح المؤمنين هو أمير المؤمنين علي
____________
(1) التحريم 4 والنصوص في أن المراد بصالح المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام كثيرة، قال السيوطي في اللؤلؤ المنثور 6 / 244 في تفسير هذه الآية: " أخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم (وصالح المؤمنين علي بن أبي طالب) وقال: وأخرج ابن مردويه وابن عساكر عن ابن عباس في قوله (وصالح المؤمنين) قال هو علي بن أبي طالب، وأخرجه العسقلاني في فتح الباري 13 / 27 عن مجاهد ومحمد بن علي وجعفر بن محمد (عليهما السلام) والهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 194 عن زيد بن أرقم ومثله في الصواعق ص 198 وقال ابن حجر " ورد موقوفا ومرفوعا أن صالح المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه " وفيه " لما أصيب الحسين بن علي رضي الله عنه قام زيد بن أرقم على باب المسجد فقال: أفعلتموها أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(اللهم إني أستودعكهما وصالح المؤمنين).
|
ثم أورد كلاما كثيرا أبطل به دلالة هذه الآية على النص والذي نقوله إن الآية التي تلاها لا تدل عندنا على النص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة ولا اعتمدها أحد من شيوخنا في هذا الموضع وكيف يصح اعتمادها في النص من حيث تتعلق بلفظة " مولاه " ونحن نعلم إن هذه اللفظة لو اقتضت النص بالإمامة لوجب أن يكون أمير المؤمنين عليه السلام إماما للرسول صلى الله عليه وآله لأن المكنى عنه بالهاء التي في لفظة " مولاه " هو الرسول صلى الله عليه وآله ولو اقتصر صاحب الكتاب في إبطال دلالة الآية على النص على ما ذكرناه لكفاه ولاستغنى عن غيره.
وإنما يعتمد أصحابنا هذه الطريقة من الآية في الدلالة على فضل أمير المؤمنين عليه السلام وتقدمه وعلو رتبته، فإن جعل لها تعلق بالنص على الإمامة من حيث دلت على الفضل المعتبر فيها وكان الإمام لا يكون إلا الأفضل جاز وذلك لا يخرجها من أن يكون غير دالة بنفسها على الإمامة، بل يكون حكمها في الدلالة على الفضل حكم غيرها من الأدلة
____________
(1) يختصه خ ل.
(2) المغني 20 ق 1 / 139.
|
فأما وجه دلالة الآية على الفضل والتقدم فواضح، لأنه قد ثبت بالخبر الذي اشتركت في روايته رواة الخاصة والعامة أن صالح المؤمنين المذكور في الآية هو أمير المؤمنين عليه السلام وليس يجوز أن يخبر الله تعالى أنه ناصر رسوله إذا وقع التظاهر عليه بعد ذكر نفسه تعالى وذكر جبرئيل عليه السلام إلا من كان أقوى الخلق نصرة لنبيه صلى الله عليه وآله وأمنعهم جانبا في الدفاع عنه، ولا يحسن ولا يليق بموضوع الكلام ذكر الضعيف النصرة، والمتوسط فيها ألا ترى أن أحد الملوك لو تهدد بعض أعدائه ممن ينازعه سلطانه ويطلب مكانه، فقال: لا تطمعوا في ولا تحدثوا نفوسكم بمغالبتي، فإن معي من أنصاري فلانا وفلانا، فإنه لا يحسن أن يدخل في كلامه إلا من هو الغاية في النصرة، والمشهور بالشجاعة، وحسن المدافعة.
فأما ما حكاه عن أبي مسلم من أن المراد بصالح المؤمنين الجميع وسقطت الواو كما سقطت من قوله: (يوم يدع الداع إلى شئ نكر) (1) فما قاله جائز غير ممتنع وجائز أيضا أن يريد بصالح المؤمنين الجميع، وإن كان أتى بلفظ الواحد، غير أن العمل بالرواية يمنع من حمل الآية على الجميع.
فأما حكايته عن أبي هاشم قوله: " إن الآية لا تليق إلا بالجمع لأنه
____________
(1) القمر 6.
|
قال صاحب الكتاب: " وربما تعلقوا بهذه الآية من وجه آخر بأن يقولوا يدل على أنه الأفضل لتخصيصه بالذكر (2) ولأنه جعل صالح المؤمنين وهو بمعنى الأصلح من جماعتهم، فإذا كان الأفضل أحق بالإمامة فيجب أن يكون إماما ".
قال: " ونحن نبين من بعد أن الأفضل ليس بأولى بالإمامة وأنه (3) لا يمتنع العدول عنه إلى غيره، وبعد فإن قوله: (وصالح المؤمنين) لا يدل على أنه أصلحهم وأفضلهم وإنما يدل على أنه صالح، وأنه ظاهر الصلاح، فهو بمنزلة قول القائل: فلان شجاع القوم إذا ظهرت شجاعته فيهم، وإن لم يكن بأشجعهم، فلا اللغة تقتضي ذلك ولا التعارف، وإن كنا قد بينا أن تسليم ذلك لا يوجب ما قالوه، وبينا أن الآية لا تدل على أنه المراد به دون غيره ولا الروايات المروية في ذلك متواترة فيقطع بها،... " (4).
يقال له: أما التخصيص بالذكر فيفيد ما قدمناه من التقدم في
____________
(1) الغناء - بفتح -: إذا كان بالمعجمة فهو الدفع والمنع، وإذا كان بالمهملة فهو التعب.
(2) غ " لتخصيصه بالولي ".
(3) غ " مع أنه لا يمتنع ".
(4) المغني 20 ق 1 / 141.
|
فأما ما ذكره من قولهم: فلان شجاع القوم فهو جار مجرى ما ذكرناه، لأنه لا يفهم منه إلا أنه أشجعهم ألا يعلم أنه لا يقال في كل واحد من القوم إذا ظهرت منه شجاعة ما: أنه شجاع القوم، وقد دللنا على أن الأفضل أحق بالإمامة، وإنها لا تجوز للمفضول فيما تقدم،
____________
(1) أبو عمرو بن العلاء زبان بن عمار التميمي من أئمة الأدب واللغة وهو أحد القراء السبعة ولد بمكة ونشأ بالبصرة ومات بالكوفة سنة 157 وكلامه هذا نقله العباسي في معاهد التنصيص ج 1 / 33 وفيه " أسقطه " بدل " طأطأ منه ". ونقل قولا للأصمعي " كان أوس أشعر من زهير ولكن النابغة طأطأ منه ".
(2) أوس بن حجر: هو أوس بن مالك بن حزن التميمي من فحول شعراء الجاهلية وكان من حديثه أنه كان في سفر له فمر ليلا بأرض بني أسد فصرعته ناقته، فاندقت فخذه، فمرت به جواري الحي عند الصباح فأبصرنه ملقى ففزعن منه وكانت معهن حليمة بنت فضالة بن كلدة - وكانت أصغرهن - فدعاها فقال لها: من أنت؟
قلت حليمة بنت فضالة بن كلدة فأعطاها حجرا، وقال: اذهبي إلى أبيك فقولي: ابن هذا يقرؤك السلام، فبلغت أباها ذلك، فقال: لقد أتيت أباك بمدح طويل أو هجاء طويل، ثم تحمل إليه بعياله وضرب عليه بيتا وقال: لن أتحول أبدا حتى تبرأ، وعالجه وكانت حليمة تمرضه حتى برأ فمدح فضالة بشعره ورثاه بعد موته فلعله من هذه القصة سمي ابن حجر.
|
قال صاحب الكتاب: " دليل لهم آخر، وربما تعلقوا بآية المباهلة (1) وأنها لما نزلت جمع النبي صلى الله عليه وآله عليا وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأن ذلك يدل على أنه الأفضل، وذلك يقتضي أنه بالإمامة أحق، ولا بد من أن يكون هو المراد بقوله (وأنفسنا وأنفسكم) لأنه عليه السلام لا يدخل تحت قوله تعالى: (ندع أبناءنا وأبناءكم ونسائنا ونساءكم) (2) فيجب أن يكون داخلا تحت قوله: (وأنفسنا وأنفسكم) ولا يجوز أن يجعله من نفسه إلا وهو يتلوه في الفضل ".
قال: " وهذا مثل الأول في أنه كلام في التفضيل، ونحن نبين أن الإمامة قد تكون فيمن ليس بأفضل، وفي شيوخنا من ذكر عن أصحاب الآثار أن عليا عليه السلام لم يكن في المباهلة، قال شيخنا أبو هاشم:
" إنما خصص (3) صلى الله عليه وآله من تقرب منه في النسب ولم يقصد الإبانة عن الفضل ودل على ذلك بأنه عليه السلام أدخل فيها الحسن والحسين عليهما السلام مع صغرهما لما اختصا به من قرب النسب وقوله:
(وأنفسنا وأنفسكم) يدل على هذا المعنى لأنه أراد قرب القرابة كما يقال في الرجل يقرب في النسب من القوم: إنه من أنفسهم ولا ينكر أن يدل ذلك على لطف محله من رسول الله صلى الله عليه وآله، وشدة محبته له
____________
(1) غ " آيات المباهلة ".
(2) آل عمران 61.
(3) غ " الأخص ".
|
يقال له: لا شبهة في دلالة آية المباهلة على فضل من دعي إليها وجعل حضوره حجة على المخالفين، واقتضائها تقدمه على غيره، لأن النبي صلى الله عليه وآله لا يجوز أن يدعو إلى ذلك المقام ليكون حجة فيه إلا من هو في غاية الفضل وعلو المنزلة، وقد تظاهرت الرواية بحديث المباهلة وأن النبي صلى الله عليه وآله دعا إليها أمير المؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام، وأجمع أهل النقل وأهل التفسير على ذلك.
ولسنا نعلم إلى أي أصحاب الآثار أشار بدفع أمير المؤمنين عليه السلام في المباهلة وما نظن أحدا يستحسن مثل هذه الدعوى، ونحن نعلم أن قوله: (أنفسنا وأنفسكم) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبي صلى الله عليه وآله لأنه هو الداعي، ولا يجوز أن يدعو الانسان نفسه، وإنما يصح أن يدعو غيره، كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها، وإذا كان قوله تعالى: (وأنفسنا وأنفسكم) لا بد أن يكون إشارة إلى غير الرسول صلى الله عليه وآله وجب أن يكون إشارة إلى أمير المؤمنين عليه السلام لأنه لا أحد يدعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه عليهم السلام في المباهلة، وما نظن من حكى عنه دفع دخول أمير المؤمنين عليه السلام فيها يقدم على أن يجعل مكان أمير المؤمنين غيره، وهذا الضرب من الاستدلال كالمستغني عن تكلف إطباق أهل الحديث كافة على دخول
____________
(1) أي وأنكرنا أن يدل ذلك على الإمامة.
(2) المغني 20 ق 1 / 142.
|
وأما ما حكاه عن أبي هاشم من أن القصد لم يكن إلى الإبانة عن الفضل وإنما قصد إلى إحضار من يقرب منه في النسب، فظاهر البطلان لأن القصد لو كان إلى ما ادعاه لوجب أن يدعو العباس وولده، وعقيلا إذ كان إسلام العباس وعقيل وانضمامهما إلى الرسول صلى الله عليه وآله متقدما لقصة المباهلة بزمان طويل لأن المباهلة كانت في سنة عشرة من الهجرة، لما وفد السيد والعاقب فيمن كان معهما من أساقفة نجران على النبي صلى الله عليه وآله وبين هذه الحال وبين حصول العباس وعقيل مع النبي مدة فسيحة، وفي تخصيص النبي صلى الله عليه وآله أمير المؤمنين بالحضور دون من عداه ممن يجري مجراه في القرابة دليل على ما ذكرناه.
فأما تعلقه بدخول الحسن والحسين عليهما السلام فيها من صغر سنهما فمعلوم أن صغر السن ونقصانها عن حد بلوغ الحلم لا ينافي كمال العقل وإنما جعل بلوغ الحلم حدا لتعلق الأحكام الشرعية، وقد كان سنهما عليهما السلام في تلك الحال سنا لا يمتنع معها أن يكونا كاملي العقول لأن سن الحسن عليه السلام كان في قصة المباهلة يزيد على سبع سنين بعدة شهور وسن الحسين عليه السلام يقارب السبعة، على أن من مذهبنا أن الله تعالى يخرق العادات للأئمة ويخصهم بما ليس لغيرهم، فلو صح أن كمال العقل مع صغر السن ليس بمعتاد لجاز فيهم عليهم السلام على سبيل خرق العادة، وليس يجوز أن يكون المعنى في قوله تعالى:
____________
(1) أنظر تفسير الطبري 3 / 212 و 213 ومعالم التنزيل للبغوي 2 / 150 والدر المنثور للسيوطي 2 / 39 والترمذي 2 / 166 و 300 ومسند أحمد 1 / 185 ومستدرك الحاكم 3 / 150. الخ.
|
وقد عضد هذا القول من أقوال الرسول صلى الله عليه وآله في مقامات كثيرة بمشهد من أصحابه ما يشهد بصحة قولنا فمن ذلك ما تظاهرت به الرواية من أنه صلى الله عليه وآله سئل عن بعض أصحابه فقال له قائل: فعلي؟ فقال: " إنما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي " (1).
وقوله: صلى الله عليه وآله لبريدة الأسلمي: " يا بريدة لا تبغض عليا فإنه مني وأنا منه، إن الناس خلقوا من شجر شتى وخلقت أنا وعلي من شجرة واحدة " (2).
وقوله صلى الله عليه وآله يوم أحد وقد ظهرت من وقاية أمير المؤمنين عليه السلام له بنفسه ونكايته في المشركين وفضه لجمع منهم بعد الجمع ما
____________
(1) في كنز العمال 6 / 400 أن السائل عمرو بن العاص وهناك روايات عدة فيها تصريح من رسول الله صلى الله عليه وآله أن عليا نفسه مثل قوله صلى الله عليه وآله (لتنتهن يا بني وليعة أو لأبعثن إليكم رجلا كنفسي) أو قال: (عديل نفسي) قال عمر بن الخطاب (رض): فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ قاتلعت صدري رجاء أن هذا، فأشار إلى علي بن أبي طالب (وانظر خصائص النسائي ص 15، ومجمع الزوائد 7 / 110 وشرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد م 1 / 97) وفوق ذلك ما شهد به القرآن الكريم (وأنفسنا وأنفسكم).
(2) أخرجه - باختلاف يسير على ما في المتن - أحمد في المسند 5 / 356، والنسائي في الخصائص ص 23 والهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 127 و 128 وقال:
أخرجه أحمد والبزاز، والحاكم في المستدرك 2 / 241 والذهبي في تلخيصه، وفي ميزان الاعتدال 1 / 462، الخ.
|
قال صاحب الكتاب: " دليل لهم آخر، واستدل بعضهم بقوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (3) وذكر أن إيجابه تعالى طاعته لا يكون إلا وهو منصوص عليه معصوم لا يجوز عليه الخطأ، وثبوت ذلك يقتضي أنه أمير المؤمنين لأنه قول بعد ما ذكرناه إلا ذلك،... " (4).
ثم شرع في إفساد هذه الطريقة، والكلام على بطلانها والذي يقوله: " إن هذه الآية لا تدل على النص على أمير المؤمنين " وما نعرف أحدا من أصحابنا اعتمدها فيه، وإنما استدل بها ابن الراوندي في كتاب " الإمامة " على أن الأئمة يجب أن يكونوا معصومين، منصوصا على أعيانهم، والآية غير دالة على هذا المعنى أيضا والتكثير بما لا تتم دلالته (5) لا معنى له، فإن فيما تثبت به الحجة مندوحة (6) وكفاية بحمد الله ومنه، على أن
____________
(1) الإنفلال: الانكسار.
(2) رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 6 / 114 وقال " رواه الطبراني "، والمحب في الرياض النضرة 2 / 172 وقال: " أخرجه أحمد ".
(3) النساء 59.
(4) المغني 20 ق 1 / 142.
(5) لا يثمر دلالته، خ ل.
(6) مندوحة: سعة.
|
قال صاحب الكتاب: " دليل لهم آخر من طريق السنة، قالوا قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله يوم غدير خم ما يدل على أنه نص على أمير المؤمنين عليه السلام بالإمامة لأنه مع الجمع العظيم في ذلك المقام قام فيهم خطيبا فقال: " ألست أولى بكم منكم بأنفسكم " (1)؟ فقالوا اللهم نعم، فقال بعده إشارة إليه " فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله " حتى قال عمر بن الخطاب له: بخ بخ (2) أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، ولا يجوز أن يريد بقوله " من كنت مولاه " إلا ما تقتضيه مقدمة الكلام، وإلا لم يكن لتقديمها فائدة، فكأنه صلى الله عليه وآله قال:
____________
(1) غ " من أنفسكم ".
(2) بخ - بوزن بل - كلمة تقال عند المدح والرضا بالشئ وتكرر للمبالغة فيقال: بخ بخ، وإذا وصلت خفضت ونونت فيقال: بخ بخ وربما شددت فيقال:
بخ، والعجيب أنها في المغني لخ لخ، وعلق عليها المحقق قائلا: " هكذا بالأصل " ولم
يكلف نفسه عناء البحث عنها، ولعله أمر مقصود لتضييع الحقيقة في هذه " اللخلخة ".