الصفحة الرئيسية \ الشريف المرتضى
كدلالة حديث المؤاخاة وما جرى مجراها، لأنا قد بينا أن كل شئ دل على التفضيل والتعظيم فهو دلالة على استحقاق أعلى الرتب والمنازل، وأن أولى الناس بالإمامة من كان أفضلهم، وأحقهم بأعلى منازل التبجيل والتعظيم، وقد مضى طرف من الكلام في أن المفضول لا يحسن إمامته، وإن ورد من كلامه في المستقبل شئ من ذلك أفسدناه بعون الله تعالى.
فأما ادعاؤه في قوله: (لأعطين الراية غدا): " أنه إنما يدل على أنه فاضل، ولا يمتنع أن يكون غيره موازيا له في ذلك " فباطل لأنه لا بد من أن يكون له مزية ظاهرة في ذلك على غيره من المؤمنين، وسائر الصحابة من حيث كانت صورة الحال، وكيفية خروج القول من النبي صلى الله عليه وآله يقتضي ذلك، ويدل عليه، لأن أبا سعيد الخدري روى أن رسول الله صلى الله عليه وآله أرسل عمر إلى خيبر فانهزم ومن معه، فقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله يجبن أصحابه وهم يجبنونه فبلغ ذلك من رسول الله صلى الله عليه وآله كل مبلغ فبات ليلته مهموما فلما أصبح خرج إلى الناس ومعه الراية، فقال: (لأعطين الراية اليوم رجلا يحب الله ورسوله كرارا غير فرار) فتعرض لها جميع المهاجرين والأنصار
|
وكان علي أرمد العين يبتغي | دواء فلما لم يحس مداويا |
شفاه رسول الله منه بتفلة | فبورك مرقيا وبورك راقيا |
وقال سأعطي الراية اليوم صارما | كميا محبا للرسول مواليا |
يحب إلهي والإله يحبه | به يفتح الله الحصون الأوابيا |
فأصفى بها دون البرية كلها | عليا وسماه الوزير المواخيا (1) |
ويقال إن أمير المؤمنين عليه السلام لم يجد بعد ذلك أذى حر ولا برد.
وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس هذا الخبر بعينه على وجه آخر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وآله أبا بكر إلى خيبر فرجع وقد انهزم وانهزم الناس معه، ثم بعث من الغد عمر فرجع وقد جرح في رجليه، وانهزم الناس معه فهو يجبن الناس والناس يجبنونه، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: (لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ليس بفرار ولا يرجع حتى يفتح الله عليه) وقال ابن عباس: فأصبحنا متشوقين نرائي وجوهنا رجاء أن يدعى رجل منا فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله عليا وهو أرمد فتفل في عينيه، ودفع إليه الراية ففتح الله عليه فهذه الأخبار وجميع ما روي في هذه القصة، وكيفية ما جرت عليه يدل على غاية التفضيل والتقديم، لأنه لو لم يفد القول إلا المحبة التي هي
____________
(1) كفاية الطالب ص 16.
|
قال صاحب الكتاب: (دليل لهم آخر، وربما تعلقوا بأخبارهم
|
ثم قال: (وقد بين شيخنا أبو علي أن هذه الأخبار لم تثبت من وجه يوجب العلم فلا يصح الاعتماد عليها في إثبات النص، وبين أن ادعاءهم فيها أو في بعضها أنها ثابتة بالتواتر لا يصح لأن للتواتر شرائط ليست حاصلة فيها [ أو في بعضها أنها ثابتة فيه ] (1) ولا يمكنهم إثبات ذلك بأن يقولوا: إن الشيعة قد طبقت البلاد عصرا بعد عصر، وحالا بعد حال فروايتها تجب أن تبلغ حد التوتر، لأن الخبر لا يصير داخلا في جملة التواتر بهذه الطريقة دون أن يبين حصول النقل فيه على شرط التواتر) قال:
(وبين - يعني أبا علي - أن لمن خالفهم أن يدعوا مثل ذلك في النص على أبي بكر لأن أصحاب الحديث فيهم كثرة، وبين أن ادعاء النص لا يمكن إثباته إلا حديثا، فأما في الأعصار القديمة فذلك متعذر، وبين أن ادعاءهم أنه قد كان لأمير المؤمنين عليه السلام شيعة ومتعصبون يدعون له النص كأبي ذر وعمار والمقداد وسلمان إلى غيرهم (2) لا يمكن إثباته، وإنما يمكن أن يثبت انقطاعهم إليه، وقولهم بفضله، وبأنه حقيق بالإمامة، وبأنه قد
____________
(1) ما بين المعقوفين من المغني.
(2) أثبت الإمام كاشف الغطاء في " أصل الشيعة وأصولها " أن كلمة " شيعة " معروفة في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وأنها كانت تطلق على المذكورين وغيرهم.
|
____________
(1) أبو وائل هو شقيق بن سلمة، أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شهد صفين مع علي عليه السلام وروي عن أبي بكر وعثمان وعلي وسعد وابن عباس وابن مسعود وغيرهم وروى عنه الشعبي والسبيعي والأعمش وغيرهم توفي سنة 99 (انظر أسد الغابة ج 2 ص 1).
(2) رواه الحاكم في المستدرك 3 / 79.
(3) صعصعة بن صوحان العبدي أسلم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يره، وكان من سادات قومه بني عبد القيس فصيحا لسنا دينا فاضلا من أصحاب علي عليه السلام توفي في أيام معاوية (انظر أسد الغابة: 3 / 20).
(4) غ " لما ضرب عليا عليه السلام ".
|
____________
(1) ما بين النجمتين ساقط من المغني.
(2) جبير بن مطعم القرشي النوفلي صحابي من أكابر قريش مات في آخر أيام معاوية.
(3) أبو مالك الأشجعي ذكره أحمد بن حنبل في الصحابة وروى عن أبي عريض المذكور بعده (انظر أسد الغابة 3 ص 253 و 287).
(4) أبو عريض ذكره أبو عمر في الاستيعاب في الكنى وابن الأثير في أسد الغابة 5 / 253 ولم يصرحا باسمه وقالا: " كان دليل رسول الله صلى الله عليه وآله من أهل خيبر " روي عنه من قبله.
|
____________
(1) سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وآله اختلفوا في اسمه على واحد وعشرين قولا أصله من فارس اشترته أم سلمة وأعتقته واشترطت عليه خدمة رسول الله صلى الله عليه وآله، وعن سفينة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فكان بعض القوم إذا أعيا ألقى علي ثوبه حتى حملت من ذلك شيئا كثيرا فقال: (ما أنت إلا سفينة) وقد جاء لسفينة ذكر في حديث لفضة أمة الزهراء عليها السلام مع زينب العقيلة يوم عاشوراء (انظر الكافي 1 / 465).
(2) الرقم بالثوب الكتابة فيه، يقال رقم الثوب والكتاب رقما وترقيما أيضا، وفي خ " رقمتين ".
|
وروى أبو جحيفة (1) ومحمد بن علي (2) وعبد خير (3) وسويد بن غفلة (4) وأبو حكيمة (5) وغيرهم وقد قيل إنهم أربعة عشر رجلا إن عليا عليه السلام قال في خطبة (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر وعمر) وفي بعض الأخبار (ولو أشاء أن أسمي الثالث لفعلت) وفي بعض الأخبار أنه عليه السلام خطب بذلك بعد ما أنهي إليه أن رجلا تناول أبا بكر وعمر بالشتيمة فدعا به وتقدم لعقوبته بعد أن شهدوا عليه بذلك * وروى جعفر ابن محمد عن أبيه عن جده عليه السلام قال لما استخلف أبو بكر جاء أبو سفيان فاستأذن على علي عليه السلام وقال: أبسط يدك أبايعك، فوالله لأملأها على أبي فصيل (6) خيلا ورجلا فانزوى عنه عليه السلام فقال:
____________
(1) أبو جحيفة: وهب بن عبد الله السوائي ويقال له: وهب الخير، كان من صغار الصحابة، جعله علي بن أبي طالب على بيت المال بالكوفة، وشهد معه مشاهده كلها، وكان يحبه ويثق إليه، ويسميه: وهب الخير، ووهب الله، وروى عنه ابنه عون أنه أكل ثريدة بلحم وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتجشأ، فقال: (اكفف عليك جشاءك أبا جحيفة فإن أكثرهم شيعا أكثرهم جوعا يوم القيامة) فما أكل أبو جحيفة ملء بطنه حتى فارق الدنيا توفي سنة 72.
(2) يريد الإمام محمد بن علي الباقر عليه السلام أو محمد بن الحنفية.
(3) عبد خير هو عبد خير بن يزيد الهمداني يكنى أبا عمارة أدرك زمان النبي صلى الله عليه وسلم وهو من أكابر أصحاب علي رضي الله عنه وسكن الكوفة وهو ثقة مأمون (أسد الغابة 3 / 277).
(4) سويد بن غفلة - بالغين المعجمة والفاء مفتوحتين وقيل بالعين المهملة وهو خلاف المشهور - الجعفي مخضرم من كبار التابعين، قدم المدينة يوم دفن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان مسلما في حياته توفي بالكوفة سنة 1 أو 2 أو 83.
(5) أبو حكيمة أحد الرواة عن علي عليه السلام (انظر الكنى والأسماء للدولابي ص 155).
(6) انظر شرح نهج البلاغة 1 / 222.
|
وروى جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر بن عبد الله قال لما غسل عمر وكفن دخل علي عليه السلام فقال ما على الأرض أحد أحب إلي أن ألقى الله بصحيفته من هذا المسجى بين أظهركم، وروي مثل ذلك عن ابن عباس وابن عمر وقال صلى الله عليه وآله (اقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر ولو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا) إلى غير ذلك مما يطول ذكره " قال: " فإذا كانت هذه الأخبار وغيرها مما يطول ذكرها منقولة ظاهرة فلم صرتم بأن تستدلوا بما ذكرتموه على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام وفضله بأولى ممن خالفكم، وادعى النص لأبي بكر والفضل له، ونبه بذلك على أن الواجب فيما هذا حاله العدول عن أخبار الآحاد إلى طريقة العلم، وإنما نذكر هذه الأخبار لنبين لهم الفضل، وإنهم أهل الإمامة لأنه لا يرجع في ذلك إلى ما طريقه القطع، فأما الاعتماد على ذلك في باب النص (2) فبعيد، قال: على أن هذه الأخبار لا تقتضي النص بل هي مختلفة (3) لأن قوله صلى الله عليه وآله (إمام المتقين) أراد به في التقوى والصلاح، ولو أراد به الإمامة لم يكن إماما بأن يكون للمتقين بأولى من أن يكون إماما للفاسقين، وعلى هذا الوجه خبر عز وجل عن الصالحين (4) أنهم سألوا الله عز وجل في الدعاء (واجعلنا للمتقين
____________
(1) ما بين النجمتين ساقط من المغني.
(2) غ " في باب النقل ".
(3) غ " لا يقتضي الرضا فهي محتملة ".
(4) في حاشية المخطوطة " الصادقين ".
|
(ولي كل مؤمن) لا يدل على الإمامة، فأما قوله صلى الله عليه وآله (إن عليا مني وأنا منه) فإنما يدل (3) على الاختصاص والقرب ولا مدخل له في الإمامة، فأما ادعاؤهم أنه صلى الله عليه وآله تقدم بأن يسلم عليه بإمرة المؤمنين فمما لا أصل له، ولو ثبت لدل على أنه الإمام في الحال لا في الثاني على ما تقدم القول فيه،... " (4).
يقال له: قد بينا فيما تقدم أن الخبر الذي يتضمن الأمر بالتسليم على أمير المؤمنين عليه السلام بإمرة المؤمنين تتواتر الشيعة بنقله، وأنه أحد ألفاظ النص الجلي الذي دللنا على حصول شرائط التواتر فيه وقوله عليه السلام: (إنه سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين) (5) وقوله فيه: (هذا ولي كل مؤمن ومؤمنة بعدي) (6) جار مجرى الخبر الأول
____________
(1) الفرقان 74.
(2) غ " يتأتي بهم " وما في المتن أرجح.
(3) ع " فإنما يدخل ".
(4) المغني 20 ق 1 / 190 و 191.
(5) أخرجه الحاكم في المستدرك 3 / 137 وقال: هذا حديث صحيح الاسناد، والمتقي في كنز العمال 6 / 157 وقال: أخرجه البارودي وابن قانع والبزاز والحاكم وأبو نعيم، والهيثمي في مجمع الزوائد 9 / 121 وقال: رواه الطبراني في الصغير.
(6) في مسند أبي داود الطيالسي 3 / 111 " إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي " فيه 11 / 360 " أنت ولي كل مؤمن بعدي " وروي بهذا المضمون في مسند أحمد 4 / 437 و 5 / 356 وحلية الأولياء 6 / 294، وخصائص النسائي ص 19 و 23 وكنز العمال 6 / 159 و 396.
|
فأما قوله: (إن الخبر لا يصير داخلا في التواتر بأن يقولوا إن الشيعة طبقت البلاد عصرا بعد عصر، فروايتها يجب أن تبلغ حد التواتر دون أن نبين حصول النقل على شروط التواتر) فليت شعرنا بأي شئ يعلم التواتر أهو أكثر من أن نجد كثرة لا يجوز عليهم التواطؤ والتعارف (1) ينقلون ويدعون أنهم نقلوا خبرا ما عمن هو بمثل صفتهم، ونعلم أن أولهم في الصفة كآخرهم إلى سائر الشروط التي تقدم ذكرها، ودلالتنا على ثبوتها في نقل الشيعة ومتى شك شاك فيما ذكرنا فليتعاط الإشارة إلى خبر متواتر حتى نعلمه أن خبر الشيعة يوازنه إن لم يزد عليه، ولولا أنا حكمنا هذا فيما تقدم وبسطناه وفرغنا منه لما اقتصرنا فيه على هذه الجملة، وقد بينا أيضا أنه ليس من شرط صحة التواتر حصول العلم الضروري، فليس له أن يجعل الدلالة على أن هذه الأخبار غير متواترة فقد العلم الضروري بمخبرها، وكل هذا قد تقدم.
____________
(1) في المخطوطة " التفارق " وله وجه وما في المتن أوجه.
|
____________
(1) خطب - هنا - الأمر والشأن كأنه أراد وأما الأمر الذي ذكره والروايات التي جمعها، أو لعلها " خبطة " من الخبط، وهو المشي في الظلام بلا مصباح يهتدي عليه، والمراد ركوب الأمر بجهالة.
|
ثم نرجع إلى التفصيل فنقول: قد دللنا على ثبوت النص على أمير المؤمنين عليه السلام بأخبار مجمع على صحتها متفق عليها، وإن كان الاختلاف واقعا في تأويلها وبينا أنها تفيد النص عليه عليه السلام بغير احتمال ولا إشكال كقوله صلى الله عليه وآله (أنت مني بمنزلة هارون من موسى) و (من كنت مولاه فعلي مولاه) إلى غير ذلك مما دللنا على أن القرآن يشهد به كقوله تعالى: (إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا) (1) فلا بد من أن نطرح كل خبر ناف ما دلت عليه هذه الأدلة القاطعة إن كان غير محتمل للتأويل، ونحمله بالتأويل على ما يوافقها ويطابقها إذا ساغ ذلك فيه كما يفعل في كل ما دلت الأدلة القاطعة عليه وورد سمع ينافيه، ويقتضي خلافه، وهذه الجملة تسقط كل خبر يروى في أنه عليه السلام لم يستخلف، على أن الخبر الذي رواه عن أمير المؤمنين، لما قيل له ألا توصي (2) فقال: " ما أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله فأوصي، ولكن إن أراد الله تعالى بالناس خيرا فسيجمعهم على خيرهم كما جمعهم بعد نبيهم على خيرهم "، فمتضمن لما يكاد يعلم بطلانه ضرورة، لأن فيه التصريح القوي بفضل أبي بكر عليه، وأنه خير منه، والظاهر من أحوال أمير المؤمنين، والمشهور من أقواله وأفعاله جملة وتفصيلا يقتضي أنه كان يقدم نفسه على أبي بكر وغيره من الصحابة، وأنه كان لا يعترف لأحدهم بالتقدم عليه، ومن تصفح الأخبار والسير، ولم تمل به العصبية والهوى، يعلم هذا من حاله على وجه لا يدخل فيه شك، ولا اعتبار بمن دفع هذا ممن يفضل عليه لأنه بين أمرين إما أن يكون عاميا أو مقلدا لم يتصفح
____________
(1) المائدة 55.
(2) في المخطوطة (ألا ترضى) وهو تصحيف قطعا.
|
____________
(1) تصفح الشئ نظر في صفحاته.
(2) حديث الطير رواه جماعة من العلماء كالترمذي ج 2 / 299 والنسائي في خصائصه ص 5 والحاكم في مستدركه 3 / 130 و 131 وأبو نعيم في حليته 6 / 339، والخطيب في تاريخه 3 / 171، والمتقي في كنزه 6 / 406 والهيثمي في مجمعه 9 / 125 و 126.
(3) انظر كنز العمال 6 / 153 ومستدرك الحاكم 3 / 129، وفي مسند أحمد 5 / 26 " أما ترضين أن زوجتك خير أمتي ".
(4) مستدرك الحاكم 3 / 124، حلية الأولياء 1 / 63 و 5 / 38 وفيهما " فقالت عائشة ألست سيد العرب؟ قال: أنا سيد ولد آدم وعلي سيد العرب ".
(5) تقدم آنفا عن مسند الإمام أحمد.
(6) كنز العمال 6 / 154.
(7) في تاريخ بغداد للخطيب 3 / 19 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من لم يقل علي خير البشر فقد كفر) وفي ج 7 / 421 " علي خير البشر فمن امترى فقد كفر " وانظر تقريب التهذيب لابن حجر 9 / 419.
|
فأما الخبر الذي رواه عن العباس رضي الله عنه من أنه قال لأمير المؤمنين عليه السلام لو سألت النبي صلى الله عليه وآله عن القائم بالأمر بعده، فقد تقدم في كتابنا الكلام عليه وبينا أنه لو كان صحيحا لم يدل على بطلان النص فلا وجه لإعادة ما قلناه فيه.
وبعد، فبإزاء هذين الخبرين الشاذين اللذين رواهما في أن أمير المؤمنين عليه السلام. لم يوص كما لم يوص رسول الله صلى الله عليه وآله الأخبار التي ترويها الشيعة من جهات عدة، وطرق مختلفة المتضمنة لأنه عليه السلام وصى إلى الحسن ابنه، وأشار إليه واستخلفه، وأرشد إلى طاعته من بعده، وهي أكثر من أن نعدها ونوردها.
فمنها، ما رواه أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السلام أن أمير المؤمنين لما أن حضره الذي حضره قال لابنه الحسن عليه السلام: " ادن
____________
(1) شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 20 / 262.
(2) كنز العمال 6 / 218.
(3) سنتعرض لهذا الحديث بعد قليل.
|
وروى حماد بن عيسى عن عمر بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: " أوصى أمير المؤمنين عليه السلام إلى الحسن عليه السلام وأشهد على وصيته الحسين ومحمدا عليهما السلام وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته، ثم دفع إليه الكتب والسلاح " في خبر طويل يتضمن الأمر بالوصية في واحد بعد واحد إلى أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين بن علي عليهم السلام وأخبار وصية أمير المؤمنين عليه السلام إلى ابنه الحسن عليه السلام واستخلافه له ظاهرة مشهورة بين الشيعة وأقل أحوالها واخفض مراتبها أن يعارض ما رواه ويخلص ما استدللنا به.
فأما ما حكاه من معارضة أبي علي لنا بما يروى من الأخبار في استخلاف أبي بكر وذكره
من ذلك شيئا بعد شئ فقد تقدم من كلامنا في إفساد النص على أبي بكر واستخلاف الرسول
له صلى الله عليه وآله ما يبطل كل شئ يدعى في هذا الباب على سبيل الجملة والتفصيل
لأنا قد بينا أنه لو كان هناك نص عليه لوجب أن يحتج به على الأنصار في السقيفة عند
نزاعهم له في الأمر، ولا يعدل عن الاحتجاج بذلك إلى روايته (إن الأئمة من قريش)
وشرحنا ذلك وأوضحناه وأزلنا كل شبهة تعرض فيه، وإنه لو كان أيضا منصوصا عليه لم يجز
أن يشير إلى أبي عبيدة وعمر في يوم السقيفة، ويقول بايعوا أي الرجلين شئتم ولا أن
يستقبل المسلمين الذين لم يثبت إمامته بعقدهم ومن جهتهم، ولا أن يقول: وددت أني كنت
سألت رسول الله صلى الله عليه وآله عن هذا الأمر فيمن هو فكنا لا ننازعه أهله، ولما
جاز أن يقول عمر كانت بيعة أبي بكر فلتة ولا أن يقول: أن أستخلف فقد استخلف من هو
خير مني يعني أبا بكر وإن أترك فقد ترك